آخر 10 مشاركات |
مختارات | قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، أَفَلا يُؤْمِنُون} |
مواضيع ننصح بقراءتها |
|
||||||||||||||||||
الدولة الأموية
|
19 Sep 2012, 07:02 AM | [ 2 ] | |||||||||
|
رد: الدولة الأموية
|
|||||||||
19 Sep 2012, 07:03 AM | [ 3 ] | |||||||||
|
رد: الدولة الأموية
|
|||||||||
19 Sep 2012, 07:04 AM | [ 4 ] | |||||||||
|
رد: الدولة الأموية
|
|||||||||
19 Sep 2012, 07:05 AM | [ 5 ] | |||||||||
|
رد: الدولة الأموية
|
|||||||||
19 Sep 2012, 07:06 AM | [ 6 ] | ||||||||
|
رد: الدولة الأموية
جهاده في خلافته كانت الغارات على بلاد الروم أثناء خلافة معاوية رضي الله عنه لا تنقطع صيفًا أو شتاءً، وكان الغرض من هذه الغارات استنزاف قوة العدو، ومن أشهر القواد المجاهدين في بلاد الروم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وبُسْر بن أرطأة الذي تقدم على رأس شاتية عام 43هـ حيث اقترب من القسطنطينية، ومالك بن هبيرة، وأبو عبد الرحمن القيني وعبد الله بن قيس الفزاري، وفضالة بن عبيد الأنصاري، وغيرهم كثير. وكان هدف هذه الغزوات جميعها القسطنطينية، وفي عام 50 هـ جهز معاوية حملة كبيرة من البر والبحر لتغزو القسطنطينية، وأعطى قيادة جيش البر لسفيان بن عوف الأزدي، وجعل ابنه يزيد في قيادة الحملة إلا أن يزيد لم يخرج مع الحملة، أما الأسطول فقد قاده بسر بن أرطأة، وحوصرت عاصمة الروم، وجرت اشتباكات بين الطرفين خسر فيها المسلمون خسائر كبيرة فعمل معاوية على إرسال نجدة كبيرة بقيادة ابنه يزيد ومعه أبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن العباس، وبوصول النجدة ارتفعت معنويات المجاهدين فاشتد الحصار وأصاب المسلمون من الروم وإن لم يستطيعوا فتح القسطنطينية، وقد استُشهِد في هذا القتال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعبد العزيز بن زرارة الكلابي، وقد كانا على رأس الذين يثيرون حماسة المجاهدين. استطاع معاوية رضي الله عنه أن يضيق الخناق على الدولة البيزنطية بالحملات المستمرة والاستيلاء على جزر رودس وأرواد، وقد كان لجزيرة أرواد أهمية خاصة لقربها من القسطنطينية، حيث اتخذ منها الأسطول الإسلامي في حصاره الثاني للمدينة أو حرب السنين السبع 54 ـ 60 هـ قاعدة لعملياته الحربية، وذلك أن معاوية رضي الله عنه أعد أسطولاً ضخمًا وأرسله ثانية لحصار القسطنطينية، وظل مرابطًا أمام أسوارها من سنة 54 هـ إلى سنة 60 هـ، وكانت هذه الأساطيل تنقل الجنود من هذه الجزيرة إلى البر لمحاصرة أسوار القسطنطينية، وقد أرهق هذا الحصار البري والبحري والبيزنطيين كما أنزل المسلمون بالروم خسائر فادحة، وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع المسلمون فتح القسطنطينية.. ومن أجل بناء أسطول إسلامي بحري قوي، أقام معاوية رضي الله عنه دارًا لصناعة السفن البحرية في جزيرة الروضة بمصر عام 54 هـ. كما نفذ معاوية خطة لنقل أعداد من العرب المسلمين إلى الجزر في البحر الأبيض المتوسط لحمايتها ونشر الإسلام على ربوعها. فتم نزول المسلمين بصقلية عام 48هـ، واستطاع فضالة بن عبيد الأنصاري فتح جزيرة (جربا) عام 49هـ وقد سار إليها على رأس شاتية في ذلك العام. وعندما تولى معاوية بن حديج أَمْرَ المغرب فتح بنزرت عام 41هـ، كما دخل قمونية موضع القيروان عام 45هـ، وأرسل عبد الله بن الزبير ففتح سوسة في العام نفسه، ورجع معاوية بن حديج إلى مصر فتولى أمر المغرب رويفع بن ثابت الأنصاري، وبقي عقبة بن نافع على برقة ففتح (سرت) و (مغداس) وأعاد فتح ودَّان، ودخل فزَّان، ووصل إلى جنوبها إلى كاوار، ودخل غدامس وقفصة وابتنى القيروان، كما فتح كورًا من بلاد السودان. وفي عام 50هـ تولى أمر مصر مسلمة بن مخلد فعزل عقبة بن نافع عن أمر المغرب وولَّى أبا المهاجر دينار فوصل إلى المغرب الأوسط، هذا ما كان أيام معاوية في إفريقية. أما في الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية فقد غزا المسلمون بلاد اللان عام 41هـ، وفتحوا الرخج وغيرها من بلاد سجستان عام 43هـ، ودخل الحكم بن عمرو الغفاري منطقة القيقان في طخارستان وغنم غنائم كثيرة عام 45هـ، كما فتح المسلمون قوهستان، وفي عام 55هـ قطع عبيد الله بن زياد نهر جيحون ووصل إلى تلال بخارى.. وغزا المسلمون في عام 44هـ بلاد السند بإمرة المهلب بن أبي صفرة كما غزوا جبال الغور عام 47هـ، وكان المهلب مع الحكم بن عمرو الغفاري، وكان سكان المنطقة الشرقية ينكثون بالعهد مرة بعد أخرى، ويعود المسلمون لقتالهم ودخول أراضيهم؛ لذلك نلاحظ أن مناطق تلك الجهات قد فُتِحَت عدة مرات، واستمرت مدة من الزمن على هذه الحال حتى دانت نهائيًا أيام الوليد بن عبد الملك.. معاوية وولاية العهد ليزيد: للإسلام نظامه السياسي الخاص به، وهذا النظام قد حددته آيات القرآن وأحاديث الرسول صلَّى الله عليه وسلم بشكل إجمالي يتحاشى التفصيلات التي تتغير بتغير الزمان والمكان ليظل ذلك النظام صالحًا لكل زمان ومكان.. كما يُلاحَظ أنه لم يكن هناك طريقة واحدة لاختيار الخليفة في عصر الراشدين بحيث يُعَدُّ تجاوُزُها خروجًا عن الإسلام أو ضربًا لنظامه السياسي، غير أن تعدد طرق اختيار الخليفة جاء دائمًا محكومًا برضا أهل الحل والعقد من قادة المسلمين وذوي الرأي والتأثير فيهم، وهذا الرضا كان يعني بطبيعة الحال استيفاء المرشح للخلافة شروطها، وتميزه عمَّن سواه في هذا الصدد، كما يعني ضمان رضاء الأمة تبعًا لرضا قادتها من أهل الحل والعقد. وحين نحتكم إلى أقوال علمائنا في معنى أهل الحل والعقد نجدهم يختلفون إلى عدة أقوال يرجح منها أنهم أصحاب الشوكة والعصبية والقوة القادرين على الاختيار وتحقيق إرادتهم، وإمضاء رغبتهم على مخالفيهم، وهذا ما تحقق في ذلك الظرف التاريخي في أهل الشام.. لقد بدأ معاوية رضي الله عنه يفكر فيمن يكون الخليفة من بعده، فرأى أنه إن لم يستخلف ومات ترجع الفتنة مرة أخرى. فقام معاوية باستشارة أهل الشام في الأمر، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده من بني أمية فرَشَّح ابنه يزيد، فجاءت الموافقة من مصر وباقي البلاد، وأرسل إلى المدينة يستشيرها، وإذا به يجد المعارضة من الحسين وابن الزبير، وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عباس.. إلا أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قد بايعا فيما بعد طوعًا ليزيد، وكان اعتراضهما ليس على يزيد في شخصه، ولكن على أن يولي الخليفة ابنه، وأن يُوَرَّث الحكم. واعتبر معاوية رضي الله عنه أن معارضة هؤلاء ليست لها أثر، وأن البيعة قد تمت، حيث أجمعت الأمة على هذه البيعة. وقد أورد المؤرخون عدة روايات بشأن البيعة ليزيد عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه وعن غيره، ومن ذلك ما ذكره ابن العربي والسيوطي أن معاوية رضي الله عنه قد استدعى هؤلاء النفر كلاً منهم على حده، وحدثهم بشأن البيعة ليزيد فاختلفت ردودهم حيث وافق ابن عمر قائلاً لمعاوية رضي الله عنهما: " أما بعد فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك خيرًا منهم، فلم يروا في ابنهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، وإنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا واحد منهم".. أما عبد الرحمن بن أبي بكر فامتنع عن البيعة قائلاً: "إنك واللهِ لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردنَّ هذا الأمر شورى في المسلمين، أو لتفرنها عليك جذعة".. أي لتنكشفنَّ عليك فتنة في أشد حالاتها ـ ويلاحظ أن الذين انتحلوا هذه الأقوال في الاستطالة على معاوية لم يطعنوا في كفاءة يزيد وأهليته لأنه آخر ما يرتابون فيه.. أما عبد الله بن الزبير فقد تحفظ قائلاً لمعاوية: "إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها وهَلُمَّ ابنك فَلْنبايعه. أرأيت إذا بايعتُ ابنك معك لأيكما نسمع؟ لأيكما نطيع؟ لا تجتمع البيعة لكما أبدًا..وتبدو حُجَّةُ ابن الزبير في هذه الرواية واهية؛ لأن ابن الزبير رضي الله عنه يعلم تمامًا أن بيعة يزيد إنما هي بولاية العهد، وأنه لن يكون خليفةً يُطاعُ إلا بعد موت أبيه، فالذين اخترعوا هذه الأخبار وأضافوها إلى وهب بن جرير بن حازم يكذبون كذبًا مفضوحًا. ويروي أيضًا أن معاوية رضي الله عنه رحل إلى الحجاز معتمرًا سنة 56هـ حيث التقى هناك بأبناء الصحابة البارزين وحاول إقناعهم بالبيعة ليزيد.. ويبدو أن معاوية رضي الله عنه قد أصاب في محاولة إقناعهم بعض التوفيق، وإن لم يقتنع بعضهم بما أراد، وقد تعرض ذلك الموقف إلى تحريف كبير لدى بعض المؤرخين الذين اخترعوا قصة محبوكة ـ يسجلها ابن الأثير ـ مُؤَدَّاها أن معاوية رضي الله عنه أجبر الصحابة المعارضين وهم الحسين وابن الزبير وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر على البيعة لولده تحت تهديد السلاح! فهم يزعمون أنه سار إلى الحجاز في ألف فارس فقدم المدينة حيث قابله هؤلاء النفر خارجها، فعنَّف بهم وهاجمهم هجومًا مرًا، وسبهم فأقبلوا خلفه فلم يلتفت إليهم، فلما أيسوا منه ساروا إلى مكة، وأنه لقي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه في المدينة فأوصته بالرفق بهم، فلما سار إلى مكة وقابلوه رَحَّبَ بهم، وتلطَّف إليهم، فتركهم يعجبون من موقفيه، وتحدث باسمهم ابن الزبير فعرض على معاوية أن يختار بين عدة خصال إما أن يترك الأمة بغير اختيار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو أن يعهد إلى رجل غير ذي قرابة كما فعل أبو بكر، أو يجعلها شورى في بضع رجال كما فعل عمر، فأبى معاوية ذلك، ثم قال لهم: "إنه قد أعذر من أنذر، إني كنت أخطب فيقوم إليَّ القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس، فأحمل ذلك وأصفح عنه، ألا وإني قائم بمقالة، فأقسم بالله لئن رَدَّ علي أحد كلمة في مقامي هذا ألا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه، فلا يبقين رجل إلا على نفسه، ثم دعا قائد حرسه، وأمره أن يقيم على كل رجل منهم حارسين في المسجد الحرام، ليبادروا إلى من يعارضه بقطع رأسه، كما بَثَّ بقية حراسه في أرجاء المسجد، ثم دخل ودخلوا فقال:" أيها الناس إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، ولا يُقضى أمرٌ إلا عن مشورتهم وإنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوا على اسم الله، وهم جلوس لا يجرؤ أحدهم على الحديث مخافة القتل، وظَنَّ الناس الصدق في حديث معاوية فبايعوا... موقف ابن عمر من البيعة ليزيد: لقد روى البخاري في صحيحه ما يبطل جميع الروايات المتقدمة، فعن عكرمة بن خالد أن ابن عمر قال: دخلتُ على حفصة ونوساتها تنظف، قلت: قد كان من الأمر ما ترين، فلم يجعل لي من الأمر شيء، فقالت: "الحق فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرْقَةٌ فلم تدعه حتى ذهب"، فلما تفرَّق الناس خطب معاوية؛ فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه، قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أَحَقُّ بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تُفرِّق بين الجمع وتسفك الدم، ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعدَّ الله في الجنان، فقال حبيب: حُفِظتَ وعُصِمْتَ. وروى البخاري أيضًا أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُنصَبُ لكل غادر لواءٌ يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لاأعلم غدرًا أعظم من أن نبايع رجلاً على بيع الله ورسوله ثم ننصب له القتال، وإني لاأعلم أحدًا منكم خلعه، ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه. وهذا ابن عمر يعلن في أحرج المواقف ـ أي في ثورة أهل المدينة على يزيد بتحريض ابن الزبير وداعيته ابن المطيع أن في عنقه كما في أعناقهم بيعة شرعية لإمامهم على بيع الله ورسوله وأن من أعظم الغدر أن تبايع الأمة إمامها ثم تنصب له القتال، ولم يكتف ابن عمر بذلك في تلك الثورة على يزيد بل روى مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه (ج6/ ص22) أن ابن عمر جاء إلى ابن مطيع داعية ابن الزبير ومثير هذه الثورة؛ فقال ابن مطيع: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة.. فقال ابن عمر: إني لم آتِكَ لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حُجَّةَ له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ".. ويُروى أيضًا أن بن عمر قال عندما بويع يزيد قال: "إن كان خيرًا رضينا، وإن كان شرًا صبرنا".. وثبت عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استُخلِف يزيد بن معاوية فقال: تقولون إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد، ولكن واللهِ لأن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق، أرأيتم بابًا دخل فيه أمة محمد ووسعهم أكان يعجز عن رجل واحد دخل فيه؟ قلنا: لا. قال أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم: لا أريق دم أخي ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأتيك الحياء إلا خير".. قيل: إن الصاحب الذي كنَّى عنه حميد بن عبد الرحمن هو ابن عمر والله أعلم. فهذه الرواية تدل على أن ولاية المفضول نافذة، وإن كان هنالك من أهو أفضل منه إذا عُقِدَتْ له، ولِمَا في حلها أو طلب الفضل من استباحة ما لا يباح، وتشتيت الكلمة، وتفريق أمر الأمة.. فهذه الأخبار الصٍِّحَاح توضح أن ابن عمر كان مسلمًا في أمر يزيد، وأنه بايع له والتزم بهذه البيعة هو ومن معه. معاوية رضي الله عنه يُعِدُّ ابنه يزيد للخلافة: وحتى يكون يزيد أهلاً للخلافة فقد عمل معاوية رضي الله عنه جهده من البداية في سبيل إعداد ولده يزيد، وتنشئته التنشئة الصحيحة ليشب عليها عندما يكبر، فلذلك أرسله معاوية رضي الله عنه إلى البادية عند أخواله لكي يشب على حياة الشدة والفصاحة، وليتربى على فنون الفروسية، ويتحلى بشمائل النخوة والشهامة والكرم والمروءة، إذ كان البدو أشد تعلقًا بهذه التقاليد. كما أجبر معاوية رضي الله عنه ولده يزيد على الإقامة في البادية، وذلك لكي يكتسب قدرًا من الفصاحة في اللغة، كما هو حال العرب في ذلك الوقت. وعندما رجع يزيد من البادية، نشأ وتربى تحت إشراف والده، ونحن نعلم أن معاوية رضي الله عنه كان من رواة الحديث (ابن حجر: تهذيب التهذيب).. فروى يزيد بعد ذلك عن والده هذه الأحاديث، وبعض أخبار أهل العلم، مثل حديث: من يُرِدِ الله به خيرًا يفقهه في الدين، وحديث آخر في الوضوء، وروى عنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان، وقد عَدَّه أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة، وهي الطبقة العليا. وقد اختار معاوية رضي الله عنه دغفل بن حنظلة السدوسي الشيباني ت 65هـ مؤدِّبًا لولده يزيد، وكان دغفل علامة بأنساب العرب وخاصة نسب قريش، وكذلك كان عارفًا بآداب اللغة العربية.. |
||||||||
19 Sep 2012, 07:07 AM | [ 7 ] | ||||||||
|
رد: الدولة الأموية
الأسباب التي دعت معاوية أن يعهد بالخلافة ليزيد : لقد تعددت الأسباب التي دفعت معاوية رضي الله عنه أن يولي ابنه يزيد الخلافة من بعده ما بين أسباب سياسية واجتماعية وشخصية، فالسبب السياسي هو الحفاظ على وحدة الأمة، خاصة بعد الفتن التي تلاحقت يتلو بعضُها بعضًا، وكان من الصعوبة أن يلتقي المسلمون على خليفة واحد، خاصة والقيادات المتكافئة في الإمكانيات قد يضرب بعضها بعضًا فتقع الفتن والملاحم بين المسلمين مرة ثانية ولا يعلم مدى ذلك إلا الله تعالى.. أما السبب الاجتماعي فهو قوة العصبية القبلية خاصة في بلاد الشام الذين كانوا أشد طاعة لمعاوية رضي الله عنه ومحبة لبني أمية، وليس أدل على ذلك من مبايعتهم ليزيد بولاية العهد من بعد أبيه دون أن يتخلف منهم أحد. وهناك أسباب شخصية تتعلق بيزيد نفسه، فليس معاوية رضي الله عنه بذلك الرجل الذي يجهل صفات الرجال ومكانتهم، وهو ابن سلالة الإمارة والزعامة في مكة ثم هو الذي قضى أربعين سنة من عمره وهو يَسُوسُ الناس، ويعرف مزايا القادة والأمراء والعقلاء، ويعرف لكل واحد منهم فضله، وقد توفرت في يزيد بعض الصفات الحسنة من الكرم والمروءة والشجاعة والإقدام والقدرة على القيادة، وكل هذه المزايا جعلت معاوية ينظر لابنه يزيد نظرة إعجاب وتقدير. وفاة معاوية رضي الله عنه: خطب معاوية رضي الله عنه آخر خطبة فقال: " أيها الناس إنَّ مَن زَرَعَ استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي خير مني، وإنما يليكم من هو شر مني كما كان من وليكم قبلي خيرًا مني، ويا يزيد إذا دنا أجلي فَوَلِّ غسلي رجلاً لبيبًا؛ فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل، وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره؛ فاستودع القارضة أنفي وفمي وأذني وعيني واجعل هذا الثوب مما يلي جلدي دون أكفاني، ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي ووضعتموني في حفرتي، فَخَلُّوا معاوية وأرحمَ الراحمين، ثم أوصى بنصف ماله أن يُرَدَّ إلى بيت المال ـ كأنه أراد أن يطيب له ـ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَاسَمَ عماله.. ويصور لنا ابن سيرين اللحظات الأخيرة في حياة معاوية رضي الله عنه قائلاً:"جعل معاوية لما احتضر يضع خدًا على الأرض ثم يقلب وجهه، ويضع الخد الآخر يبكي ويقول: اللهم إنك قلت في كتابك [إن الله لا يغفر أن يُشرَكَ به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء] {النساء: الآية 48} اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له، ثم تمثَّل بهذا البيت: هو الموت لا منجى من الموت والذي.... نحاذر بعد الموت أدهى وأقطع ثم قال: اللهم أَقِلِ العثرة، واعفُ عن الزَّلَّة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرجُ غيرك، فإنك واسع المغفرة ليس لذي خطيئة مهرب إلا إليك. ثم أُغمِيَ عليه، ثم أفاق فقال لأهله: اتقوا الله فإن الله تعالى يقي من اتقاه، ولا يِقِي من لا يتقي، ثم مات رضي الله عنه بدمشق في رجب سنة 60 هـ. |
||||||||
19 Sep 2012, 07:08 AM | [ 8 ] | ||||||||
|
رد: الدولة الأموية
يزيد الخليفة: في شهر رجب سنة 60 هـ نعى جمهور الأمة الإسلامية أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان الذي انتقل إلى رحمة ربه، ويزيد غائبًا، فخرج الضَّحَّاك بن قيس الفهري ـ وكان كبير خَاصَّته ـ فصعد المنبر وأكفان معاوية بيده، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن معاوية كان سُور العرب، وعونهم وجدهم، قطع الله به الفتنة، وملَّكه على العباد، وفتح به البلاد إلا أنه قد مات وهذه أكفانه، ونحن مُدرِجوه فيه، ومدخلوه قبره، ومخلون بينه وبين عمله، ثم هول البرزخ إلى يوم القيامة، فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى،ثم نزل وبعث البريد إلى يزيدبن معاوية يعلمه ويستحثه على المجيء؛ وصلَّى عليه الضحاك ثم قبره.. وعندما وصل يزيد إلى دمشق جُدِّدَتْ له البيعة، ثم جمع الناس في الجامع وخطب فيهم بما يدل على تقواه قائلاً بعد حمد الله والثناء عليه: " أيها الناس إن معاوية كان عبدًا من عبيد الله أنعم عليه ثم قبضه إليه، وهو خير ممن بعده ودون من قبله، ولا أزكيه على الله عز وجل فإنه أعلم به، إن عفا عنه فبرحمته وإن عاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر من بعده، ولست آسي على طلب ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئًا كان....." ومن خُطَب يزيد الدالة على حصانة عقله وحسن بصيرته وتقواه وزهده وبلاغته ما أورده ابن عبد ربه في العقد الفريد:"الحمد لله أحمده وأستعينه، وأُومِن به وأتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِ الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، اصطفاه لوحيه، واختاره لرسالته بكتابٍ فَصَّله وفضله، وأعزَّه وأكرمه، ونصره وحفظه، ضرب فيه الأمثال وحلَّل فيه الحلال وحرَّم الحرام، وشرع فيه الدين إعذارًا وإنذارًا، لئلا يكون للناس حُجَّةٌ بعد الرُّسُل، ويكون بلاغًا لقوم عابدين...".. وقد جدت البيعة ليزيد بعد وفاة أبيه، ولم يَشِذَّ عن ذلك إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وسيكون لكل منهما مع يزيد شأن كما سنرى، أما بقية الصحابة فقد بايعوا ليزيد جمعًا للكلمة، وحفظًا لوحدة الأمة، وخوف الفتنة مثل: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر.. ولو قُدِّرَ لوجهة نظر عبد الله بن عمر ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وغيرهم من عقلاء الأمة أن تسود في أوساط المسلمين لتفادت الأمة وقوع تلك الفتنة الجديدة، والتي أدَّت إلى هذه الحوادث التي ألقت بظلالها على عهد يزيد، فأَنْسَتِ الناس ما فيها من حسنات وإيجابيات، حتى أنهم لم ينكروا من هذا العهد إلا أنه في أول سنة من خلافة يزيد قتل الحسين، وفي الثانية غُزِيَتِ المدينة، وفي الثالثة حُوصِرَتِ الكعبة. |
||||||||
19 Sep 2012, 07:09 AM | [ 9 ] | ||||||||
|
رد: الدولة الأموية
سياسة يزيد بن معاوية: كانت سياسة يزيد بن معاوية بناءً على الخطة التي وضعها له أبوه رضي الله عنه قبيل وفاته حيث قال له: "يا يزيد اتَّقِ الله، فقد وطأتُ لك هذا الأمر، ووليت من ذلك ما وليت فإن يكن خيرًا فأنا أسعد به، وإن كان غير ذلك شقيت به، فأرفق بالناس وأغمض عما بلغك من قول تُؤذَي به وتُنتَقَص به، وطأ عليه يَهْنَك عيشك وتصلح لك رعيتك، وإياك والمناقشة وحمل الغضب، فإنها تهلك نفسك ورعيتك، وإياك وخيرة اهل الشرف واستهانتهم والتكبر عليهم، ولِنْ لهم بحيث لا يرون منك ضعفًا وخورًا، وأوطئهم فراشك وقربهم إليك وأدنهم منك، ولا تهنهم ولا تستخف بحقهم، فيهينوك ويستخفوا بحقك ويقعوا فيك، فإذا أردت أمرًا فادعُ أهل السن والتجربة من أهل الخير من المشايخ وأهل التقوى، فشاورهم ولا تخالفهم، وإياك والاستبداد برأيك فإن الرأي ليس في صدر رجل واحد، وصَدِّقْ من أشار عليك إذا حملك على ما تعرف، واخزن ذلك عن نسائك وخدمك، وشمر إزارك، وتعاهد جندك وأصلح نفسك تصلح لك الناس، ولا تدع لهم فيهم مقالاً فإن الناس سراع إلى الشر، واحضر الصلاة، فإنك إذا فعلت ما أوصيتك به عرف الناس لك حقك، وعظمت في أعين الناس....". وقد أوصاه معاوية ـ أيضًا ـ في هذه الوصية بالإحسان إلى أهل الشام، وأهل الحجاز، وقد حاول يزيد تَرَسُّمَ هذه السياسة التي تضمنتها هذه الوصية التي تعتبر من أهم الوثائق في فن الحكم والسياسة والإدارة والتعامل مع الناس، فقد دأب على إكرام أشراف الحجاز، وبصفة خاصة بني هاشم مثل: عبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس ومحمد بن علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين وغيرهم، فعندما وفد عليه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وكانت جائزته على عهد معاوية ستمائة ألف، فأعطاه يزيد ألف ألف، فقال له: بأبي أنت وأمي، فأعطاه ألفَ ألفٍ أخرى، فقال له ابن جعفر: والله لا أجمع أبويَّ لأحدٍ بعدك، وعندما خرج ابن جعفر من عنده رأى على باب يزيد بخاتى مبرَّكَاتٍ، قد قدم عليها هدية من خراسان، فرجع عبد الله بن جعفر إلى يزيد فسأله منها ثلاث بخاتى ليركب إلى الحج والعمرة وإذا وفد إلى الشام على يزيد؛ فقال يزيد للحاجب: ما هذه البخاتى التي على الباب؟ ـ ولم يكن يشعر بها ـ فقال: يا أمير المؤمنين؛ هذه أربعمائة بختية جاءتنا من خراسان، تحمل أنواع الألطاف، وكان عليها أنواع من الأموال كلها، فقال: "اصرفها إلى أبي جعفر بما عليها، فكان عبد الله بن جعفر يقول: أتلومونني على حُسْنِ الرأي في هذا؟ يعني يزيد. أَحْسِنْ إلى الناس تستعبد قلوبهم... فطالما استعبدَ الإنسانَ إِحسانُ ولم تكن سماحة يزيد قاصرة على بني هاشم، بل كانت تَعُمُّ أهل الحجاز جميعًا حتى إنها شملت أولئك الذين ثاروا عليه وخلعوا طاعته من أهل المدينة، فقد جاءه وفد من شيوخ المدينة، وفيهم عبد الله بن حنظلة ومعه ثمانية بنين فأعطاه مائة ألف، وأعطى كل رجل منهم عشرة آلاف درهم، سوى كسوتهم وحملانهم، فلما قدم عبد الله بن حنظلة المدينة أتاه أناس، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: أتيتكم من عند رجل واللهِ لو لم أجد إلا بنيَّ هؤلاء لجاهدتُه بهم، قالوا: فإنه بلغنا أنه أجازك وأكرمك وأعطاك، قال: قد فعل، وما قبلت ذلك منه إلا لأتقوَّى به عليه، ثم قاد الثورة ضد يزيد وخلع طاعته.. |
||||||||
19 Sep 2012, 07:10 AM | [ 10 ] | ||||||||
|
رد: الدولة الأموية
الجهاد في عهد يزيد بن معاوية : كانت الجيوش الإسلامية عند وفاة معاوية ـ رضي الله عنه ـ تسيطر على أفغانستان وأوساط باكستان ـ ناحية الشمال ـ ثم تمتد لحدود إيران الحالية مع روسيا وفي ثغور الشام ترابط الجيوش في البحر والبر على حدود الروم، وكلنا يعرف الشواتي والصوائف الشهيرة التي حدثت في عهد معاوية رضي الله عنه، والتي من نتائجها حوصرت القسطنطينية بقيادة يزيد وفتحت جزر مثل رودس وكريت وغيرها. وفي عهد يزيد لم تزل الجيوش تتمم فتوحات أبيه على تلك الجهات الثلاث على الرغم من وجود الفتن، أو بعض الفتن والثورات الداخلية، وسوف نتحدث بإيجاز عن هذه الفتوحات التي تمت في عهد يزيد. أولاً: جبهة أفريقيا: كانت جبهة أفريقيا قد توقفت زمن معاوية واكتفت بفتح تونس وربما شرقي الجزائر ـ ناحية الحدود الحالية ـ فلما استخلف يزيد استعمل عقبة بن نافع واليًا وقائدًا عامًا على إفريقية فسار من الشام وقدم القيروان بعشرة آلاف فارس فجَدَّد بناء القيروان، وشَيَّدها ونَقَلَ إليها الناس فعَمُرَت وعَظُمَ شأنها، وخرج عقبة بأصحابه وبكثير من أهل القيروان، وبعد أن ترك بها جندًا أَمَّر عليهم زهير البلوي، فسار ناحية الغرب حتى مدينة "باغية" لا يدافعه أحد، والروم يهربون في طريقه يمينًا وشمالاً؛ فحاصرها بعد قتال عنيف انهزم الروم في آخره؛ فغنم مغانم ورحل عنها فنزل تلمسان؛ فخرج عليه الروم والبربر بجيش كثيف وبعد قتال عنيف افتتحها عنوة وغنم مغانمها، ثم سار إلى بلاد الزاب ومدينتهم "أربة" وحولها نحو ثلاثمائة وستين قرية، وبعد قتال عنيف انتصر المسلمون، ورحل إلى مدينة "تاهرت" فاستغاث الروم بالبربر فأجابوهم ونصروهم فالتقى المسلمون بأعدائهم وقاتلوهم قتالاً عظيمًا وكانت الغلبة للروم وأحلافهم في باديء الأمر لكثرتهم الهائلة، لكن المسلمين انتصروا أخيرًا فغنموا سلاحهم وأموالهم، وبعد ذلك سار عقبة إلى "طنجة" فلقيه بطريك من الروم يدعى "يوليان" فأهدى إليه هدية حسنة ونزل على حكمه، وأراد عقبة فتح الأندلس، فقال له "يليان": أتترك كفار البربر خلفك وترمي بنفسك في بحبوحة الهلاك مع الفرنج، ويقطع البحر بينك وبين المدد، فقال عقبة: وأين كفار البربر؟ قال: في بلاد السوس ولا دينَ لهم... توجه عقبة فنزل على مدينة "وليلي" فافتتحها وغنم وسبى، ثم توجه إلى السوس الأدنى فقاتل جموع البربر وقتل منهم أعدادًا هائلة، ثم سار حتى وصل السوس الأقصى فكان البربر بجموعهم الكثيرة له بالمرصاد لكنه هزمهم شر هزيمة، ثم سار حتى بلغ "ماليان" أقصى المغرب ورأى البحر المحيط فقال كلمته المشهورة: "يا رَبَّ لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدًا في سبيلك". ثم عاد فنفر الروم والبربر من طريقه خوفًا منه، ولما وصل إلى مدينة "طُبْنَة" وبينها وبين القيروان ثمانية أيام أمر أصحابه أن يتقدموا فوجًا فوجًا ثقة منه فيما نال من العدو، وأنه لم يبقَ أحد يخشاه، وسار إلى "تهوذا" لينظر إليها في نفر يسير فلما رآه الروم في قلة طمعوا فيه فأغلقوا باب الحصن وشتموه وقاتلوه وهو يدعوهم إلى الإسلام فلم يقبلوا منه وكان في الجيش كبير من البربر اسمه "كسيلة" قد أسلم في ولاية أبي المهاجر على تونس زمن معاوية، وكان أبو المهاجر قد نصح عقبة أن كسيلة غير موثوق به، ولكن عقبة تهاون في أمره.. راسل الروم كسيلة في أن ينضم إليهم؛ فقبل وجمع أهله وبني عمه وقصد عقبة؛ فقال أبو المهاجر: عاجِلْهُ قبل أن يقْوَى جمعُه؛ فزحف عقبة إلى كسيلة فتنحى هذا عن طريقه ليكثر جمعه، ولما كثُر جمعه اتفق مع الروم فهاجموا المسلمين وقاتلوهم فقتل جميع المسلمين ولم ينج أحد، ومنهم عقبة وأبو المهاجر. ثم ولي إفريقيا بعد أمر عقبة سنة 63 هـ قيس بن زهير البلوي الذي تحصن في القيروان ولم يستطع مهاجمة الروم والبربر بسبب انشغال يزيد في الثورات الدخلية. في هذه الجهة استطاع الجيش الإسلامي ـ في عهد يزيد ـ أن يخترق بلادًا واسعة ويفتحها في سنة واحدة وأشهر، وهي ما تعرف الآن بالجزائر والمملكة المغربية. ثانيًا: جبهة الروم: على الرغم من أن المصادر العربية لم تذكر لنا سوى بعض الغزوات المعينة إلا أنها تذكر أن الثغور الشامية كانت معبأة بالجنود الذين يُغِيرُون على حدود الدولة الرومانية فيعودون بالغنائم العظيمة. وقد سار يزيد على خطة أبيه في جهاد الروم، وكان جَلْدًا صبورً، وكان يقود الجيوش أحيانًا بنفسه. ثالثًا: جبهة المشرق: كانت الجيوش الإسلامية في عهد يزيد تقاتل في عدة جبهات في المشرق في آنٍ واحد، وعلى كل جبهة قائد، وكان القائد العام سَلْم بن زياد بن أبي سفيان الذي ولاه يزيد خراسان في أول عهده، وبعث معه عدة من الصحابة والأشراف منهم: بريدة بن الحصيب الأسلمي، وطلحة الطلحات (عبد الله بن خلف الخزاعي)، والمهلب بن أبي صفرة الأزدي، وعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وعبد الله بن خازم السلمي، فقدم سلم البصرة للتريث فيها وتجهيز نفسه فوجه قَبْلَه الحارث بن معاوية الحارثي إلى خراسان، ووجَّه أخاه يزيد بن زياد إلى سجستان بدلاً من أخيه عباد بن زياد الذي كان واليًا عليها. ثم إن سلما عبر خراسان ومنها تجهز غازيًا إلى ما وراء النهر فَشَتَّى هناك، وافتتح قائده المهلب "خوارزم" سلمً، وبلغ ما أخذه المهلب من أهلها فدية خمسين ألف ألف، ثم إن سلمًا سار إلى بخارى وملكتها "خاتون" فلما رأت كثرة جمعه هالها ذلك، فكتبت إلى "طرخون" ملك السغد: إني متزوجتك، فأقبل إلى لتملك بخارى فأقبل إليها في مائة وعشرين ألفًا، فوجَّه سلماً المهلب بن أبي صفرة عندما بلغه إقبال طرخون، فخرج وتبعه الناس فلما أشرفوا على عسكر طرخون زحف الجمعان والتحم القتال فرشقهم المسلمون بالنبل؛ فقتل طرخون وانهزم أصحابه الذين سلموا من القتل بعد معركة يشيب لها الولدان، فبلغت أسهم المسلمين يومئذ للفارس ألفين وأربعمائة درهم، وللراجل ألفًاومائتين درهم، وعندما انهزم الأعداء رأت "خاتون" أن تعقد صلحًا مع سلم؛ فعرضت عليه الصلح، وتم الاتفاق على فدية. ثم إن سلمًا عبر سمرقند وعبرت معه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان الثقفي، وكانت أول امرأة من العرب قُطِعَ بها النهر، ولم يزل يفتح البلد بعد البلد، ثم إنه وجه جيشًا إلى خجنده فيهم أعشى همدان فهُزِمَ هذا الجيش. وفي عهد سلم افتُتِحَت بلدان شاسعة من التبت وتُرْكستان الشرقية ومن ضمنها مدينة "يارقند" ومدينة "ختن" التي فتحت عُنْوَة، وهاتان المدينتان تربضان في شمال شرقي جبال الهيمالايا. وفي عهد يزيد بن زياد على سجستان نكث أهل كابل وغدروا فأسروا الوالي عليهم أبا عبيدة بن زياد؛ فسار إليهم يزيد فاقتتلوا وانهزم المسلمون، فلما علم سلم بالخبر سير جيشًا عليه طلحة الطلحات؛ ففدى أبا عبيدة بخمسمائة ألف درهم وسار إلى سجستان واليًا عليها ومات هناك. ولم يزل سلم واليًا على المشرق كله ومقره "نيسابور" حى توفي يزيد بن معاوية. وأخيرًا... جيوش إسلامية تقاتل في المغرب، وأخرى في الصين والتركستان، وثالثة في آسيا الوسطى وذلك في عهد يزيد بن معاوية، فأين هذا من التهاون الذي وصمه به مثيرو الفتن والقلاقل، ولقد أثبتت هذه الجيوش مقدرة يزيد على التصرف السليم في شأن رفعة الإسلام على الرغم من القلاقل الداخلية إلا أنه رجل أثبت وجود الدولة الإسلامية آنذاك وجعلها مرهوبة الجانب كما كانت زمن أبيه. |
||||||||
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|