عرض مشاركة واحدة
قديم 11 Dec 2005, 01:23 AM [ 11 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل





الرفيق غســـان كنفاني

مروان عبد العال



الرفيق غسان كنفاني، الغائب منذ 32 عاماً، ما زال حكاية لم تكتمل فصولها بعد، وسؤالا يشتعل، وهو اليوم أكثر من أي وقت مضى حاجة معرفية، نحتاجه في حلمه وفكره.

عندما يقال غسان كنفاني الرفيق ـ يعتقد البعض أنها نظرة احتكارية أو قل فصائلية، فغسان ارتفع بمستوى عطائه وانتمائه إلى مصاف الإنسانية الأكبر من الانتماء.. لكن غسان كنفاني ارتفع بالقضية إلى الشأن الأرفع بوسائله المبدعة، بل هو ارتفع بالجبهة الشعبية كذلك، فكبر بها وكبرت به، فنصيب الجبهة أ، تقدم رموزاً بمستوى الوطن، شهداء وأحياء، مثل، وديع حداد وأبو علي مصطفى وجيفارا غزة وجورج حبش. نعم، إن رجالها ليسوا حكراً لها، إنما هم رجالها قطعاً.

لذلك سأتحدث عن غسان المناضل، الملتزم، المثقف العضوي، السياسي المثقف والمثقف السياسي، غسان المفكر، الذي أسهم في رسم ملامح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأسس منهجها السياسي. وصار عنواناً من عناوين القضية الفلسطينية بأبعادها الروحية والسياسية والإنسانية. غسان السياسي هو غسان الذي استشعر العدو خطره، فهو المقاوم على جبهة الكلمة وجبهة الحقيقة وجبهة الحق، لقد وجده العدو يقاتل في الأدب والفن والمسرح والثقافة والرسم والمقال والإعلام والتنظيم والسياسة. فوجد فيه رجلاً يستحق القتل.

إن عدو الشمس، كان يخشى من شمس غسان كنفاني و )رجال في الشمس( التي أنجبت رجالاً.. كما خُيل للكاتب الروائي )كازانتزاكي( أن الشمس تتوقف في مجراها لتستمع لمغنية إغريقية شابة.. فإن سطوع شمس غسان وإشعاعها.. توقفت لبرهة، لتعاود المسير بعد رحيله، يوم انتسب إلى حزب غسان جيل كامل، ما زال يغرف من ثمارها حتى الساعة.

كانت مساحة الجبهة الشعبية تمتد من غزة )جيفارا(، مقاومة وحرباً عصابية.. إلى اللد وعملية اقتحام مطارها، إلى الكورال سي، سفينة النفط الإسرائيلية المحملة بالنفط الإيراني والتي أعطبتها الجبهة في البحر الأحمر. كانت الذروة، فكان غسان شهيد الذروة، الثورة تضمد جراحها بعد أيلول، ويستشهد جيفارا غزة وباسل الكبيسي في باريس.

هكذا دخل غسان في ألبابنا فكراً وقضيةً وتجسيداً لفعلٍ مقاوم على جبهات عدة. صارت أسئلته مادتنا الفكرية المعرفية، في سؤال الذات ومعرفتها وكتاباته عن أدب المقاومة، ثم عن سؤال الآخر، وعرفته للعدو، إلى جبهة الثقافة وهو يكتب عن الأدب الصهيوني، ويعتبر أن منح جائزة )نوبل( لأول كاتب صهيوني هو )شومائيل عجنون( بمثابة وثيقة جديدة علمية لا تقل أهمية عن وثيقة وعد بلفور السياسية، ثم سؤال مراجعة ثورة 1936 وقراءة تفاصيل ودروس الثورة المغدورة.

ففي كل مرة، نتحول بها إلى بضاعة مهربة في صحراء لاهبة، أو داخل مدن باردة في المنفى البعيد، عندما يقود الصهريج أبو الخيزران، محترف التهريب كما في روايته )رجال في الشمس( يستحضر غسان السؤال "لماذا لا ندق جدران الخزان؟".

أي أن علينا أن لا نظل صامتين، نواجه الموت مكتوفي الأيدي.

صار غسان الرواية حاضراً في السياسة، فسؤاله الروائي سؤالاً منهجياً، يبحث دائماً عن إجابات وعن أصل الأشياء.

صرنا نسمع في اللغة السياسية كلماته الأدبية "المعادلات الصحيحة"، جيل الانقلاب الثوري، "جيل المستقبل"..

فسّر غسان "المعادلات الصحيحة"، وبأن الصراع لا يستقيم إلا بهذه المعادلة، والتي مفادها أن الذراع الفلسطينية مهما صلب عودها.. لا تعيش بلا جسد الأمة العربية وجماهير الأمة التي يجب أن تتصدر قيادتها، قيادة وطنية قوية.

وطرح غسان كنفاني سؤال الوقت في عملية الصراع، وقال في إحدى مقالاته: "هل التسوية حقيقة واقعة؟. ماذا سنفعل من الآن حتى تتحول إلى نتائج مادية؟ هل نتوقف عن المقاومة حتى نحفظ قوانا الذاتية؟ ‍ وهل يتغير ميزان القوى بلا مقاومة؟".

عندما أسس غسان كنفاني مجلة )الهدف( وجعلها مجلة الحقيقة كل الحقيقة للجماهير، ووسيلة لفضح الوعي الزائف والوهم، فكان من الأوائل الذين فضحوا مخططات التصفية والتسوية بعد عام 1970. ورد مرّة على الأفكار الانهزامية قائلاً: "أن من يتهمنا بالمزايدات السياسية هم أصحاب المناقصات السياسية". والمناقصات السياسية تأتي بثوب الحل السلمي الذي هو غلاف مذهب للاستسلام.

وكان المقال الشهير للشهيد غسان كنفاني، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورئيس تحرير مجلة الهدف. يحمل عنوان: "شبح الدولة الفلسطينية". في العدد )90( عام 1971. وردت الجبهة الشعبية على نفس المقال في نفس المجلة وعلى الناطق باسمها.. في العدد الذي يليه رقم )91(.

قال غسان يومها: "أن الدولة الفلسطينية كما يطرحها غولدمان وأنور نسيبة، تستهدف استيعاب ما حصل بعد مجزرة أيلول وهو طرح أقرب إلى الخرافة ولن يتحقق.. ومن يسميه بالمرحلية.. فإنه يقع في دائرة الاستحالة المرحلية".. لأسباب عدة:

1- لأن إسرائيل ترى هذه الدولة بقيادة عميلة لن تستطيع أن تخلقها.

2- أن الشعب الفلسطيني سيرفض الاستسلام.

3- أن دولة وطنية بقيادة وطنية سيرفضها الأردن والولايات المتحدة والنتيجة أن التسوية وهم، هدفها خلق ذهنية التسوية كبديل لمشروع التحرير. ردت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على قاعدة احترام الرأي التي ستقيمها عبر مشروع روجرز ستكون حقيقة واقعة.

أن الدولة ليست تعبيراً عن مصلحة الشعب الفلسطيني بل أن العدو يريدها دولة مسخ وعملية لتصفية القضية الفلسطينية.

إن مهمتنا التصدي للمشروع الأمريكي لمثل هذه الدولة، لإنها إن لم تواجه بإرادة صلبة، فإنها خدعة ممكن أن تتحقق.

.. لقد مضى على هذا الحديث أكثر من 33 عاماً.. والخداع السياسي لم يتوقف، والأسئلة والسجال ما زال دائراً، ربما بصور أخرى وأشكال جديدة وآليات متجددة، عن إمكانية "الدولة" بعد الجدار الفاصل والخطة الأحادية والاستيطان والفصل العنصري.. إلى منطق التسوية وهل هو إملاء؟ وهل أضحى الباحث عن شريك فلسطيني لا يجده؟ أم إن منطق التسزوية نفسه استنفذ غايته.. وهل هي تسوية مؤقتة للصراع؟ أم إنهاء فعلي للصراع؟ عبر ضرب هدف الصراع وغاية الكفاح لدى الشعب الفلسطيني. ثم كيف يتم الحديث عن الغاية في خلق معادلات سياسية جديدة؟؟

هل تحققت التسوية بعد ثلاثة وثلاثون عاماً على طرحها؟ أم أن الذي تحقق هو ذهنية التسوية؟؟ ألا نسأل اليوم إن كان أوسلو مشروع سلام أم خدعة؟؟ ألم يطرح البعض أ، المرحلية السياسية والهدف المرحلي يمكن أن يمرحل لتبرير التنازلات؟

غسان كنفاني كان يتكتب دائماً.. أن نفسنا طويل.. لأن معركتنا طويلة.. وأننا لسنا أمام خيارين سطحيين الهزيمة أو النصر؟؟ الحقيقة نحن أمام خيارين هما: تسوية وفق شروط العدو.. أو المقاومة لفرض شروط الشعب الفلسطيني.

ولذلك حذر غسان كنفاني دائماً من "طُعم القانون" بأن إسرائيل تعتمد دائماً على )تقادم المسائل وسياسة الأمر الواقع(، حتى يأخذ شكل القانون.. تماماً كما جرى لمناطق 1948 وما يجري اليوم حول القدس أو العودة والاستيطان.. ألخ. وثم ما هو قانوني وغير قانوني، شرعي وغير شرعي بمنظار الواقع الإسرائيلي، وما الحديث عن مسار الجدار وليس الجدار الفاصل وقانونيته إلا مثالاً حياً.

لقد حوّل غسان كنفاني مجلة (الهدف) إلى منبر سياسي وقماشة يحيك فوقها الفكر السياسي، لآراء عالمية وقومية وفلسطينية مختلفة، فهو لم يكن يؤمن يوماً بالإعلام المستأجر والذي أسماه "إعلام التكسي" إن تدفع.. تركب. وعلى صفحاتها بدأ حوار الوحدة الوطنية الفلسطينية، فعرفت الهدف حوارات ساخنة طالت مثيلاتها من النشرات العربية وأطلق عليها "سجالات غسان وعدوان". إلى حورارت الوحدة الوطنية الفلسطينية وأسسها وبرنامجها وعلاقتها بالشعب الفلسطيني، ما بين غسان كنفاني الذي يطرح وجهة نظر الجبهة الشعبية وكمال عدوان الذي يطرح وجهة نظر حركة (فتح)..

لقد كان غسان يطرح الوحدة المؤسسة على مبادىء الثقة ما بين الفصائل الوطنية والمتصالحة مع مجموع الشعب الفلسطيني والمتفقة على الأهداف الوطنية العليا.. وكان يسأل دائماً، لماذا تهتز الوحدة عند كل منعطف ثوري؟ أليست الوحدة الوطنية تصحيحاً منيعاً لعبور المنعطفات؟ وما هي مسؤولية القيادة في ذلك؟ كيف تضيّع هذه القيادة وفي لحظة ضعف أهم مصدر للقوة لديها؟ وما زالت الأسئلة قائمة والسؤال جارٍ.. ورفض فكرة أن الوحدة تساوي الاندماج وتلغي استقلالية الفصائل، فالوحدة قوة في التنوع وليس إقصاء أو استنساخ للآخرين.

لقد استشرف غسان المستقبل في السياسة والفكر معاً، وما أذكره من وقائع لمن عايشوه أن غسان كان في خضم الصراع الداخلي الفكري حول الماركسية ومنهج التحول الفكري في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان يؤمن بأن الماركسية ليست نصوصاً جامدة، وأنها ليست سوى القراءة العلمية للواقع، رافضاً التسريع في التحوّل، اقتفاءً وراء الموضة الدارجة في تلك الأيام. ومما قاله الشهيد أبو علي مصطفى في إحدى جلسات اللجنة المركزية العامة قبيل المؤتمر الأخير للجبهة، أن غسان كنفاني سبقنا عندما خاطب يوماً قيادة الجبهة قائلاً: هل تعنقدون أن من "يلحس" كتاب رأس المال يصير ماركسياً؟؟

هذا هو غسان كنفاني المقاوم، الذي استحق الشهادة، لأنه غسان السياسي بامتياز والخطر بامتياز والمبشر بجيل الانقلاب الآتي. وهو الذي أوصى هذا الجيل يوماً بقوله:" ليس أمامكم في اللحظات الحرجة غير الاتجاه الذي يمضي بصلابة واستقامة ثورية وإلى الأمام.."

واليوم جيل الشباب.. رغم كل شيء.. يفيك يا غسان.. لأنك عن حق.. أنت المدرّس والدرس والمدرسة.





.


توقيع : sanaa


...je ne veux ni cadeau ..ni fleur..ni promesse
seulement
!!... le don de ton coeur
sanaa

الأعلى رد مع اقتباس