عرض مشاركة واحدة
قديم 29 Oct 2005, 02:20 AM [ 11 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل




مقالات ...

الذات المأزومة والمرجعيات المنفتحة على العصر

احمد عبد الزهرة
(العراق)


هو علامة فارقة في الثقافة العربية والعراقية والعالمية , لايختلف اثنان في ثقافة السياب وإمكانيته الأدبية وتطرق السياب لأنواع متعددة من أبواب الأدب كالمقال الأدبي او طرح الآراء النقدية المتعددة يأتي من عالم ثقافي شاسع يمتلكه السياب . وعل نجاح العمل الشعري لدي الجيكوري القادم من جنوب حزين ينبعث من تفهم عميق لحقيقة التأريخ العربي المليء بالتناقضات فهو ابن بيئة مثخنة بالجراح والألم
لذلك كان النص قطعة مكتوبة بالدماء وتارة منحوت بدموع المسحوقين .
يقول الشاعر في المسيح بعـد الصـلب:

ها أنا الآن عريان في قبري المظلم
كنت بالأمس ألتف كالطفل ، البرعم
تحت أكفاني الثلج ، يخضل زهر الدم
كنت كالظل بين الدجى و النهار

ثم فجرت نفسي كنوزا فعريتها كالثمار حين فصلت جيبي قماطا وكمي دثار
حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار
حين عريت جرحي ، وضمدت جرحا سواه
حطم السور بيني و بين الإله

هناك الكفن يرافق الانسان وقبر وعراء براعم صورة للحياة المطمورة وأمس تحتشد فيه الأوجاع والظنون هل كان الشاعر وحيدا هل كان تعلقنا بهذا الرجل نابع من طرحه الجزيل لإرهاصات أمة ,أم هو تمسك بالحالة المطروحة لوحدتها وسط هذا الكم الهائل من المنتوج الشعري .فهو يكاد يتفرد بأخذ المنتوج التأريخي ليحوله الي مفردة حاضرة تحاكي المتلقي علي انه شاهد وله الحق في الحضور علي الرغم من وجود شعراء من مختلف الأجيال كانت لهم أيضا جولات في أوراق التاريخ الأدبي والصورة التي تناولها بدر لم تكن عارية وخالية من المضمون كما هو حال بعض شعراء هذه الأيام الذين اخذوا أسماء ليحضروا في النص كنوع من الإعلان المبطن لهم لا أكثر والقصد منه إبراز هويتهم من خلال التوكأ الي التأريخ من باب إنقاذ نصوصهم .
قال عبدالرحمن منيف في الرواية العربية قد تتوفر لها كنوز تراثية وأشكال حياتية متنوعة تحتاج لعين مثابر وواع وصادق حين تفحصت مقولة منيف وجدت السياب تنطبق عليه الشروط كاملة فقد فتح شاعرنا الكنوز ليس لكتابة رواية او قصيدة بل ترجم الموجودات الي مفاهيم ظلت خالدة في وجداننا والدليل خلود العمل السيابي .
الشاعر يخرج من جسده ليصطحب أوجاعه , وهذا الخروج لم يأت من صراع داخلي وعقد يكون الشاعر مصابا بها ولكنه خروج المهزوم من قبل مايعرفه هو أمام الواقع المحمل بأنواع الغرائبيات أنا أري الحق في من يهاجم الشاعر بأنه ازدواجي الانتماء ومتذبذب ومزاجي النزعة ولكن هل له الحق بأن يهاجم المنتوج الفكري الذي صدره أبو غيلان في سفر شعري قادم من بيئة أقل مايقال عنها انها متناقضة وغير منسجمة بيئة وليدة خيانات كبري والخوض في هذا الموضوع يخرجني من حقيقة كتابة هذه الدراسة البسيطة .
غيب الشاعر في بعض أعماله الأدبية غير الشعرية مثل القصص القصيرة التي كتبها يوم كان مترجما في مجلة الاسبوع وهذا التغيب هو نتيجة لتخصص الأقلام التي عنيت بشعره لا بإبداعاته الأخرى لان السياب كان ومازال كهفا شعريا لايمكن اختراقه الا من بعض القصائد لكن الأخرى ظلت حبيسة البحث
لأن الباحث أحيانا يبحث عن مادة جاهزة لاتسلبه الوقت والتأخير عن النشر وعلي طريقة الأكلة السريعة ينجز الكتابة لأنها مهنة لاتختلف عن باقي الوظائف العضلية !
تناول السياب في نصوصه الكبيرة مثل المومس العمياء مسألة الحرمان والشقاء الإنساني علي أجمل مايكون علي هذه القصيدة دخلت مختبرات كثيرة وتم تشريحها كأي كائن لايقبل أن يموت ,
يقو الشاعر في قصيدة المومس العمياء :

من أي غاب جاء هذا الليل؟
من أي عش في المقابر دفن أسفع كالغراب؟
قابيل أَخْفِ دم الجريمة بالأزهار والشفوف
وبما تشاء من العطور وابتسامات النساء
ومن المتاجر وهي كالخفاش في وضح النهار
هي المدينة والليل زاد عماها...

الشاعر يتنقل مابين حادثتين الأولى قريبة من يوم قلمه وأخرى بعيدة عنه بقرون , يأخذ العبرة من الحدث القرآني ليطبقه علي حادثة قتل لم تكن فيها دماء ولا قاتل واحد لان الشاعر يضعك في حسابات قد يكون هو من ضمن المشاركين في عملية القتل وهذا الجمال في نزعة الشاعر وفي صراعه مع مايري وما يجب وهذا نزاع فلسفي قد نخرج منه بدماء دون أن نري عملية الذبح ودموع دون بكاء حقيقي.
قد أكون ممن هاجم الذين اخذوا بعض أعمال السياب المعروفة وأنا أخذت المومس العمياء وذلك لان موضوعة الدراسة تتناول الوجع في ثقافة السياب ,
نري هذا التوغل في عالم القران يسحبنا بهدوء لوقائع أول جريمة مرتبة وهي قد تكون مؤثرة لمطابقتها مع وجع منفرد لشخص يعاني من تراكم الخيبات والإرهاصات مثل بطلة السياب حين نسبر أغوار القصيدة ونجد ان الأبيات مكثفة جدا علي الرغم من كون القصيدة من القصائد الطوال . وهذا احد أسباب تفوق الشاعر وخلود اسمه في خريطة الشعر . أحيانا أتساءل كيف يتأتي علي النص أن يطرح اسم الشاعر بين ملايين النصوص التي تخترق حياتنا في هذه الأيام ولمجرد أن أقرأ شيئا للسياب أقتنع بأن الإبداع يفرض نفسه لا الاسم وها أنا أري سقوط الكبار الواحد بعد الآخر بعد نفاد الذخيرة وتراكم الكبر ونزوح الغرور في وقت متأخر .
الشاعر يهجر المكان ويبحث في الزمان وهي رحلة قد تكون موفقه لإمكانية فذة يمتلكها هو تخترق الحواجز لتكون مفهوما شعريا جديدا إضافة لتأثر السياب بأسماء كبيرة غير عربيه مثل اليوت خلق لتجربته الفريدة نوعا من ((انتي بايتك)) او المضاد ضد تعاقب السنين التي جعلت الكثير من النصوص عبارة عن ارث لايستفاد من وجوده او عدمه . الشاعر يملك نفسه وروحه لذا هو حر في ما يطرح وفي ما يحس لكن توظيف هذه الملكية الشخصية يجب ان تكون خاضعة لمقياس ذوقي واعي فالحرية عند الواعي غير تلك التي يمتلكها غيره فلذلك الروعة في مايمتلكه السياب انه أعطي كتاباته روحه ونفسه وحريته إضافة الي ذلك الموروث العربي المليء بالجمال والإبداعات .
السياب الذي يشترك مع امرئ القيس في عامل قصر العمر وكان ظاهرة العصر الجاهلي وهو ظاهرة الشعر العربي والعراقي الحديث كما يشترك مع اليوت الانجلوامريكي بكونه رومانسيا يذكر الأم الليل ووحشة الوجع الانفرادي الذي يمثل الأمة أحيانا وان اختلف السياب عن اليوت الذي يؤمن بتلقي الشعر كون الشعر نخبويا ولا يمكن ان يكون جماهيريا وأنا لم أقرا تصريحا للسياب او ناقدا يتناول هذا الموضوع ولكن قراءتي للشاعر أثبتت بأنه لايكتب للنخبة مثل اليوت او حتى بعض الشعراء العرب مثل ادونيس بل كان جماهيريا تنضوي معها النخبة وغيرها من الرتب الموضوعة بقياسات لاتنتمي للحداثة ولا للقدم فالشعر يرتبط بالناس ويأتي من مشهد أنساني ويطرح لمن يبحث عنه والباحث قد يكون مزارعا او مثقفا ولايكون الشعر عرابا يبحث عما يريد او عن المثقف .
نعم انه الشاعر الانسان الذي تخلي عنه الجميع وقت نزوح المرض والألم وليس أجمل من ان اذكر أوجاعه الأخيرة لزوجته (( إقبال )) حين أدرك بأنه يغادر وحيدا دون من كانوا حوله. إقبال مدي لي يديك من الدجى ومن الفلاة
جسي جراحي وامسحيها بالمحبة والحنان
بك أفكر لا بنفسي: مات حبك في ضحاه وطوي الزمان بساط عرسك والصبا في عنفوان
ويكفيني ان أشير كخاتمة لهذا الصرح الآدمي بمقولته الرائعة في الشعر الحر الذي أنقذ الشعر العربي من الاضمحلال.
إن الشعر الحر أكثر من اختلاف عدد التفعيلات المتشابهة بين بيت شعر وآخر، إنه بناء فني جديد واتجاه جاء ليسحق الميوعة الرومانسية وأدب الأبراج العاجية وجمود الكلاسيكية. 1954

الزمان- يناير 2005


توقيع : sanaa


...je ne veux ni cadeau ..ni fleur..ni promesse
seulement
!!... le don de ton coeur
sanaa

الأعلى رد مع اقتباس