الموضوع: معالم في العفة
عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 07 Feb 2015, 11:47 PM
عضو متميز

محب الصوم غير متصل

تاريخ التسجيل : Jun 2014
رقم العضوية : 71207
الإقامة : saudi arabia
الهواية :
المشاركات : 2,573
معدل التقييم : 45
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
معالم في العفة



معالم في العفة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله...
لقد باتت الفاحشة المهدد الأكبر لإيمان الأمة بانتزاعه, وللشباب خاصة بسلبهم العفة التي في قلوبهم. بل أصبح الأعداء يضربون على هذا الوتر من خلال أدوات لاتكاد تخفى تبعاتها حتى على المتضررين منها.
وآتي هنا للوقوف مع مطلع سورة عظيمة من كتاب الله فُرضت على الأمة بصريح الآية, قال تعالى:" سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)"سورة النور. قال سيد قطب-رحمه الله- عن مطلع السورة: (ففرضية الآداب والأخلاق فيها كفرضية الحدود والعقاب. هذه الأداب والأخلاق المركوزة في الفطرة, والتي ينساها الناس تحت تأثير المغريات والإنحرافات. فتذكرهم بها تلك الآيات البينات وتردهم إلى منطق الفطرة الواضح البين).

وبالتالي قد وجدت كغيري معالم العفة وموانع الفاحشة في سورة النور, يقول الشيخ بكر أبوزيد-رحمه الله-في حراسة الفضيلة: (وتأمَّل هذا السر العظيم من أسرار التنزيل، وإعجاز القرآن الكريم، ذلك أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في فاتحة سورة النور شناعة جريمة الزنى، وتحريمه تحريماً غائباً، ذكر سبحانه من فاتحتها إلى تمام ثلاث وثلاثين آية أربع عشرة وسيلة وقائية، تحجب هذه الفاحشة، وتقاوم وقوعها في مجتمع الطهر والعفاف جماعة المسلمين، وهذه الوسائل الواقية: فعلية، وقولية، وإرادية), وأنا هنا أتدبر ولا أُفسر, وقد حاولت رصد هذه المعالم والمعاني من نور الوحي الكريم علّ الله أن ينفع بها كاتبها وإخوته من المؤمنين والمؤمنات, وقد أسميتها معالم العفة, ومصطلح (معالم) يعني: مايستدل به على الطريق من أثر أو نحوه , ومعالم العفة أي: الدلالات التي تدل على طريق العفة, فأبدأ مستعيناً بالله بذكر هذه المعالم:

1. إقامة الحدود, يقول الرب –تعالى-: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ", وأشير لبعض المعالم هنا:
أ‌- لا رأفة في حال تطبيق الحد ردعاً للغير, "وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ".
ب‌- أن يكون ذلك بحضور الناس, "وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"؛ ليشهدوا ذلك ولما له من الأثر المجتمعي في قمع الرذيلة, وعدم السير خلفها.
ت‌- قد استمرء كثير الفاحشة والابتزاز ربما لندرة أو انعدام تطبيق شرح الله في هذه الجريمة, وإني أدعو إلى أن تؤخذ الأمور من المحاكم الشرعية بحزم تجاه هذه الكبيرة, وتطبيق شرع الله, وهو رحمة للفاعل, ورحمة للمجتمع.

2. الإقصاء المجتمعي للزناة حتى من حيث الدلالة اللفظية, قال الله: "الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)". فمن هذا الإقصاء يكرم العفيف والعفيفة, ويهان الزاني والزانية وقد قرن معهما المشرك والمشركة. ومن الإقصاء الوارد أيضا قول الله تعالى في سورة النور: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)". ولو تقرر في المجتمعات هبوط مكانة الزناة وأرباب الفواحش كماهو الحال في غالب مجتمعات المسلمين –والحمد لله- لعلا صوت العفة, وخشي مريدو الفاحشة من تفشي خبرهم وحالهم, والحال في الغرب شاهد على تفشي الفواحش لتطبع المجتمع عليها حتى يندر من تحتفظ ببكارتها دون سن البلوغ-نسأل الله العافية-.

3. حرمة رمي المؤمنات وقذفهن والتعدي واللوك في الأعراض, قال الحق جلّ وعلا: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)", وذلك لما فيه من نشر الفاحشة والتساهل في توسيعها؛ وإن كثرة الحديث في بيت من المسلمين قد توجه نبال التهم وأغراض المفسدين له, وهنا معالم:

أ‌- تحديد حد القذف لمن لم يأت بأربعة شهداء ثمانين جلده, وربما نرى أن جلب الأربعة شهود صعب المنال, ولكن الهدف منه الحد من التمادي في أعراض المسلمين, والستر عليهم.

ب‌- من قذف دون الشهود الأربعة فقد حُكم عليه بـ: عدم قبوله شهادته وعده من الفاسقين. وقد كان هذا الجزاء من جنس عملهم, مقابل التساهل في قذف الأعراض.

ت‌- باب التوبة مفتوح لمن تاب وأصلح, قال الله تعالى:"إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)", قال الشيخ السعدي-رحمه الله: (يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه, حيث لم يأت بأربعة شهداء, فإذا تاب القاذف وأصلح عمله بدل إساءته إحساناً, زال عنه الفسق, وكذلك تقبل شهادته على الصحيح).

ث‌- رمي الزوجات شأنه عظيم, فهي أم الأبناء وربة المنزل وسيدته, ولذا عظم فيها الحكم, فمن لم يأت بالشهداء الأربعة فيكون اللعان الذي يقضي فيه القرآن نصاً, وذلك لما قد يحصل من تساهل بعض الأزواج من التهكم بعفة زوجته, أو النيل منها, وأيضاً جُعل للزوج حق في الشهادات الخمس لما قد يُعلم بالعرف صعوبة تهمة الزوج لامرأته وقذفها إلا أن يكون على يقين, فكان هذا الحكم عدل بين الزوجين. قال تعالى:"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)". وقد ذكر الشيخ أبوبكر الجزائري في أيسر التفاسير عن سبب نزول الآيات: (نزلت هذه الآيات في عويمر العجلاني مع زوجته خوله. فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وقال: يارسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل؟ قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك" فأت بها فأتى بها وتلاعنا...). قال ابن حجر-رحمه الله- معلقاً على الحديث واللعان ينقسم إلى واجب ومكروه وحرام ، فالأول أن يراها تزني أو أقرت بالزنا فصدقها، وذلك في طهر لم يجامعها فيه ثم اعتزلها مدة العدة فأتت بولد لزمه قذفها لنفي الولد لئلا يلحقه فيترتب عليه المفاسد. الثاني أن يرى أجنبيا يدخل عليها بحيث يغلب على ظنه أنه زنى بها فيجوز له أن يلاعن، لكن لو ترك لكان أولى للستر لأنه يمكنه فراقها بالطلاق, الثالث ما عدا ذلك), ولذا لاحظ تقديم مصلحة الستر في حال غلبة الظن, والحرمة لمادون ذلك من الوهم والشك.

4. التثبت في نقل الأخبار والرواية, وتقديم الظن الحسن على سيئه دائماً, ومن قصة حادثة الإفك بعض المعالم:

أ‌- ليس كل مايُصاب به المؤمن أو يُتهم به شر له, فربما كان خيراً ونفعاً, فلولا اتهام عائشة لم زكاها القرآن وشهد بعفتها رب الأرباب-تبارك وتعالى-"إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ".

ب‌- إحسان الظن بالمؤمن أمر رباني, ولايجوز الجرأة في عرضه حتى يثبت شرعاً, بل يحسن الظن به, وتُذكر مناقبه قبل الاسترسال في سماع التهمه؛ لأن في عدم إدارك هذا المعنى قد يستشري في بعض الضعفاء انتقاص الأخيار ونقل مايزعم عنهم من سقطات-إن صدقت, وإن التساهل في رمي شرفاء القوم وعليتهم بتهمة الفاحشة هو إساءة للمجتمع ونسف لمعلم من معالم العفة, يقول الله تعالى:" لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)".

ت‌- إمرار ما يسمع المرء من الأخبار على العقل, وإبطال التكهنات وسرعة الحديث بما يسمع المرء فهذا رشد ودراية, روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"؛ ومفهوم المخالفة هنا: كفى بالمرء صدقاً ألا يحدث بكل ماسمع, وهي خصلة للمؤمنين العاقلين. وقد وصف الله بمن يخالف هذا المعلم بأنه يتلقى الخبر بلسانه كناية عن تعطيله لعقله, وهو نقص في العقل والإيمان, ومع ذلك فهو على سهولته في نظر صاحبه فإن شانه عند الله عظيم, وعذابه عسير, قال الله-تعالى-:"إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)".

ث‌- لابد من وعظ من يرمي أعراض المسلمين والناقلين لها, يقول الله: "يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)", ومن أعظم مايزجر به متتبع العثرات هو الوعظ والزجر بالقرآن والتخويف من الله وعقوبته, ففي الدنيا إقامة الحد, ولايقام الحد إلا على كبيرة, وفي الآخرة عذاب وقصاص. ولذا يقول الحق –سبحانه- في السورة نفسها: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) ".

5. الاحتساب على أهل الفواحش, وكشف أجندتهم, قال الله –تعالى-: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19)". هنا وقفة مع من يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا, وهم كثر في عصر مثل عصرنا, حيث الإعلام الفاسد, والأقلام الجائرة, والعقول المنحلة التي صهرت فئام من عقول الأمة في مستنقعها, وميعت كثيراً من مبادئ المسلمين, وغيرت شيئاً من التنظيمات المحافظة على الأعراض, ونددت بجهود المحتسبين القائمين على صيانة المجتمع من الفاحشة, فهؤلاء هم خطر جسيم على العفة ومعالمها, وقد سادهم المنافقون منذ عصر الرسول-عليه الصلاة والسلام-؛ فجهادهم وكشف مخططاتهم, وإزالة الغبش عن الناس تجاه مشاريعهم, هو مبدأ لابد أن يعلو في روح كل مؤمن تأخذه الغيرة على محارم المسلمين وأعراضهم, ولايموت مع الإنسان إلا بانفلات روحه.

6. التفطن لمداخل الشيطان وطرقه ومزالقه, فكثيراً من مهاوي الردى لاتُردي صاحبها من أول سقطة, بل دركات حتى الهاوية-والعياذ بالله-, والإنسان بطبيعته تنازعه شهوته وفطرته, وقد يسهو عن إصمات قلبه في التفكر بالملذات, وربما سابقه النظر لمشهد مثير, أو يتساهل في أحكام الاختلاط والتسوق فيقع في حبائل الشهوة والرذيلة, ولذا فيحذّر الله عباده المؤمنين وقد ناداهم بالإيمان دراية بحبهم للخير, وإدراكاً لاحتمالية سير الأكثرية خلف خطوات الشيطان نظراً لتلبسها على أكثرهم ونزعة الفرد لبشريته غالباً, فيقول الرب-تبارك وتعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)",


رد مع اقتباس