الموضوع: بنت الجبل ..
عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 16 Jul 2008, 03:31 PM
عضوة متميزة

السارية غير متصل

تاريخ التسجيل : Feb 2007
رقم العضوية : 2277
الإقامة : saudi arabia
الهواية :
المشاركات : 4,592
معدل التقييم : 39
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
بنت الجبل ..



ياهلا وغلا ..
جبتلكم رواية
خطيرة خطيرة

وهي رواية (بنت الجبل ) ؟؟

أكيــــــــــــــــــــــــــــــــــــد تبون تعرفونها ..هـــــــــــــــــــــي
هي العمل الروائي الأول للأستاذ صلاح القرشي، القاص الذي عرفناه كاتباً جميلاً للقصة القصيرة عبر مجموعته: ثرثرة فوق الليل، المجموعة التي كتبتُ عنها سابقاً، بل وكانت لي مشاركة حولها مساء نقاشها في نادي الرياض الأدبي مع الزملاء في جماعة السرد. لكنني اليوم بصدد الكتابة عن روايته الأولى، وهي بحق رواية المكان: مكة، الحارة، الحرم. وأيضاً: المملكة، العالم الإسلامي، والعالم كله.
فـعنوان الرواية: (بنت الجبل) هو اسم الحارة كما اسماها حسن بطل القصة والشخصية التي تدور حولها الأحداث، وبقية شخصيات الرواية الرئيسيين هم: شيخة، نرجس، سلوى، هشام، طارق، عبد الله ينتمون إلى هذه الحارة، وكما هو المتوقع من رواية فإن خلق علاقات بين هذه الشخصيات، والبحث عن تفاصيل حياتها، ودقائق ما ساهم في خلق هذه الحياة، ووصف المكان والزمان هو ميدان العمل الأكبر.
تبدأ الرواية مع حسن الخارج من السجن توًا بعد قضاء محكوميته بسبب مشاركته مع الجناة في فتنة الحرم المكي الشريف عام 1400 هـ، ويحكي لنا حسن بعضاً من حكايته في ثلاثة فصول من هذا العمل: في الحارة، نلمح حسن الفقير اليتيم في بيت سوي العلاقة بين الأب والأم، مع أخته شيخة، وأخيهما الصغير هشام. ثم يعود حسن للحديث في منتصف الرواية ونجده هنا في الحرم المكي يحمل النعوش المحملة بالسلاح بداية، ثم يحاول الهرب فالاستسلام أخيراً. ثم يختم حكايته عبر الفصل الأخير حين نشاهده مرة أخرى وحيداً إلا من سيجارته في غرفة مظلمة في بيتهم القديم بالحارة. يعرف الناس ولا يعرفونه، ويتأمل الإنس وينشغل بالجن.
وحسن مثال على ابن الحارة الحالم بدور مختلف في هذه الحياة..
هو ليس بالضرورة دور البطل، لكنه الإنسان حين يقبل بدور المشارك في صنع الأحداث وإن عبر إسناده لبطل متخيل أو مطلوب، أو كما قال هو جواباً على سؤال راوده دوماً:
لماذا اشتركت معهم (أي مع المشاركين في فتنة الحرم)؟! (إجابة واحدة كانت تقترب من إرضائي، لكنها لا تصل إليه، الرغبة في التغيير، البحث عن شيء مختلف ومثير، البحث عن بطولة، في البداية أخبرونا أننا سنتدرب على السلاح، وشغفتني فكرة التدريب..).
أما أخته شيخة فهي المرأة في غالب أحوالها في هذه الحارات القابعة على أطراف المدن الكبرى، المرأة (أو الحرمة) حين تبدأ حياتها وهي في ولاية أب، ثم ولاية زوج، ثم تختمها وهي في ولاية أبناء أو أخوة. تبدأ وظيفتها في الحياة وتنتهي في هذا الإطار، وإن اختلفت الأساليب في الوصول إلى هذه النتيجة بين شخصية نسائية وأخرى: سلوي المجيدي، ونرجس اليمنية. المرأة التي يدور محور حياتها حول رجل لتنتقل منه إلى آخر عبر سلسلة من العلاقات والصفقات التي تضج بفحولة الرجل وضعف المرأة حتى وهي تقرر أن تخلع زوجاً كما فعلت سلوى المجيدي مع زوجها الأول حين سلمته مجوهراتها مقررة أن الورقة (ورقة الطلاق) تساوي أكثر، أما الزوج الثاني فقد تركته لأنه كان مبتلى بالشك (وسواس قهري) ولعله كما حدثتها إحدى صديقاتها ذنب حسن، الذي أحبها وبادلها رسائل المراهقة ولم تتزوجه، لأنها لم ترد أن تكون (بنت فقر) لتتزوج من هذا اليتيم الحالم الذي لا يحسن سوى رصف كلمات الغرام عبر رسائل متبادلة تعبر عن مرحلةٍ وأحلام بعيدة المنال.
أما الشخصيات الرجالية في الرواية فقد قبع بعضها في المثالية المطلقة كما هو حال طارق الذي سيتزوج ابنة خالته، ويذهب للدراسة إلى أمريكا ضمن تخصص علمي، وهي مقابلة واضحة بينه وبين صديقه الأخ الأصغر لحسن، هشام الذي سيندمج لاحقاً في الجماعات الدينية ويتوجه إلى بشاور بنية الجهاد في أفغانستان وإن ضحك عليه أخوه حسن من سجنه، محذراً أمهما:
انتبهي للولد لا يضحكوا عليه كما ضحكوا علي. وعلينا أن نفهم من سياق الرواية من هم أولئك الذين ضحكوا على الأخوين. وتبقى شخصية عبد الله الذي أحب ودافع عنه حبه لولا أن خذله صدام حسين حين غزا الكويت، فقرر والد نرجس العودة إلى اليمن فيمن عاد بعد أن تقرر أن يشمل نظام الكفالة السعودي اليمنيون أيضاً بعد تلك الغزوة التي عصفت بالقومية العربية ونثرتها في كل اتجاه.
عمد الروائي إلى كتابة شهادات شخصياته الكبرى في فصول، وبقراءة هذه الشهادات المشغولة بالحركة والحياة تتضح للقارئ تفاصيل العلاقات بين هؤلاء الأبطال، الإخوة والأصدقاء، الأزواج والصديقات، المراهقون والنساء البالغات، ثم علاقة كل بطل بمحيطه الخاص، ثم علاقة شملت الجميع هي علاقة كل منهم بالحارة: بنت الجبل. وكل شهادة تقدم لنا أنموذجاً إنسانياً مختلفاً في حلمه ورؤيته، وإن كان مما يلفت النظر التشابه بين شخصية حسن وأخيه هشام في توجه كل منهما للبحث عن بطولة عن طريق التدين. الأول عبر الإيمان بمهدي منتظر يحتاج إلى أعوان، والثاني عبر رغبة في تغيير من الجذور يتجاوز الإيمان التقليدي إلى فكر التغيير بالعمل والجهاد كما صوره له شيوخه في بشاور. ولعلنا نلمح صورة من أثر هذا التدين عند أختهم شيخة التي رضيت بقدرها مع زوج لا تحبه ولم يحسن عشرتها حفاظاً على بيت أطفالها وحقوقهم، في مقابل النموذج النسائي الثاني الذي تمثله سلوى المجيدي التي تزوجت وتطلقت مرتين، وأقامت علاقة لم ترض بها، ثم هي تنتظر الزوج الثالث، فظل راجل خير من ظل حيط كما قالت لمن سألنها باستغراب عن الزواج الثالث. ونلمح شيخة معلقة على رغبة سلوى في الزواج للمرة الثالثة: يعجبني إصرارها على الحياة. أما اليمنية نرجس فهي بلا شك نموذج للمرأة حين تُعامل كسلعةٍ جميلة، تُحِبُ ولا تقرر، وتسعى دون أن يعبأ أحدٌ بسعيها.
وفي الرواية حشد كبير للأحداث الرئيسية وتأثيراتها على المجتمع ضمن أزمنة وقوعها بالتتالي: حادثة الحرم، الحرب في أفغانستان، احتلال الكويت مع إشارة عارضة إلى بعض نتاج هذه الأحداث: مظاهرة الحريم في الرياض، صراع القبائل في أفغانستان ومعركة التخوين بين المنتصرين هناك، وهي أحداث تحتاج إلى قدر كبير من المعلومات والوثائق يستثمرها كاتب رواية مشغولة بالتفاصيل. ولا شك أن الروائي قد اجتهد في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بالحوارات التي دارت في الحرم بين جهيمان وأتباعه. لكني أشك أنه استطاع الاستفادة من كل تلك التفاصيل التي أتيح له أن يطلع عليها، فالرواية عبر شخصياتها بدت محتاجة إلى إغراق أكبر في التفاصيل يخرجها من فكرة اللمحة العارضة في القصة القصيرة إلى دقائق وجزئيات ترتقي بالعلاقات والأحداث والأوصاف في العمل، وتسهم في تقديم أبطاله بصورة أكثر شمولاً وأكثر دلالة وأكثر إقناعا للقارئ. وكذلك فإن وصف جغرافية الحارة، ومكة عموماً بدا ناقصاً بعض الشيء في رواية قامت على فكرة المكان وأثره في أحداثها وشخصياتها.
لكن الروائي صلاح القرشي، وبالإضافة إلى لغته السلسلة والأنيقة، والبعيدة عن الشعرية المبالغ فيها، أو الأخطاء النحوية والإملائية واللغوية التي رافقت بعض أعمال الشباب مؤخراً، وفق في خلق عدد من الحوارات الموحية في هذه الرواية، ولنقرأ معاً هذا الحوار بين شيخة وأخيها هشام:
-
متى ستتخلصين من هذه الأصنام التي تعلقينها في كل مكان؟
ضحكت قائلة: أي أصنام؟ هذه صور أبوك وحسن، وصورتك وصور أبنائي.
- من كل صنم يخرج مئة شيطان.
- لا إله إلا الله.
- وموسيقى أيضاً؟!
- هذا صوت منبه الساعة.
- حتى الساعة يا شيخة.
أخذني وقتها في سيارته إلى أمي، وضع شريطاً لرجل يصرخ صراخاً هائلاً متوعداً ومهدداً.
قلت في نفسي وقتها: (الله يستر عليك يا أخي، ويلطف بأمي المسكينة).

وهو حوار لا أشك أن له مثيلات في بيوت سعودية كثيرة ضمن إطار الزمن الذي ترصده رواية (بنت الجبل)، ونعلم كلنا بعد ذلك نتائج مثل هذا الحوار وعواقبه منذ ذلك الزمن وإلى اليوم. هو حوار يرصدُ بعض البذور الأولى لحديث بدأ باعتراض بسيط وفي بيت صغير، ثم انتهى إلى إلغاء تام للآخر سواء بنفيه من العقل، أو نفيه إلى الآخرة.
أحداث الحرم المؤلمة عام 1400هـ، وروايةٌ بطلُها هو أحدُ المشاركين في تلك الفتنة، والحارة الصغيرة حين تقدم لنا نماذج للباحثين عن بطولة، أو الباحثين عن مكان في التاريخ، أو الباحثات عن مكان في الحياة، وأثر تلك الفتنة فيما أعقبها من أحداث، لا في بنت الجبل وحدها، بل في العالم كله، هو بعض ما تذكرنا به هذه الرواية، وبعض ما تدعونا للتفكير فيه، وقد فعلت ذلك، فعلته معي على الأقل.


توقيع : السارية









كل حزُن يزيد , ويتكاثر حين "نَحكيه" ؟!
الحزُن الذي نرويه لـ
( الله )
فقط هو الذي يتقلّص ويختفي : )

رد مع اقتباس