
|
|||||||||||||||||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ![]() ورد يوم السبت ![]() ورد يوم الاحد ![]() ورد يوم الاثنين ![]() ورد يوم الثلاثاء ![]() ورد يوم الابعاء ![]() جدول الاسبوع الثامن لحملة حفظ سورة البقرة ..................................... السبت من آية 220 إلى آية224 الاحد من آية 225 إلى آية 230 الاثنين من آية 231 إلى آية 233 الثلاثاء من آية 234 إلى آية 237 الاربعاء من آية 238 إلى آية245 هذا موقع لمراجعة الحفظ
|
![]() |
[ 2 ] | ||||||||
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() |
![]() تفسير الآيات " في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم "لما نزل قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " شق ذلك على المسلمين, وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى, خوفا على أنفسهم من تناولها, ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها, وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فأخبرهم تعالى أن المقصود, إصلاح أموال اليتامى, بحفظها وصيانتها, والإتجار فيها وأن خلطتهم إياهم في طعام وغيره, جائز على وجه لا يضر باليتامى, لأنهم إخوانكم, ومن شأن الأخ, مخالطة أخيه, والمرجع في ذلك إلى النية والعمل. فمن علم من نيته, أنه مصلح لليتيم, وليس له طمع في ماله, فلو دخل عليه شيء - من غير قصد - لم يكن عليه بأس. ومن علم الله من نيته, أن قصده بالمخالطة, التوصل إلى أكلها, فذلك الذي حرج وأثم, و " الوسائل لها أحكام المقاصد " . وفي هذه الآية, دليل على جواز أنواع المخالطات, في المآكل والمشارب, والعقود وغيرها, وهذه الرخصة, لطف من الله تعالى, وإحسان, وتوسعة على المؤمنين. وإلا " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ " أي: شق عليكم بعدم الرخصة بذلك, فحرجتم. وشق عليكم وأثمتم. " إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ " أي: له القوة الكاملة, والقهر لكل شيء. ولكنه - مع ذلك " حَكِيمٌ " لا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته الكاملة وعنايته التامة, فعزته لا تنافي حكمته. فلا يقال: إنه ما شاء فعل, وافق الحكمة أو خالفها: بل يقال, إن أفعاله وكذلك أحكامه, تابعة لحكمته, فلا يخلق شيئا عبثا, بل لا بد له من حكمة, عرفناها, أم لم نعرفها. وكذلك لم يشرع لعباده شيئا مجردا عن الحكمة. فلا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة, أو راجحة, ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة, لتمام حكمته ورحمته. أي " وَلَا تَنْكِحُوا " النساء " الْمُشْرِكَاتِ " ما دمن على شركهن. " حَتَّى يُؤْمِنَّ " لأن المؤمنة - ولو بلغت من الدمامة ما بلغت - خير من المشركة, ولو بلغت من الحسن ما بلغت, وهذه عامة في جميع النساء المشركات. وخصصتها آية المائدة, في إباحة نساء أهل الكتاب كما قال تعالى: " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ " . " وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا " وهذا عام لا تخصيص فيه. ثم ذكر تعالى, الحكمة في تحريم نكاح المسلم أو المسلمة, لمن خالفهما في الدين فقال: " أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ " أي: في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم, فمخالطتهم على خطر منهم, والخطر ليس من الأخطار الدنيوية, إنما هو الشقاء الأبدي. ويستفاد من تعليل الآية, النهي عن مخالطة كل مشرك ومبتدع, لأنه إذا لم يجز التزوج - مع أن فيه مصالح كثيرة - فالخلطة المجردة من باب أولى, وخصوصا, الخلطة التي فيها ارتفاع المشرك ونحوه على المسلم, كالخدمة ونحوها. وفي قوله " وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ " دليل على اعتبار الولي في النكاح. " وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ " أي: يدعو عباده لتحصيل الجنة والمغفرة, التي من آثارها, دفع العقوبات وذلك بالدعوة إلى أسبابها من الأعمال الصالحة, والتوبة النصوح, والعلم النافع, والعمل الصالح. " وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ " أي: أحكامه وحكمها " لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " فيوجب لهم ذلك, التذكر لما نسوه, وعلم ما جهلوه, والامتثال لما ضيعوه. ثم قال تعالى " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ " الآيات: يخبر تعالى, عن سؤالهم عن المحيض, وهل تكون المرأة بحالها بعد الحيض, كما كانت قبل ذلك, أم تجتنب مطلقا كما يفعله اليهود؟. فأخبر تعالى أن الحيض أذى, وإذا كان أذى, فمن الحكمة أن يمنع الله تعالى عباده عن الأذى وحده, ولهذا قال: " فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ " . أي: مكان الحيض, وهو الوطء في الفرج خاصة, فهذا هو المحرم إجماعا. وتخصيص الاعتزال في المحيض, يدل على أن مباشرة الحائض وملامستها, في غير الوطء في الفرج, جائز. لكن قوله " وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ " يدل على ترك المباشرة فيما قرب من الفرج, وذلك فيما بين السرة والركبة, فينبغي تركه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأته وهي حائض, أمرها أن تتزر, فيباشرها. وحد هذا الاعتزال وعدم القربان للحيض " حَتَّى يَطْهُرْنَ " أي: ينقطع دمهن, فإذا انقطع الدم, زال المنع الموجود وقت جريانه, الذي كان لحله شرطان, انقطاع الدم, والاغتسال منه. فلما انقطع الدم, زال الشرط الأول وبقي الثاني, فلهذا قال: " فَإِذَا تَطَهَّرْنَ " أي: اغتسلن " فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ " أي: في القبل لا في الدبر, لأنه محل الحرث. وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض, وأن انقطاع الدم, شرط لصحته. ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده, وصيانة عن الأذى قال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ " أي: من ذنوبهم على الدوام " وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " أي: المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث. ففيه مشروعية الطهارة مطلقا, لأن الله تعالى يحب المتصف بها, ولهذا كانت الطهارة مطلقا, شرطا لصحة الصلاة والطواف, وجواز مس المصحف. ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة, والصفات القبيحة, والأفعال الخسيسة. " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ " مقبلة ومدبرة غير أنه لا يكون إلا في القبل, لكونه موضع الحرث, وهو الموضع الذي يكون منه الولد. وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر, لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث. وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك, ولعن فاعله. " وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ " أي: من التقرب إلى الله بفعل الخيرات, ومن ذلك أن يباشر الرجل امرأته, ويجامعها على وجه القربة والاحتساب, وعلى رجاء تحصيل الذرية, الذين ينفع الله بهم. " وَاتَّقُوا اللَّهَ " أي: في جميع أحوالكم, كونوا ملازمين لتقوى الله, مستعينين على ذلك بعلمكم " وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ " ومجازيكم على أعمالكم الصالحة وغيرها. " وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " لم يذكر المبشر به, ليدل على العموم, وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة: وكل خير, واندفاع كل ضير, رتب على الإيمان - فهو داخل في هذه البشارة. وفيها محبة الله للمؤمنين, ومحبة ما يسرهم, واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي. المقصود من اليمين والقسم, تعظيم المقسم به, وتأكيد المقسم عليه. وكان الله تعالى قد أمر بحفظ الأيمان, وكان مقتضى ذلك حفظها في كل شيء. ولكن الله تعالى استثنى من ذلك, إذا كان البر باليمين, يتضمن ترك ما هو أحب إليه. فنهى عباده أن يجعلوا أيمانهم عرضة, أي: مانعة وحائلة عن أن يبروا أي: يفعلوا خيرا, ويتقوا شرا, ويصلحوا بين الناس. فمن حلف على ترك واجب, وجب حنثه, وحرم إقامته على يمينه. ومن حلف على ترك مستحب, استحب له الحنث. ومن حلف على فعل محرم, وجب الحنث, أو على فعل مكروه, استحب الحنث. وأما المباح, فينبغي فيه حفظ اليمين عن الحنث. ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة, أنه " إذا تزاحمت المصالح, قدم أهمها " . فهنا تتميم اليمين, مصلحة, وامتثال أوامر الله في هذه الأشياء, مصلحة أكبر من ذلك, فقدمت لذلك. ثم ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال: " وَاللَّهُ سَمِيعٌ " أي. لجميع الأصوات " عَلِيمٌ " بالمقاصد والنيات, ومنه, سماعه لأقوال الحالفين, وعلمه بمقاصدهم هل هي خير أم شر. وفي ضمن ذلك, التحذير من مجازاته, وأن أعمالكم ونياتكم, قد استقر علمها عنده. ثم قال تعالى " لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ " . أي: لا يؤاخذكم بما يجري على ألسنتكم من الأيمان اللاغية, التي يتكلم بها العبد, من غير قصد منه ولا كسب قلب, ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه: " لا والله " و " بلى والله " , وكحلفه على أمر ماض, يظن صدق نفسه. وإنما المؤاخذة, على ما قصده القلب. وفي هذا, دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال, كما هي معتبرة في الأفعال. والله " غفور " لمن تاب إليه, " حليم " بمن عصاه, حيث لم يعاجله بالعقوبة, بل حلم عنه وستر, وصفح مع قدرته عليه, وكونه بين يديه. وهذا من الأيمان الخاصة بالزوجة, في أمر خاص وهو حلف الرجل, على ترك وطء زوجته مطلقا. أو مقيدا. بأقل من أربعة أشهر أو أكثر. فمن آلى من زوجته خاصة - فإن كان لدون أربعة أشهر, فهذا مثل سائر الأيمان, إن حنث كفر, وإن أتم يمينه, فلا شيء عليه, وليس لزوجته عليه سبيل, لأنه ملكه أربعة أشهر. وإن كان أبدا, أو مدة تزيد على أربعة أشهر, ضربت له مدة أربعة أشهر من يمينه, إذا طلبت زوجته ذلك, لأنه حق لها. فإذا تمت, أمر بالفيئة, وهو الوطء. فإن وطئ, فلا شيء عليه إلا كفارة اليمين. وإن امتنع, أجبر على الطلاق, فإن امتنع, طلق عليه الحاكم. ولكن الفيئة والرجوع إلى زوجته, أحب إلى الله تعالى, ولهذا قال: " فَإِنْ فَاءُوا " أي: رجعوا إلى ما حلفوا على تركه, وهو الوطء. " فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ " يغفر لهم ما حصل منهم من الحلف, بسبب رجوعهم. " رَحِيمٌ " حيث جعل لأيمانهم كفارة وتحلة, ولم يجعلها لازمة لهم, غير قابلة للانفكاك, ورحيم بهم أيضا, حيث فاءوا إلى زوجاتهم, وحنوا عليهن ورحموهن. " وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ " أي: امتنعوا من الفيئة, فكان ذلك دليلا على رغبتهم عنهن, وعدم إرادتهم لأزواجهم, وهذا لا يكون إلا عزما على الطلاق. فإن حصل هذا الحق الواجب منه مباشرة, وإلا أجبره الحاكم عليه, أو قام به. " فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " فيه وعيد وتهديد, لمن يحلف هذا الحلف, ويقصد بذلك, المضارة والمشاقة. ويستدل بهذه الآية, على أن الإيلاء, خاص بالزوجة, لقوله " من نسائهم, وعلى وجوب الوطء في كل أربعة أشهر مرة, لأنه بعد الأربعة, يجبر, إما على الوطء, أو على الطلاق, ولا يكون ذلك إلا لتركه واجبا. أي: النساء اللاتي طلقهن أزواجهن " يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ " أي: ينتظرن ويعتددن مدة " ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ " أي: حيض, أو أطهار على اختلاف العلماء في المراد بذلك, مع أن الصحيح أن القرء, الحيض, ولهذه العدة, عدة حكم. منها: العلم ببراءة الرحم, إذا تكرر عليها ثلاثة الأقراء, علم أنه ليس في رحمها حمل, فلا يفضي إلى اختلاط الأنساب. ولهذا أوجب تعالى عليهن الإخبار عن " مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ " وحرم عليهن, كتمان ذلك, من حمل أو حيض, لأن كتمان ذلك, يفضي إلى مفاسد كثيرة. فكتمان الحمل, موجب أن تلحقه بغير من هو له, رغبة فيه, أو استعجالا لانقضاء العدة. فإذا ألحقته بغير أبيه, حصل من قطع الرحم والإرث, واحتجاب محارمه وأقاربه عنه, وربما تزوج ذوات محارمه. وحصل في مقابلة ذلك, إلحاقه بغير أبيه, وثبوت توابع ذلك, من الإرث منه وله, ومن جعل أقارب الملحق به, أقارب له. وفي ذلك من الشر والفساد, ما لا يعلمه إلا رب العباد. ولو لم يكن في ذلك, إلا إقامتها مع من نكاحها باطل في حقه, وفيه الإصرار على الكبيرة العظيمة, وهي الزنا - لكفى بذلك شرا. وأما كتمان الحيض, فإن استعجلت فأخبرت به وهي كاذبة, ففيه من انقطاع حق الزوج عنها, وإباحتها لغيره وما يتفرع عن ذلك من الشر, كما ذكرنا. وإن كذب وأخبرت بعدم وجود الحيض, لتطول العدة, فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه, بل هي سحت عليها محرمة من جهتين: من كونها لا تستحقه, ومن كونها, تسبته إلى حكم الشرع وهي كاذبة, وربما راجعها بعد انقضاء العدة, فيكون ذلك سفاحا, لكونها أجنبية منه, فلهذا قال تعالى: " وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " . فصدور الكتمان منهن, دليل على عدم إيمانهن بالله واليوم الآخر, وإلا فلو آمن بالله واليوم الآخر, وعرفن أنهن مجزيات عن أعمالهن, لم يصدر منهن شيء من ذلك. وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة, عما تخبر بها عن نفسها, من الأمر الذي لا يطلع عليها غيرها, كالحمل والحيض ونحوها. ثم قال تعالى " وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ " أي: لأزواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة, أن يردوهن إلى نكاحهن " إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا " أي: رغبة وألفة ومودة. ومفهوم الآية أنهم إن لم يريدوا الإصلاح, فليسوا بأحق بردهن, فلا يحل لهم أن يراجعوهن, لقصد المضارة لها, وتطويل العدة عليها. وهل يملك ذلك, مع هذا القصد؟ فيه قولان. الجمهور على أنه يملك ذلك, مع التحريم, والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح, لا يملك ذلك, كما هو ظاهر الآية الكريمة, وهذه حكمة أخرى في هذا التربص. وهي: أنه ربما أن زوجها ندم على فراقه لها, فجعلت له هذه المدة, ليتروى بها ويقطع نظره. وهذا يدل على محبته تعالى, للألفة بين الزوجين, وكراهته للفراق, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " . وهذا خاص في الطلاق الرجعي. وأما الطلاق البائن, فليس البعل بأحق برجعتها. بل إن تراضيا على التراجع, فلا بد من عقد جديد مجتمع الشروط. ثم قال تعالى " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ " أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم, مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة. ومرجع الحقوق بين الزوجين إلى المعروف, وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله. ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة, والأحوال, والأشخاص والعوائد. في هذا دليل على أن النفقة والكسوة, والمعاشرة, والمسكن, وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف. فهذا موجب العقد المطلق. وأما مع الشرط, فعلى شرطهما, إلا شرطا أحل حراما, أو حرم حلالا. " وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ " أي: رفعة ورياسة, وزيادة حق عليها, كما قال تعالى: " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ " . ومنصب النبوة والقضاء, والإمامة الصغرى والكبرى, وسائر الولايات بالرجال. وله ضعفا ما لها في كثير من الأمور, كالميراث ونحوه. " وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " أي: له العزة القاهرة والسلطان العظيم, الذي دانت له جميع الأشياء, ولكنه - مع عزته - حكيم في تصرفه. ويخرج من عموم هذه الآية, الحوامل, فعدتهن وضع الحمل. واللاتي لم يدخل بهن, فليس لهن عدة. والإماء, فعدتهن حيضتان, كما هو قول الصحابة " 4. وسياق الآية, يدل على أن المراد بها, الحرة. كان الطلاق في الجاهلية, واستمر أول الإسلام, هو أن يطلق الرجل زوجته بلا نهاية. فكان إذا أراد مضارتها, طلقها, فإذا شارفت انقضاء عدتها, راجعها, ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك أبدا, فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم. فأخبر تعالى أن " الطَّلَاقَ " أي الذي تحصل به الرجعة " مَرَّتَانِ " . ليتمكن الزوج - إن لم يرد المضارة - من ارتجاعها, ويراجع رأيه في هذه المدة. وأما ما فوقها, فليس محلا لذلك, لأن من زاد على الثنتين, فإما متجرئ على المحرم, أو ليس له رغبة في إمساكها, بل قصده المضارة. فلهذا أمر تعالى الزوج, أن يمسك زوجته " بِمَعْرُوفٍ " أي: عشرة حسنة, ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم, وهذا هو الأرجح, وإلا يسرحها ويفارقها " بِإِحْسَانٍ " , ومن الإحسان, أن لا يأخذ على فراقه لها شيئا من ماله, لأنه ظلم, وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء, فلهذا قال: " وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ " وهي المخالعة بالمعروف, بأن كرهت الزوجة زوجها, لخلقه أو خلقه أو نقص دينه, وخافت أن لا تطيع الله فيه. " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ " لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة. وفي هذا مشروعية الخلع, إذا وجدت هذه الحكمة. " تِلْكَ " أي ما تقدم من الأحكام الشرعية " حُدُودُ اللَّهِ " أي: أحكامه التي شرعها لكم, وأمر بالوقوف معها. " وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال, وتعدى منه إلى الحرام, فلم يسعه ما أحل الله؟ والظلم ثلاثة أقسام: ظلم العبد فيما بينه وبين الله, وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك, وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق. فالشرك, لا يغفره الله بالتوبة, وحقوق العباد, لا يترك الله منها شيئا. والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك, تحت المشيئة والحكمة يقول تعالى: " فَإِنْ طَلَّقَهَا " أي: الطلقة الثالثة " فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ " أي: نكاحا صحيحا ويطأها, لأن النكاح الشرعي لا يكون صحيحا, ويدخل فبه العقد والوطء, وهذا بالاتفاق. ويتعين أن يكون نكاح الثاني, نكاح رغبة. فإن قصد به تحليلها للأول, فليس بنكاح, ولا يفيد التحليل. ولا يفيد وطء السيد, لأنه ليس بزوج. فإذا تزوجها الثاني راغبا ووطئها, ثم فارقها وانقضت عدتها " فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا " أي: على الزوج الأول والزوجة " أَنْ يَتَرَاجَعَا " أي: يجددا عقدا جديدا بينهما, لإضافته التراجع إليهما, فدل على اعتبار التراضي. ولكن يشترط في التراجع أن يظنا " أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ " بأن يقوم كل منهما, بحق صاحبه. وذلك إذا ندما على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق, وعزما أن يبدلاها بعشرة حسنة, فهنا لا جناح عليهما في التراجع. ومفهوم الآية الكريمة, أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله, بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية, والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحا, لأن جميع الأمور, إن لم يقم فيها أمر الله, ويسلك بها طاعته, لم يحل الإقدام عليها. وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للإنسان, إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور, خصوصا الولايات, الصغار, والكبار, أن ينظر في نفسه. فإن رأى من نفسه قوة على ذلك, ووثق بها, أقدم, وإلا أحجم. ولما بين تعالى هذه الأحكام العظيمة قال: " وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ " أي: شرائعه التي حددها وبينها ووضحها. " يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " لأنهم المنتفعون بها, النافعون لغيرهم. وفي هذا من فضيلة أهل العلم, ما لا يخفى, لأن الله تعالى جعل تبيينه لحدوده, خاصا بهم, وأنهم المقصودون بذلك. وفيه أن الله تعالى يحب من عباده, معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقه بها. ثم قال تعالى: " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ " أي: طلاقا رجعيا بواحدة أو اثنتين. " فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ " أي: قاربن انقضاء عدتهن. " فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ " أي: إما أن تراجعوهن, ونيتكم القيام بحقوقهن, أو تتركوهن بلا رجعة ولا إضرار, ولهذا قال: " وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا " أي: مضارة بهن " لِتَعْتَدُوا " في فعلكم هذا الحلال, إلى الحرام. فالحلال: الإمساك بالمعروف, والحرام: المضارة. " وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ " ولو كان الحق يعود للمخلوق فالضرر عائد إلى من أراد الضرار. " وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا " لما بين تعالى حدوده غاية التبيين, وكان المقصود, العلم بها والعمل, والوقوف معها, وعدم مجاوزتها, لأنه تعالى لم ينزلها عبثا, بل أنزلها بالحق والصدق والجد, نهى عن اتخاذها هزوا, أي: لعبا بها, وهو التجرى عليها, وعدم الامتثال لواجبها. مثل استعمال المضارة في الإمساك, أو الفراق, أو كثرة الطلاق, أو جمع الثلات. والله - من رحمته - جعل له واحدة بعد واحدة, رفقا به وسعيا في مصلحته. " وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " عموما باللسان, حمدا وثناء. بالقلب, اعترافا, وإقرارا, وبالأركان, بصرفها في طاعة الله. " وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ " أي: السنة اللذين بين لكم بهما طرق الخير ورغبكم فيها, وطرق الشر وحذركم إياها, وعرفكم نفسه ووقائعه في أوليائه وأعدائه, وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. وقيل: المراد بالحكمة: أسرار الشريعة, فالكتاب فيه, الحكم. والحكمة فيها, بيان حكمة الله في أوامره ونواهيه. وكلا المعنيين صحيح. ولهذا قال " يَعِظُكُمْ بِهِ " أي: بما أنزل عليكم, وهذا مما يقوي أن المراد بالحكمة, أسرار الشريعة, لأن الموعظة ببيان الحكم والحكمة, والترغيب, أو الترهيب, فالحكم به, يزول الجهل. والحكمة مع الترغيب, يوجب الرغبة. والحكمة مع الترهيب, يوجب الرهبة " وَاتَّقُوا اللَّهَ " في جميع أموركم " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " فلهذا بين لكم هذه الأحكام, التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان, فله الحمد والمنة. هذا خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث إذا خرجت من العدة, وأراد زوجها أن ينكحها, ورضيت بذلك, فلا يجوز لوليها, من أب وغيره; أن يعضلها; أي: يمنعها من التزوج به حنقا عليه; وغضبا; اشمئزازا لما فعل من الطلاق الأول. وذكر أن " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " فإيمانه يمنعه من العضل. " ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ " وأطيب مما يظن الولي أن عدم تزويجه, هو الرأي واللائق وأنه يقابل بطلاقه الأول بعدم تزويجه, كما هو عادة المترفعين المتكبرين. فإن كان يظن أن المصلحة, في عدم تزويجه, فإن " اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " . فامتثلوا أمر من هو عالم بمصالحكم, مريد لها, قادر عليها, ميسر لها من الوجه الذي تعرفون وغيره. وفي هذه الآية, دليل على أنه لا بد من الولي في النكاح, لأنه نهى الأولياء عن العضل, ولا ينهاهم إلا عن أمر, هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق. ثم قال تعالى " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ " الآية هذا خبر بمعنى الأمر, تنزيلا له منزلة المتقرر, الذي لا يحتاج إلى أمر بأن " يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ " . ولما كان الحول, يطلق على الكامل, وعلى معظم الحول قال: " كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ " فإذا تم للرضيع حولان, فقد تم رضاعه وصار اللبن بعد ذلك, بمنزلة سائر الأغذية, فلهذا كان الرضاع بعد الحولين, غير معتبر, فلا يحرم. ويؤخذ من هذا النص, ومن قوله تعالى " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا " . أن أقل مدة الحمل ستة أشهر, وأنه يمكن وجود الولد بها. " وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ " أي: الأب " رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة, فإن على الأب رزقها, أي: نفقتها وكسوتها, وهي الأجرة للرضاع. ودل هذا, على أنها إذا كانت في حباله, لا يجب لها أجرة, غير النفقة والكسوة, وكل بحسب حاله, فلهذا قال: " لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا " , فلا يكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني, ولا من لم يجد شيئا بالنفقة حتى يجد. " لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ " أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها, إما أن تمنع من إرضاعه, أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة, والكسوة أو الأجرة. " وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ " بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة, أو تطلب زيادة عن الواجب, ونحو ذلك من أنواع الضرر. ودل قوله " مَوْلُودٌ لَهُ " أن الولد لأبيه, لأنه موهوب له, ولأنه من كسبه. فلذلك جاز له الأخذ من ماله, رضي أو لم يرض, بخلاف الأم وقوله " وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ " أي: على وارث الطفل إذا عدم الأب, وكان الطفل ليس له مال, مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة. فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين, على القريب الوارث الموسر. " فَإِنْ أَرَادَا " أي: الأبوان " فِصَالًا " أي فطام الصبي قبل الحولين. " عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا " بأن يكونا راضيين " وَتَشَاوُرٍ " فيما بينهما, هل هو مصلحة للصبي أم لا؟. فإن كان مصلحة ورضيا " فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا " في فطامه قبل الحولين. فدلت الآية بمفهومها, على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر, أو لم يكن مصلحة للطفل, أنه لا يجوز فطامه. وقوله: " وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ " أي: تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المضارة " فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ " أي: للمرضعات, " وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " فمجازيكم على ذلك بالخير والشر أي: إذا توفي الزوج, مكثت زوجته, متربصة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا. والحكمة في ذلك, ليتبين الحمل في مدة الأربعة الأشهر, ويتحرك في ابتدائه. في الشهر الخامس. وهذا العام مخصوص بالحوامل, فإن عدتهن بوضع الحمل. وكذلك الأمة, عدتها على النصف من عدة الحرة, شهران وخمسة أيام. وقوله: " فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ " أي: انقضت عدتهن " فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ " أي: من مراجعتها للزينة والطيب. " بِالْمَعْرُوفِ " أي: على وجه غير محرم ولا مكروه. وفي هذا وجوب الإحداد, مدة العدة, على المتوفى عنها زوجها, دون غيرها من المطلقات والمفارقات, وهو مجمع عليه بين العلماء. " وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " أي: عالم بأعمالكم, ظاهرها وباطنها, جليلها وخفيها, فمجازيكم عليها. وفي خطابه للأولياء بقوله: " فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ " دليل على أن الولي ينظر على المرأة, ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب, وأنه مخاطب بذلك, واجب عليه. هذا حكم المعتدة من وفاة, أو المبانة في الحياة. فيحرم على غير مبينها أن يصرح لها في الخطبة, وهو المراد بقوله " وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا " . وأما التعريض, فقد أسقط تعالى فيه الجناح. والفرق بينهما: أن التصريح, لا يحتمل غير النكاح, فلهذا حرم, خوفا من استعجالها, وكذبها في انقضاء عدتها, رغبة في النكاح. ففيه دلالة على منع وسائل المحرم, وقضاء, لحق زوجها الأول, بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها. وأما التعريض, وهو: الذي يحتمل النكاح وغيره, فهو جائز للبائن كأن يقول: إني أريد التزوج, وإني أحب أن تشاوريني عند انقضاء عدتك, ونحو ذلك, فهذا جائز لأنه ليس بمنزلة الصريح, وفي النفوس داع قوي إليه. وكذا إضمار الإنسان في نفسه أن يتزوج من هي في عدتها, إذا انقضت. ولهذا قال " أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ " هذا التفصيل كله, في مقدمات العقد. وأما عقد النكاح فلا يحل " حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ " . أي: تنقضي العدة. " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ " أي: فانووا الخير, ولا تنووا الشر, خوفا من عقابة ورجاء لثوابه. " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ " لمن صدرت منه الذنوب, فتاب منها, ورجع إلى ربه " حَلِيمٌ " حيث لم يعاجل العاصين على معاصيهم, مع قدرته عليهم. أي: ليس عليكم - يا معشر الأزواج - جناح وإثم, بتطليق النساء قبل المسيس, وفرض المهر, وإن كان في ذلك كسر لها, فإنه ينجبر بالمتعة. فعليكم أن " فَمَتِّعُوهُنَّ " بأن تعطوهن شيئا من المال, جبرا لخواطرهن. " عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ " أي: المعسر " قَدَرُهُ " . وهذا يرجع الى العرف, وأنه يختلف باختلاف الأحوال ولهذا قال: " مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ " فهذا حق واجب " عَلَى الْمُحْسِنِينَ " ليس لهم أن يبخسوهن. فكما تسببوا لتشوفهن واشتياقهن, وتعلق قلوبهن, ثم لم يعطوهن ما رغبن فيه, فعليهم - في مقابلة ذلك - المتعة. فلله ما أحسن هذا الحكم الإلهي, وأدله على حكمة شارعه ورحمته!! ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟!! فهذا حكم المطلقات قبل المسيس وقبل فرض المهر. ثم ذكر حكم المفروض لهن فقال: أي: إذا طلقتم النساء قبل المسيس, وبعد فرض المهر, فللمطلقات من المهر المفروض, نصفه, ولكم نصفه. وهذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة, بأن تعفو عن نصفها لزوجها, إذا كان يصح عفوها, " أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ " وهو الزوج على الصحيح, لأنه الذي بيده حل عقدته. ولأن الولي, لا يصح أن يعفو عن ما وجب للمرأة, لكونه غير مالك ولا وكيل. ثم رغب في العفو, وأن من عفا, كان أقرب لتقواه, لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر, ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف, وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة, لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب, وهو: أخذ الواجب, وإعطاء الواجب. وإما فضل وإحسان, وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق, والغض مما في النفس. فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة, ولو في بعض الأوقات, وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة, أو مخالطة, فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم. ولهذا قال: " إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " . ثم قال تعالى: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ " إلخ الآيتين. يأمر تعالى بالمحافظة " عَلَى الصَّلَوَاتِ " عموما وعلى " وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى " وهي العصر خصوصا. والمحافظة عليها: أداؤها بوقتها, وشروطها, وأركانها, وخشوعها, وجميع مالها, من واجب ومستحب. وبالمحافظة على الصلوات, تحصل المحافظة على سائر العبادات, وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر, وخصوصا إذا أكملها كما أمر بقوله: " وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " أي ذليلين مخلصين; خاشعين. فإن القنوت: دوام الطاعة مع الخشوع. وقوله: " فَإِنْ خِفْتُمْ " حذف المتعلق, ليعم الخوف من العدو, والسبع, وفوات ما يتضرر العبد بفوته فصلوا, " رِجَالًا " ماشين على أرجلكم. " أَوْ رُكْبَانًا " على الخيل والإبل, وسائر المركوبات, وفي هذه الحال, لا يلزمه الاستقبال. فهذه صفة صلاة المعذور بالخوف. فإذا حصل الأمن, صلى صلاة كاملة. ويدخل في قوله " فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ " تكميل الصلوات. ويدخل فيه أيضا, الإكثار من ذكر الله, شكرا له على نعمة التعليم, لما فيه سعادة العبد. وفي الآية الكريمة, فضيلة العلم, وأن على من علمه الله ما لم يكن يعلم, الإكثار من ذكر الله. وفيه الإشعار أيضا بأن الإكثار من ذكره, سبب لتعليم علوم أخرى, لأن الشكر مقرون بالمزيد. ثم قال تعالى: " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ " الآية. اشتهر عند كثير من المفسرين, أن هذه الآية الكريمة, نسختها الآية التي قبلها وهي قوله تعالى. " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا " وأن الأمر كان على الزوجة, أن تتربص حولا كاملا, ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر. ويجيبون عن تقدم الآية الناسخة, أن ذلك تقدم في الوضع, لا في النزول. لأن شرط الناسخ أن يتأخر عن المنسوخ. وهذا القول لا دليل عليه. ومن تأمل الآيتين, اتضح له أن القول الآخر في الآية, هو الصواب. وأن الآية الأولى في وجوب التربص أربعة أشهر وعشرا, على وجه التحتيم, على المرأة. وأما في هذه الآية فإنها وصية لأهل الميت, أن يبقوا زوجة ميتهم عندهم, حولا كاملا, جبرا لخاطرها, وبرا بميتهم. ولهذا قال " وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ " أي: وصية من الله لأهل الميت, أن يستوصوا بزوجته, ويمتعوها ولا يخرجوها. فإن رغبت, أقامت في وصيتها, وإن أحبت الخروج, فلا حرج عليها, ولهذا قال: " فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ " . أي: من التجمل واللباس. لكن الشرط, أن يكون بالمعروف, الذي لا يخرجها عن حدود الدين والاعتبار. وختم الآية بهذين الاسمين العظيمين, الدالين على كمال العزة, وكمال الحكمة, لأن هذه أحكام صدرت عن عزته, ودلت على كمال حكمته, حيث وضعها في مواضعها اللائقه بها. لما بين في الآية السابقة, إمتاع المفارقة بالموت, ذكر هنا أن كل مطلقة, فلها على زوجها, أن يمتعها ويعطيها ما يناسب حاله وحالها, وأنه حق, إنما يقوم به المتقون, فهو من خصال التقوى الواجبة والمستحبة. فإن كانت المرأة لم يسم لها صداق, وطلقها قبل الدخول, فتقدم أنه يجب عليه بحسب يساره وإعساره. وإن كان مسمى لها, فمتاعها نصف المسمى. وإن كانت مدخولا بها, صارت المتعة مستحبة, في قول جمهور العلماء. ومن العلماء من أوجب ذلك, استدلالا بقوله " حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " والأصل في " الحق " أنه واجب, خصوصا وقد أضافه إلى المتيقين, وأصل التقوى, واجبة. فلما بين تعالى هذه الأحكام الجليلة بين الزوجين, أثنى على أحكامه وعلى بيانه لها وتوضيحه, وموافقتها للعقول السليمة, وأن القصد من بيانه لعباده, أن يعقلوا عنه ما بينه, فيعقلونها حفظا, وفهما وعملا بها, فإن ذلك من تمام عقلها. أي: ألم تسمع بهذه القصة العجيبة الجارية على من قبلكم من بني إسرائيل, حيث حل الوباء بديارهم, فخرجوا بهذه الكثرة, فرارا من الموت, فلم ينجهم الفرار, ولا أغنى عنهم من وقوع ما كانوا يحذرون. فعاملهم بنقيض مقصودهم, وأماتهم الله عن آخرهم. ثم تفضل عليهم, فأحياهم, إما بدعوة نبي, كما قاله كثير من المفسرين, وإما بغير ذلك. ولكن ذلك, بفضله وإحسانه, وهو لا زال فضله على الناس, وذلك موجب لشكرهم لنعم الله. بالاعتراف بها وصرفها في مرضاة الله. ومع ذلك, فأكثر الناس قد قصروا بواجب الشكر. وفي هذه القصة, عبرة بأنه على كل شيء قدير, وذلك آية محسوسة على البعث. فإن هذه القصة معروفة منقولة, نقلا متواترا عند بني إسرائيل, ومن اتصل بهم. ولهذا أتى بها تعالى, بأسلوب الأمر الذي قد تقرر عند المخاطبين. ويحتمل أن هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم, خوفا من الأعداء, وجبنا عن لقائهم. ويؤيد هذا; أن الله ذكر بعدها. الأمر بالقتال وأخبر عن بني إسرائيل; أنهم كانوا مخرجين من ديارهم وأبنائهم. وعلى الاحتمالين; فإن فيها ترغيبا في الجهاد; وترهيبا من التقاعد عنه, وأن ذلك لا يغني عن الموت شيئا. " قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ " . جمع الله بين الأمر بالقتال في سبيله بالمال والبدن لأن الجهاد لا يقوم إلا بالأمرين. وحث على الإخلاص فيه, بأن يقاتل العبد, لتكون كلمة الله هي العليا. فإن الله " سَمِيعٌ " للأقوال وإن خفيت " عَلِيمٌ " بما تحتوي عليه القلوب من النيات الصالحة وضدها. وأيضا, فإنه إذا علم المجاهد في سبيله, أن الله سميع عليم, هان عليه ذلك, وعلم أنه, بعينه, ما يتحمل المتحملون من أجله, وأنه لا بد أن يمدهم بعونه ولطفه. وتأمل هذا الحث اللطيف على النفقة, وأن المنفق قد أقرض الله الملي, الكريم, ووعده المضاعفة الكثيرة كما قال تعالى: " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " . ولما كان المانع الأكبر من الإنفاق خوف الإملاق, أخبر تعالى أن الغنى والفقر بيد الله, وأنه يقبض الرزق على من يشاء, ويبسطه على من يشاء. فلا يتأخر من يريد الإنفاق خوف الفقر, ولا يظن أنه ضائع بل مرجع العباد كلهم إلى الله. فيجد المنفقون والعاملون أجرهم عنده, مدخرا, أحوج ما يكونون إليه. ويكون له من الوقع العظيم, ما لا يمكن التعبير عنه. والمراد بالقرض الحسن: هو ما جمع أوصاف الحسن, من النية الصالحة, وسماحة النفس, بالنفقة, ووقوعها في محلها وأن لا يتبعها المنفق, منا ولا أذى; ولا مبطلا ومنقصا. |
||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
[ 3 ] | ||||||||
مؤسس شبكة الشدادين
![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
![]() |
![]() حملة مباركة ندعو لها جميعاً بقلوب مطمئنة سائلين الله لك أختي خشوف كل أجر وثواب |
||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
[ 4 ] | ||||||||
شاعر
![]() |
![]() جزاك الله كل خير وجعل ماقدمتي في ميزان اعمالك ![]() |
||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
[ 5 ] | ||||||||
عضو متميز
![]() ![]() ![]()
![]() |
![]() جزاك الله كل خير حفظة البعض وكله بفضل الله ثم بفضل حملتك ولكنني قصرت ولم التزم سائل المولى ان يقدرني على حفظ سورة البقرة والقرآن كاملا ان شاء الله يارب وجزاك الله كل خير من اخ تمنى لك كل خير وكل عام وانت بخير |
||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
[ 6 ] | |||||||
عضوة متميزة
![]() ![]() ![]()
![]() |
![]() جزاك الله خير الجزاء وكتب لك اجر ما قدمتِ دمتِ في حفظ المولى |
|||||||
![]() |
![]() |
![]() |
[ 7 ] | ||||||||
شاعر
![]() |
![]() جُزيتي خيراً وفقكِ الله لما يحبه ويرضاه تحيتي |
||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
[ 8 ] | ||||||||
عضوة متميزة
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
![]() |
![]() ^ ^ جزاك الله الف خير خشوف ^ ^ والله لايحرمك الاجر والثواب |
||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
[ 9 ] | ||||||||
![]() ![]() ![]() ![]()
![]() |
![]() جزاكِ الله خير اختي خشــوف ونفعكِ الله بهالحملة.... |
||||||||
![]() |
![]() |
![]() |
[ 10 ] | |||||||
عضوة متميزة
![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
![]() |
![]() جزاك الله كل خير غاليتي وجعله في موازين حسناتك |
|||||||
![]() |
![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
حملة حفظ سورة البقرة ..(6) | خشوف الشدادي | المنتدى الاسلامي | 2 | 22 Aug 2010 04:10 AM |
حملة حفظ سورة البقرة ..(5) | خشوف الشدادي | المنتدى الاسلامي | 10 | 22 Aug 2010 02:55 AM |
حملة حفظ سورة البقرة ..(4) | خشوف الشدادي | المنتدى الاسلامي | 6 | 07 Aug 2010 07:38 PM |
حملة حفظ سورة البقرة ..(3) | خشوف الشدادي | المنتدى الاسلامي | 7 | 27 Jul 2010 09:50 AM |
حملة حفظ سورة البقرة ..(2) | خشوف الشدادي | المنتدى الاسلامي | 2 | 16 Jul 2010 07:05 PM |
أدوات الموضوع | |
|