..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > مكتبة الشدادين لروائع الكتب
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 12 Nov 2005, 01:21 PM

sanaa غير متصل

تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
الإقامة :
الهواية :
المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
كليلة ودمنة ...!!!





عبد الله بن المقفع


مقدمة


هذا الكتاب، (كليلة ودمنة)، من أجَلّ ما أبدعه الشرقيّون في السياسة والأخلاق، ويتضمَّن أشهر ما أجْرَوْه علي ألسنة الحيوانات من قصص وأمثال. وقد تضافر علي تأليفه بصورته التي نعرف ثلاثة من حكمائهم، وحَظِي عند الأدباء وعامّة الناس حُظوة لم يبْلُغها إلاّ القليل من الكتب الموضوعة في العصر العبّاسي الأول، فكثر نسْخُه، وتفنّن الخطّاطون والمصوِّرون في تزويقه، ثم تُرجم إلي لغات عدّة، وتأثّر به كتّابٌ من الشرق والغرب علي السواء، فهو بذلك مثلٌ نادر، بل فريد، للتفاعل بين الآداب العالميّة.

ويُجمع الباحثون علي أن الكتاب هندي الأصل، صنَّفه البراهما (وشنو) باللغة السنسكريتيّة في أواخر القرن الرابع الميلاديّ، وأسماه (بنج تنترا)، أي الأبواب الخمسة. ويُقال إنّ ملك الفرس (كسرَي آنوشروان) (531-579م) لما بلغه أمرُه أراد الاطّلاع عليه للاستعانة به في تدبير شؤون رعيّته، فأمر بترجمته إلي اللغة الفهلويّة -وهي اللغة الفارسية القديمة-، واختار لهذه المهمة طبيبه (بَرْزَوَيْه) لما عرف عنه من علمٍ ودهاء. إلاّ أنّ (برزويه) لم يكْتفِ بنقل (بنج تنترا)، بل أضاف إليه حكايات هندية أخري، أخذ بعضها من كتاب (مهاباراتا) المشهور، وصَدّر ترجمته بمقدّمة تتضمّن سيرته وقصّة رحلته إلي الهند. وفي مُنتصف القرن الثامن الميلادي، نُقل الكتاب في العراق من الفهلوية إلي العربية، وأُدرج فيه بابٌ جديد تحت عنوان (الفحص عن أمر دمنة)، وأُلحقت به أربعةُ فصولٍ لم ترِدْ في النصّ الفارسي، وكان ذلك علي يد أديب عبقريٍّ يُعتبر بحقّ رائد النثر العربيّ، وأوّل من وضع كتابًا عربيًّا مكتملاً في السياسة، هو (عبد الله بن المقفَّع).

وُلد (ابن المقفع) سنة 720 ميلاديّة في بلدة (جور) الفارسيّة (التي أطلق عليها فيما بعد اسم (فيروزاباد))، وفيها ترعرع إلي أن بلغ أشُدَّه، فاصطحبه أبوه إلي (البصرة) حيث اعتنق الإسلام، وقرأ علي الشعراء والرواة واللغويّين المرموقين في عصره حتّي تمكّن من اللغة العربيّة وآدابها. ثم عمل كاتبًا للولاة الأمويّين في (كرمان) بإيران، وبقي في خدمتهم إلي أن انتصر العباسيّون، فالتحق بهم، ولزم (عيسي بن علي) عمّ الخليفة (المنصور). وكان (ابن المقفع) في أثناء ذلك يترجم ويؤلّف، مشاركًا في الحركة العلميّة الفذّة التي ازدهرت في (البصرة) و (الكوفة); فمن ترجماته التي لا يرقَي إليها الشك: (كليلة ودمنة) وكتابان أو ثلاثة في سِيَر ملوك الفُرس ونُظُمهم وعاداتهم، وله كذلك مؤلّفان في نصيحة الملوك هما: (الأدب الكبير) و (رسالة في الصحابة).

ولكنّ قُرب (ابن المقفَّع) من بيت الخلافة، وتعرُّضه لأمور المُلك في زمن احتدم فيه الصراع علي السلطة، أوْغَرا عليه صدور الحكّام، فاتُّهِم بالزَّندَقَة وأُلقي القبض عليه في (البصرة) بأمرٍ من الخليفة سنة 756 أو بعدها بقليل، وكان والي تلك المدينة يكرهُه، فعذَّبه عذابًا فظيعًا، وقتله. وأغلب الظن أن إعدامه لم يكن لسبب ديني كما قيل، بل لشك الخليفة في ولائه.

إن هذه المقتطفات من (كليلة ودمنة) لا تفي ابن المقفَّع كلّ حقّه إذ ليس فيها ما يشير إلي أسبقيته في التعريف بالحضارة الفارسية القديمة ولا إلي فكره السياسي المتميّز كما يظهر في رسالته (في الصحابة)، إلاّ أنَّها تكفي لبيان ما يدين له به النثر العربي في زمن نشأته الأولي. ونخص بالذكر لغة الكاتب الطيعة التي جمعت بين الدّقة والسلاسة، ممهّدة للأسلوب الكتابي الذي وُصف بالسهل الممتنع، وسطّر به كبار الناثرين العرب، من الجاحظ إلي ابن خلدون، مؤلفاتهم الخالدة.


توقيع : sanaa


...je ne veux ni cadeau ..ni fleur..ni promesse
seulement
!!... le don de ton coeur
sanaa

رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 01:30 PM [ 2 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






مثل الحمَّالين والرجلِ الذي أصابَ كنزًا


ومَنِ استَكثَرَ من جَمعِ الكُتُبِ وقِراءَةِ العلومِ من غيرِ إعمالِ الرَّويَّةِ فيما يَقرَأُهُ كانَ خَليقًا أن لا يُصيبَهُ إلاَّ ما أصابَ الرجلَ الذي زَعَمَتِ العلماءُ أنَّه اجتازَ ببعضِ المَفاوِزِ فَظَهَرَ له مَوضِعُ آثارِ كَنزٍ. فَجَعَلَ يَحفِرُ ويَطلُبُ فَوَقَعَ علي شيءٍ من عَينٍ ووِرْقٍ فقالَ في نفسِهِ: إن أنا أخَذتُ في نَقلٍ هذا المالِ قليلاً قليلاً طالَ عَلَيَّ وقَطَعَني الاشتِغالُ بنقلِهِ وإحرازِهِ عنِ اللَّذَّةِ بما أصَبتُ منه. ولكن سأستأجِرُ أقوامًا يَحمِلونَهُ إلي منزلي وأكونُ أنا آخِرَهُمْ. ولا يكونُ بَقِيَ ورائي شيءٌ يُشغَلُ فِكري بنقلِهِ. وأكونُ قد استَظهَرْتُ لنفسي في إراحَةِ بَدَني عنِ الكَدِّ بيَسيرِ أُجرَةٍ أُعطيها لهم.

ثم جاء بالحمَّالينَ فجَعَلَ يُحَمِّلُ كلَّ واحدٍ منهم ما يُطيقُ فينطلِقُ به إلي منزلِهِ هو فيفوزُ به، حتي إذا لم يبقَ مِنَ الكَنزِ شيءٌ انطلَقَ خَلفَهُمْ إلي منزلِهِ فلم يَجِدْ فيه مِنَ المالِ شيئًا لا كثيرًا ولا قليلاً. وإذا كلُّ واحدٍ مِنَ الحمَّالينَ قد فازَ بما حَمَلَهُ لنفسِهِ. ولم يكنْ للرجلِ من ذلك إلاَّ العَناءُ والتَّعَبُ لأنَّه لم يُفَكِّرْ في آخِرِ أمرِهِ



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 01:31 PM [ 3 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






مثل طالبِ العلمِ والصَحيفةِ الصفراء

وكذلك مَن قَرَأَ هذا الكتابَ ولم يَفهَمْ ما فيه ولم يَعلَمْ غَرَضَهُ ظاهِرًا وباطِنًا لم يَنْتَفِعْ بما يَبدو له من خَطِّهِ ونَقشِهِ. كما لو أنَّ رجلاً قُدِّمَ له جَوزٌ صحيحٌ لم يَنتَفِعْ به إلاَّ أن يَكسِرَهُ ويَستَخرِجَ ما فيه. وكانَ أيضًا كالرجلِ الذي طَلَبَ عِلمَ الفَصيحِ من كلامِ الناسِ. فأتي صديقًا له مِنَ العلماءِ لَه عِلمٌ بالفَصاحَةِ فأعلَمَهُ حاجَتَهُ إلي عِلمِ الفَصيحِ. فَرَسَمَ له صديقُهُ في صحيفَةٍ صَفراءَ فَصيحَ الكلامِ وتَصاريفَهُ ووُجوهَهُ. فانصَرَفَ بها إلي منزلِهِ فَجَعَلَ يُكثِرُ قِراءَتَها ولا يقِفُ علي مَعانيها ولا يَعلَمُ تأويلَ ما فيها حتي استَظهَرَهَا كلَّها، فاعتَقَدَ أنَّه قد أحاطَ بعِلمِ ما فيها.

ثم إنَّه جَلَسَ ذاتَ يومٍ في مَحفِلٍ من أهلِ العِلمِ والأدَبِ فأخَذَ في مُحاوَرَتِهِمْ فَجَرَتْ له كلمَةٌ أخطأَ فيها. فقالَ له بعضُ الجماعَةِ: إنَّك قد أخطأتَ والوَجهُ غيرُ ما تَكَلَّمتَ به. فقالَ: كيفَ أُخطِئُ وقد قَرَأتُ الصَّحيفَةَ الصَّفراءَ وهي في منزلي? فكانت مقالَتُهُ هذه أوجَبَ للحُجَّةِ عليه وزادَهُ ذلك قُربًا مِنَ الجَهلِ وبُعدًا مِنَ الأدَبِ




الأعلى رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 01:32 PM [ 4 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل





مثل ربِّ البيت والسارق


ثم إنَّ العاقِلَ إذا فَهِمَ هذا الكتابَ وبَلَغَ نهايَةَ عِلمِهِ فيه يَنبَغي له أن يَعمَلَ بما عَلِمَ منه لِيَنتَفِعَ به ويَجعَلَهُ مِثالاً لا يَحيدُ عنه. فإذا لم يَفعَلْ ذلك كانَ مَثَلُهُ كالرجلِ الذي زَعَموا أنَّ سارِقًا تَسَوَّرَ عليه وهو نائِمٌ في منزلِهِ، فعَلِمَ به فقالَ: واللهِ لأسكُتَنَّ حتي أنظُرَ ماذا يَصنَعُ ولا أذْعَرُهُ ، فإذا بَلَغَ مُرادَهُ قُمتُ إليه فَنَغَّصتُ ذلك عليه. ثم إنَّه أمسَكَ عنه وَجَعلَ السَّارِقُ يَتَرَدَّدُ وطالَ تَرَدُّدُهُ في جَمعِهِ ما يَجِدُهُ. فغَلَبَ الرجلَ النُّعاسُ فنامَ وفَرَغَ اللِّصُّ مِمَّا أرادَ وأمكَنَهُ الذَّهابُ. واستيقَظَ الرجلُ فَوَجَدَ اللِّصَّ قد أَخَذ المَتاعَ وفازَ به. فأقبَلَ علي نفسِهِ يلومُها وعَرَفَ أنَّه لم يَنتَفِعْ بعِلمِهِ باللِّصِّ إذ لم يَستَعمِلْ في أمرِهِ ما يجبُ.





الأعلى رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 01:33 PM [ 5 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






مثل الإخوةِ الثلاثة


وقد يَنبَغي للنَّاظِرِ في كتابِنا هذا أن لا تكونَ غايتُهُ التَّصَفُّحِ لِتَزاويقِهِ ، بل يُشرِفُ علي ما يَتَضَمَّنُ مِنَ الأمثالِ حتي يأتِيَ عليه إلي آخِرِه، ويَقِفُ عند كلِّ مَثَلٍ وكلمَةٍ، ويُعمِلُ فيها رَوِيَّتَهُ، ويكونُ مِثلَ ثالِثِ الإخوَةِ الثلاثَةِ الذينَ خَلَّفَ لهم أبوهُمُ المالَ الكثيرَ فَتنازَعوهُ بينهم. فأمَّا الاثنانِ الكبيرانِ فإنَّهُما أسرَعا في إتلافِهِ وإنفاقِهِ في غيرِ وجهِهِ. وأمَّا الصَّغيرُ فإنَّه عندَما نَظَرَ ما صارَ إليه أخَواهُ من إسرافِهِما وتَخَلِّيهِما مِنَ المالِ أقبَلَ علي نفسِهِ يُشاوِرُها وقالَ: يا نَفسِ إنَّما المالُ يَطلُبُهُ صاحِبُهُ ويجمعُهُ من كلِّ وجهٍ لبقاءِ حالِهِ وصَلاحِ معاشِهِ ودُنياهُ وشرفِ منزلتِهِ في أعْيُنِ الناسِ، واستِغنائِهِ عمَّا في أيديهِم، وصَرفِهِ في وجهِهِ من صِلَةِ الرَّحِمِ، والإنفاقِ علي الولَدِ والإفضالِ علي الإخوانِ. فمَن كانَ له مالٌ ولا يُنفِقُهُ في حُقوقِهِ كانَ كالذي يُعَدُّ فقيرًا وإن كانَ موسِرًا. وإن هو أحسَنَ إمساكَهُ والقيامَ عليه لم يَعدَمِ الأمرَينِ جميعًا من دُنيا تَبقي عليه وحَمدٍ يُضافُ إليه. ومتي قَصَدَ إنفاقَهُ علي غيرِ الوُجوهِ التي حُدَّتْ لم يَلبَثْ أن يُتلِِفَهُ ويبقي علي حَسرَةٍ وندامَةٍ. ولكنِ الرأيُ أن أُمسِكَ هذا المالَ، فإني أرجو أن يَنفَعَني الله به ويُغنِيَ أخَوَيَّ علي يَدي، فإنَّما هو مالُ أبي ومالُ أبيهِما. وإنَّ أولي الإنفاقِ علي صِلَةِ الرِّحِمِ وإن بَعُدَتْ، فكيفَ بأخوَيَّ! فأنفَذَ فأحضَرَهُما وشاطَرَهُما مالَهُ









الأعلى رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 01:34 PM [ 6 ]
عضوة متميزة

تاريخ التسجيل : Jan 2005
رقم العضوية : 3
الإقامة : kuwait
مواضيع : 772
الردود : 15957
مجموع المشاركات : 16,729
معدل التقييم : 25المستحيلة is on a distinguished road

المستحيلة غير متصل




كليلة ودمنه ... من اشهر ما ترجم .. الشكر لك

توقيع : المستحيلة



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 01:34 PM [ 7 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل







مثل الصيَّادِ والصَدَفة


وكذلك يجبُ علي قارِئ هذا الكتابِ أن يُديمَ النَّظَرَ فيه من غيرِ ضَجَرٍ، ويَلتَمِسَ جواهِرَ معانيهِ، ولا يَظُنَّ أنَّ نَتيجَتَهُ إنَّما هي الإخبارُ عن حِيلَةِ بَهيمَتَينِ أو مُحاوَرَةِ سَبُعٍ لثورٍ، فينصَرِفَ بذلك عنِ الغَرَضِ المقصودِ، ويكونَ مَثَلُهُ مَثَلَ الصَّيَّادِ الذي كانَ في بعضِ الخُلُجِ يَصيدُ فيه السَّمَكَ في زَورَقٍ. فَرأي ذاتَ يومٍ في عَقيقِ الماءِ صَدَفَةً تَتَلألأُ حُسنًا فَتَوَهَّمَها جَوهَرًا له قيمَةٌ. وكان قد ألقي شَبَكَتَهُ في البحرِ فاشتَمَلَتْ علي سَمَكَةٍ كانت قوتَ يومِهِ فخَلاَّها وقَذَفَ نفسَهُ في الماءِ ليأخُذَ الصَّدَفَةَ. فلمَّا أخرَجَها وجَدَها فارِغَةً لا شيءَ فيها ممَّا ظَنَّ. فندِمَ علي تَركِ ما في يدِهِ للطَّمَعِ وتأسَّفَ علي ما فاتَهُ. فلمَّا كانَ اليومُ الثاني تَنَحَّي عن ذلك المكانِ وألقي شبكتَهُ، فأصابَ حوتًا صغيرًا ورأي أيضًا صَدَفَةً سنيّة فلم يَلتَفِتْ إليها وساءَ ظَنُّهُ بها فَتَرَكَها واجتازَ بها بَعضُ الصَّيَّادينَ فأخَذَها فَوجَدَ فيها دُرَّةً تُساوي أموالاً.

وكذلك الجُهَّالُ علي إغفالِ أمرِ التَّفَكُّرِ في هذا الكتابِ والاغتِرارِ به وتَركِ الوُقوفِ علي أسرارِ معانيهِ والأخذِ بظاهِرِهِ دونَ الأخذِ بباطِنِهِ، ومَن صَرَفَ هِمَّتَهُ إلي النَّظَرِ في أبوابِ الهَزلِ منه فهو كرجلٍ أصابَ أرضًا طَيِّبَةً حُرَّةً وحَبًّا صَحيحًا فَزَرَعَها وسَقاها حتي إذا قَرُبَ خيرُها تَشاغَلَ عنها بجَمعِ ما فيها مِنَ الزَّهرِ وقَطعِ الشَّوكِ، فأهلَكَ بتَشاغُلِهِ ما كانَ أحسَنَ فائِدَةً وأجمَلَ عائِدَةً.

ويَنبَغي للنَّاظِرِ في هذا الكتابِ أن يَعلَمَ أنَّه يَنقَسِمُ إلي أربعَةِ أغراضٍ: أحَدُها ما قُصِدَ فيه إلي وضعِهِ علي ألسِنَةِ البَهائِمِ غيرِ النَّاطِقَةِ من مُسارَعَةِ أهلِ الهَزلِ مِنَ الشُّبَّانِ إلي قِراءَتِهِ فتُستَمالُ به قلوبُهُمْ. لأنَّ هذا هو الغَرَضُ بالنَّوادِرِ من حِيَلِ الحيواناتِ. والثاني إظهارُ خَيالاتِ الحيواناتِ بصُنوفِ الأصباغِ والألوانِ ليكونَ أُنْسًا لقُلوبِ الملوكِ ويكونَ حِرصُهُمْ عليه أشَدَّ للنُزهَةِ في تلك الصُّوَرِ. والثالثُ أن يكونَ علي هذه الصِّفَةِ فَيَتَّخِذَهُ الملوكُ والسُّوقَةُ فيكثُرَ بذلك انتِساخُهُ ولا يَبطُلَ فَيَخْلُقَ علي مُرورِ الأيامِ، ولينتَفِعَ بذلك المُصَوِّرُ والنَّاسِخُ أبدًا. والغَرَضُ الرابعُ وهو الأقصي مخْصوصٌ بالفَيلَسوفِ خاصَّةً








الأعلى رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 06:56 PM [ 8 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






مثل الشيخِ وبنيه الثلاثة


قالَ دَبشَليمُ الملِكُ لِبَيْدَبا الفَيلَسوفِ وهو رأسُ البَراهِمَةِ: اضرِبْ لي مَثَلاً لِمُتَحابَّينِ يَقطَعُ بينهما الكَذوبُ المُحتالُ حتي يَحمِلَهُما علي العَداوَةِ والبَغضاءِ.

قالَ بَيدَبا: إذا ابتُلِيَ المُتَحابَّانِ بأن يَدخُلَ بينهما الكَذوبُ المُحتالُ لم يَلبَثا أن يَتَقاطَعا ويَتَدابَرا وآفَةُ المَوَدَّةِ النَّميمَةُ. ومن أمثالِ ذلك أنَّه كانَ بأرضِ دَسْتاوَنْدَ رجلٌ شيخٌ له ثلاثَةُ بَنينَ. فلمَّا بَلَغوا أشُدَّهُمْ أسرَفوا في مالِ أبيهِمْ ولم يكونوا احتَرَفوا حِرفَةً يَكسِبونَ بها لأنفُسِهِمْ خيرًا. فلامَهُمْ أبوهُمْ ووَعَظَهُمْ علي سوءِ فِعلِهِمْ. وكانَ من قَولِهِ لهم: يا بَنيَّ إنَّ صاحِبَ الدُّنيا يَطلُبُ ثلاثَةَ أمورٍ لن يُدرِكَها إلاَّ بأربَعَةِ أشياءَ. أمَّا الثَّلاثَةُ التي يَطلُبُ فالسَّعَةُ في الرِّزقِ، والمَنزلَةُ في الناسِ، والزَّادُ للآخرَةِ. وأما الأربَعَةُ التي يَحتاجُ إليها في دَرَكِ هذه الثَّلاثَةِ فاكتِسابُ المالِ من أحسَنِ وجهٍ يَكونُ، ثم حُسنُ القِيامِ علي ما اكتَسَبَ منه، ثم استِثمارُهُ، ثم إنفاقُهُ فيما يُصلِحُ المعيشَةَ ويُرضي الأهلَ والإخوانَ فَيَعودُ عليه نَفعُهُ في الآخرَةِ.

فمَنْ ضَيَّعَ شيئًا من هذه الأحوالِ لم يُدرِكْ ما أرادَ من حاجتِهِ. لأنَّه إن لم يَكتَسِبْ لم يكنْ له مالٌ يَعيشُ به. وإن هو كان ذا مالٍ واكتِسابٍ ثم لم يُحسِنِ القِيامَ عليه أوشَكَ المالُ أن يَفني ويَبقي مُعدِمًا. وإن هو وَضَعَهُ ولم يَستَثمِرْهُ لم تَمنَعْهُ قِلَّةُ الإنفاقِ من سُرعَةِ الذَّهابِ. كالكُحلِ الذي لا يُؤْخَذُ منه إلاَّ غُبارُ الميْلِ ثم هو معَ ذلك سَريعٌ فَناؤُهُ. وإن هو أنفَقَهُ في غيرِ وَجهِهِ ووَضَعَهُ في غيرِ مَوضِعِهِ وأخطَأَ به مَواضِعَ استِحقاقِهِ صارَ بمنزلَةِ الفَقيرِ الذي لا مالَ له. ثم لم يَمنَعْ ذلك أيضًا مالَهُ مِنَ التَّلَفِ بالحوادِثِ والعِلَلِ التي تَجري عليه كَمَحبِسِ الماءِ الذي لا تَزالُ المياهُ تَنصَبُّ فيه، فإن لم يكن له مُخَرجٌ ومَفاضٌ ومُتَنَفَّسٌ يَخرُجُ منه الماءُ بقَدَرِ ما يَنبَغي خَرِبَ وسالَ ونَزَّ من نَواحٍ كثيرَةٍ وربَّمَا انبَثَقَ البَثقَ العَظيمَ فَذَهَبَ الماءُ ضَياعًا.

وإنَّ بَني الشَّيخِ اتَّعَظوا بقَولِ أبيهِمْ وأخَذوا به وعَلِموا أن فيه الخيرَ وعَوَّلوا عليه، فانطَلَقَ أكبَرُهُمْ نحو أرضٍ يُقالُ لها مَيُّونُ. فأتي في طَريقِهِ علي مكانٍ فيه وَحلٌ كثيرٌ. وكان معه عَجَلَةٌ يَجُرُّها ثَورانِ يُقالُ لأحدِهِما شَتْرَبَةُ وللآخَرِ بَنْدَبَةُ. فَوَحِلَ شَتْربَةُ في ذلك المكانِ، فعالَجَهُ الرجلُ وأصحابُهُ حتي بَلَغَ منهُمُ الجَهدُ فلم يَقدِروا علي إخراجِهِ. فَذَهَبَ الرجلُ وخَلَّفَ عندَهُ رجلاً يُشارِفُهُ لعلَّ الوَحلَ يَنشَفُ فَيَتْبَعَهُ به. فلمَّا باتَ الرجلُ بذلك المكانِ تَبَرَّمَ به واستَوحَشَ. فتَرَكَ الثَّورَ والتَحَقَ بصاحبِهِ فأخبَرَهُ بأنَّ الثَّورَ قد ماتَ. وقالَ له إنَّ الإنسانَ إذا انقَضَتْ مُدَّتُهُ وحانَتْ مَنِيَّتُهُ فهو وإن اجتَهَدَ في التَّوَقّي مِنَ الأمورِ التي يَخافُ فيها علي نفسِهِ الهَلاكَ لم يُغنِ ذلك عنه شيئًا. وربما عادَ اجتِهادُهُ في تَوَقِّيهِ وحَذَرِهِ وَبالاً عليه






الأعلى رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 06:57 PM [ 9 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل







مثل الرجل الهارب من الذئب واللصوص


كالذي قيلَ إنَّ رجلاً سَلَكَ مَفازَةً فيها خَوفٌ مِنَ السِّباعِ وكانَ الرجلُ خَبيرًا بوَعَثِ تلك الأرضِ وخَوفِها. فلمَّا سارَ غيرَ بعيدٍ اعتَرَضَ له ذِئبٌ من أحَدِّ الذِّئابِ وأضراها. فلمَّا رأي الرجلُ أنَّ الذِّئبَ قاصِدٌ نحوه خافَ منه ونَظَرَ يَمينًا وشِمالاً ليَجِدَ مَوضِعًا يَتَحَرَّزُ فيه مِنَ الذِّئبِ، فلم يَرَ إلا قَريَةً خَلفَ وادٍ فَذَهَبَ مُسرِعًا نحو القَريَةِ. فلمَّا أتي الوادي لم يَرَ عليه قَنطَرَةً ورأي الذِّئبَ قد أدرَكَهُ فألقي نفسَهُ في الماءِ وهو لا يُحسِنُ السِّباحَةَ وكاد يَغرَقُ لولا أن بَصُرَ به قَومٌ من أهلِ القريَةِ فَتَواقَعوا لإخراجِهِ، فأخرَجوهُ وقد أشرَفَ علي الهَلاكِ. فلمَّا حَصَلَ الرجلُ عندَهُمْ وأمِنَ علي نفسِهِ من غائِلَةِ الذِّئبِ رأي علي عُدْوَةِ الوادي بيتًا مُفَردًا فقالَ: أدخُلُ هذا البيتَ فأستَريحُ فيه. فلمَّا دَخَلَهُ وَجَدَ جماعَةً مِنَ اللُّصوصِ قد قَطَعوا الطَّريقَ علي رجلٍ مِنَ التُّجَّارِ وهم يَقتَسِمونَ مالَهُ ويُريدونَ قَتْلَهُ. فلمَّا رأي الرجلُ ذلك خافَ علي نفسِهِ ومَضي نحو القريَةِ فأسنَدَ ظَهرَهُ إلي حائِطٍ من حيطانِها ليَستَريحَ ممَّا حَلَّ به مِنَ الهَولِ والإعياءِ إذ سَقَطَ عليه الحائِطُ فماتَ

قالَ الرجلُ: صَدَقتَ قد بَلَغَني هذا الحَديثُ. وأمَّا الثَّورُ فإنَّه خَلَصَ من مكانِهِ وانبَعَثَ فلم يَزَلْ في مَرجٍ مُخصِبٍ كثيرِ الماءِ والكَلأِ، فلمَّا سَمِنَ وأمِنَ جَعَلَ يَخورُ ويَرفَعُ صَوتَهُ بالخُوارِ. وكانَ قريبًا منه أجَمَةٌ فيها أسَدٌ عَظيمٌ وهو ملِكُ تلك النَّاحِيَةِ ومعه سِباعٌ كثيرَةٌ وذئابٌ وبناتُ آوي وثعالِبُ وفُهودٌ ونُمورٌ. وكانَ هذا الأسَدُ مُنفَرِدًا برأيِهِ دونَ أخذٍ برأيِ أحدٍ من أصحابِهِ. فلمَّا سَمِعَ خُوارَ الثَّورِ ولم يكن رأي ثَورًا قَطُّ ولا سَمِعَ خُوارَهُ خامَرَهُ منه هَيبَةٌ وخَشيَةٌ وكَرِهَ أن يَشعُرَ بذلك جُندُهُ. فكانَ مُقيمًا مكانَهُ لا يَبرَحُ ولا يَنشَطُ بل يُؤْتي بِرزقِهِ كلَّ يومٍ علي يَدِ جُندِهِ. وكانَ فيمَن معه مِنَ السِّباعِ ابنا آوي يُقالُ لأحدِهِما كَليلَةُ وللآخَرِ دِمنَةُ، وكانا ذَوَيْ دَهاءٍ وعِلمٍ وأدَبٍ

فقالَ دِمْنَةُ يومًا لأخيهِ كَليلَةَ: يا أخي ما شأنُ الأسَدِ مُقيمًا مكانَهُ لا يَبرَحُ ولا يَنشَطُ خِلافًا لعادَتِهِ? فقالَ له كَليلَةُ: ما شأنُكَ أنتَ والمسألَةَ عن هذا? نحن علي بابِ ملكِنا آخِذَينِ بما أحَبَّ وتارِكَينِ ما يَكرَهُ ولسنا من أهلِ المرتَبَةِ التي يَتَناوَلُ أهلُها كلامَ الملوكِ والنَّظَرَ في أمورِهِمْ. فأمسِكْ عن هذا واعلَمْ أنَّه مَن تَكَلَّفَ مِنَ القَولِ والفِعلِ ما ليسَ من شكلِهِ أصابَهُ ما أصابَ القِردَ مِنَ النَّجَّارِ. قالَ دِمْنَةُ: وكيفَ كانَ ذلك?






الأعلى رد مع اقتباس
قديم 12 Nov 2005, 06:59 PM [ 10 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






مثل القرد والنجار


قالَ كَليلَةُ: زَعَموا أنَّ قِردًا رأي نَجَّارًا يَشُقُّ خَشَبَةً وهو راكِبٌ عليها، وكلَّما شَقَّ منها ذِراعًا أدخَلَ فيها وَتِدًا، فَوَقَفَ يَنظُرُ إليه وقد أعجَبَهُ ذلك. ثم إنَّ النَّجَّارَ ذَهَبَ لبعضِ شأنِهِ فَقامَ القِرْدُ وتَكَلَّفَ ما ليسَ من شأنِهِ فَرَكِبَ الخَشَبَةَ وجَعَلَ وجهَهُ قِبَلَ الوَتِدِ وظَهرَهُ قِبَلَ طَرَفِ الخشَبةِ فَتَدَلَّي ذَنَبُهُ في الشَّقِّ ونَزَعَ الوَتِدَ فلزِمَ الشَّقُّ عليه فكادَ يُغشي عليه مِنَ الألَمِ. ثم إنَّ النَّجَّارَ وافاهُ فأصابَهُ علي تلك الحالَةِ فأقبَلَ عليه يَضرِبُهُ. فكانَ ما لَقِيَ مِنَ النَّجَّارِ مِنَ الضَّربِ أشَدَّ ممَّا أصابَهُ مِنَ الخشَبةِ.

قالَ دِمنَةُ: قد سَمِعتُ ما ذَكَرتَ. وليسَ كلُّ مَنْ يـَدنو مِنَ الملوكِ يَقدِرُ علي صُحبَتِهِمْ ويَفوزُ بقُربِهِمْ. ولكن اعلَمْ أنَّ كلَّ مَنْ يَدنو منهم ليسَ يَدنو منهم لبطنِهِ، فإنَّ البطنَ يُحشي بكلِّ شيءٍ، وإنَّما يَدنو منهم ليَسُرَّ الصَّديقَ ويَكبِتَ العَدُوَّ. وإنَّ مِنَ الناسِ مَن لا مُروءةَ له وهُمُ الذينَ يَفرَحونَ بالقليلِ ويَرضَونَ بالدُّونِ كالكَلبِ الذي يُصيبُ عَظمًا يابِسًا فَيَفرَحُ به. وأمَّا أهلُ الفَضلِ والمُروءةِ فلا يُقنِعُهُمْ القليلُ ولا يَرضَونَ به دونَ أن تَسمُوَ بهم نُفوسُهُمْ إلي ما هم أهلٌ له وهو أيضًا لهم أهلٌ. كالأسَدِ الذي يَفتَرِسُ الأرنَبَ فإذا رأي البعيرَ تَرَكَها وطَلَبَ البَعيرَ. ألا تري أنَّ الكلبَ يُبَصبِصُ بذنبِهِ حتي تَرمِيَ له الكِسرَةَ مِنَ الخُبزِ فَيَفرَحُ بها وتُقنِعُهُ منك، وأنَّ الفيلَ المُعتَرَفَ بفضلِهِ وقُوَّتِهِ إذا قُدِّمَ إليه عَلَفُهُ لا يَعتَلِفُهُ حتي يُمسَحَ وجهُهُ ويَتَمَلَّقَ له? فَمَنْ عاشَ ذا مالٍ وكانَ ذا فَضلٍ وإفضالٍ علي نفسِهِ وأهلِهِ وإخوانِهِ غيرَ خامِلِ المنزلَةِ فهو وإن قَلَّ عُمرُهُ طويلُ العمرِ. ومَن كانَ في عَيشِهِ ضيقٌ وقِلَّةٌ وإمساكٌ علي نفسِهِ وذَويهِ وكانَ خامِلَ المنزلَةِ فالمَقبورُ أحيا منه. ومَن عَمِلَ لبطنِهِ وشهواتِهِ وقَنِعَ وتَرَكَ ما سِوي ذلك عُدَّ مِنَ البَهائِمِ

ثم إنَّ دِمنَةَ انطلَقَ حتي دَخَلَ علي الأسَدِ فَعَفَّرَ وجهَهُ بين يديهِ وسلَّمَ عليه. فقالَ الأسَدُ لبعضِ جُلَسائِهِ: مَن هذا? فقالَ: هذا دِمنَةُ بنُ سَليطٍ. قالَ: قد كنتُ أعرِفُ أباهُ. ثم سألَهُ: أين تكونُ? قالَ: لم أزَلْ ببابِ الملِكِ مُرابِطًا داعيًا له بالنَّصرِ ودَوامِ البقاءِ، رَجاءَ أن يَحضُرَ أمرٌ فأُعينَ الملِكَ فيه بنفسي ورأيي. فإنَّ أبوابَ الملوكِ تكثُرُ فيها الأمورُ التي ربما يُحتاجُ فيها إلي الذي لا يُؤْبَهُ له. وليسَ أحدٌ يَصغُرُ أمرُهُ إلاّ وقد يكونُ بعضُ الغَناءِ والمَنافِعِ علي قَدَرِهِ، حتي العُودُ المُلقي في الأرضِ ربما نَفَعَ فيأخُذُهُ الرَّجلُ فَيَحُكُّ به أذُنَهُ فيكونُ عُدَّتَهُ عند الحاجَةِ إليه

فلمَّا سَمِعَ الأسَدُ قَولَ دِمنَةَ أعجَبَهُ وطَمِعَ أن يكونَ عندَهُ نصيحةٌ ورأيٌ. فأقبَلَ علي مَن حَضَرَ فقالَ: إنَّ الرجلَ ذا النُّبلِ والمُروءَةِ يكونُ خامِلَ الذِّكرِ مُنخَفِضَ المنزلَةِ فتأبي منزلَتُهُ إلاَّ أن تَشُبَّ وترتَفِعَ كالشُّعلَةِ مِنَ النَّارِ يَضرِبُها.

ثم إنَّ دِمنَةَ استأنَسَ بالأسَدِ وخَلا به فقالَ له يومًا: رأيتُ الملِكَ قد أقامَ في مكانٍ واحدٍ لا يَبرَحُ منه خِلافًا لمألوفِهِ وهو، أعظَمَهُ اللهُ، منيعُ الجانِبِ نافِذُ الأمرِ آمِنُ السَّاحَةِ. فرأيتُ أن أتَطاوَلَ عليه بالاستفهامِ علي وجهِ النَّصيحَةِ، فإنَّ الأمورَ الخَفِيَّةَ لا يُظهِرُها إلاَّ البحثُ عنها، فإذا أُظهِرَتْ أُجِيلَتِ الفِكرَةُ فيها.

فبينما هما في هذا الحديثِ إذ خَارَ شَتْرَبَةُ خُوارًا شديدًا فَهَيَّجَ الأسَدَ وكَرِهَ أن يُخبِرَ دِمنَةَ بما نالَهُ. وعَلِمَ دِمنَةُ أنَّ ذلك الصَّوتَ قد أدخَلَ علي الأسَدِ رِيبَةً وهَيبَةً، فسألَهُ: هل رابَ الملِكَ سمَاعُ هذا الصَّوتِ? قالَ: لم يَرِبني شيءٌ سوي ذلك وهو الذي حَبَسَني هذه المُدَّةَ في مكاني. وقد صَحَّ عندي من طريقِ القِياسِ أنَّ جُثَّةَ صاحِبِ هذا الصَّوتِ المُنكَرِ الذي لم أسمَعهُ قَطُّ عظيمَةٌ لأنَّ صوتَهُ تابعٌ لبدنِهِ. فإن يكن كذلك فليسَ لنا معه قرارٌ ولا مُقامٌ. قالَ دِمنَةُ: ليسَ الملِكَ بحقيقٍ أن يَدَعَ مكانَهُ لأجلِ صوتٍ. فقد قالتِ العلماءُ: ليسَ من كلِّ الأصواتِ تَجِبُ الهَيبَةُ. قالَ الأسَدُ: وما مَثَلُ ذلك




الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أسئلة خفيفة ولزيزة وحلوة قلب ياسر القسم العام 3 17 May 2009 02:58 AM
ضابط يرثي نفسه ويموت بعدها بيومين الولهان قصائد مختارة 9 15 Aug 2005 07:47 AM
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

01:07 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com