عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 20 Dec 2016, 03:53 AM
عضوة متميزة

*ملاك* غير متصل

تاريخ التسجيل : Sep 2013
رقم العضوية : 67882
الإقامة : saudi arabia
الهواية : الرسم
المشاركات : 9,213
معدل التقييم : 1227
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
رحمة الله التي سبقت كـل شيء



رحمة الله التي سبقت كـل شيء

"لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ.
فَحَمِدَ اللهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللهُ يَا آدَمُ،
اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ
فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ"
.أخرجه البخاري (3326، 3327)، ومسلم (2841)،
والترمذي (3368) من حديث أبي هريرة رضي الِله عنه.
أول ما لفظ آدم هو الحمد، الحمد على الروح،
على الحياة، على التكريم والإنسانية، على المعرفة والتعليم.
ليس مصادفة أن تكون الرحمة أول خطاب من اِلله لآدم
، وقوله سبحانه: يرحمك الله، ليس دعاءً كما قد يُتوهم، هو خبر وحكم وقرار ووعد.
«الرحمن الرحيم» أكثر الأسماء الحسنى
ترددًا في نصوص الشريعة بعد اسم الله،
وهما مكرران في سورة الفاتحة،
ومن أكثر الأسماء ترددًا على ألسنة الخلق، فكلمة (بسم اِلله الرحمن الرحيم)،
وتحية (السلام عليكم ورحمة الله)
عبارتان واسعتا الاستخدام جدًّا في الحياة الإسلامية.
صلته مع اللِه محفوفة بالرحمة، والشرائع رِحمة كلها، والنبوات رحمة، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}،
وخطاب الدعوة والإصلاح إذا تجرَّد من الرحمة فسد وأفسد،
وتحوَّل إلى قطيعة وعنف وصد عن سبيل الله، وتهييج لمشاعر الكراهية والبغضاء.
الشعور بالرحمة الإلهية يولِّد الحب، والحب أعظم ما عُبِد الِله به،
وحين تحب فسوف تخاف، سوف تخاف من الفقد والبعد والحرمان،
وحين تحب فسوف تستحي، وحين تحب فسوف تسرع الرجوع كلما نأى بك الطريق.
وحين خلق الِله الزوجين جعل بينهما (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)،
ولذلك يقول بعض المعاصرين إن المودّة عضيدة الرحمة،
وقد تتولَّد المودة من رحِمة متراكمة لم تكن تحمل حبًّا في بدايتها.
صلته مع زوجه السكن والمودة والرحمة،
والبيوت إذا لم تبنَ على الحب فهي خراب،
والحب العابر المبني على الاشتهاء الجسدي يذبل،
ولن يعبر الحب الجبال والوديان والسهول ويقاوم العوادي
ما لم يسقَ بماء التسامح والتغاضي والصفح والنسيان حتى يرسخ، كما قال المجنون:
لَقَد ثَبَتَت في القَلبِ مِنكِ مَحَبَّةٌ *** كَما ثَبَتَت في الراحَتَينِ الأَصابِعُ
كَأَنَّ بِلادَ اللهِ مَا لَمْ تَكُنْ بِهَا *** وَإِن كَانَ فِيهَا النَّاسُ قَفْرٌ بَلاقِعُ
صلته مع الذرية رحِمة متبادلة: "مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ"،
والرَّحِم الأولى هي مصدر الإنسانية،
لم يكن حمل حواء وبناتها في اليد أو الرجل، كان في منطقة الرَّحِم،
وهي مشتقة من الرَّحْمة، مَن وصلها وصله الله،
ومَن قطعها قطعه الله، فالمرأة هي أيقونة الرحمة.
تشريع التوبة رحمة:
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}،
ووصف الِله نفسه بأنه هو الغفور الرحيم،
ولم يصف نفسه بأنه المعذِّب أو المعاقب،
بل وصف عذابه بأنه أليم:
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}.
وجاء في دعاء آدم بعد الأكل من الشجرة: "أَيْ رَبِّ، أَلَمْ تَخْلُقْنِي بِيَدِكَ؟
قَالَ : بَلَى. قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَلَمْ تَنْفُخْ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَلَمْ تُسْكِنِّي جَنَّتَكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَيْ رَبِّ،
أَلَمْ تَسْبِقْ رَحْمَتُكَ غَضَبَكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ تُبْتُ
وَأَصْلَحْتُ أَرَاجِعِي أَنْتَ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى".
أخرجه الطبري في «تفسيره» (1/580)، والآجري في «الشريعة» (755، 910)،
والحاكم (2/545)، وابن عساكر (7/433).
الأصل في العلاقة بين التابع والمتبوع الرحمة:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
الأصل في العلاقة بين الناس كلهم العدل والرحمة:
"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
قال بعض الشراح:
المراد هنا الأخوة العامة، التِي هي أخوة النسب البعيد العالي،
ويدخل في ذلك الكفار، لأنهم إخوة في النسب من جهة أن أبا الجميع هو آدم،
ثم نوح، ثم إبراهيم.
قال ابن العماد: الأولى أن يُحمل على عموم الأخوة
حتى يشمل الكافر، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من الإسلام.
وفي «منار القاري»: وقد كان صلى اللِه عليه وسلم
يدعو لكفار قريش بالخير، ويحبه لهم، ويقول:
"اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ".
ومما يؤكِّد أن المراد محبة الخير للناس جميعًا
لا فرق بين مسلم وكافر قوله صلى اللِه عليه وسلم:
"أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ،
وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ".
أخرجه أحمد (32).
ولكن هذا إذا لم يكن في الخير الذي يصيبهم مضرة للمسلمين،
وإلا دخل ذلك في موالاة أعداء الله..
فيكون المقصود بالأخوة ما هو أعم من أخوة الإسلام،
ويكون المقصود من ذلك أن يحب لأخيه
في النسب العالي البعيد الهداية والاستقامة،
وقد جاء في القرآن إطلاق الأخوة على هذا المعنى:
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُون}،
فإن هذه أخوة نسب وليست إخوة إيمان،
وكذلك جاء في حق رسل اللِه عز وجل مثل هود وصالح وشعيب.
وفي رسالة ابن تيمية «قاعدة في المحبة»
يقول: «أصل كل فعل وحركة في العالم
من الحب والإرادة فهو أصل كل فعل ومبدؤه».
هل الأصل في العلاقة بين الناس الحرب أم السِّلْم؟
قصة آدم وتسليم الملائكة دليل على أن السلام
هو التحية المشروعة بين الناس، والسلام الكامل:
(السلام عليكم ورحمة اللِه وبركاته)،
وهو مبذول لكل أحد بدءًا وردًّا،
ومثله البر والإقساط والإحسان لمَن لم يتورط في حرب أو عدوان.
(انظر كتابي: «أسئلة العنف»).
من رحمِة الِله بك أن يجعلك سببًا ووسيلة
لوصول رحمته وفضله إلى الآخرين المحرومين العاجزين.
وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ
لا تَنْسَ قوتَ الحمام
وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس مَنْ يطلبون السلام
وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ
مَنْ يرضَعُون الغمام
وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ
ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزًا للمنام
وأنت تحرِّر نفسك بالاستعارات، فكِّر بغيركَ
مَنْ فقدوا حقَّهم في الكلام
وأنت تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّر بنفسك
قُلْ: ليتني شمعة في الظلام
حين خلق الَلِه آدم وحواء جعل في قلوبهما ينابيع الحب
التي تزيد كلما نُزِفَت، كلما تدربنا
على بذل الرحمة أحسسنا في أنفسنا بالمزيد منها.



رد مع اقتباس