المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عالم الروح


ابو عبد الله الشدادي
24 Jul 2005, 01:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لمجده، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.أما بعد:

فأسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يجعلني وإياكم ممن يتحرك لله، ويعمل لله، ويطلب العلم لله، ويتكلم ويعمل لله -جل جلاله-

أحبتي في الله ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:



المسألة وهي أن الروح هل تعاد إلى الميت في قبره وقت السؤال أم لا ..؟

فقد كفانا رسول الله أمر هذه المسالة وأغنانا عن أقوال الناس حيث صرح بإعادة الروح إليه فقال البراء بن عازب كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا النبي وسلم فقعد وقعدنا حوله كأن على رءوسنا الطير وهو يلحد له فقال أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات ثم قال إن العبد إذا كان في إقبال من الآخرة وإنقطاع من الدنيا نزلت إليه ملائكة كأن وجوههم الشمس فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون بها يعنى على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان إبن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله تعالى فيقول الله عز وجل إكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنا أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولون له ما دينك فيقول دينى الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك بهذا فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادى مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابا من الجنة قال فيأتيه من ريحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال وإن العبد الكافر إذا كان في إنقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة إخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة ..

معاد الأرواح ونعيمها وعذابها بدون الأبدان وكلا القولين خطأ وضلال لكن قول الفلاسفة أبعد عن أقوال أهل الإسلام وإن كان قد يوافقهم عليه من يعتقد أنه متمسك بدين الإسلام بل من يظن أنه من أهل المعرفة والتصوف والتحقيق والكلام والقول الثالث الشاذ قول من يقول إن البرزخ ليس فيه نعيم ولا عذاب بل لا يكون ذلك حتى تقول الساعة الكبرى كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة ونحوهم ممن ينكر عذاب القبر ونعيمه بناء على أن الروح لا تبقى بعد فراق البدن وأن البدن لا ينعم ولا يعذب فجميع هؤلاء الطوائف ضلال في أمر البرزخ لكنهم خير من الفلاسفة فإنهم مقرون بالقيامة الكبرى .


فصل فإذا عرفت هذه الأقوال الباطلة فلتعلم أن مذهب سلف الأمة وأئمتها ..

أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى ..


فصل ونحن نثبت ما ذكرناه فأما أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير..

فكثيرة متواترة عن النبي كما في الصحيحين عن إبن عباس أن النبي مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين فقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا
وفي صحيح مسلم عن زيد بن ثابت قال رسول الله في حائط لبنى النجار على بغلته ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه فإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال من يعرف أصحاب هذه القبور فقال رجل أنا قال فمتى مات هؤلاء قال ماتوا في الإشراك فقال إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ثم أقبل علينا بوجهه فقال تعوذوا بالله من عذاب النار قالوا نعوذ بالله من عذاب النار قال تعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر قال تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قال تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال..

وفي سنن أبى داوود من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم وقال أبو داود الطيالسى في مسنده حدثنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن إبن عباس أن رسول الله على قبرين فقال إنهما ليعذبان في غير كبير أما أحدهما فكان يأكل لحوم الناس وأما الآخر فكان صاحب نميمة ثم دعا بجريدة فشقها نصفين فوضع نصفها على هذا القبر ونصفها على هذا القبر وقال عسى أن يخفف عنهما ما دامتا رطبتين
وقد إختلف الناس في هذين هل كانا كافرين أو مؤمنين كانا كافرين وقوله وما يعذبان في كبير يعنى بالإضافة إلى الكفر والشرك قالوا ويدل عليه أن العذاب لم يرتفع عنهما وإنما خفف وأيضا فإنه خفف مدة رطوبة الجريدة فقط وأيضا فإنهما لو كانا مؤمنين لشفع فيهما ودعا لهما النبي فرفع عنهما بشفاعته وأيضا ففي بعض طرق الحديث أنهما كانا كافرين وهذا التعذيب زيادة على تعذيبهما بكفرهما وخطاياهما وهو دليل على أن الكافر يعذب بكفره وذنوبه جميعا وهذا إختيار أبى الحكم بن برخان وقيل كانا مسلمين لنفيه بسبب غير السببين المذكورين ولقوله وما يعذبان في كبير والكفر والشرك أكبر الكبائر على الإطلاق ولا يلزم أن يشفع النبي لكل مسلم يعذب في قبره على جريمة من الجرائم فقد أخبر عن صاحب الشملة الذى قتل في الجهاد أن الشملة تشتعل عليه نارا في قبره وكان مسلما مجاهدا ولا يعلم ثبوت هذه اللفظة وهى قوله كانا كافرين ولعلها لو صحت وكلا فهى من قول بعض الرواة والله أعلم .وهذا إختيار أبى عبد الله القرطبى .


المسألة السابعة وهى قول للسائل ما جوابنا للملاحدة والزنادقة المنكرين ..؟

لعذاب القبر وسعته وضيقه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة وكون الميت لا يجلس ولا يقعد فيه قالوا فإنا نكشف القبر فلا نجد فيه ملائكة عميا صما يضربون الموتى بمطارق من حديد ولا نجد هناك حيات ولا ثعابين ولا نيرانا تأجج ولو كشفنا حالة من الأحوال لوجدناه لم يتغير ولو وضعنا على عينيه الزئبق وعلى صدره الخردل لوجدناه على حاله وكيف يفسح مد بصره أو يضيق عليه ونحن ونجده بحاله ونجد مساحته على حد ما حفرناها لم يزد ولم ينقص وكيف يسع ذلك اللحد الضيق له وللملائكة وللصورة التي تؤنسه أو توحشه قال إخوانهم من أهل البدع والضلال وكل حديث يخالف مقتضى العقول والحس يقطع بتخطئة قائله قالوا ونحن نرى المصلوب على خشبة مدة طويلة لا يسأل ولا يجيب ولا يتحرك ولا يتوقد جسمه نارا ومن إفترسته السباع ونهشته الطيور وتفرقت أجزاؤه وفي أجواف السباع وحواصل الطيور وبطون الحيتان ومدارج الرياح كيف تسأل أجزاؤه مع تفرقها وكيف يتصور مسألة الملكين لمن هذا وصفه وكيف يصير القبر على هذا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وكيف يضيق عليه حتى تلتئمه أضلاعه ونحن نذكر أمورا يعلم بها الجواب ..!


فصل الأمر الأول أن يعلم أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يخبروا..

بما تحيله العقول وتقطع بإستحالته بل إخبارهم قسمان أحدهما ما تشهد به العقول والفطر الثاني مالا تدركه العقول بمجردها كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر وتفاصيل الثواب والعقاب ولا يكون خبرهم محالا في العقول أصلا وكل خبر يظن أن العقل يحيله فلا يخلو من أحد أمرين أما يكون الخبر كذبا عليهم أو يكون ذلك العقل فاسدا وهو شبهة خيالية يظن صاحبها أنها معقول صريح قال تعالى : (( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد)). وقال تعالى : ((أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى )) .وقال تعالى : ((الذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه)). والنفوس لا تفرح بالمحال وقال تعالى : (( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )). والمحال لا يشفي ولا يحصل به هدى ولا رحمة ولا يفرح به فهذا أمر من لم يستقر في قلبه خير ولم يثبت له على الإسلام قدم وكان أحسن أحواله الحيرة والشك .


فصل الأمر الثاني أن يفهم عن الرسول مراد من غير غلو ولا تقصير..

فلا يحمل كلامه مالا يحتمله ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان في البدن تأثيرا مشاهدا فيرى النائم في نومه أنه ضرب فيصبح وأثر الضرب في جسمه ويرى أنه قد أكل أو شرب فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في فيه ويذهب عنه الجوع والظمأ وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم في نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك وذلك أن الحكم لما جرى على الروح إستعانت بالبدن من خارجه ولو دخلت فيه لإستيقظ وأحس فإذا كانت الروح تتألم وتتنعم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الإستتباع فهكذا في البرزخ بل أعظم فإن تجرد الروح هنالك أكمل وأقوى وهى متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الإنقطاع فإذا كان يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهرا باديا أصلا ومتى أعطيت هذا الموضع حقه تبين لك أن ما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وضمه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه وإن من أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه وقلة علمه أتى كما قيل وكم من عائب قولا صحيحا % وآفته من الفهم السقيم وأعجب من ذلك أنك تجد النائمين في فراش واحد وهذا روحه في النعيم ويستيقظ وأثر النعيم على بدنه وهذا روحه في العذاب ويستيقظ وأثر العذاب على بدنه وليس عند أحدهما خبر عند الآخر فأمر البرزخ أعجب من ذلك .

الفصل الأمر الثالث أن الله سبحانه جعل أمر الآخرة وما كان متصلا بها..

غيبا وحجها عن إدراك المكلفين في هذه الدار وذلك من كمال حكمته وليتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم فأول ذلك أن الملائكة تنزل على المحتضر وتجلس قريبا منه ويشاهدهم عيانا ويتحدثون عنده ومعهم الأكفان والحنوط إما من الجنة وإما من النار ويؤمنون على دعاء الحاضرين بالخير والشر وقد يسلمون على المحتضر ويرد عليهم تارة بلفظه تارة بإشارته وتارة بقلبه حيث لا يتمكن من نطق ولا إشارة وقد سمع بعض المحتضرين يقول أهلا وسهلا ومرحبا بهذه الوجوه وأخبرني شيخنا عن بعض المحتضرين فلا أدرى أشاهده وأخبر عنه أنه سمع وهو يقول عليك السلام ها هنا فإجلس وعليك السلام ها هنا فإجلس بالذات والبدن تبعا فيكون البدن في لحد أضيق من ذراع وقد فسح له مد بصره تبعا لروحه وأما عصرة القبر حتى تختلف بعض أجزاء الموتى فلا يرده حس ولا عقل ولا فطرة ولو قدر أن أحدا نبش عن ميت فوجد أضلاعه كما هي لم تختلف لم يمنع أن تكون قد عادت إلى حالها بعد العصرة فليس مع الزنادقة والملاحدة إلا مجرد تكذيب الرسول ولقد أخبر بعض الصادقين أنه حفر ثلاثة أقبر فلما فرغ منها إضطجع ليستريح فرأى فيما يرى النائم ملكين نزلا فوقفا على أحد الأقبر فقال أحدهما لصاحبه إكتب فرسخا في فرسخ ثم وقف على الثاني فقال إكتب ميلا في ميل ثم وقف على الثالث فقال إكتب فترا في فتر ثم إنتبه فجيء برجل غريب لا يؤبه له فدفن في القبر الأول ثم جيء برجل آخر فدفن في القبر الثاني ثم جيء بإمرأة مترفة من وجوه البلد حولها ناس كثير فدفنت في القبر الضيق الذى سمعه يقول فترا في فتر والفتر ما بين الإبهام والسبابة..


فصل الأمر الرابع أن النار التي في القبر والخضرة ليست من نار الدنيا ..

ولا من زروع الدنيا فيشاهده من شاهد نار الدنيا وخضرها وإنما هي من نار الآخرة وخضرها وهى أشد من نار الدنيا فلا يحس به أهل الدنيا فإن الله سبحانه يحمى عليه ذلك التراب والحجارة التي عليه وتحته حتى يكون أعظم حرا من جمر الدنيا ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك بل أعجب من هذا أن الرجلين يدفنان أحدهما إلى جنت الآخر وهذا في حفرة من حفر النار لا يصل حرها إلى جاره وذلك في روضة من رياض الجنة لا يصل روحها ونعيمها إلى جاره
وقدرة الرب تعالى أوسع وأعجب من ذلك وقد أرانا الله من آيات قدرته في هذه الدار ما هو أعجب من ذلك بكثير ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علما إلا من وفقه الله وعصمه فيفرش للكافر لوحان من نار فيشتعل عليه قبره بهما كما يشتعل التنور فإذا شاء الله سبحانه أن يطلع على ذلك بعض عبيده أطلعه وغيبه عن غيره إذ لو طلع العباد كلهم لزالت كلمة التكليف والإيمان بالغيب ولما تدافن الناس كما في الصحيحين عنه لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع ولما كانت هذه الحكمة منفية في حق البهائم سمعت ذلك وأدركته كما حادت برسول الله بغلته وكادت تلقيه لما مر بمن يعذب في قبره
وحدثني صاحبنا أبو عبد الله محمد بن الرزيز الحرانى أنه خرج من داره بعد العصر بآمد إلى بستان قال فلما كان قبل غروب الشمس توسطت القبور فإذا بقبر منها وهو جمرة .


فصل الأمر الخامس أن الله سبحانه وتعالى يحدث في هذه الدار ما هو أعجب ..

من ذلك فهذا جبريل كان ينزل على النبي ويتمثل له رجلا فيكلمه بكلام يسمعه ! ومن إلى جانب النبي لا يراه ولا يسمعه وكذلك غيره من الأنبياء وأحيانا يأتيه الوحي في مثل صلصة الجرس ولا يسمعه غيره من الحاضرين وهؤلاء الجن يتحدثون ويتكلمون بالأصوات المرتفعة بيننا ونحن لا نسمعهم وقد كانت الملائكة تضرب الكفار بالسياط وتضرب رقابهم وتصيح بهم والمسلمون معهم لا يرونهم ولا يسمعون كلامهم والله سبحانه قد حجب بنى آدم عن كثير مما يحدثه في الأرض وهو بينهم وقد كان جبريل يقرئ النبي ويدارسه القرآن والحاضرون لا يسمعونه..
وكيف يستنكر من يعرف الله سبحانه ويقر بقدرته أن يحدث حوادث يصرف عنها أبصار بعض خلقه حكمة منه ورحمة بهم لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها والعبد أضعف بصرا وسمعا من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر وكثيرا ممن أشهده الله ذلك صعق وغشى عليه ولم ينتفع بالعيش زمنا وبعضهم كشف قناع قلبه فمات فكيف ينكر في الحكمة الإلهية إسبال غطاء يحول بين المكلفين وبين مشاهدة ذلك حتى إذا كشف الغطاء رأوه وشاهدوه عيانا ثم إن العبد قادر على أن يزيل الزئبق والخردل عن عين الميت وصدره ثم يرده بسرعة فكيف يعجز عنه الملك وكيف لا يقدر عليه من هو على كل شيء قدير وكيف تعجز قدرته عن إبقائه في عينيه وعلى صدره لا يسقط عنه وهل قياس أمر للبرزخ على ما يشاهده الناس في الدنيا إلى محض الجهل والضلال وتكذيب أصدق الصادقين وتعجيز رب العالمين وذلك غاية الجهل والظلم وإذا كان أحدنا يمكنه توسعة القبر عشرة أذرع ومائة ذراع وأكثر طولا وعرضا وعمقا ويستر توسيعه عن الناس ويطلع عليه من يشاء فكيف يعجز رب العالمين أن يوسعه ما يشاء على من يشاء ويستر ذلك عن أعين بنى آدم فيراه بنو آدم ضيقا وهو أوسع شيء وأطيبه ريحا وأعظمه إضاءة ونورا وهم لا يرون ذلك وسر المسألة أن هذه السعة والضيق والإضاءة والخضرة والنار ليس من جنس المعهود في هذا العالم والله سبحانه إنما أشهد بنى آدم في هذه الدار ما كان فيها ومنها فأما ما كان من أمر الآخرة فقد أسبل عليه الغطاء ليكون الإقرار به والإيمان سببا لسعادتهم فإذا كشف عنهم الغطاء صار عيانا مشاهدا فلو كان الميت بين الناس موضوعا لم يمتنع أن يأتيه الملكان ويسألانه من غير أن يشعر الحاضرون بذلك ويجيبهما من غير أن يسمعوا كلامه ويضربانه من غير أن يشاهد الحاضرون ضربه وهذا الواحد منا ينام إلى جنب صاحبه فيعذب في النوم ويضرب ويألم وليس عند المستيقظ خبر من ذلك البتة وقد سرى أثر الضرب والألم إلى جسده
ومن أعظم الجهل إستبعاد شق الملك الأرض والحجر وقد جعلهما الله سبحانه له كالهواء للطير ولا يلزم من حجبها للأجسام الكثيفة أن تتولج حجبها للأرواح اللطيفة وهل هذا إلا من أفسد القياس وبهذا وأمثاله كذبت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم .


فصل الأمر السادس أنه غير ممتنع أن ترد الروح إلى المصلوب والغريق ..

والمحرق ونحن لا نشعر بها لأن ذلك الرد نوع آخر غير المعهود فهذا المغمى عليه والمسكوت والمبهوت أحياء وأرواحهم معهم ولا تشعر بحياتهم ومن تفرقت أجزاؤه لا يمتنع على من هو على كل شيء قدير أن يجعل للروح إتصالا بتلك الأجزاء على تباعد ما بينها وقربه ويكون في تلك الأجزاء شعور بنوع من الألم واللذة وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل في الجمادات شعورا وإدراكا تسبح ربها به وتسقط الحجارة من خشيته وتسجد له الجبال والشجر وتسبحه الحصى والمياه والنبات قال تعالى : (( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم )) . ولو كان التسبيح هو مجرد دلالتها على صانعها لم يقل : "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" فإن كل عاقل يفقه دلالتها على صانعها وقال تعالى : ((إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق )) .والدلالة على الصانع لا تختص بهذين الوقتين وكذلك قوله تعالى : " يا جبال أوبي معه " والدلالة لا تختص معيته وحده وكذب على الله من قال التأويب رجع الصدى فإن هذا يكون لكل مصوت وقال تعالى: (( ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس )) . والدلالة على الصانع لا تختص بكثير من الناس وقد قال تعالى )) : ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صفات كل قد علم صلاته وتسبيحه )). فهذه صلاة وتسبيح حقيقة يعلمها الله وإن جحدها الجاهلون المكذبون وقد أخبر تعالى عن الحجارة أن بعضها يزول عن مكانه ويسقط من خشيته وقد أخبر عن الأرض والسماء أنهما يأذنان له وقولهما ذلك أي يستعمان كلامه وأنه خاطبهما فسمعا خطابه وأحسنا جوابه فقال لهما : ( إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ). وقد كان الصحابة يسمعون تسبيح الطعام . وهو يؤكل وسمعوا حنين الجذع اليابس في المسجد فإذا كانت هذه الأجسام فيها الإحساس والشعور فالأجسام التي كانت فيها الروح والحياة أولى بذلك وقد أشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار إعادة حياة كاملة إلى بدن قد فارقته الروح فتكلم ومشى وأكل وشرب وتزوج وولد له كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت لبثت قال لبثت يوما أو بعضيوم وكقتيل بنى إسرائيل أو كالذين قال لموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأماتهم الله ثم بعثهم من بعد موتهم وكأصحاب الكهف وقصة إبراهيم في الطيور الأربعة فإذا أعاد الحياة التامة إلى هذه الأجساد بعد ما بردت بالموت فكيف يمتنع على قدرته الباهرة أن يعيد إليها بعد موتها حياة ما غير مستقرة يقضى بها ما أمره فيها ويستنطقها بها ويعذبها أو ينعمها بأعمالها وهل إنكار ذلك إلا مجرد تكذيب وعناد وجحود وبالله التوفيق . والله تعالى أعلم .

وللحديث بقية بإذن الله تعالى ..

من كتاب الروح " لإبن القيم الجوزية عليه من الله شآبيب الرحمة "


وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وآخر .دعونا أن الحمد لله رب العالمين .


أخوكم ابو عبدالله

الولهان
24 Jul 2005, 01:22 AM
مشكور على الموضوع اخوووي ابو عبدالله
جــــزاك الله خــــيــــر ..

ويعطيك العافيه

وتحياتي لكـ ...

الهادي
24 Jul 2005, 12:48 PM
مشكور على الموضوع اخوووي ابو عبدالله
جــــزاك الله خــــيــــر ..0 تحياتي

عبدالله الشدادي
24 Jul 2005, 01:31 PM
هلا يابوي حياك الله

في المنتدى وموضوعك

رااااائع وجزاك الله كل خير

هههههه

تراء هذأ الوالد ياشباب

نــــــدى
26 Jul 2005, 09:53 PM
حياك الله ابو عبدالله
شاكرين لك هالمشاركه الطيبه
الله يكثر من امثالك

الولهان
28 Jul 2005, 01:49 AM
هلا يابوي حياك الله

في المنتدى وموضوعك

رااااائع وجزاك الله كل خير

هههههه

تراء هذأ الوالد ياشباب

الله يرجك يا ابو عابد
ما تترك حركاتك

المستحيلة
18 Dec 2005, 08:29 AM
احسنت في التفصيل يابو عبدالله
الروح لا زلت سر حير العلماء اما نحن المسلمون ..
اكتفينا .... قل الروح من امر الله ...
والقران دليل واضح للحد من السؤال عن هذه الغيبية ..

ss سحر ss
18 Dec 2005, 11:34 PM
مشكووووووووره اخي ابو عابد على الموضوع
وجزاك الله كل خير