..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الشعبية > أعلام ورجال
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 16 Feb 2011, 04:22 AM [ 51 ]


تاريخ التسجيل : Jun 2010
رقم العضوية : 29031
الإقامة : saudi arabia
الهواية : القراءة والكتابة
مواضيع : 383
الردود : 14766
مجموع المشاركات : 15,149
معدل التقييم : 223جواهر has a spectacular aura aboutجواهر has a spectacular aura aboutجواهر has a spectacular aura about

جواهر غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
العضو المميز

الشاعر المميز

الاحتفال بالعام السابع

التواصل

فعالية لقطة ومقاديرها

العضو المميز

وسام المسابقات والفعاليات

الحضور المميز


رد: عصر الخلفاء الراشدين


موقعة اليرموك (دراسة تحليلية)

كتب: د/ محمد السيد الوكيل
10/04/1431 الموافق 25/03/2010


اليرموك نهر ينبع من جبال حوران، يجري قرب الحدود بين سوريا وفلسطين، وينحدر جنوبا ليصب في غور الأردن ثم في البحر الميت، وينتهي مصبه في جنوب الحولة، وقبل أن يلتقي بنهر الأردن بمسافة تتراوح بين ثلاثين وأربعين كيلو متر يوجد واد فسيح تحيط به من الجهات الثلاث جبال مرتفعة شاهقة الارتفاع، ويقع في الجهة اليسرى لليرموك.
اختار الروم هذا الوادي لأنه المكان الذي يتسع لجيشهم الضخم الذي عدده مائتين وأربعين ألف مقاتل.
وأما المسلمون فقد عبروا النهر إلى الجهة اليمنى، وضربوا معسكرهم هناك في واد منطبح يقع على الطريق المفتوح لجيش الروم، وبذلك أغلقوا الطريق أمام الجيش المزهو بعدده وعدده، فلم يعد للروم طريق يسلكون منه، أو يفرون إذ اضطروا للفرار، لأن جيش المسلمين قد أخذ عليهم مسلكهم الوحيد.
وقد يعجب الإنسان كثيراً، وهو ينظر إلى الخارطة، ويرى نفسه مضطراً لأن يسأل كيف رضي قواد الروم لجيوشهم هذا الموقع؟ وكيف وافق الجنود على النزول فيه , وهم يرون ألا سبيل للخروج منه إلا عن طريق هذا الوادي الذي احتله المسلمون؟
أفما كان الأجدر بهم إن اضطروا إلى اتخاذ هذا المكان ميداناً للجيش ؛ لأنه لا يوجد مكان سواه يتسع لجيشهم أن يحموا الفتحة الوحيدة التي لا طريق لهم غيرها؟
لاشك أن البديهيات العسكرية تحتم حماية أمثال هذه الفتحة ليؤمن الجيش طريقه إذا اضطر إلى الخروج من هذا الوادي المحاصر بشواهق الجبال. ولكن يبدوأن قوات الروم كانت مغرورة بكثرتها الهائلة , مزهوة بالنصر الذي أحرزته على خالد بن سعيد ومن معه من قوات المسلمين، كما يبدو أن هذا النصر أنساهم أبسط التخطيط العسكري في مثل هذا الموقف.
ازداد حماس الخليفة لفتح الشام بعد ما أصاب خالد بن سعيد وجنده من الهزيمة والفرار، فندب أعظم قواده للذهاب إلى بلاد الشام، فأمر عمرو بن العاص على فرقة من الجيش , وأمره أن يتجه بها إلى فلسطين، واستدعى يزيد بن أبي سفيان وولاه على جيش لجب , فيهم سهيل بن عمر وأمثاله من أهل مكة، وألحقه بجيش آخر بقيادة أخيه معاوية، ووجه شرحبيل بن حسنة ليقود جماعة من جيش خالد بن سعيد، وندب الخليفة جيشاً عظيماً , وأمَّر عليه أبا عبيدة بن الجراح , وعين لكل جيش طريقه، وأمره أن يسلكه حتى يصل إلى مقره.
فأخذ عمرو بن العاص طريق المعرقة (على أيلة ) وسلك أبو عبيدة الطريق نفسه، وأخذ يزيد بن أبي سفيان طريق التبوكية , وسلكه معه شرحبيل بن حسنة، وتوجه الأمراء إلى الشام، فلما وصلوها نزل أبو عبيدة الجابية، ونزل يزيد البلقاء، ونزل شرحبيل الأردن، ونزل عمرو بن العاص العربة( 1) .
هرقل ينصح قومه:
علم الروم بدخول الجيوش الإسلامية أرضهم فكتبوا إلى هرقل ـ وكان بالقدس ـ فقال هرقل: أرى أن تصالحوا المسلمين، فو الله لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من الشام ويبقى لكم نصفه مع بلاد الروم أحب إليكم من أن يغلبوكم على الشام , ونصف بلاد الروم (2) .
وأغضبت هذه النصيحة قواد الروم، وظنوا أن الإمبراطور قد وهن وضعف , وسيسلم البلاد للغزاة الفاتحين، والحق أن هرقل قد ضعف أمام غضبة قواده، وعزم على قتال المسلمين مع يقينه بالهزيمة، وجمع هرقل الثائرين، وتوجه بهم إلى حمص، وهناك أعد جيشاً ضخم العدة , كثير العدد، وقسمه أربعة أقسام، وجعل كل قسم منه يقابل فرقة من جيش المسلمين ليوهنهم ويشغلهم عن مناصرة إخوانهم.
عدد الجيش:
بلغ جيش المسلمين ثلاثين ألفا أو تقل قليلاً، وأما جيش الروم فقد بلغ مائتين وأربعين ألفا (3) .
فزع المسلمون لهذه الأعداد الضخمة التي واجهتهم، وكتبوا إلى عمرو بن العاص يسألونه ماذا يفعلون، فأجابهم "الرأي لمثلنا الاجتماع فإن مثلنا إذا اجتمعنا لا نغلب من قلة" (4) وكتبوا إلى أبي بكر فأجابهم بمثل ما أجابهم به عمرو وقال : "إن مثلكم لا يؤتى من قلة، وإنما يؤتى العشرة آلاف، والزيادة على العشرة آلاف إذا أتوا من تلقاء الذنوب، فاحترسوا من الذنوب، واجتمعوا باليرموك متساندين، وليصل كل رجل منكم صاحبه" (5) .
اتجه المسلمون إلى اليرموك تنفيذا لوصية الخليفة، فوجدوا الروم قد نزلوا بالوادي السابق الذكر، وعبر المسلمون النهر فنزلوا بإزائهم.
الخليفة يدرس أسباب تأخر النصر:
واستشار الخليفة أصحابه ذوي الرأي، وقلب الأمر على كل وجوهه، فاهتدى إلى أن ضعف المسلمين ناتج إلى ضعف القيادة، ذلك لأن الأمراء الذين بعثهم الخليفة إلى الشام ليس فيهم من يصلح في نظر الخليفة لخوض هذه المعركة الرهيبة، فأبو عبيدة بن الجراح مع قدرته العسكرية الفائقة إلا أنه رقيق القلب لا يقدم على الحسم، وابن العاص مع دهائه وحسن حيلته يهاب الإقدام على عدوه، وعكرمة مع إقدامه وحنكته غير أنه تنقصه دقة التقدير للمواقف، وبقية القواد لم يشتركوا من قبل في مثل هذه المعارك الكبيرة. وهناك أمر آخر ينبغي للخليفة أن يقدره ولا يغفله ذلكم هو تساوي القواد في القدرة, فليس فيهم من يقرون له بالتفوق أو العبقرية التي يتميز بها عليهم حتى يجتمعوا عليه.
ومن أجل هذا فكر الخليفة كثيراً في الأمر , وطال تفكيره , فالأمر ليس بالهين اليسير، وإنما هي معارك فاصلة , لابد أن تحسم في الشام كما حسمت في العراق.
واهتدى الخليفة -رضي الله عنه- إلى الحل فقال لمجلس الشورى: "والله لأنسين الورم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد"(6).
خالد يتوجه إلى الشام:
كتب الخليفة إلى خالد يأمره بأن يستخلف على العراق ويتجه بخيرة جنده إلى الشام، وصدع خالد بأمر الخليفة ، واتجه إلى الشام في تسعة آلاف مقاتل من خيرة الجند ، حيث اختار أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم - وضن بهم على المثنى بن حارثة خليفته على العراق، وغضب المثنى لذلك التقسيم وقال : "والله لا أقيم إلا على إنفاذ أمر أبي بكر، وبالله ما أرجو من النصر إلا بأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" (7) فلما سمع خالد منه ذلك أرضاه وأسكته، وأراد خالد أن يغادر العراق وهو مطمئن فرد النساء والضعفاء إلى المدينة حتى لا ينشغل بهم المثنى عند منازلة عدوه. وقطع خالد بجيشه بادية الشام المعروفة ببادية السماوة , وهو طريق لم يعبره جيش قط قبل جيش خالد، وذلك لوعورته وقلة الماء فيه، وتعرض من يسلكه للهلاك بالعطش والضياع، وإنما صمم خالد على اختراق هذه البادية رغم تحذير العارفين بها لأنه كان يريد أن يباغت العدو, فينزل خلفهم حتى لا يحبسوه عن إغاثة المسلمين.
وبالعزم والإيمان اخترق خالد وجيشه تلك البادية، وغامر هذه المغامرة، وقطعها في خمسة أيام، وكلما مر بجماعة من أعداء المسلمين قاتلهم وتغلب عليهم , وغنم منهم حتى وصل اليرموك في آخر ربيع الآخر من السنة الثالثة عشر من الهجرة.
كانت الجيوش الإسلامية قد نزلت موقعها من اليرموك قبل مجيء خالد إليهم بثلاثة أشهر: صفر وربيع الأول وربيع الآخر، وكان المسلمون قد ضجروا وملوا هذا الموقف الذي لا يتناسب مع إقدامهم وشجاعتهم وتضحياتهم في سبيل الله، فأرسلوا إلى الخليفة يصفون له الحال , ويستمدونه ليحسموا الموقف، وكان عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قد أحس من المسلمين بما يشبه اليأس من طول المقام , وعدم القدرة على خوض معركة تفصل بينهم وبين عدوهم، وخاف أن تسري هذه الروح إلى صفوف المسلمين , فيضعفون ولا يستطيعون مواجهة العدو، ولم يكن العدو يرجو من وراء هذا الموقف أكثر من ذلك، فإن روح اليأس إذا سرت في جيش مهما كانت قوته لابد أن يؤول حاله إلى أحد أمرين: إما أن ينسحب ويفوز خصمه بالسلامة من غير قتال، وإما أن يدخل في معركة تكون نتيجتها حتماً في مصلحة الطرف الآخر.
أدرك عمرو بن العاص أن هذه الروح بدأت تدب في أوصال الجيش المرابط أمام عدوه ثلاثة أشهر , فأراد أن يخفف عنهم، وينفخ فيهم روحا جديدة تبعث فيهم الأمل، وتجدد فيهم نشاطهم وحيويتهم، فنظر إلى جيوش الروم المثيرة العدد الكثيفة العدد، ولفت نظر المسلمين إلى وضعهم الجغرافي الذي لا يحسدون عليه، وقال: "أيها الناس، أبشروا، حصرت والله الروم، وقلما جاء محصور بخير"(8) .
وصادف قدوم خالد قائد المسلمين وصول باهان قائد الروم، واستبشر المسلمون بقدوم خالد، بقدر ما فرح الروم بوصول باهان، وبلغت إحصاءات الجيش عندئذ ما وصفه الطبري بقوله: وحارب المشركون وهم أربعون ومائتا ألف: منهم ثمانون ألف مقيد: أربعون ألفاً مسلسلون للموت، وأربعون ألفاً مربطون بالعمائم، وثمانون ألف راجل، وثمانون ألف فارس، والمسلمون سبعة وعشرون ألفا ممن كانوا مقيمين، إلى أن قدم عليهم خالد في تسعة آلاف، فصاروا ستة وثلاثين ألف" (9).
وتواجه الجيشان في تعبئة لم ير مثلها قط، وكان القسيسون والشمامسة والرهبان يحرضون جيوش الروم , ويحثونهم على القتال لمدة شهر قبل المعركة حتى امتلئوا حماسا , وأخذوا يتحينون الفرصة للقاء.
خالد يدعو إلى توحيد القيادة:
ونظر خالد إلى المسلمين فوجدهم متساندين كل جماعة على رأسها قائد ليس لها أمير واحد يجمعهم، ورأى - رضي الله عنه - بعبقريته العسكرية أن هذا الحال لا يؤدي إلى النصر، فخطب في المسلمين، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بأعمالكم، فإن هذا يوم له ما بعده، ولا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبية وأنتم متساندون، فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبتكم.
قالوا: فهات فما الرأي؟ قال: إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى أننا سنتياسر ,ولو علم بالذي كان ويكون لما جمعكم، إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم ، وأنفع للمشركين من أمدادهم، وقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم، فالله الله، فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان لا ينتقصه منه أن دان لأحد من أمراء الجنود ولا يزيده عليه أن دانوا له .
إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله، ولا عند خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هلموا فإن هؤلاء تهيئوا، وهذا يوم له ما بعده، إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم، وإن هزمونا لم نفلح بعدها، فهلموا فلنتعاور الإمارة , فليكن عليها بعضنا اليوم، والآخر غداً، والآخر بعد غدٍ حتى يتأمر كلكم، ودعوني إليكم اليوم، فأمروه، وهم يرون أنها كخرجاتهم، وأن الأمر أطول مما صاروا إليه (10 ).
كانت لكلمة خالد تلك أعظم الأثر في نفوس المسلمين من تحرض القسيسين والرهبان في نفوس الروم، ولئن ظل هؤلاء يعبئون تلك التعبئة الروحية مدة شهر كامل، فإن نفوسهم لم يكن فيها من اليقين وحسن الثقة في وعد الله كما كان في نفوس المسلمين، ولذلك أثمرت كلمة خالد التي لم تستغرق دقيقتين ما لم تثمره مواعظ الرهبان والقسيسين لمدة شهر، لأن النفوس المؤمنة بالحق تكون دائماً مهيأةً لاستقبال التوجيه والموعظة، سريعة التأثر بما يلقى عليها إذا ذكرت بوعد الله -عز وجل- حسنة الثقة فيما عنده.
على أننا نرى في كلمة خالد -رضي الله عنه- من الإخلاص والحث عليه، وعظيم الاعتماد على الله ما لا يمكن أن يخيب صاحبه، زد على ذلك بعد نظر خالد، وإدراكه لما حوله من أبعاد المعركة وقدرته العسكرية التي تجعل أصحابه يدينون له من غير منازع، كل ذلك جعلهم يجتمعون على قيادته بعد أن كانوا متساندين لا يدين أحد لأحد، ولا يرى أحد أن أحداً أحق بالأمرة منه.
خطة خالد لمواجهة الروم:
اجتمع المسلمون على خالد بعد أن مكث شهراً على اليرموك ليس بينه وبين الروم قتال ، واقترح خالد بعد أن آلت إليه القيادة العامة لجيش المسلمين أن يقسم الجيش إلى كراديس (فرق) كل فرقة من ألف رجل، وجعل على كل كردوس رجلاً ممن اشتهروا بالشجاعة والإقدام، أمثال القعقاع بن عمرو وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل وأضرابهم، وأسند قيادة القلب إلى أبي عبيدة بن الجراح، وقيادة الميمنة إلى عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة، وقيادة الميسرة إلى يزيد بن أبي سفيان , وقال لأصحابه: "إن عدوكم كثير وليس تعبية أكثر في رأي العين من الكراديس"(11).
حاول خالد بذلك أن ينسي المسلمين كثرة الروم المخيفة، وأن يظهر المسلمين في حالة تدخل الرعب والفزع في عدوهم، ولكنه لم يلبث أن سمع رجلاً يقول: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فغضب خالد لما سمع وصاح مغضباً، بل ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان، والله لوددت أن الأشقر -يعني فرسه- براء من توجِّيه وأنهم أضعف في العدد، وكان فرسه قد حفي من مشيه بالمفازة (بادية الشام) (12).
وخشي خالد أن تسري كلمة الرجل في صفوف المسلمين فتوهنهم، وتضعف مقاومتهم، فعجل بالمعركة ليشغل المسلمين بها بدلاً من أن يشغلوا عنها بالنظر في عددهم وعدد عدوهم.
لم ينس خالد أن يختار من جنوده من يتولى أمور المسلمين، فبعد أن نظم الكراديس واختار لها مهرة القواد، عين أبا الدرداء قاضياً، وأبا سفيان واعظاً، وجعل على الطلائع قباث بن أشيم، وعلى الأقباض عبد الله بن مسعود، وكان القارئ المقداد، يقول الطبري: "ومن السنة التي سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء - وهي الأنفال- ولم يزل الناس بعد ذلك على ذلك" (13).
وقام أبو سفيان بدوره كواعظ للمسلمين خير قيام ,فقال وهو يمشي بين الكراديس: يا معشر المسلمين، أنتم العرب وقد أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الأهل، نائين عن أمير المؤمنين وإمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء كثير عدده، شديد عليكم حنقه , وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم، ولا يبلغ بكم رضوان الله غداً إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، ألا وإنها سنة لازمة، وإن الأرض وراءكم، وبينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحاري وبراري , ليس لأحد فيها معقل ولا معول إلا الصبر، ورجاء وعد الله فهو خير معول، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا ولتكن هي الحصون.
ثم ذهب إلى النساء فوصاهن، ثم عاد فنادى، يا معشر أهل الإسلام حضر ما ترون، هذا رسول الله والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم، ورجع إلى موقفه في الصف حيث كان.
وقام أبو هريرة بعد أبي سفيان فقال: سارعوا إلى الحور العين وجوار ربكم -عز وجل- في جنات النعيم، ما أنتم إلى ربكم في موطن بأحب إليه منكم في مثل هذا الموطن، ألا وإن للصابرين فضلهم (14).
خالد يأمر بالهجوم:
سمع المسلمون هذه الكلمات فوقعت من نفوسهم موقعاً أنساهم قلتهم وكثرة عدوهم، وتطلعت قلوبهم إلى ما عند الله، وهبت عليهم من خلالها نسائم الجنة , فاشتاقوا إليها، ولمح خالد في الجنود حماساً لم يره من قبل، ورأى حبهم للجهاد على النحو الذي كان يتطلع إليه منذ قدم إلى اليرموك، وتأكد أن المسلمين قد تأهبوا للمعركة بكل إمكاناتهم، فانتهز الفرصة، وأمر عكرمة والقعقاع أن ينشبا القتال، فبرز القعقاع وهو يرتجز:
يا ليتى ألقاك في الطـراد
قبل اعترام الجحفل الورَّاد
وأنت في حلبتك الـوارد
وتبعه عكرمة وهو يقول:
قد علم بهكنة الجواري
أني على مكرمة أحامي
ونشبت المعركة حامية الوطيس، مستعرة الأوار، السيوف تخطف الأرواح، وتزيل الهام، وتفري الأجسام.
خالد يستقبل بريد الخليفة:
وبينما المسلمون كذلك إذ أقبل البريد من المدينة مسرعاً يتخطى الناس، ويسأل عن خالد، والناس وراءه يتبعونه ليستطلعوا منه أخبار المدينة، يبشرهم بالخير، ويخبرهم عن الأمداد.
ولما بلغ البريد خالداً سلمه الكتاب، وأخبره بوفاة أبي بكر سرا , وأخبره بما أخبر به الجند، فسر خالد في حسن تصرف البريد وقال له: أحسنت، ووضع الكتاب في كنانته حتى لا يتطلع أحد على ما فيه فيجزع الجند، وينتشر الأمر.
إسلام قائد من قواد الروم:
وفي الوقت نفسه خرج جرجة من صفوف الروم حتى وقف بين الصفين، ونادى ليخرج إلي خالد فخرج خالد إليه، وأناب أبا عبيدة عنه، والتقى الرجلان بين الصفين، وسأل جرجة خالد عن سبب تسميته سيف الله، فأخبره خالد بأن الرسول هو الذي سماه بذلك ودار بين الرجلين حديث طويل أسلم جرجة على أثره، وتبع خالداً إلى خيمته ليعلمه الإسلام.
موقف عكرمة من هجوم الروم:
ظن الروم أن جرجة حمل على المسلمين، وأنه في حاجة إلى المدد، فحملوا على المسلمين حملة أزالتهم عن مواقفهم، وثبت لهم عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، وكانا على حامية فسطاط خالد، ولما رأى عكرمة تراجع المسلمين قال: قاتلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في كل موطن، وأفر منكم اليوم، ثم نادى في المسلمين، من يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور , ومعهما أربعمائة من أبطال المسلمين وفرسانهم، ودافعوا عن الفسطاط حتى أثبتوا جميعاً جراحاً، وقتلوا إلا من برأ وكان منهم ضرار بن الأزور (15) . وتراجعت الروم أمام ثبات عكرمة وأصحابه، ورأى خالد تراجع الروم فزحف بقواته يرافقه جرجة على جيوش الروم المنهزمة، وظل يضرب فيهم بسيفه ومعه جرجة يضرب ويقتل من طلوع النهار حتى مالت الشمس إلى الغروب، وقاتل كل فريق من المسلمين تحت رايتهم حتى صارت الروم تدور كأنها الرح , يقول ابن كثير: فلم تر في يوم اليرموك إلا مخًّا ساقطاً، وعصماً نادراً، وكفاً طائرة (16).
خالد يدير المعركة:
وواجه خالد مسيرة الروم التي حملت على ميمنة المسلمين، فقتل منهم ستة آلاف، والتفت إلى صاحبه وقال: والذي نفسي بيده لم يبق عندهم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم، وإني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم، ثم اعترضهم فحمل بمائة فارس على مائة ألف منهم، فلم يكد يصل إليهم حتى انفض جمعهم، وحمل عليهم المسلمون حملة صادقة، فانكشفوا لا يلوون على شيء , وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.
وصلى المسلمون صلاة الظهر والعصر إيماء: واستشهد جرجة، وحمل خالد برجاله على الروم حتى صار في وسطهم، وذعر الروم لهول ما رأوا من المسلمين، وفر خيالتهم وأفسح لهم المسلمون الطريق، فهاموا على وجوههم في البلاد، ثم تبعوا من فر من الخيالة، واقتحم خالد عليهم الخندق، وجعل الروم يتقهقرون أمام الهجوم الكاسح الذي شنه خالد في اللحظة المناسبة حتى وصلوا إلى الواقوصة.
وجعل الذين سلسلوا أنفسهم لئلا يفروا يتساقطون في الواقوصة كما يتساقط الفراش في النار، وكلما سقط رجل من مجموعة سقطت معه بأكملها حتى سقط فيها، وقتل عندها مائة ألف وعشرون ألفاً، ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق، سوى من قتل في المعركة من الخيل والرجل (17)، وأخر الناس صلاة العشائين حتى استقر الفتح.
وأمعن المسلمون في قتل الروم، وظلوا يقاتلون حتى أصبحوا، ودخل خالد رواق تذارق أخي هرقل، فلما أصبحوا وقد انتهت المعركة أتي خالد بعكرمة بن أبي جهل جريحاً فوضع رأسه على فخذه، وبعمرو بن عكرمة فجعل رأسه على ساقه، ومسح وجهيهما، وأخذ يقطر في حلقيهما الماء حتى استشهدوا.... (18).
وقاتل نساء المسلمين في هذا اليوم، وقتلوا عدداً كبيراً من الروم، وكن يضربن من انهزم من المسلمين ويقلن: أين تذهبون وتدعوننا للعلوج، وعندئذ يرجع المنهزمون...
دفع الشبهة:
وكان يزيد بن أبي سفيان من الذين ثبتوا ولم يفروا، وقاتل قتالاً شديداً، لأن أباه مر به، وذكره بما يجب عليه وعلى أمثاله من الأمراء، وأمره بالصبر والثبات، ورغبه فيما عند الله من الأجر والمثوبة، فأجاب يزيد، أفعل إن شاء الله(19).
وهذه الرواية ترد رواية ابن الأثير التي رواها عن عبد الله بن الزبير، وفيها يتهم أبا سفيان ورجالاً من مكة يسميهم مهاجرة الفتح، بأنهم تنحوا عن الميدان، وظلوا بعيداً يتربصون بالمسلمين فإذا ركب الروم المسلمين قالوا: إيه بني الأصفر، وإذا غلب المسلمون يقولون: ويح بني الأصفر.
تدل هذه الرواية على تجنب أبي سفيان المعركة، وأنه لم يشترك فيها، ولكن ابن الأثير نفسه يذكر ما يكذب ذلك، حيث يروى بعدها مباشرة وفي الصحيفة نفسها أن عين أبي سفيان قد أصيبت في المعركة، وذلك أمر مجمع عليه من المؤرخين، فكيف يكون أبو سفيان بعيداً عن ميدان المعركة يتربص بالمسلمين، وكيف يصيب سهم في عينه فيفقؤها , وينتزع السهم من عينه أبو حثمة(20).
ويروي ابن كثير عن سعيد بن المسيَّب عن أبيه قال: هدأت الأصوات يوم اليرموك فسمعنا صوتاً يكاد يملأ المعسكر يقول: يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين قال: فنظرنا فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد(21).
أين كان أبو سفيان وهو ينادي نصر الله؟ وهو يطلب الثبات من المسلمين؟ هل كان يطلب الثبات وهو هارب من الميدان؟ وهل يليق برجل كأبي سفيان أحد زعماء قريش أن يطلب الثبات من المسلمين ويفر هو خارج المعركة؟ ومن الذي يصيح بالمسلمين ليثبتوا ثم يرى بعد ذلك بعيداً عن الميدان؟.
أغلب الظن أن الرواية مكذوبة على أبي سفيان، فقد أجمع المؤرخون على أنه كان واعظ الجيش ، وروى عنه المؤرخون كلمات في الحض على القتال , والحث على الثبات تثير إعجاب كل من قرأها أو سمع بها.
هزيمة الروم:
وفر المنهزمون من اليرموك حتى بلغوا دمشق، وأما هرقل فإنه لما بلغه خبر اليرموك وكان بحمص تركها وولى عليها رجلاً , وجعلها بينه وبين المسلمين، وودع سوريا الوداع الأخير.
وتوجه المسلمون بعد ذلك إلى الأردن، وطهرها مما بقي فيها من جنود الروم، ثم تابعوهم إلى دمشق حيث حاصروهم هناك.
وبلغ عدد الشهداء من المسلمين ثلاثة آلاف شهيد , بينهم كثير من كبار الصحابة مثل سعيد بن الحرب بن قيس السهمي، ونعيم النحام، والنضير بن الحارث، وأبو الروم عمير بن هشام أخو مصعب بن عمير.
وكان في جنود هذه المعركة ألف صحابي منهم مائة ممن شهد بدراً(22).
وغنم المسلمون كل ما كان في معسكر الروم، وكان شيئًا عظيماً حتى خص الفارس من النفل ألف وخمسمائة درهم(23) أو ألف وخمسة دراهم(24)، وكانت الموقعة الفاصلة عند اليرموك في شهر جمادى الآخرة من السنة الثالثة عشرة من الهجرة بعد أن مكث المسلمون قرابة أربعة أشهر لا ينالون من الروم، ولا ينال منهم.


توقيع : جواهر



سبحانك اللهم وبحمدك .. أشهد أن لا إله إلا أنت .. استغفرك وأتوب إليك ..
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 16 Feb 2011, 04:23 AM [ 52 ]


تاريخ التسجيل : Jun 2010
رقم العضوية : 29031
الإقامة : saudi arabia
الهواية : القراءة والكتابة
مواضيع : 383
الردود : 14766
مجموع المشاركات : 15,149
معدل التقييم : 223جواهر has a spectacular aura aboutجواهر has a spectacular aura aboutجواهر has a spectacular aura about

جواهر غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
العضو المميز

الشاعر المميز

الاحتفال بالعام السابع

التواصل

فعالية لقطة ومقاديرها

العضو المميز

وسام المسابقات والفعاليات

الحضور المميز


رد: عصر الخلفاء الراشدين


الفتح الإسلامي لأفغانستان

كتب: نور الهدى سعد
05/05/1431 الموافق 18/04/2010


- إن لمعركة نهاوند الدور البارز والحاسم في فتح أبواب فارس والمشرق الإسلامي له.. ومنه أفغانستان.
- بعد معركة نهاوند توزعت القوات الإسلامية إلى سبعة ألوية، بقيادة سبعة قادة، لكل منهم هدف محدد، ومهمة محددة.
- ظل الفتح الإسلامي لأفغانستان وبلاد ما وراء النهر مستديما؛ لأنه فتح مبادئ، والمبادئ تبقي؛ لأنها مستقاة من شريعة الإسلام.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها..." (رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة).
ويقول في حديث آخر: "ليبلغن هذا الأمر (يعني أمر الإسلام) ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر" (رواه أحمد في مسنده).
من هذه المبشرات النبوية، انطلق صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) يفتحون المشارق والمغارب، يدفعهم في ذلك تحقيق بشرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ناحية، وحب الجهاد والاستشهاد - من ناحية ثانية، والرغبة في نشر تعاليم ذلك الدين بين أمم الأرض جميعا - من ناحية ثالثة.
وكان من ضمن البلدان التي سعدت بالفتح الإسلامي "أفغانستان" التي تقع في قلب آسيا في منطقة بعيدة عن البحار، وتمتد على رقعة واسعة من الأرض تبلغ مساحتها (650.000) كيلو متر مربع، تغطي المرتفعات والجبال أجزاء كثيرة منها.
وقد عرفت أفغانستان في التاريخ البعيد باسم (آريان) نسبة إلى الآريين، وتعني كلمة (آري) النبيل، كما كانت تسمى - أيضا - بلاد الأفغان.
وتعتبر أفغانستان مهد الآريين الذين هاجروا إليها من سهول تركستان الغربية قبل الميلاد بنحو ألفي سنة، ولو أن بعض المؤرخين يرجع تاريخ هجرتهم إلى أكثر من أربعة آلاف سنة، كما أنها كانت تعرف في عهد الساسانيين باسم (خرا سان) ومعنى خراسان: أرض الشمس.
وليس قصدنا هنا القص التاريخي، فذلك أمر يطول بيانه، وإنما سنتعرض للأيام الحاسمة التي سطعت فيها شمس الإسلام فوق ربوع أفغانستان، وكيف انتقل الناس من عهد إلى عهد، ومن طور إلى طور.
الفتح الكبير:
تعتبر معركة نهاوند سنة 21هـ – 624م بقيادة نعمان بن مقرن المزني - إحدى المعارك الحاسمة التي كانت بين المسلمين من جهة وبين الإمبراطورية الساسانية من جهة أخري، وقد كان لهذه المعركة الدور البارز والحاسم في فتح أبواب فارس والمشرق الإسلامي كله - ومنها أفغانستان - ولذلك أطلق المسلمون على هذه المعركة اسم: فتح الفتوح.
ولا نستطيع أن نقول: إن فتح بلاد أفغانستان كان من معركة واحدة أو بقيادة قائد واحد، وإنما الحق الذي يقرره التاريخ أن بلاد أفغانستان فتحت على مراحل عدة على يد قادة كثيرين من قادة الفتح الإسلامي.
ويشير اللواء محمود شيت خطاب (رحمه الله) إلى أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد معركة نهاوند الشهيرة، عقد بيده سبعة ألوية لسبعة قادة، عهد إليهم بالانسياح في المناطق الخاضعة للحكم الساساني والتي تحكم باسم حكام فارس ، وكان من بين هذه الجيوش جيشان اتجها نحو المنطقة التي تسمى اليوم: أفغانستان:
الأول بقيادة الأحنف بن قيس التميمي، وجهته (خراسان)، والثاني بقيادة عاصم بن عاصم التميمي، ووجهته (سجستان).
أما فتح الأحنف لبلاد خراسان (تقع ضمن ثلاث دول: أفغانستان وإيران وتركستان)، فقد كان ذلك سنة 81هـ - 936م، وقد دخلها الأحنف عبر مدينة (الطبسين)، فافتتح (هراة) عنوة واستخلف عليها، وسار بعدها نحو (مرو الشاهجان)، فما كان من يزدجرد وهو في (مرو الروذ) إلا أن كتب إلى خاقان ملك الترك، وإلى ملك (الصغد) وإلى ملك (الصين) يستمدهم.

ودارت معارك طاحنة بين المسلمين من جهة والتحالف الفارسي التركي من جهة أخري، وانتهى الأمر بهزيمة قوى التحالف واستتباب الأمر للمسلمين، وكتب الأحنف إلى عمر بن الخطاب يبشره بالفتح، وبعث إليه الأخماس.
وعلى الرغم من فرح عمر بن الخطاب بالفتح، إلا أنه كان فرحا مشوبا بالحذر؛ إذ إن رقعة الدولة الإسلامية اتسعت في بلاد المشرق حتى شملت أرض فارس كلها ، وقد طالت خطوط المواصلات كثيرا، وتوزعت قوات المسلمين في أرجاء الشام ومصر والعراق وفارس، وكان مما قاله عمر في ذلك: "لوددت أني لم أكن بعثت إلى (خراسان) جندا، ولوددت أنه كان بيننا وبينها بحر من نار" ثم كتب إلى الأحنف ألا يتجاوز النهر إلى ما بعده:

" أما بعد" فلا تجوزن النهر، واقتصر على ما دونه، وقد عرفتم بأي شيء دخلتم على خراسان، فداوموا على الذي دخلتم به يدم لكم النصر، وإياكم أن تعبروا فتنفضوا".
ثم جمع عمر الناس وخطبهم خطبة عظيمة قال فيها: "إن الله قد أهلك ملك المجوسية وفرق شملهم، فليسوا يملكون من بلادهم شبرا يضر بمسلم، ألا وإن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون ، والله بالغ أمره ومنجز وعده ومتبع آخر ذلك أوله، فقوموا في أمره على رجل يعرف لكم بعهده، ويؤتكم وعده، ولا تتبدلوا ولا تتغيروا، فيستبدل الله بكم غيركم ، فإني لا أخاف على هذه الأمة أن تؤتي إلا من قبلكم"! ....
أما فتح عاصم بن عاصم التميمي، فقد كانت وجهته سجستان (ولاية كبيرة تشمل اليوم منطقتي (راجستان) و(سيستان)، ومن مدنها (قندهار) وسجستان بذلك أعظم من (خراسان) وأبعد فروجا، وعلى الرغم من ذلك استطاع عاصم أن يحقق النصر، ودخل ولاية سجستان، وبث جنده وسراياه، وفرض الحصار على من لم يستسلم منهم، إلى أن اضطروا إلى الصلح على أن تكون مزارع (سجستان) حمي لا يطؤها المسلمون، وبذلك فتحت ولاية (سجستان) ودخلت ضمن البلاد الإسلامية.
استعادة فتح أفغانستان :
لم ينته الأمر عند هذا الحد، ولم يستسلم أهالي تلك البلدان للفاتحين، وإنما كانت هناك مقاومات تعبوية انتهت باستعادة المغلوبين من أهل هذه البلدان لبلادهم ، وذلك في الأوقات التي انشغل الفاتحون فيها بالاضطرابات الداخلية والفتن المحلية.
وحينما استطاع الفاتحون القضاء على الاضطرابات والفتن الداخلية المحلية، استعادوا البلاد المفتوحة مرة أخري، ولكن معارك الفتح هذه لم تكن سهلة التكاليف، بل صادف المسلمون في كثير منها مقاومة شديدة، وتكبدوا خسائر فادحة بالأرواح، وجري فتح بعض المناطق والمدن عنوة.
ويذكر اللواء محمود شيت خطاب (رحمه الله) أن هناك مجموعة من القادة المتميزين أسهموا بجهد وافر في فتح أفغانستان، ومن هؤلاء:
1 - عبد الله بن عامر بن كريز العبشمي: بعد مقتل عمر بن الخطاب نقض أهل خراسان وغدروا، فلما استعاد عبد الله بن عامر فتح (فارس) غزا (خراسان)، وسير الجيوش وبعث على مقدمتها الأحنف بن قيس التميمي، وفتح مدينة تلو أخري، بعضها صلحا، والأخرى عنوة، إلى أن تم له فتح خراسان سنة 31هـ.
ثم توجه إلى (سجستان) وكانت كسابقتها (غدرت ونقضت بعد مقتل عمر بن الخطاب) ففتح حصونها وصالحه أهلها، وقاتله آخرون فقاتلهم إلى أن تم له الفتح، وكان ضمن المدن التي فتحت (كابل) و(زابلستان) وهي ولاية (غزنة) ثم عاد إلى (زرنخ) فأقام بها.
وهكذا استعاد بن عامر فتح (سجستان) وفتح لأول مرة قسما من أفغانستان، وذلك كله عام 31هـ – 615م في عهد الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه).
2 –الأحنف بن قيس التميمي: وكان من القادة التابعين لعبد الله بن عامر، وإليه ينسب فتح خراسان و(طخارستان)، فأتى الموضع الذي يقال له: قصر الأحنف، وهو حصن (مرو الروذ) فصالح أهله بعد حصارهم على ثلاثمائة ألف درهم.
وجمع الفرس حلفاءهم من أهل (طخارستان، والجوزجان، والطالقان، والفارياب) حتى بلغوا ثلاثين ألفا، والتقوا بالمسلمين عند الجانب الشرقي من نهر (جيحون) وجري قتال شديد بين الطرفين، انهزم الفرس بعده، وولوا هاربين، فألحق المسلمون بهم خسائر فادحة بالأرواح ، وفتح الأحنف كل هذه البلدان، في نفس العام 31هـ.
3 – الربيع بن زياد الحارثي:وكان – أيضا – تابع ا لجيش عبد الله بن عامر (رضي الله عن الجميع) فوجهه عبد الله إلى سجستان سنة 31هـ، ودار بينه وبين أهليها قتال شديد في بلدة (دوشت) و(ناشروذ)، و(زرنخ) و(قهستان، وفتح مدنا أخري صلحا مثل (زالق) من نواحي سجستان، وكذلك (كركويه)، واستمرت ولاية الربيع سنتين ونصفا وسبي في ولايته هذه أربعين ألف نسمة، وكان كاتبه الحسن البصري.

4 - عبد الرحمن بن سمرة العبشمي : استعمله عبد الله بن عامر على (سجستان) سنة 31هـ، فسار إليها على رأس جيش حتى بلغ (زرنخ) فحاصرها، فصالحه مرزبانها على ألفي ألف درهم وألفي وصيف. وسار عبد الرحمن حتى فتح (بست) و(كابل) و(زابلستان) في أواخر عهد عثمان (رضي الله عنه).
وفي عهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب اضطرب أمر سجستان وأفغانستان، لأن المسلمين كانوا في شغل شاغل عن الجهاد والفتح، وذهبت طاقاتهم بددا في الاقتتال بين على بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، فلما استقر الأمر لمعاوية استعمل عبد الله بن عامر على البصرة، الذي استعمل بدوره عبد الرحمن على (سجستان، فأتاها عبد الرحمن سنة 435- فكان يغزو البلد قد كفر أهله، فيفتحه عنوة أو يصالح أهله، حتى بلغ (كابل) فحاصرها أشهرا، وكان يرميهم بالمنجنيق، حتى ثلم سورها ثلمة عظيمة، وخرج أهل (كابل) يقاتلون المسلمين، فقاتلهم المسلمون حتى دخلوا المدينة عنوة بعد هزيمة أهلها.
وهكذا استعاد عبد الرحمن فتح (سجستان) و(أفغانستان)، وكان قد غزا (خراسان) وفتح بها فتوحا.
5 -الأقرع بن حابس التميمي:ويذكر له (رحمه الله) أنه توجه إلى (الجوزجان) - وجهه إليها الأحنف بن قيس سنة 32هـ فسار إليها الأقرع، فلقي العدو بالجوزجان، ودار قتال شديد ، إلى تم الفتح للمسلمين عنوة.
ويبدو أن (الجوزجان) انتفضت، فسيره عبد الله بن عامر على رأس جيش فأصيب بالجوز جان هو والجيش، فقضي هناك شهيدا سنة 33هـ، أو 34هـ، أو 35هـ على اختلاف الروايات.
حول الفتوحات :
كان من نتائج معركة نهاوند أنها فتحت أبواب المشرق الإسلامي للفاتحين المسلمين، كما فتحت معركة القادسية الحاسمة أبواب العراق، وكما فتحت معركة اليرموك بلاد الشام.
وبعد معركة نهاوند الحاسمة توزعت القوات الإسلامية التي قاتلت موحدة في هذه المعركة تحت لواء واحد إلى سبعة ألوية، بقيادة سبعة قادة، لكل منهم هدف محدد، ومهمة محددة.
وما ينبغي الإشارة إليه هو أن تغلغل المسلمين بعيد ا عن قواعدهم، وفي بلاد بعيدة غاية البعد عن بلادهم، وسط شعوب غريبة عليهم في طابعها ولغاتها وتقاليدها -- كان يعتبر مغامرة من أخطر المغامرات في تاريخ الفتوحات، ومن الصعب تسويغ هذه المغامرة إلا بتسويغ العقيدة الإسلامية التي استسهلوا من أجلها كل صعب، وتحملوا في سبيلها كل تضحية، وتغلبوا على كل ما واجههم من عقبات وأهوال.
أما القول بأن البلدان المفتوحة انهارت أمام الفاتحين المسلمين لضعف قواتها الضاربة، فقول يعوزه الدليل التاريخي، والدليل الواقعي؛ فقد فتح الإسكندر هذه البلدان من قبل فأين هو فتحه، وماذا بقي من آثاره، وكم استمر في هذه البلاد؟
لقد كان فتح الإسكندر أشبه بسحابة صيف؛ لأنه فتح قوة بطش، ولذلك لم يدم ولم يطل، أما فتح المسلمين فقد ظل مستديما حتى اليوم، وسيبقي واضح المعالم بارز الأثر ما بقي التاريخ؛ لأنه فتح مبادئ، والمبادئ تبقي، لأنها مستقاة من تعاليم القرآن والعقيدة الإسلامية.
وبالرغم من عناد البلاد المفتوحة وشدة بأسها، وضراوة مقاومتها للفاتحين المسلمين، إلا أنهم حينما اعتنقوا الإسلام ودخلوا في دين الله طواعية، حطموا الأوثان والأصنام ، ومضوا ينشرون دين الله في أرجاء أفغانستان والهند وما وراء النهر، وحملوا مشاعله شرقا وغربا، وأصبحوا عونا للفاتحين على أعدائهما، بل وأصبحوا من أخلص دعاة الإسلام.
ولعل انتشار الإسلام بين أهالي هذه البلدان يفسر لنا سهولة عودة الفاتحين إلى البلاد التي سبق فتحها ، واستعادتها ثانية إلى حظيرة الدولة الإسلامية.
إن ما نستطيع قوله ويؤكده التاريخ هو أن تأثير الإسلام في الأفغان كان تأثيرا عميقا، فأصبحوا من المتمسكين بالإسلام وتعاليمه - ولا يزالون - فكانت أفغانستان من حصون الإسلام القوية في ماضيها وحاضرها، وستبقي كذلك بإذن الله
المصدر : إسلام ويب


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 16 Feb 2011, 04:24 AM [ 53 ]


تاريخ التسجيل : Jun 2010
رقم العضوية : 29031
الإقامة : saudi arabia
الهواية : القراءة والكتابة
مواضيع : 383
الردود : 14766
مجموع المشاركات : 15,149
معدل التقييم : 223جواهر has a spectacular aura aboutجواهر has a spectacular aura aboutجواهر has a spectacular aura about

جواهر غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
العضو المميز

الشاعر المميز

الاحتفال بالعام السابع

التواصل

فعالية لقطة ومقاديرها

العضو المميز

وسام المسابقات والفعاليات

الحضور المميز


رد: عصر الخلفاء الراشدين


قضية التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما (حقائق غائبة )

كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق
09/05/1431 الموافق 22/04/2010



أتعد قضية التحكيم التي كانت بين جيشي العراق والشام بعد وقعة صفين التي دارت رحاها بين الطرفين من القضايا الشائكة في التاريخ الإسلامي , وقد كثر فيها القيل والقال دون بينة , وما زالت الأقلام تخوض فيها دون دليل من سمع أو بصر أو فؤاد , وهذه سطور تحاول أن تعالج هذه القضية بشيء من الحيطة والحذر , وإن كان الوقت غير ملائم لعرضها , ولكن ابتغاء تصحيح الصورة التي تبدو قاتمة لدى الشباب المؤمن اليوم بعد أن انحرفت به سبل الدراسات المتبعة في معاهدنا العلمية ، وارتفاع صوت المتشيعة الذين اتخذوا سب الصحابة والتطاول عليهم لهم دينا ...
فلم تمض سوى أيام قليلة على استخلاف علي ـ رضي الله عنه ـ حتى بدأ الذين شاركوا في قتل الخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ في التسلسل إلى جيشه , ومحاولة الهيمنة عليه , فاقترح عليه طلحة والزبير ـ رضي الله عنهما ـ أن يبعثهما ليأتيانه بالعساكر من البصرة والكوفة ؛ فيتقوى بهم على قتلة عثمان ، فيقتص منهم ويقطع دابرهم فرفض، مما دفع بهما وعائشة – رضي الله عنهم – إلى الخروج إلى البصرة ؛ طمعا في تكوين متطوعين من المسلمين يساعدونهم في محاصرة هؤلاء , والتخلص منهم قبل أن تستفحل قوتهم , ويعجز علي ـ رضي الله عنه ـ عن الخروج من تحت سيطرتهم .
فأسرع علي ـ رضي الله عنه ـ ليسبقهم إليها بعد أن حسب أن في خروجهم تفريقا لكلمة المسلمين , فلما التقى بهم جرت بينهما مساع توجت بالصلح ، وكاد كل فريق أن يعود من حيث أتى , وأن يجمتع شمل الأمة تحت إمارة علي ـ رضي الله عنه ـ الذي لم يعترض عليها أحد من صالحي المسلمين وأهل السبق , لكن قتلة عثمان تنبهوا لذلك , وأحسوا بأن استقرار الأمور سيتيح الفرصة لعلي ـ رضي الله عنه ـ ليقتص منهم , ويطبق فيهم حكم الله تعالى , فأفسدوا عليهم صلحهم , ودفعوهم إلى الاقتتال دفعا ، دون أن يدروا من وراء ذلك .
فتقابلت الطائفتان المؤمنتان في موقعتي الجمل – بالبصرة – وراح فيها الكثير من خيرة المؤمنين على رأسهم الزبير وطلحة ـ رضي الله عنهما ـ الذين كانا مؤهلين للخلافة بعد علي ـ رضي الله عنه ـ وهذا ما جرأ أهل الشام على المسارعة بالمطالبة بالاقتصاص من قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ حيث رأوا في تأخر القصاص منهم ازديادا لقوتهم , وعظما لخطرهم , وجعلوا ذلك شرطاً لبيعة علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـفتفرقت الأمور عليه بعد أن كادت تجتمع , ووجد نفسه مضطرا لمواجهة أهل الشام على غير إرادة منه بعد أن عجز عن إقامة الحدود على قتلة أمير المؤمنين عثمان بن عفان , لا لقلة جنوده وإنما لورعه الزائد الذي جعله يخشى من قتل نفس بريئة بين هؤلاء.
ولكن الذي ربما لم يفطن له علي ـ رضي الله عنه ـ أن المصلحة العامة كانت تقتضي بعضا من التضحية , ومن راح بريئا فالله حسيبه , ونسي أن قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ لم يجرءوا على قتله إلا لعدم إقدامه على معاقبتهم على سعيهم الحثيث لإثارة الفتنة ؛ خشية أن يأخذهم بالظنة .
ورفض نصيحة من نصحه بالتعجيل بالتخلص منهم بعد أن اتضحت نيتهم في تقويض أركان الخلافة الإسلامية , وتفريق شمل الأمة ...
سار علي ـ رضي الله عنه ـ بعد وقعة الجمل إلى أهل الشام وهو لا يدري أن في سيره إليهم من الضرر ما لا يوازيه قتال من اشتركوا في قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ ومن تحزب لهم , فمجموع قتلة عثمان ومن انضم إليهم كان لا يزيد تقريبا عن 2500 شخص ، في حين كان عدد الذين قتلوا في صفين من الجانبين يقدر بعشرات الآلف , فضلا عن أنه ساهم من حيث لا يدري في تقوية شوكة قتلة عثمان , وتوفير الحماية لهم، وهم بدورهم عززوا مواقعهم في عسكره ، وصار بعضهم من كبار قادته ، كالأشتر النخعي ، وحكيم بن جبلة " وفرقوا عليه شيعته , فانشغل بقتالهم عن مطالبة الذين أبوا عليه البيعة من قبل .
هذا فضلا عن قعود كثير من الصحابة الذين رضوا بخلافته , ولم يرضوا بمساعدته في قتال أهل الشام , مثل عمران بن حصين ، وسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، ومحمد بن سلمة ، وعبد الله بن عمر ، وأبو هريرة ، وسعيد بن زيد ـ رضي الله عنهم ـ وقعد بقعودهم الكثير من عامة الصحابة ؛ اقتداء بهم أو استجابة لطلبهم , حيث كان بعضهم كعمران بن حصين – رضي الله عنه – يحث على اعتزال الحرب ، وينهى عن بيع السلاح ، ويقول : هو بيع السلاح في الفتنة ، وأبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – الذي كان يجمع الناس ويحذرهم من المشاركة في الفتنة , ويثبطهم عن القتال , ويذكرهم بما سمعه من الرسول – عليه الصلاة والسلام – في اعتزال الفتنة .
وقد حاول علي ـ رضي الله عنه ـ أن يذكرهم بوجوب طاعته , وحقه عليهم فأبوا , فقد ذُكر أنه عندما التقى بأسامة بن زيد– رضي الله عنه – قال له : ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة فلم لا تدخل معنا ؟ فقال أسامة : يا أبا الحسن إنك والله لو أخذت بمشفر شفة الأسد لأخذت بمشفره الآخر حتى نهلك جميعاً ، أو نحيا جميعاً ، فأما هذا الأمر الذي أنت فيه ، فوالله لا أدخل فيه أبداً .
وقيل لمحمد بن مسلمة الأنصاري – رضي الله عنه – ألا تخرج للنهي والأمر ؟ قال : قال لي الرسول صلى الله عليه وسلم : "ستكون فرقة وفتنة واختلاف فاكسر سيفك ، واقطع وترك ، واجلس في بيتك" (رواه الطبراني في المعجم الكبير).
بل كان من أقربائه من كره مقاتلة أهل الشام , منهم ابنه الحسن ـ رضي الله عنه ـ الذي قال له : يا أبتي دع هذا ، فإن فيه سفكاً لدماء المسلمين واختلاف بينهم , فلم يقبل منه (1) وعبد الله بن عباس ، الذي نصحه بعدم الخروج للقتال ، وحذره من موافقة رؤوس الفتنة الذين حسنوا له الخروج إلى العراق من أجل القتال ، فلم يستجب له (2)...
والتقى الجيشان جيش علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ في منطقة صفين هذه المنطقة التي اشتهرت في التاريخ بشهرة المعركة , واستحر القتال بين المسلمين الذين طالما سعى كل واحد منهم لحماية الآخر بنفسه , وأحبه حبه لبنيه وأهله , والتقى الرجال الذين طالما جمع بينهم الحب والمودة , وسالت الدماء النقية هدرا , تلك الدماء التي عز سيلها في أعتى المعارك في تذليل أقوى قوتين على وجه المعمورة ..
التقى الأطهار في صفين ليقول كل منهم للآخر : أقاتلي يا أبا ... , ولم يجد الشيطان فرصة كهاته أمام استحياء كل فريق من الفرار من أرض المعركة حتى اقترح عمرو بن العاص على معاوية – رضي الله عنهما – بعرض المصالحة ووقف القتال على علي ـ رضي الله عنه ـ طلبا للمسالمة بعد أن كادت الحرب تطحن الفريقين طحنا , فوافقه وأمر جيشه برفع المصف كراية بيضاء ،ثم أرسلا إلى علي يعرضان عليه الصلح والاحتكام إلى كتاب الله .
وهنا وجد علي ـ رضي الله عنه ـ الفرصة قد واتته ليحقن ما تبقى من دماء الفريقين , فقال : " نعم أنا أولى بذلك ، بيننا وبينكم كتاب الله " ومرة أخرى يرى أعداء الأمة الذين اندسوا بين صفوفه في اندمال جرح المسلمين خطرا عليهم , فيعلنوا العصيان على أمير المؤمنين عليا , ويستهووا الجهلة من المسلمين تحت زعم "لا حكم إلا لله " وأفسدوا عليه أمره كما أفسدوه قبيل وقعة الجمل .
قال : حبيب بن أبي ثابت : أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي بالنهر , وفيما استجابوا له , وفيما فارقوه , وفيما استحل قتالهم , فقال : كنا بصفين فلما استحر القتال بأهل الشام اعتصموا بتل , فقال عمرو بن العاص لمعاوية : أرسل إلى علي بمصحف فأدعه إلى كتاب الله , فإنه لن يأبى عليك , فجاء به رجل , فقال : بيننا وبينكم كتاب الله " ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ" آل عمران 23 .
فقال علي : نعم . أنا أولى بذلك بيننا وبينكم كتاب الله , فجاءته الخوارج ونحن ندعوهم يومئذ القراء , وسيوفهم على عواتقهم , فقالوا : يا أمير المؤمنين ما ينتظر هؤلاء القوم الذين على التل ؟ ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم , فتكلم سهل بن حنيف فقال : يا أيها الناس اتهموا أنفسكم فلقد رايتنا يوم الحديبية ـ يعني الصلح الذي كان بين رسول الله وبين المشركين ـ ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر إلى رسول الله فقال يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل..... (3)
وهذه هي الرواية التي ضاعت في غيابات الروايات التي ذكرها المؤرخون , وأصر من جاء بعدهم على التنكر لها , وصار الشائع عند الناس أن عليا ـ رضي الله عنه ـ هو الذي رفض قبول وقف القتال , وأن الخوارج هم الذين أجبره على قبوله على مضض , كأنهم كانوا أحرص على حقن دماء المسلمين منه , مع إن المشهور عنهم استحلالهم لدم كل مخالف لهم .
وزعم من زعم أنه لما رفع أهل الشام المصاحف ، قال علي – رضي الله عنه – لأصحابه : إن في الأمر مكيدة ، ويجب الاستمرار في القتال ، وأن رؤوس أهل الشام ، كمعاوية ، وعمرو بن العاص ، وابن أبي معيط ، وحبيب بن مسلمة ، وابن أبي سرح ، والضحاك بن قيس ، ليسوا أصحاب دين ولا قرآن ، وأنه قد صحبهم أطفالاً ورجالا فكانوا شر أطفال , وشر رجال " مع إن من بين هؤلاء من يزيد عمره على عمر علي بعشرات السنين , وفيهم من يصغره بكثير , فكيف صحبهم أطفالا ورجالا ؟! ..
وفيهم من الصحابة من هو مشهور له بالفضل , وفيهم من اعتزل الفتنة , ولم يؤيد عليا أو معاوية في موقفهما مثل : عبد الله بن سعد بن أبي سراح , وابن أبي معيط , فالأول لم يبايع علياً ولا معاية , واعتزال الفتنة بفلسطين إلى أن توفي بها سنة 36هـ قبل معركة صفين ، والثاني اعتزل الفتنة , ولم ينضم إلى أية طائفة .
ثم قال : ويحكم ( هكذا تزهم الرواية ) والله إنهم يقرءونها ولا يعملون بما فيها , وما رفعوها إلا خديعة ودهاء ومكيدة(4)...وأن جماعة من القراء والخوارج طالبوه بالموافقة على وقف القتال ، وهددوه بالقتل أو يدفعونه إلى خصمه إن لم يوافق ، فرضخ لهم , ووافقهم بعدما حذرهم من مغبة فعلهم هذا ، وأمر قادته بوقف القتال ...
وكل هذا ليس من الصحة في شيء , وإنما ما حصل هو إسراع علي بالموافقة على قبول التحاكم إلى كتاب الله سبحانه وتعالى , لأنه كان يتورع من قتال من تدور حوله شبهة الاتهام بالمشاركة في قتل الخليفة عثمان الذي يعد اعتدء على منصب الخلافة , وهيبة الأمة قبل أن يكون اعتداء على نفس عثمان رضي الله عنه , فكيف لا يتورع من قتال أهل الشام وهو يرى صدق نية الكثير منهم , وشهد لمن مات على حسن نيته بالجنة , حيث قال : إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة , وطالما تمنى أن لو كانت منيته قد حضرته قبل أن يشهد فيه هذا اليوم الذي سالت في دماء المسلمين أنهارا ...
وكما افترى كثير من الرواة على علي في أمر وقف القتال , وزعموا أنه لم يقبله افتروا أيضا في أمر تعيين الممثل عنه في التفاوض ( أقصد أبا موسى الأشعري ) فزعموا أن الخوارج أجبروه على اختياره , فقال لهم : فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن , إني لا أرى أن أُولي أبا موسى , فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي : لا نرضى إلا به , فإنه ما كان يحذرنا منه وقعنا فيه , قال علي : فإنه ليس لي بثقة , قد فارقني وخذل الناس عني , ثم هرب مني حتى أمنته بعد أشهر , ولكن هذا ابن عباس نوليه ذلك , قالوا : ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس , لا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ليس إلى واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر , فقال علي : فإني أجعل الأشتر (5) .
وملأت أخبارهم الكتب بأن أبا موسى كان مغفلا , وأن عمرا كان ماكرا ذكيا , وأن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ حذر أبا موسى منه , فلم يتنبه لنصحه , وأنه تقدم أمام الحاضرين بعد الصلح وقال : إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة , فلم نر أصلح لأمرها ، ولا ألم لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه ، وهو أن نخلع علياً ومعاوية , وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر ، فيولوا منهم من أحبوا عليهم ، وإني قد خلعت علياً ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً .
ثم تنحى وأقبل ابن العاص فقام مقامه ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : إن هذا قال ما سمعتم وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأثبت صاحبي معاوية ، فإنه ولي عثمان بن عفان الطالب بدمه , وأحق الناس بمقامه ، فقال أبو موسى : مالك لا وفقك الله ، غدرت وفجرت ! إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث ، فقال عمرو : إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً ، ثم انصرف مع أهل الشام إلى معاوية ، وسلموا عليه بالخلافة , وقال ابن عباس : قبح الله رأي أبي موسى حذرته وأمرته بالرأي فما عقل , فكان أبو موسى يقول : حذرني ابن عباس غدرة الفاسق : لكنني أطمأننت إليه ، وظنت أنه لن يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة...
وهذه الروايات ما هي إلا قصص وحواديت كان يتسلى بها العوام من الشيعة بعد أن صار دينهم القصص والأساطير ؛ لأن وصف أبي موسى بأنه مغفل وضيعف الرأي ، وعمرو بأنه مكار ومخادع وداهية ، زعم غير صحيح ؟ فأبو موسى قد أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مع معاذ بن جبل ، وولاه عمر بن الخطاب إمارة البصرة والكوفة .
وأُثني عليه بالفهم وخصه بكتابه الشهير في آداب القضاء وقواعده ، وكان من أعلم الصاحبة وأقضاهم ، وجاهد زمن الرسول وبعده ، وهو الذي فتح مدينتي إصفهان وتستر , فهل يعقل أن يكون من هذه صفاته وأعماله مغفلا ضعيف الرأي ؟ (6)
يشهد لذلك ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي المالكي "أن الطائفة التاريخية الركيكة عندما أرادت تزييف التاريخ , روجت بين الناس أن أبا موسى كان أبلهاً ضعيف الرأي محدد القوى ، وأن عمرو بن العاص كان داهية ضربت الأمثال بدهائه ، كل ذلك ليسهل له تحقيق ما أرادته.
وأما عمرو بن العاص ، فقد شهد له التاريخ بالفطنة ، والذكاء والحزم ، ولكنه ما كان مخادعا ولا ماكرا , فقد أسلم قبل الفتح وهاجر إلى المدينة طواعية ، ومدحه الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان عندما قال : "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص" رواه أحمد والترمذي ،وحسنه الألباني .
وولاه رسول الله إمرة جيش غزوة ذات السلاسل وتحت إمرته كبار الصحابة ، وحديثه مروي في الصحيحين ، وغيرهما من كتب الحديث , ولذا فإنه من المستبعد جداً أن يصدر عنه ما نسب إليه من مكر وخداع وكذب.
كما أن ما ذكر في هذه الروايات عن عرض نتيجة التحكيم لا يمكن أن يقبله عقل ولا منطق , وذلك لأن أبا موسى وعمرو لم يجتمعا سرا ثم يلقيان بيانهما أمام الناس بعد الاتفاق , وإنما كان معهما من الطرفين قرابة التسعمائة , بينهم كبار الصحابة كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر , وجاء في كتاب الصلح كما ذكر الزهري " يأخذ الحكمان من أرادا من الشهود , ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة ".
وهذه عبارة موجزة اقتبسها من بين ما ذكره المسعودي وابن خلدون "قيل: إنه لم يكن بينهما غير ما كتباه في الصحيفة , وإقرار أبي موسى بأن عثمان قتل مظلوماً " .
مما يعني أن التداول تم في حضور الشهود , وإذا كانت ثمة نتيجة تم التوصل إليها فلابد أن تكون قد كتبت , وشهد عليها الحاضرون , فكيف إذن يغير الممثلان ما نص فيها , ولو افترضنا أن البيان ألقي مشافهة , فلماذا لم يعترض الشهود , ويقولوا لعمرو : إنك قد كذبت , وخالفت في بيانك ما تم الاتفاق عليه ؟؟؟ , ثم هذا البيان ألقي أمام من ؟؟ وقد رحل الجيشان قبل أن يتم الاتفاق , عاد جيش الشام إلى الشام , وجيش العراق إلى العراق .
يقول الطبري : "حكموا الحكمين فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري , واختار أهل الشام عمرو بن العاص , فتفرق أهل صفين حين حُكم الحكمان , فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن , ويخفضا ما خفض القرآن , وأن يختارا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم , وأنهما يجتمعان بدومة الجندل , فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح " (8) .
وهذا يجعلني أقول ـ والله أعلم ـ إن التحكيم كان ينص على أمرين , الأول : أن يوقف القتال ويعود كل فريق من حيث أتى , وهذا ما حصل ونصت عليه رواية الطبري , والثاني : أن يتباحث الحكمان في إيجاد حل للقضية الشائكة التي اشتعلت الحرب بسببها , وهي كيفية القصاص من قتلة الخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ وهو ما انفض عنه الحكمان دون التوصل فيه إلى حل .
وأما قضية الخلافة فقد أقحمها الرواة فيما بعد , والذين تلقوا معلوماتهم من عوام الناس , وما جعلني أذهب إلى هذا الرأي الذي قد يبدو بعيدا عند الكثيرين أن أمر الخلافة والتباحث فيها لم يكن إلى هؤلاء , وإنما لأهل الحل والعقد , وعلى رأسهم سعد بن أبي وقاص , وعبد الرحمن بن عوف , وعبد الله بن عمر , ومن تبقى من كبار الأنصار , وما كان أبو موسى وعمرو على فضلهما من أهل الشورى , فلماذا إذا يقدمان ويترك أهل الحق والفضل خصوصا وأنه لم يرد أن أحد الطائفتين قد اعترض على أحد منهم , وأن هؤلاء الثلاثة لم يتحيزوا لفريق دون الآخر , وكانوا ممن اعتزل القتال .
ويؤيد ذلك تضارب الأقوال التي أقحمت موضوع الخلافة في التحاكم ، فرواية تقول : إنهما اتفقا على خلع علي ومعاوية ، وترك الأمر شورى بين المسلمين , وأخرى تقول : إنهما خلعا الاثنين وعينا ابن عمر خليفة للمسلمين ، وثالثة تقول : إنهما اتفقا على أن يخلع كل واحد صاحبه ، دون التطرق لمصير الخلافة.
كما يؤكده أيضا ما توصل إليه في بحثه الشيخ محب الدين الخطيب من أن الأمر الذي اتفق الحكمان على رده إلى الأمة أو إلى أهل الشورى ليس إلا أمر الخلاف بين علي ومعاوية حول قتلة عثمان.
وإني هنا أستأنس بما ذكره العالم ابن العربي حيث يقول : إن الناس قد تحكموا في أمر التحكيم , فقالوا فيه ما لا يرضاه الله ، وإذا لحظتموه بعين المروءة – دون الديانة – رأيتم أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب – في الأكثر – عدم الدين ، وفي الأقل جهل مبين, وأما ما روي عما جرى بين الحكمين فهو كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط , وإنما هو شيء أخبر به المبتدعة ، ووضعته التاريخية للملوك , فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع.
أما لماذا انفض اجتماع التحكيم دون أن يصل لنتيجة مرضية فيما يخص هذه النقطة فلم أجد لها تأويلا غير تفرق الأمر على علي ـ رضي الله عنه ـ أكثر من ذي قبل ,وعلم المحكمين بعجزه عن مسألة القصاص من القتلة , ففي الوقت الذي كان يتم بحث هذا الأمر بين ممثلي الطائفتين كان ـ رضي الله عنه ـ مشغولا بقتال الحرورية , فكيف يفرغ لمتابعة ما يدور بين المتحاكين , ويسعى لتنفيذ ما يتفقون عليه , بل كيف يتفرغ لأمور الأمة وهو لا يفرغ من صراع معهم إلا ويدخل في آخر .
ولعل ذلك ينبهنا إلى أن خير وسيلة للقضاء على الشر هو اجتثاثه قبل أن يستفحل شره , وإلا ففي كل يوم يمر عليه يزداد خطره حتى يودي بهيبة الدولة كما رأينا في أثر المردة الذين ظهروا في حياة عثمان ـ رضي الله عنه ـ وكيف وصل بهم الحال إلى تقويض أركان الخلافة الإسلامية الراشدة إلى أجل غير مسمى , فضلا عما سال من دماء , ولولا أن الأمة كانت لا تزال في بداية شبابها , وأن معاوية الذي آلى إليه الحكم بعد زوال الخلافة الراشدة كان من بقية الصحابة لحدث ما لا يعلمه إلا الله , وأن نعلم أن أخذ الروايات التاريخية من أفواه العوام من الناس كان مما شوه صورة المجتمع الإسلامي الأول , وأخفى عنا حقيقة ما حدث في فتنة المسلمين الأولى وكيف حدث .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 16 Feb 2011, 04:26 AM [ 54 ]


تاريخ التسجيل : Jun 2010
رقم العضوية : 29031
الإقامة : saudi arabia
الهواية : القراءة والكتابة
مواضيع : 383
الردود : 14766
مجموع المشاركات : 15,149
معدل التقييم : 223جواهر has a spectacular aura aboutجواهر has a spectacular aura aboutجواهر has a spectacular aura about

جواهر غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
العضو المميز

الشاعر المميز

الاحتفال بالعام السابع

التواصل

فعالية لقطة ومقاديرها

العضو المميز

وسام المسابقات والفعاليات

الحضور المميز


رد: عصر الخلفاء الراشدين


فضل ابن العاص على أقباط مصر

كتب: د /محمد عمارة
25/10/1431 الموافق 03/10/2010




"يعقوب نخلة روفيلة" (1847 ـ 1905م) كاتب قبطي، كتب كتابًا عنوانه "تاريخ الأمة القبطية".. ولقد أحسنت مؤسسة مارمرقس لدراسة التاريخ عندما أعادت طبع هذا الكتاب سنة 2000م ـ بمقدمة للدكتور جودت جبرة..

وفي هذا الكتاب يشهد هذا الكاتب القبطي للفتح الإسلامي الذي حرر مصر من الاستعمار الروماني الذي دام عشرة قرون.. وحرر ضمائر أهل مصر من الاضطهاد الديني الذي لا يزال تضرب بقسوته الأمثال.. يشهد يعقوب نخلة روفيلة على هذه الحقيقة التاريخية.. ويقدم الوقائع التي يجب أن تأخذ طريقها إلى عقولنا وقلوبنا جميعًا ـ فيقول:"ولما ثبت قدم العرب في مصر, شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهلين واستمالة قلوبهم إليه, واكتساب ثقتهم به, وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه, وإجابة طلباتهم.

وأول شيء فعله من هذا القبيل: استدعاء "بنيامين" البطرك الذي اختفي من أيام هرقل ملك الروم, فكتب أمانا وأرسله إلي جميع الجهات يدعو فيه البطريرك للحضور, ولا خوف عليه ولا تثريب, ولما حضر وذهب لمقابلته ليشكره علي هذا الصنيع, أكرمه وأظهر له الولاء, وأقسم له بالأمان على نفسه وعلى رعيته, وعزل البطريرك الذي كان أقامه هرقل, ورد «بنيامين» إلى مركزه الأصلي معززًا مكرمًا..

وكان «بنيامين» موصوفًا بالعقل والمعرفة والحكمة, حتى سمّاه بعضهم «بالحكيم».. وقيل: إن عمرًا لما تحقق ذلك منه, قربه إليه, وصار يدعوه في بعض الأوقات ويستشيره في الأحوال المهمة المتعلقة بالبلاد وخيرها, وقد حسب الأقباط هذا الالتفات منة عظيمة وفضلاً جليلاً لعمرو..

واستعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء القبط وعقلائهم علي تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة الأهالي, فقسم البلاد إلي أقسام يرأس كلا منها حاكم قبطي ينظر في قضايا الناس ويحكم بينهم, ورتب مجالس ابتدائية واستئنافية مؤلفة من أعضاء ذوي نزاهة واستقامة, وعين نوابًا من القبط ومنحهم حق التداخل في القضايا المختصة بالأقباط والحكم فيها بمقتضي شرائعهم الدينية والأهلية, وكانوا بذلك في نوع من الحرية والاستقلال المدني, وهي ميزة كانوا قد جردوا منها في أيام الدولة الرومانية...

وضرب عمرو بن العاص الخراج علي البلاد بطريقة عادلة.. وجعله على أقساط, في آجال معينة, حتى لا يتضايق أهل البلاد...

وبالجملة, فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يروها من أزمان"...

هكذا شهد هذا الكاتب القبطي على أن الفتح الإسلامي قد مثل بالنسبة للشعب:

* تحرير للأرض والوطن من استعمار ضربهم عشرة قرون من الإسكندر الأكبر (350 ـ 324ق م) في القرن الرابع قبل الميلاد ـ وحتى هرقل في القرن السابع الميلادي..

* تحريرًا للنصرانية المصرية من الاضطهاد الروماني الذي اعتبرها هرطقة، وحظر عليها الشرعية والعلنية وأغلق كنائسها وأديرتها.. وطارد البطرك الوطني "بنيامين" ثلاثة عشر عامًا.. حتى جاء الفتح الإسلامي.. فأمن البطرك الوطني وحرر الكنائس والأديرة المصرية من الاغتصاب الروماني، وردها إلى أهلها نصارى مصر..

* كما أشرك هذا الفتح الإسلامي أهل مصر في إدارة البلاد وحكمها، لأول مرة منذ قرون.. فتحققت لهم بعبارة يعقوب نخلة روفيلة: "حرية الاستقلال المدني التي جردوا منها في أيام الدولة الرومانية"..

* كما جعل الفتح الإسلامي قضاء البلاد من أهلها "بمقتضى شرائعهم الدينية والأهلية".. بعد أن كان القضاء رومانيًا..

* ولأول مرة يسود العدل في الضرائب، فتربط بوفاء النيل وإنتاج الأرض.. وتوزع على القساط "حتى لا يتضايق أهل البلاد"!..

إنها شهادة جديرة بأن تتخذ مكانها في العقول والقلوب.

المصدر : جريدة المصريون


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 21 Mar 2012, 12:33 PM [ 55 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Mar 2011
رقم العضوية : 37316
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 453
الردود : 11877
مجموع المشاركات : 12,330
معدل التقييم : 328شمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the rough

شمس الأصيل غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
المشاركة في احتفالية العام التاسع

مسابقة الاحتفال التاسع

المشرفة المتميزة

القسم المميز

المشرفة المميزة

فعالية سماؤنا زرقاء

العضو المميز

الحضور المميز


رد: عصر الخلفاء الراشدين


نبذة متكاملة عن عصر ذهبي
في تأريخ الإسلام


توقيع : شمس الأصيل
الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

01:31 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com