الموضوع: مقال على الرف
عرض مشاركة واحدة
قديم 22 May 2018, 03:22 AM [ 46 ]
عضو متميز


تاريخ التسجيل : Oct 2017
رقم العضوية : 76226
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 1
الردود : 219
مجموع المشاركات : 220
معدل التقييم : 66ريحـان will become famous soon enough

ريحـان غير متصل


رد: مقال على الرف


تموت وماعندك خبر مايصير !
جعفر عباس - 2014

هذه واقعة نشرتها صحيفة الشرق القطرية قبل حين من الزمان، تتعلق بالمواطن القطري ج.م. الذي ارتكب تقصيرا كبيرا في حق نفسه عندما توفي وهو لا يدري أنه توفي .. وجلّ من لا يسهو!!

لا تتهموني بالخرف والجنون، واسمعوا الحكاية من البداية: ذهب ج.م. الى دائرة حكومية لقضاء أمر ما، ولكن الموظف المسؤول نظر إليه مرعوبا ثم متشككا في نواياه، ثم هدده بأنه سيستدعي الشرطة ما لم يفرنقع وينصرف، ولكن ج.م. ركب رأسه وقال للموظف ان من حقه كمواطن ان يعامل بشكل لائق وإنه لن ينصرف قبل ان يكمل المهمة التي جاء من أجلها.

هنا علت وجه الموظف ابتسامة ساخرة وقال للرجل ما معناه “حرام عليك استغلال الموتى”.. وكلمة من هنا وأخرى من هناك، وفهم ج. م أن لدى الموظف مستندات تثبت أنه (أي جيم .ميم) ميت منذ سبعة أشهر.

طبعا وضع (ج م) يديه على رأسه وحزن لأنه آخر من يعلم بأمر وفاته، وقال للموظف: مو عيب عليكم أنا أموت وما تعطوني خبر؟ حتى أهلي وقعوا في اللوم لأنهم لم يتقبلوا العزاء فيني!!

وين أودي ويهي (وجهي) من أصحابي لما يعرفون إني مت وما خبَّرتهم؟ وطفق ج. م يلمس وجهه ويقرص نفسه في الخد والفخذ ليتأكد أولا من أنه غير نائم، وثانيا من أنه حي! ولما اطمأن الى انه حي 100% أدرك لماذا ظل يفشل في سحب نقود من جهاز الصرف الآلي.. ولماذا لم يتمكن من بيع أسهمه محققا أرباحا طيبة عندما ارتفع سعرها.

وما حدث هو ان شخصا ما توفي في ذات يوم، ولكن الموظف المسؤول عن استخراج شهادات الوفاة أدخل اسم ج.م. ورقم بطاقته في سجل الموتى، وتم إبلاغ كافة الجهات المعنية بما في ذلك المصارف وهيئة شؤون القاصرين بوفاته.

وهكذا تم الحجر على جميع أمواله السائلة والمنقولة وممتلكاته حفاظا على حقوق الورثة.. وهكذا ظل ج م متوفيا من الناحية الرسمية، وهو “ما عنده خبر” وإلا لقام ب”الواجب” تجاه نفسه.. ورغم الصدمة بتلقي خبر وفاته الرسمية، إلا أنه حمد الله ان أهله لم يأخذوا علما بذلك وإلا لأصيبوا بصدمات وربما جلطات ونوبات قلبية… وعمرك طويل ان شاء الله يا جيم ميم.

وبعد معارك بطولية نجح الرجل في “إلغاء” أمر وفاته والحصول على شهادة بأنه حي يرزق، ولكنه الرجل ظل يعاني كلما ذهب الى جهة ما لقضاء مهمة تستوجب إبراز المستندات الرسمية.. يذهب الى البورصة لبيع وشراء الأسهم ومعه شهادة الوفاة المنسوخة وشهادة الحياة السارية، ولكنهم يقولون له: الكمبيوتر يقول إنك متوفى.. الله يرحمك ويحسن إليك ويلهم أهلك الصبر الجميل.. فيصيح ج.م: يا رب ألهمني الصبر الجميل منشان ما أخنق واحد من الجماعة ويموت صج (فعلا) على إيدي.. الجماعة موتوني “غصب” وأنا أقف قدامهم بشحمي ولحمي، وبعد يقولون لي انت ميت.. وما زال صاحبنا ميتا في نظر العديد من الجهات الرسمية! وهكذا يا أعزائي تكون البيروقراطية قد أثبتت أنها بالفعل “قاتلة” فاحذر التعامل معها كي لا “تقصف” عمرك.

بعد ان تركت التدريس وزارة التربية ظل راتبي يذهب الى البنك لعدة أشهر، وأمضيت عدة أيام وأنا أفتش في غرفة نتنة عن ملف خدمتي، وذات صباح دخلت على جماعة الأرشيف، ووجدت أمامهم صحن فول، وانتبهت الى أنهم يستخدمون ملفات قديمة ك “طاولة أكل” ولما استنكرت ذلك قالوا إنها ملفات معلمين متوفين، وبعد الفراغ من الأكل جلست أقلب الملفات ووجدت من بينها شخصيات ذات بصمات معروفة في تاريخ السودان، ثم كانت المفاجأة أنني كنت أحد الموتى من قدامى المعلمين.

ملف خدمتي كان مربوطا ضمن رزمة ملفات المتوفين .. يعني حسب وزارة التربية السودانية فإن كاتب هذه السطور قام من الموت و”ويحوم حولكم” ويا ويلكم.

اللذيذ في الموضوع أن راتبي ظل يورد في البنك حتى صارت المبالغ الموردة تعادل عشرة أضعاف مكافأة نهاية الخدمة التي كنت أستحقها.. ولو طالبتني الحكومة السودانية بهذا المبلغ (ومن حقها أن تفعل ذلك) فرقبتي سدادة لأن “المبالغ التي دخلت حسابي البنكي تساوي اليوم أقل من ربع ريال قطري.


توقيع : ريحـان

الكلام من فضة لكن الصمت فظيع نعيش ونموت بأسنان مطبقة ، الأشياء التي يجب أن تقال لاتقال أبداً *
الأعلى رد مع اقتباس