عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 13 Aug 2013, 10:39 AM
عضو متميز

محمد سليمان غير متصل

تاريخ التسجيل : Feb 2012
رقم العضوية : 55954
الإقامة : saudi arabia
الهواية : كل شيء
المشاركات : 3,155
معدل التقييم : 498
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
العزلة الاجتماعية وتبعاتها الصحية السلبية



يوصف الإنسان بأنه كائن اجتماعي، مثله في ذلك مثل جميع الثدييات والطيور. بمعنى أنه يتفاعل بشكل دائم مع أفراد جنسه ليشكل مجموعة من العلاقات الاجتماعية المعقدة، ينتج عنها تراتب أو تركيب اجتماعي، يؤدي في شكله الإجمالي للمنظومة المعروفة بالمجتمع. ولا تقتصر أهمية هذا التفاعل الاجتماعي على محوريته في تشكيل المجتمع، بل يعتبر أيضاً من الحاجات الإنسانية الضرورية للحفاظ على الصحة النفسية والبدنية، بحيث يؤدي نقصانها أو انخفاضها، من خلال العزلة الاجتماعية، أو الشعور بالوحدة، إلى تبعات صحية بدنية ونفسية سلبية، وربما حتى الوفاة المبكرة.
وهذه الحقيقة عادت لتؤكدها مؤخراً، نتائج دراسة نشرت في إحدى الدوريات العلمية المرموقة (Proceedings of the National Academy of Sciences)، كان قد أجراها علماء معهد الرعاية الصحية وعلم الأوبئة (Institute of Epidemiology and Health Care) بجامعة «يونيفرستي كوليدج لندن» ببريطانيا، وخلصت إلى أن العزلة الاجتماعية تترافق بحجم خطر أكبر للوفاة بين كبار السن، وبغض النظر عما إذا كانوا يشعرون بالوحدة أم لا. فمن خلال متابعة 6500 رجل وامرأة ممن تخطوا سن الثانية والخمسين، وعلى مدار سبع سنوات، اكتشف الباحثون أن العزلة عن الأهل والأصدقاء، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بمقدار 26 في المئة، مقارنة بالأشخاص الذين كانوا يتمتعون بمستوى جيد من التواصل والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين.



وتدعم نتائج هذه الدراسة الفرضية التي طرحها «جيمس هاوس» أستاذ علم الاجتماع في جامعة ميتشيجان -آن آربر بالولايات المتحدة، قبل عقد من الزمن، التي نظّر فيها بأن «حجم الخطر المصاحب للعزلة الاجتماعية، يمكن أن يقارن بحجم المخاطر الصحية الناتجة عن تدخين السجائر، وغيرها من عوامل الخطر البيولوجية أو النفسية، المعروف عنها ارتباطها بزيادة احتمالات الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض. غير أن فهمنا: لماذا، وكيف، تشكل العزلة الاجتماعية خطراً على الصحة -وبالعكس أيضاً- كيف، ولماذا، توفر العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية قدراً من الوقاية ومن الفوائد الصحية، لا يزال محدوداً بشكل كبير.
وتتنوع الآراء والنظريات التي تحاول تفسير هذه الظاهرة أو اللغز، وربما كانت أشهرها هي تلك المعتمدة على التفكير البديهي القائل إن العلاقات الاجتماعية تؤثر على الحالة الصحية بشكل إيجابي، ليس فقط بسبب الدعم الذي توفره للشخص، وإنما أيضاً نتيجة الضغوط الاجتماعية التي يفرضها الآخرون علينا، وخصوصاً تلك المتعلقة بالتحفيز والتشجيع على اتباع السلوكيات الصحية، مثل تناول الغذاء الصحي والابتعاد عن الأغذية السريعة، والحصول على قدر كافٍ من النوم، واتباع الإرشادات الطبية وتناول العلاج الموصوف بشكل منتظم. وإن كانت الضغوط الاجتماعية الدافعة للابتعاد عن السلوكيات غير الصحية، مثل التدخين، أو شرب الكحوليات، أو تعاطي المخدرات، أو الإفراط في الأكل وما يؤدي إليه من زيادة في الوزن والسمنة، تعتبر أكثر أهمية من الضغوط الدافعة لاتباع السلوكيات الصحية. ولعل أفضل مثال لتوضيح هذا الفارق هو أننا نادراً ما نتعرض لضغوط من الآخرين لتناول خضراوات وفواكه، بينما نتعرض دائماً لضغوط وتعليقات عندما تزداد أوزاننا أو نصاب بالسمنة. بل في الحقيقة، تعتبر الضغوط الاجتماعية، هي السبب الأول على قائمة الأسباب التي تدفع كثيرين، وخصوصاً النساء، لمحاولة خفض أوزانهم.
والرأي الآخر في محاولة تفسير التأثير الإيجابي للعلاقات الاجتماعية، هو أن هذه العلاقات توفر للشخص روابط واتصالات ضمن الشبكة الاجتماعية الواسعة، وهو ما يسهل عليه الوصول إلى المصادر والموارد الداعمة للصحة، مثل منشآت الرعاية الصحية، والوسائل الضرورية للحصول على تلك الرعاية. فمن خلال هذه الشبكة الاجتماعية الواسعة يمكن معرفة أفضل المراكز الطبية، أو أفضل الأطباء المتخصصين في الحالة المرَضية التي يعاني منها الشخص، ويمكن أيضاً من خلال هذه الشبكة الاجتماعية، الحصول على وظيفة توفر تأميناً صحياً، يمكنه التكفل بنفقات العلاج.
ولا يمكن تجاهل تأثير التفاعل والتواصل الاجتماعي على الحالة النفسية، المعروف عنها ارتباطها بالحالة الصحية البدنية. فبخلاف كون العزلة الاجتماعية تؤدي في حد ذاتها إلى اضطرابات واختلالات عقلية، مثل الاكتئاب، والميول الانتحارية، والشعور بالاضطهاد، يؤدي تدهور الحالة النفسية الناتج عن العزلة الاجتماعية في حد ذاته إلى أمراض عضوية. فمنذ قرون، أدرك الأطباء مدى تأثير الحالة النفسية على الحالة الجسدية، وهو الإدراك الذي وصل إلى قمته عند ابن سينا، والذي ربما يكون أول من توصل إلى مدى ترابط الصحة النفسية والصحة الجسدية. ولذا يمكن اعتبار الأوقات التي نقضيها مع الأهل والأصدقاء، أو حتى مع بقية أفراد المجتمع ضمن الشبكة الاجتماعية الواسعة، إحدى سبل الوقاية من الاعتلالات النفسية، والاضطرابات البدنية، وربما على نفس القدر من الأهمية التي تحظى بها إجراءات الوقاية الأخرى، مثل تناول غذاء صحي متوازن، أو ممارسة الرياضة والنشاط البدني. ولا تنس أبداً، أن العلاج بالضحك هو أسلوب طبي يؤمن به كثيرون، لما للضحك من تأثيرات إيجابية على العمليات الكيميائية داخل الجسم، وخصوصاً خفض مستوى الهرمونات المرتبطة بالتوتر، وزيادة مستوى الهرمونات القادرة على تخفيف الشعور بالألم، بالإضافة إلى تحفيز وتنشيط أجزاء مهمة من جهاز المناعة.


توقيع : محمد سليمان

رد مع اقتباس