الجوكر
21 Feb 2006, 11:33 PM
حكي أن بعض الملوك طلع يوما إلى أعلى قصره يتفرج؛فلاحت من التفاتة؛فرأى امرأة على سطح دار إلى جانب قصره لم ير الرؤون أحسن منها؛فالتفت إلى بعض جواريه؛فقال لها:لمن هذه؟فقالت:يامولاي هذه زوجة غلامك فيروز. فنزل الملك وقد خامره حبها؛وشغف بها؛فاستدعى الغلام وقال له:يافيروز. قال لبيك يامولاي.
قال:خذ هذا الكتاب وامض به إلى البلد الفلانية وأتني بالجواب. فأخذ فيروز الكتاب؛ وتوجه إلى منزله؛فوضع الكتاب تحت رأسه؛ وجهز أمره وبات ليلته؛ فلما أصبح ودع أهله وسار طالبا لحاجة الملك؛ولم يعلم بما قد دبره الملك؛ وأما الملك فانه لما توجه فيروز قام مسرعا وتوجه متخفيا إلى دار فيروز؛فقرع الباب قرعا خفيفا؛ فقالت امرأة فيروز: من بالباب؟
قال أنا الملك سيد زوجك؛ففتحت له فدخل وجلس فقالت له أرى مولانا اليوم عندنا. قال زائر.فقالت أعوذ بالله من هذه الزيارة؛ وما أظن فيها خيرا؛ فقال لها: ويحك إنني الملك سيد زوجك وما أظنك عرفتيني. فقالت عرفتك يا مولاي ولقد علمت أنك الملك ولكن سبقتك الأوائل في قولهم:
سأترك ماءكم من غير ورد = وذاك لكثرت الوراد فيه
أذا سقط الذباب على طعام = رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء = أذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتجع الكريم خميص بطن =ولا يرضى مساهمة السفيه
وما أحسن يامولاي قول الشاعر::
قل للذي شفه الغرام بنا = وصاحب الغدر غير مصحوب
والله لا قال قائل أبدا = قد أكل الليث فضله الذيب
ثم قالت: أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه؟ فستحيا الملك من كلامها وخرج وتركها؛ فنسي نعله في الدار. هذا ما كان من الملك.
أما ما كان من فيروز؛ فانه لما خرج وسار تفقد الكتاب فلم يجده؛ فتذكر أنه نسيه تحت فراشه فرجع إلى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره؛ فوجد نعل الملك في الدار؛ فطاش عقله وعلم أن الملك لم يرسله في سفره إلا لأمر يفعله؛ فسكت ولم يبد كلاما وأخذ الكتاب وسار إلى حاجة الملك فقضاها ثم عاد أليه فأنعم عليه بمائة دينار. فمضى فيروز إلى السوق واشترى مايليق بالنساء وهيأ هدية حسنة وأتى إلى زوجته فسلم عليها وقال لها: قومي إلى زيارة بيت أبيك. وما ذاك؟
قال إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك. قالت حبا وكرامة. ثم قامت من ساعتها وتوجهت إلى بيت أبيها ففرحوا بها. وبما جاءت به معها فأقامت عند أهلها شهر فلم يذكرها زوجها ولا ألم بها؛ فأتى إليه أخوها وقال له يافيروز: إما أن تخبرنا بسبب غضبك وإما أن تحاكمنا إلى الملك. فقال: إن شئتم الحكم فافعلوا فما تركت لها علي حقا. فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم؛ وكان القاضي إذ ذاك الملك جالسا جانبه. فقال أخو الصبية: أيد الله مولانا القاضي إني أجرت هذا الغلام بستانا سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة وأشجار؛ مثمرة فأكل ثمره؛ وهدم حيطانه وأخرب بئره؛ فالتفت القاضي إلى فيروز وقال له: ماتقول يا غلام؟ فقال فيروز: أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان أحسن مما كان.
فقال القاضي: هل سلم لك البستان كما كان؟
قال: نعم ولكن أريد منه السبب لرده؟
قال القاضي: ما قولك؟
قال: والله يامولاي ما رددت البستان لكراهة فيه وإنما جئت يوما من الأيام فوجدت فيه أثر الأسد فخفت أن يغتالني. فحرمت الدخول البستان إكراما للأسد.
وكان الملك متكئا فاستوى جالسا؛ وقال: يافيروز أرجع إلى بستانك أمنا مطمئنا؛ فوالله أن الأسد دخل البستان ولم يؤثر فيه أثرا ولا التمس منه رزقا ولا ثمرا ولا شيئا؛ ولم يلبث فيه غير لحظه يسيرة؛ وخرج من غير بأس؛ ووالله ما رأيت مثل بستانك ولا أشد احترازا من حيطانه على شجره. فرجع فيروز إلى داره؛ ورد زوجته ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك.
قال:خذ هذا الكتاب وامض به إلى البلد الفلانية وأتني بالجواب. فأخذ فيروز الكتاب؛ وتوجه إلى منزله؛فوضع الكتاب تحت رأسه؛ وجهز أمره وبات ليلته؛ فلما أصبح ودع أهله وسار طالبا لحاجة الملك؛ولم يعلم بما قد دبره الملك؛ وأما الملك فانه لما توجه فيروز قام مسرعا وتوجه متخفيا إلى دار فيروز؛فقرع الباب قرعا خفيفا؛ فقالت امرأة فيروز: من بالباب؟
قال أنا الملك سيد زوجك؛ففتحت له فدخل وجلس فقالت له أرى مولانا اليوم عندنا. قال زائر.فقالت أعوذ بالله من هذه الزيارة؛ وما أظن فيها خيرا؛ فقال لها: ويحك إنني الملك سيد زوجك وما أظنك عرفتيني. فقالت عرفتك يا مولاي ولقد علمت أنك الملك ولكن سبقتك الأوائل في قولهم:
سأترك ماءكم من غير ورد = وذاك لكثرت الوراد فيه
أذا سقط الذباب على طعام = رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء = أذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتجع الكريم خميص بطن =ولا يرضى مساهمة السفيه
وما أحسن يامولاي قول الشاعر::
قل للذي شفه الغرام بنا = وصاحب الغدر غير مصحوب
والله لا قال قائل أبدا = قد أكل الليث فضله الذيب
ثم قالت: أيها الملك تأتي إلى موضع شرب كلبك تشرب منه؟ فستحيا الملك من كلامها وخرج وتركها؛ فنسي نعله في الدار. هذا ما كان من الملك.
أما ما كان من فيروز؛ فانه لما خرج وسار تفقد الكتاب فلم يجده؛ فتذكر أنه نسيه تحت فراشه فرجع إلى داره فوافق وصوله عقب خروج الملك من داره؛ فوجد نعل الملك في الدار؛ فطاش عقله وعلم أن الملك لم يرسله في سفره إلا لأمر يفعله؛ فسكت ولم يبد كلاما وأخذ الكتاب وسار إلى حاجة الملك فقضاها ثم عاد أليه فأنعم عليه بمائة دينار. فمضى فيروز إلى السوق واشترى مايليق بالنساء وهيأ هدية حسنة وأتى إلى زوجته فسلم عليها وقال لها: قومي إلى زيارة بيت أبيك. وما ذاك؟
قال إن الملك أنعم علينا وأريد أن تظهري لأهلك ذلك. قالت حبا وكرامة. ثم قامت من ساعتها وتوجهت إلى بيت أبيها ففرحوا بها. وبما جاءت به معها فأقامت عند أهلها شهر فلم يذكرها زوجها ولا ألم بها؛ فأتى إليه أخوها وقال له يافيروز: إما أن تخبرنا بسبب غضبك وإما أن تحاكمنا إلى الملك. فقال: إن شئتم الحكم فافعلوا فما تركت لها علي حقا. فطلبوه إلى الحكم فأتى معهم؛ وكان القاضي إذ ذاك الملك جالسا جانبه. فقال أخو الصبية: أيد الله مولانا القاضي إني أجرت هذا الغلام بستانا سالم الحيطان ببئر ماء معين عامرة وأشجار؛ مثمرة فأكل ثمره؛ وهدم حيطانه وأخرب بئره؛ فالتفت القاضي إلى فيروز وقال له: ماتقول يا غلام؟ فقال فيروز: أيها القاضي قد تسلمت هذا البستان أحسن مما كان.
فقال القاضي: هل سلم لك البستان كما كان؟
قال: نعم ولكن أريد منه السبب لرده؟
قال القاضي: ما قولك؟
قال: والله يامولاي ما رددت البستان لكراهة فيه وإنما جئت يوما من الأيام فوجدت فيه أثر الأسد فخفت أن يغتالني. فحرمت الدخول البستان إكراما للأسد.
وكان الملك متكئا فاستوى جالسا؛ وقال: يافيروز أرجع إلى بستانك أمنا مطمئنا؛ فوالله أن الأسد دخل البستان ولم يؤثر فيه أثرا ولا التمس منه رزقا ولا ثمرا ولا شيئا؛ ولم يلبث فيه غير لحظه يسيرة؛ وخرج من غير بأس؛ ووالله ما رأيت مثل بستانك ولا أشد احترازا من حيطانه على شجره. فرجع فيروز إلى داره؛ ورد زوجته ولم يعلم القاضي ولا غيره بشيء من ذلك.