عرض مشاركة واحدة
قديم 12 Nov 2005, 06:59 PM [ 10 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






مثل القرد والنجار


قالَ كَليلَةُ: زَعَموا أنَّ قِردًا رأي نَجَّارًا يَشُقُّ خَشَبَةً وهو راكِبٌ عليها، وكلَّما شَقَّ منها ذِراعًا أدخَلَ فيها وَتِدًا، فَوَقَفَ يَنظُرُ إليه وقد أعجَبَهُ ذلك. ثم إنَّ النَّجَّارَ ذَهَبَ لبعضِ شأنِهِ فَقامَ القِرْدُ وتَكَلَّفَ ما ليسَ من شأنِهِ فَرَكِبَ الخَشَبَةَ وجَعَلَ وجهَهُ قِبَلَ الوَتِدِ وظَهرَهُ قِبَلَ طَرَفِ الخشَبةِ فَتَدَلَّي ذَنَبُهُ في الشَّقِّ ونَزَعَ الوَتِدَ فلزِمَ الشَّقُّ عليه فكادَ يُغشي عليه مِنَ الألَمِ. ثم إنَّ النَّجَّارَ وافاهُ فأصابَهُ علي تلك الحالَةِ فأقبَلَ عليه يَضرِبُهُ. فكانَ ما لَقِيَ مِنَ النَّجَّارِ مِنَ الضَّربِ أشَدَّ ممَّا أصابَهُ مِنَ الخشَبةِ.

قالَ دِمنَةُ: قد سَمِعتُ ما ذَكَرتَ. وليسَ كلُّ مَنْ يـَدنو مِنَ الملوكِ يَقدِرُ علي صُحبَتِهِمْ ويَفوزُ بقُربِهِمْ. ولكن اعلَمْ أنَّ كلَّ مَنْ يَدنو منهم ليسَ يَدنو منهم لبطنِهِ، فإنَّ البطنَ يُحشي بكلِّ شيءٍ، وإنَّما يَدنو منهم ليَسُرَّ الصَّديقَ ويَكبِتَ العَدُوَّ. وإنَّ مِنَ الناسِ مَن لا مُروءةَ له وهُمُ الذينَ يَفرَحونَ بالقليلِ ويَرضَونَ بالدُّونِ كالكَلبِ الذي يُصيبُ عَظمًا يابِسًا فَيَفرَحُ به. وأمَّا أهلُ الفَضلِ والمُروءةِ فلا يُقنِعُهُمْ القليلُ ولا يَرضَونَ به دونَ أن تَسمُوَ بهم نُفوسُهُمْ إلي ما هم أهلٌ له وهو أيضًا لهم أهلٌ. كالأسَدِ الذي يَفتَرِسُ الأرنَبَ فإذا رأي البعيرَ تَرَكَها وطَلَبَ البَعيرَ. ألا تري أنَّ الكلبَ يُبَصبِصُ بذنبِهِ حتي تَرمِيَ له الكِسرَةَ مِنَ الخُبزِ فَيَفرَحُ بها وتُقنِعُهُ منك، وأنَّ الفيلَ المُعتَرَفَ بفضلِهِ وقُوَّتِهِ إذا قُدِّمَ إليه عَلَفُهُ لا يَعتَلِفُهُ حتي يُمسَحَ وجهُهُ ويَتَمَلَّقَ له? فَمَنْ عاشَ ذا مالٍ وكانَ ذا فَضلٍ وإفضالٍ علي نفسِهِ وأهلِهِ وإخوانِهِ غيرَ خامِلِ المنزلَةِ فهو وإن قَلَّ عُمرُهُ طويلُ العمرِ. ومَن كانَ في عَيشِهِ ضيقٌ وقِلَّةٌ وإمساكٌ علي نفسِهِ وذَويهِ وكانَ خامِلَ المنزلَةِ فالمَقبورُ أحيا منه. ومَن عَمِلَ لبطنِهِ وشهواتِهِ وقَنِعَ وتَرَكَ ما سِوي ذلك عُدَّ مِنَ البَهائِمِ

ثم إنَّ دِمنَةَ انطلَقَ حتي دَخَلَ علي الأسَدِ فَعَفَّرَ وجهَهُ بين يديهِ وسلَّمَ عليه. فقالَ الأسَدُ لبعضِ جُلَسائِهِ: مَن هذا? فقالَ: هذا دِمنَةُ بنُ سَليطٍ. قالَ: قد كنتُ أعرِفُ أباهُ. ثم سألَهُ: أين تكونُ? قالَ: لم أزَلْ ببابِ الملِكِ مُرابِطًا داعيًا له بالنَّصرِ ودَوامِ البقاءِ، رَجاءَ أن يَحضُرَ أمرٌ فأُعينَ الملِكَ فيه بنفسي ورأيي. فإنَّ أبوابَ الملوكِ تكثُرُ فيها الأمورُ التي ربما يُحتاجُ فيها إلي الذي لا يُؤْبَهُ له. وليسَ أحدٌ يَصغُرُ أمرُهُ إلاّ وقد يكونُ بعضُ الغَناءِ والمَنافِعِ علي قَدَرِهِ، حتي العُودُ المُلقي في الأرضِ ربما نَفَعَ فيأخُذُهُ الرَّجلُ فَيَحُكُّ به أذُنَهُ فيكونُ عُدَّتَهُ عند الحاجَةِ إليه

فلمَّا سَمِعَ الأسَدُ قَولَ دِمنَةَ أعجَبَهُ وطَمِعَ أن يكونَ عندَهُ نصيحةٌ ورأيٌ. فأقبَلَ علي مَن حَضَرَ فقالَ: إنَّ الرجلَ ذا النُّبلِ والمُروءَةِ يكونُ خامِلَ الذِّكرِ مُنخَفِضَ المنزلَةِ فتأبي منزلَتُهُ إلاَّ أن تَشُبَّ وترتَفِعَ كالشُّعلَةِ مِنَ النَّارِ يَضرِبُها.

ثم إنَّ دِمنَةَ استأنَسَ بالأسَدِ وخَلا به فقالَ له يومًا: رأيتُ الملِكَ قد أقامَ في مكانٍ واحدٍ لا يَبرَحُ منه خِلافًا لمألوفِهِ وهو، أعظَمَهُ اللهُ، منيعُ الجانِبِ نافِذُ الأمرِ آمِنُ السَّاحَةِ. فرأيتُ أن أتَطاوَلَ عليه بالاستفهامِ علي وجهِ النَّصيحَةِ، فإنَّ الأمورَ الخَفِيَّةَ لا يُظهِرُها إلاَّ البحثُ عنها، فإذا أُظهِرَتْ أُجِيلَتِ الفِكرَةُ فيها.

فبينما هما في هذا الحديثِ إذ خَارَ شَتْرَبَةُ خُوارًا شديدًا فَهَيَّجَ الأسَدَ وكَرِهَ أن يُخبِرَ دِمنَةَ بما نالَهُ. وعَلِمَ دِمنَةُ أنَّ ذلك الصَّوتَ قد أدخَلَ علي الأسَدِ رِيبَةً وهَيبَةً، فسألَهُ: هل رابَ الملِكَ سمَاعُ هذا الصَّوتِ? قالَ: لم يَرِبني شيءٌ سوي ذلك وهو الذي حَبَسَني هذه المُدَّةَ في مكاني. وقد صَحَّ عندي من طريقِ القِياسِ أنَّ جُثَّةَ صاحِبِ هذا الصَّوتِ المُنكَرِ الذي لم أسمَعهُ قَطُّ عظيمَةٌ لأنَّ صوتَهُ تابعٌ لبدنِهِ. فإن يكن كذلك فليسَ لنا معه قرارٌ ولا مُقامٌ. قالَ دِمنَةُ: ليسَ الملِكَ بحقيقٍ أن يَدَعَ مكانَهُ لأجلِ صوتٍ. فقد قالتِ العلماءُ: ليسَ من كلِّ الأصواتِ تَجِبُ الهَيبَةُ. قالَ الأسَدُ: وما مَثَلُ ذلك




توقيع : sanaa


...je ne veux ni cadeau ..ni fleur..ni promesse
seulement
!!... le don de ton coeur
sanaa

الأعلى رد مع اقتباس