المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلوب لا تعرف الانعتاق - علي الحموي - مسرحية


كديميس
28 Mar 2006, 09:25 PM
الفصــل الأول: المشهد الأول

في خان من خانات بغداد، زمن العصور الوسطى، في عهد الخليفة هارون الرشيد.. وهو مبنيٌّ على الطراز الإسلامي وتمتلئ أطراف فسحته المسقوفة ببضائع التجار المسافرين إلى الشرق والغرب.‏

ورغم التنظيم والتنسيق الذي يطغى على المكان إلا أن تثاقل الغبار على كل شيء يترك انطباعاً باهتاً لدى الناظر ولوناً رماديّاً للعين.‏

في مقدمة المسرح يتمدّد العبد برقوق وقد أنهكه يومٌ مضني من العمل الشاق...‏

لحظات ويدخل أبو غيث ليوقظ برقوق..‏

أبو غيث : برقوق.. برقوق.. استيقظ..‏

برقوق : "يتقلّب في مكانه لكنّه لا يزال مستسلماً لنومه العنيد"‏

أبو غيث : "تبدو على ملامحه ارتكاسة العطف والشفقة تجاه العبد المنهك".. برقوق.. "يحدّث نفسه" إنه متعب جداً.‏

يدخل أبو عروة وهو يقارب أبا غيث بالعمر، بسنين لا تتجاوز السابعة والثلاثين لكنه أشد قسوة وتبدو على وجهه تعابير القوة والشكيمة.‏

أبو عروة : ألم يستيقظ بعد؟‏

أبو غيث : إنه متعب للغاية.‏

أبو عروة : "بشيء من الإحراج" أرجو أن تسمح لي بإيقاظه.‏

أبو غيث : دعه ينم قليلاً.. أمامنا فسحة من الوقت.‏

أبو عروة : عذراً.. لم يبقَ لظهور القافلة الفارسية سوى بضع ساعات يجب إنجاز العمل.‏

أبو غيث : حسناً.. دعه أقل من ساعة.‏

أبو عروة : ((بقلقٍ واضح)) كما تشاء.. "يسود صمتٌ ثقيل للحظات.. ثم" لقد جاء الحاج إلى هنا هذا المساء.‏

أبو غيث : ماذا يريد؟..‏

أبو عروة : طلب رؤيتك..‏

أبو غيث : هل اجتمع مع باقي التجار؟‏

أبو عروة : لا.. لقد أصرَّ على أن تكون بيننا.. "صمت قليلاً"..‏

لا أعرف يبدو أنه غير مقتنع بالرحلة.‏

أبو غيث : ذلك لأنه تعوّد أن يخوض كل صفقاته على البر، لقد أصبح دماغه صحراوياً كالرحلات التي يقوم بها.‏

أبو عروة : ولكن.. يبدو لي في بعض الأحيان أنه على حق.‏

إن الخوض في البحر من جديد مسألة لم نعتد عليها منذ فترة طويلة.‏

أبو غيث : بالطبع.. ‎سيكون كل جديد غاية في الرهبة، ولكنني مع ذلك جعلت نفسي في مقدمتكم كي أضعف هذا الشعور قليلاً.‏

أبو عروة : ولكن ما الذي يدفعنا إلى ذلك؟‏

أبو غيث : "متهكماً" ها.. أبو عتبة.. عهدي بك مقداماً!..‏

أبو عروة : "مستدركاً" بالضبط.. أنا كما عرفتني ولكن..‏

أبو غيث : "مقاطعاً" إذا كان رأيك أنت بالقضية هكذا.. فما الذي سأرجوه من أبي صالح وأبي منذر؟‏

أبو عروة : اعذرني.. إنما أرغب بتناول المسألة من ناحية عقلية بحتة.‏

أبو غيث : بل يجب حصراً تناولها من هذه الناحية.‏

أبو عروة : إذاً قل لي ما الذي يدفعنا إلى خوض المحيط.. ونحن بطبيعتنا غير متمرّسين كما يجب لإنجاز أعمال كهذه؟‏

أبو غيث : أتظنّ أننا أول من سيفعل هذا؟؟‏

أبو عروة : أدرك ذلك.. لكنك اليوم تطرح الموضوع بشكلٍ أكبر من السابق..‏

في الماضي كانت السفن صغيرة تحمل كميات من البضائع الرخيصة وتسير ببطءٍ بمحاذاة الشاطئ لا تجرؤ الابتعاد عنه، أما الآن.. فالمشروع يبعث في القلب رجفة طويلة ومخزية.. سفن عملاقة تخوض عباب المحيط تحمل الآلاف من أرطال البضائع.. بالله عليك أليست فكرة خارجة عن جادة الصواب؟‏

أبو غيث : على العكس.. إن بقاءنا كالسحالي على البراري سيضعف من وتيرة أعمالنا وسيوقظ المنافسين على بحارنا.. صدّقني لن نتمكن من امتلاك زمام شواطئنا إن لم نشرخ وجه المحيط وإن لم نفتح لأنفسنا ولأولادنا آفاقاً رحبة وعوالم جديدة ربما لا نعرف شيئاً عنها الآن.‏

أبو عروة : على كلٍّ سنجتمع كلنا في الغد ونقرِّر بالإيجاب أو النفي..‏

أبو غيث : وأنت ما هو قرارك الآن؟‏

أبو عروة : في الوقت الحاضر لا أستطيع أن أتخذ قراراً، يجب أن أصغي إلى أقوال الآخرين أيضاً.‏

أبو غيث : هذا شأنك..‏

أبو عروة : هل أوقظ برقوق؟..‏

أبو غيث : لم يمضِ شيء من الوقت.. إذا كنت مصرّاً أيقظه.‏

أبو عروة : "يتحرّك باتجاه برقوق"‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:29 PM
المشهد الثاني

دار أبو غيث وقت الظهيرة.. تتوسطها باحة تمتلئ بأشجار منسّقة ومختلفة الأصناف وفي الوسط بركة بسيطة تبثّ خيطاً ضئيلاً من الماء البارد.‏

تظهر أم غيث وهي سيدة في الثلاثين من عمرها ترتدي ثياباً نفيسة لكنها ذات مظهرٍ بسيط ويكسو وجهها الجميل الرزين طيف من الشحوب الحزين..‏

تحمل بين ذراعيها طفلها [غيث].. وهو طفل في الخامسة من عمره، ووجهه الذكي ينطوي على شفافية مفعمة ببراءة.‏

أم غيث : اجلس هنا.. لا تتحرّك.‏

غيث : أمي متى سيأتي أبي؟‏

أم غيث : بعد قليل.‏

غيث : ألن يحضر لك الجارية؟‏

أم غيث : بلى.. سيفعل.‏

غيث : ألن تعطيني قليلاً منها؟‏

أم غيث : "تبتسم".. لا يمكنني ذلك.‏

غيث :((محاولاً البكاء)).. لا أرضى.. أريد واحدة مثلها إذاً..‏

أم غيث : حسناً.. سأحضر لك واحدة عندما تكبر..‏

غيث : لا.. لا.. أريدها الآن.‏

أم غيث : حسناً.. حسناً.. سأطلب من أبيك ذلك.‏

غيث : "يحدق إلى أمه فترة.. ثم" أمي..‏

أم غيث : "تهتم بتنسيق المكان" نعم..‏

غيث : ما هي الجارية؟‏

أم غيث : ((تضحك)) ألا تعرف ما هي الجارية؟‏

غيث : "متظاهراً بالمعرفة" أجل.. أجل.. تذكّرت ما هي..‏

أم غيث : ما هي إذاً؟..‏

غيث : إنها قطعة حلوى أليس كذلك؟..‏

أم غيث : (( تضحك مرة ثانية)) لا أعرف.. ربما كان الأمر كذلك.. على أية حال في النهاية ستجعلونها كما تقول.‏

غيث :((دون أن يفهم ما رمت إليه)) أريد واحدة.. أريد واحدة..‏

أم غيث : اسكت الآن دعني أتمم عملي.‏

غيث : ((يصمت.. وبعد لحظات)).. أمي.. هل الجارية طيبة المذاق؟!..‏

أم غيث : قلت لك اسكت.‏

غيث : ((وقد نفد صبره)) أمي.. قولي لي ما هي الجارية؟..‏

أم غيث : ((تحدّث نفسها)) أوه.. ماذا سأقول له؟.. "ثم تتذكر شيئاً مهماً"..‏

غيث أين الطبل؟..‏

غيث : ((بفرح)) هناك.. ((يركض إلى الإيوان ويحضره)).. ها هو.. ((يبدأ يقرعه بطريقة لا تتناسب مع سنّه وتنمّ عن حسٍّ موسيقي واضح))‏

أم غيث : إذاً اذهب والعب هناك.‏

غيث : "وقد نسي موضوع الجارية" سأدقّ هناك..‏

أم غيث : ستصبح طبالاً ماهراً عندما تكبر.‏

صوت الباب وهو يُغلق، يدخل أبو غيث وهو يحمل بيدهِ طفلةً صغيرة غاية في الجمال..‏

أبو غيث : مرحباً..‏

أم غيث : أهلاً ((تنظر إلى الطفلة))..يا إلهي ما أروعها.‏

أبو غيث : ((مداعباً)) ما هذا أيها الولد؟.. كف عن ذلك.. تعال وانظر.‏

غيث : ((يرمي الطبل جانباً ويركض باتجاه أبيه))‏

أم غيث : يا للروعة ((تحتضنها بحنان)) كم هي رقيقة.. هل هي روميّة؟‏

أبو غيث : أجل إنها الهدية التي وعدتك بها.‏

أم غيث : ما شاء الله.. ((تقبلها)) أيتها المسكينة.‏

غيث : ((يختبئ خلف أبيه وكأنه شعر بالرهبة))‏

أبو غيث : تعال إلى هنا أيها الشقي "يحمله" انظر إليها.. ألا تعجبك؟!..‏

غيث : ((ينظر إلى الطفلة نظرة ملؤها القلق))‏

((تحدّق الطفلة بأم غيث بخوفٍ واضح))‏

أم غيث : ((إلى ابنها)) انظر.. ألا تعجبك؟.. ((تقترب منه فيتراجع إلى الوراء))‏

((تبدأ الطفلة تبكي))‏

أم غيث : لا عليك يا فتاتي.. لا تجزعي.. "تضمها إلى صدرها"‏

((يبدأ غيث يبكي أيضاً))‏

أبو غيث : ما بك. هل بكيت لأجلها؟..‏

أم غيث : ((ألى ابنها)) انظر.. هذه هي الجارية.‏

غيث : ((يصمت فجأة ويحدق إلى الطفلة التي تصمت هي الأخرى وتحدق إليه أيضاً))‏

أم غيث : انظر.. ألا تعجبك..‏

غيث : ((واجماً.. لا يتكلّم))‏

أبو غيث : هل أحببتها يا وغد.. هيا ألقي عليها التحية.‏

((الطفل ساكن وينظر بشكلٍ عجيب)).. هيّا.. ألقي التحية..‏

أم غيث : ((إلى أبو غيث)) إنها صغيرة جداً.‏

أبو غيث : أعرف ذلك.. لا أدري لماذا أحسست بشفقة شديدة تجاهها.‏

أم غيث : توقعت أن تحضر فتاة في العاشرة من عمرها.. ألم نتفق على ذلك؟‏

أبو غيث : أنت محقة، لقد أخطأت في شرائها، ولكن..‏

أم غيث : أعرف ما جرى.‏

أبو غيث : ثمة أمور لا يستطيع المرء التعبير عنها تماماً؛ كانت نظراتها تراقبني بين المحتشدين، والنخاس يصيح، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أدفع النقود.‏

أم غيث : وكم دفعت؟‏

أبو غيث : ألف دينار.‏

أم غيث : ((بدهشة واضحة)).. ألف دينار..؟!!‏

أبو غيث : أجل.‏

أم غيث : إنها باهظة الثمن.‏

أبو غيث : عندما هممت بمساومته كنت على ثقة من أنه سيخفض السعر إلا أنني في تلك اللحظة بالذات لم أتمكن من إكمال المساومة فدفعت له الألف دينار وحملتها وانصرفت.‏

أم غيث : إنها لا تتجاوز الثالثة من عمرها، وهذا أمر مؤلم للغاية..‏

سنشعر مع الزمن أنها ابنتنا وسيكون من الصعب عليَّ بيعها حين تكبر.‏

أبو غيث : لا أدري.. الآن أيقنت أنني ارتكبت خطأً فادحاً.‏

أم غيث : أليس بوسعنا أن نتدارك هذا الخطأ؟..‏

أبو غيث : ماذا تقصدين؟!‏

أم غيث : يجب ألاّ ننساق وراء عواطفنا الطارئة، وأن نفكر قليلاً بالمستقبل.‏

أبو غيث : لا أدري.. قرّري أنتِ..‏

أم غيث : ثم إننا والحمد لله لسنا من أولئك الذين حرمهم الله نعمة الإنجاب.‏

أبو غيث : أنت محقّة، ولهذا تركت الخيار لكِ.‏

أم غيث :(("تصمت متأمّلة ثم..)) عُدْ بها إلى السوق.‏

أبو غيث : كما تشائين، ولكن سنخسر على الأقل ثلاثمائة دينار.‏

أم غيث : هذه خسارة أرحم من غيرها، حين تصبح السنين كالشرايين في قلوبنا لا نستطيع اقتلاعها.. إنها جارية..‏

أبو غيث : أجل إنها كذلك.. ((يقف حائراً))‏

أم غيث : ما بك؟‏

أبو غيث : هل أعيدها حقاً؟‏

أم غيث : ((تكشف عن ساعد الطفلة)) انظر إنه وشم العبودية..‏

أبو غيث : أجل أراه.. يا إلهي كيف حرقوها، إنه لم يندمل بعد.‏

أم غيث : مسكينة..‏

أبو غيث : "يتأملها بقلق"‏

أم غيث : أنت غير عابئ بالخسارة.. أليس كذلك؟..‏

أبو غيث : أقسم لك أن المسألة ليست مسألة خسارة دنانير.. ((يصمت))‏

أم غيث : إذاً خذها الآن.‏

أبو غيث : ((يحملها)) إنه أقسى شيء عرفته في حياتي..‏

أم غيث : ((إلى غيث)) تعال معي..‏

غيث : "يأبى التحرك وعيناه معلقتان بوجه الطفلة"‏

أم غيث : تعال قلت لك..‏

غيث : ((وقد تسمّر في مكانه)) لا أريد.‏

أم غيث : اذهب بها الآن.‏

أبو غيث : حسناً أنا ذاهب "يهم بالانصراف"‏

غيث : ((يطلق بكاءه المجنون))‏

أبو غيث : ما بك أيها الولد؟..‏

غيث : لا تأخذها معك.. دعها هنا.. إنها الجارية.. أريد الجارية..‏

((تبدأ الطفلة تبكي هي الأخرى))‏

غيث : دعها.. دعها.. ((يندفع نحو أبيه ويكيل له لكماته الصغيرة)).. قلت لك دعها..‏

أم غيث :(("تحاول حسم الموقف)) اذهب الآن..‏

غيث : ((يندفع باتجاه أمه)) اسكتي أنت.. دعيها هنا..‏

أريد الجارية.. أريد الجارية..‏

((يكيل لها اللكمات هي الأخرى ثم يضمها ويغرق في بكاء مرير))‏

أم غيث : يا حبيبي.. ((تبكي)).. لا تبكِ عليها.. أرجوكَ.. لا تفعل..‏

أبو غيث : ((وقد تأثّر كثيراً)) الآن قرّري..‏

غيث :(("يبكي)) أرجوك دعيها تبقى.. أرجوك دعيها هنا..‏

أم غيث : يا صغيري.. ((تبكي)).. لا تحزن.. ستبقى هذه الرومية بيننا..‏

غيث : ((يبكي)).. أمي..‏

أبو غيث : يا إلهي.. ما الذي جرى لهما؟!..‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:30 PM
المشهد الثالث

بعد خمس سنوات في باحة الدار..‏

تجلس الأم بالقرب من البركة تخيط أحد الأثواب..‏

يظهر غيث وهو على عجلة من أمره ويحمل بيده كرّاساً من النوع الذي يستخدمه الأولاد في مرحلة تعليمهم..‏

غيث : أمي.. أين شذى.؟‏

أم غيث : في غرفتها..‏

غيث : ألم تستيقظ؟‏

ام غيث : لا تزال نائمة..‏

غيث : إنها متعبة، لقد عملت كثيراً ليلة أمس.‏

أم غيث : بالطبع.. المنزل يحتاج إلى الكثير من الجهد الشاق.‏

غيث : لكنك تقسين عليها في بعض الأحيان.‏

أم غيث : أقسو عليها!.. وهل بوسعي أن أفعل ذلك؟..‏

لو رأيت باقي الجواري كيف يعملن في الدور لضحكت على نفسك من هذه الكلمات..‏

غيث : أمي.. لا أريدها أن تشقى.. ((صمت))‏

هلا أيقظتها من فضلك.؟..‏

أم غيث : اذهب وأيقظها أنت..‏

غيث : لا يصحّ ذلك، إنها نائمة..‏

أم غيث : إنها مثل أختك، اذهب وأيقظها..‏

غيث : لا أريد، أرجوك اذهبي أنتِ.. لقد تأخرت على الكتاب..‏

أم غيث : أوف.. ((تقف مغتاظة)).. سأجن من هذا المنزل..‏

غيث : ((يلتفت جانباً فيقع نظره على العود فيندفع نحوه ويلعب به بشكلٍ معقول حتى تظهر شذى وهي في التاسعة من عمرها، لكنها تبدو أكبر من سنها..))‏

ذات جمالٍ رائع وتغطي وجهها مسحة رومانسية صامتة.."‏

شذى : صباح الخير..‏

غيث : ((بشيء من الارتباك)) صباح الخير.. ما بك.؟‏

تأخرنا على الكتّاب..‏

شذى : سأرتدي ثوبي بسرعة..‏

غيث : إنني أنتظرك .. "تظهر الأم"‏

أم غيث : هل سررت الآن..‏

غيث : لماذا أنتِ غاضبة؟‏

على أية حال إنها السنة الأخيرة التي نذهب فيها إلى الكتّاب معاً.‏

أم غيث : ((تنظر إلى ابنها نظرة ذات معنى))‏

غيث : ((محاولاً التهرب من نظرتها)) ماذا تخيطين؟‏

أم غيث : والدك سيبحر بعد غد ويجب أن أجهز له بعض الملابس..‏

غيث : وشهبندر التجار؟‏

أم غيث : معارض كعادته، لكن أباك يصر على الإبحار..‏

غيث : وباقي التجار؟!‏

أم غيث : بالطبع يقفون إلى صفه..‏

غيث : إن أبي رائع حقاً.. "تظهر شذى"‏

هل أنت جاهزة..؟‏

شذى : أجل ((ينظر إليها غيث مدهوشاً بجمالها))‏

ما بك؟!.. لا تنظر إلي هكذا.‏

غيث : لا شيء.. هيا نذهب.. الوداع يا أمي..‏

شذى : إلى اللقاء يا سيدتي..‏

أم غيث : رافقتكما السلامة..‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:32 PM
المشهد الرابع

في نهاية العام‏

غيث يجلس قرب البركة بلا حراك وعيناه مسترسلتان في شرود عميق..‏

يظهر أبو غيث ويلاحظ حالة ابنه ويغير خطاه باتجاهه..‏

أبو غيث : هه.. ما الأمر؟!‏

غيث : أبي..! عفواً.. لم ألحظ وجودك.‏

أبو غيث : ما بك؟!‏

غيث : لا شيء أبداً..‏

الأب : أين أمك؟‏

غيث : على سطح الدار.. صعدت لتشمس الزبيب.‏

الأب : وحدها؟‏

غيث : "بشيء من الإرباك" شذى معها.‏

الأب : "يضحك"‏

غيث : لماذا تضحك؟!‏

الأب : ستصبح رجل بحر كأبيك..‏

غيث : لا أحب البحر‏

الأب : لماذا؟‏

غيث : إن البحر يموج.‏

الأب : لكنه أكثر أمناً من اليابسة..‏

غيث : لماذا؟!‏

الأب : لا أعرف.. ما أعرفه أن كل من اقتحمه كان من الرجال الذين لم ينظروا وراءهم حين أقلعت سفنهم..‏

غيث : وهل يعجبك هذا؟..‏

الأب : "مداعباً" سأخبرك في حال أخبرتني لم أنت حزين هذا الصباح؟‏

غيث : لست حزيناً..‏

الأب : بلى حزين.. "تظهر شذى"‏

غيث : "يلتفت بحركة لا شعورية".‏

شذى : صباح الخير يا سيدي.‏

الأب : أهلاً يا فتاة.. "ينظر إلى ابنه وهو يحدث الفتاة"‏

أعتقد أنك تركت الكتّاب الآن..‏

شذى : أجل سيدي.‏

الأب : وما رأي سيدتك بهذا الخصوص؟‏

شذى : طلبت مني أن ألتحق بإحدى المغنيات، قالت إنني تأخرت عن تعلم العزف سنة كاملة.‏

الأب : هذا صحيح، لكن لا ضير في هذا لقد ازددت علماً‏

إن هذا رائع ، أليس كذلك يا غيث!‏

غيث : أجل يا أبي.. "يهم بالخروج".‏

الأب : إلى أين؟‏

غيث : لقد تأخرت عن الكتّاب.. "يخرج".‏

الأب : هذه المرة الأولى التي يذهب فيها بمفرده.‏

شذى : "تنظر إلى شيء ما"‏

أبو غيث : سيشق عليه ذلك.‏

شذى : "بغصة" سأساعد سيدتي.‏

أبو غيث : انتظري قليلاً.‏

شذى : حاضر سيدي..‏

أبو غيث : ماذا به؟‏

شذى : من؟!‏

أبو غيث : غيث.‏

شذى : لا أدري.‏

"تظهر أم غيث"‏

أم غيث : هل استيقظت؟‏

أبو غيث : أجل..‏

أم غيث : "بمرح" لقد أنجزنا عملنا كله تقريباً، أنتم الرجال دائماً كسالى..‏

"إلى شذى" شذى.. أعدي الإفطار..‏

شذى : حاضر سيدتي.. "تغادر"‏

أبو غيث : ماذا بخصوص شذى؟‏

أم غيث : يجب أن تلتحق بإحدى المغنيات.‏

بو غيث : هل أنت مصرة على ذلك؟‏

أم غيث : وهل علي ألا أفعل؟!‏

أبو غيث : "يصمت واجماً"‏

أم غيث : ما بك؟‏

أبو غيث : لا شيء..‏

أم غيث : لماذا لا تجيب؟‏

أبو غيث : أظن أن غيثاً سيشعر بالوحدة.‏

أم غيث : أتظن أنهم صديقان إلى هذه الدرجة؟‏

إنها تقضي معظم وقتها في غرفتها حين لا يكون عندي أعمال منزلية.‏

أبو غيث : وحيدة؟!‏

أم غيث : أجل.. "يصمت أبو غيث"‏

ما بك؟؟‏

أبو غيث : لا شيء..‏

أم غيث : أنت تعلم الأمر كله، إن شذى جارية.. ليست ابنتنا.. وهي تعلم ذلك، وغيث أيضاً يعلم.. وليس بوسعنا أن نعتبرها ابنة لنا.. سيأتي اليوم الذي ستباع فيه "تصمت قليلاً ثم تتابع" لا أدري إن كنت أظهر غبية أم لا عندما أتحدث بهذا الخصوص؟!‏

أبو غيث : إنها ليست ابنتنا.. هذا حقيقي.. ولكن هل هي جاريتنا حقاً؟!‏

هل بوسعنا حقاً بيعها؟‏

أم غيث : سنحسن تعليمها الغناء والموسيقى وسيزيد هذا من قيمتها.‏

أبو غيث : "ينظر إليها نظرة شاردة"‏

أم غيث : لسنا نخاسين، ولكنها جارية يجب أن تحسن تدريبها كباقي الجواري..‏

إن الجميع يلاحظ أنها متميزة وقد تنال في المستقبل بعض الشهرة..‏

"يظهر غيث وهو يهم بالمغادرة إلى الكتاب وعندما يراه أبواه يلوذان بالصمت"‏

غيث : "يمر من أمامهما محبطاً" إلى اللقاء..‏

أم غيث : رافقتك السلامة.‏

أبو غيث : مع السلامة.‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:34 PM
المشهد الخامس

بعد أربع سنوات..‏

في صالة الجلوس في منزل أبو غيث..‏

نشاهد أبا غيث وهو ممدد في فراشه عليه علائم المرض وعلى جانبيه كل من غيث وأمه..‏

أم غيث : انزع تلك الكمادة لقد سخنت.‏

غيث : "يسارع إلى فعل ذلك"‏

أم غيث : يا إلهي.. هذا هو اليوم الحادي عشر وهو على هذه الحال‏

غيث : إنه اليوم أفضل من ذي قبل.‏

أم غيث : لا أظن ذلك.‏

غيث : على العكس، إنه يتحسن لكن ببطء‏

أم غيث : يا إلهي.. كيف حلت بنا هذه المصيبة؟؟‏

غيث : أخفضي صوتك‏

أم غيث : أجل إنها مصيبتنا.. منذ أن خامره هذا الهوس..‏

غيث : أي هوس؟!‏

أم غيث : هوس البحر، لقد أصبح مهووساً به هوساً شديداً.‏

وها هو قد خسر كل شيء، كل ما جناه.. والآن سيخسر نفسه..‏

غيث : توقفي عن هذا .. إنه يسمعك..‏

أم غيث : كم أتمنى أن يسمعني، لأنني على الأقل سأعرف أنه لن يموت، أو على الأقل لن يموت بهذه السرعة..‏

غيث : كفى أرجوك.. ماذا بإمكاننا أن نفعل؟‏

لقد حدث كل شيء رغماً عنه وعن الآخرين، داهمتهم عاصفة وتحطمت السفينة..‏

غرق معظم البحارة ولم ينج منهم سوى القليلين، وكان أبي من بينهم..‏

إنه أمر مروع حقاً أن يعوموا في المحيط ثلاثة أيام بلياليها، وأخيراً قادتهم الأمواج إلى شاطئ في إفريقيا.. أليس علينا أن نفرح لنجاته؟؟‏

أم غيث : "بتألم" أجل.. أجل..‏

أبو غيث : "يهذي" .. البحر.. العاصفة..‏

أم غيث : يا إلهي.. إنه يموت.. يموت..‏

غيث : دعيه..‏

أبو غيث : البحر.. العاصفة قادمة.. أمواج قوية.. أمواج عالية.. عالية جداً.. البحر ينقلب.. يا رجال.. "يتنهد بعمق".. غيث.. غيث..‏

غيث : "يمسك بيده" أبي..‏

أبو غيث : البحر.. أمي.. أمي..‏

غيث : "إلى أمه".. لا تقلقي.. إنها الحمى وحسب.‏

أم غيث : "تبكي"‏

أبو غيث : الياطر.. أمسك به.. لقد مات أحدنا..‏

لقد مات ..‏

أكثرنا..‏

شذى.. شذى..‏

غيث : إنه يهذي باسمها.. "تبكي أم غيث"‏

أبو غيث : شذى.. شذى..‏

"طرقات على الباب"‏

أم غيث : "منتبهة " من سيأتي في هذا الوقت المتأخر؟!!‏

غيث : سأفتح.. "يخرج".‏

أبو غيث : شذى..‏

"لحظات وتظهر شذى ويبدو أن غيث قد أخبرها للتو بمرض أبيه وما ن يقع نظرها على أبي غيث حتى ترمي أشياءها على الفور وتندفع نحوه بقوة".‏

شذى : يا إلهي.. سيدي..‏

أبو غيث : شذى.. شذى..‏

شذى : "تعانقه بقوة" سيدي .. أنا هنا.. "تبكي"‏

أبو غيث : "بدون وعي لوجودها" شذى.. شذى.‏

شذى : "تبكي بحرارة" يا إلهي.. "تنظر إلى غيث".. ماذا جرى.؟‏

غيث : إنها حمى ثقيلة، ابتعدي عنه لئلا تصابي بالعدوى..‏

شذى : "تمسك يده" لقد سمعت بذلك أول الأمس، وارتحلت على الفور، ولم أصل حتى الساعة..‏

"تنظر إلى أم غيث" آسفة سيدتي "تقترب منها وتقبل يدها"‏

أم غيث : كيف حالك يا شذى؟‏

شذى : كنت بخير، أما الآن.. يا إلهي..‏

غيث : من الذي أوصلك إلى هنا؟‏

شذى : "وقد تنبهت إلى مغزى سؤاله" أحد مرافقي الدوحة‏

غيث : من هو؟‏

شذى : طرفان‏

أم غيث : أجل عرفته، ذلك العبد الخصي‏

شذى : "تضع يدها على جبين أبي غيث" إنه شديد الحرارة.‏

أم غيث : إن الحرارة لا تفارقه.‏

شذى : يا رب، ساعد يا رب.‏

غيث : أرجوك، لا تقتربي منه كثيراً.‏

"تتراجع شذى قليلاً ثم تنظر إليه"‏

"صمت لفترة بسيطة"‏

أم غيث : ما أخبار التدريب؟‏

شذى : جيدة ، لقد أنهينا كل شيء تقريباً..‏

أم غيث : "بطريقة من يأس من كل شيء" ماذا تبقى إذا؟‏

شذى : "بطريقة خاطفة وحازمة" التدريب على الرقص.‏

غيث : "يتحرك حركة معينة إنما لا شعورية"‏

أم غيث : متى ستبدؤون..؟‏

شذى : عندما تنجز الخياطة أثوابنا.‏

غيث : "متململاً" انتبهي إلى الخرقة، أعتقد أنها سخنت.‏

شذى : "باهتمام مؤثر" أجل.. "تنزعها على الفور وتضع واحدة مكانها"‏

غيث : لقد هدأ قليلاً.‏

أم غيث : وكأنه شعر بوجود شذى قربه.‏

شذى : "تنظر إلى غيث بعمق لأول مرة" كيف حالك سيدي؟‏

غيث : "يتمتم بتعال" بخير‏

شذى : "تلتفت إلى أبي غيث وقد لاحظت تغيره السريع"‏

أم غيث : "تعمد إلى تغطيته بأقمشة إضافية"‏

شذى : لا يا سيدتي، إن هذا سيزيد من حدة الحمى.. يكفي هذا الرقيق‏

"تتراجع أم غيث وقد اقتنعت بصحة الفكرة"‏

غيث : وكيف تقضين وقتك؟‏

شذى : "دون أن تلتفت إليه" في التدريب.‏

غيث : مع من؟‏

شذى : "تلتفت إليه، وتلقي على عينيه نظرة تحد حادة" مع باقي الجواري.‏

غيث : "يتمالك نفسه من غير أن يتمكن من إخفاء غصة طارئة"‏

ومن أيضاً؟‏

شذى : السيدة دوحة‏

غيث : ومن أيضاً؟‏

شذى : أظن لا أحد غير من ذكرت‏

أم غيث : "وقد لاحظت حدة الأجوبة"‏

لماذا لا تتحدثين بطريقة أفضل مع سيدك؟‏

شذى : عذراً سيدتي إنني متوترة جداً.‏

أم غيث : حسناً جهزي له العشاء.‏

شذى : حاضر سيدتي.. "تغادر على الفور".‏

غيث : ((ينظر إلى أمه بهدوء)).. لست جائعاً..‏

أم غيث : أعرف هذا.. ((صمت)).. انتبه إلى الخرقة..‏

غيث : ((ينزعها مبدلاً إياها بواحدة باردة))‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:35 PM
المشهد السادس

بعد عامين..‏

في نفس الصالة يجلس أبو غيث وهو بكامل صحته، وبالقرب منه أم غيث تتكئ على وسادة حريرية..‏

أبو غيث : ماذا يفعل الآن..؟‏

أم غيث : يعزف على العود.‏

أبو غيث : ((يبتسم)) العود.. متى تعلم هذا؟‏

أم غيث : في فترة غيابك، قامت شذى بتدريبه.‏

أبو غيث : آ... هذه الشقية..‏

أم غيث : ستصنع منه مرافقاً لجوقة الموشحات.‏

أبو غيث : لا تتشاءمي كثيراً، لا أعتقد أنه على خطأ، الموسيقى شيء من قوة الله تعالى..‏

أم غيث : هذه ليست صفته، ولا صفة أجداده وأبيه، يجب أن يعلم أنه من سلالة عريقة احترفت التجارة طريقة لكسب عيشها، وأن يعي أن أباه واحد من هؤلاء الذين تحدوا العواصف ودفعوا قسماً هائلاً من ثرواتهم في سبيل هذه الصنعة.‏

أبو غيث : ((صمت ثقيل)) لا تقلقي.. سنعوضها يا امرأة..‏

أم غيث : يا إلهي كيف لا أقلق.. قل لي ما الذي تبقى لدينا الآن بعد هذه الكارثة؟‏

أبو غيث : تبقى لدينا الأهم.. السمعة والشرف..‏

أم غيث : لقد مضى عامان دون أن يقرع أحد بابنا.. ماذا تسمي هذا؟‏

أبو غيث : أسميه إهمالاً مقصوداً، وليس وراءه سوى شهبندر التجار.‏

يريد أن يثبت للبقية أن مشروع الإبحار يودي بأعظم التجار إلى الدمار والازدراء، وهذا لن يتحقق؟‏

أم غيث : لماذا؟‏

أبو غيث : لم أفهمك!!‏

أم غيث : أقصد لماذا لن يتحقق؟‏

أبو غيث : ((بثقة مطلقة)) لأن البحر سيشدهم في كل لحظة؛ إن مستقبل تجارتنا سيجافي الرمال، هذا شيء مؤكد، ويجب أن نعمل لأجله.‏

مستقبلنا هناك خلف هذه الأمواج، يجب ألا ندعهم يسبقوننا.‏

أم غيث : من هم؟‏

أبو غيث : الذين يتربصون بنا.. ((يسمع عزف جميل من جهة غير قريبة))..‏

أهذا عزفه؟؟‏

أم غيث : أجل.‏

أبو غيث : إنه رائع.. الله.. ما هذا العزف الجميل..‏

أم غيث : أجل إنه عزف جميل‏

أبو غيث : أين يجلس؟‏

أم غيث : في غرفتها، إنه دائم الجلوس فيها. لا يخرج منها سوى مرة واحدة كل شهر، بالطبع حين تأتي.. ((تصمت))..‏

لا أعرف... هذا الولد غريب ((يتعالى العزف بطريقة رائعة))‏

أبو غيث : أصغي.. هل علمته كل هذا؟‏

أم غيث : إنها بارعة جداً، لقد ذاع صيتها في العزف على العود..‏

أبو غيث : أجل لقد جاءني بعضهم وطلب شراءها.‏

أم غيث : وكم دفعوا؟‏

أبو غيث : ستة آلاف دينار، لكنني رفضت، قلت لهم أنني لا أنوي بيعها الآن.‏

أم غيث : ((محتدة)) لماذا لم توافق؟‏

أبو غيث : إنها لك.. ومن غير المعقول أن أبيعها دون علم منك.‏

أم غيث : ولكنني طلبت منك أن تسعى في هذا الخصوص.‏

أبو غيث : بلى، ولكن أليس علينا أن ننتظر فرصة أفضل؟!!‏

أم غيث : أفضل من هذه!!‏

كم أتمنى أن يكون ذلك ما قصدته حقاً..‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:36 PM
المشهد السابع

بعد عامين..‏

في الخان..‏

برقوق : ((يهرول نحو سيده)).. سيدي..‏

أبو غيث : ((بيأس شديد)) ماذا هناك؟‏

برقوق : سيدي الشهبندر قادم‏

أبو غيث : أخيراً.. ((يقف ثم يتجه نحو البوابة لاستقباله))‏

الشهبندر : السلام عليكم..‏

أبو غيث : وعليكم السلام..‏

الشهبندر : أما زلت مصمماً على البيع..؟‏

أبو غيث : أجل..‏

الشهبندر : ((ينظر إلى أرجاء الخان))‏

أبو غيث : برقوق..‏

برقوق : أمر سيدي‏

أبو غيث : أحضر ماء الورد‏

الشهبندر : لا داع لهذا يا أبا غيث‏

أبو غيث : على الرحب والسعة.. هه.. ماذا قلت؟‏

الشهبندر : لا بأس سنشتري..‏

أبو غيث : حسناً..‏

الشهبندر : وماذا تطلب؟‏

أبو غيث : كما يخمن الباقون.‏

الشهبندر : لا.. لا.. أريد أن ننهي الموضوع سوية..‏

أبو غيث : كم تريد أن تدفع؟‏

الشهبندر : مائة ألف دينار.. نقداً دون قسط أو تأجيل‏

أبو غيث : ماذا تقول يا رجل؟!‏

الشهبندر : أقول ما سمعت‏

أبو غيث : أتظنه إسطبل؟‏

الشهبندر : بل هو خان، خان قديم جداً مهترئ‏

أبو غيث : هذا المبني بالحجر الأبيض مهترئ، لو كان له أذنان ويسمع لشق عليه الإصغاء إليك.‏

الشهبندر : حسناً.. حسناً.. هل تريد أن تبيع أم لا..‏

أبو غيث : بلى، لكن بثمن غير هذا.‏

الشهبندر : فلتعمل رأسك في الأمر‏

أبو غيث : أيها الحاج...‏

الشهبندر : ((مقاطعاً)) كما قلت لك.‏

أبو غيث : اسمع، أنت تعرف أنه لن يجرؤ أحد على شرائه ما دمت قد نويت ذلك‏

الشهبندر : غير صحيح..‏

أبو غيث : بل هو عين الحقيقة‏

الشهبندر : إذا لم لا تبيعه لي؟!‏

أبو غيث : لأنك لم تدفع ما يستحقه من ثمن..‏

الشهبندر : بل دفعت ما يزيد.. على أية حال فكر في الأمر..‏

((يدخل غيث))..‏

غيث : مرحباً أبي، مرحباً سيدي..‏

أبو غيث : أهلاً بك..‏

الشهبندر : ((الذي لا يستطيع أن يخفي إعجابه بشخص غيث)) أهلاً يا بني..‏

أبو غيث : ماذا هناك يا غيث؟‏

الشهبندر : ما شاء الله.. ما شاء الله.. أهذا هو غيث؟‏

أبو غيث : بلى هو، ((موجهاً كلامه إلى غيث)) سلم على عمك شهبندر التجار..‏

غيث : أهلاً بعمي الشهبندر ((يتصافحان))‏

الشهبندر : ما شاء الله.. ألم تنجب غيره‏

أبو غيث : لم يرزقني الله سواه، إنه ما تبقى لي من هذه الدنيا..‏

الشهبندر : إنه خير ما كان‏

غيث : بارك الله فيك يا عماه‏

أبو غيث : غيث.. ماذا تريد، أثمة أمر ما..؟‏

الشهبندر : لم تسأله، أليس من عادته القدوم إلى هنا..؟‏

أبو غيث : نادراً ما يأتي..‏

الشهبندر : لم يا بني..‏

غيث : لا أشعر بأية رغبة تجاه هذه المهنة‏

الشهبندر : أيعقل أن تتحدث بمثل هذا وهي مهنة عظيمة، ولها قدسية خاصة عندنا.. ناهيك عن كون أجدادك من كبار التجار في هذه البلاد..‏

غيث : كنت أود ذلك، لكني حقاً لا أهواها..‏

الشهبندر : لا.. لا يعجبني أن أسمع هذا الكلام منك.. إنك شاب في مقتبل العمر، وأبوك له مراس في هذه المهنة، لا يا بني أعتقد أنك على خطل في هذا..‏

أبو غيث : غيث.. لم تخبرني عن سبب قدومك..‏

غيث : هناك نخاسان قدما للتو من دمشق، يرغبان بلقائك..‏

أبو غيث : هل علمت والدتك بقدومهما..؟؟‏

غيث : بلى..‏

أبو غيث : ((يتمتم)) قد تنعقد المسألة..‏

أتيا من أجل شذى؟‏

غيث : ((يرتجف صوته)) أجل أبي..‏

أبو غيث : هل تحدثت معهما..؟؟‏

غيث : نعم، يريدان الفتاة‏

الشهبندر : ((مقاطعاً)) تقصد الجارية..؟؟‏

غيث : أجل الجارية..‏

أبو غيث : أكرم الضيفين ثم أخبرهما بأنني لا أرغب ببيع الجارية الآن.. تحدث معهما بحضور والدتك.‏

غيث : ((بإحباط)) أمي ترغب بالبيع..‏

أبو غيث : افعل ما قلته لك!‏

غيث : سأفعل، لكن أمي ترغب ببيعها، لقد دفعوا مبلغاً باهظاً..‏

الشهبندر : بالطبع سيدفعون، لقد سمعت بأنها جارية ممتازة.. أنا شخصياً كنت أفكر بابتياعها..‏

أبو غيث : كم دفعوا؟‏

الشهبندر : لا بد وأنه مبلغ محترم..‏

غيث : عشرون ألف دينار..‏

الشهبندر : غير معقول..‏

غيث : أجل لقد دفعوا هذا المبلغ.‏

أبو غيث : ((بحزم هادئ)) قل لهما لن يبيع..‏

غيث : يرغبون بالتفاوض معك..‏

أبو غيث : لماذا تلح هكذا، اذهب وافعل ما أمرتك به‏

غيث : حسناً، أستميحك عذراً يا سيدي..‏

الشهبندر : مع السلامة أيها الغلام، أريدك أن تعمل في التجارة.. هل سمعتني؟!!‏

غيث : ((وهو يغادر)) سأحاول..‏

الشهبندر : ما هذا يا أبا غيث؟.. أنا عاتب عليك جداً..‏

الشاب -حفظه الله- ذكي ومقتدر في الوقت نفسه عاطل عن العمل.. هذا شيء لا أقبله منك أبداً..‏

أبو غيث : أجل إنك على حق..‏

الشهبندر : أنت تعرف الكسل يفسد الأولاد، والولد -حفظه الله- مهيأ للعمل في مهنتنا..‏

أبو غيث : حسن، سنبحث في هذا الأمر في وقت لاحق.‏

الشهبندر : بل عليك أن تحسم هذه المسألة..‏

أبو غيث : بالطبع ليس الآن..‏

الشهبندر : لم لا؟؟‏

أبو غيث : لأنني نفسي أؤيده في تجنبه العمل في التجارة..‏

الشهبندر : على رسلك..‏

أبو غيث : أجل أؤيده.‏

الشهبندر : لماذا تؤيده؟‏

أبو غيث : لأن مهنتنا ستتحطم حتماً لأسباب أعرفها كما تعرفها أنت تماماً.‏

الشهبندر : أية أسباب.. بماذا تهذي؟‏

أبو غيث : أنا لا أهذي.‏

الشهبندر : لماذا ستتحطم إذاً، أتظن أن العالم كله سيتحطم عندما تحل بك النهاية..‏

أبو غيث : ((بعنف متوار)) لم أقصد هذا، لكنك تعلم أية عراقيل وضعت أمام أي خطوة جديدة في هذا المضمار، وتعلم أيضاً من الذي كان وراءها، لذا أرجو ألا تتحدث عن النهايات فأنت بالذات لا يحق لك أن تفعل..‏

الشهبندر : أبا غيث، أنت تتمادى..‏

أبو غيث : أنت تماديت أيضاً، أنت أعرف الناس بهذا الخان وأكثرهم إدراكاً لقيمته التي تساوي ألف ألف دينار، والآن تأتي وتدفع مائة ألف بعد أن ألقيت بتهديداتك هنا وهناك كي يحجم بقية التجار عن المحاولة..‏

اطمئن لن أجعلها صفقة رابحة لك، لأنني لن أبيع..‏

الشهبندر : تتهور كعادتك..‏

أبو غيث : أما أنت فتنتهز الفرص في اللحظات السانحة..‏

الشهبندر : ((يفكر ملياً، ثم ينفجر ضاحكاً)).. أضحكتني حقاً..‏

الآن فهمت سبب هذا التغير المفاجئ، لقد اشتد بأسك حينما أخبرك ولدك بالثمن الذي دفعوه للجارية ((يضحك))..‏

حقاً إنه أمر مضحك.. ((ينظر إليه أبو غيث بضيق شديد))... ها قد جاء اليوم الذي أصبحنا نقتات فيه من أخفاف جوارينا..‏

أبو غيث : ((بغضب)) شهبندر!!‏

الشهبندر : حسناً.. حسناً.. سأدفع مائة وخمسين ألفاً... ما رأيك؟‏

أبو غيث : لن أبيع.‏

الشهبندر : مائتان.‏

أبو غيث : لن أبيع..‏

الشهبندر : ثلاثمائة ألف، ودينار آخر لن أدفع!!‏

أبو غيث : وأنا عدلت عن فكرة البيع..‏

الشهبندر : قل ماذا تريد إذاً؟‏

أبو غيث : ألف ألف، وهذا جزء من حقي..‏

الشهبندر : هل جننت؟!!‏

أبو غيث : أنت الذي فقد صوابه، لا أريد أن أتحدث بأكثر من هذا..‏

الشهبندر : ألف ألف، أتعتقد بأنني أعثر على نقودي في الطريق؟؟‏

أبو غيث : لا أبداً، إنك تجد الوسائل المناسبة للعثور بها.‏

الشهبندر : ماذا تقصد؟‏

أبو غيث : أقصد الوسائل المريحة.‏

الشهبندر : بالله عليك لا أريد خوض جدل معك..‏

اسمع، لن أدفع أكثر من خمسمائة، وأنت حر ((يأتي برقوق ومعه كأسان من ماء الورد))‏

برقوق : تفضل يا سيدي ماء الورد..‏

الشهبندر : ((يصرخ في وجهه)) لا أريد ماء الورد هذا...‏

أبو غيث : ((يتناول كأسه)) شكراً يا برقوق...‏

إذاً بدأنا نتفق..‏

الشهبندر : هذا آخر ما عندي. بعدها لن يكون اتفاق بيننا..‏

أبو غيث : اسمع، إنني على دراية بكل ما يجري..‏

الشهبندر : عن أي شيء تتكلم؟!‏

أبو غيث : أنت تفهمني‏

الشهبندر : لا أفهم شيئاً‏

أبو غيث : ببساطة أنا على علم بشراكتك مع أبي صالح في هذه الصفقة..‏

الشهبندر : ما الذي تهذي به؟؟‏

أبو غيث : قلت لك أنا على علم بكل شيء، أنت تعرف أن الخان يساوي أكثر من خمسمائة وأبو صالح يعرف هذا جيداً، وليس بمقدورك أن تشتريه وحدك إلا إذا أردت أن تضحي بتجارتك في الشرق، وهذا في غير مصلحتك.‏

الشهبندر : اسمع..‏

أبو غيث : ((مقاطعاً)) أما أبو صالح فليس بوسعه أن ينخرط في هذه التجارة ما لم تقرر أنت ذلك، وبالتالي فالصفقة تجمعكما تماماً، من جهة تتمكن من الحصول على المال اللازم لشراء الخان ومن جهة أخرى يتمكن أبو صالح من الالتحاق بالقافلة الشرقية..‏

الشهبندر : هذا جنون... هذا جنون...‏

أبو غيث : ولهذا أقول لك لا أريد الفتات الذي ترميه لي، ولا تصدق أبداً أنني صدقتك في إدعائك مساعدتي كما تحدثت للتجار، ويجب أن تعلم أنني لن أصدقك في يوم من الأيام، أرجو أن تكون قد فهمت ما قلته..‏

الشهبندر : ((بارتباك شديد)) إنني أحاول أن أساعدك..‏

أبو غيث : لم أطلب مساعدة أحد، لا أطلب مساعدة بل أن تكفوا أيديكم عني وإلا سأعلنها حرباً بيننا، وسنرى عندها من الأقوى..‏

الشهبندر : ((محبطاً)) يا أبا غيث.. هذه تجارة، أنا لا أسرق بل أشتري بنقودي، وأنت حر في أن تبيع أو لا...‏

أبو غيث : حسناً فليحسن كل منا ما يقوله لصاحبه فكلانا يبتغي شيئاً من الآخر..‏

أنت تريد هذا الخان، وأنا أريد الإبحار مرة ثانية..‏

أنت تريد أن تحصل عليه بأقل من ثمنه، وأنا أريد أن تكف يدك عن التجار الذين أقروا الالتحاق بي.. فليع كل منا ما يريده من الآخر..‏

الشهبندر : لكنني...‏

أبو غيث : أعرف كل شيء، أنت تخشى أن تنجح تجارتنا فيما وراء البحار وهذا بالطبع سيضرب تجارتك الشرقية، إذا كنت تفكر بهذا فأنت مخطئ لأنه بإمكانك الالتحاق بنا إن شئت وبصفتك هذه كشهبندر للتجار.. لا تتصور أبداً أني أسعى لكرسيك، يجب أن تصدق هذا لأنني أعنيه حقاً..‏

الشهبندر : ((يجلس)) إذاً... ((يصمت)) سأحتاج لوقت أنظر فيه إلى الأمر..‏

أبو غيث : وأنا سأنتظرك، اسمع ليس بوسع المرء أن يكسب كل شيء إنها حقيقة أزلية.. وبدوري سأقبل ثمانمائة ألف دينار..‏

الشهبندر : إذاً سأراك لاحقاً ((ينسحب))‏

أبو غيث : رافقتك السلامة ((يخرج))‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:38 PM
المشهد الثامن

في فسحة الدار..‏

يجلس غيث وهو يعزف معزوفة رقيقة وحزينة، وعندما يشرف على الانتهاء تكون شذى قد خرجت إليه وجلست قبالته.. إنها تنظر إليه بإمعان وتعيش موسيقاه بكل انسجام مأخوذة بكل رنة تصدر عن عوده إلى أن ينهي المعزوفة..‏

شذى : إنك تعزف عزفاً رائعاً..‏

غيث : شكراً، إنني تلميذك‏

شذى : لا تتواضع فأنا لم أعلمك هذا.. إنك تعطي شيئاً جديداً..‏

إن هناك شيئاً جارحاً في موسيقاك لم أسمعه من قبل..‏

غيث : لا أستحق هذا الإطراء.‏

شذى : أنا أعني كل كلمة، لقد تطور عزفك تطوراً مدهشاً في الفترة الأخيرة.‏

غيث : ربما لأنني أحبها.. ((صمت)).. الموسيقى..‏

شذى : ((تلوذ بنظراتها عنه)) إنك محق، لا يمكن للأشياء أن تولد وتظهر للعيان إلا بعد أن تكون قد تشكلت في مكان آخر.. هناك في الأعماق حيث تكون الأشياء بجوهرها الساطع الحقيقي الذي يداهم عيوننا وأسماعنا لنحصل على جزء من الحقيقة.‏

غيث : ولكن الحقيقة بطبيعتها كاملة.‏

شذى : كاملة في أعماقنا حين نؤمن بها تماماً، ولكنها حين تخرج من ذاتنا تفقد شيئاً ولو يسيراً من معناها، لأنه حتى في حال أننا مخلصون لما نؤمن به في أقل تقدير ليس بوسعنا أن نعبر بشكل مطلق عما يدور في أعماقنا.‏

غيث : إنك محقة، أشعر في كثير من الأحيان بأنني عاجز تماماً عن الكلام.. حين تصبح الكلمات أشياء ليست ذات قيمة، في تلك البرهة تشق النبضات طريقها إلى العالم الذي نعيشه تصبح معيار كل شيء.. تصبح النبضة أعظم كائن يقدر على فهم العالم.. تصير أحاسيسنا أسياداً على ما نراه...‏

كثيراً ما عجزت أصابعي عن عزف تلك الموسيقى التي أسمعها في داخلي.. حين أصغي إليها حقاً مع إدراكي لعجزي أكتشف أنني تلميذ صغير ينقصه الكثير من التدريب..‏

شذى : وهكذا أقول لك أنك معلم نفسك..‏

غيث : ولكن حينما نكون وحيدين.. وحيدين تماماً نصبح غير قادرين لأننا أعزلان ولهذا كل واحد فينا هو أستاذ للآخر حتى دون أن يشعر سواء رغب أم كره..‏

شذى : ((تنظر إلى عريشة العنب)) مثل هذه الدالية.. كل ورقة فيها تحاذي الأخرى، تستمد حيويتها من البقية، والدالية كلها تتسلق نحو الأعلى وجذورها متأصلة في الأرض الطيبة..‏

غيث : كذا تبقى الدالية تحمل للمواسم ثمارها العطرة، وللحياة تحمل الفرح والحنين ولو سقطت بعض أوراقها قبل اكتمال النضوج..‏

شذى : ((وقد فاجأتها الكلمة)) سقطت!‏

غيث : نعم، هناك دائماً أوراق تسقط قبل الأوان..‏

أوراق خضراء نضرة تقطع في غفلة اللحظات كما النغمات المبتورة لا تتمكن من البقاء..‏

شذى : إنه أمر مؤلم..‏

غيث : إنها سنة الحياة.. ((تصمت))‏

شذى : أحب هذه الدالية.. لا أريد لها أن تذبل، أشعر بها تماماً..‏

إنها تتملكني، أشتاق لكـ.. لكم..‏

غيث : لا بد وأنها أيضاً تشتاقك..‏

شذى : أحقاً تشتاقني.. يا إلهي ما أروع هذا..‏

غيث : ألست ابنتها أيضاً..‏

شذى : إنني رومية..‏

غيث : لكنك عشت تحت وارف ظلها.. أصبحت جزءاً منها، كما أصبحت هي جزءاً منك..‏

شذى : إنها تعرش على قلبي، تتدلى عناقيدها من قلبي، أحبها.. لطالما أحببتها..‏

غيث : وأنا أيضاً أحبها ((صمت)).. لماذا تصمتين؟‏

شذى : ((تستيقظ من شرودها)) آسفة..‏

غيث : مابك؟‏

شذى : لا شيء..‏

غيث : هل هناك ما تودين قوله لي؟..‏

شذى : ((تهرب من نظراته)) لا أبداً.. هل أعد لك العشاء؟..‏

غيث : شعرت بأنك ستتحدثين بشيء ما..‏

شذى : سأعد بضع لقيمات ((تقف)).‏

غيث : اجلسي لست بجائع..‏

شذى : لم تأكل طوال النهار..‏

غيث : اجلسي.. ((تجلس)).‏

((صمت)) ستسافرين غداً..‏

شذى : أجل..‏

غيث : السفر مرة أخرى.. ((صمت))..‏

شذى : ((لا تستطيع أن تقاوم حزنها)) سأودعك الآن..‏

غيث : لا.. سأستيقظ في الصباح الباكر..‏

بطبيعة الحال سأستيقظ باكراً..‏

شذى : استأذنك بالمغادرة.‏

غيث : ستذهبين..‏

شذى : أجل.‏

غيث : حسناً اذهبي.. ((تخرج)).‏

يخطو غيث في فسحة الدار والألم يعتصره، بعد قليل نسمع موسيقا رقيقة دافئة منبعثة من عود تعزف عليه شذى بغرفتها.. فيظهر الاضطراب على خطوات غيث..‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:39 PM
المشهد التاسع

في دار أبي غيث، حيث يجلس كل من الأب والأم في الجانب الأيمن من الفسحة..‏

أبو غيث : ((ينادي)) غيث..‏

صوت غيث : نعم أبي..‏

أبو غيث : تعال..‏

أم غيث : ماذا هناك؟‏

أبو غيث : أريد التحدث معه في أمر هام ((يظهر غيث))..‏

غيث : نعم يا أبي..‏

أبو غيث : اجلس..‏

غيث : ((يجلس)) نعم أبي..‏

أبو غيث : اسمع يا ولدي، سأبحر بعد أسبوع.. إنك على علم بهذا..‏

غيث : أجل..‏

أبو غيث : أترغب بالإبحار معي؟‏

أم غيث : أبا غيث.. ما الذي تقوله؟‏

أبو غيث : أنا أسأله..‏

غيث : ((صامتاً بحزن دفين)).‏

أبو غيث : ((ينظر إلى البعيد))..‏

ربما يعتقد المرء أحياناً أن عليه أن يرحل إلى مكان ما بعيد، مجهول..‏

((ينظر إلى ولده)) ولهذا أحببت أن أسألك فيما إذا كنت ترغب بالإبحار معي أم لا..‏

أم غيث : ((تتدخل بعنف)) بحق الله ماذا دهاك، إن غيث لا يرغب بالسفر..‏

غيث : لا يا أمي.. أرغب..‏

أم غيث : ((مذهولة)) ترغب!!‏

غيث : نعم أرغب((ينظر إلى أبيه)) لكنني لا أستطيع..‏

أبو غيث : إذا كنت تريد السفر. فعليك أن تعد نفسك من الآن..‏

غيث : لن أسافر يا أبي..‏

أم غيث : الحمد لله..‏

أبو غيث : حسناً يا ولدي، يبقى أن أخبرك ببعض الأشياء..‏

إن أوضاعنا ليست على ما يرام، لم نعد أغنياء كالسابق. وإذا لم أفلح في هذا الإبحار فستكون القاضية.. لهذا... يشق علي أن أطلب منك ذلك، عليك أن تفكر بالعمل.. بحرفة ما تدر عليك ما يكفي معيشتك.. إذا أردت التجارة أو غيرها فليس بوسعك أن تعمل في الموسيقا..‏

أم غيث : ((بألم كبير)) لم كل هذا يا أبا غيث.. لم كل هذا..؟‏

لماذا لا تعمل كالآخرين.. ألا تكفي الرحلات السابقة والعواصف والمخاطر والمرض، أليس من الأعقل أن تفكر بولدك غيث.. بحياته القادمة؟...‏

غيث : أمي..‏

أبو غيث : إنها على حق يا بني، قد تكون على حق.. ولكنني لا أستطيع..‏

حقاً لا أستطيع ((صمت)).. إنني الرجل الذي نذر نفسه للسفن..‏

((صمت)) .. الرجل الذي صنع من وجهه سارية تقصد سمت الريح.. لا أستطيع، سامحوني إذا لم أنجح..‏

غيث : أبي... إنك لم تخطئ في شيء، أقول هذا وكلي إيمان بما قمت به..‏

أبو غيث : كم أتمنى هذا... وأنت أيتها العزيزة... أريد أن أطلب منك شيئاً..‏

أم غيث : ((والدمعة على جفنيها)) أطلب..‏

أبو غيث : شذى..‏

أم غيث : ((تستعيد تماسكها)) مابها..؟‏

أبو غيث : أرجو ألا تبيعيها في غيابي..‏

أم غيث : لماذا ؟؟..‏

أبو غيث : أرجو ألا تفعلي..‏

أم غيث : ولكن.. الجارية مرغوب بها جداً، وستبلغ العشرين عما قريب، إنها في أوج بهائها، لقد دُفع بها ثلاثون ألف..‏

أبو غيث : ((مقاطعاً)) كما قلت لك..‏

أم غيث : ((منتفضة)) لكن لماذا..؟ .. من حقي أن أعرف..‏

أبو غيث : قلت لك لا تفعلي..‏

أم غيث : يا إلهي..‏

أبو غيث : مفهوم.. ((تلوذ بالصمت)) .. غيث..‏

غيث : ((يلتفت مرتبكاً))..‏

أبو غيث : إذا كانت هناك واحدة معينة فبإمكانك أن تخبرني أنا وأمك بالأمر..‏

أم غيث : أجل يا بني، لقد أصبحت في سن الزواج..‏

غيث : لا ... لا أفكر في هذا إطلاقاً..‏

أم غيث : قل إذا كانت هناك فتاة تعجبك..‏

غيث : لا أمي، لا يوجد..‏

أبو غيث : لقد تحدث معي أبو عتبة وشهبندر التجار أيضاً، إنهما معجبان بك كثيراً ويتمنونك صهراً.‏

أم غيث : ابنة الشهبندر..‏

أبو غيث : أجل.. لقد تحدث معي في الأمر البارحة، وكنت قد رأيت الفتاة مصادفة في إحدى المرات، إنها جميلة وعاقلة...‏

علي أن أخبرك بهذا، وابنة أبي عتبة تعرفها.. حسناء.. مؤدبة ومتعلمة..‏

أم غيث : هذا رائع يا بني.. رائع..‏

غيث : حقاً.. لا أفكر الآن بالزواج..‏

أبو غيث : على أية حال.. الفرصة اليوم متاحة، ولا أحد يدرك ما الذي ستؤول إليه الحال غداً..‏

أم غيث : إن ذلك في علم الله.. غيث.. ترفق بالأمر يا بني..‏

إنها سنة الحياة أن تتزوج مثل .. الآخرين..‏

غيث : أمي، أرجوك.. لننهِ الحديث في هذا الشأن..‏

أم غيث : ولكنها ابنة الشهبندر‏

غيث : أياً كانت.. عذراً أستسمحكما بالانصراف..‏

أبو غيث : مع السلامة.. ((يغادر)).‏

أم غيث : هذا الولد.. لا أعرف مابه..‏

أبو غيث : كما توقعت...‏

إظلام كامل‏

ـ ســــتار ـ‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:41 PM
الفصـل الثاني: المشهد الأول

بعد ثمانية أشهر، في منزل أبو غيث في إحدى الليالي..‏

يعزف غيث عزفاً حزيناً مؤثراً.. تدخل أمه فتنظر إليه بحنان وتجلس قربه تصغي إلى موسيقاه، حتى ينهي المعزوفة..‏

أم غيث : لم كل هذا الحزن..؟‏

غيث : آه.. ((صمت)) أما زال في غرفته..؟؟‏

أم غيث : أجل.. لقد جاءه أبو عتبة، لكنه رفض لقاءه..‏

غيث : يا إلهي، إن حالته تتدهور..‏

أم غيث : أكاد أجن، كيف جرى ذلك كله بهذه السرعة، لقد نصحته مراراً أن يعزف عن الإبحار، رجوته بكل جوارحي ألا يفعل، لكنه كان مصراً..‏

((يظهر أبو غيث وتبدو عليه ملامح رجل تحطم كلياً))..‏

غيث : أبي ((يقف)) ... أهلاً أبي ((يجلس أبو غيث واجماً))...‏

أبي، كيف حالك ((يشير له بإصبعه))..‏

أم غيث : أبا غيث ((ينظر إليها نظرة منكسرة))... أبا غيث، أتوسل إليك..‏

((تتضرع إلى يديه)) أتوسل إليك أن تنسى ذلك... ((لكن أبو غيث يبقى شارداً حتى الانطفاء))..‏

غيث : ((يقف مقترباً منه)) أبا غيث ((يتصنع المداعبة)) .. ما هذا يا رجل..؟‏

((يقبل أعلى رأسه)) إنك تحمل الأمور على محمل الجد أكثر من اللازم...‏

أبو غيث : ((يحرك رأسه حركة طفيفة))...‏

غيث : ((يهمس بألم)).. أبي، عهدي بك قوياً، جباراً مثل البحر...‏

أبو غيث : ((ينطق للمرة الأولى)).. لقد... لقد تاهت السفينة..‏

غيث : ((يبتسم)) لكنكم اهتديتم أخيراً، اهتديتم يا أبي وعدتم لنا سالمين، وهذا أهم ما نريده..‏

أبو غيث : اهتدينا.. هه.. بعد أن فسد كل شيء.. بعد أن تعفنت البضاعة وأخذ البحارة يلتهمون الجرذان..‏

أم غيث : أبا غيث.. فلتذهب البضاعة إلى الجحيم، المهم أنك لا زلت حياً بيننا، لا زلت تاجاً نضعه على رؤوسنا بجلال وفخار..‏

غيث : نحن بحاجة إليك يا أبي، نحن بحاجة إليك..‏

أبو غيث : لقد ضاع كل شيء يا ولدي، ليس بإمكاني أن أقدم شيئاً بعد الآن..‏

غيث : لا نريد شيئاً، بل نريدك أنت.. أنت الذي تمنحنا القوة والعزيمة، تمدنا بالشجاعة لنواجه الأيام القادمة، تزودنا بالحكمة الثمينة وتسمنا بالشرف والعزة، إذ بقيت طوال حياتك صادقاً... متسامحاً... مقداماً...‏

أفخر بك يا أبي، صدقني أفخر بك وأحتاجك، ساعدني ((ينتفض الأب بعصبية فهو لا يحتمل سماع ذلك))..‏

.. لم يضع شيء يا أبا غيث، إن الحياة أمامك ونحن أوفياء لها.. لن يهزمنا العفن يا أبي..‏

أبو غيث : لم يبق شيء أمامنا، لقد فقدنا كل شيء..‏

أم غيث : لكننا لم نفقد رحمة الله تعالى، أسمعت... لم نفقد رحمته..‏

أبو غيث : ونعم بالله..‏

غيث : لن نعدم الحيلة يا أبي..‏

أبو غيث : لن نستطيع.. لن نستطيع..‏

أم غيث : أيعقل أنك من يتحدث بهذا..؟‏

غيث : أرجوك يا أمي تماسكي قليلاً..‏

أم غيث : ((تبكي بمرارة)) لا أستطيع.. لا أستطيع..‏

غيث : ((منفعلاً)) أبي.. أمي.. ما الذي جرى.. أنا هنا، ما زلت موجوداً... صدقوني، بإمكاني أن أحقق الكثير ... ((يتلعثم بارتباك)) ثم...‏

ماذا يعني أننا فقدنا أملاكنا وثروتنا، ما زلنا نملك الكثير، صدقوني أمامنا فرصة أخرى، بل فرص كثيرة.. ما زال لدينا الصحة والعقل والشباب... السمعة الطيبة... أبي... أمي... ثقا بي... أرجوكما..‏

أم غيث : ((ينتهي بكاؤها فجأة ثم تلتمع عيناها بطريقة مؤذية))... أجل لم نفقد بعد كل شيء...‏

غيث : هذا صحيح يا أمي..‏

أبو غيث : ((واجماً دون أي انفعال)).‏

أم غيث : لا زال لدينا شيءٌ أخير..‏

غيث : هذا ماكنت أحاول أن أقوله من البداية... إرادتنا...‏

أم غيث : ((لا تكترث بكلام غيث)) شيءٌ واحدٌ لم يبق غيره..‏

أبو غيث : ((ينفعل لأول مرة)).. لا يا صالحة..‏

أم غيث : بل أجل..‏

أبو غيث : ((بصوت أكثر انفعالاً)) لا يا صالحة..‏

أم غيث : هذه المرة بلى يا أبا غيث..‏

غيث : ((ينظر إليهما بدهشة)) ماذا هناك..‏

أم غيث : شذى، بقي أمامنا شذى ((يحاول غيث ضبط نفسه)..‏

أبو غيث : لا يا صالحة..‏

أم غيث : ((بثبات عميق)).. سنبيع شذى..‏

أبو غيث : لن نبيع شذى..‏

أم غيث : بل سأبيعها، إنها ملكي...هديتك لي... صكها بيميني، سأبيعها وهذا من حقي..‏

أبو غيث : ((بشكل هادئ)... لا تبيعيها..‏

أم غيث : إنها تساوي الآن ستين ألف دينار، بوسعك وغيث أن تبتاعا دكاناً نقتات منه..‏

أبو غيث : ((يتمتم وكأنه في عالم آخر)) لا يا صالحة... لا يا صالحة..‏

أم غيث : سينتهي تدريبها بعد ثلاثة أسابيع، سأرتب الأمور إلى ذلك الموعد..‏

أبو غيث : ((يكرر بشكل آلي وبصوت منخفض جداً)) لا يا صالحة.. لا يا صالحة..‏

غيث : ((يستفيق من ذهوله الحزين بعد أن لاحظ شيئاً غريباً في نبرة صوت أبيه))... أبي...‏

أبو غيث : ((سارحاً في تمتمته))... لا يا صالحة.. لا يا صالحة..‏

غيث : أمي، أرجوكِ كفي عن هذا الآن..‏

أم غيث : لا يا غيث، لن أسمح بتحطيم آخر لهذي الدار، يجب أن تبقى رايتها مرفوعة حتى النهاية...‏

غيث : أماه، صدقيني سأعمل بجد من أجل إعادة كل ما فقدناه، فقط ثقي بي...‏

أم غيث : إني أثق بك، لكنني لن أسمح بأن تعمل حمالاً في الخانات أو ملحقاً بكوكبة الجواري... أفهمت...؟؟‏

أبو غيث : لا يا صالحة.. لا يا صالحة..‏

غيث : ((يلقي بنظرة مأساوية إلى أبيه المحطم)) أمي... أتوسل إليك أن تنسي هذه القضية، دعيني أحاول ولو مرة، أعطني فرصة واحدة.. أمي أتوسل إليك...‏

أم غيث : لا تتوسل..‏

غيث : أمي..‏

أم غيث : ((بشكل حاسم))... قلت لا تتوسل..‏

أبو غيث : ((يردد عبارته بتوتر آلي)) لا يا صالحة.. لا يا صالحة..‏

غيث : أمي، أستميحك بتأجيل هذه القضية بضعة أشهر أخرى..‏

أم غيث : لن يتوجب علينا أن ننتظر أكثر، ألست على دراية بكل ما نعانيه هذه الأيام.. ألست أكثر من يعاني، أم علينا أن ننتظر حتى يكشف الناس أنه ليس دينار واحد في هذه الدار...‏

غيث : سأعمل... قلت لك سأعمل..‏

أم غيث : قل لي ماذا ستعمل.. قل لي، إنني أصغي إليك جيداً..‏

غيث : سأتدبر الأمر... صدقيني..‏

أم غيث : قلت لن أدعك تعمل بين الجواري... أفهمت..‏

غيث : لن أعمل بين الجواري..‏

أم غيث : ((تصرخ)) ماذا ستعمل إذاً؟ ((تنسحب إلى الداخل، أما الأب فما زال يكرر العبارة))..‏

غيث : أبي..‏

أبو غيث : ((يكرر))‏

غيث : ((وكأنه قد أدرك كل شيء)) أرجوك أن تصغي إلي..‏

أبو غيث : ((يكرر العبارة طوال المقاطع المقبلة...)).‏

غيث : إنها على حق يا أبي، أجل إنها على حق ((يتحدث الآن بطريقة متماسكة جداً)).. لابد من بيع الجارية...‏

أبو غيث : ((ينظر إليه مرة واحدة ثم يتابع تمتمته وكأنه لم يسمع الجملة الأخيرة))..‏

غيث : أجل يا أبي، الجارية ثمينة بالفعل... أمي محقة... علينا أن نبدأ من جديد...‏

لن نتمكن من إعادة الأمور إلى ما كانت عليه دون رأسمال... أنت أكثر من يعرف هذا... ((صمت))...‏

أبي.. لماذا لا تفكر بتعقل، إن كل ما قالته أمي كان عين الصواب..‏

قل شيئاً أرجوك... ((صمت))...‏

أبي... لا تقلق من أجلي ما تظنه غير صحيح، أقسم لك غير صحيح ((ينحني أمام ركبتيه))..‏

صدقني.. ما أقوله لك حقيقة، ليس ثمة أي شيء... لا تقلق من أجلي، صدقني سأعمل بجد وأبني من جديد كل ما بنيته أنت من قبل، وسأدفع بنفسي إلى الأمام... ((صمت))...‏

أنا راض بهذا وسعيد.. أجل أنا سعيد، سنعمل ونعمل ونكسب الكثير ونذهب معاً لتخطب لي الفتاة التي أعجبتك... أليس كذلك يا أبا غيث؟‏

أبو غيث : ((يقف أثناء تمتمته وينسحب إلى الغرفة الأخرى))...‏

غيث : أبي... أبي... ((يجلس ممزقاً، لحظات وتخرج الأم، ينظر إليها غيث نظرة ذات معنى))...‏

أم غيث : ((تحاول أن تخفي قلقها)) ما الذي أصابه؟ ((غيث واجماً لا يجيب)).. لماذا يرددهذه الكلمات...؟‏

غيث : لم تسألين؟‏

أم غيث : قل لي مابه..؟‏

غيث : اخفضي صوتك، ماذا دهاكِ هذه الليلة؟‏

أم غيث : سأجن، لاأحتمل فكرة النهاية... لم أتوقع هذا يوماً..‏

غيث : كان عليك أن تتحلي بالصبر... على الأقل أن تساعديه... أن تقفي إلى جانبه وتبعديه عن شفا الهاوية التي يقف عليها وبدلاً من هذا دفعته نحوها...‏

أم غيث : أنا..‍‍!!‏

غيث : نعم أنتِ..‏

أم غيث : ما هذا الكلام؟!... أأنت جاد في ما تقول... يا إلهي ما الذي فعلته حتى تتحدث معي بمثل هذا؟؟‏

غيث : تحدثت بأكثر مما يحتمل...‏

أم غيث : إنك أعمى لا تبصر، ما الذي تريدني أن أفعله..؟‏

أن أصغي إلى رأيه ((تخفض صوتها)) آرائه..؟ هل تعي معنى هذه الكلمة..؟‏

آراؤه هذه التي أوصلتنا إلى هنا... إلى شفا الهاوية التي تتحدث عنها، لقد سئمت أن تتصدع هذه الدار مع كل حول... الدار التي ستعيش فيها أنت وأولادك... أحفادي...‏

ليس بوسعي أن أتشبث بكل ما يحيط به، أن أحمي كل ما يدور في خلده، وألهث دائماً خلف أحلامه..‏

أصغي حتى النهاية إلى أهوائه، لا أريد أن أدافع عنه الآن، بل أريدك أنت وأطفالك، أريد أن أراهم يلعبون ويصرخون هنا على هذه الفسحة، أن يذكرونا بالخير...‏

أبوك وأنا سنؤول إلى حتفنا الآن أو غداً أما أنتم فستحملوننا إلى الأيام المقبلة..‏

غيث : وشذى..؟‏

أم غيث : شذى جارية، هكذا خلقت وستبقى..‏

أدرك تماماً أنها أعظم مغنية في البلاد، ولكنها الجارية التي أهدانيها أبوك في يوم من الأيام، وسأغنم منها تماماً كما أردت منذ البداية، سأغنم بها أنت وأحفادي الآتين..‏

ليس بوسعي أن أصمت حتى النهاية، لقد صمت كثيراً طوال تلك السنين الماضية، والآن لا أريد أن أفقدك أيضاً لأنك آخر ما بقي لي في دنياي..‏

ليس بوسعي أن أقول نعم كعادتي، أن ألوذ بسكوتي حينما يقرر وأن أثرثر في الخفاء، إنها المرة الأولى وربما الأخيرة التي سأقود فيها المركب قبل أن يغرق..‏

غيث.. لا أريدك أن تمشي ذليلاً بين الناس، لن أحتمل أن أراك على تلك الحال يا بني..‏

قل لي يا بني هل أنا على خطأ؟؟‏

غيث : ((صامتاً))‏

أم غيث : قل لي أرجوك..‏

غيث : حينما لا نرى إلا بعيوننا فستكون الحقيقة مثل كرة نحاسية لن ننظر منها إلا دائرة صفراء مسطحة، سننسى أنها كرة..‏

وحين نبصرها بعقولنا وقلوبنا فسنراها كرة كاملة..‏

أم غيث : ما الذي ترمي إليه..؟‏

غيث : إن أبي ينظر بقلبه وعقله، أما أنت فتنظرين إلى الشكل ذاته بعينيك فقط.‏

أم غيث : غيث.. إني لا أعي شيئاً مما تقول..‏

غيث : أمي.. لا تبيعي شذى‏

أم غيث : لماذا علي ألا أبيعها..‏

غيث : لأنني أحبها يا أمي‏

أم غيث : غيث!!‏

غيث : هذه الحقيقة، إنني أحب شذى.. أحبها..‏

أم غيث : تحبها؟!‏

غيث : أجل‏

أم غيث : وأخبرت أباك بهذا؟‏

غيث : لم أخبره‏

أم غيث : وشذى؟‏

غيث : لا تعرف شيئاً مما قلته الآن "تنظر إليه بتشكك" أمي.. إنها الحقيقة..‏

أم غيث : أحببتها طوال هذي السنين..‏

غيث : أجل..‏

أم غيث : دون أن تعلم هي؟‏

غيث : لم أخبرها بهذا..‏

أم غيث : هل هناك شيء آخر.. أقصد بوسعك أن تخبرني عنه؟‏

غيث : ليس هناك سوى ما أخبرتك به ((صمت))‏

أم غيث : وماذا الآن؟.. هل تريدني أن أصفق لك على هذا؟‏

غيث : لم أطلب منك أن تفعلي.. فقط أردت إخبارك بالسبب الذي جعل أبي يرفض طوال الوقت فكرة أن تبيعي شذى..‏

أم غيث : السبب الذي سيجعلك تتزوجها في يوم من الأيام..‏

غيث : اخفضي صوتك، لا أريده أن يسمع..‏

أم غيث : تريد أن تتزوج جارية!؟‏

غيث : كنت أنوي إعتاقها ثم الاقتران بها..‏

أم غيث : هراء.. هراء..‏

غيث : كنت أنوي أن أعمل بجد وعزيمة كي أشتريها..‏

أم غيث : تشتريها مني!؟‏

غيث : أشتريها من أي أحد يملك صكها..‏

أم غيث : لماذا لا تفهمني.. لا أريد مالاً، أقسم لك لا أريد مالاً..‏

أريدك أنت ابني الوحيد..‏

غيث : حسناً كما تشائين..‏

أم غيث : قل لي ماذا تريد؟‏

غيث : لا أريد شيئاً، لقد أخبرتك بكل شيء..‏

أم غيث : فلتعلم إذاً بأنني لن أدعك تحطم حياتك بيديك..‏

غيث : حطميها بيديك إذاً..‏

أم غيث : "متلهفة" أتظن أن بإمكاني فعل ذلك. بني، لا يمكن أن تكون جاداً فيما تقول.‏

أنسيت نفسك؟.. أنسيت من أنت؟.. أسماء أجدادك وفخارهم..‏

أتريد حقاً الزواج من جارية أنت الذي تمناك معظم أعمدة بغداد صهراً لهم..‏

غيث : أمي أرجوك..‏

أم غيث : إنها نزوة عابرة يا غيث، إنها غيمة صيف تسري.. لا تصغ إليها..‏

((بتوسل)) أرجوك يا بني أن تدرك كل ما أقوله، أمامك حياة طويلة بأيام كثيرة ومتطلبات أكثر، من غير المعقول أن تعتق الجارية فتخسر كل شيء تملكه ثم تتزوجها فتخسر كل شرف شيدته العائلة..‏

غيث : إنني أحبها يا أمي.. إن حبي لها هو كل حياتي..‏

أم غيث : ((تقاطعه)) لا بني.. لا تلحق بأهوائك كأبيك، إنه هوى عابر يا ولدي، ستنسى مع مرور الزمن هذه القصة الطارئة..‏

غيث : ليست بطارئة..‏

أم غيث : ((تقاطعه بعنف)) ستنسى هذه القصة.. ((تحاول استعادة هدوءها)) ستنسى يا ولدي.. أقسم لك ستنسى..‏

غيث : حسناً..‏

أم غيث : أقسم لك يا صغيري كل الشبان الذين في سنك يتعرضون لمثل هذا لكنهم في النهاية يسيرون في الطريق الصحيحة التي أضعها أمامك((تهمس)) اسمع يا ولدي.. يمكنك أن تعمل بنشاط، إنني أثق بك كثيراً.. ستعمل بالتجارة كما يعمل سائر التجار، ستعمل على طريقتهم وستكسب.. مع مرور الوقت ستكسب وسيسارع أعيان البلد من جديد نحو أبيك ليرووا له قصصاً عن ظُرْفِ بناتهم المدللات..‏

غيث : ((مقاطعاً)).. أمي.. افعلي ما يحلو لك ((يحاول الانسحاب فتتشبث به لتمنعه من المغادرة))‏

أم غيث : لا تقل هذا يا حبيبي، كل ما سأفعله لأجلك..‏

غيث : افعلي ما شئت ((يهم بالانسحاب لكنه يتوقف لدى سماعه طرقات على الباب))‏

أم غيث : افتح الباب.. إنها هي..‏

غيث : شذى؟؟‏

أم غيث : أجل.‏

غيث : ((يفتح الباب فتظهر شذى، يلتقي الاثنان بنظرة عميقة لكنه يلقي بنظرة جانباً محاولاً خلع اللحظة فترتعد شذى)) أهذا أنت؟‏

شذى : ((وقد صعقت بالسؤال)) أجل.. ماذا هناك ((يتحرك باتجاه الفسحة فتلحق به)).. مرحباً..‏

غيث : ((بعدم اكتراث)) أهلاً..‏

شذى : ((تسعى لتقبيل يديها)) كيف حال سيدتي ((تلاحقه بنظراتها)) ماذا هناك؟‏

غيث : ((بصوت مرتفع)) ما الذي أتى بك الآن؟‏

شذى : ما هذا السؤال؟‏

غيث : أجيبي..‏

شذى : غيث..!!‏

غيث : ((يضغط قبضته)) ماذا دهاك؟؟‏

شذى : سيدتي ما الذي جرى؟‏

غيث : أجيبي عن سؤالي.. لماذا أتيت في هذا الوقت المتأخر؟‏

شذى : ((بارتباك شديد)) اعتقدت.. اعتقدت أنه لا ضير في أن آتي في هذا الوقت..‏

غيث : ((يقاوم تمزقه)) ألا تعتقدين أن الوقت متأخر..؟‏

شذى : حقاً لم يخطر لي، أقصد لم أرغب بالمبيت مع طرفان‏

غيث : ولماذا لا تفعلين؟‏

شذى : ((متنبهة.. فتخطو نحوه وتتحدث بطريقة مختلفة)) ماذا تقصد؟‏

غيث : ((يهرب من نظرتها)) لماذا لا تبيتين عنده... ألست..‏

شذى : ماذا؟‏

غيث : ألست عبدة مثله..‏

شذى : ((تكاد تسقط من هول المفاجأة ولكنها تتكئ على جذع شجرة وتخور قواها لدرجة أنها في معظم المقاطع القادمة ستجد تعثراً في النطق)) سيدي.. اعتقدت.. أن.. هذا.. سيغضب سيدتي..‏

غيث : ((يحاول ضبط نفسه)) حسناً لم أتيت إلى بغداد؟.. لم نرسل في طلبك..‏

شذى : سيدي...‏

غيث : قولي لم؟‏

شذى : لا أعرف ما الذي دفعني إلى المجيء، شعرت بشيء رهيب يتملكني، الشعور الذي ينتابني حين يمرض أبي.. ((يغمض عينيه ألماً)).. آسفة سيدي لم.. لم أكن أقصد..‏

الشعور الذي يداهمني حين يمرض سيدي الكبير..‏

البارحة شيء هوى على قلبي مثل صاعقة، جعلني أرتجف من الخوف.. لم أستطع أن أسلخ رعبي هذا وتوسلت للدوحة أن تسمح لي بالقدوم، أرجوك سيدي سامحني..‏

((يسود صمت تشعر من خلاله شذى بضياع كامل ولكنها تتمالك نفسها لتسأل هذا السؤال:)) أين سيدي؟‏

أم غيث : إنه نائم في الداخل..‏

شذى : هل بإمكاني رؤيته؟‏

أم غيث : قلت لك إنه نائم..‏

صوت طرفان من الخارج: هل أدخل الأشياء..‏

أم غيث : من هذا؟‏

شذى : طرفان..‏

أم غيث : أية أشياء؟‏

شذى : أحضرتها من أجلكم‏

غيث : اطلبي منه أن يعيدها إلى مكانها.. لسنا بحاجة إليها..‏

شذى : سيدي إنني..‏

غيث : كما سمعت..‏

أم غيث : ((تتدخل بشكل قاس)) وأخبريه بأنك ستبيتين عنده الليلة ((يظهر الأب فجأة))..‏

أبو غيث : لا يا صالحة.. لا ((يتوقف عن الكلام))‏

شذى : ((تندفع نحوه)) سيدي.. ((تقبل يديه))..‏

أبو غيث : ((يمسح شعرها))‏

شذى : كيف حالك يا سيدي؟؟‏

أبو غيث : ((ينظر إلى وجهها ثم يشير لها برأسه))‏

شذى : ((متأثرة)) سيدي.. هل أنت بخير؟‏

أم غيث : ((تحاول خلع الموقف)) لماذا لم تذهبي، قلت لك اخرجي وأخبريه بذلك..‏

شذى : ((تقف لحظات))..‏

أم غيث : ماذا بك.. تحركي..‏

شذى : سيدتي ((تتوجه نحو غيث فيشيح بوجهه عنها جانباً)) سيدي..‏

ما الذي جرى. هل أنا في حلم؟؟‏

لابد وأنني أحلم بكابوس رهيب..‏

غيث : ((يغمض عينيه تأثراً))‏

أم غيث : ((تضبط أعصابها هي الأخرى)) ما دهاك، هيا اخرجي وأخبريه‏

شذى : سيدي، هل هناك شيء ((لا يزال صامتاً)) أسمعتم خبراً عني..؟‏

((تتوجه إلى الأم)) سيدتي، أتوسل إليك أن تخبريني عن سبب كل هذا، أرجوك أخبريني الحقيقة..‏

غيث : ماذا في الأمر، لم تسألين كل هذه الأسئلة، إذا كان يحق لك أن تعرفي شيئاً فهو أن السيدة ستسلمك إلى النخاس بعد ثلاثة أسابيع..‏

شذى : ((بخوف شديد وصوتها يرتجف)).. إلى النخاس.. غيث..!!‏

غيث : ((يضغط بأسنانه))‏

شذى : سيدي.. ((تقترب من غيث وتمسك بذراعيه ثم تحدق في عينيه وتهمس بعنف)) سيدي ماذا جرى؟؟ ((يهرب من نظراتها)) قل أرجوك ما الذي حدث؟؟‏

انظر إلي.. قل هل وصلك شيء عني، أقسم لك أنني لم أتغير.. ما زلت أحفظ كل ما أودعتني به هذه الدار.. أقسم لك.. أقسم لك..‏

غيث : ((يكاد ينهار)) ابتعدي.. ((يتخلص منها بحركة واحدة)) ماذا تظنين نفسك ابنة هذا الدار، ابنة هذا السيد العريق، ابنة هذه السيدة الفاضلة، أختي أم ماذا..؟؟‏

أنسيت نفسك.؟ أنت جارية لقيطة رومية بائسة..‏

أتعتقدين أنك واحدة منا؟؟ انزعي هذه الأوهام من رأسك، إذا كنت خارقة البديهة كما يتحدثون فلا يتفق أن تفهمي عطفنا نحوك حباً.. إذا كنا قد أدخلناك إلى الدار فلا يعني أنك انتميت إلى العائلة.. هل تفهمين هذا.. هل تفهمينه؟؟؟‏

شذى : ((تتماسك قليلاً)) بلى أفهمه ((صمت)) الآن اكتشفت كل شيء..‏

أهو أنت من ينطق بهذا حقا؟؟ لا أصدق أذني، أجل إنني جارية، لقيطة رومية بلا أب أو أم أو أخوة ((صمت))..‏

جارية عفيفة طاهرة لا تنفع لأسرة عريقة، لن تنفعها عفتها في شيء، لن تقيها بديهيتها من الشنق، لقد عرفت هذا.. عرفته الآن ((تخرج))‏

أبو غيث : ((يهم بالعودة إلى غرفته))‏

غيث : أبي ((يتوقف الأب)) ما كان يجدر بك أن تبقى صامتاً، تصور يا أبي أنها تعتقد أنني أهواها، هل بالإمكان...‏

((يدخل أبو غيث الغرفة قبل أن يدع فرصة لغيث كي يكمل ما يقوله، يجلس غيث محطماً، تنظر إليه الأم بشفقة))‏

أم غيث : غيث، لا تهتم يا ولدي..‏

غيث : لقد انتهى كل شيء.. أمي، هل لي أن أطلب شيئاً واحداً..؟‏

أم غيث : اطلب يا بني..‏

غيث : لا أريد لها أن تقضي ليلتها الأخيرة خارج الدار..‏

أم غيث : حسناً كما تشاء..‏

غيث : وألا تساق إلى سوق النخاسة، لن أحتمل رؤيتها بتلك الصورة، بإمكانك عرضها للبيع هنا، حيث نشأت وعاشت..‏

أم غيث : سأفعل، سأفعل كل هذا.. ((تصمت بشكل مفاجئ))‏

غيث : ما بك؟؟‏

أم غيث : يخيل إلي أنها تبتعد عن الدار‏

غيث : إنها في الخارج..‏

أم غيث : إنها تغادر، أشعر بذلك جيداً..‏

غيث : أمي..‏

أم غيث : الحق بها حالاً..‏

غيث : ماذا تقولين يجب ألا..‏

أم غيث : قلت لك غادرت، أشعر بذلك كرؤيتي لك الآن، الحق بها على الفور.. أسرع.. في الحال..‏

غيث : ((ينطلق نحو الباب وينظر إلى الخارج)) لقد غادرت تاركة كل الهدايا قرب الباب..‏

أم غيث : الحق بها يا بني، الحق بها..‏

((يخرج غيث ثم نسمع صهيل فرس يليها صوت حوافرها وهي تنطلق بسرعة الريح))..‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:43 PM
المشهد الثاني

ذات المنظر السابق بعد منتصف الليل، الأم غافية جلوساً ويبدو على وجهها التعب الشديد تستيقظ مذعورة على صوت حركة في الخارج ومن ثم قرع على الباب..‏

أم غيث : ((تلتفت من حولها فلا تجد أحداً)) من هناك؟؟‏

صوت رجل : أنا أبو داوود يا سيدتي، أكبر نخاس في المشرق..‏

أم غيث : ماذا تريد؟؟‏

أبو داوود : جئت بخصوص جاريتك الممتازة يا سيدتي، إنها ترافقني والعبد طرفان..‏

عذراً هل لي أن أتحدث مع أبي غيث..؟؟‏

أم غيث : حسناً ((تتوجه إلى باب غرفته)) أبا غيث، صاحب النخاسة يطلب رؤيتك، إنه في الخارج.. قم وافتح له، لماذا لا تجيب؟؟‏

لم ترقبني هكذا، لا يصح أن أستقبله أنا.. أبا غيث..‏

((تغادر الغرفة ثم تتجه نحو الباب وتفتحه، يظهر أبو داوود مع مرافقه ثم تدخل شذى وطرفان))‏

أبو داوود : السلام عليكم..‏

أم غيث : وعليكم السلام.. تفضلوا..‏

أبو داوود : أين أبو غيث؟؟‏

أم غيث : إنه مريض في الداخل، لن يتمكن من استقبالك..‏

أبو داوود : فليعافهِ الله وليمن عليه بالشفاء العاجل..‏

أم غيث : بارك الله فيك..‏

أبو داوود : على أية حال جميع تجار النخاسة يعرفون أنك المالكة الوحيدة للفاتنة شذى، لا أعرف لماذا أصرت الجارية القديرة على قدومي الآن، وإلا لما كنت أتيت في هذه الساعة المتأخرة من الليل..‏

أنت تعلمين، ليس بوسعي أن أرفض عرضاً مثل هذا، إن المدللة شذى قدمت بنفسها إلي كي أتم صفقة بيعها، هذا أمر سأفخر به طوال حياتي..‏

أم غيث : ((تنظر إلى شذى شذرا)) ألم أخبرك بأن البيع سيتم بعد ثلاثة أسابيع، ثم كيف تحضرينه بنفسك وفي هذا الوقت المتأخر..؟؟‏

((شذى واجمة لا تجيب)) ألم يكن بالإمكان الانتظار حتى الصباح.. هل هي سرقة؟؟‏

أبو داوود : عفواً سيدتي، سنترك الأمر إلى الصباح إذا كان هناك ما تفكرين به..‏

أم غيث : بلى، هذا ما أريده..‏

أبو داوود : ((يهم بالانصراف)) كما تشائين أيتها السيدة الفاضلة..‏

شذى : ((بصوت حاد)) انتظر!!!‏

((يتوقف على الفور)) سيتم كل شيء الآن..‏

أبو داوود : لا أدري ما أقول، عليكما أن تتفقا..‏

أم غيث : إنها مسألة تخصني أيها السيد، أنا من يحدد البيع..‏

شذى : بل أنا التي ستفعل.. ((صمت مؤذ))..‏

أم غيث : شذى..‏

شذى : ليس من الفائدة يا سيدتي أن تبيعي جاريتك الجميلة الفاتنة بأنف مجدوع..‏

أم غيث : ما هذا الهراء..‏

شذى : ((تخرج خنجراً صغيراً من جيبها)) أجل يا سيدتي سأجدع أنفي بهذا الذي طالما خبأته لأشياء لم تعد تهم الآن.. أشياء تجعلني أغرز هذا النصل اللامع في صدر من تسول له نفسه بالاعتداء على جارية رومية لقيطة..‏

ولهذا أقول لكما يجب أن تتم الصفقة الآن ولا داعي لأن تختبري صدقي في ما أقول فقد تكون منك مجازفة لا تحمد عقباها..‏

أبو داوود : ((هامساً في أذن أم غيث)) أعتقد أننا يجب أن نتصرف بحكمة يا أم غيث وإلا ستكون الخسارة كبيرة..‏

أم غيث : ((تطرق متأملة، ثم..)) حسناً، كما تشائين..‏

أبو داوود : ((يتوجه نحو شذى)) اعذريني، ولكنها أحكام المهن لابد لي من إجراء كشف كامل..‏

ثمة معايير محددة في هذا الخصوص نتوصل من خلالها إلى القيمة الحقيقية للمملوك..‏

شذى : افعل ما شئت..‏

أبو داوود : ((يتحرك حول نفسه وكأنه يبحث عن شيء))‏

شذى : ماذا تريد؟؟‏

أبو داوود : أحتاج إلى قنديلين إضافيين..‏

شذى : حسناً.. (تخرج))‏

أبو داوود : إنها جارية ممتازة، لن يشتريها إلا علية القوم..‏

أم غيث : ألست الذي سيشتريها؟!!‏

أبو داوود : معاذ الله أن أفعل، لا يأكل الذئب ما ينوي أكله السبع.. أقسم برأس الخليفة أنها لن تباع إلا لقصر الخلافة..‏

أم غيث : أعتقد أنك تبالغ في هذا..‏

أبو داوود : لا.. أنا لا أبالغ، ستعرفين ذلك غداً في الصباح حين أقتادها إلى السوق..‏

أم غيث : سوق النخاسة؟‏

أبو داوود : أجل..‏

أم غيث : لا يا أبا داوود، لا أرغب ببيعها في السوق، أريدها أن تخرج من هذا المنزل مباشرة..‏

أبو داوود : ولكن..‏

أم غيث : كما قلت لك، إنني أصر على شرطي‏

أبو داوود : إنه طلب غريب، لن يؤدي إلى نتائج فالحة فسيحجم كبار القوم عن القدوم إلى هنا فهذا الشرط سيسيء إلى شرفهم، ولا تنسي أنهم هم الذين يشترون، هم الذين يدفعون أموالهم من أجلها. وليس بالإمكان أن ينوب أحد عنهم في شراء مملوك باهظ الثمن مثلها ((تظهر شذى وبيديها قنديلين مضاءين))‏

شذى : تفضل..‏

أبو داوود : ((لمرافقه)) ضعهما جانباً ((إلى أم غيث)) أستميحك عذراً بإيقاظ ابنك غيث فيما لو كان نائماً فثمة رجل من طرفكم عليه أن يحضر الكشف..‏

أم غيث : غيث غير موجود الآن، ربما سيعود بعد قليل..‏

أبو داوود : وأبو غيث مريض‏

أم غيث : نعم.. ما طبيعة الكشف بالضبط.‏

أبو داوود : اعذريني.. لا يمكن حضورك بالطبع لأنها ستتعرى تماماً.‏

أم غيث : ((تشعر باضطراب مفاجئ، ثم تلتفت نحو شذى التي تنظر إليها نظرة انطفأت منها الحياة)) لا أدري أليس بوسعنا تجاوز هذه المسألة..‏

أبو داوود : مستحيل، إنما بالإمكان تأجيلها..‏

شذى : ((بصوت بارد)) قلت لا أريد تأجيلاً..‏

أم غيث : لم هذا العناد؟؟‏

شذى : لا أريد البقاء هنا‏

أبو داوود : كما تشائين.. كما تشائين.. ((يوجه كلامه إلى أم غيث)) عذراً هلا خرجت قليلاً..‏

أم غيث : ((مترددة)) أرجوك تأجيل الأمر حتى الصباح..‏

شذى : سيدتي، غادري الآن ((تبقى واجمة))‏

أبو داوود : ((يدفعها برفق إلى الغرفة المجاورة)) تفضلي يا سيدتي..‏

أم غيث : ((عيناها معلقتان بشذى، ثم تتوقف)) شذى، أرجوك..‏

-تتعالى موسيقى صاخبة تعبر عن القلق والتضاد والاضطراب..‏

-إظلام كامل عدا بقعة ضوء واحدة تتركز على شذى مع كل حركة من حركاتها، تتراجع الشخصيات الأخرى إلى الأطراف فيظهرون مثل أشباح في الظلام، ومع تواتر حركات شذى بالوشاح تزداد حدة الموسيقى فتتحول هذه الحركات إلى رقصة عنيفة تؤديها شذى برشاقة منقطعة النظير..‏

-نسمع صوت شذى يغني منبعثاً من جدران الدار دون أن تصدر عنها أي تمتمة، وتعابير وجهها توحي بحزن مروع يشتعل في أعماقها:‏

إن العالم كبير‏

لكن حزني أكبر‏

إن دموعي هي ماء الحياة الأولى..‏

كيف تنسى يا حبيبي‏

حبنا الأطهر‏

كيف تنسى تلك الأيام البعيدة‏

حينما ركضنا معاً نحو النجمة الطيبة‏

تركتني وحيدة‏

بين قطعان الذئاب الشاردة‏

يتناهشون ضلعي ولحمي‏

لقد صار الموت حلمي‏

لأنها الآن تقتل أحلامنا السعيدة‏

لم لا تبكي يوم فراقنا‏

لماذا جعلت مني لقيطة عارية‏

لماذا تغيب لحظة تنتزع مني ولادتي‏

لحظة يمزق فيها انتمائي‏

الذي يخفق فيَّ كسارية‏

الذي هو أنت‏

أنت‏

أنت يا حبيبي‏

* * * * * *‏

لن أطلب أن تخلصني‏

لن أطلب أن تنقذني من أنيابهم‏

بل ألقي على وجهي النظرة الأخيرة‏

كي أنام مطمئنة على سنديان نعشي‏

كي يكون أمامي أن أحلم بك طوال عمري‏

أطوي عمري المقتول وأمشي‏

فلقد كان حبنا‏

أروع من أغنية تتوه فوق البراري‏

وكانت قلوبنا منارة تتوق إليها الصواري‏

إن كنت سترحل عني‏

فسيبقى طيفك يمرح في خلدي‏

إذا صار الفراق حقيقة‏

فوجهك فؤادي ولن تذبل قصائدي‏

لا لن أداري جرحي‏

لا لن أستجير‏

صوتك يدوي في أعماقي‏

يشعل العالم كله بالحنين..‏

أقوى من هدير‏

إني أحبك‏

إني أحبك يا حبيبي ولن أتوب حتى موتي الأخير‏

-بقعة ضوء أخرى يظهر فيها غيث، تتقدم نحوه بحركة راقصة وتخطفه إليها فتتحد بقعتا الضوء في بقعة واحدة أكبر وتأخذهما رقصة ثنائية والأغنية تتردد:‏

إن العالم كبير‏

لكن حزني أكبر‏

إن دموعي هي ماء الحياة الأولى‏

لماذا لا تلقي على وجهي النظرة الأخيرة‏

إن وجهك هو قلبي‏

وصوتك يدوي في أعماقي.. مثل هدير‏

أحبك‏

أحبك يا حبيبي حتى الموت الأخير‏

-في المقاطع الأخيرة تتكاثف حركات الشخوص في الأطراف ويتكاثرون بشكل مطرد ومع نهاية الأغنية يرمي كل منهم حبلاً أو حبلين بحيث تشكل مجموعة الحبال شبكة تحيط بشذى وغيث..‏

إظــلام كامل‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:44 PM
المشهد الثالث

عند الفجر في فسحة الدار..‏

تعيد شذى وشاحها وهو آخر قطعة ترتديها من ثيابها، ترنو بعينيها المنكسرتين الباكيتين إلى البعيد..‏

أبو داوود : ((بصوت مهني محترف)) أم غيث.. بإمكانك الخروج الآن..‏

أم غيث : ((تخرج يملؤها الألم والاضطراب لا تتجرأ على النظر نحو شذى التي تلقي عليها نظرة باهتة وساخرة)) هل انتهى كل شيء؟‏

أبو داوود : أجل سيدتي، أهنئك إنها كاملة تقريباً.. لقد وهبها الله الشيء الكثير؛ لم أستطع أن أكتشف أمراً مخزياً أو قبيحاً، كل ما عثرت به هو ندبة صغيرة في الركبة اليمنى..‏

((تتجمع شذى على نفسها على حافة حجرية، وتغمر وجهها بيديها غارقة في بكاء صامت))..‏

أم غيث : ((عيناها مضطربتان جداً وأنفاسها تلهث)) أجل، لقد سقطت ذات مرة، كانت في الثامنة من عمرها عندما كانت تلاحق.. غيث.. وأدمت ساقها ((وكأنها تشعر بشيء عنيف داخلها)) لقد بكى الاثنان يومها..‏

أبو داوود : على أية حال لن يكون للندبة أثر هام على الثمن..‏

أم غيث : ((بالكاد تنطق)) أرجوك، أريد أن أنهي هذه الحكاية بأسرع وقت..‏

أبو داوود : اطمئني، لن أتأخر حتى أحضر زبوناً دسماً.. ساعات قليلة وأعود بإذن الله ((يخرج ومرافقه))‏

أم غيث : ((تحاول أن تبدو طبيعية)) ستساعدينني في أمور المنزل، أمامنا عمل شاق.. ((تقاوم تأثرها فشذى لا تزال منكبة)).. لم لا تجيبين؟؟‏

شذى : ((تهز برأسها علامة الإيجاب دون أن تكشف عن وجهها))‏

أم غيث : ((تتظاهر بتنسيق بعض الأمور، لكنها تلقي عليها النظرات الخاطفة بين الحين والآخر، أما شذى فتهتز بتواتر مع نشيجها الصامت))‏

((تمر لحظات طويلة والاثنتان على هذه الحال، تقترب الأم منها..))‏

أم غيث : ((تتصنع البأس)) ما بك، لم لا تنفذين ما أمرتك به؟‏

شذى : ((تمسح دموعها وتقف بصعوبة))‏

أم غيث : ما بك‏

شذى : ((بحروف متقطعة)) لا شيء..‏

أم غيث : كفي عن هذا الآن‏

شذى : ((تنهمر دموعها بغزارة)) حسناً.. ((تنسحب إلى مكان آخر))..‏

أم غيث : اسمعي.. ((تتوقف شذى، لكن الأم عاجزة عن الكلام))..‏

كنت أريد أن أقول شيئاً.. ((لحظات صمت أخرى)).. لا أريد لغيث أن يسمع به ((صمت))..‏

إن كنت تحبينه حقاً فعليك أن تضحي من أجله ((تبكي بكاء صامتاً إنما بمرارة فظيعة))..‏

إن كل شيء سيتصدع وينهار إن لم أفعل هذا، كل شيء.. ((بصوت مرتفع)) أتفهمين؟‏

كل شيء.. غيث، وأبوه، وشرف العائلة، وسمعتنا، وأنا وأنت..‏

أنت نفسك لن يكون بمقدورك أن تعيشي حياة الفقر والتعاسة معه بعد كل النعيم الذي أنت فيه..‏

شذى : ((تبكي)) أنا لا أريد شيئاً.. سوى غيث.. إنني أحبه.. أحبه يا أمي.. أحبه..‏

أم غيث : ((تندفع إلى الخلف وكأنها تلقت صفعة)) يا إلهي..‏

((بالكاد يسمع صوتها)) اذهبي الآن، اذهبي إلى غرفتك..‏

شذى : ((وقد شعرت بمرارة أخرى)) أنا آسفة.. ((تبكي))‏

أم غيث : ((تلتقط أنفاسها بصعوبة)) اذهبي.. ((تخرج))..‏

((يظهر أبو غيث متأثراً ومنهكاً لدرجة أنه يشبه شبحاً هائماً على وجهه))‏

((تكتشف أم غيث وجوده فتشعر بالاضطراب)) أبا غيث!!‏

أبو غيث : لماذا فعلت كل هذا؟؟‏

هل صحيح من أجل أن تنقذي ابنك أم من أجل أمور أخرى؟‏

هل ستدمرين كل شيء من أجل ما سيقوله الناس؟‏

هل ستحطميننا جميعاً من أجل أن نعيش في بحبوحة.. أيتها المجنونة؟؟‏

أم غيث : ((تصرخ)) ما الذي تقوله؟؟‏

أبو غيث : وشذى.. ابنة هذي الدار كيف تبيعينها؟‏

هنا في فسحة الدار قامت مثل حورية الفردوس، جدلت ضفائرها هذه الدالية..‏

أم غيث : ((تصرخ)) هذه الرومية العبدة..‏

أبو غيث : هذه الزهرة التي نبتت ههنا، بين شقوق جدران بيتنا.. زهرة أطلت على عمرنا القصير، صارت واحداً منا، صارت روضة فينا.. كيف ينسى المرء ما فيه؟!!‏

كيف لا يغوص الواحد منا إلى داخله؟.. إلى السمت القابع فيه؟‏

كيف ينسى بنيان سنيه التي مرت وعيون عمره التي ترقبه عبر الأيام؟‏

أم غيث : ((تصرخ)) يجب أن ننسى، يجب أن ننسى..‏

أبو غيث : على رسلك.. ((يتجلى الصباح الآن بشكل كامل))..‏

إن وجودنا ليس قبيحاً لهذه الدرجة..‏

إن وضوءنا ليس طاهراً دون أن نحب، دون أن تتدفق قلوبنا بالمحبة لكل ما يحيط بنا..‏

ليس من الشمس شعاع كهذا..‏

لماذا تطلبين الصعب؟!!‏

أن ننسى أنفسنا، ألا نحب، ألا نبكي على من نحب..‏

إننا لا شيء حين لا نبكي على من نحب.. لماذا تطلبين المستحيل؟؟‏

أن نرتحل عن أحلى سني عمرنا التي قضيناها هنا..‏

لا تبدئي بقتل الذكرى، فعذاباتنا وأفراحنا كانت نحن جميعاً..‏

لا تجعلي من حياتنا الجرح الذي لا يندمل، لا تطلبي أن ننسى أسماءنا التي صاغ الشجن حروفها، لا تطلبي منا أن نفارق شذى..‏

شذى‏

عيناها الربيع، ووجهها دائم الابتسام هو فضاء هذه الدار وغيمتها الخصبة..‏

لماذا تنسين عينيها حين كانت تراقبك قرب شجرة النخيل حين كانت لا تدرك معنى كونها لقيطة، تجهل أنها من الرقيق، حين كانت تناديك يا أمي، وكنت تبتسمين لهذه الكلمة..‏

لقد حرمنا الله من أن ننجب فتاة، ولكنه عوضنا بشذى..‏

ابنتنا شذى‏

لماذا تريدين النسيان؟‏

لماذا تريدين أن تنسي صراخها في وجهك حينما كانت لا تعلم شيئاً عن وشم العبودية الذي وضعوه على ساعدها..؟‏

لماذا تنسين إيابها إليك، حنوها نحوك، دعاءك لها؟‏

إنها شيء منك، كيف تبترين شيئاً منك؟‏

كيف جعلتها تتعرى أمام ذئاب النخاسة؟‏

كيف تركت ابنتك تتعرى عند أبوابهم..‏

أم غيث : ((تبكي وتصرخ بجنون)) كفى.. كفى.. لم أعد أحتمل المزيد.. كفى..‏

أبو غيث : لأنها الحقيقة..‏

أم غيث : سأبيعها، صكها بيميني، صكها بيميني..‏

أبو غيث : والآن.. تملكين الصك، تصوبين سهمك إلى عيني شذى، لكن سهمك هذا سيخترق في جنح ظلامك فؤاد ابنك الذي أنجبته حقاً، فؤاد غيث الذي مزق جرحه العميق من أجلنا..‏

لمن تصوبين السهم؟‏

لمن تصوبين.. لمن؟‏

أم غيث : كفى.. كفى.. كفى.. ((تخرج))‏

كديميس
28 Mar 2006, 09:45 PM
المشهد الرابع

في الفسحة عصراً بعد عشر ساعات من نهاية مجريات المشهد الثالث..‏

لا تشاهد أحداً على الخشبة، نسمع طرقات منتظمة على الباب، تظهر شذى مرهقة إلى درجة الإعياء، تفتح الباب، يظهر أبو داوود ومن معه..‏

أبو داوود : مرحباً يا صغيرة ((يوجه كلامه إلى من معه)) تفضل سيدي.. تفضل سيدي..‏

(يدخل رجلان بدينان يبدو من ثيابهما أنهما من كبار التجار، وترافقهما مجموعة من المرافقين))‏

التاجر1 : السلام عليكم‏

شذى : وعليكم السلام ((يدخل الجميع ويليهم طرفان))‏

أبو داوود : هذه شذى‏

التاجر1 :ما شاء الله، ما شاء الله، لقد خلق فأحسن خلقه‏

التاجر2 :كيف حالك يا صبية؟‏

شذى : ((بعدم اكتراث)) أهلاً بكم تفضلوا بالجلوس ((يجلس التاجران))‏

أبو داوود : أمازال أبو غيث مريضاً؟‏

شذى : بلى..‏

أبو داوود : وغيث؟‏

شذى : لم يعد بعد..‏

أبو داوود : إلى أين ذهب؟‏

شذى : لا أعرف..‏

التاجر2 : من غيث هذا؟‏

أبو داوود : إنه ابن المالكة يا سيدي..‏

التاجر2 : حسناً..‏

أبو داوود : إذا بإمكانك استدعاء السيدة..‏

شذى : سأفعل ((تهم بالمغادرة))‏

طرفان : سيدتي‏

شذى : ماذا هناك يا طرفان؟‏

طرفان : ((يقترب هامساً)) لقد تأخرنا عن دمشق يا سيدتي..‏

شذى : لن أعود إلى دمشق يا طرفان، بإمكانك أن تعود دوني‏

طرفان : ستحزن المعلمة لأجلك‏

شذى : أوصل لها سلامي الحار، وقل لها أن شذى ستحمل لها إلى الأبد ذكرى أروع معلمة وأطيب أم ((تخلع خاتمها)) خذ، هذه هديتي كي لا تنسى شذى..‏

طرفان : ولكن..‏

شذى : ((لا تمنحه الفرصة)) كما قلت لك.. أترى، لدينا زوار‏

طرفان : كنت أريد أن أقول شيئاً..‏

شذى : لا تقل شيئاً، لن أعود معك ((بشرود)) لقد انتهى كل شيء ((تخطو باتجاه الغرفة))‏

أبو داوود : أرجو أن تسرعي قليلاً، السادة في عجلة من أمرهم..‏

شذى : أجل سيدي‏

طرفان : شيئاً هاماً..‏

شذى : ((تعود لطرفان ثم:)) ما بك؟‏

طرفان : كان عليك أن تعودي معي.‏

شذى : لماذا؟‏

طرفان : لقد غادر سيدي غيث إلى دمشق بحثاً عنك‏

شذى : ((بذهول)) ماذا؟!‏

طرفان : بلى، لقد علمت بذلك هذا الصباح، أعتقد أنك عدت إلى الشام ((تظهر أم غيث))‏

أم غيث : السلام عليكم‏

أبو داوود : أهلاً بالسيدة..‏

التاجر1 : أهلاً بك‏

أم غيث : لقد سمعت حديثكم، فعلمت أنكم حضرتم‏

التاجر1 : أخبرنا صاحبنا أنكم ترغبون ببيع الجارية ذائعة الصيت وجئنا حسبما اشترطت..‏

أم غيث : أهلاً بكم، ولكن هناك أمر أخير..‏

التاجر1 : ما هو؟؟‏

أم غيث : لقد تم الكشف على الفتاة البارحة، قام بذلك أبو داوود.. لا أريدها اليوم أن تتعرض لكشف آخر..‏

((يضحك التاجر الأول فيقهقه الجميع))..‏

لماذا تضحك أيها السيد؟؟‏

التاجر1 : أضحكتني حقاً، لم تشترطين مثل هذا الشرط، إن الفطنة لا تنقصك يا سيدتي فأنت تعلمين ما هي الجارية..‏

أم غيث : ولكنني أصر على القبول ((يتبادل الجميع النظرات))‏

التاجر2 : ((يهمس في أذن أبو داوود)) حسناً ما أمر هذه الندبة التي ذكرتها اليوم..؟؟‏

أبو داوود : ((إلى التاجر الأول)) ما رأيك سيدي؟‏

التاجر1 : أنا موافق ولكني أصر على رؤية الندبة..‏

أبو داوود : حسناً.. أم غيث موافقون شريطة أن يروا الندبة‏

أم غيث : الندبة، أجل سأسمح بذلك، شذى تعالي إلى هنا.. ((تتحرك نحوهم)) اكشفي عن الندبة..‏

شذى : ((تهم بالكشف عنها))‏

جلبة في الخارج، وأصوات مختلفة:‏

يا ستار، أسفا على شبابه.. رحمه الله.. لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.. يا ستار، إنا لله وإنا إليه لراجعون..‏

(تشتد الجلبة بشكل عنيف أمام باب المنزل مما يجعل الجميع يتوجهون بأبصارهم نحو الخارج))‏

أم غيث : ماذا هناك؟‏

شذى : ((تنطق بذهول)) غيث!!‏

أم غيث : يا إلهي‏

شذى : ((تضع يديها على الصدر)) غيث..‏

أم غيث : ((تصرخ)) غيث.. ((ثم تجري نحو الباب))‏

((تدخل جموع غفيرة من الناس وهي تحمل جثة غيث مغمض العينين كطفل نائم))‏

أم غيث : ((تصرخ قبالته)) غيث.. غيث.. لا تمت يا صغيري.. لا تمت يا حبيبي، لا تمت..‏

الجموع : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه لراجعون.. رحمه الله.. أسفاً عليه.. كان شاباً صالحاً..‏

شذى : ((يتمزق صدرها من الداخل فنراها تكتم ألماً عظيماً)) آه.. غيث.. آه.. آه..‏

أبو داوود : لا حول ولا قوة إلا بالله..‏

التاجر1 : إنا لله وإنا إليه لراجعون..‏

التاجر2 : إيه، لا يدوم سوى وجهه الكريم‏

التاجر1 : حسناً، حبذا لو نمشي الآن‏

أبو داوود : سنأتي في وقت لاحق ((يخرجون من بين الازدحام فلا يشعر بهم أحد))‏

أم غيث : لا تمت يا صغيري، لا تمت، لا تتركني وحيدة..‏

لا، لا يمكن أن يكون هذا حقيقة.. لا.. لا.. لا..‏

شذى : ((تسقط أرضاً بعد أن اهتلك فؤادها من شدة الحزن))‏

(بالكاد تتمكن من النطق)) غيث.. غيث..‏

(نسمع صوتاً يذكر بمشهد سابق (المشهد 8، الفصل1):‏

شذى : لقد تطور عزفك تطوراً مدهشاً في الفترة الأخيرة‏

غيث : ربما لأنني أحبها ((صمت))..الموسيقى..))‏

شذى : غيث.. ((تزحف))‏

غيث : كثيراً ما عجزت أصابعي عن عزف تلك الموسيقى التي أسمعها في داخلي.. كل واحد فينا هو معلم للآخر حتى دون أن يشعر سواء رغب أم كره‏

شذى : غيث حبيبي..‏

((هناك دائماً أوراق تسقط قبل الأوان))‏

شذى : غيث.. أحب هذه الدالية، لا أريد لها أن تذبل ((تصل إليه))‏

أم غيث : انظر يا حبيبي، انظر إلى شذى سأعتقها لأجل عينيك، سنقيم عرساً عظيماً لأجلكما.. انظر إليها.. انظر إليها..‏

شذى : ((تقبله على جبينه ويبدو عليها ألم جسدي ونفسي فظيع))‏

يا إلهي كأنه يبتسم، كأنه يراني، بلى لقد رآني لأن صورتي كانت أمامه حين فارق هذه الدنيا..‏

ما أصعب أن تتركني..‏

لكنك لن تطيل الانتظار ((تحاول الوقوف فيساعدها الآخرون في ذلك))‏

أم غيث : ((تمزق وجهها بأظافرها أثناء النحيب، في تلك اللحظات يظهر أبو غيث))‏

شذى : ((تسأل)) أين وجدتموه؟‏

أحدهم : لم يجده أحد، بل إن فرسه عادت به للتو وحدها، لقد كان رحمه الله متوجهاً إلى الشام، يبدو أنه أصيب بالحمى أثناء المسير إذ أنه انطلق عبر الصحراء دون مؤونة أو حتى قربة ماء، اخترق الصحراء من الوسط ليختصر الطريق..‏

لا حول ولا قوة إلا بالله..‏

أبو غيث : ((بصوت جهوري)) لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه لراجعون..‏

شذى : ((تنظر إلى أبي غيث)) أبتاه.. ((تضع يدها على صدرها))‏

أبو غيث : بنيتي..‏

شذى : ((تسقط بالقرب من غيث))‏

أبو غيث : يا إلهي.. رحمتك يا رب..‏

شذى : ((بكلمات متقطعة)) أريد أن ألحق به..‏

أبو غيث : لماذا.. لماذا يا شذى..‏

((إظلام تدريجي يعم المكان ثم تنسل الشخوص تدريجياً إلى الكواليس فلا يظهر من الخشبة سوى بقعة ضوء واحدة تضم كلاً من غيث وشذى والأب والأم التي تضم ابنها وتبكي))‏

شذى : لأنه هناك دائماً أوراق خضراء يانعة.. تقطف قبل الأوان..‏

أبو غيث : بنيتي لا تموتي أيضاً..‏

شذى : إنني جارية رومية، لقيطة عشقت سيدها..‏

((تبتسم)) أبي..‏

أرجوك دعني أناديك أبي..‏

أبو غيث : أنت ابنتي يا شذى، ليس بوسعي أن أعي شيئاً غير هذا..‏

أم غيث : ((تقترب من شذى)) آه، إنها تموت..‏

لقد شعرت بها حين تمزق فؤادها الطري..‏

شذى : أمي.. سامحيني يا أمي لأني لن أراك ثانية..‏

أم غيث : آه يا فتاتي كم كانت أمك ظالمة وقاسية، كم كنت ظالمة وقاسية..‏

شذى : ((تضع إصبعها على فمها)) لا تقولي هذا، إنني أحبك..‏

وأعلم أنك تحبينني..‏

لكن الأيام التي خانتنا..‏

الشوارع..‏

البيوت..‏

الناس وكلامهم..‏

صناديق الذهب..‏

القصور..‏

الخانات والبحر..‏

وبغداد..‏

كلهم خانونا جميعاً..‏

إن بغداد تسخر منا يا أمي‏

لست المذنبة..‏

لست المذنب يا أبتي..‏

بل بغداد الخاطئة..‏

أمي..‏

أم غيث : حبيبتي، لا تموتي..‏

أبو غيث : شذى‏

شذى : أبي.. أمي..‏

إنني أتألم، لشد ما أتألم..‏

بحق آلامي هذه اهتما بأنفسكما..‏

أحبك يا أمي..‏

أحبك يا أبي..‏

لا تخشيا علي..‏

إنه ينتظرني.. ((تموت))..‏

أبو غيث : شذى.. شذى..‏

أم غيث : ((تصرخ بألم فظيع)) لا.. لا.. لا..‏

((إظلام تدريجي لبقعة الضوء بحيث تغوص الشخوص الأربعة وسط الظلام..))‏

-ســــتار-‏

تمت‏

المستحيلة
28 Mar 2006, 11:16 PM
http://www.theholidayspot.com/valentine/graphics/rose.gifhttp://www.theholidayspot.com/valentine/graphics/rose.gif
الله يسلمك كديميس.. استمتعت بالتصفح .. وسأبدا الطباعة.. لا سامرها هذه الليلة

خالد بن سعود
29 Mar 2006, 09:49 PM
ااااااااااالله ااااااااااالله اااااااااااالله

تسلم ياكديميس
تسلم يالغالي

روووعه

همـ غلااااا ـسة
19 Apr 2006, 11:06 AM
كديميس جميل اختيارك ومجهود تشكر عليه

نــــــدى
20 Apr 2006, 03:20 AM
الله يعطيك العافيه كديميس

بنقراها على مهل


شااااكره لك

عبدالله الشدادي
20 Apr 2006, 05:47 PM
مشكور اخي كديميس على طرحك المميز دايماً