عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 18 Oct 2008, 11:46 PM
عضو متميز

متأمل غير متصل

تاريخ التسجيل : Oct 2008
رقم العضوية : 11616
الإقامة : saudi arabia
الهواية : القراءة
المشاركات : 3,674
معدل التقييم : 1079
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
ضرب الله مثلا كلمة طيبة



قال تعالى : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون }في هذا المثل العظيم الذي ضربه الله تعالى لعباده تنبيهات إلهية إلى أمور هامة يجب على المؤمن أن يتنبه لها ، ويرعاها حقَّها ، ليكمل له الإيمان ، ويحفظه من النقصان .
الأمر الأول : أن الشجرة لا تبقى فيها حياة النمو إلا بمادة تسقيها وتنميها ، فإذا انقطع عنها السقي جفَّت ويبست ، وهكذا شجرة الإيمان في القلب : إن لم يتعاهدها صاحبها بالسقيا ، أوشك أن تيبس ، وإذا تمكن فيها اليبس طويلا ماتت والعياذ بالله تعالى .
فالماء الذي يُسْقَى به شجر الأرض ليحيا وينمو هو ماء المطر والنهر والينابيع ، فيه غيثه وقوته ونموه ، وأما الغيث الذي يحيي الله تعالى به شجرة الإيمان في القلب وينميها ويقوِّيها فهو ماء الوحي الإلهي ، النازل من عند الله تعالى على سيدنا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، الوحي القرآني ، الوحي النبوي : كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
والدليل على ذلك قول الله تعالى : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حِلية أو متعٍ زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال } .
الأمر الثاني : الذي يشير إليه ضرب مثل الكلمة الطيبة في القلب كمثل الشجرة في الأرض ، هو أن الزروع والأشجار قد يجتمع حولها عُشب فيه دغل ونبات غريب عنها ، ليس من جنسها ، فإن تعاهدها صاحبُها وقلع النباتات الغريبة ، والحشائش الضارة ، وأبعدها عنها ، قويت الشجرة وتم نباتها ، واستوت على سوقها ، وكان ذلك أوفر لثمرتها وطيبها ، وإن ترك الحشائش والنباتات الضارة أوشك أن تتغلب على الشجرة فتحيط بها ، وتتشبَّكَ بأغصانها فتُضعفَ من نموها ، وتفسد ثمراتها ، وتلحق بها أضرارا كبيرة ، وذلك نتيجة إهمال صاحبها . وكذلك شجرة الإيمان في القلب إذا لم يتعدها صاحبها فيحافظ عليها من الأهواء الضالة ، والشهوات الضارة ، فإن شجرة الإيمان تضعف وتنقص ثمراتها ، وربما يبست على تمادي الزمان .
وقد نبَّه الله تعالى عباده إلى خطر هذين الداءين : داءِ الأهواء الضالة التي تنشأ عن الشبهات الباطلة ، وداءِ الشهوات الضارة المجاوزة حدودَ الشريعة ، فقال تعالى : { كالذين من قبلكم كانوا أشدَّ منكم قوَّة وأكثر أمولا وأولداً فاستمتعوا بخلقهم فاستمتعتم بخلقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعملهم في الدنيا والأخرة وأولئك هم الخاسرون } .ففي هذا تحذير لهذه الأمة مما هلكت فيه الأمم السابقة : الشهوات المفرطة الضارة التي استمتعوا بها ، ومخاضات الشبهات التي خاضوها .
الأمر الثالث : هو الذي يشير إليه قوله تعالى : { أصلها ثابت وفرعها في السماء } ففي هذا تنبيه إلى أن فروع شجرة الإيمان في القلب وثمراتها هي على حسب ثبوت أصلها في أرض القلب ، ورسوخها وتمكنها فيه . فعلى المؤمن أن يتعهد شجرة الإيمان فيما يمكنها ويقوِّيها دائما ، وذلك بالمواظبة على أوامر الله تعالى ، والبعد عما نهى عنه ، والإكثار من ذكره سبحانه . روى الإمام أحمد بإسناد حسن ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " جدِّدوا إيمانكم " قيل : يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا ؟فقال - صلى الله عليه وسلم - : " أكثِروا من قول : لا إله إلا الله " .
الأمر الرابع : وهو الذي يشير إليه قوله تعالى : { تؤتي أكلها كلَّ حين بإذن ربها }
وهذا فيه البشارة والنذارة .
فيه البشارة لمن كَثُرت أقواله الطيبة وأعماله الصالحة ، وتوالت مستمرة ، يؤدي كل وقت حقَّه الذي يطالبه به شرع الله تعالى في الليل والنهار ، فكلامه الطيب يصعد إلى الله تعالى ، وأعماله الصالحة تُرفع إلى الله تعالى دائما ، وبذلك يذكر في الملأ الأعلى ، ويثني الله تعالى عليه ، ويُباهي به الملائكة الكرام ، وينال الرضوان من الرحمن ، وتسجل تلك الكلمات الطيبة والأعمال الصالحة في كتاب الأبرار ، قال الله تعالى : { كلّا إن كتب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتب مرقوم * يشهده المقربون } فالهناءة والبشارة العظمى والفرحة الكبرى لمن فاز بذلك .
والنِّذارة والخيبة لمن ضعُفَت شجرة إيمانه ، فضعفت ثمراتها ، فليس له من الكلم الطيب والعمل الصالح إلا النزر القليل ؛ لأنه آثر الدنيا على الآخرة ، وشغل عقله ومداركه في الإكثار من أموال الدنيا والمكاثرة بها ، وأغفل جانب الدين والآخرة ، ولم يُقَدِّم لتلك الحياة الأبدية ما يُسعِده فيها من أقوال طيبة وأعمال صالحة ، قال الله تعالى : { كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحضون على طعام المسكين * وتأكلون التراث أكلا لمّا * وتحبون المال حبّا جمّا * كلا إذا دُكت الأرض دكّا دكّا * وجاء ربك والملك صفّا صفّا * وجايءَ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسن وأنّى له الذكرى * يقول ياليتني قدَّمت لحياتي } الآيات الكريمة .
فاعتبر أيها العاقل ، وأعِدَّ العُدَّة ، وتزود لدار البقاء ، قال تعالى : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يأولي الألبب }
اللهم اجعلنا منهم .


رد مع اقتباس