..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الشعبية > أعلام ورجال
  [ 1 ]
قديم 07 Nov 2006, 09:49 PM
شاعر

زعيم الحب غير متصل

تاريخ التسجيل : Jul 2006
رقم العضوية : 1598
الإقامة : saudi arabia
الهواية :
المشاركات : 1,579
معدل التقييم : 25
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
صدام .. الحياة السرية



صدام .. الحياة السرية
عاش صدام حسين طفولة بؤس وشقاء وحرمان، ومسقط رأس الرجل الذي سيصبح واحدا من أقوى الزعماء العرب في العصر الحديث هو قرية العوجة الفقيرة الواقعة على ضفاف نهر دجلة والقريبة من مدينة تكريت, ينتمي لأسرة فقيرة، وقد تيتم في سن مبكرة وارسل ليعيش مع اقاربه الذين تكفلوا بتنشئته وتعليمه, وليس من المطلوب ان يكون المرء على معرفة متعمقة بعلم الفلسفة حتى يقدر تأثير هذه الظروف على تطور الطفل, ومثل هتلر وستالين، هذين المستبدين الطاغيين، فان صدام تغلب على مآسي طفولته ليصبح زعيم العراق الذي لا ينازع, كان الخجل من اصوله المتواضعة هو القوة الدافعة لطموحه، كما ان احساسه بعدم الامان الذي تولد لديه نتيجة طفولته غير المستقرة جعلته في وقت لاحق من حياته لا يثق باحد، حتى أقرب الناس اليه, واذا ما اخذنا بالاعتبار هذه الظروف البائسة، فان صدام يستحق الثناء لتغلبه على هذه العوامل والعوائق الاجتماعية القاهرة الى ان وصل الى قمة الهرم السياسي في العراق.
وفي هذا الكتاب «صدام - الحياة السرية» الصادر عن دار «ماكميلان للنشر» يكشف المؤلف كون كوكلان الحياة السرية لهذا الديكتاتور الذي شغل العالم في العقود الثلاثة الماضية

* دس أفعى بملابس أستاذه وهدد بقتل الناظر عندما قرر طرده من المدرسة
كانت العوجة التي تبعد ثمانية كيلومترات جنوب تكريت في شمال وسط العراق عبارة عن بيوت واكواخ من الطمي يسكنها اناس يعيشون في فقر مدقع, المياه الجارية، الكهرباء والطرق الممهدة لم تكن معروفة، ورغم انه كان هناك عدد من ملاك الاراضي في المنطقة، فان القرية نفسها كانت جرداء, ونسبة الوفيات بين الاطفال كانت مرتفعة، والبقاء على قيد الحياة كان الشغل الشاغل للكثيرين, وكان ملاك الاراضي في الهلال الخصيب التي تنتج الرز، القمح، الخضراوات، التمور والعنب، يعيشون في تكريت المجاورة او في بغداد، وكانوا يحظون بمكانة مميزة في المجتمع العراقي, وكان سكان العوجة الفقراء يعملون في فلاحة هذه الاراضي او كخدم في تكريت, ولما لم تكن هناك مدارس في العوجة، فان الآباء القادرين كانوا يرسلون ابناءهم للدراسة في تكريت.
سكان العوجة
ورغم ان معظم السكان كانوا يعملون في الاراضي، فان البعض كان يمارس انشطة محظورة مثل السرقة، القرصنة والتهريب، وكانت العوجة تشتهر بانها ملاذ لقطاع الطرق واللصوص الذين كانوا يكسبون رزقهم بالسطو على «الدوبا» القوارب الصغيرة التي كانت تنقل البضائع بين الموصل وبغداد.
رسميا ولد صدام يوم 28 ابريل سنة 1937، وحتى يضفي على هذا التاريخ مصداقية، فقد جعله سنة 1980 عطلة رسمية، وهناك من يقول انه ولد قبل ذلك بسنتين، بينما يدعي آخرون بانه من مواليد سنة 1939، وهذا يوضح ان عملية تسجيل المواليد والزواج والوفيات كانت بدائية جدا, وفي الواقع فان صدام حصل على تاريخ رسمي لمولده من صديقه وشريكه فيما بعد عبدالكريم الشيخلي الذي ينتمي الى عائلة ميسورة من بغداد، ولهذا السبب كانت لديه شهادة ميلاد رسمية، وكان صدام يغار من عبدالكريم لانه كان يعرف يوم ميلاده, ومن المقبول عموما ان صدام غير سنة مولده حتى يصور نفسه بانه أكبر من عمره اثناء صعوده في حزب البعث، وهذا يتضح من زواجه بزوجته الأولى ساجدة، وهي من مواليد عام 1937.
ورغم ان تاريخ ميلاده محل خلاف، فان المكان ثابت ومؤكد, ولد صدام في بيت يملكه خاله خير الله طلفاح، الذي كان نازي الهوى وسجن لمدة خمس سنوات بسبب تأييده للثورة ضد البريطانيين اثناء الحرب العالمية الثانية, وينتمي الى عشيرة بيجات السنية احد فخوذ قبيلة ابو النصر التي كانت مهيمنة في منطقة تكريت، وقد لعبت الولاءات القبلية دورا مهما في صعود صدام للسلطة, وبحلول الثمانينات كان هناك ستة اعضاء على الأقل في القبيلة، بمن فيهم الرئيس صدام، الذين شغلوا مناصب حكومية مهمة، وفي الثلاثينات فان القبيلة كانت معروفة بفقرها وبميلها الى العنف، وكان زعماؤها يفاخرون بتصفية اعدائهم لأتفه الاسباب, ورغم ان صدام اقام نصبا لوالدته صبحة التي توفيت عام 1982، فانه لم يفعل ذلك بالنسبة لوالده، كما انه ليس هناك اي سجل لوفاته ولا المكان الذي دفن فيه, ونتيجة لذلك فان كل الروايات تجمع على ان والده حسين المجيد، اما انه قد ترك منزل الأسرة قبل ولادة الطفل أو بعد ذلك بقليل.
من هي سهام؟
ورغم ان حياة وممات والده يكتنفها الغموض، فان له شقيقة تدعى سهام التي تكبره بسنة أو سنتين والتي كانت تبتعد عن الاضواء رغم مكانة اخيها, تزوجت من احد القضاة ورزقت بطفلين، والمرة الوحيدة التي برز اسم عائلتها الى العلن في العراق، كان ابان الحرب العراقية ــ الايرانية، عندما رفض زوجها دعوة صدام للعراقيين بالتطوع في الخدمة العسكرية، وضعت الأسرة قيد الاقامة الجبرية وتم عزل زوج سهام، لكن بعد اشهر عفا صدام عنهم واعاد زوجها الى عمله، وحقيقة ان سهام شقيقة صدام، وعلى عكس كل اقاربه المقربين، لم تحظ ابدا بمكانة مرموقة في العراق، فان ذلك يثير اسئلة حول ما اذا كانت سهام تمت بصلة مباشرة الى صدام.
أما بالنسبة لمصير والده، فان أكثر ما يمكن ان يقال، اما انه قد توفي بعد فترة قصيرة من ولادة سهام، أو انه ترك منزل العائلة, ويقول بعض من عاصروا صدام في تكريت بان حسين المجيد هجر صبحة الى امرأة اخرى، وعاش معها لسنوات عدة بعد ولادة صدام، رغم ان العلاقة بين الجانبين من العائلة كانت مسمومة.
والدته مستبصرة
ورغم انه من الصعب تقديم سيرة دقيقة لطفولة صدام المبكرة، فانه يمكن تجميع بعض الخيوط بعد هجر حسين المجيد لمنزل الاسرة, كانت صبحة والدة صدام تعاني من العدم, كان عملها الوحيد قراءة الطالع »مستبصرة«, وقال سكان في تكريت، انهم يتذكرونها بملابس سوداء على الدوام وجيوبها مليئة بالاصداف التي كانت تستخدمها في مهنتها, وتحدثت بعض الروايات عن انها كانت تتلقى بعض الدعم المادي من شقيقها خير الله الذي كان يسكن في تكريت، بينما تكفل الاخير بتنشئة صدام, وتعود شهرة تكريت تاريخيا الى انها كانت مسقط رأس صلاح الدين القائد الاسلامي الشهير الذي هزم الصليبيين الغزاة في فلسطين, في سنة 1394 زارها تيمورلنك سليل جنكيزخان، والذي توقف فيها لبناء هرم من جماجم ضحاياه المهزومين.
وخير الله طلفاح الذي كان يعمل ضابطا في الجيش في تكريت من القوميين العرب المتحمسين، وسيصبح له نفوذ كبير على تشكل صدام الصغير، وفي الادلة على الرابطة القوية التي تطورت بين الخال وابن اخته هي انه بعد ان اصبح رئيسا، كافأ صدام خاله بتعيينه رئيس بلدية صدام، وعندما ادى حماس خيرالله للنازيين الى طرده من الجيش عام 1941، افتقده صدام كثيرا، قال صدام لفؤاد مطر احد كتاب سير حياته الرسميين، «كان خالي قوميا، ضابطا في الجيش العراقي، امضى خمس سنوات في السجن, وكان دائما يبث فينا الروح الوطنية والقومية، وعندما كنت اسأل عنه، كانت أمي تقول انه في السجن», وقد زرع خير الله في الصبي الكراهية للعائلة الملكية التي كانت تحكم العراق في ذلك الحين، ومن يدعمهم من الاجانب، والبريطانيين قبلهم على سبيل المثال، وقد كان هذا الشعور عميقا لدى صدام الذي كتب قائلا بعد ان اصبح رئيسا «يجب تعليم اطفالنا الحذر من كل ما هو اجنبي، وعدم البوح بأي سر من اسرار الدولة والحزب للأجانب لان الاجانب هم عيون بلادهم».
كان سجن خير الله يعني عودة صدام للعيش مع والدته التي كانت قد تزوجت لدى عودة ابنها الى العوجة من قريب لها يدعى حسن الابراهيم، الذي كان فقيرا ويعمل بوابا بمدرسة في تكريت , وكان يعتدي بالضرب على صدام، حيث انه كان يجبره على الرقص في الوحل للنجاة من الضرب بالعصا, كان البيت المبني من الطين صغيرا، وحتى صدام نفسه يعترف بحياة الحرمان والشقاء اثناء طفولته، فقد اسر لأمير اسكندر احد كتاب سير حياته، انه لم يعش حياة الصغر، وكان طفلا حزينا يتجنب صحبة الآخرين, وهناك فقرة تثير الشفقة في قوله ان مولده لم يكن مناسبة سعيدة، ولم تكن هناك زهور الى جانب مهده.
حسن الكذاب
والى جانب هذه الظروف القاسية، فقد كان على صدام ان يتحمل الحياة الكئيبة مع زوج امه الفاسد الذي كان يعرف في القرية بـ «حسن الكذاب»، لانه ادعى بانه قد ادى مناسك الحج، مع انه في الحقيقة لم يقترب من حدود السعودية قط، وقد حرم صدام من الذهاب الى المدرسة، وكان يكلف بالقيام بالاعمال المنزلية الوضيعة، كما كان يجبر على سرقة البيض والدجاج من منازل الجيران، وقد يكون قد أمضى مدة من الزمن في سجن للأحداث نتيجة لافعاله تلك, ويقول وزير عراقي سابق ان والدته صبحة كان لها دور أيضا بتشجيعه على القيام بتلك السرقات، وكان يتم توزيع الغنائم في الليلة نفسها.
وان كانت الحياة صعبة في المنزل، فانها لم تكن أحسن حالا عندما كان يتمكن صدام من الافلات من زوج امه ويخرج الى الشارع, وكان شائعا في القرية أن الصبي قتيم، الأمر الذي لم يفعل حسين شيئا لدحضه, ونتيجة لذلك فان الصبية كانوا يضايقون صدام ويتحرشون به أحيانا، حتى انه كان يضطر للتسلح بقضيب من الحديد عندما يخرج الى الشارع للدفاع عن نفسه ان دعت الضرورة, وتحدثت روايات عن أن صدام كان يضع القضيب في النار ويبقر بطون الحيوانات به من أجل التسلية ليس الا، وكان صدام يعاني من الوحدة، وكان المخلوق الوحيد الذي يهتم به هو حصانه الذي حزن كثيرا على وفاته، حتى أنه قال ان يده شلت طيلة أسبوع بسبب ذلك.
ومن الممكن سبر وفهم وجهة نظر صدام عند طفولته من خلال سير حياته الرسمية, لم يذكر زوج والدته الا لماما وبسوء، كان يوقظه في الفجر ويشتمه من أجل رعي الغنم, وهو يعترف بأنه عاش في منزل متواضع, وفي السبعينات وعندما كان صدام يسعى لبناء قاعدة نفوذ له في العراق، كان يؤكد على أصوله المتواضعة، والتي كان يأمل من ورائها التقرب وكسب تعاطف المواطنين العاديين, في يونيو من عام 1990 وعشية حرب الخليج, كان صريحا اثناء مقابلة مع ديانا سوبر من شبكة «اي بي سي» التلفزيونية عندما قال: ان الحياة كانت صعبة للغاية في العراق، قلة قليلة كانت ترتدي احذية وفي كثير من الحالات، فانهم كانوا يرتدونها في المناسبات الخاصة، وبعض الفلاحين لم يكونوا يلبسون أحذيتهم الا عند ـصولهم اـى مقصدهم حتى تبقى نظيفة.
هو وأمه واخوته
ومثل معظم الأبناء فان صدام كان يعبد أمه وهو ما تمثل في البناء الذي اقامه لها في تكريت وان كان ذلك بأموال الدولة, وقد احتفظ صدام بعلاقات جيدة مع اخوته من أمه، وان كانت العلاقات بينهم صعبة أثناء الطفولة, وقد اسند صدام لكل من برزان، وسبعاوي ووطبان مناصب رسمية مهمة بعد أن أصبح رئيسا للعراق، حتى أن برزان اعتبر نفسه لسنوات عدة ولي عهد صدام الذي علمته تنشئته بأن لا يثق بأحد، وأهمية الاعتماد على النفس، وقيمة وأهمية استخدام القوة لاطاحة كل من يقف في وجهه او طريقه, وتعلم انه أيا كانت عدم كفاءة اسرته الوظيفية فان هؤلاء هم الأشخاص الوحيدون الذين يمكن ان يثق بهم ويعتمد عليهم.
واذا كانت تجربة صدام مع زوج أمه قد ساعدته في تشكيل شخصيته، فان الفترة التي أمضاها مع خاله في تكريت وبغداد قد اسهمت دون أدنى شك بوجهات نظره السياسية, وبينما كان خير الله لاعبا صغيرا في النضال الأوسع من قبل الشعب العراقي للحصول على حق تقرير المصير، فان مشاركته الفعالة في التيارات القومية في ذلك الوقت تركت بصمة لا تمحى لدى صدام الصغير، خصوصا ان انشطة خاله قد حرمته من صحبة خير الله خلال خمس سنوات حاسمة من طفولته.
كان ابن الأخت والخال قد تغيرا بقدر كبير بحلول الوقت الذي التأم فيه شمل صدام وخير الله من جديد في تكريت, كان خير الله يشعر بالمرارة والميل الى الانتقام نتيجة للمعاملة التي لقيها على يد البريطانيين, والى جانب حبسه، فانه قد خسر مكانته الاجتماعية بعد طرده كضابط من القوات المسلحة العراقية, بعد اطلاق سراحه عمل ناظرا لمدرسة خاصة، حيث اخذ يثبت وجهات نظره القومية وافكاره المعادية للبريطانيين بين طلاب المدرسة, يقول طالب سابق في المدرسة «كان خير الله رجلا في منتهى القسوة نازيا وفاشيا، كل الطلبة كانوا يخافونه سواء بالنسبة لسجله في محاربة البريطانيين او آرائه السياسية».
اثناء غياب خاله القسري كان صدام قد تخرج بجدارة كفتى قوي وصلب من الشوارع، وبسبب والد زوجته كان اميا، وبالنسبة لمعظم الفتية الذين هم في مكانة صدام الاجتماعية فان التعليم لم يكن يشكل اولوية بالنسبة لهم، ولو تكن هناك رغبة لدى صدام في محاكاة خاله وتقليده، لكان قد بقي مثلهم يعتاش على السرقة والبلطجة, كان الانخراط في القوات المسلحة ربما هو الطريق الوحيد المتاح لمثل من هم في مكانة صدام لتحسين مواقعهم الاجتماعية، ليس لانهم كانوا فلاحين فقراء فحسب، بل كونهم من السنة والذين كانوا يعتبرون في العراق الجديد اقلية اذا ما قورنوا بالاكراد والشيعة, كان طموح اي شاب عراقي ميال للخدمة العسكرية الالتحاق باكاديمية بغداد العسكرية التي اسسها البريطانيون لتخريج ضباط جيدي التدريب وموالين.
مولود مخلص
ويعود انضمام شبان تكريت للقوات المسلحة الى مولود مخلص الذي ولد في تكريت وبنى سمعة اثناء الثورة العربية ضد العثمانيين في الحرب العالمية الاولى, وبعد تأسيس العراق اصبح مخلص احد المقربين الموثوقين من الملك فيصل الاول ونائب رئيس مجلس الشيوخ في ظل الملكية، واستخدم نفوذه في تعيين الشبان من تكريت بمراكز رفيعة في القوات المسلحة والشرطة، وهو ما دأب عليه اعوانه فيما بعد, وبذلك وفي اواخر الخمسينات تكونت عصبة قوية في قلب الجيش العراقي والمؤسسة الامنية، وقد تطلع صدام الذي كان يمتلك بنية قوية تؤهله لخوض الحرب للانضمام للاكاديمية، لكن لسوء حظه فانه لم يكن يمتلك اي مؤهلات علمية وشهادته الوحيدة انه خريج العوجة.
وتقترن عودة الشاب الطموح للعيش مع خاله في تكريت بحكايات مفادها ان خير الله الذي كان بمثابة والد صدام بالتبني، قد عرض مساعدة صدام للحصول على تعليم مناسب.
ووفقا لفؤاد مطر كاتب سيرة حياة صدام فان عائلة صدام كانت تريد منه ان يصبح مزارعا، على اساس انه لا فائدة من التعليم، لكن صدام اصبح مهتما بفكرة التحصيل العلمي والذهاب الى المدرسة بعد ان التقى بابن خاله عدنان خير الله، الذي ابلغه كيف انه يتعلم القراءة والكتابة والحساب, وعدنان هو ابن خير الله من زواجه الاول الذي اثمر ايضا عن انجاب ساجدة التي ستصبح الزوجة الاولى لصدام, بعد اطلاق سراحه تزوج خير الله من امرأة اخرى وانتقل عدنان وساجدة اللذان كانا يعيشان مع امهما في منزل والدها في بغداد اثناء سجن والدهما للسكن في تكريت, وقد اصبح عدنان اعز اصدقاء الطفولة لصدام، وتبوأ فيما بعد منصب وزير الدفاع وهو منصب احتفظ به حتى وفاته في ظروف غامضة بتحطم هليوكبتر, عام 1947 تأثر صدام بما سمعه من ابن خاله حتى انه قرر السفر معه الى تكريت للالتحاق بالمدرسة, ووفقا لسيرة حياته الرسمية: فقد كانت تلك «أول خطوة تمرد» يتخذها صدام، حيث كانت أسرته مازالت مقتنعة بأن التعليم ما هو الا مضيعة للوقت بالنسبة لابنهما.
الهدية مسدس
وكان صدام والناس نيام يغادر المنزل ويشق الظلام في طريقه، حيث يعمل بعض من أقاربه الذين كانوا يفاجأون بظهوره المفاجئ، لكنهم كانوا يتفهمون عندما بدأ يشرح لهم أسبابه وانه يريد الذهاب الى المدرسة ضد رغبة أسرته, وكان صدام يلقى التشجيع من هؤلاء الأقارب, قدموا له مسدسا وأركبوه سيارة الى تكريت حيث تم الترحيب به من قبل أقاربه وهنأوه على قراره, بعد ان أكمل السنة الأولى في المدرسة انتقل الى بغداد مع خاله خير الله طلفاح, أكمل دراسته الابتدائية في بغداد والتحق بعد ذلك بالمرحلة الثانوية.
وحتى في الريف العراقي في الاربعينيات حيث الناس يعيشون بعيدا عن حكم القانون، فان اعطاء مسدس لصبي في العاشرة من العمر حتى يعتمد على نفسه يبدو بعيد الاحتمال, وفي الريف العراقي فان الناس يكتسبون اسم العائلة عموما من مكان الولادة، ولهذا السبب فان اسم صدام يتوجب ان يكون صدام حسين العوجة، وليس كما يصر حتى يومنا هذا صدام حسين التكريتي.
ولم تكن تجربة صدام التعليمية ممتعة، فقد كان يزامل أطفالا في الخامسة من أعمارهم مما كان يسبب له حرجا وكلمات تنم عن السخرية, فكان يدخل في مشاجرات مع البعض منهم لهذه الأسباب, وقد تركت تهكمات أولئك الطلبة جروحا عميقة في نفسه, ويقال انه عندما شب عن الطوق عاد الى تكريت للانتقام ممن كانوا يسخرون منه وتصوره بعض الروايات بأنه كان صبيا يتصف بالشجاعة والجرأة، وكان يداعب أساتذته ببعض الممارسات الطريفة، مثلما فعل مع مدرس الدين الذي كان عندما يهم بمعانقته، يضع أفعى في ملابسه, ويقول أحد الذين عاصروه أيام الدراسة، ان الناظر قرر طرد صدام من المدرسة، وعندما علم صدام بذلك توجه الى مكتب ناظر المدرسة وهدده بالقتل فعدل الناظر عن قراره.
صبي عبوس
كان صدام يتلقى التشجيع بصفة خاصة من خاله وابن خاله عدنان الذي كان يكبره بثلاث سنوات للاستمرار في التحصيل العلمي, كانت الصور التي التقطت له في تلك الفترة تظهر صبيا عبوسا، حاد النظرات مظهره يدل على انه قادر على العناية بنفسه, وكان على صدام ان يتغلب على الكثير من العقبات للالتحاق بالمدرسة, لم يكن من الطلبة المتفوقين، رغم انه يتمتع بذاكرة ممتازة وقدرة تصويرية على تذكر التفاصيل, ويقول سعيد أبو الريش أحد المدافعين عنه ان صدام كان طفلا نجيبا وذكيا وأظهر قدرة على التعلم بسرعة، لكن هذا التقييم يتعاكس مع عدم استطاعة صدام النجاح في اختبار القبول الخاص بأكاديمية بغداد العسكرية التي كان تواقا الى الالتحاق بها, وقد شعر بالاهانة لرفض طلبه, وبعد ان تعزز موقفه في الحكومة عين نفسه برتبة لواء فخري, وبعد ان أصبح رئيسا منح نفسه رتبة مشير، وأعدم باطلاق الرصاص ابن مولود مخلص الضابط التكريتي الذي يرجع اليه الفضل في تعيين أبناء بلدته وأقاربه بمراكز مهمة في القوات المسلحة العراقية.
اكمل صدام دراسة الابتدائية سنة 1955 في تكريت، وانتقل مع عدنان خير الله الى بغداد حيث التحق الصبيان بمدرسة الكرخ الثانوية، وكان لانتقاله من تكريت الى بغداد تأثير مهم مثلما كان من العوجة الى تكريت, كانت بغداد في الخمسينات تعيش جوا من النشاط والتنافس السياسي، كان الشعور القومي في اوجه وقد توج ذلك بالانسحاب البريطاني في عقب الحرب العالمية الثانية, كانت حركة الاستقلال تموج في القاهرة بزعامة جمال عبد الناصر وتصميمه على تحرير القاهرة من محور النفوذ البريطاني، والذي أدى بالتالي الى ازمة السويس سنة 1956، والتي اثبتت انها المسمار الاخير في نعش الطموح الامبريالي البريطاني, وكان للنجاح الديبلوماسي الذي حققه عبد الناصر في السويس صداه في انحاء الشرق الاوسط كما شجع جماعات قومية اخرى وبخاصة في العراق، حيث كانت الملكية التي اقامتها بريطانية سنة 1922 ما تزال في الحكم ولا تحظى بالشعبية, وغازي الملك العراقي الوحيد الذي حظي بدعم شعب حقيقي، والذي اغضب البريطانيين نتيجة لذلك، وقتل في حادث تحطم سيارة غامض سنة 1939، وقد اتهم البريطانيون وحلفاؤهم في الحكومة البريطانية بأنهم وراء اغتياله, كان خليفته فيصل الثاني يبلغ الرابعة من عمره، وكانت البلاد تحكم فعليا من قبل عبد الاله والسياسي العراقي المحنك نوري السعيد، واللذين كانا من الموالين للبريطانيين وبعد نجاحات عبد الناصر ظهرت تناقضات بين اولئك الموالين للبريطانيين من امثال نوري وعبد الاله، والاحزاب القومية التي اخذت تعمل على قلب النظام الملكي.
البعد الجيوبوليتكي
والبعد الجيوبوليتكي الديناميكي الآخر والحاسم والذي كان له تأثيراته على السياسة في بغداد في الخمسينات تمثل بظهور الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى, لم يكن السوفيات حريصين على تصدير ايديولوجيتهم الى الشرق الاوسط فحسب، ولكنهم كانوا يتطلعون الى كسر احتكار سيطرة الغرب على ثروة المنطقة النفطية الهائلة، واعتبر التهديد الشيوعي تهديدا خطيرا وحقيقيا سواء في واشنطن، التي زادت بعد تدخل دوايت ايزنهاور بعد ازمة السويس من تدخلها في الشرق الأوسط وفي لندن، التي كانت تحاول الحفاظ على بعض نفوذها في المنطقة سنة 1955. كانت الحكومة العراقية فعالة في اقامة حلف بغداد، وهو منظمة اقليمية دفاعية تتكون من بريطانيا، تركيا، ايران وباكستان، وكان الهدف من تشكيله مواجهة التهديد السوفياتي، مع ان نوري السعيد كان يأمل ان يشكل بديلا في نظر الرأي العام العربي للناصرية, وقد رد عبد الناصر بتوقيع صفقة سلاح ضخمة مع السوفيات، وأمم قناة السويس في السنة التالية, والى جانب ان هذا كله جعل من عبر الناصر زعيما وبطلا لا ينازع للقومية العربية، فانه جعل الحكومة العراقية تظهر بأنها اداة جاسوسية للمصالح الغربية.
وباعتباره احد المعنيين، وفي عيني صدام احد الابطال لانتفاضة 1941، كان خير الله نشطا في التيارات السياسية في تلك الفترة، انتقل خير الله للسكن في حي الكرخ الذي كان يقطنه مزيج من السنة والشيعة، والذي كان يشهد اعمالا قتالية بين الطائفتين, اثناء عمله بالتدريس كان خير الله يمارس النشاط السياسي.
الفرس واليهود والذباب
وكانت ارتباطاته واتصالاته السياسية محصورة مع ابناء بلدته وجماعته، وكان بين هؤلاء في ذلك الوقت احمد حسن البكر، ضابط الجيش التكريتي الذي أصبح رئيسا للعراق، الذي سيلعب دورا محوريا في صعود وارتقاء صدام للسلطة, كان البكر احد القياديين في حزب البعث الذي أسس حديثا، وهو حركة قومية عربية شكلت في سورية في أواخر الاربعينات, وكان البعثيون أعداء للشيوعيين الذين كانوا ينظرون اليهم بانهم يريدون ان يحلوا محل الاستعمار القديم، والفرق الوحيد ان الأول منبعه لندن والثاني جذوره في موسكو.
ولا تمثل روايات صدام عن هذه السنوات التشكيلية رؤية سياسية متعمقة, قال لأحد كتاب سير حياته ان الدافع الرئيسي لخاله تمثل في المقاومة والنضال ضد النخبة الحاكمة المحيطة بالملكية وداعميهم البريطانيين، بينما قال لآخر ان خاله كان يتحدث انطلاقا من رؤية قومية وليست شيوعية، ولعل نظرة على منشور كتبه خاله تلقي الضوء بصورة أكبر على تطور منظور خير الله السياسي الذي قال تحت عنوانه «ثلاثة لم يكن الله ليخلقهم، الفرس، اليهود والذباب»، وقد كتب ذلك عام 1981 بعد ان أصبح صدام رئيسا، وهو يمثل الى حد بعيد افقا نازيا يقول: «الفرس حيوانات خلقها الله على هيئة بشر بينما اليهود مزيج من القذارة ومخلفات اشكال شتى من البشر, اما الذباب وعلى النقيض، فانها مخلوقات ضعيفة، والتي لا نفهم هدف الله من خلقها», وكرئيس للعراق، فان سياسته الخارجية كانت تمليها كراهيته للفرس، او الايرانيين كما يعرفون حاليا والاسرائيليين, عام 1980 بدأ حرب السنوات الثماني مع ايران والتي نجمت عن مقتل مليون عراقي وايراني, بينما اطلق اثناء حرب الخليج عام 1991 دفعات من صواريخ سكود على اسرائيل, وقد كافأ صدام خير الله مقابل تعليمه له، بان عينه رئيس بلدية بغداد، وهو منصب استغله اسوأ استغلال وممارسة الفساد الزائد، حتى ان صدام اضطر لعزله واغلاق 17 من شركاته واعتقال مديريها.
وليس هناك شك بأن تأثير ونفوذ خير الله على صدام كان ضارا ومؤذيا مثلما كان زوج امه, ولم يمض وقت طويل حتى بدأ صدام بتهديد الخصوم السياسيين او كل من يسيء اليه, ومع انتهاء سنوات المراهقة أصبح صدام صاحب بنية قوية مفتول العضلات وطويل القامة (6 أقدام وانشان), يتحدث بلهجة فلاحية وخطبه تمتزج بعامية تكريتية, ولم يتخل عن لهجته التكريتية حتى بعد ان أصبح رئيسا، خطبه العلنية لا تتقيد بالقواعد اللغوية، وكذلك احاديثه الخاصة، وهو ما كان يربك المترجمين الرسميين ويسبب لهم المشاكل.
عضو الفتوة
في بغداد وفي اواخر الخمسينات، فان صدام ربما كان عضوا في الفتوة، وهي منظمة شبيبة شبه عسكرية على غرار شبيبة هتلر، والتي شكلت اثناء حكم الملك غازي في الثلاثينات, كانت أهداف الفتوة تدعو الى ان يعمل العراق على توحيد العرب بالكيفية نفسها التي وحد بها سكان بروسيا الألمان، وبتشجيع من خير الله فان صدام كان يشاهد في مقدمة أي تظاهرة او اعمال عنف ضد الحكومة، وفي مثل هذه الأجواءمن العنف والفوضى، فان القضية كانت مسألة وقت فقط قبل ان يعمد صدام الى قتل احد الاشخاص.
وكما هي الحال بالنسبة لسنوات صدام الأولى، فان هناك درجة من عدم اليقين في ما يتعلق بالهوية الحقيقية لأولى ضحاياه، ورغم انه يقيم رسميا في بغداد، فقد كان يسافر باستمرار الى تكريت، وكان ينظم اعمال العنف والتظاهر وهناك مثل يقول عندما يأتي اهالي العوجة فمن الأفضل اغلاق ابوابكم، تقول احدى الروايات ان اولى ضحايا صدام هو ابن عم له اساء الى زوج امه حسن الابراهيم، ورغم عدم وجود دليل يدعم هذا الزعم، فان أعمال القتل هذه كانت مألوفة، وليس من الغريب ان يكون حسن قد ارسل وراء ابن زوجته لحل نزاع في البلدة.
لكن ليس هناك أي شك بعلاقة صدام في مقتل سعدون التكريتي، وهو عضو في الحزب الشيوعي كان يعمل كمسؤول محلي للحزب وقتل في اكتوبر 1958، كان البعثيون اعداء مريدين للشيوعيين، وبالتأكيد فان خير الله احد ممثلي البعث الرئيسيين في تكريت، لم يكن يشعر بالارتياح ازاء تمتع شيوعي بسلطة في المدينة، لكن الدافع الحقيقي وراء الجريمة، كان معرفة سعدون بسجل وخلفية خير الله البغيضة، وعندما عين خير الله مديرا للتعليم في بغداد سنة 1958، وعلم سعدون التكريتي بالأمر وتوجه الى بغداد وابلغ السلطات بماضي خير الله والذي عزل من وظيفته الجديدة ولما لم يمض سوى بضعة اشهر على تعيينه, ورد خير الله بالطريقة الوحيدة التي يعرفها، وامر ابن اخته بالانتقام له، ونفذ صدام أوامر خاله دونما أي تردد.
تمت الجريمة في تكريت، وبينما كان سعدون عائدا الى منزله ليلا من احد المقاهي انقض عليه صدام قرب باب منزله مستغلا العتمة واطلق عليه رصاصة واحدة من المسدس الذي اعطاه اياه خير الله فاراده قتيلا.
بعد هذا الحادث اعتقل خير الله وصدام واودعا السجن لمدة ستة شهور، قبل ان يطلق سراحهما بسبب عدم توافر الأدلة، عاد صدام الى بغداد واستأنف ممارسة نشاطه السياسي وكسب قوته بالعمل كمحصل في احد الباصات.
ونتيجة لانشطته في تكريت، فان صدام اكتسب شهرة، ليس كتلك التي كان يأمل بها كضابط يتدرب في اكاديمية بغداد العسكرية، ولكن كمحرض سياسي لا ينفر من ارتكاب جريمة قتل لتحقيق هدفه, ربما يكون حزب البعث صغيرا ثلاثمئة عضو فقط عام 1958، لكن كانت لديه طموحات، وقادته لم يكونوا يتلكأون في الاعتراف بمواهب اعضائه من الشبان, وان كان لحزب البعث ان يحقق هدفه في الاستيلاء على السلطة، فقد كان عليه اولا الخلاص من الحكومة, وهكذا فان المهمة الرسمية التالية التي اوكلت اليه تتمثل في اغتيال الرئيس العراقي الجديد.

* صدام حسين بدأ حياته السياسية عميلاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية

كان اسقاط الملكية العراقية ابان ثورة 1958 واحدا من اكثر الاحداث دموية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط, ففي وقت مبكر من صباح يوم 14 يوليو، اقتحمت وحدات من الجيش تطلق على نفسها اسم »الضباط الاحرار« القصر الملكي في قصر الرحاب, دمرت المدفعية الجزء الأعلى من المبنى، واجبروا الملك فيصل الثاني والوصي، واسرهم على الهرب من المبنى الى ساحة القصر، حيث احاط بهم الضباط, ودونما اي اعتبار للنساء والاطفال تم قتلهم جميعا, كانت الناجية الوحيدة من حمام الدم، زوجة الوصي، لانها اعتبرت ميتة وسط كومة الجثث الملكية, وكان قادة الانقلاب مصممين على الا يتركوا اي اثر للعائلة العراقية الملكية، حتى لا يكون لهم اي نواة في المستقبل, وكانت لفتة الاحترام الوحيدة التي ابداها قادة الانقلاب، قد تمثلت في اخذ جثة الملك الصغير لدفنها في مكان سري.
اما جثة عم الملك والوصي السابق عبدالاله فقد اعطيت للعامة, وقد اتهم عبدالاله ورئيس الوزراء نوري السعيد بالمسؤولية عن السياسة الموالية للبريطانيين واشتبه بمسؤوليتهما عن مقتل الملك غازي، الوحيد الذي كان يحظى بالولاء من قبل الشعب العراقي اثناء فترة حكمه القصيرة في الثلاثينات, تم سحل جثة عبدالاله في الشوارع حيث تم ربطها إلى سيارة قبل تقطيعها بطريقة بشعة، وتم عرض الأشلاء والاجزاء المتبقية في وزارة الدفاع، وفي المكان نفسه الذي تم فيه شنق اربعة من الضباط الكبار على يد البريطانيين لدورهم في ثورة 1941. تمكن نوري السعيد من النجاة طيلة يومين قبل ان يقبض عليه متخفيا بملابس امرأة اثناء محاولته الهرب, حاول نوري السعيد المقاومة بمسدسه، لكنه سرعان ما تمت السيطرة عليه وقتله, ولم يكتف الضباط بذلك، بل انهم داسوه بسيارتهم مرات عدة قبل ان يتم دفن ما تبقى من الجثة, لكن مجموعة من الغوغاء نبشوا جثته ومثلوا بها، وطافوا ببعض الاجزاء في الشوارع.
أين صدام؟
اما مكان وجود صدام اثناء ايام ثورة 1958، فلم يكن معروفا, لكن يمكن القول ان البعثي الشاب وخاله كان لهما دور اثناء العنف الذي انفجر بعد الاطاحة بالملكية, وقتل مئات، وربما الالاف من العراقيين في حمام الدم، وقد ايد البعثيون بكل ما يملكون الانقلاب العسكري وكانوا مصممين على انجاحه.
وقد اعلنت الاجندة السياسية لقادة الانقلاب في الساعة السادسة والنصف صباح يوم 14 يوليو في بيان خاص عبر الاذاعة وتلا البيان عبدالسلام عارف احد قادة الانقلاب، فقال: «ان الجيش قد حرر الوطن العزيز من النظام الفاسد الذي اقامته ونصبته الامبريالية», وتمثل القرار الاول للحكومة الجديدة بالغاء المؤسسات الرئيسية للنظام السابق بما في ذلك الملكية واعتقال اولئك الذين ساعدوا ذلك النظام.
تزايدت الضغوط للتغيير خصوصاً في صيف 1958، كنتيجة لدعم العراق لحلف بغداد من جهة ونجاح عبدالناصر في تحدي بريطانيا وفرنسا حول قناة السويس عام 1956. وفي الواقع فانه بحلول عام 1958، ومزهوا بانتصاره الديبلوماسي، فان عبدالناصر كان يحاول تبني قضية البعثيين بنفسه عندما اقترح نموذجا اوليا لدول عربية متحدة في فبراير من عام 1958. اقيم اتحاد سياسي يضم سورية ومصر فانضمت اليمن في وقت لاحق، واطلق على الكونفديرالية الجديدة الجمهورية العربية المتحدة برئاسة عبدالناصر والقاهرة عاصمتها، وايد معظم الضباط الاحرار الذين نفذوا انقلاب 14 يوليو في العراق مبدأ الانضمام للاتحاد، وبخاصة اولئك الذين كانوا اعضاء في حزب البعث، والذين كانوا يعتقدون بانه السبيل الافضل لتحقيق هدفهم بانشاء دولة عربية واحدة.
ونتيجة لذلك، فقد القى البعثيون بثقلهم ودعمهم الكامل للحكومة الجديدة التي شكلت في بغداد بصيف 1958 برئاسة عبدالكريم قاسم زعيم الضباط الاحرار, اوكل قاسم للبعثيين 12 حقيبة وزارية من بين الحقائب الست عشرة في حكومته الجديدة، وكان بعض الضباط الاحرار قد وعدوا عبدالناصر بأنهم سينضمون الى الجمهورية العربية المتحدة مقابل دعمه ومساعدتهم في قلب الملكية، لكن عندما تسلم السلطة انتهج عبدالكريم قاسم منهجا يتسم بالحذر, وفي هذا المجال فان قاسم كان يتصرف بكيفية سينسخها عدد من الزعماء العراقيين في سنوات الاضطراب والعنف التالية, وعندما يكونون في المعارضة، فإن من المألوف ان يعمد سياسيون عراقيون كثيرون الى دعم فكرة تشكيل تحالفات مع جيرانهم العرب، لكنهم عندما يتسلمون السلطة، فإنهم سرعان ما يتبنون قضية العراق اولا وهي سياسة تضع المصالح العراقية في المقام الاول, وبعد ان ثبت قاسم حكمه تبنى العراق اولا، وكانت لديه تحفظات ازاء وضع استقلال العراق تحت قبضة عبدالناصر.
وكانت تساوره الشكوك ازاء دوافع بعض زملائه الانقلابيين وبخاصة عبدالسلام عارف الذي ارتأى بان يضغط من اجل الانضمام الى الكونفديرالية مع مصر وسورية بهدف تعزيز موقعه السياسي في العراق, وكما يحدث غالبا في الثورات، فان الثوار سرعان ما وجدوا انفسهم في وسط خلافات بين كل منهم حول التوجه الذي ينبغي ان تسلكه الثورة, وبحلول اوائل الخريف رفض عبدالكريم قاسم اي كونفديرالية مع عبدالناصر، وعلاوة على ذلك, وفي محاولة لتعزيز سلطته امر باعتقال عارف وعدد من الضباط الاحرار الذين حوكموا بتهمة الخيانة, وفي هذه المحاكمة تم الكشف عن تورط صدام في اغتيال سعدون التكريتي وحكم على عارف وزملائه بالموت، لكن هذه الاحكام خفضت فيما بعد الى السجن مدى الحياة.
اللحظة الحاسمة
وفي خطوة اخرى لتعزيز قاعدة سلطته ونفوذه ابرم قاسم تحالفا مع الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان لاسبابه الايديولوجية الخاصة يعارض بشدة الانضمام الى الاتحاد, والاتحاد الوحيد الذي يدعمه الشيوعيون العراقيون كان مع موسكو او تحالف قاسم مع الشيطان، كما وصفه الكثير من القوميين, كما سببت المحاكمات الصورية للعراقيين من غير الشيوعيين تدهورا سريعا في العلاقات بين قاسم والعديد من الضباط الاحرار الذين دعموا اسقاط الملكية، ولم يكونوا مستعدين للتسامح مع استبدال ديكتاتور بآخر, وجاءت اللحظة الحاسمة في مارس في عام 1959 عندما نظم عدد من الضباط القوميين انقلابا على قاسم, وفشل الانقلاب فشلا ذريعا وحتى يلقن الانقلابيين درسا، شجع قاسم الشيوعيين على ملاحقة اعدائهم القوميين واعتقالهم، وكانت النتيجة حمام دم جديدا في التاريخ العراقي الحديث, وقتل الشيوعيون ومثلوا بالعديد من القوميين العرب الذين دعموا الضباط وتمت محاكمة الضباط الاحرار الذين ساعدوا في الاطاحة بالملكية بتهمة الخيانة, وفي الموصل شجع الشيوعيون الغوغاء على عمليات نهب وسلب واغتصاب دامت نحو اسبوع, حوكم المتهمون امام محاكم صورية ونفذ فيهم حكم الاعدام رميا بالرصاص امام اعين الجميع.
وبالنسبة للبعثيين فان سلوك قاسم كان يرقى الى الخيانة, كانوا قد دعموا قادة الانقلاب في صيف 1958 لاسقاط الملكية بشرط ان ينضم العراق لاتحاد الدول العربية، لكن خلال اقل من عام وجهت لآمالهم ضربة قوية، وشعروا بانه مادام قاسم في السلطة فانه لا امل لهم بتحقيق اهدافهم، وفرصتهم الوحيدة بتحقيق تلك الاهداف تتمثل في ازاحة قاسم عن السلطة وتوصلوا الى قرار بان يتم تحقيق ذلك بواسطة الاغتيال.
اما ان يطرح اسم صدام لتنفيذ تلك المهمة فانه لم يكن مفاجئا, وفي تلك المرحلة من تطوره، فان حزب البعث العراقي كان هيئة ايديولوجية اكثر من كونه آلية مقاتلة ومعظم اعضائه الثلاثمئة كانوا اما من الطلاب او من المهنيين الذين كانوا يطمحون الى انشاء مجتمع اكثر عدلا تخدم فيه الحكومة مصالح الشعب بدلا من خدمة مصالح القوى الاجنبية, دعم حزب البعث اسقاط الملكية، لكنه لم يكن احد منهم موجودا عندما ارتكبت مجزرة بحق العائلة الملكية.
شجع البعثيون التمرد في الموصل، لكنهم لم يكن لهم يد فعلية والآن وبعد ان قرروا الخلاص من قاسم، فقد كانوا يملكون الارادة، غير انهم كانوا يفتقرون الى الوسائل, ومن المحتمل ان تكون فكرة اغتيال قاسم قد طرحها عبدالناصر، وربما ان بعض المشاركين في محاولة الاغتيال قد تلقوا تدريبا في دمشق على يد رجال امن عبدالناصر، لكن لم يقدم اي دليل على اتهام عبدالناصر بأنه كان له دور في هذه المؤامرة.
مجرد مزاعم
يزعم صدام بانه انضم الى حزب البعث منذ عام 1957، عندما كان طالبا في مدرسة الكرخ الثانوية، ولا يبدو ان هناك اي سبب لدحض ذلك, اما ما يثير الدهشة فهو ان صدام اختار الانضمام الى حزب هو بكل المقاييس كان مجهولا نسبيا، وليس هناك اي دليل على انه سيصبح احدى القوى المهيمنة في السياسات العربية المعاصرة, ووفقا لسيرة حياته الرسمية فان صدام انضم الى البعث لانه وجد بأن مبادئه تطابق توجهاته ومبادئه القومية، وقد اعتبر نفسه قوميا منذ ان حكت له والدته قصصا حول نشاط خاله خير الله طلفاح ضد البريطانيين.
ورغم ان طلفاح لم يكن لديه وقت للبعث، ولم ينضم إليه ابدا فانه اقام علاقة صداقة مع احمد حسن البكر، مواطنه التكريتي الذي كان برتبة لواء في الجيش العراقي، والذي سيصبح احد الأركان المهيمنين في الحزب، وأول رئيس بعثي للعراق, وبتشجيع من خير الله اخذ صدام تحت جناحه، وهي مشاركة اثمرت عن حكم الرجلين للعراق طيلة عشر سنوات، ومن خلال البكر، تم تقديم صدام لحزب البعث وفي هذه المرحلة من حياته على كل حال، فان صدام كان مجرد نصير للحزب وليس عضوا كاملا، ذلك ان العضوية في الحزب كانت مقيدة ومحدودة لاولئك الذين يثبتون ولاءهم للحزب، والتزامهم بايديولوجيته.
وقد اسهم تورط صدام في المؤامرة لاغتيال قاسم بشكل كبير في النظر إليه باعجاب، وليس هناك رواية افضل لدوره في تلك القصة التي رواها بنفسه، والتي يعيد دوره إلى الايام التي كان فيها في السجن في تكريت حيث قضى ستة اشهر في اواخر 1958 بشبهة اغتيال سعدون التكريتي، وكان هذا الاغتيال قد تم بعد فترة وجيزة من تسلم قاسم للسلطة وكنتيجة لذلك، اودع صدام السجن مع خير الله بعد ان اجتاح العنف البلاد, وادعى صدام انه استخدم حبسه لانقاذ زملائه في البعث من القتل على ايدي الشيوعيين في تكريت،
ووفقا لرواية صدام للاحداث، فانه رشا بعض افراد حراس السجن من المتعاطفين، لاعتقال نشطاء البعث بتهم مصطنعة وايداعهم في السجن من اجل حمايتهم، وهكذا تم احضار عدد من البعثيين إلى السجن، وطيلة ايام عدة كانوا يقبعون في الحبس حتى حلول الليل، ثم يطلق سراحهم لممارسة انشطتهم ويعودون قبل بزوغ الشمس.
كان ذلك يتم اثناء حملة التطهير التي اطلقها قاسم ضد البعثيين في اواخر عام 1958 واوائل عام 1959. ويدعي صدام انه افرج عنه في اوائل عام 1959، نتيجة لما وصفه بالضغط القومي، بينما اطلاق سراحه كان نتيجة ان سلطات الادعاء العام ربما لم تكن قادرة أو غير راغبة للعثور على الدليل الكافي لاتهامه باغتيال التكريتي, وقال صدام انه عاد بعد ذلك إلى بغداد بناء على طلب الحزب، حيث سأله احد الرفاق، في ما اذا كان راغبا في اغتيال قاسم، فقبل على الفور لانه اعتبر ان هذه التهمة تشريف وتكريم له، وبدأ بعد ذلك التدرب على استخدام الاسلحة الاوتوماتيكية، وكانت الخطة من بنات افكار فؤاد الركابي الأمين العام لحزب البعث الذي شغل لفترة وجيزة منصبا وزاريا في حكومة قاسم، والذي قتل فيما بعد في احد سجون صدام.
خطة الاغتيال
كانت الخطة تقضي باغتيال قاسم، في شارع الرشيد اثناء عودته إلى منزله من وزارة الدفاع, ولاحظ نشطاء الحزب ان قاسم يفتقر إلى الحماية الكافية، وتم وضع خطة الهجوم بحيث تفتح مجموعة من المسلحين نيران اسلحتها على المقاعد الخلفية من سيارة قاسم، بينما تقتل المجموعة الثانية الجالسين في المقاعد الامامية, أما دور صدام في مجموعة الاغتيال المكونة من خمسة اشخاص فتمثل في التغطية لتمكين فريق الاغتيال من الفرار.
وفي الواقع فان مشاركة صدام في محاولة اغتيال قاسم تقررت في اللحظات الأخيرة, وفريق الاغتيال الرئيسي كان مكونا من اربعة اعضاء في البعث، بقيادة عبدالكريم الشيخلي وكان طالبا في كلية الطب، والذي اصبح واحدا من الايديولوجيين الرئيسيين في الحزب وأحد اصدقاء صدام المقربين.
بعد وضع الخطة، اعتذر أحد المسلحين عن المشاركة خوفا مما سيحدث لأسرته إذا ما قتل في الهجوم، وهنا طرح اسم صدام الذي اكتسب سمعة بعد ان قتل سعدون التكريتي برصاصة واحدة دون أن يترك أي دليل على فعلته.
حدد موعد الهجوم يوم 7 اكتوبر 1959. وحتى يكون ملما بالمنطقة استأجر صدام شقة أصبحت قاعدة للعملية, وأخذ يحدد أفضل المواقع لتنفيذ الهجوم ونقاط الهروب, وتمت العملية بعد ظهر يوم السابع من اكتوبر، لكن وبسبب الإثارة على ما يبدو سحب صدام مدفعه الرشاش من تحت معطفه الذي استعاره من خاله خير الله لتنفيذ المهمة وفتح النار على سيارة قاسم قبل الوقت المقرر, وقبل ان يتمكن الآخرون من فتح النار، تمكن حراس قاسم من مواجهة الموقف، قتل سائق سيارة عبدالكريم قاسم الذي أصيب في ذراعه وكتفه، كما قتل أحد افراد مجموعة الاغتيال، وأصيب صدام في ساقه، على يد أحد زملائه الذي بدأ بإطلاق النار على كل شيء يتحرك أمامه بمن فيهم صدام.
تمكن أعضاء فريق الاغتيال الذين اعتقدوا انهم قتلوا قاسم وانجزوا مهمتهم من الفرار إلى أحد مخابىء الحزب في العاصمة, أما عبدالكريم قاسم فقد نقل إلى المستشفى واجري له العلاج اللازم, ووفقا لرواية صدام فإنه بالنظر لتعذر ذهابه إلى مستشفى، أخذ سكينا وطلب من أحد رفاقه شق لحمه وإخراج الرصاصة، أغمي عليه لدقائق معدودة قبل أن يستعيد وعيه, والهدف من هذه الرواية إظهاره بمظهر القوي والبطل الاسطوري كما هي الحال في أفلام الغرب الأميركي, ولكن هذه الرواية تتناقض مع ما رواه الدكتور تحسين الملا، الذي استدعي لمعالجة صدام بعد محاولة الاغتيال الفاشلة، والذي قال «انه لم يكن سوى جرح بسيط عبارة عن كشط».
كان الملا، وهو مثل الكثيرين من المعاصرين الذين اضطروا للهرب إلى المنفى أحد الأعضاء المؤسسين لحزب البعث الذي لم يكن عدد أعضائه وقت محاولة الاغتيال يزيد على ألف شخص, وقال: حينذاك كان معظم الأعضاء من الأطباء، والمحامين الذين لم تكن لهم معرفة وتجربة بالسلاح وكانوا بحاجة إلى أشخاص مثل صدام للقيام بالمهمات «القذرة» وكان ذلك أول عمل مسلح يقرر البعث تنفيذه.
وقت محاولة الاغتيال، كان الملا يعمل في المستشفى الجمهوري, وبعد يوم واحد من العملية اتصل به أحد الأعضاء البارزين في البعث وأبلغه بوجود إصابات لأعضاء في الحزب، وطلب منه المساعدة فوافق على معالجة الجرحى، وتم اصطحابه إلى المنزل في أحد أحياء بغداد.
وقال الملا ان أبلغ الإصابات كانت إصابة شخص يدعى سمير النجم وقد أخرج الطبيب رصاصة من كتفه, أما عن إصابة صدام فقال انه كان يرتدي «دشداشة» في غرفة مجاورة ولم تكن إصابته سوى عبارة عن سحج، وبعد أيام عدة أغار رجال الأمن على المنزل واعتقلوا من فيه والملا, أما المرشد عنهم فكان ذلك الشخص الذي اعتذر عن عدم المشاركة في محاولة الاغتيال, أما صدام فكان قد هرب من البيت, أما الملا فقد تمت محاكمته من قبل محكمة عسكرية وحكم عليه بالسجن.
الأيام الطوال
ورغم ان جرح صدام كان بسيطا فقد تم تضخيمه من قبل الماكينة الدعائية لصدام حتى ان معظم العراقيين كانوا مقتنعين بأن صدام كاد يموت بسبب الجروح التي أصيب بها, وفي فيلم عن حياة صدام المبكرة انتجته وزارة الإعلام العراقية وأطلق عليه اسم »الأيام الطوال«، فقد صور الجرح على انه خطير حتى ان صدام لم يكن باستطاعته المشي، وقد عمل صدام نفسه على ادامة وتخليد هذه الخرافة, وعندما سئل صدام عن هذه الواقعة بعد سنوات عدة من قبل صحافي مصري، ادعى صدام بانه لم يكن سعيدا باداء الممثل وتصويره له لانه لم يكن مبدعا, وقال «اريد من المخرج اعادة تصوير المشهد، لانني اتذكر ذلك اليوم وما حدث, لم اتلو من الالم حتى بعد اخراج الرصاصة».
وتتواصل قصة صدام وما رافقها من بطولات عام 1959، بهروبه من بغداد, ولانه، ووفق سرده للاحداث، لم يكن باستطاعته السير، فقد اشترى حصاناً من احد الاشخاص بمبلغ عشرة دنانير وركبه الى ان وصل الى تكريت, واشترى بعض الحشيش لحصانه وخبزا وتمرا لنفسه, وامضى الليلة مع بدوي، وفي الصباح انطلق في رحلته الطويلة الى سورية ثم انضم الى حفلة خطوبة في السامراء واكل وشبع من لحم الخراف التي نحرت بالمناسبة, وفي اليوم الرابع اعترضت طريقه شاحنتان من رجال الجمارك المسلحين, حاول التخلص منهم، لكنهم طوقوه وشهروا اسلحتهم في وجهه, اوقف صدام حصانه وتأكد من ان المعطف يغطي رباط ساقه حتى لا ينكشف امره, وقد تمكن صدام من الخروج من هذه الورطة عندما طلب رؤية قائد الجماعة الذي استفسر منه عن السبب في معاملته بهذا الشكل, اعتذر القائد وقال انهم ظنوا بانه مهرب يلاحقونه, وعندما طلب القائد اوراق صدام الثبوتية، رد بانه ليس لديه اي شيء لانه بدوي.
واصل صدام رحلته الى ان وصل الى نقطة عند نهر دجلة تمكنه من الوصول الى تكريت, حاول اقناع صاحب مركب باخذه عبر النهر، لكن صاحب القارب رفض بسبب حظر التجول المفروض, وهنا، قرر صدام التخلي عن حصانه والسباحة, وضع سكينه وسط اسنانه وسبح في مياه النهر عند منتصف الليل, وكانت المياه في منتهى البرودة وعندما وصل الى الضفة الاخرى كان على وشك الانهيار, وقال صدام عن تلك الرحلة: «كنت مثل من تشاهدونهم في السينما واسوأ من ذلك، ثيابي كانت مبللة، وساقي مجروحة، ولم اكن قد تناولت ما يكفي من الطعام لايام عدة», وعندما خرج من النهر، عرج صدام على منزل قريب بحثا عن طعام ومأوى, لكن عندما قرع الباب، اعتقدت المرأة انه لص, ولم تكن لتدرك انه ثائر، وليس احد اللصوص, وقد تمكن صدام في النهاية من طمأنة العائلة بحسن نواياه واحسنت الاسرة وفادته, وفي الصباح انطلق في رحلته ومشى طوال اليوم وحتى الليلة التالية حتى وصل الى قريته العوجة, وبعد ايام انطلق مع بعض من زملائه البعثيين في الرحلة الى المنفى نحو دمشق العاصمة السورية التي وصل اليها بعد ايام عدة.
هو السبب
واذا ما اخذنا بالاعتبار ما انطوت عليه مشاركة صدام من مبالغات في مؤامرة الاغتيال، فان من غير المرجح ان تكون وقائع رحلته الى المنفى تبرر تلك الدراما الروائية التي قصها كتاب سيرة حياته, معظم المسؤولين عن مؤامرة الاغتيال تمكنوا من الهرب الى دمشق, وعلى سبيل المثال، فان الشيخلي قائد مجموعة الاغتيال، استقل القطار للوصول الى مدينة الموصل، ومن ثم الى سورية.
وتلقي بعض الروايات اللائمة على صدام مباشرة لوفاة عبدالوهاب الغريري احد المشاركين في المجموعة، رغم ادعاءات صدام بانه وفر نيران التغطية لتمكين نقل الجرحى من المكان والذي استولت قوات الأمن على جثته، الأمر الذي مكنها بعد ذلك من التعرف على هويات المسؤولين عن المؤامرة بسرعة, وقد سمح صدام نفسه لأحد كتاب سير حياته بالاعتراف بأن العملية لم تكن ناجحة تماما، لأن تنظيم المؤامرة بمجملها اتسم بالبدائية.
طوال السنوات الثلاث والنصف التالية، عاش صدام في المنفى، بداية في دمشق وانتهاء في القاهرة.
كانت دمشق البيت الروحي للبعث، المخبأ الواضح للمشاركين في مؤامرة الانقلاب, وبالنسبة لصدام، الذي كان في العشرينات من العمر فقد وجد نفسه فجأة وسط أهم المنظرين السياسيين في تلك الأيام، كان ميشال عفلق عميد حزب البعث السوري وأحد المؤسسين للحزب عام 1944. وعلى عكس البعثيين العراقيين حينذاك، فإن البعثيين السوريين كانوا يشكلون قوة مهمة ومن خلال ارتباطهم بعبدالناصر أسسوا أول دولة وحدة عربية.
ورغم ان الكثيرين من المعاصرين لصدام كانوا يعتبرونه غير ذي شأن، فإن عفلق اهتم شخصيا بصدام الشاب ورقاه إلى مرتبة عالية بأن جعله عضوا كامل العضوية في الحزب, وقد تكون هذه اللفتة الكريمة تعبيرا عن إعجاب عفلق الحقيقي بصدام، أو ربما وهو الأكثر ترجيحا انها كانت تعبيرا عن الشكر لدوره في محاولة تصفية قاسم, وبالتأكيد فإن جهد البعثيين العراقيين لقلب الحكومة في بغداد جعلت منهم أبطالا في نظر القوميين العراقيين, ولقيت المحاكمات العسكرية اهتماما في العالم العربي، وقوبل تحدي بعض المتهمين البعثيين، رغم انهم يواجهون الحكم بالإعدام، الإعجاب داخل وخارج العراق, وجادلوا بأن واجبهم الوطني يحتم عليهم قتل قاسم لأنه سلم مقدرات البلد إلى الشيوعيين, وعند الانتهاء من المحاكمات حكم على ستة من المتهمين بالموت، غير ان هذه الأحكام لم تنفذ أبدا.
لعبة مزدوجة
شعر عفلق بالسرور لتوجه العنف الذي أبداه البعثيون العراقيون، والذي سعى لاستغلال عدم الاستقرار السياسي الذي سببته محاولة الاغتيال الفاشلة في بغداد, وفي هذا المنعطف كان عفلق يلعب لعبة مزدوجة, رتب لطرد فؤاد الركابي وأعضاء آخرين من قيادة البعث في بغداد تحت زعم انه لم يكن يجدر بهم إقحام الحزب في مؤامرة الاغتيال، وعمل بعد ذلك على تعيين مؤيديه في مناصب مهمة في حزب البعث العراقي, ورغم ان عفلق قال فيما بعد انه لا يستطيع تذكر لقاء صدام قبل عام 1963، فإن المنظر الهادىء وصدام أقاما صداقة ورابطة تكافلية, وكان عفلق الذي هيمن على البعث في سورية والعراق وراء انتخاب صدام عام 1964 في موقع مهم في القيادة العراقية لحزب البعث، وقد رد صدام الجميل لدى توليه السلطة بأن جعل من البعثية العقيدة السياسية الرسمية للعراق, وعندما توفي عفلق الذي أجبر على الذهاب إلى المنفى في العراق سنة 1989، أمر صدام بإقامة ضريح فخم لمؤسس البعث.
بعد نحو ثلاثة أشهر في دمشق، انتقل صدام والناجون من مجموعة محاولة الاغتيال إلى القاهرة حيث انضموا إلى نحو خمسمئة شاب من البعثيين الذين تجمعوا في العاصمة المصرية, وكانت الحكومة السورية قد أرسلت هؤلاء إلى مصر بهدف استكمال تعليمهم, وفي الوقت الذي شارك فيه في مؤامرة اغتيال قاسم، فإن صدام لم يكن قد أكمل تعليمه الثانوي، وكان عبدالناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة يعارض قاسم لأنه نكث بوعده في ضم العراق للاتحاد، وكان عفلق وغيره من قادة البعث يعتقدون بأن المشاركين في المحاولة سيتمتعون بأمان أكثر في القاهرة من دمشق حيث كان النظام اقل استقرارا، أما الحملة لاسقاط قاسم، فإن أمرها سيتولاه بعثيون أرفع وأكثر خبرة.
صدام في القاهرة
كانت هذه المرة الأولى في حياته التي يعيش فيها صدام خارج العراق، وبعد وصوله عام 1960 التحق بمدرسة قصر النيل الثانوية، وكانت القاهرة حينذاك عبارة عن خلية من النشاط السياسي، والى جانب الدراسة انخرط صدام في السياسة، وانضم الى حزب البعث المصري، وخلال اشهر أصبح عضوا في قيادته الاقليمية, ورغم ان نفوذ البعثيين كان محدودا بوجود ناصر المهيمن، فقد كان ذلك العامل من بين العوامل التي دفعت بسورية للانسحاب من جانب واحد من الوحدة سنة 1961.
وتتصف ذكريات صدام حول سنواته في المنفى بالتواضع, وقال أحد كتاب سيرة حياته انه كان يحاكي عبدالناصر ويلعب الشطرنج، ولم تأخذه حياة الليل في القاهرة وكان يقرأ كثيرا، وقد دعم هذا القول عبدالمجيد فريد، سكرتير عبدالناصر، والذي كان مسؤولا عن الاهتمام بشؤون البعثيين الشبان, وعلى حد قول فريد، فإن السلطات المصرية ساعدته في تعليمه وايجاد شقة مناسبة، وقال فريد: كان واحدا من قادة البعث العراقي، وكان يأتي الي بين حين وآخر للحديث عن التطورات في بغداد، كان هادئا ومنظما، ولم يطلب المزيد من الأموال مثل المنفيين الآخرين، ولم يكن مهتما بالكحول او الفتيات.
كان عبدالكريم الشيخلي يبلغ عائلته من خلال الرسائل بان صدام يمضي معظم وقته في متابعة تعليمه وانهاء دراسته الثانوية, وقد أصبح الشيخلي، الذي شغل منصب وزير الخارجية، صديقا مقربا ووثيق الصلة بصدام في القاهرة حتى انهما اصبحا مثل توأمين، وكان الشيخلي الذي سيصبح من اوائل ضحايا صدام يكمل دراسة الطب في القاهرة، ووصف صدام في إحدى رسائله لأسرته قائلا «انه رجل هادىء لكنه ليس اجتماعيا ويعمل جاهدا لتعليم وتثقيف نفسه».
لكن معاصرين آخرين لا يرسمون مثل هذه الصورة الوردية, صاحب مقهى كان يتردد عليه صدام وأصدقاؤه في القاهرة، قال عنه إنه «مثير للمتاعب وصاحب مشاكل لم يكن يدفع حسابه، وانه يثير مشكلة لأي سبب كان», وقال حسين مجيد صاحب مقهى «انديانا» الذي كان يتردد عليه صدام ايضا: «كنا نريد منعه من المجيء الى المقهى، لكن البوليس جاء وقال لنا انه تحت حماية عبدالناصر»، وعندما غادر صدام القاهرة بصورة نهائية كان مدينا بمئات عدة من الدولارات، لكن صدام لم ينس هذا الدين, ففي السبعينات وعندما كان نائبا للرئيس العراقي وزار القاهرة رسميا، قام بزيارة مفاجئة للمقهى، دفع فاتورته بالكامل وترك لصاحبه مبلغ ثلاث مئة دولار كبقشيش, وفي القاهرة سرت اشاعات واتهامات بان صدام قتل مواطنا مصريا سنة 1960 بالقائه من نافذة شقته، وايضا اتهم بقتل مواطن عراقي عام 1963، لكن لم تسجل ضده أي من هذه الاتهامات.
صدام كان يعتبر اقامته في القاهرة أشبه بحكم بالسجن, تمكن من اكمال دراسته الثانوية والتحق بجامعة القاهرة لدراسة القانون، لكنه لم يكمل دراسته، غير انه تمكن من تأمين الحصول على شهادة بعد سنوات عدة، عندما تقدم للامتحانات السنوية بجامعة بغداد وهو يرتدي بزته العسكرية, وضع مسدسه أمامه على المقعد، وفي نهاية الأمر وصل إلى مبتغاه.
العلاقة مع الـ «سي,آي,إيه»
تميزت اقامة صدام في القاهرة بحدثين مهمين آخرين في حياته - زواجه الأول وتعاملاته المبهمة مع وكالة المخابرات المركزية الاميركية, زواجه من ابنة خاله ساجدة تم أثناء دراسته في جامعة القاهرة, وقد عاشا طفولتهما في تكريت مع خاله خير الله, ولم يتزوج الاثنان حتى عودة صدام الى العراق سنة 1963. أما حفل الزواج فقد نظمه صديقه عبدالكريم الشيخلي.
والحدث المهم الآخر بالنسبة لصدام يتمثل في العلاقة مع »سي آي ايه« التي يكتنفها الغموض, لكن هناك أدلة موضوعية كافية توضح أن صدام أجرى اتصالات مع محطة «سي آي ايه» في القاهرة.
يحتل العراق قلب الشرق الأوسط، وكان ينظر اليه من قبل واشنطن كموقع استراتيجي مهم, ولهذا السبب فإن الولايات المتحدة قد شجعت انشاء حلف بغداد المعادي للسوفيات، منظمة الدفاع الإقليمي التي شكلت في أواسط الخمسينات وتضم بريطانيا، تركيا، ايران وباكستان, وفي الواقع فإن الأميركيين كانوا ينظرون بعين القلق ازاء مستوى عدم الاستقرار السياسي في بغداد عقب الاطاحة بالملكية حتى أن الن دالاس مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية أعلن سنة 1959 قائلا: «ان العراق هو أخطر بقعة على الأرض, وبحلول عام 1961 فإن التطورات السياسية في المنطقة دفعت الأميركيين للتحرك في مواجهة ما اعتبروه محاولة سوفياتية خطيرة للسيطرة على الشرق الأوسط».
تم التعبير عن القلق إزاء صفقات عبدالناصر من الأسلحة مع موسكو، فيما اشتبه بأن السوفيات كانت لهم يد في قرارت عبدالكريم قاسم بالاعتماد على الشيوعيين العراقيين ببقائه في السلطة, أما قرار قاسم من جانب واحد بالانسحاب من حلف بغداد سنة 1959 والذي جعل من المنطقة عرضة أكبر للتسلل السوفياتي والاعتماد بصورة متزايدة على المساعدات الأجنبية السوفياتية والامدادات العسكرية، فإنه اثار شكوك واشنطن, وقد تزايد قلق الغرب بصورة أكبر عام 1961 عندما حاول قاسم احتلال الكويت، وتأميم جزء من شركة البترول العراقية المملوكة للأجانب، وهي خطوة تتصف بالسمعة والأصداء السيئة في نظر الأميركيين في ضوء برنامج عبدالناصر التأميمي الذي نفذه خلال سنواته الأولى في السلطة.
كان المصريون برئاسة عبدالناصر مصممين حالهم حال الأميركيين على التأثير على التطورات السياسية في الشرق الأوسط، ولاسيما ان قرار سورية عام 1961 بالانسحاب من الجمهورية العربية المتحدة قد مثل طعنة لطموح عبدالناصر بإنشاء دولة عربية متحدة, ولهذا السبب فإن العراق الذي نكث بوعده الانضمام الى الجمهورية العربية المتحدة عندما استولى قاسم على الحكم كان يحظى باهتمام خاص بالنسبة للمصريين، وكانت المخابرات المصرية نشيطة، كما هي حال وكالة المخابرات المركزية الأميركية في إقامة حكومة متعاطفة في بغداد.
عميل الوكالة
ولما كان قد شارك في محاولة للاطاحة بقاسم فلم يكن من المفاجئ ان تثير انشطة صدام وزملائه من البعثيين المنفيين الاهتمام الشديد من كلا من المخابرات المصرية والاميركية على حد سواء, وقد اصيبت العلاقات بين المنفيين البعثيين والسلطات المصرية بالفتور بعد ان انسحب البعثيون السوريون من الجمهورية العربية المتحدة، وهي خطوة لقيت التشجيع من ميشال عفلق معلم صدام, ويدعي كتاب سير الحياة ان صدام ابقي قيد المراقبة اللصيقة في القاهرة، وانه كان يتعرض للمضايقة باستمرار وتم تفتيش شقته في مناسبات عدة.
لكن ايا من كتاب سير حياته، لم يذكروا شيئا عن زيارات صدام المتكررة في هذه الاثناء الى السفارة الاميركية في القاهرة, كان الاميركيون ولاسباب مختلفة مهتمين مثل صدام بازاحة عبدالكريم قاسم من السلطة، وهناك ادلة موضوعية قوية تشير الى ان صدام كان على اتصال وصلة وثيقة مع »سي اي ايه« خلال الفترة الاخيرة من اقامته في القاهرة, ورغم ان مدى تودد واشنطن الحقيقي من صدام قد لا يعرف ابدا، فانه لا يمكن التقليل من شأن ان صدام حسين بدأ حياته السياسية كعميل لوكالة المخابرات المركزية الاميركية, وكان اقرب الاشخاص لالقاء الضوء على هذا الجانب المحلي من حياة صدام قد تمثل في لقاء بين الكاتبين مارلون سلاغليت وبيتر سلاغليت ومسؤول رفيع سابق من وزارة الخارجية الاميركية الذي اكد لهما ان صدام حسين وغيره من البعثيين قد اجروا اتصالات مع السلطات الاميركية في اواخر الخمسينات واوائل الستينات, وبالتأكيد فإن القضية كانت تمثل حساسية مفرطة بنسبة لصدام الذي عمد اثناء حياته السياسية الى تصفية المعاصرين العراقيين الذين كانوا في موقع يمكنهم من القاء الضوء على مآثره التجسسية.

القوات العراقية حولت المباني الحكومية في الكويت مراكز استجواب وتعذيب

في فبراير من عام 1963، أطيح بعبدالكريم قاسم بانقلاب رتبته وكالة المخابرات المركزية الأميركية، تزعم الانقلاب، الذي اعتبر حتى بالمقاييس العراقية رهيبا وشنيعا، الجنرال أحمد حسن البكر، وهو معلم آخر لصدام، والذي قدمه له خاله خير الله لدى انتقاله الى بغداد, وكان البكر، وهو أيضا تكريتي قد تبوأ مركزا مرموقا في البعث أثناء وجود صدام بالمنفى في القاهرة, واتصف البكر مثل خير الله بكراهيته ومقته للشيوعيين الأمر الذي وضعه بمرتبة مميزة بنظر الأميركيين, وانضم البكر الى البعث أثناء وجوده في السجن لتآمره ضد قاسم، ولدى اطلاق سراح المعتقلين السياسيين من بينهم البكر بدأ الأخير مع غيره من البعثيين بالتخطيط للانقلاب لخلع قاسم.
اضطر الانقلابيون على قاسم الى تقديم موعد التنفيذ بالنظر لاعتقال البعض منهم, ولدى اطلاق المحاولة رفضت كثير من وحدات الجيش دعم البعثيين, وبمساعدة أربع مقاتلات من نوع «هوكر هنتر» هاجم البكر قاسم، في مقره في وزارة الدفاع, استمر القتال طيلة يومين، ونجم عنه سقوط مئات القتلى والجرحى في وسط بغداد، قبل ان يضطر قاسم الى الاستسلام, ورفض قادة الانقلاب السماح له بالاحتفاظ بمسدسه ولا السماح بمحاكمته بصورة علنية، وبعد محاكمة قصيرة أعدم قاسم رميا بالرصاص, واستغرقت عملية استسلامه دون شروط واعدامه ساعة واحدة فقط, ولطمأنة العراقيين المتشككين بأن الرئيس قد انتهى، تم عرض جثة قاسم التي يمزقها الرصاص على التلفزيون العراقي، وتكرر عرض هذا الفيلم المخيف ليلة بعد أخرى, وكان ينتهي بمشهد لا بد أنه علق بأذهان كل من رآه، جندي يمسك بشعر رأس قاسم، ثم يقترب منه ويبصق على وجهه.
لكن المسألة لم تنته عند هذا الحد, دفنت جثة قاسم في حفرة ضحلة دون ان يكتب على القبر أي شيء، لكن الكلاب أخرجتها ونهشتها، وعندما تنبه المزارعون المفزوعون وضعوا الجثة في نعش ودفنوه, لكن البوليس السري نبش القبر من جديد وألقي به في مياه نهر دجلة, أما واشنطن فكانت مرتاحة لتغيير النظام، وعلق جيمس كريتشفيلد مدير «سي,آي,ايه» في الشرق الاوسط والمتخصص في التسلل الشيوعي قائلا: «اننا نعتبر ما حدث خطرا عظيما».
عودة صدام
خلال هذه الأحداث الدراماتيكية، كان صدام لايزال موجودا في القاهرة, لكنه سرعان ما عاد وبصحبته عبدالكريم الشيخلي وبعض البعثيين المنفيين الى بغداد بعد تنصيب النظام الجديد, استقبلوا في مطار بغداد من قبل بعثيين وأفراد العائلة وبعض الأصدقاء, بعد وصوله أعاد صدام تقديم نفسه الى البكر الذي كوفئ على دوره باسقاط قاسم بمنصب رئيس الوزراء من قبل الرئيس الجديد عبدالسلام عارف, عين البكر العديد من أبناء بلدته تكريت في مواقع بارزة، لكن صدام وجد نفسه في بداية الأمر على الهامش وبعيدا عن السياسة الحقيقية، ولم تقبل قيادة الحزب في بداية الأمر العضوية التي حصل عليها صدام في المنفى, فأسندت اليه وظيفة متواضعة في مكتب المزارعين المركزيين وكانت مهمته النظر بوسائل تحسين انتاج المزارعين وقدراتهم.
واذا كان صدام قد أصيب بالاحباط ازاء طموحاته السياسية، فان الاشتباكات الدامية بين البعثيين والشيوعيين بعد اسقاط قاسم وفرت له متنفسا ومخرجا للتعبير عن خيبة آماله, ومعارك الشوارع التي جرت في بغداد خلال الانقلاب تسببت في سقوط ما بين 1500 الى 5000 ضحية, وطيلة أسابيع بعد الانقلاب، جرت عمليات تفتيش ومطاردات من منزل الى منزل بحثا عن الشيوعيين واليساريين، وكانت هذه الملاحقات تتم على يد الحرس القومي الجناح شبه العسكري للبعث, كان أفراده يضعون رباطا أخضر على أذرعهم ويتسلحون بمدافع رشاشة وقوائم بأسماء أنصار الشيوعيين والمتعاطفين معهم، وبعض هذه الأسماء قدمتها لهم «سي آي ايه», كانت الأسابيع الأولى من عهد حكومة البعث الجديدة عبارة عن حفلة من العنف.
ورغم التطمينات التي قدمها البعثيون لوكالة المخابرات المركزية الأميركية بتقديم المعتقلين لمحاكمات عادلة، فان الكثير من هؤلاء الذين احتجزهم الحرس القومي قد عذبوا واعدموا , وتحولت نواد رياضية ومسارح وجزء كبير من شارع الكفاح ومنازل خاصة على يد الحرس القومي كسجون ومراكز للاستجواب, وقد تصرفت وحدات الحرس الجمهوري التابعة لصدام بالطريقة نفسها أثناء غزو العراق للكويت في اغسطس من عام 1990، حيث تم الاستيلاء على المباني الحكومية والقصور وحولوها الى مراكز للاستجواب والتعذيب, وتزعم السجلات العراقية الرسمية بانه تم اعدام 149 شيوعيا، رغم ان المتعارف عليه بان مئات وربما الالاف من الشيوعيين قد اعدموا على يد البعثيين, وكما يحدث غالبا في مثل هذه الظروف والأوضاع، فان الكثيرين ممن يقتلون اما ان يكونوا بريئين او يقعون ضحايا لأحقاد وانتقام شخصي لا علاقة لها بالسياسة.
ويقول الدكتور علي كريم سعيد وهو ديبلوماسي عراقي سابق وكان عضوا بارزا في البعث خلال هذه الفترة ان الكثير من الأبرياء قتلوا أثناء حملة التطهير الحكومية ضد الشيوعيين، وأضاف: «ما زلت أذكر عندما جاء أخي، وكان يعمل نائبا لقائد الاستخبارات العسكرية، وأحد المستجوبين الرئيسيين الى منزلي وقال لي بصوت مشحون بعد ان وضع سلاحه الرشاش جانبا: انني لا استطيع الاستمرار، لانهم يعتقلون ويرسلون اناسا بسطاء الى ساحة الاعدام, هذا غير معقول ولا يمكن احتماله».
غرف التعذيب
كانت أفظع غرف التعذيب تقع في قصر النهاية، وقد اطلق عليه هذا الاسم لأن العائلة المالكة قضي عليها في هذا الموقع عام 1958. وأحد الذين كانوا يمارسون اقسى وأبشع صنوف التعذيب يدعى نديم كزار، الذي أصبح فيما بعد مدير الأمن القومي لدى صدام, كان ساديا بكل ما تعنيه الكلمة، وقد انضم الى حزب البعث عندما كان طالبا في الخمسينات وكان أحد القلة من الشيعة الذين انضموا لصفوف الحزب، واحتل موقعا مهما، وكان يعمد الى ترهيب أعضاء حزبه، كان يتمتع باجراء الاستجوابات بنفسه واطفاء سيجارته في محاجر عيون ضحاياه، ومعظم الفظائع التي ارتكبها كزار تمت في قصر النهاية، والذي كان مختبرا لتطوير وسائل الاستجواب والتعذيب, ويقول هنا باتوتو المؤرخ البارز حول تاريخ العراق الحديث والذي تمكن على سبيل المثال من تجميع روايات مرعبة من ملفات حكومية حول ما جرى في قصر النهاية في ظل كزار والبعثيين عام 1963:
«مكتب التحقيقات في الحزب القومي قتل بمفرده 104 اشخاص, وفي اقبية قصر النهاية الذي استخدمه المكتب كمقر له، عثر على وسائل تعذيب في غاية البشاعة ومنها عصي واسلاك كهربائية بكلابات وخوازيق يجبر المعتقلون على الجلوس عليها وماكينة كانت ما تزال تحمل آثار اصابع مقطوعة وكانت هناك اكوام من الملابس الملطخة بالدم».
ولكن ما هو دور صدام في هذه الفظائع؟
هناك قلة من التفاصيل الدقيقة حول اماكن وجود صدام في ذلك الوقت, وكان التعليق الوحيد الذي ادلى به صدام شخصيا في ما يتعلق بهذه الفترة من المعارك الداخلية الدائرة داخل حزب البعث «كان هناك جو من الرعب والترهيب وتشكلت كتل وجماعات في الحزب ووضعت العراقيل في طريق الرفاق الذين كانوا يريدون العمل وفق خطوط الحزب السليمة», ولما كان صدام قد اختار كزار مديرا لجهاز امنه فان الرجلين لابد ان يكونا قد تعارفا اثناء حملة التصفية ضد المعارضة الشيوعية, ويرى بعض المعاصرين الذين عايشوا صدام خلال تلك الفترة انه الى جانب مهامه اليومية في مكتب المزارع فانه شارك في تنظيم الحرس القومي, وزار معسكرات الاعتقال في بغداد وساعد في الاشراف على معاقبة المحتجزين الشيوعيين.
وكمكافأة له في مثابرته على تعقب الشيوعيين عين صدام في لجنة استخبارات الحزب التي تتولى مسؤولية الاستجوابات والتحقيقات, وفي التسعينات زعم شيوعي عراقي عذب في قصر النهاية ان صدام شخصيا اشرف على استجوابه, وقال: «ربطت قدماي ويداي بحبل وعلق الحبل بخطاف في السقف وضربت مرارا بأنابيب مطاطية مليئة بالحجارة», وقد اتهم صدام بالتخلص من الضحايا الذين يتم تعذيبهم بتحليل اجسادهم بالاسيد, وفي فيلم «الايام الطوال» فان صدام يعلق على مشاركته في احداث 1963 بقوله: «يجب علينا قتل اولئك الذين يتآمرون ضدنا».
يقول بهاء شبيب الذي كان عضوا في قيادة حزب البعث في بغداد سنة 1963، وشغل لفترة وجيزة منصب وزير الخارجية في صورة يرسمها عن صدام في تلك الفترة: «في اطار الامور الكبيرة فان صدام لم يكن يحظى بالاهمية، كان يشارك بالاستجوابات والتحقيقات لكن لم يكن له دور في صنع القرار السياسي», عندما عاد من القاهرة كان همه الرئيسي الحصول على عمل، وكانت وظيفته في مكتب المزارع, لكن الشيء المهم الذي اتذكره عن صدام في ذلك الوقت هوانه كان على الدوام يحوم حول البكر الذي كان رئيسا للوزراء حينذاك, وكان يشاهد ايضا مع حراس البكر لكن احدا لم يأخذه على محمل الجد في ذلك الوقت.
ولحسن حظ الشعب العراقي فان هذه الفترة من العنف كانت قصيرة الامد, وادت التناحرات الداخلية بين المجموعات البعثية المتنافسة الى خروج الحزب من الحكم في نوفمبر 1963. اما سبب الاختلاف الايديولوجي فقد تمحور حول ما اذا كان على العراق ان يمضي قدما بهدف البعث المعلن من الوحدة العربية الشاملة وتشكيل اتحاد مع سورية او مصر او كليهما, الجناح المدني في الحزب بقيادة صالح السعدي كان يحبذ الوحدة السياسية وبخاصة بعد ان نجح انقلاب البعث السوري في مارس, لكن توجهات السعدي قوبلت بمعارضة من الجناح العسكري المحافظ الذي يفضل السياسة التقليدية «العراق أولا», وبحلول خريف 1963، ضاقت المؤسسة العسكرية العراقية ذرعا بسلوك الحرس القومي، ميليشيا حزب البعث بسبب سوء تنظيمه، والذي كان يستخدمه السعدي لترهيب المعارضين واضطهاد الشيوعيين.
في اوائل نوفمبر انقلب الجناح العسكري في البعث على السعدي وجماعته, وتم وضع السعدي على طائرة وارسل الى المنفى في اسبانيا, واحتج الحرس القومي وهاجم قاعدة الرشيد العسكرية في ضواحي بغداد.
الحارس الشخصي
وعمد البكر الذي كان يحاول توفيق الخلافات الايديولوجية بين الاجنحة المتنافسة للحزب الى عقد اجتماع للقيادة القومية للبعث, وخلال تلك الفترة ساند صدام البكر مواطنه التكريتي، وسرعان ما وجد نفسه يعمل كحارس شخصي لرئيس الوزراء, وبدأ يشاهد على الدوام الى جانب البكر وهو يتسلح بمسدسه.
ولم يؤد وصول ميشال عفلق وعدد من قادة البعث السوريين لحضور المؤتمرالخاص الذي عقد في بغداد بدعوة من البكر الى تحسين الصورة, ومع استمرار التهديد الذي يشكله الحرس القومي على النظام والامن العام نفد صبر عبدالسلام عارف مع البعث وقرر التصرف, ويوم 18 نوفمبر عمل على تعبئة وحدات الجيش التي يعتمد عليها ويثق بولائها.
ووقف الجنرال طاهر يحيى رئيس الاركان وحردان التكريتي قائد سلاح الجو الى جانب عارف واصدرا اوامرهما بمهاجمة الحرس القومي في بغداد, ونجح عارف وخلال ساعات كان الرئيس يسيطر تماما على المدينة.
ادى تدخل الرئيس عارف الحاسم الى انهاء أول تلاعب بعثي قصير في السلطة, وعزل الوزراء الـ «12» من الحكومة، واستبدلوا بضباط عسكريين من الموالين للرئيس, وطرد البكر من منصبه كرئيس للوزراء، واصبح العراق يحكم من قبل حكومة عسكرية.
تم حل الحرس القومي واستبدل بالحرس الجمهوري الذي يضم وحدات النخبة في القوات المسلحة والذي تمثلت مهمته الرئيسية في حماية النظام من اي محاولات انقلاب مستقبلية.
لم تكن الكار ثة التي حلت بحزب البعث في اواخر 1963 كارثة كلية بالنسبة لصدام، وطرد اثنين من قادة البعثيين كان يعني ان جماعة البكر التي ساندها صدام قد اصبحت القوة المهيمنة, وخلال السنتين التاليتين اصبح البكر الامين العام للقيادة القطرية وبتعزيز موقف البكر، فان ذلك كان يعني تقوية موقع صدام، فالعضوية الكاملة التي حصل عليها في القاهرة، تم الاعتراف بها اخيرا في بغداد، وتمت ترقيته الى القيادة القطرية في حزب البعث في صيف 1964، بدعم من عفلق على حد قول بعض المعلقين, واستثمر موقعه هذا في تعزيز هيمنته على الامن الداخلي للحزب.
يقول سالم شاكر وهو جنرال سابق في الجيش العراقي وناشط في حزب البعث خلال هذه الفترة «ان صدام استغل طبيعة البكر الذي يفتقد الثقة لتدعيم قاعدة نفوذه, حتى عام 1963 لم يكن صدام سوى مجرد رجل عصابة، لكن مع ترقي البكر الى مراتب اكبر في صفوف الحزب كان صدام ذكيا فاخذ يلازمه», كان البكر سياسيا جيدا، لكنه لم يكن مؤثرا في العلن, كان يجيد العمل داخل الغرف, ولهذا فقد احتاج شخصا لتنفيذ اوامره، وكان صدام الذي طلب منه ان يكون رجل هذه المهمات, وكونه تكريتيا كان يعتقد بان صدام وفيا ومواليا له، واعطاه صلاحيات ومسؤوليات واسعة، وهكذا تمكن صدام من استغلال البكر لتعزيز موقعه في الحزب.
بدأ صدام يركز طاقاته على تحسين موقعه الاجتماعي, تزوج من ساجدة ابنة خاله, ورغم القسوة والعنف اللذين يتصف بهما، فان احد معاصريه من البعثيين يصفه بانه خجول وانطوائي, ولا يميل الى التحدث اثناء مناسبات اجتماعية، واذا فعل فانه يكيل الهجمات ضد الشيوعيين, كان اختيار صدام لساجدة زوجة له خطوة موفقة, والدها وخاله خير الله طلفاح كان صديقا مقربا من البكر الذي كافأه على مساعدته للبعثيين بتعيينه مدير ا عاما في وزارة التعليم, وقد تعزز تحالف صدام مع البكر بصورة أكبر عندما تزوج احد ابناء البكر من شقيقة لساجدة, وتزوجت احدى بنات البكر من شقيق لساجدة, وحتى هذه اللحظة المبكرة من عمر البعث، كان التكريتيون يستثمرون الروابط التقليدية في المصاهرة والقرابة لتأمين قاعدة نفوذهم في بغداد.
كرس صدام كل طاقاته لبناء البنية الأمنية الداخلية لحزب البعث، وهي الهيئة التي ستصبح الخطة الرئيسية لارتقائه الى السلطة, وبتشجيع من البكر عمل صدام على انشاء بنية تنظيمية يمكنها التعامل مع الاعداء الخارجيين والمنشقين والمتمردين الداخليين, وقد تأثر صدام الى حد بعيد بجوزيف ستالين الذي قرأ حياته واعماله اثناء وجوده في القاهرة, وبعد محنة 1963، كان صدام يسمع كثيرا وهو يردد مقولة ستالين «اذا كان هناك انسان فهناك مشكلة، واذا لم يكن هناك انسان فليس هناك اي مشكلة».
كان صدام واحدا من مجموعة من البعثيين الملتزمين الذين انيطت بهم عام 1964 مسؤولية انشاء الجهاز الامني السري للحزب، والذي اطلق عليه »جهاز حنين« بعد انقلاب 1963، والذي ادى بزج قادة البعث المتبقين ـ بمن فيهم البكر ـ في السجن, اتخذ صدام مغامرة محسوبة بالبقاء في بغداد، وهو قرار يتناقض مع رغبات قيادة الحزب في دمشق التي طلبت منه الفرار من جديد الى سورية, وبالتعاون مع قله من البعثيين الذين لم يسجنهم عارف، شكل صدام قوة أمنية سرية، والهدف الرئيس من انشاء جهاز حنين هو ان يكون قوة مقابلة للعدد الكبير من الضباط في البعث الذين انحازوا الى عارف عام 1963 ضد الجناح المدني في الحزب, وبوجود اشخاص مثل نديم كزارفي مواقع المسؤولة، فان المنظمة ستصبح واحدة من اكثر الاجهزة السرية ترويعا في الشرق الاوسط.
خطة الاغتيال
كانت الحرية التي تمتع بها صدام عام 1964 قصيرة الامد, ولم يمض وقت طويل حتى تورط في المزيد من المؤامرات لقلب الحكومة, وكما جرى سنة 1959 لاغتيال قاسم، انضم اليه «توأمه» عبدالكريم الشيخلي, تم بحث سيناريوهات عدة لاغتيال الرئيس عارف في سبتمبر 1964. كانت هناك خطة لاسقاط طائرته فور اقلاعها من مطار بغداد، واخرى كان يفضلها صدام لاقتحام قصر الرئاسة وقتله بالاسلحة الرشاشة، لكن هذه الخطة تمت تنحيتها جانبا بعد انتقال المسؤول الذي كان سيسهل دخول المجموعة الى القصر الى موقع آخر, واستقر رأي المجموعة على مهاجمة قصر الرئاسة بقنابل محلية الصنع، لكن هذه الخطة احبطت من قبل قوات الامن, ففي منتصف اكتوبر طوق رجال الامن مخبأ صدام في احد احياء بغداد, وبعد تبادل قصير لاطلاق النار اضطر صدام للاستسلام بعد ان نفدت ذخيرته.
يقول سالم شاكر الذي شارك في احدى المؤامرات لاغتيال عارف والذي اصبح فيما بعد واحدا من الجنرالات العراقيين المميزين، والذي التقى صدام للمرة الاولى في منزل في بغداد كان يستخدم للتخطيط لمحاولة الانقلاب: «كان صدام يحاول اقناعي باستخدام وحدات من الجيش لدعم المحاولة الانقلابية، واذا نظرت للامر كله فقد كان سخيفا ومضحكا، لكن علي ان اعترف بأن صدام كان مؤثرا وترك انطباعا قويا لدي, دخل الى الغرفة لمخاطبة الحضور وقال ببساطة اننا نريد الاطاحة بالنظام وعلي ان اعترف ان صدام كان يتمتع بخاصية تميزه عن غيره من معظم البعثيين في جيله، انطباعي الاول هو انني كنت اتعامل مع زعيم طبيعي وبالفطرة رجل لديه تصور واضح عما يريد فعله».
اثارت المعاملة الافضل التي عومل بها صدام عن بقية رفاقه اثناء سجنه بين عامي 1964 و1966 شكوكا في حزب البعث من انه قد ابرم صفقة سرية مع حكومة عارف, وادعى بعض الاعضاء السابقين في البعث ان صدام يقدم معلومات للحكومة عن حزبه, وخلال صيف 1963 اثناء مشاركة صدام في مطاردة وتعذيب الشيوعيين واليساريين، فانه كان يعمل بالتعاون مع السلطات الحكومية وهناك احتمال ايضا بانه تعاون مع الـ «سي, اي, ايه» مستثمرا الاتصالات التي اجراها في القاهرة, وقد ساورت هذه الشكوك البعثيين الآخرين الذين زج بهم عارف في السجن، لكنهم لم يحظوا بالمعاملة التي وجدها صدام, ورغم مشاركته في محاولة قلب نظام عارف كان يبدو انه ما زال يحتفظ بأصدقاء في الحكومة وفي الخارج، والذين عملوا على الا يعامل بصورة سيئة اثناء فترة حبسه, ورغم ان صدام كان يميل الى التنظير امام زملائه متشبها بستالين فانه لم يكن يحظى بودهم, فالكثير من السجناء الآخرين كانوا جيدي التعليم وينتمون الى عائلات ووسط اجتماعي ارقى وكثيرون منهم كانوا ضباطا في الجيش وكانوا يميلون الى معاملته بطريقة تنم عن الاحتقار، لاسيما انه لم يكن يحمل سوى شهادة الثانوية ويتحدث بلهجة فلاحية صرفة، وقد حمل صدام ضغائن ضد الكثير منهم وانتقم منهم بعد ان تولى المسؤولية في حكومة البعث.
السجن والهروب
كان خير الله طلفاح يقبع في السجن هو الآخر في ذلك الوقت، رغم انه لم يكن عضوا في حزب البعث، وتقاسم الزنزانة ذاتها لبعض الوقت مع اياد علاوي طالب الطب والناشط في «البعث» الذي قال عن طلفاح بانه كان رجلا طويل القامة عريض المنكبين وعدوانيا وكان يشعر بالمرارة لحبسه ويصرخ في الحراس قائلا: لماذا اعتقلوني انا لست ضد النظام, كانت ساجدة التي وضعت لتوها عدي تزوره وتزور زوجها صدام الذي كان معتقلا في سجن آخر، وتحضر له رسائل من البكر الذي كان قد افرج عنه، وكانت تخفيها وسط ملابس الرضيع عدي، وهو ما كان يمكن صدام من الاطلاع على شؤون وامور البعث, انتهت الفترة الثانية لسجن صدام يوم 23 يوليو 1966 عندما تمكن مع اثنين من رفاقه من الهرب, والرواية الرسمية لهربه تدعي انه اقام علاقة صداقة مع الحراس لدرجة اقناعهم بالتوقف عند مطعم لتناول الغداء اثناء اعادته من المحكمة الى السجن، حيث كان يحاكم بمحاولة قلب نظام الحكم.
وفي احدى المرات، تمكن مع رفاقه بمن فيهم الشيخلي من الهرب من باب خلفي واستقلوا سيارة سعدون شاكر الضابط السابق التي كانت بانتظارهم, وهناك رواية أخرى مفادها أن صدام والشيخلي تظاهرا بالمرض، واقنعا الحراس بنقلهما الى مستشفى قريب، حيث تمكنا من الهرب بمساعدة سعدون شاكر.
والسهولة التي هرب فيها صدام والشيخلي تثير سؤالا واضحا: هل كانت تلك محاولة فعلية للهرب، ام ان السلطات لها يد في ذلك؟ وأيا كانت الحقيقة، فان هربه يعني بأن صدام اصبح حرا الآن والعمل من جديد على خطة لاطاحة الحكومة والاستيلاء على السلطة.
ان انقلاب 1968، الذي مكن «البعث» من السلطة في العراق، بالمقارنة مع الانقلابات الدموية السابقة، التي رافقت تغيير الحكومات في بغداد، شأنا مدنيا بصورة نسبية, كانت كلمة السر بالنسبة للمشاركة في تلك الاحداث التاريخية هي «رشاد», وفجر يوم 17 يوليو استولت وحدات عسكرية عدة يرافقها نشطاء بعثيون مدنيون على مؤسسات عدة عسكرية وحكومية مهمة, كل الخطوط الهاتفية تم قطعها في الساعة الثالثة فجرا، وصدرت الأوامر بالتحرك الى قصر الرئاسة.
واندفعت دبابات الى باحته، وتوقفت تحت النوافذ حيث كان الرئيس مازال نائما في سريره, وكان في الدبابة الأول ضابط ببزته العسكرية، ومسدسه في يده, أما هذا الضابط فقد كان صدام حسين.
أحد زملاء صدام في ذلك اليوم كان صالح عمر العلي, عام 1968 كان العلي مثل صدام، عضوا في قيادة البعث، وقد شارك في الاجتماعات السرية كافة التي ادت الى المحاولة الانقلابية, ولأنه عمل مع صدام منذ 1964، فانه يصف قدراته بقوله: انه شديد الثقة بنفسه، والحقيقة انه ابدى شجاعة فائقة, قسم المتآمرون الى خلايا اسندت لهم مهمات مختلفة, وكان العلي مع خلية صدام التي كلفت بالاستيلاء على قصر الرئاسة, وقد أصرت قيادة البعث على أن يتولى النشطاء المدنيون هذه المسؤولية حتى لا يتكرر ما حدث في انقلاب 1963، عندما قام العسكر بالدور الرئيسي في قلب حكومة قاسم، وهيمنوا بالتالي على الحكومة واجبروا البعثيين المدنيين على القبول بدور ثانوي.
توجهت مجموعة صدام نحو القصر في سيارات خاصة, ورغم ان الخلية كانت مدنية في غالبيتها، فانها كانت بمرافقة الجنرال حردان التكريتي القائد السابق للسلاح الجوي عام 1963، والذي كان قد ساعد الرئيس عارف في مواجهة البعثيين، وكان مايزال يحظى بالاحترام في المؤسسة العسكرية, في الطريق الى القصر التقت المجموعة بمتعاطفين من الجيش قدموا لهم عربات مدرعة وقدموا بعد ذلك الى المقر العسكري الى جوار القصر، حيث التقوا مع سعدون غيدان الذي كان مسؤولا عن أمن القصر، والذي كان متعاطفا مع الانقلاب، رغم انه لم يكن بعثيا, استولى افراد المجموعة على الدبابات وطوقوا القصر.
قلب عارف
لم يعرف الرئيس عبد الرحمن عارف بالانقلاب، الا عندما سمع بعض الرصاص الذي اطلقته عناصر من الحرس الجمهوري في الهواء للتعبير عن الفرح والانتصار, وعمد الجنرال أحمد حسن البكر العقل المدبر للانقلاب الى الاتصال بالرئيس ليبلغه بقلب حكومته ودعاه الى الاستسلام, وعندما اكتشف ضعف موقفه، وانه ليس امامه من خيار، عرض التنازل بعد ان ضمن البكر سلامته الشخصية، وكلف البكر مروان التكريتي والعلي بالدخول الى القصر ومرافقة عارف الذي خاطبه التكريتي قائلا: «انني مكلف بابلاغك بانك لم تعد رئيسا، حزب البعث يسيطر على البلاد واذا استسلمت سلميا، فانني اضمن سلامتك», قبل عارف الرئيس الضعيف الذي تسلم السلطة بعد مقتل شقيقه عبدالسلام عارف بتحطم هليوكبتر عام 1966 بالتنحي، وكان مطلبه الوحيد ان يضمن الانقلابيون سلامة ابنه الذي كان ضابطا في الجيش, اما دور صدام فكان مراقبة القصر وضمان عدم تدخل الجنود الموالين لعارف.
بعد ذلك رافق التكريتي والعلي عارف الى منزل الاول في بغداد, وبحلول الساعة الثالثة واربعين دقيقة صباحا كان الانقلاب قد تم دون نقطة دم واحدة, وبعد استراحة دامت ساعات عدة وضع عارف على طائرة متجهة الى لندن للانضمام الى زوجته التي كانت تعالج هناك, واعلنت اذاعة بغداد ان حزب البعث قد استولى على السلطة وانهى نظاما ضعيفا وفاسدا يمثله حفنة من الجهلة والاميين واللصوص والجواسيس والصهاينة.
كان صدام وزملاؤه البعثيون يفضلون الاعتماد على انفسهم في تنفيذ الانقلاب، لكن خلال الاسابيع الحاسمة التي سبقت الانقلاب كان من الواضح انهم بحاجة الى دعم العسكر من اجل ضمان النجاح لمواجهة اعداء الشعب, اما جهاز حنين القوة الأمنية السرية التي شكلت لمواجهة «أعداء الشعب» فقد كان بارعا في استخدام التكتيكات لترويع اعداء صدام، لكنه لم يكن يملك القوة ولا الخبرة للاستيلاء على البلاد، ولهذا السبب اتصل قادة البعث مع قادة عسكريين يعتقد بانهم متعاطفون مع قضيتهم، البعض مثل مروان التكريتي كانوا اعضاء في البعث، ولهذا فانهم كانوا مستعدين للالتزام والطاعة, وكان هناك كل من عبدالرزاق النايف نائب رئيس الاستخبارات العسكرية والعقيد ابراهيم داوود قائد الحرس الجمهوري, ورغم ان تعاونهما كان حاسما لنجاح الانقلاب فان ايا منهما لم يكن بعثيا ودعمهما رهن بالفرصة والانتهازية اكثر من الالتزام بأي قضية, كانا يعرفان ان فرصة نجاح الانقلاب دون دعمهما ضئيلة ولهذا فانهما اشترطا مقابل التأييد تعيين النايف رئيسا للوزراء وداوود وزيرا للدفاع اللذين استدعاهما عارف بعد ظهر يوم 16 يوليو للاستفسار عن حقيقة اشاعات بقرب حدوث انقلاب، لكن الاثنين انكرا معرفتهما بذلك, ولاظهار الولاء جثيا على ركبهما وقبلا يد الرئيس.
وعندما سمع البعثيون بما حدث سارع البكر الى عقد اجتماع طارئ لقيادة البعث في منزله, كان من الواضح بان عليهم العمل بسرعة وحاجتهم الى دعم النايف وداوود، ورغم ان البعثيين لم يكونوا متحمسين، فقد وافقوا على مطالب الاثنين, وقال صدام الذي يدعي انه كان حاضرا الاجتماع لرفاقه اعلم ان الضابطين قد فرضا علينا وانهما يريدان طعن الحزب من الخلف ولكن ليس لدينا خيار الآن، علينا التعاون معهما لكن يجب تصفيتهما اثناء او بعد الثورة وانني اتطوع لانجاز هذه المهمة, كانت ثورة يوليو عبارة عن انقلاب عسكري كلاسيكي وعلى مر الاسبوعين التاليين اصبح من الواضح ان سيطرة العسكر ما هي الا مقدمة لتغيير بعيد المنال في النظام, ولم يضع صدام وزملاؤه الكثير من الوقت لتعزيز مواقعهم في الحكومة الجديدة, كانت خدمات النايف وداوود مطلوبة وبعدما تحقق ذلك فان تحالف البكر صدام كان مصمما على الخلاص منهما, بعد الانقلاب عين احمد حسن البكر رئيسا للجمهورية فيما عين النايف وداوود رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع على التوالي, والبكر الذي احتفظ بمنصب الامين العام لحزب البعث اصبح ايضا رئيسا لمجلس قيادة الثورة »ار سي سي« الذي يتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية عليا, وقد يكون صدام قد شعر بالاحباط لعدم اسناد منصب وزاري له، لكنه كلف بمسؤولية الامن القومي، وهو موقع سيكون حاسما من اجل بقاء الحكومة الجديدة، وقد كان صدام مناسبا لتسلم هذا الموقع بعد ان اقام جهاز حنين، والذي حل بعد تسلم البعثيين السلطة ولتحل محله مؤسسات أمنية رسمية.
خلال أيام من الانقلاب نشب نزاع مرير على السلطة بين البكر والنايف، وكل منهما اخذ يعتقد بأنه في حل من خدمات الآخر, من الناحية الفنية، فان نايف وداوود كان ينبغي ان تكون لهما اليد العليا، كونهما ضابطين يحظيان بالاحترام في المؤسسة العسكرية العراقية, اما البكر فقد اظهر دهاء سياسيا في اقناع نايف وداوود بمساعدة البعثيين لاسقاط عارف, استخدم مروان التكريتي وسعدون غيدان الضابطين والعضوين في البعث لاقناعهما بأن الحكومة الجديدة ستدار من قبل العسكر, اما البعثيون فانهم سيلعبون دورا ثانويا, وعلى هذا الاساس انضما الى الانقلاب، لكن بعد ان أسس البكر ونظم سلطته، كان مصمما على اشراك البعث في الحكومة على حساب نايف وداوود اللذين اساءا تقدير المهارات والقدرات التنظيمية للبعثيين.
وخلال ايام بعد الانقلاب زاد البكر من نفوذ العسكر البعثيين بتعيين اكثر من مئة ضابط بعثي في مواقع في الحرس الجمهوري وغيره من الوحدات المهمة.
اما صدام فكان مشغولا بالمساعدة في تنظيم اجهزة الأمن البعثية والوحدات شبه العسكرية، والتي كان يعتقد بأهميتها لابقاء البعث في السلطة, يوم 29 يوليو غادر داوود الذي اساء قراءة الوضع في بغداد لتفقد القوات العراقية المرابطة في الاردن، والتي ارسلت لتعزيز الحدود الاردنية في اعقاب حرب الأيام الستة مع اسرائيل, وفي غياب داوود عن بغداد، وبمساعدة صدام كان البكر قادرا على توجيه ضربته.
يوم 30 يوليو، وبعد يوم واحد من توجه داوود الى الاردن، دعي نايف لتناول الغداء مع البكر في قصر الرئاسة، ومع انتهاء الغداء دخل صدام الى القاعة شاهرا مسدسه وبصحبته ثلاثة آخرين، وعندما رأى نايف المسدس وضع يديه على عينيه وصاح قائلا: «لدي اربعة اطفال», ووفقا لسيرة حياة صدام قال الاخير: «لا تخف لن يحدث شيء لاطفالك اذا تصرفت بتعقل»، وخاطب صدام نايف قائلا: «انك تعلم بأنك اقحمت نفسك في الثورة، وانك حجر عثرة في طريق الحزب، لقد دفعنا دمنا في سبيل هذه الثورة، قرار الحزب هو ابعادك، عليك مغادرة العراق على الفور»، وقبل نايف تعيينه بوظيفة سفير ورافقه صدام شخصيا الى المطار، ولدى مغادرتهما القصر، كان صدام يخفي مسدسه في جيبه للتأكد من ان نايف لن يعمد للقيام بأي عمل او ايماءه الى أي من الحراس، الذي كان بعضهم من الموالين له، واضطر نايف للعيش في المنفى في المغرب، أما داوود فقد اعتقل في الاردن على يد قائد الفرقة العراقية الجنرال حسن النقيب، واعيد الى بغداد على طائرة عسكرية، ثم ارسل الى المنفى في السعودية، ولما كان ينظر اليه على انه خطر محتمل، فقد تم اغتياله بعد 10 سنوات عام 1978 في لندن بعد ان نجا من محاولة مماثلة سنة 1973.
أتاح الخلاص من نايف وداوود للبعثيين المدنيين، وليس العسكريين لاعلان انفسهم بأنهم القوة المحركة لثورة يوليو «الثورة التصحيحية»، عزز البكر موقعه بتولي موقعين جديدين الى جانب الرئاسة ورئاسة «ار سي سي» عندما اصبح رئيسا للوزراء وقائدا أعلى الجيش، وفي هذه المرحلة وبعد استكمال »المرحلة الثانية« كما يشير اليها المؤرخون البعثيون، ظهر الجناح التكريتي للبعث باعتباره المهيمن على السلطة، والى جانب البكر نفسه، فان الكثير من المناصب المهمة في الحكومة الجديدة كانت من نصيب التكريتيين، حردان التكريتي اصبح وزيرا للدفاع وعبد الكريم الشيخلي (توأم صدام) والذي شارك معه في المحاولة الفاشلة لاغتيال قاسم سنة 1959 اصبح وزيرا للخارجية، وحتى خير الله خال صدام الذي لم يكن بعثيا عين رئيسا لبلدية بغداد، والذي كان في كل مناسبة يعدد للبكر مزايا ابن شقيقته، ويقول «صدام هو ابنك» اعتمد عليه، انت بحاجة الى العائلة لحمايتك وليس جيشا او حزبا، لأن الجيوش والاحزاب تغير اتجاهاتها في هذا البلد.


نقلا عن www.iraq4all.dk/Book/Sadaam


توقيع : زعيم الحب
تعلمت من الحياة ان اترك خلفي الكثير من علامات الاستفهام ؟؟؟؟؟؟؟..

واترك الاجابات لغيري .. من استطاع الاجابة .. وجد طريقه لقلبي .. فلسفة زعيم ..



رد مع اقتباس
قديم 08 Nov 2006, 07:34 AM [ 2 ]
عضوة متميزة

تاريخ التسجيل : Mar 2006
رقم العضوية : 1130
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 91
الردود : 1313
مجموع المشاركات : 1,404
معدل التقييم : 25عنود الصيد is on a distinguished road

عنود الصيد غير متصل




زعيم الحب


الله لايهينك


صدام حســـــــــــين من الشخصيات النادرة التي لن تتكرر رغم أنة أحد الطغـاة الذين أسرفوا في إسالة الدمــــــــــاء المــــــسلمة...فهو من الشخصيات التي كرمها الله بالشجاعة والقوة...ولكنة لم يسخرها إلا لأذية المسلمين فقط متجنباً أعداء الدين..


رغــــــــــــــــــــم أني أشعر بألم لما يحدث له الاّن...والحكم علية بالأعدام ألمني كثيراً لأن شخصيتة تعجبني رغم أعتراضي على بعض الجوانب فيها................



تحيــــــــــــــــــــاتي

عنـــــــــــــــــــــــــــــــــود الصيد


توقيع : عنود الصيد
عدد زوار مشاركاتي
BestBuy Electronics
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 08 Nov 2006, 08:59 AM [ 3 ]

تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 620
مواضيع : 87
الردود : 3152
مجموع المشاركات : 3,239
معدل التقييم : 25ناصر مرزوق is on a distinguished road

ناصر مرزوق غير متصل




مشكور زعيم الحب على هذا النقل المفصل عن صدام حسين



ورغم وجود تعريف بسيط عن شخصيته في المنتدى فقد اتيت بالكثير عنه




أرق التحايا

توقيع : ناصر مرزوق



http://nasermarzoq.jeeran.com/
.
.
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2006, 06:59 PM [ 4 ]
مؤسس شبكة الشدادين


تاريخ التسجيل : Jan 2005
رقم العضوية : 1
الإقامة : saudi arabia
الهواية : رياضة + كمبيوتر وبس
مواضيع : 2072
الردود : 91533
مجموع المشاركات : 93,605
معدل التقييم : 4981السلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond repute

السلطان غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
فعالية ضوء عدسة

فعالية طلباتك أوامر

شكر وتقدير

فعالية مجموعات المنتدى

يوميات الأعضاء

التميز في دورة الفوتوشوب

شكر وتقدير

أجمل خط 1434 هـ




كلام خطير جداً عن حياة الرئيس العراقي صدام حسين

أحب هذه الشخصية كثيراً وأعتبره رمزاً لن يتكرر أبداً

سلمت يديك يا زعيم الحب


توقيع : السلطان
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Nov 2006, 05:18 AM [ 5 ]
عضو متميز


تاريخ التسجيل : Jan 2006
رقم العضوية : 843
الإقامة : saudi arabia
الهواية : تسلق المرتفعات والتنزه في الأدغال
مواضيع : 109
الردود : 3186
مجموع المشاركات : 3,295
معدل التقييم : 25بدوي فاهم is on a distinguished road

بدوي فاهم غير متصل




مشكور يا زعيم على المووضوع
صدام حسين شخصيه تاريخيه جمعت الخير والشر يالله بحسن الخاتمه
الله يعطيك العافيه


توقيع : بدوي فاهم
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 27 Aug 2007, 02:25 PM [ 6 ]

تاريخ التسجيل : Aug 2007
رقم العضوية : 3667
مواضيع : 2
الردود : 10
مجموع المشاركات : 12
معدل التقييم : 25ذيب مضر is on a distinguished road

ذيب مضر غير متصل




رئيس بمعنا الكلمة ,,


والله يرحمه

الأعلى رد مع اقتباس
قديم 20 Mar 2012, 10:05 AM [ 7 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Mar 2011
رقم العضوية : 37316
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 453
الردود : 11877
مجموع المشاركات : 12,330
معدل التقييم : 328شمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the rough

شمس الأصيل غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
المشاركة في احتفالية العام التاسع

مسابقة الاحتفال التاسع

المشرفة المتميزة

القسم المميز

المشرفة المميزة

فعالية سماؤنا زرقاء

العضو المميز

الحضور المميز


رد: صدام .. الحياة السرية


سلمت يمناك

على هذه المعلومات التأريخية


توقيع : شمس الأصيل
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 20 Mar 2012, 10:14 AM [ 8 ]
عضو متميز


تاريخ التسجيل : Jan 2012
رقم العضوية : 54047
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 120
الردود : 1148
مجموع المشاركات : 1,268
معدل التقييم : 32الشقاوي is on a distinguished road

الشقاوي غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 2
العضو المميز

الحضور المميز


رد: صدام .. الحياة السرية


مشكور زعيم الحب على هذا النقل المفصل عن صدام ح

الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضل صيام يوم عرفه حلم عابر المنتدى الاسلامي 11 24 Jan 2011 06:30 AM
الوصفات السرية لأكلات المطاعم الشهيــــــة نشمية غذاء جسد 5 30 Sep 2007 01:56 PM
خلطات المطاعم السرية الوجد غذاء جسد 12 30 May 2007 08:09 PM
الزوجة السرية بسمة الأسرة والطفل والمجتمع 6 13 Mar 2007 04:31 AM
الخلطة السرية بسمة القسم العام 6 29 Jan 2007 04:41 PM
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

09:07 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com