عرض مشاركة واحدة
قديم 22 Aug 2010, 03:29 AM [ 2 ]

تاريخ التسجيل : Nov 2009
رقم العضوية : 22459
الإقامة : saudi arabia
الهواية : بعثرت الاوراق ونثر الحروف
مواضيع : 202
الردود : 2131
مجموع المشاركات : 2,333
معدل التقييم : 25خشوف الشدادي is on a distinguished road

خشوف الشدادي غير متصل


رد: حملة حفظ سورة البقرة ..(6)


تفسير الآيات
.......

" إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون "

" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " الآية.
أخبر تعالى أن في هذه المخلوقات العظيمة, آيات أي أدلة على وحدانية الباري وإلهيته.
وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته.
ولكنها " لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: لمن لهم عقول يعملونها.
فيما خلقت له.
فعلى حسب ما من الله على عبده من العقل, ينتفع بالآيات ويعرفها بعقله وفكره وتدبيره.
ففي " خَلْقِ السَّمَاوَاتِ " في ارتفاعها واتساعها, وإحكامها, وإتقانها, وما جعل الله فيها من الشمس والقمر, والنجوم, وتنظيمها لمصالح العباد.
وفي خلق " الْأَرْضِ " مهادا للخلق, يمكنهم القرار عليها, والانتفاع بما عليها, والاعتبار, ما يدل ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير, وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها, وحكمته التي بها أتقنها, وأحسنها ونظمها, وعلمه ورحمته التي بها أودع ما أودع, من منافع الخلق ومصالحهم, وضروراتهم وحاجاتهم.
وفي ذلك أبلغ الدليل على كماله, واستحقاقه أن يفرد بالعبادة, لانفراده بالخلق والتدبير, والقيام بشئون عباده.
وفي " اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ " , وهو تعاقبهما على الدوام, إذا ذهب أحدهما, خلفه الآخر.
وفي اختلافهما في الحر, والبرد, والتوسط, وفي الطول, والقصر, والتوسط, وما ينشأ عن ذلك من الفضول, التي بها انتظام مصالح بني آدم وحيواناتهم, وجميع ما على وجه الأرض, من أشجار ونباتات.
كل ذلك بانتظام وتدبير, وتسخير, تنبهر له العقول, وتعجز عن إدراكه من الرجال الفحول, ما يدل ذلك على قدرة مصرفها, وعلمه وحكمته, ورحمته الواسعة, ولطفه الشامل, وتصريفه وتدبيره, الذي تفرد به, وعظمته, وعظمة ملكه وسلطانه, مما يوجب أن يؤله ويعبد, ويفرد بالمحبة والتعظيم, والخوف والرجاء, وبذل الجهد في محابه ومراضيه.
وفي " وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ " وهي السفن والمراكب ونحوها, مما ألهم الله عباده صنعتها, وخلق لهم من الآلات الداخلية والخارجية, ما أقدرهم عليها.
ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح, التي تحملها بما فيها من الركاب والأموال, والبضائع التي هي من منافع الناس, وبما تقوم به مصالحهم وتنتظم معايشهم.
فمن الذي ألهمهم صنعتها, وأقدرهم عليها, وخلق لهم من الآلات ما به يعملونها؟.
أم من الذي سخر لها البحر, تجري فيه بإذنه وتسخيره, والرياح؟.
أم من الذي خلق للمراكب البرية والبحرية, النار والمعادن المعينة على حملها, وحمل ما فيها من الأموال؟ فهل هذه الأمور, حصلت اتفاقا, أم استقل بعملها هذا المخلوق الضعيف العاجز, الذي خرج من بطن أمه, لا علم له ولا قدرة؟ ثم خلق له ربه القدرة, وعلمه ما يشاء تعليمه؟ أم المسخر لذلك رب واحد, حكيم عليم, لا يعجزه شيء, ولا يمتنع عليه شيء؟ بل الأشياء قد دانت بربوبيته, واستكانت لعظمته, وخضعت لجبروته؟ وغاية العبد الضعيف, أن جعله الله جزءا من أجزاء الأسباب, التي بها وجدت هذه الأمور العظام, فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بخلقه, وذلك يوجب أن تكون المحبة كلها له, والخوف والرجاء, وجميع الطاعة, والذل والتعظيم.
" وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ " وهو المطر النازل من السحاب.
" فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا " فأظهرت من أنواع الأقوات, وأصناف النباتات, ما هو من ضرورات الخلائق, التي لا يعيشون بدونها.
أليس ذلك دليلا على قدرة من أنزله, وأخرج به ما أخرج ورحمته, ولطفه بعباده, وقيامه بمصالحهم, وشدة افتقارهم وضرورتهم إليه من كل وجه؟ أما يوجب ذلك أن يكون هو معبودهم وإلههم؟ أليس ذلك دليلا على إحياء الموتى ومجازاتهم بأعمالهم؟ " وَبَثَّ فِيهَا " أي: في الأرض " مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ " أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة, ما هو دليل على قدرته وعظمته, ووحدانيته وسلطانه العظيم.
وسخرها للناس, ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع.
فمنها: ما يأكلون من لحمه, ويشربون من دره.
ومنها: ما يركبون.
ومنها: ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم, ومنها ما يعتبر به.
ومنها: أنه بث فيها من كل دابة.
فإنه سبحانه, هو القائم بأرزاقهم, المتكفل بأقواتهم.
فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها, ويعلم مستقرها ومستودعها وفي " وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ " باردة وحارة, وجنوبا وشمالا, وشرقا ودبورا وبين ذلك.
وتارة تثير السحاب, وتارة تؤلف بينه, وتارة تلقحه, وتارة تدره, وتارة تمزقه وتزيل ضرره, وتارة تكون رحمة, وتارة ترسل بالعذاب.
فمن الذي صرفها هذا التصريف, وأودع فيها من منافع العباد, ما لا يستغنون عنه؟ وسخرها, ليعيش فيها جميع الحيوانات, وتصلح الأبدان والأشجار, والحبوب والنباتات, إلا العزيز الحكيم الرحيم, اللطيف بعباده المستحق لكل ذل وخضوع, ومحبة وإنابة وعبادة؟ وفي تسخير السحاب بين السماء والأرض - على خفته ولطافته - يحمل الماء الكثير, فيسوقه الله إلى حيث شاء.
فيحيي به البلاد والعباد, ويروي التلول والوهاد, وينزله على الخلق وقت حاجتهم إليه.
فإذا كان يضرهم كثرته, أمسكه عنهم, فينزله رحمة ولطفا, ويصرفه عناية وعطفا.
فما أعظم سلطانه, وأغزر إحسانه, وألطف امتنانه!! أليس من القبيح بالعباد, أن يتمتعوا برزقه, ويعيشوا ببره وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه.
أليس ذلك دليلا على حلمه وصبره, وعفوه وصفحه, وعظيم لطفه؟ فله الحمد أولا وآخرا, وباطنا وظاهرا.
والحاصل, أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات, وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات, وازداد تأمله للصنعة وما أودع فيها من لطائف البر والحكمة, علم بذلك, أنها خلقت للحق وبالحق, وأنها صحائف آيات, وكتب دلالات, على ما أخبر به الله عن نفسه ووحدانيته, وما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر, وأنها مسخرات, ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها.
فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون, وإليه صامدون وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات.
فلا إله إلا الله, ولا رب سواه.
" ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب "

ثم قال تعالى " وَمِنَ النَّاسِ " إلى " وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " .
ما أحسن اتصال هذه الآية بالتي قبلها.
فإنه تعالى, لما بين وحدانيته وأداتها القاطعة, وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين, المزيلة لكل شك.
ذكر هنا أن " مِنَ النَّاسِ " مع هذا البيان التام " مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا " لله أي: نظراء ومثلاء, يساويهم في الله بالعبادة والمحبة, والتعظيم والطاعة.
ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة, وبيان التوحيد - علم أنه معاند لله, مشاق له, أو معرض عن تدبر آياته والتفكر في مخلوقاته, فليس له أدنى عذر في ذلك, بل قد حقت عليه كلمة العذاب.
وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله, لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير, وإنما يسوونهم به, في العبادة, فيعبدونهم ليقربوهم إليه.
وفي قوله " اتخذوا " دليل على أنه ليس لله ند.
وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادا له, تسمية مجردة, ولفظا فارغا من المعنى.
كما قال تعالى.
" وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ " .
" إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ " .
فالمخلوق ليس ندا لله لأن الله هو الخالق, وغيره مخلوق, والرب هو الرازق.
ومن عداه مرزوق, والله هو الغني وأنتم الفقراء.
وهو الكامل من كل الوجوه, والعبيد ناقصون من جميع الوجوه.
والله هو النافع الضار, والمخلوق ليس له من النفع والضر والأمر شيء.
فعلم علما يقينا, بطلان قول من اتخذ من دون الله آلهة وأندادا.
سواء كان ملكا أو نبيا, أو صالحا, صنما, أو غير ذلك.
وأن الله هو المستحق للمحبة الكاملة, والذل التام.
فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله " وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " أي: من أهل الأنداد لأندادهم, لأنهم أخلصلوا محبتهم له, وهؤلاء أشركوا بها.
ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة, الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه.
والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئا, ومحبته عين شقاء العبد وفساده, وتشتت أمره.
فلهذا توعدهم الله بقوله.
" وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا " باتخاد الأنداد والانقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله, وسعيهم فيما يضرهم.
" إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ " أي: يوم القيامة عيانا بأبصارهم.
" أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " , أي: لعلموا علما جازما, أن القوة والقدرة لله كلها, وأن أندادهم ليس فيها من القوة شيء.
فتبين لهم في ذلك في اليوم, ضعفها وعجزها, لا كما اشتبه عليهم في الدنيا, وظنوا أن لها من الأمر شيئا, وأنها تقربهم إليه وتوصلهم إليه.
فخاب ظنهم, وبطل سعيهم, وحق عليهم شدة العذاب, ولم تدفع عنهم أندادهم شيئا, ولم تغن عنهم مثقال ذرة من النفع.
بل يحصل لهم الضرر منها, من حيث ظنوا نفعها.
" إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب "

وتبرأ المتبعون من التابعين, وتقطعت بينهم الوصل, التي كانت في الدنيا, لأنها كانت لغير الله, وعلى غير أمر الله, ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له, فاضمحلت أعمالهم, وتلاشت أحوالهم.
وتبين لهم أنهم كانوا كاذبين, وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجتها, انقلبت عليهم حسرة وندامة, وأنهم خالدون في النار لا يخرجون منها أبدا.
فهل بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك بأنهم اتبعوا الباطل, ورجوا غير مرجو, وتعلقوا بغير متعلق, فبطلت الأعمال ببطلان متعلقها.
ولما بطلت, وقعت الحسرة بما فاتهم من الأمل فيها, فضرتهم غاية الضرر.
وهذا بخلاف من تعلق بالله الملك الحق المبين, وأخلص العمل لوجهه, ورجا نفعه.
فهذا قد وضع الحق في موضعه, فكانت أعماله حقا, لتعلقها بالحق, ففاز بنتيجة عمله, ووجد جزاءه عند ربه, غير منقطع كما قال تعالى.
" الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ " .
" وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار "

وحينئذ يتمنى التابعون أن يردوا إلى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم, بأن يتركوا الشرك بالله, ويقبلوا على إخلاص العمل لله.
وهيهات, فات الأمر, وليس الوقت وقت إمهال وإنظار.
ومع هذا, فهم كذبة, فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.
وإنما هو قول يقولونه, وأماني يتمنونها, حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم.
فرأس المتبوعين على الشر, إبليس, ومع هذا يقول لأتباعه.
" لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ " .
" يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين "

هذا خطاب للناس كلهم, مؤمنهم وكافرهم.
[فامتن عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض من حبوب, وثمار, وفواكه, وحيوانات, حالة كونها " حَلَالًا " .
أي: محللا لكم تناوله.
ليس بغصب ولا سرقة, ولا محصلا بمعاملة محرمة أو على وجه محرم أو معينا على محرم.
" طَيِّبًا " أي ليس: بخبيث, كالميتة والدم, ولحم الخنزير, والخبائث كلها.
ففي هذه الآية, دليل على أن الأصل في الأعيان الإباحة.
أكلا وانتفاعا, وأن المحرم نوعان: إما محرم لذاته, وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب.
وإما محرم لما عرض له, وهو المحرم لتعلق حق الله, أو حق عباده به, وهو ضد الحلال.
وفيه دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم البنية واجب, يأثم تاركه لظاهر الأمر.
ولما أمرهم باتباع ما أمرهم به.
إذ هو عين صلاحهم, نهاهم عن اتباع " خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ " أي: طرقه التي يأمر بها, وهي جميع العاصى, من كفر, وفسوق, وظلم.
[ويدخل في ذلك تحريم السوائب, والحام, ونحو ذلك.
ويدخل فيه تناول المأكولات المحرمة.
" إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " أي: ظاهر العداوة, فلا يريد بأمركم, إلا غشكم, وأن تكونوا من أصحاب السعير.
فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته, حتى أخبرنا - وهو أصدق القائلين - بعداوته الداعية للحذر منه, ثم لم يكتف بذلك, حتى أخبرنا بتفصيل ما يأمر به, وأنه أقبح الأشياء, وأعظمها مفسدة فقال:
" إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون "

" إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ " أي: الشر الذي يسوء صاحبه, فيدخل في ذلك, جميع المعاصي.
فيكون قوله: " وَالْفَحْشَاءِ " من باب عطف الخاص على العام, لأن الفحشاء من المعاصي, ما تناهى قبحه, كالزنا, وشرب الخمر, والقتل, والقذف, والبخل ونحو ذلك, مما يستفحشه من له عقل.
" وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " فيدخل في ذلك, القول على الله بلا علم, في شرعه, وقدره.
فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله, أو نفى عنه ما أثبته لنفسه, أو أثبت له ما نفاه عن نفسه, فقد قال على الله بلا علم.
ومن زعم أن لله ندا, وأوثانا, تقرب من عبدها من الله, فقد قال على الله تعالى بلا علم.
ومن قال: إن الله أحل كذا, أو حرم كذا, أو أمر بكذا, أو نهى عن كذا, بغير بصيرة, فقد قال على الله بلا علم.
ومن قال: الله خلق هذا الصنف من المخلوقات, للعلة الفلانية بلا برهان له بذلك, فقد قال على الله بلا علم.
ومن أعظم القول على الله بلا علم, أن يتأول المتأول كلامه, أو كلام رسوله, على معاني اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال, ثم يقول: إن الله أرادها.
فالقول على الله بلا علم, من أكبر المحرمات, وأشملها, وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها, فهذه طرق الشيطان التي يدعو إليها هو وجنوده, ويبذلون مكرهم وخداعهم, على إغواء الخلق بما يقدرون عليه.
وأما الله تعالى, فإنه يأمر بالعدل والإحسان, وإيتاء ذي القربى, وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.
فلينظر العبد نفسه, مع أي الداعيين, ومن أي الحزبين؟
" وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون "

أتتبع داعي الله الذي يريد لك الخير والسعادة الدنيوية والأخروية, الذي كل الفلاح بطاعته, وكل الفوز في خدمته, وجميع الأرباح في معاملة المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة, الذي لا يأمر إلا بالخير, ولا ينهى إلا عن الشر.
أم تتبع داعي الشيطان, الذي هو عدو الإنسان, الذي يريد لك الشر, ويسعى - بجهده - على إهلاكك في الدنيا والآخرة.
الذي كل الشر في طاعته, وكل الخسران في ولايته.
والذي لا يأمر إلا بشر, ولا ينهى إلا عن خير.
ثم أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله, مما تقدم وصفه, رغبوا عن ذلك وقالوا.
" بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا " .
فاكتفوا بتقليد الآباء, وزهدوا في الإيمان بالأنبياء.
ومع هذا, فآباؤهم أجهل الناس, وأشدهم ضلالا وهذه شبهة لرد الحق, واهية.
فهذا دليل على إعراضهم عن الحق, ورغبتهم عنه, وعدم إنصافهم.
فلو هدوا, لرشدهم, وحسن قصدهم, لكان الحق هو القصد.
ومن جعل الحق قصده, ووازن بينه وبين غيره, تبين له الحق قطعا, واتبعه, إن كان منصفا.
" ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون "

ثم قال تعالى " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " .
لما بين تعالى, عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل, وردهم لذلك, بالتقليد, وعلم من ذلك أنهم غير قابلين للحق, ولا مستجيبين له, بل كان معلوما لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم - أخبر تعالى, أن مثلهم - عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان - كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها, وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها.
فهم يسمعون مجرد الصوت, الذي تقوم به عليهم الحجة, ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم, فلهذا كانوا صما, لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول, عميا, لا ينظرون نظر اعتبار, بكما, فلا ينطقون بما فيه خير لهم.
والسبب الموجب لذلك كله, أنه ليس لهم عقل صحيح, بل هم أسفه السفهاء, وأجهل الجهلاء.
فهل يستريب العاقل, أن من دعى إلى الرشاد, وذيد عن الفساد, ونهى عن اقتحام العذاب, وأمر بما فيه صلاحه وفلاحه, وفوزه, ونعيمه فعصى الناصح, وتولى عن أمر ربه, واقتحم النار على بصيرة, واتبع الباطل, ونبذ الحق - أن هذا ليس له مسكة من عقل, وأنه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء, فإنه من أسفه السفهاء
" يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون "

هذا أمر للمؤمنين خاصة, بعد الأمر العام, وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيقة - بالأوامر والنواهي, بسبب إيمانهم, فأمرهم بأمر الطيبات من الرزق, والشكر لله على إنعامه, باستعمالها بطاعتة, والتقوى بها على ما يوصل إليه.
فأمرهم بما أمر به المرسلين في قوله " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا " .
فالشكر في هذه الآية, هو العمل الصالح.
وهنا لم يقل " حلالا " لأن المؤمن أباح الله له الطيبات من الرزق, خالصة من التبعة.
ولأن إيمانه يحجزه عن تناول ما ليس له.
وقوله " إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ " أي: فاشكروه.
فدل على أن من لم يشكر الله, لم يعبده وحده, كما أن من شكره, فقد عبده, وأتى بما أمر به.
ويدل أيضا على أن أكل الطيب, سبب للعمل الصالح وقبوله.
والأمر بالشكر, عقيب النعم, لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة, ويجلب النعم المفقودة.
كما أن الكفر, ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة.
" إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم "

ولما ذكر تعالى إباحة الطيبات ذكر تحريم الخبائث فقال " إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ " وهي: ما مات بغير تذكية شرعية, لأن الميتة خبيثة مضرة, لرداءتها في نفسها, ولأن الأغلب, أن تكون عن مرض, فيكون زيادة مرض.
واستثنى الشارع من هذا العموم, ميتة الجراد, وسمك البحر, فإنه حلال طيب.
" وَالدَّمَ " أي: المسفوح كما قيد في الآية الأخرى.
" وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ " أي: ذبح لغير الله, كالذي يذبح للأصنام والأوثان, من الأحجار, والقبور ونحوها, وهذا المذكور غير خاص للمحرمات.
وجيء به, لبيان أجناس الخبائث المدلول عليها بمفهوم قوله " طَيِّبَاتِ " .
فعموم المحرمات, تستفاد من الآية السابقة, من قوله: " حَلَالًا طَيِّبًا " كما تقدم.
وإنما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها, لطفا بنا, وتنزيها عن المضر.
ومع هذا " فَمَنِ اضْطُرَّ " أي: ألجئ إلى المحرم, بجوع وعدم, وإكراه.
" غَيْرَ بَاغٍ " أي: غير طالب للمحرم, مع قدرته على الحلال, أو مع عدم جوعه.
" وَلَا عَادٍ " أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له, اضطرارا.
" فَلَا إِثْمَ " أي: جناح وذنب " عَلَيْهِ " .
وإذا ارتفع الإثم, رجع الأمر إلى ما كان عليه.
والإنسان بهذه الحالة, مأمور بالأكل, بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة, وأن يقتل نفسه.
فيجب, إذا, عليه الأكل, ويأثم إن ترك الأكل حتى مات, فيكون قاتلا لنفسه.
وهذه الإباحة والتوسعة, من رحمته تعالى بعباده, فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: " إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " .
ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين, وكان الإنسان في هذه الحالة, ربما لا يستقصى تمام الاستقصاء في تحقيقها - أخبر, أنه غفور, فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال, خصوصا وقد غلبته الضرورة, وأذهبت حواسه المشقة.
وفي هذه الآية, دليل على القاعدة المشهورة " الضرورات تبيح المحظورات " .
فكل محظور, اضطر إليه الإنسان, فقد أباحه له, الملك الرحمن.
فله الحمد والشكر, أولا وآخرا, وظاهرا وباطنا.
" إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم "

هذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله, من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله, أن يبينوه للناس ولا يكتموه.
فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي, ونبذ أمر الله, فأولئك.
" مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ " , لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه, إنما حصل لهم بأقبح المكاسب, وأعظم المحرمات, فكان جزاؤهم من جنس عملهم.
" وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم.
فهذا أعظم عليهم من عذاب النار.
" وَلَا يُزَكِّيهِمْ " أي: لا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة, وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها.
وإنما لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها, العمل بكتاب الله, والاهتداء به, والدعوة إليه.
" أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار "

فهؤلاء نبذوا كتاب الله, وأعرضوا عنه, واختاروا الضلالة على الهدى, والعذاب على المغفرة.
فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار, فكيف يصبرون عليها, وأنى لهم الجلد عليها؟!
" ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد "

" ذَلِكَ " المذكور, وهو مجازاته بالعدل, ومنعه أسباب الهداية, ممن أباها واختار سواها.
" بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ " ومن الحق, مجازاة المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته.
وأيضا ففي قوله: " نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ " ما يدل على أن الله أنزله لهداية خلقه, وتبيين الحق من الباطل, والهدى من الضلال.
فمن صرفه عن مقصوده, فهو حقيق بأن يجازى بأعظم العقوبة.
" وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ " أي: وإن الذين اختلفوا في الكتاب, فآمنوا ببعضه, وكفروا ببعضه.
والذين حرفوه وصرفوه على أهوائهم ومراداتهم " لَفِي شِقَاقٍ " أي: محادة.
" بَعِيدٍ " من الحق لأنهم قد خالفوا الكتاب الذي جاء بالحق الموجب للاتفاق وعدم التناقض.
فمرج أمرهم, وكثر شقاقهم, وترتب على ذلك افتراقهم.
بخلاف أهل الكتاب الذين آمنوا به, وحكموه في كل شيء, فإنهم اتفقوا وارتفقوا بالمحبة والاجتماع عليه.
وقد تضمنت هذه الآيات, الوعيد للكاتمين لما أنزل الله, المؤثرين عليه, عرض الدنيا - بالعذاب والسخط, وأن الله لا يطهرهم بالتوفيق, ولا بالمغفرة.
وذكر السبب في ذلك وهو إيثارهم الضلالة على الهدى.
فترتب على ذلك, اختيار العذاب على المغفرة.
ثم توجع لهم بشدة صبرهم على النار, لعملهم بالأسباب التي يعلمون أنها موصلة إليها.
وأن الكتاب مشتمل على الحق الموجب للاتفاق عليه, وعلم الافتراق.
وأن كل من خالفه, فهو في غاية البعد عن الحق, والمنازعة والمخاصمة, والله أعلم.
" ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون "

يقول تعالى: " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " أي: ليس هذا هو البر المقصود من العباد, فيكون كثرة البحث فيه والجدال, من العناء الذي ليس تحته إلا الشقاق والخلاف.
وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ونحو ذلك.
" وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ " أي: بإنه إله واحد, موصوف بكل صفة كمال, منزه عن كل نقص.
" وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " وهو كل ما أخبر الله به في كتابه, أو أخبر به الرسول, مما يكون بعد الموت.
" وَالْمَلَائِكَةِ " الذين وصفهم الله لنا في كتابه, ووصفهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
" وَالْكِتَابِ " أي: جنس الكتب التي أنزلها الله على رسوله, وأعظمها القرآن, فيؤمن بما تضمنه من الأخبار والأحكام.
" وَالنَّبِيِّينَ " عموما, خصوصا خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم " وَآتَى الْمَالَ " وهو كل ما يتموله الإنسان من مال, قليلا كان أو كثيرا.
أي: أعطى المال " عَلَى حُبِّهِ " أي: حب المال " عَلَى حُبِّهِ " أي: حب المال.
بين به أن المال محبوب للنفوس, فلا يكاد يخرجه العبد.
فمن أخرجه مع حبه له, تقربا إلى الله تعالى, كان هذا برهانا لإيمانه.
ومن إيتاء المال على حبه, أن يتصدق وهو صحيح شحيح, يأمل الغنى, ويخشى الفقر.
وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة, كان أفضل, لأنه في هذه الحال, يحب إمساكه, لما يتوهمه من العدم والفقر.
وكذلك إخراج النفيس من المال, وما يحبه من ماله كما قال تعالى: " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " .
فكل هؤلاء ممن آتى المال على حبه.
ثم ذكر المنفق عليهم, وهم أولى الناس ببرك وإحسانك.
من " ذَوِي الْقُرْبَى " الذين تتوجع لمصابهم, وتفرح بسرورهم, الذين يتناصرون ويتعاقلون.
فمن أحسن البر وأوفقه, تعاهد الأقارب بالإحسان المالي والقولي, على حسب قربهم وحاجتهم.
" وَالْيَتَامَى " الذين لا كاسب لهم, وليس لهم قوة يستغنون بها.
وهذا من رحمته تعالى بالعباد, الدالة على أنه تعالى, أرحم بهم من الوالد بولده.
فالله قد أوصى العباد, وفرض عليهم في أموالهم, الإحسان إلى من فقد آباؤهم ليصيروا كمن لم يفقد والديه.
ولأن الجزاء من جنس العمل فمن رحم يتيم غيره, رحمه يتيمه.
" وَالْمَسَاكِينِ " وهم الذين أسكنتهم الحاجة, وأذلهم الفقر فلهم حق على الأغنياء, بما يدفع مسكنتهم أو يخففها, بما يقدرون عليه, وبما يتيسر.
" وَابْنَ السَّبِيلِ " وهو الغريب المنقطع به في غير بلده.
فحث الله عباده على إعطائه من المال, ما يعينه غلى سفره, لكونه مظنة الحاجة, وكثرة المصارف.
فعلى من أنعم الله
عليه بوطنه وراحته, وخوله من نعمته, أن يرحم أخاه الغريب, الذي بهذه الصفة, على حسب استطاعته, ولو بتزويده, أو إعطائه آلة لسفره, أو دفع ما ينوبه من المظالم وغيرها.
" وَالسَّائِلِينَ " أي: الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج, توجب السؤال.
كمن ابتلي بأرش جناية, أو ضريبة عليه من ولاة الأمور, أو يسأل الناس لتعمير المصالح العامة, كالمساجد, والمدارس, والقناطر, ونحو ذلك, فهذا له الحق, وإن كان غنيا " وَفِي الرِّقَابِ " فيدخل فيه العتق والإعانة عليه, وبذل مال للمكاتب, ليوفي سيده, وفداء الأسرى عند الكفار, أو عند الظلمة.
" وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ " قد تقدم مرارا, أن الله تعالى يقرن بين الصلاة والزكاة, لكونهما أفضل العبادات, وأكمل القربات, عبادات قلبية, وبدنية, ومالية, وبهما يوزن الإيمان, ويعرف ما مع صاحبه من الإيقاق.
" وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا " والعهد, هو, الالتزام بإلزام الله أو إلزام العبد لنفسه.
فدخل في ذلك حقوق الله كلها, لكون الله ألزم بها عباده والتزموها, ودخلوا تحت عهدتها, ووجب عليهم أداؤها, وحقوق العباد, التي أوجبها الله عليهم, والحقوق التي التزمها العبد كالأيمان والنذور, ونحو ذلك.
" وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ " أي: الفقر, لأن الفقير يحتاج إلى الصبر من وجوه كثيرة, لكونه يحصل له من الآلام القلبية والبدنية المستمرة, ما لا يحصل لغيره.
فإن تنعم الأغنياء, بما لا يقدر عليه, تألم.
وإن جاع, أو جاعت عياله, تألم.
وإن أكل طعاما, غير موافق لهواه, تألم.
وإن عرى, أو كاد, تألم, وإن نظر إلى ما بين يديه وما يتوهمه من المستقبل الذي يستعد له تألم, وإن أصابه البرد الذي لا يقدر على دفعه, تألم.
فكل هذه ونحوها, مصائب, يؤمر بالصبر عليها, والاحتساب, ورجاء الثواب من الله عليها.
" وَالضَّرَّاءِ " أي: المرض على اختلاف أنواعه, من حمى, وقروح, ورياح, ووجع عضو, حتى الضرس والإصبع ونحو ذلك, فإنه يحتاج إلى الصبر على ذلك.
لأن النفس تضعف, والبدن, يألم, وذلك في غاية المشقة على النفوس, خصوصا مع تطاول ذلك, فإنه يؤمر بالصبر, احتسابا لثواب الله تعالى.
" وَحِينَ الْبَأْسِ " أي: وقت القتال للأعداء المأمور بقتالهم, لأن الجلاد, يشق غاية المشقة على النفس, ويجزع الإنسان من القتل, أو الجراح, أو الأسر, فاحتيج إلى الصبر في ذلك, احتسابا, ورجاء لثواب الله تعالى, الذي منه النصر والمعونة, التي وعدها الصابرين.
" أُولَئِكَ " أي: المتصفون بما ذكر, من العقائد الحسنة, والأعمال التي هي آثار الإيمان, وبرهانه ونوره, والأخلاق التي هي جمال الإنسان وحقيقة الإنسانية.
فأولئك " الَّذِينَ صَدَقُوا " في إيمانهم, لأن أعمالهم صدقت إيمانهم.
" وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " لأنهم تركوا المحظور, وفعلوا المأمور.
لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير, تضمنا ولزوما, لأن الوفاء بالعهد, يدخل فيه الدين كله.
ومن قام بها, كان بما سواها أقوم, فهؤلاء الأبرار الصادقون المتقون.
وقد علم ما رتب الله على هذه الأمور الثلاثة, من الثواب الدنيوي والأخروي, مما لا يمكن تفصيله في مثل هذا الموضع.
" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم "

يمتن تعالى على عباده المؤمنين, بأنه فرض عليهم " الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى " أي: المساواة فيه, وأن يقتل القاتل على الصفة, التي قتل عليها المقتول, إقامة للعدل والقسط بين العباد وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين, فيه دليل على أنه يجب عليهم كلهم حتى أولياء القاتل حتى القاتل بنفسه - إعانة ولي المقتول, إذا طلب القصاص ويمكنه من القاتل, وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد, ويمنعوا الولي من الاقتصاص, كما عليه عادة الجاهلية, ومن أشبههم من إيواء المحدثين.
ثم بين تفصيل ذلك فقال " الْحُرُّ بِالْحُرِّ " يدخل بمنطقوقها, الذكر بالذكر.
" وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى " والأنثى بالذكر, والذكر بالأنثى, فيكون منطوقها مقدما على مفهوم قوله " الأنثى بالأنثى " مع دلالة السنة, على أن الذكر يقتل بالأنثى.
وخرج من عموم هذا, الأبوان وإن علوا.
فلا يقتلان بالولد, لورود السنة بذلك.
مع أن في قوله " الْقِصَاصُ " ما يدل على أنه ليس من العدل, أن يقتل الوالد بولده.
ولأن في قلب الوالد من الشفقة والرحمة, ما يمنعه من القتل لولده إلا بسبب اختلال في عقله, أو أذية شديدة جدا من الولد له.
وخرج من العموم أيضا, الكافر بالسنة, مع أن الآية في خطاب المؤمنين خاصة.
وأيضا فليس من العدل أن يقتل ولي الله بعدوه.
والعبد بالعبد, ذكرا كان أو أنثى, تساوت قيمتهما أو اختلفت.
ودل بمفهومها على أن الحر, لا يقتل بالعبد, لكونه غير مساو له.
والأنثى بالأنثى, أخذ بمفهومها بعض أهل العلم فلم يجز قتل الرجل بالمرأة, وتقدم وجه ذلك.
وفي هذه الآية, دليل على أن الأصل وجوب القود في القتل, وأن الدية بدل عنه.
فلهذا قال " فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ " أي عفا ولي المقتول عن القاتل إلى الدية, أو عفا بعض
الألياء, فإنه يسقط القصاص, وتجب الدية, وتكون الخيرة في القود, واختيار الدية إلى الولي.
فإذا عفا عنه, وجب على الولي, أي: ولي المقتول أن يتبع القاتل " بِالْمَعْرُوفِ " من غير أن يشق عليه, ولا يحمله ما لا يطيق, بل يحسن الاقتضاء والطلب, ولا يحرجه.
وعلى القاتل " وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ " من غير مطل ولا نقص, ولا إساءة فعلية أو قولية, فهل جزاء الإحسان إليه بالعفو, إلا الإحسان بحسن القضاء.
وهذا مأمور به في كل ما يثبت في ذمم الناس للإنسان.
مأمور من له الحق, بالاتباع بالمعروف.
ومن عليه الحق, بالأداء بالإحسان.
وفي قوله " فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ " ترقيق وحث على العفو إلى الدية.
وأحسن من ذلك, العفو مجانا.
وفي قوله " أَخِيهِ " دليل على أن القاتل, لا يكفر, لأن المراد بالأخوة هنا, أخوة الإيمان, فلم يخرج بالقتل منها.
ومن باب أولى, أن سائر المعاصي, التي هي دون الكفر, ولا يكفر بها فاعلها, وإنما ينقص بذلك إيمانه.
وإذا عفا أولياء المقتول, أو عفا بعضهم, احتقن دم القاتل, وصار معصوما منهم ومن غيرهم, ولهذا قال " فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ " أي: بعد العفو " فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: في الآخرة.
وأما قتله وعدمه, فيؤخذ مما تقدم, لأنه قتل مكافئا له, فيجب قتله بذلك.
وأما من فسر العذاب الأليم بالقتل, وأن الآية تدل على أنه يتعين قتله, ولا يجوز العفو عنه, وبذلك قال بعض العلماء.
والصحيح الأول, لأن جنايته لا تزيد على جناية غيره.
" ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون "

ثم بين تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص فقال: " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ " أي: تنحقن بذلك الدماء, وتنقمع به الأشقياء, لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل, لا يكاد يصدر منه القتل, وإذا رؤي القاتل مقتولا انذعر بذلك غيره, وانزجر, فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل, لم يحصل انكفاف الشر, الذي يحصل بالقتل.
وهكذا سائر الحدود الشرعية, فيها من النكاية والانزجار, ما يدل على حكمة الحكيم الغفار.
ونكر " الحياة " لإفادة التعظيم والتكثير.
ولما كان هذا الحكم, لا يعرف حقيقته, إلا أهل العقول الكاملة والألباب الثقيلة, خصهم بالخطاب دون غيرهم.
وهذا يدل على أن الله تعالى, يحب من عباده, أن يعملوا أفكارهم وعقولهم, في تدبر ما في أحكامه, من الحكم, والمصالح الدالة على كماله, وكمال حكمته وحمده, وعدله ورحمته الواسعة وأن من كان بهذه المثابة, فقد استحق المدح بأنه من ذوي الألباب الذين وجه إليهم الخطاب, وناداهم رب الأرباب, وكفى بذلك فضلا, وشرفا, لقوم يعقلون.
وقوله " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " وذلك أن من عرف ربه وعرف ما في دينه وشرعه من الأسرار العظيمة والحكم البديعة والآيات الرفيعة, أوجب له ذلك أن ينقاد لأمر الله, ويعظم معاصيه, فيتركها, فيستحق بذلك أن يكون من المتقين.
" كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين "

أي فرض الله عليكم, يا معشر المؤمنين " إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ " أي: أسبابه, كالمرض المشرف على الهلاك, وحضور أسباب المهالك.
وكان قد " تَرَكَ خَيْرًا " وهو المال الكثير عرفا, فعليه أن يوصي لوالديه وأقرب الناس إليه بالمعروف, على قدر حاله من غير سرف, ولا اقتصار على الأبعد, دون الأقرب.
بل يرتبهم على القرب والحاجة, ولهذا أتى بأفعل التفضيل.
وقوله " حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " دل على وجوب ذلك, لأن الحق هو: الثابت وقد جعله الله من موجبات التقوى.
واعلم أن جمهور المفسرين يرون أن هذه الآية منسوخة بآية المواريث.
وبعضهم يرى أنها في الوالدين والأقربين غير الوارثين, مع أنه لم يدل على التخصيص بذلك دليل.
والأحسن في هذا أن يقال: إن هذه الوصية للوالدين والأقربين مجملة, ردها الله تعالى إلى العرف الجاري.
ثم إن الله تعالى قدر للوالدين الوارثين وغيرهما من الأقارب الوارثين هذا المعروف في آيات المواريث, بعد أن مجملا.
وبقي الحكم فيمن لم يرثوا من الوالدين الممنوعين من الإرث وغيرهما ممن حجب بشخص أو وصف, فإن الإنسان مأمور بالوصية لهؤلاء وهم أحق الناس ببره.
وهذا القول تتفق عليه الأمة, ويحصل به الجمع بين القولين المتقدمين, لأن كلا من القائلين بهما كل منهم لحظ ملحظا, واختلف المورد.
فبهذا الجمع, يحصل الاتفاق, والجمع بين الآيات, فإنه أمكن الجمع, كان أحسن من ادعاء النسخ, الذي لم يدل عليه دليل صحيح
" فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم "

ولما كان الموصي قد يمتنع من الوصية, لما يتوهمه أن من بعده, قد يبدل ما وصى به قال تعالى.
" فَمَنْ بَدَّلَهُ " أي: أي الإيصاء للمذكورين أو غيرهم " بَعْدَمَا سَمِعَهُ " أي: بعد ما عقله, وعرف طرقه وتنفيذه.
" فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ " وإلا فالموصي وقع أجره على الله, وإنما الإثم على المبدل المغير.
" إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ " يسمع سائر الأصوات, ومنه سماعه لمقالة الموصي ووصيته.
فينبغي له أن يراقب من يسمعه ويراه, وأن لا يجور في وصيته.
" عَلِيمٌ " بنيته, وعليم بعمل الموصى إليه.
فإذا اجتهد الموصي, وعلم الله من نيته ذلك, أثابه ولو أخطأ.
وفيه, التحذير للموصى إليه من التبديل.
فإن الله عليم به, مطلع على فعله, فليحذر من الله.
هذا حكم الوصية العادلة.
" فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم "

وأما الوصية التي فيها حيف وجنف, وإثم.
فينبغي لمن حضر الموصي وقت الوصية بها, أن ينصحه بما هو الأحسن والأعدل, وأن ينهاه عن الجور.
والجنف, وهو: الميل بها عن خطأ, من غير تعمد, والإثم: وهو التعمد لذلك.
فإن لم يفعل ذلك, فينبغي له أن يصلح بين الموصى إليهم, ويتوصل إلى العدل بينهم على وجه التراضي والمصالحة, ووعظهم بتبرئة ذمة ميتهم فهذا قد فعل معروفا عظيما, وليس عليهم, كما على مبدل الوصية الجائزة ولهذا قال: " إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ " أي: يغفر جميع الزلات, ويصفح عن التبعات لمن تاب إليه, ومنه مغفرته لمن غض من نفسه, وترك بعض حقه لأخيه, لأن من سامح, سامحه الله.
غفور لميتهم الجائر في وصيته, إذا احتسبوا بمسامحة بعضهم بعضا لأجل براءة ذمته.
رحيم بعباده, حيث شرع لهم كل أمر به يتراحمون ويتعاطفون.
فدلت هذه الآيات, على الحث على الوصية, وعلى بيان من هي له, وعلى وعيد المبدل للوصية العادلة, والترغيب في الإصلاح في الوصية الجائرة.
" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "

يخبر تعالى, بما من الله به على عباده, بأنه فرض عليهم الصيام, كما فرضه على الأمم السابقة, لأنه من الشرائع والأوامر, التي هي مصلحة للخلق في كل زمان.
وفيه تنشيط لهذه الأمة, بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال, والمسارعة إلى صالح الخصال, وأنه ليس من الأمور الثقيلة, التي اختصصتم بها.
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " .
فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى, لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى, أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها, التي تميل إليها نفسه, متقربا بذلك إلى الله, راجيا بتركها, ثوابه.
فهذا من التقوى.
ومنها أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى, فيترك ما تهوى نفسه, مع قدرته عليه, لعلمه باطلاع الله عليه.
ومنها أن الصيام يضيق مجاري الشيطان, فإنه يجري من ابن آدم, مجرى الدم, فبالصيام, يضعف نفوذه, وتقل منه المعاصي.
ومنها: أن الصائم في الغالب, تكثر طاعته, والطاعات من خصال التقوى.
ومنها أن الغني إذا ذاق ألم الجوع, أوجب له ذلك, مواساة الفقراء المعدمين, وهذا من خصال التقوى.
" أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون "

ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام, أخبر أنه أيام معدودات, أي: قليلة في غاية السهولة.
ثم سهل تسهيلا آخر.
فقال " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " وذلك للمشقة, في الغالب, رخص الله لهما, في الفطر.
ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن, أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض, وانقضى السفر, وحصلت الراحة.
وفي قوله " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ " فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان, كاملا كان, أو ناقصا, وعلى أنه يجوز أن يقضي أياما قصيرة باردة, عن أيام طويلة حارة كالعكس.
وقوله " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ " أي: يطيقون الصيام " فِدْيَةٌ " عن كل يوم يفطرونه " طَعَامُ مِسْكِينٍ " .
وهذا في ابتداء فرض الصيام, لما كانوا غير معتادين للصيام, وكان فرضه حتما, فيه مشقة عليهم, درجهم الرب الحكيم, بأسهل طريق.
وخير المطيق للصوم,, بين أن يصوم, وهو أفضل, أو يطعم.
ولهذا قال: " وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ " .
ثم بعد ذلك, جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق, يفطر ويقضيه في أيام أخر.
وقيل " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ " أي يتكلفونه ويشق عليهم مشقة غير محتملة, كالشيخ الكبير, فدية عن كل يوم, طعام مسكين, وهذا هو الصحيح.
" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون "

" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ " أي: الصوم المفروض عليكم, هو شهر رمضان, الشهر العظيم, الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم.
وهو القرآن الكريم, المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية, وتبيين الحق بأوضح بيان, والفرقان بين الحق والباطل, والهدى والضلال, وأهل السعادة وأهل الشقاوة.
فحقيق بشهر, هذا فضله, وهذا إحسان الله عليكم فيه, أن يكون موسما للعباد ومفروضا فيه الصيام.
فلما قرره, وبين فضيلته, وحكمة الله تعالى في تخصيصه قال: " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر.
ولما كان النسخ للتخيير, بين الصيام والفداء خاصة, أعاد الرخصة للمريض والمسافر, لئلا يتوهم أن الرخصة أيضا منسوخة فقال: " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " أي: يريد الله تعالى, أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه, أعظم تيسير, ويسهلها أبلغ تسهيل.
ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله, سهله تسهيلا آخر, إما بإسقاطه, أو تخفيفه بأنواع التخفيفات.
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها, لأن تفاصيلها, جميع الشرعيات, ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات.
" وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وهذا - والله أعلم - لئلا يتوهم متوهم, أن صيام رمضان, يحصل المقصود منه ببعضه, دفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته ويشكر الله تعالى عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعبادة, وبالتكبير عند انقضائه, ويدخل في ذلك, التكبير عند رؤية هلال شوال, إلى فراغ خطبة العيد.
" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "

هذا جواب سؤال سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله, أقريب ربنا فنناجيه, أم بعيد فنناديه؟ فنزل.
" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ " لأنه تعالى, الرقيب الشهيد, المطلع على السر وأخفى, يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فهو قريب أيضا من داعيه, بالإجابة.
ولهذا قال " أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ " .
والدعاء نوعان: دعاء عبادة, ودعاء مسألة.
والقرب نوعان: قرب بعلمه من كل خلقه, وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة, والمعونة والتوفيق.
فمن دعا ربه بقلب حاضر, ودعاء مشروع, ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء, كأكل الحرام ونحوه, فإن الله قد وعده بالإجابة.
وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء, وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية, والإيمان به, الموجب للاستجابة.
فلهذا قال: " فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " أي: يحصل لهم الرشد, الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة, ويزول عنهم البغي, المنافي للإيمان والأعمال الصالحة.
" أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون "

ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره, سبب لحصول العلم كما قال تعالى.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا
" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون "

أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم.
أضافه إليهم, لأنه ينبعي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه, ويحترم ماله, كما يحترم ماله ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة.
ولما كان أكلها نوعين: نوعا بحق, ونوعا بباطل, وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل, قيده الله تعالى بذلك.
ويدخل بذلك, أكلها على وجه الغضب, والسرقة, والخيانة في وديعة أو عارية, أو نحو ذلك.
ويدخل فيه أيضا, أخذها على وجه المعاوضة, بمعاوضة محرمة, كعقود الربا, والقمار كلها, فإنها من أكل المال بالباطل, لأنه ليس في مقابلة عوض مباح.
ويدخل في ذلك أخذها, بسبب غش في البيع, والشراء, والإجارة, ونحوها.
ويدخل في ذلك, استعمال الأجرار, وأكل أجرتهم.
وكذلك أخذهم أجرة على عمل, لم يقوموا بواجبه.
ويدخل في ذلك, أخذ الأجرة على العبادات والقربات, التي لا تصح, حتى يقصد بها وجه الله تعالى.
ويدخل في ذلك, الأخذ من الزكوات والصدقات, والأوقاف, والوصايا, لمن ليس له حق منها, أو فوق حقه.
فكل هذا ونحوه, من أكل المال بالباطل, فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه.
حتى ولو حصل فيه النزاع والارتفاع إلى حاكم الشرع, وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة, غلبت حجة المحق, وحكم له الحاكم بذلك.
فإن حكم الحاكم, لا يبيح محرما, ولا يحلل حراما, إنما يحكم على نحو مما يسمع, وإلا فحقائق الأمور باقية.
فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة, ولا شبهة, ولا استراحة.
فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة, وحكم له بذلك, فإنه لا يحل له, ويكون آكلا لمال غيره, بالباطل والإثم, وهو عالم بذلك.
فيكون أبلغ في عقوبته, وأشد في نكاله.
وعلى هذا, فالوكيل إذا علم أن موكله مبطل في دعواه, لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى " وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا " ثم قال تعالى " أُحِلَّ لَكُمْ " إلى قوله " لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " .
كان في أول فرض الصيام, يحرم على المسلمين, الأكل, والشرب, والجماع في الليل بعد النوم, فحصلت المشقة لبعضهم.
فخفف الله تعالى عنهم ذلك, وأباح في ليالي الصيام كلها, الأكل, والشرب, والجماع.
سواء نام أو لم ينم, لكونهم يختانون أنفسهم, بترك بعض ما أمروا به.
" فَتَابَ " الله " عَلَيْكُمْ " بأن وسع لكم أمرا كان - لولا توسعته - موجبا للإثم " وَعَفَا عَنْكُمْ " ما سلف من التخون.
" فَالْآنَ " بعد هذه الرخصة والسعة من الله " بَاشِرُوهُنَّ " وطئا وقبلة ولمسا وغير ذلك.
" وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ " أي: انووا في مباشرتكم لزوجاتكم, التقرب إلى الله تعالى والمقصود الأعظم من الوطء, وهو حصول الذرية وإعفاف فرجه, وفرج زوجته, وحصول مقاصد النكاح.
ومما كتب الله لكم ليلة القدر, الموافقة لليالي صيام رمضان فلا ينبغي لكم, أن تشتغلوا بهذه اللذة عنها, وتضيعوها.
فاللذة مدركة, وليلة القدر - إذا فاتت - لم تدرك.
" وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ " هذا غاية للأكل والشرب والجماع.
وفيه أنه إذا أكل ونحوه, شاكا في طلوع الفجر, فلا بأس عليه.
وفيه دليل على استحباب السحور, للأمر, وأنه يستحب تأخيره, أخذا من معنى رخصة الله وتسهيله على العباد.
وفيه أيضا, دليل على أنه يجوز أن يدركه الفجر, وهو جنب من الجماع, قبل أن يغتسل, ويصح صيامه, لأن لازم إباحة الجماع إلى طلوع الفجر, أن يدركه الفجر وهو جنب, ولازم الحق حق.
" ثُمَّ " إذا طلع الفجر " أَتِمُّوا الصِّيَامَ " أي: الإمساك عن المفطرات " إِلَى اللَّيْلِ " وهو غروب الشمس.
ولما كان إباحة الوطء في ليالي الصيام, ليست إباحة عامة لكل أحد, فإن المعتكف لا يحل له ذلك, استثناه بقوله.
" وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ " أي: وأنتم متصفون بذلك.
ودلت الآية على مشروعية الاعتكاف, وهو لزوم المسجد, لطاعة الله تعالى, وانقطاعا إليه وأن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد.
ويستفاد من تعريف المساجد, أنها المساجد المعروفة عندهم, وهي التي تقام فها الصلوات الخمس.
وفيه أن الوطء من مفسدات الاعتكاف.
تلك المذكورات - وهو تحريم الأكل والشرب والجماع ونحوه من المفطرات في الصيام, وتحريم الفطر على غير المحذور, وتحريم الوطء على المعتكف ونحو ذلك من المحرمات " حُدُودُ اللَّهِ " التي حدها لعباده, ونهاهم عنها فقال: " فَلَا تَقْرَبُوهَا " أبلغ من قوله " فلا تفعلوها " لأن القربان, يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه, والنهي عن وسائله الموصلة إليه.
والعبد مأمور بترك المحرمات, والبعد منها, غاية ما يمكنه, وترك كل سبب يدعو إليه.
وأما الأوامر فيقول الله فيها " تلك حدود الله فلا تعتدوها " فنهى عن مجاوزتها.
" كَذَلِكَ " أي: يبين الله لعباده الأحكام السابقة, أتم تبيين, وأوضحها لهم, أكمل إيضاح.
" يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " فإنهم إذا بان لهم الحق, اتبعوه وإذا تبين لهم الباطل, اجتنبوه.
فإن الإنسان قد يفعل المحرم على وجه الجهل بأنه محرم, ولو علم تحريمه لم يفعله.
فإذا بين الله للناس آياته, لم يبق لهم عذر ولا حجة, فكان ذلك سببا للتقوى.
أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم.
أضافه إليهم, لأنه ينبعي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه, ويحترم ماله, كما يحترم ماله ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة.
ولما كان أكلها نوعين: نوعا بحق, ونوعا بباطل, وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل, قيده الله تعالى بذلك.
ويدخل بذلك, أكلها على وجه الغضب, والسرقة, والخيانة في وديعة أو عارية, أو نحو ذلك.
ويدخل فيه أيضا, أخذها على وجه المعاوضة, بمعاوضة محرمة, كعقود الربا, والقمار كلها, فإنها من أكل المال بالباطل, لأنه ليس في مقابلة عوض مباح.
ويدخل في ذلك أخذها, بسبب غش في البيع, والشراء, والإجارة, ونحوها.
ويدخل في ذلك, استعمال الأجرار, وأكل أجرتهم.
وكذلك أخذهم أجرة على عمل, لم يقوموا بواجبه.
ويدخل في ذلك, أخذ الأجرة على العبادات والقربات, التي لا تصح, حتى يقصد بها وجه الله تعالى.
ويدخل في ذلك, الأخذ من الزكوات والصدقات, والأوقاف, والوصايا, لمن ليس له حق منها, أو فوق حقه.
فكل هذا ونحوه, من أكل المال بالباطل, فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه.
حتى ولو حصل فيه النزاع والارتفاع إلى حاكم الشرع, وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة, غلبت حجة المحق, وحكم له الحاكم بذلك.
فإن حكم الحاكم, لا يبيح محرما, ولا يحلل حراما, إنما يحكم على نحو مما يسمع, وإلا فحقائق الأمور باقية.
فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة, ولا شبهة, ولا استراحة.
فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة, وحكم له بذلك, فإنه لا يحل له, ويكون آكلا لمال غيره, بالباطل والإثم, وهو عالم بذلك.
فيكون أبلغ في عقوبته, وأشد في نكاله.
وعلى هذا, فالوكيل إذا علم أن موكله مبطل في دعواه, لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى " وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا "
" يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون "

فقوله تعالى " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ " جمع - هلال - ما فائدتها وحكمتها, أو عن ذاتها.
" قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ " أي جعلها الله تعالى, بلطفه ورحمته, على هذا التدبير.
يبدو الهلال ضعيفا في أول الشهر, ثم يتزايد إلى نصفه, ثم يشرع في النقص إلى كماله, وهكذا, ليعرف الناس بذلك, مواقيت عباداتهم, من الصيام, وأوقات الزكاة, والكفارات, وأوقات الحج.
ولما كان الحج يقع في أشهر معلومات, ويستغرق أوقاتا كثيرة قال: " وَالْحَجِّ " وكذلك تعرف بذلك, أوقات الديون المؤجلات, ومدة الإجارات, ومدة العدد والحمل, وغير ذلك, مما هو من حاجات الخلق.
فجعله تعالى, حسابا, يعرفه كل أحد, من صغير, وكبير, وعالم, وجاهل.
فلو كان الحساب بالسنة الشمسية, لم يعرفه إلا النادر من الناس.
" وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا " وهذا كما كان الأنصار وغيرهم من العرب, إذا أحرموا, لم يدخلوا البيوت من أبوابها, تعبدا بذلك, وظنا أنه بر.
فأخبر تعالى, أنه ليس من البر, لأن الله تعالى, لم يشرعه لهم.
وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله, فهو متعبد ببدعة.
وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم, التي هي قاعدة من قواعد الشرع.
ويستفاد من إشارة الآية أنه ينبغي في كل أمر من الأمور, أن يأتيه الإنسان من الطريق السهل القريب, الذي قد جعل له موصلا.
فالآمر بالمعروف, والناهي عن المنكر, ينبغي أن ينظر في حالة المأمور, ويستعمل معه الرفق والسياسة, التي بها يحصل المقصود أو بعضه.
والمتعلم والمعلم, ينبغي أن يسلك أقرب طريق وأسهله, يحصل به مقصوده.
وهكذا كل من حاول أمرا من الأمور وأتاه من أبوابه, وثابر عليه, فلا بد أن يحصل له المقصود, بعون الملك المعبود.
" وَاتَّقُوا اللَّهَ " هذا هو البر, الذي أمر الله به, وهو لزوم تقواه على الدوام, بامتثال أوامره, واجتناب نواهيه, فإنه سبب للفلاح, الذي هو الفوز بالمطلوب, والنجاة من المرهوب.
فمن لم يتق الله تعالى, لم يكن له سبيل إلى الفلاح, ومن اتقاه, فاز بالفلاح والنجاح.
" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين "

هذه الآيات, تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله, وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة, لما قوى المسلمون للقتال, أمرهم الله به, بعد ما كانوا مأمورين بكف أيديهم.
وفي تخصيص القتال " فِي سَبِيلِ اللَّهِ " حث على الإخلاص, ونهى عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين.
" الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ " أي.
الذين هم مستعدون لقتالكم, وهم المكلفون الرجال, غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال.
والنهي عن الاعتداء, يشمل أنواع الاعتداء كلها, من قتل من لا يقاتل, من النساء, والمجانين والأطفال, والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى, وقتل الحيوانات, وقطع الأشجار ونحوها, لغير مصلحة تعود للمسلمين.
ومن الاعتداء, مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها, فإن ذلك لا يجوز.


الأعلى رد مع اقتباس