عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 17 Apr 2005, 02:45 AM
عضوة متميزة

نــــــدى غير متصل

تاريخ التسجيل : Mar 2005
رقم العضوية : 115
الإقامة : saudi arabia
الهواية :
المشاركات : 5,772
معدل التقييم : 25
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
لعنة الله عليك ياملعــــــــــون





أخطر آفات السلوك التسرع والاندفاع في الحكم على الآخرين ، وأن ننصب من أنفسنا قضاة نحكم باستحقاق هذا أو ذاك رحمة الله أو لعنته ، والمتأمل يجد أن مجافاة الإسلام لهذه الآفة تنبع من منافاتها لطبيعة الإيمان الصادق الذي من أخص خصائصه الرفق بالخلق

، فالمؤمن قلبه معلق بالله يرتشف من رحيق رحمته ما يرحم به الآخرين ، ومن عذب رأفته وعطفه ما يبر به من حوله وبهذا ينسجم الإيمان مع كل معاني الرفق والعطف وينفر من كل غلظة وفظاظة وجحود
و

اللعنة بمعناها الشامل المتضمن الطرد من رحمة الله تعالى تمثل أحد مظاهر هذا الاندفاع المذموم الذي تصدى له النبي  في منهجه التربوي بالعديد من المناهي والتوجيهات فيقول 
( إني لم أبعث لعانا و إنما بعثت رحمة ) (1) ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) (2) ( لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ) (3) ( لا يكون المؤمن لعانا ) (4) ( لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار ) (5) أي لا تدعوا على الناس بما يبعدهم الله من رحمته إما صريحا كما تقولون [ لعنة الله عليه ] أو كناية كما تقولون [ غضب الله عليه ] أو [ أدخله الله النار ] وقوله  ( لا تلاعنوا ) من باب عموم المجاز لأنه في بعض أفراده حقيقة وفي بعضها مجاز وهذا مختص بمعين ، لأنه يجوز اللعن بالوصف الأعم والأخص كلعن الكافرين وبالأخص كلعن اليهود والمصورين والكافر المعين الذي مات على الكفر كفرعون وأبي جهل
وعن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد [ جمع نجد وهو متاع البيت الذي يزينه من فرش ونمارق وستور ] من عنده فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه فلما أصبح قالت له أم الدرداء سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته ، سمعت أبا الدرداء  يقول قال رسول الله  ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ) (6) ( شفعاء ) أي لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار ( ولا شهداء ) أي لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات ، وقيل لا يرزقون الشهادة في سبيل الله

وعن ثابت بن الضحاك  عن النبي  قال ( لعن المؤمن كقتله .. ) (7) أي في التحريم أو العقاب أو الإبعاد ، إذ اللعنة تبعيد من الرحمة والقتل يبعد من الحياة الحسية

ولعل في هذه الكثرة من الأحاديث النبوية ما يؤكد على خطورة أمر اللعنة ، وضرر المجازفة الحمقاء في طرد الآخرين من رحمة الله في غرس معاني الكره والنفرة في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه المجتمع الإيماني متماسكا برباط المودة والحب ، أفراده كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا
بل تتجلى جدية الرسول  في نزع جذور هذه الآفة من النفوس في أكثر من موقف مع أصحابه الكرام فتارة مرشدا وتارة مستنكرا وتارة معاقبا
فعن جرموزا الهجيمي قال : قلت يا رسول الله أوصني قال ( أوصيك أن لا تكون لعانا ) (8) ‌أي أن لا تلعن معصوماً فيحرم لعن المعصوم المعين فإن اللعنة تعود على اللاعن وصيغة المبالغة هنا غير مرادة .

وعن أبي الدرداء  قال رسول الله  ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها ) (9)


قال المناوي ( إن العبد إذا لعن شيئاً ) آدميا أو غيره بأن دعى عليه بالطرد والبعد عن رحمة اللّه تعالى ( صعدت اللعنة إلى السماء ) لتدخلها ( فتغلق أبواب السماء دونها )
لأنها لا تفتح إلا لعمل صالح

( ثم تهبط ) أي تنزل ( إلى الأرض ) لتصل إلى سجين ( فتغلق أبوابها دونها ) أي تمنع من النزول ( ثم تأخذ يميناً وشمالاً ) أي تتحير فلا تدري أين تذهب ( فإذا لم تجد مساغاً ) أي مسلكاً وسبيلاً تنتهي إليه لمحل تستقر فيه ( رجعت إلى الذي لعن إن كان لذلك ) أي اللعنة ( أهلاً ) رجعت إليه فصار مطروداً مبعوداً فإن لم يكن أهلاً لها ( رجعت ) بإذن ربها ( إلى قائلها ) لأن اللعن طرد عن رحمة اللّه ، فمن طرد ما هو أهل لرحمته عن رحمته فهو بالطرد والإبعاد عنها أحق وأجدر

ومحصول الحديث التحذير من لعن من لا يستوجب اللعنة والوعيد عليه بأن يرجع اللعن إليه{ إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} النور 44 (10)

وعن ابن عباس أن رجلا لعن الريح عند النبي  فقال ( لا تلعن الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ) (11) ، وعن زيد بن خالد الجهني قال : لعن رجل ديكا صاح عند النبي  فقال النبي  ( لا تلعنه فإنه يدعو إلى الصلاة ) (12) أي إلى قيام الليل

بصياحه فيه ومن أعان على طاعة يستحق المدح لا الذم ، وقال الحليمي : فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب ولا يستهان به ، بل حقه الإكرام والشكر ويتلقى بالإحسان ، وليس في معنى دعاء الديك إلى الصلاة أنه يقول بصراحة صلوا أو حانت الصلاة بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره اللّه عليها فيذكر الناس بصراخه الصلاة ولا تجوز الصلاة بصراخه من غير دلالة سواه إلا ممن جرب منه ما لا يخلف فيصير ذلك له إشارة

وعن عمران بن حصين  قال بينما رسول الله  في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله  فقال ( خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة قال عمران فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد ) (14)



الهوامش والمصادر
(1) رواه مسلم عن أبي هريرة  ــ كتاب البر والصلة والآداب برقم 4704(صحيح) انظر حديث رقم: 2502 في صحيح الجامع (2) رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود  ــ كتاب البر والصلة برقم 1900 ( صحيح ) انظر حديث رقم : 5381 في صحيح الجامع (3) رواه مسلم عن أبي هريرة  ــ كتاب البر والصلة والآداب برقم 4701 (4) رواه الترمذي عن ابن عمر  د/ خالد سعد النجار


رد مع اقتباس