..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


آخر 10 مشاركات نشاط روضة الذاكرين    <->    قلب نابض رُفعت الجلسة !    <->    قلب نابض عبر عن نفسك بأنشودة أو شيلة    <->    سهم مكتبة الشدادين للصوتيات والمرئيات    <->    قلب ثرثرة على شغاف الواو    <->    T9mem مجموعة ألوان للأعضاء (وقله من البال ما أغيب ولا مرة) 2024    <->    اسباب بحة الصوت    <->    Momyz ما الفرق بين الهيروين والكوكايين والأفيون وما مخاطرهم الصحية؟    <->    الكبد مع الخضروات    <->    المرأة الفقيره والرجل المريض    <->   
مختارات   عَادَ الأمرُ إلى نِصابِه ‏   
مواضيع ننصح بقراءتها مجموعة الوان للاعضاء وقله من البال ماغيب ولامره2024
العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 26 Mar 2007, 05:43 AM
عضوة متميزة

بسمة غير متصل

مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
( تداعي الفصول )-( الحلقة الأولى )-رواية للكاتبة : مريم آل سعد





الحلقة الاولي


الفصل الأول

( الألم )

كانت البحيرة المترامية حول ديزني لاند فيللج بباريس ممتدة امامها , حيث كانت تقضي اياما من عطلة الصيف مع شقيقتها وابناءها والخضرة البهيجة تحيط بها ، والزوارق الصغيرة المبهرجة الألوان الممزوجة بصرخات الأطفال وذويهم تعزف موسيقى ساعة العصرية الحلوة التي يلفها الغيم والبرودة الخفيفة التي تخدر الأعصاب وتملء المخيلة بالشجون .. لكنها لم تر ذلك كله ، ولم تنجح الصورة الخيالية لإبداع الخالق في رسم الطبيعة الخلابة المبهرة كأنها فرت من قيود لوحة عملاقة لتملأ الأفق بالصوت والصورة .. لم تفلح هذه الصورة المضيئة المبهرة في نقل روح المرح والدهشة والفرح اليها،لم تر الجمال ولم تخطف انتباهها الروعة ، ولم يسلب مشاعرها هذاالمكان العجيب المبهر المتجلي بالتصوير والجمال .. كانت مستلبة بمشاعر الفجيعة والآم الفقد ، فاقدة الإحساس بالمتعة والبهجة .. كانت الإحباطات داخلها تشدها الى قاع هوة عميقة ودوامة جبارة من الضياع والتية.هناك صرخات تضج داخلها ، وتقلصات مفجوعة بالخوف وعدم الفهم وغياب التفسير للإسئلة الحائرة التي تضج بها اعماقها وتأخذها بعيدا بعيدا ، وتملأ حياتها بالحزن والكآبة ، وتحول طعم الأشياء الى احساس بالمرارة سواء اكانت طعاما او شرابا او مجرد صمت تلفه اللوعة.
لم تكن وحدها كانت هناك شقيقتها وضحة وابناءها الأربعة الذين تتعالى اصواتهم الفرحة المجلجلة بالإنطلاق والمرح والشقاوة كفراشات تتراقص حولهم وتعزف موسيقى سماوية من البراءة والطهارة والشفافية .. فمهما تشعبت شقاوة الأطفال فستظل تحمل بصمات العفوية والنقاء.كانت وضحة هي الأخرى لا تلحظ هموم سارة ولا اندحارها الداخلي كانت لها انكساراتها الخاصة ، وقد خلفت بالوطن ابنها البكر المسجى في المستشفى منذ عامين لا يدرون هل سيعود من رحلة الغيبوبة ام قد فقدوه الى الأبد،كانتا جالستين على المقعد الطويل قبالة البحيرة المتوهجة بنور الهي تعكسة اشعة الشمس المتكسرة على امواجه ومراكبه الشراعية الصغيرة التي يحركها الأطفال بالريموت كنترول أو الأكبر منها التي يعتليها السواح للطواف برحلة تعريفية بأنحاء هذه القرية السياحية التي خلقت للمرح والبهجة،ولكن أنى يكون هناك فرح لقلوب استوطنتها الهموم وكفنتها المأسي وخنقتها الآلام،ما زالت سارة تغرق في افكارها وقد غيبتها تماما ذكرياتها ومواجعها والأشباح التي تسكنها وتجردها من حقها الطبيعي بالإحساس بالبهجة والمرح حولها .
عندما وضعت في عقلها ان هذه الكراسي التي يقتعدونها والمبرمجة بحيث تنثني بقوة الى الأمام ثم الخلف او الى اليمين واليسار بدرجات متلاعب بها ، وبزوايا قصيرة او حادة بالإضافة الى ضبط الشاشة العملاقة في قاعة النيازك الفضائية بديزني لاند باريس بأنها مجرد لعبة بحيث يتوهم الإنسان بوجوده بمركبة فضائية هائمة في الكون السماوي الفسيح مهددا بالإصدام بالكواكب السيارة بسرعة جبارة لا يستوعبها العقل ثم التحول عنها بأسلوب يكاد يوشك على الوقوع من عل بين الجبال الشاهقة،هذا الرعب اللذيذ الذي يشد الأعصاب ويدفع الناس للتعلق بكراسيهم المربوطة بإحكام بأربطة الأمان ، وهذه الصرخات الجماعية عندما تنطلق المركبات الفضائية بسرعة صاروخية تكاد تتصدم بالنيازك او تهوي بين حمم البراكين او وعورة الغابات وتشابك ادغالها ، هذه المتعه المشوبة بالخوف الذي يصل لحد الترويع .. فقدتها تماما عندما وضعت في عقلها انهم مجرد مسمرين بالأرض ولا يعدو الموقف سوى الحركة المبرمجة للكراسي التي يجلسون عليها مع الشاشات والموسيقى المنضبطة بها ، عندها فقدت اللعبة متعتها ولم تعد تشعر بالخوف اللذيذ المشوق المشوب بالمرح.اصبح الموقف مجرد كراسي تتحرك بقوة وبإنحناءات مزعجة في اتجاهات متضادة ، وإناس مسمرين امام شاشة عملاقة تظهر فيها السماء والنيازك والكواكب والجبال والوديان والبراكين ..الخ ..مجرد سينما وفيلم متحرك ولا شيء اكثر ..!!هكذا الحياة بفواصلها الموجعة ..!! لو اخذناها بالتفصيل العقلي فهي مجرد احداث تافهة مكتوبة على جبيننا علينا ان نعيشها ، ومراحل علينا المرور بها ، ومشاعر علينا مواجهتها ، ودموع لا بد من سفكها ومواجع لا بد من تحملها،إنه القدر ..!! وما هو مكتوب على الجبين لا بد ان تراه العين ..!!
ولن يصيبكم إلا ما كتب اللة لكم .. ولو اجتمعت الجن والإنس على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بما كتبه اللة عليك،تسعى يا بني آدم سعي الوحوش غير رزقك ما تحوش ..!
الأمور مقسمة في ميزان مسطور لا يمكن للإنسان معاندتها او تغييرها..!!لو استطاع الإنسان برمجة افكاره بالقوة ذاتها التي تمت مع لعبة الكراسي المتحركة فإنه سينظر الى احداث الحياة ببرود ودون خشية والم وقهر ..!! ولسوف يقضي على الخوف من مواجهتها لو نجح في التحكم بانفعالاته تجاه مفاجآتها،ولكن من ناحية اخرى .. لو استطاع ان يعزل مشاعر الألم بالخسارة والظلم والندم والغضب .. لو استطاع .. لفقدت الحياة قيمتها ورونقها وتشويقها ، لأصبحت لا شيئ بدون متعة الإحساس والشعور بشيء ما ولو كان الحنق والقهر والغيظ ..!!لعاش مرتاحا منبسطا ولكن بدون انفعالات ، لا حزن وأيضا لا فرح ، لا ترقب ولا دهشة ، لا خوف وايضا لا سعادة ..!!
مجرد بلادة وموت بالمشاعر ، كأن لحظة التفاعل والنشوة والتوهج لا بد من دفع ثمنها الفادح بأيام من المعاناة المسفوحة بالمشاعر المركبة المتضادة ،من يتحكم بالحياة ..؟؟ قد يحظى الفقير المعدم في الأرياف بصحة يفتقدها ابن القصور والضياع.ومن تملك الشعر الغزير الكثيف قد تكون معدمة لا تجد ما يسد رمقها بينما يضحك العطارون على الغواني بالمساحيق والأعشاب التي لا تملك اضافة شعرة واحدة اليهن ..!!انها هبة اللة ..لذلك فمن المفروض الا يكون هناك جزعا عند الخسارة او الفقد ، لا هلعا عند فقد الأعزة والأحباب ، لا انهيار عند المصيبة والمأساة ..!!
إنها تعلم بأنها ليست كما كانت .. فإن هذه الأحداث قد مزقت توافقها النسبي ، ودمرت استقرارها الروحي ، واوقعتها في الدوامة المتخبطة المجنونة .. سلبتها وعيها بالأحداث وترابطها .
لم تعد من سكان هذا الكوكب وصخبه وفورانه .. اصبحت كثيرة النسيان ، تنفصل عن واقعها وتقع تحت تأثير السفر في عوالم اخرى تأخذها بعيدا وتغيبها عن حاضرها ..إن المشاكل تختلف او تزداد وتيرتها بقدرة اصحابها على التحمل ، فمن يصمد تحت وطأة مرحلة ما سرعان ما يجابه بتيار اقوى .. مثلما يحدث خلاف بين الجانبين ويضغط الجانب الأول فإذا لان الجانب الثاني معناه إن هذه حدود مقاومته فينتهي الإشكال بالإستسلام ، وإذا عاند قليلا تستمر الضغوط حتى يستسلم ، إما إذا استمر بالرفض والمجابهة فيزداد الهجووم بدرجات ودرجات بمستوى العناد والصمود وردود الأفعال المقدمة وذلك يختلف من شخص لآخر ..!! ولابد إن قوتها الداخلية اوصلتها الى مرحلة متقدمة من الصراع ..!! فكلما استحملت وعاندت وكابرت كلما ازداد الضغط وتناثرت المواجع وتفننت النفوس المتواطئة في الركل وشد اللجام ..!
الخوف ..
كائن غامض يغشى الأرواح بتهويمات مفزعة ، يصدقها المرء وتسكنه بشراسة ، وتنتشر اشباحها المجسدة حوله ، تفيض سيطرتها عليه بحيث لا مهرب منها كالعنكبوت وشبكتها وخيوطها المتعفنة ، كالحمى وحرارتها وهذيانها وتخريفها،هكذا الخوف ..انه عدو غامض .. يباغتك في لحظة ممتطيا جواد الوهم،هل يسكن الأرواح المفجوعة فقط هل هومرض يصيب النفوس المنكسرة الوحيدة التي فقدت الكثير من امنها ، وفقدت ثقتها في نفسها وقدراتها ..التي يخدعها انطوائها وتقع في براثن الأشباح والشياطين ..!!هل لهذا السبب احاط الإنسان القبلي نفسه بالعصبة والعزوة ، لتشعره بالقوة عندما ينهار ولتعصب جراحه عندما تنهال عليه السهام الغادرة بفعل الزمن والمقادير ..!!هكذا الوحدة تلقي الروح في بئر عميقة من الظنون والتهيؤات والأوجاع ..!!
فجأة يتحول تصرف بسيط من الآخرين الى قضية ، وتنقلب كلمة يحتمها الصراع اليومي في الحياة الى ازمة لو احدا اضاء امامها شاشة قبل عشرين عاما لترى منظرا مستقبليا ، وهي وحيدة في امريكا مقعدة على كرسيها المتحرك تقاوم الثلج والرياح الباردة في الممرات اللزقة بين السكن الجامعي وقاعة المحاضرات لأنتابها الخوف والإحباط والتجمد ..ولما استطاعت ان تواجه ذلك ولشكت في قدرتها على الإحتمال.ولظلت تخشى هذه اللحظات قبل حدوثها بعشرين سنة ، ولظلت تترقب كل لحظة اصابتها وجلوسها على الكرسي وتتكهن بسبب الإصابة .. هل هو بسبب حادث ..؟؟ مرض ..؟؟ وما حجم الإصابة ..؟؟ شلل كامل ..؟؟ كسور و رضوض ..؟؟ وبكل ثانية ..وستظل تراقب نفسها بكل حركة وكل ركوب للسيارة أو الطيارة او اي نشاط تقوم به وتحت مظلة اي مكان ستتوقع حدوث ما سبب لها ذلك ..!! ثم كيف ستتخيل إنها ستعيش في ظل ظروف كهذه كطالبة من جديد وأين في امريكا ..!! إنها حكمة جهلنا بالأشياء لنمضي حياتنا بطمأنينة حتى حدوثها ..حتى لا نعيش الم انتظارها وهو يبلغ اضعاف معايشتها لإننا نواجه عدو مجهول ..ويعجز عقلنا عن فهم الظروف المحيطة بنا والتي ستجعل تقبلنا للنكبة بصورة مختلفة تماما مما نتوقع ونستوعب ولا حول ولا قوة إلا بالله ،أما الآن فبكل بساطة .. تدرك إنها اختارت بإرادتها بعد وقوع الحادث اختيار هذا المصير وكافحت لتحقيقه ..!! ولم يهزها كونها حبيسة الكرسي في بلاد غريبة تكاد الرياح الباردة تطوح بها والأرض المنزلقة تقودها الى التصادم والعجز.لقد اصبحت هذه الأمور في سياقها الطبيعي وتحت ظروفها المعاشة محتملة ومستوعبة وجزءا من التعامل اليومي.فهي تؤدي دورها الذي اختارته بنفسها وتحاول فرضه وانجاحه.انه مكانها الطبيعي الذي تنطلق منه والذي لو حرمت منه فستفقد جزءا كبيرا من طموحها ومسارها ..كيف تختلف الأولويات وتتحول المخاوف الى ابجديات ..؟؟ كيف تكون الأمور في زمانها الصحيح محتملة ، وكيف تكون مخيفة ولا يمكن استيعابها او تخيل القدرة على حدوثها او نتائج هذا الحدوث قبل ان تكتمل وتنضج..!!كانت اختها وضحة تجلس بجوارها ترعى اطفالها المتراكضين بحبور حولها بقلب ساهم هي الأخرى.يالله .. لكل له مواجعه والآمه الخاصة ولكن ما اقسى ان ينقل المرء نزيفه الداخلي معه في اسفاره ويرقبه وهو يسري كالسم في عقله وخياله واحلامه ونومه واستيقاظه ويتحول كالعلقم في حلقه ويحول طعامه وشرابه الى قطران يغلي تعافه النفس،تحاول ان تتذكر شيئا جميلا حيث ينصح علماء النفس بحفظ الذات من الإنهيار والسودواية بأنه يجدر التفكير بمشاعر تجلب الدفء والطمأنينة والمحبة الوى النفس لتهدئ من اوجاعها وسخطها وروعها وضياعها،ولكن حتى هذا التفكير لن يكون بلسما كافيا .. لإنه يتضمن التناقض داخله.فبينما من المفروض أن يحمل الإحساس بالإنسان الوحيد الذي تعتقد انها قد تحبه إلا إنه في نفس الوقت يعتبر الجهة التي ادخلتها في دوامة التعاسة والقلق وقلبت حياتها الى كتلة من الإضطراب،لا تستطيع ان تفصل بين الإحساسين وإن كانا لشخص واحد ..!! ولكنها مضطرة لتخفف من ثقل المشاعر وبؤسها وخصوصا عندما تتوقف دون حل ..!! دون اجابة ..!! فلا تملك ان تمنحه عذر إنه لا يدرك الحقيقة وإنه واقع تحت تأثير بطانته ..؟؟ وإن ما ينقل اليه يكون معجونا بالحسد والحقد والإكاذيب .. وبين حقيقة .. إنه كان واعيا بقراراته واتخذها بتصميم وقوة لحماية مصالحه وإنه مخلوق من نسيج مختلف عما تود ان تسبغه عليه من مبادئ ومثل وإنها لا تود الإعتراف بهذه الحقيقة وتتجاهلها وتتعامى عنها، انها تعلم انها متواطئة مع عواطفها ولو لفترة لفترة محدودة لتهدئتها لإنها تدرك بأن هذا التعلق بلا امل ولا يمكن ان يعاش ..!! انها تتعلق بالخيال والأحلام لتهدئ من وطأة الواقع وتسكب عليه قليلا من الطلاوة لتخفف من جهامته وقتامته ، وتقلل من عبء جفافه والمه،إنها تخلط ما بين تعلقها الميئوس ( بسلطان ) وبين يقينها بإستحالة العلاقة بينهما ، لإنهما من عالمين منفصلين متضادين يقوم كل حزب منهما بمحاربة الآخر ..!! يااللة متى ستعترف بذلك بشكل صريح وعلني يتناسب مع عواطفها المشبوبة نحوة ..؟؟ متى سيتم التوافق بين رغبتها وبين واقعها ..؟؟ متى ستتخلص من ازدواجية التفكير التي تحميها من اليأس والقنوط والنهاية ..؟؟ انها اشبه بشخص يسقط من علو شاهق ، انها تحاول وهي تسقط ان تخفف من وطأة السقوط بالأحلام والمنى والتوقعات لتظل تحلق وتحلق وربما تتغير الظروف والمقادير والأحاسيس اثناء السقوط ، وتنبت وسادة ضخمة تحميها من الإنسحاق والدمار والتفتت.
هما من عالمين متضادين ومع ذلك تحبه ..!! يا هذا الحب الشيطاني الخبيث الذي يتمثل للناسك بصورة شابة جميلة مغرية ليلهيه عن صلاته وعبادته اللذين أفنى عمره في محرابهما.إنها تعلم بأن سلطان سيظل الشخص الذي ستظل متعلقة به ولو من بعيد ..!! لإن الإقتراب منه سيكشفه بل سيحرقه ، إنها تعلم بالتأكيد انه لن يفوز عليها ولن يسحرها إذا اقتربت منه اكثر ، لإنها ستكتشف اكثر مما تعرفه عنه الآن ، إنها تعلم بأنها ستبطل الإسطورة وتهشم الصورة السحرية التي تشعر بها تومض حوله ، لذلك لا تخاف على نفسها من الإنبهار به ان اقتربت منه بل من الصدمة من قسوة حقيقته.ولكنها تحتاج الى الإحتفاظ بالوهج الرائع الذي يشيعه حولها ، وتشتاق الى الذوبان في اريج هذا الشعور حيث أن سلطان هو الإنسان الوحيد القادر على منحها إياه ..!! ولكن الأغرب من كل ذلك إنها لم تقابل سلطان ولم تره سوى لمحة عابرة وسط اكوام من البشر ، فكيف تدعي هذه الأحاسيس المشحونة بالتدفق والوجد ..؟؟ وكيف يخامرها هذا الشعور بما يحمل من نبض الشوق والألق ..؟؟ وكيف عاش داخلها شهورا بل سنوات وملأ حياتها وسرى بين عروقها وانفاسها وخفق بين اضلعها وملئها بالدفء والسعادة والتجدد ..؟؟
انه الشعور الذي تريد التمسك به وخزنه داخلها لإنه ليس هناك غيره من يستطيع منحها إياه او يشعرها بسريانه ورجفته ..!! هذا الإحساس الذي يتوغل فيها ويملأها بالمشاعر المتوثبة المتناقضة هو ما تحافظ عليه وتتشبث به ولكن كيف تفصله عن سلطان وهو سلطان نفسه ..؟؟
لا تدري متى احبته ولكنه كان شعورا كالمخدر اللذيذ الذي يتسلل الى الأعصاب بهدوء وبساطة وكقدر محتوم عليها مسايرته ،لم تحس يوما بأنه انسان دخيل او غريب بل كان صنو روحها ونبراسها الذي تتوجه اليه ،لقد لمعت وابدعت في عملها لإنها تنفذ افكاره ورؤاه كما استشفتها بأحاسيسها ، وكما ترجمتها بتوقعاتها لمعتقداته.كانت تفسر سياسته بأسلوب عملي وتطبق فلسفته الإدارية بفهم روحي ، كانت تعمل لإنها تتوجه اليه بجهدها تتزود منه الثقة والقوة والدعم.
كانت هناك ذبذبات خفية تسبح في افقها تستقبلها حواسها ، وتشبع عالمها وتمنحها القوة لكي تعمل وتبدع وتتفوق.بدأت قصتها منذ أكثر من عشرين عاما عندما تحدد طموحها منذ إن كانت طالبة في المرحلة الثانوية .

الفصل الثاني
(الحلم)

في العام 1982 كانت تستعد لدخول امتحانات الثانوية العلمية ولديها هدف واحد لا ترى غيره ... العمل في مؤسسة صناعية كمهندسة مختبر،ومع انه لا مجال للفتيات للعمل في هذا الحقل الصناعي سواء أكان في استيعاب المجتمع وتقبله او في المقررات الجامعية حيث إن جامعة قطر تركز على تخريج المدرسات فقط من الفتيات ، وكان من المستحيل ابتعاثها في هذا التخصص للدراسة بالخارج من قبل البعثات التي لا تعترف به كتخصص للمرأة كعلم أو كوظبفة حيث لا توجد وظائف في البلاد في هذا المجال اساسا للنساء ..!! وحتى لو شجعتها الدولة فإن اهلها في تلك الفترة لا يستوعبون دراسة البنت بالخارج ومعناه بل يعتقدون إن عملها بحد ذاته شيئا جديدا عليهم بعد أن ظل مكان المرأة البيت لقرون طويلة توارثوا إرثها من تقاليدهم ومعتقداتهم.بل إنها لو كانت اصغر بسنتين واخوها اكبر بسنتين .. أي لو تبادلت الأدوار معه لأستطاعت الإلتحاق بجامعة القاهرة كمرافقة له .. حيث سافر شقيقها الأصغر للدراسة بالخارج في العام 1984 ولكن على الرغم من كل تلك الإحباطات إلا إنها ليست من النوع الذي يرضى بالظروف لكي تحدد مساره او يذعن لها دون محاربة على الأقل ..!!لم تشكل لها هذه الظروف عائقا او تفكيرا بل كانت تسير بتصميم واثق في طريقها غير عابئة بكل المعطيات الموجودة حولها.الم يقل لها مدرسها في معهد اللغة بأمريكا بعدها بسنوات عديدة بعد تخرجها من جامعة قطر وتوظفها ومرورها بتلك النكسة وذهابها أو هروبها لدفن أو مواساة نفسها في امريكا: إنك واضحة وتعرفين ما تريدين ، ولا تفعلين إلا الشي المقتنعة به ، ولا يمكن ان يجبرك احد على فعل شيء أنت غير راضية عنه ، ولا ان يبدر منك سلوك او تعبير لا ترغبين فيه ..!! اذهلها قوله بشكل كبير لإنه لم يمضي على كونه احد اساتذتها إلا وقت قصير ، ولم يكن هو بالشخصية المتأملة المفكرة على حد تقييمها له ، ولكن هل هو تفكيرها الواضح واسلوبها المحدد في التعبير حيث كان مدرسها في مادة الإنشاء ، ام هو الإنطباع العام عنها من خلال المدرسين الآخرين حيث انهم يقيمون الطلبة الأجانب ويدرسونهم من خلال اجتماعتهم وجلساتهم .. ولكنها بالفعل كانت خاصية بها تجعل حياتها كقطار يعرف مسار رحلته الطويلة ويعبها بثقة واقتدار،لقد دخلت جامعة قطر مع علمها بأن المقررات مهيأة لتخريج المدرسات لا المهندسات ..!! ولكن لم يكن هذا يشكل عائقا لهدفها المرسوم ولم يثنها عن التفوق والحلم بتحقيق ما تصبو اليه ولن ترضى بغيره. ولم تكن طالبة عادية ولم تكن افكارها وحماسها والجو الذي تشيعه حولها خافيا.كان وجودها يجعل للأشياء معناها وللظواهر دلائلها واسماءها.،اليست هذه المرحلة هي اجمل وانقى سنوات العمر ..؟؟ ملت منها ادارة الجامعة وهي تطرح موضوع افتتاح كلية لتدريس التخصصات الهندسية للفتيات ، ورفض مسؤولوها دعواها وعرائضها التي نجحت في استقطاب مجموعة من الطالبات لتبنيها والتحمس للأفكار المعروضة فيها للأستفادة من الموارد الطبيعية وإعادة خلقها في البلاد وذلك بالعمل على خلق القاعدة التنموية لها ، ولن يتأتى ذلك إلا بالإستفادة من جميع الكوادر الوطنية المتعلمة ومعظمها من الفتيات ..!! وتوضيح مدى تأثير النظرة الضيقة الآنية على تحجيم الإقتصاد الوطني بتعطيل استخدام وتأهيل نصف المجتمع او بصورة استقرائية اوضح تزايد معظم اعداد الطلبة الجامعيين اللاتي تمثلهن الإناث من حجم العدد الطلابي ، وإن انسيابهن في قطاع التربية والتعليم وحده سيشكل فائضا رهيبا لا نلمسه اليوم في بداية الثمانينات ولكنه سيطرح مشكلة مستقبلية في العشرين سنة القادمة وما بعدها ،ولكن يبدو إن الناس في تلك الفترة يعيشون اليوم بيومه ولا يفكرون بالمستقبل ولا يتخيلونه ولا يستطيعون التنبؤ بالقادم.فلم يخططوا للسنوات المقبلة وتركوا الأحداث تصنع نفسها ..!!ولم تكن الجامعة ولو إنها معقل التفكير العلمي والإعداد للمستقبل بمعزل عن بقية المؤسسات الأخرى في الدولة ، وكانت الروح العامة المسيطرة على البلاد كلها تؤمن بترك الأمور بيد القدر والتصرف حسب ما تفرضه الظروف وليس المساهمة بصنعها،لذلك كرهها البعض منهم لإنها تذكرهم بعدم استعداد الجامعة لدخول هذا المعترك بتاتا ولعدم قدرتهم على تحقيق هذه الخطوة سواء على المستوى العلمي أو على المستوى الإجتماعي لذلك اعتبروا الموضوع منتهيا بالنسبة لهم ، ولا مجال لطرحه بالدرجة الأولى حتى تتم مناقشته بالدرجة الثانية.اما البعض الآخر فقد اعتبرها حركة طفولية ساذجة من طالبات متحمسات تنقصهن الخبرة والدراية بالحياة ، وهي مجرد تنفيس انفعالي يحتمه حماسهن واندفاعهن في هذه المرحلة المتدفقة من عمرهن ، بينما استغله آخرون كنوع من الدعابة والتنغيص على ادارة الجامعة والتذكير بمحدوديتها وقصورها وعدم اكتمال قدراتها و استعماله كسلاح لمهاجمتها لأسباب شخصية تتعلق بهم ..!! وكذلك الطالبات انقسمن حولها .. فبينما لم يعر البعض منهن حركتها الإهتمام المطلوب وتجاهلنها بارتياب مترفع الإ إنها استطاعت شحن مجموعة متحمسة منهن ساندنها في نشاطها وحملت تواقيعهن عرائضها .
أما هي فقد كانت ترى المطالب المطروحة من افق مستقبلي واعد يمهد البذرة الخصبة للنهوض بمستقبل البلاد وقدراتها.كان بالنسبة اليها يتعدى كونه مطلبا شخصيا يبلور مستقبلها كله لإنها لا ترى نفسها إلآ بهذه الصورة .. مهندسة تساهم في التنمية الصناعية لبلدها، لذلك ولدى السنة الدراسية الثالثة توجهت الى المؤسسة الصناعية الكبرى في البلاد بمطالبها مع زميلاتها اللاتي تعلقن بفكرتها وآمن بها لتقبل توظيفهن بها قد اصبح بعضهن في السنة الأخيرة من سنواتهن الدراسية المفعمة بالحماس والتثوير، حاملين مطالبهن الداعية الى الموافقة على طلب الحاقهن بالخدمة فيها وإعدادهن وتأهليهن وذللك بعقد دورات داخلية لصهر معلوماتهن الدراسية بالواقع العملي لهذه المؤسسة.وأيضا التأثير على إدارة الجامعة بطلب العمل على فتح كليات لإعداد المهندسات لا المزيد من المدرسات والنظر الى احتياج البلاد لا الإنقياد الى العادات والتقاليد والسائد والمألوف.
لم يكن حال المؤسسة بأفضل من الجامعة ..!! فقد كانت الأسوأ من حيث تخلف الموظفين وسلبيتهم المقيتة واضمحلال حسهم التطويري ..!! كأنها كانت تدخل محيط حظيرة مليئة بشتى انواع المخلوقات دون تمحيص ..!! يختلط الحابل بالنابل ..!! الجيد بأسوأ خلق اللة سواء من حيث الكفاءة او المقومات الخلقية ..!! افواج من البشر قد اختلطوا بالمكان دون وجود خطة عمل او هيكلية وظيفية او اهداف انتاجية ..!! بل لم يحاول الموظفون عرض مطالبهن واقتراحاتهن المكتوبة كأضعف الأيمان على مجلس الإدارة ولو على سبيل العلم والتندر ..!!كان ذلك صعبا عليها ، الإزدراء والتهميش وعدم تقدير مساعيهن بما تحمله من نبض مشاعرهن وتلخيص لطموحاتهن.وبعد أن ايقنت إن مطالبهن كان مصيرها سلة المهملات بدون اعتذار أو تمويه أو مجاملة
حشدت الطالبات محرضة اياهن للدفاع عن قضيتهن ، واعتبرت بأن رضاءهن بالواقع ليس خيارا بقدر ما هو هزيمة ، ومن يبدأ حياته بتقبل الهزائم فإنه لن ينجح ابدا في صنع خياره والدفاع عن معتقداته،وكان الوقت مناسبا عندما اخبرتها إحدى الطالبات عن طريق زوجها الموظف هناك بأن اجتماعا استثنائيا سيعقد لمجلس الإدارة لمناقشة بعض الأمور الطارئة كانت الطالبات يريدون مقابلة الشخصيات الكبيرة في المؤسسة واخبرتهم احدى الطالبات عن طريق احد معارفها بوجود اجتماع اليوم وهكذا قرروا القدوم وليس لديهم فكرة عن شكل هذا الإجتماع وظروفه والمسئولين المشاركين فيه،وقلما بل إنه كان من النادر ان يحدث اجتماع في هذه المؤسسة الصناعية لإنها كانت تدير امورها بأسلوب المجالس.فقد كان من المعروف ان تناقش الأمور بشكل عشوائي وحسب تواجد الأشخاص اليومي في مكتب الوزير كضيوف وليسوا كمسئولين عليهم رفع التقرير المكتوبة لا الملاحظات الشفهية لذلك كان يوما مشهودا عندما اقتحمت مع الطالبات اجتماع مجلس الإدارة في هذه المؤسسة الصناعية المحتكرة من قبل الرجال الذين كانوا يعتبرون المرأة المواطنة عورة ويجب ألا تكلم الرجال إلا من وراء حجاب وإن تتغطى بطرحة سوداء تغطيها من رأسها الى رجليها ولم يكن ذلك بناء على تدين أو منطلق عقائدي لإنهم يستقبلون المراجعات الإجنبيات الحسر ويستخدمون الوافدات المكشوفات الوجه والشعر كسكرتيرات .. بل إنها النعرة الإجتماعية .. كيف تجرؤ ابنة عائلة من قبيلة معروفة بالظهور علنا والعمل مع الرجال .؟؟ حتى ولو غطت رأسها وربما وجهها.إن وجودها نفسه شبهة ومنكر ..؟؟؟ وأين تتواجد .. في مؤسسة محتكرة على الرجال ..؟؟ لا بد إن هناك خلل ما وتدخل سافر وانتهاك واضح وربما قلة تفكير وهرج ..!!لذلك عندما وصلت الطالبات الى مكان الإجتماع وطلبن الدخول لتوضيح مطلبهن بشكل ودي وتعريفي لكسب الأرراء المؤيدة لهن والإجابة عن اية تساؤلات قد تطرح او تحتاج الى توضيح وإجابة تفاجئن بأن دهشة الموظفين وتعجبهم قد تحولت الى عدوانية سافرة تبناها بعض المدراء الذين خرجوا من الإجتماع وطلبوا من الفتيات الخروج ومغادرة المؤسسة بفضاضة .
ومع إن الشرر كان يتطاير من بعض العيون والإستياء من قبل الآخرين .. عندما علموا بأنهن طالبات يتجرأن على التقاليد ويطلبن مزاحمتهم للعمل في المؤسسة إلا إن سارة داست على نفسها وطلبت القاء كلمتهن ومناقشة مطالبهن على الأقل ليفرغوا ما بداخلهن ويدافعن عن كيانهن ووجودهن ومن الظلم تجاهلهن وازدراءهن.كان منظر بعض المسئولين مخيفا عندما اعترضوا طريقهن وقاموا بطردهن بعدوانية سافرة واسلوب همجي يفتقد للحضارة والرقي ..!!.وحده سلطان .. سعادة الوزير شخصيا الذي كان يرأس اجتماع مجلس الإدارة الذي اجتمع بالصدفة يومها اشار اليهم بالصمت لتوضيح ما يجري،كان باب غرفة الإجتماعات مفتوحا عندما اختلط صراخ احد المدراء بأصوات الطالبات المفجوعات والمستهجنات للمعاملة الخالية من الذوق التي استقبلن بها دون ان يمنحهن احدا فرصة للتعبير عما جاؤوا من اجله.وقد كانت الكلمة الفصل للوزير الذي لم يشأ ان يمر هذا الموقف الشجاع لهؤلاء الطالبات بخيبة امل فظيعة لهن وطلب من الموجودين دعوتهم للدخول لغرفة الإجتماع لمعرفة ما يريدون ،لم يعجب الحاضرين مزاج سلطان الرائق الذي يجد فرصة لسمع لغو طالبات ضمن لجة اجتماع يقلق البعض من سبب عقده المفاجئ وما يحمل من تداعيات قد تضر بموقف ومصالحهم،كرر سلطان رفع يده وقال بإبتسامة مرحبة عريضة ..دعوهن يتكلمن ..!!بعد ان احتدمت عصبية موظفيه بأصوات الفتيات الغاضبة .
وكان لكلماته وميض السحر على القطيع الغاضب الذي استحال للسكينة والوداعة.يا سبحان اللة بكلماته البسيطة تم ترويض الجمع المتجهم وعادوا الى مقاعدهم بينما بدأت الفتيات بالدخول على استحياء وتردد حيث توجهت الأنظار اليهن وقد ساد الهدوء النوعي القاعة ،بالطبع لم يدعوهن احد للجلوس لعدم وجود كراسي اضافية من جهة ولإن المجتمعين لا يعرفون الإتيكيت ولا يتصورون مشاركة النساء لهم من الأساس في اجتماعاتهم ..!!بإرتباك وقد رفضت الفتيات الأخريات توزيع العريضة المطبوعة للمجتمعين خوفا وخجلا وتهيبا من الموقف ، فقد قامت سارة بثبات وشجاعة بهذا الدور ثم عادت لتشرح بصوت ارادته ان يكون هادئا منطقيا مقنعا ثوابت الخطوة التي اضطررن الى اتخاذها وذلك للفت الإنتباه اليهن فمستقبلهن على المحك ، وموضوع الوظيفة لا يعني بالنسبة اليهن لقمة عيش بقدر ما هواثبات وجود وتحقيق اهداف وتوافق مع الذات،لم يفهم الحاضرون المنطق الذي تتكلم به ، ولم تحركهم المبادئ التنموية المستقبلية التي ترتكز عليه قضية التوظيف والإستعانة بالكوادر المؤهلة النسائية ، ولم يغيظهم ويثير همهمتهم إلا قولها في النهاية ،لم لا يفكر المسئولون بالمستقبل ..؟؟ ولم يظنونه يوما بعيد الوصول ، ام انهم يفكرون بكرسي السلطة فقط وما دام لا يضمنونه في العشرين سنة القادمة فإنهم لا يأبهون إلا باليوم فقط ، ويعيشون له ويقتطعون ما يستطيعون من خيراته غير آبهين بالأجيال القادمة ومستقبل الوطن .. وحده مرة اخرى رأى فيها مالم يراه الآخرون ، فهم سعة افقها وبعد نظرها ، ولا مس خطابها معتقدات خفية بباطن روحه ورغم انه وصفها بعد ذلك في تعليقاته امام موظفيه ومدراء اداراته بالطالبة المتمردة على وضعها التي سبقت زمانها إلا إنه احترم مطالبها ووجدها معقولة وتستحق التنفيذ رغم امتعاض الحاضرين واستياءهم،هكذا انفض اجتماعهن بالمسئولين وخرجن دون أن يحصلن على موافقة او دعم او حتى كلمة تشجيع ولكنهن بأحسن الأحوال قد احسسن انهن فرغن غضبهن واستيائهن وعبرن عن حقهن بالمشاركة والتفاعل،بعد الذي شاهدته ولمسته من تعامل الموظفين والمسئولين وجدت بإن العمل مع هذه العقلية المتخلفة كان يمثل ضيقا لها واحباطا ولا يبشر بخير وقد رأت تفكير الموظفين السطحي ونظرتهم الدونية للمرأة وتخلفهم ولكن الذي يرغمها على الصمود والتمسك بموقفها هو طموحها وعدم استيعابها للعيش بصورة أخرى غير كونها مهندسة في هذه المؤسسة ..!! إنه كيانها وحياتها وقدرها ولا تستطيع تغييره ، أما التقاليد والعادات فنحن نصنعها ولا يمكن ان نسمح لها بإعادة تكويننا وتشويه مبادئنا وقناعاتنا.لقد تعلمت ودرست وتملك من المؤهلات التي يملكها الموظف الرجل بل إن بإستطاعتها القول بثقة بعد أن رأت تفكير وتصرف البعض منهم الغوغائي المفتقد للذوق والتهذيب إن مستقبل المؤسسة بخطر إذا كان مصيرها بيد هؤلاء المسئولين ..!! إنها لم تربى على إنها قاصر ومحدودة التفكير ..بل درست نفس المناهج التي يدرسها الفتى وزادت عليها بثقافة عامة وروح منطلقة مفعمة بالثقة بالنفس والمبادئ والقيم فلا تستطيع هذه الكومة من الثياب البيضاء المتصلبة التفكير اثناءها عن تصميمها لمجرد إنها امرأة ..!! نعم إنها امرأة وتفتخر بكونها كذلك ولا يعيرها ويقلل من شأنها ذلك لأنها تنظر الى حجم تفكيرها ورجاحة عقلها وقوة ايمانها ومدى رغبتها بتغيير الأشياء حولها لتكون اكثر عطاءا ومنفعة لمجتمعها وبلدها،ومرت الأيام وحان موعد التخرج ومواجهة الأحلام والتطلعات واكتشاف ما كان منها مستندا على قناعة ومبدأ وما كان معلقا بشطحات الطلبة ومشاغباتهم ومحاولاتهم اثارةالإنتباه لا أكثر.حان الوقت لإكتشاف هل كانت كل الأنشطة الطلابية والمداخلات والعرائض مجرد اثبات وجود وطاقة فائضة أم إنها تستند على الكثير من الجدية وتقرير المصير ..؟؟ إنها موعد الإنسلاخ عن مرحلة التمرد والإ مبالاة وعدم التقيد بالقوانين والأدوار المرسومة.إن التخرج يعني الوظيفة والتحول الى جزء من القطيع والذوبان في اللوائح العتيقة والتحول الى رقم في سجلات الموظفين، وكان بالنسبة الى سارة مواجهة التحدي ايضا وفرض المصير.فلم تتخلى عن حلمها بالعمل في المؤسسة رغم التجاهل والصمت والرفض الذي قوبلت به من قبل وعلى الرغم من الخبرات السابقة التي منتها بالخيبة والتجاهل فقد قدمت اوراقها للمؤسسة دون أن تعير انتباهها للأهمال المتوقع لأوراقها وواجهت من جهة أخرى حربا صعبة في المنزل .!! فهي لم تستشر أحدا في خطوتها ولم تأخذ رأي اهلها في الموضوع ، ولم تردد منذ البداية في اختيار طريقها .. كانت تعرف هدفها وتتوجه اليه بتصميم ، ولا يهمها ما قد يقولون لإنه لن يغير من الواقع شيئا ولا يستطيع ، فهذا ضد طبيعة الأمور ، ويتنافى مع ما تؤمن به وما تعتنقه وما يعبر عنها ، انها تعيش وتتنفس وتتصرف داخل عالمها المحدد الواضح الرحب ولا يعني لها شيئا عالم الآخرين او وجهة نظرهم ..!!ولم يغرها كونها من اوائل الدفعة ومرشحة لتكون معيدة بالكلية فلم تتصورنفسها يوما بأن تكون استاذة جامعية أو مدرسة علوم في احدى المدارس كانت الصورة التي تأسرها في إطارها كمهندسة مختبر في احدى المعامل ، وتفوقها ليس للحصول على للأستاذية في الجامعة بل للتعمق والبروز بالتخصص نفسه ..!! كان والدها من الرجال العصاميين الذين يعيشون كأغلب اهل البلاد على الفطرة ، ولم تكن المظاهر والتزلف والتعقيدات الإجتماعية قد ظهرت بعد.كانوا ينظرون بحب ودهشة لبناتهم وقد تعلمن وبدأن يناقشن ويتعاطين الأمور التي كانت حكرا على الرجال.كان شعور والدها فخرا ممزوجا بإسقاط النظرة الأبوية الحانية العطوف على ابنته الصغيرة التي سيصبح لها كيان اقتصادي منفصل كأخيها والتي سيكون لها شخصيتها الأعتبارية كأول امرأة في عائلته تتخرج من الجامعة وتخرج للعمل ولا تتذكر ما هي ردة فعلة على كلامها لإنها لم تمنحه هذا الحق بل كانت تندفع بالكلام بحماس عند عودتها من الجامعة عن الأحداث التي صادفتها وتعلق عليها وتنتقدها دون أن تنتظر من الآخرين تعقيبا أو ملاحظة.لم تكن بحاجة الى رأي والدها في موضوع كان محسوما اصلا لديها من البداية،اما والدتها فقد كانت اكثر ارتباطا بكلام الناس ولغو النسوة واسقاطاتهن الخبيثة ..!! كانت لا تتقبل وجود ابنة لها تخرج للعمل في مجال مختلط مهما كانت محتشمة وخلوقة.ولا تريد ان تفهم معنى كينونة العمل في المنشأة الصناعية واختلاف ذلك عن العمل بستر وهدوء كمدرسة في احدى مدارس البنات ..!! ولم تكن تفهم كثيرا معنى ان تكون ابنتها معيدة في الجامعة حيث انها من الأوائل ومرشحة لتكون من الهيئة التدريسية القادمة وكان لديها ذلك اهون من العمل في مكان آخر على الأقل ستظل بالجامعة كموظفة بدلا من طالبة،اما اخوتها الثلاثة .. عبدالرحمن الأكبر فهو المتزوج الوحيد من الأبناء ومنشغل بأمور عمله وحياته العائلية ولم يعرهم اهتماما بهذا الموضوع.ومع إنه مقيم مع اول طفلين رزق معهما في بيت والده بإنتظار ان يتسلم بيته الشعبي الذي يستحقه كغيره من المواطنين الموظفين إلا إن روحه المرحة ونظرته للأمور من باب السخرية والإستخفاف جعلته يتناول الأمور من باب التندر والتهوين اكثر من التوتر والعصبية والحنق،أما غانم .. الأخ الأوسط فسرعان ما ترك الجامعة التي لم يكملها وانخرط في الجيش ولم يهتم كثيرا بأفكار اخته او موقف امه التحريضي ضدها على الأقل لديها شهادة جامعية بتقدير امتياز بتخصص علمي مرموق ..!! وكان ذا طبيعة مسالمة تميل الى الهدوء والعقلانية.وبينما حسن اصغر العنقود الذي كان يتمتع بطبيعة عدوانية تميل للعنف وتنقاد بسهوله لما يسمعه من الآخرين فقد كان الوحيد من العائلة الذي التحق ببعثة للدراسة بالخارج بجامعة القاهرة وكان يعتبر غائبا لعدم سهولة الإتصالات في تلك الفترة ولإنهماكة بحياتة الإجتماعية والدراسية الجديدة،اما شقيقتها الوحيدة وضحة التي تزوجت مبكرا وانجبت حتى ذلك الوقت اربعة من اطفالها حيث جاء نواف آخر العنقود بعدها بثلاث سنوات فقد كانت موزعة الجهد بين سارة ووالدتها فمن جهة كانت تؤيد الوالدة من حيث أهمية ان تكون اختها معيدة في الجامعة.حيث يكفل لها الوضع العلمي والإجتماعي والإقتصادي اللائق بدلا من الشحططة والبهدلة بالقطاع الصناعي ويا ريت عند إناس يعرفون قدرها بل من الآن يجاهرون بعدم سلامة وضعها لديهم ولا يتقبلون وجود النساء بينهم.ومن جهة اخرى كانت تحترم قناعات اختها كإنسانة لها حق تقرير المصير ولو كان ضد ما يراه الآخرون.وقد قادت حربا من نوع آخر مع زوجها الذي كان رافضا لفكرة عمل سارة في المؤسسة الصناعية لإنها ضد قناعته بعدم خروج بنات الإسر الى هكذا اماكن.كان ينقل قهره الى وضحة وهو يقول لها ماذا سيقولون الآن في المجالس عن شقيقتك ..؟؟ هل انتم مجانين ..؟؟ كيف يرضى والدك واخوك المغفل عبد الرحمن.. الا يحرك هذا شيئا في داخله ..؟؟ كان عبدالرحمن من اصدقاء احمد منذ صباهم فقد كانوا ابناء حي واحد وبسبب هذه الصداقة استطاع احمد ان يلمح وضحة التي كانت وقتها ما زالت في المدرسة ويعجب بها ويصمم على الزواج منها.وقد عانت وضحة الأمرين في مداراة خاطر زوجها ومحاولة عدم اثارة الموضوع او تطوراته امامه والسكوت عندما يأتي على ذكره والتغاضي عن عبارات التهكم والتشنيع التي كانت تختلط بكلماته الغاضبة لإنها تعلم بأنه يخاف على سمعة سارة ويعاملها كشقيقته الصغيرة ويشعر بأن أي كلام عليها سيمسه ولن يتوانى عن الشجار مع قائله،ولكن سارة لم يهمها كل ذلك .. فالأمر اشبه بزوبعة لمعركة لم تحدث بعد ..!! وقد ظلت المؤسسة على رفضها المتصلب للكفاءات النسائية الوطنية ..؟؟لكن هناك شيئا داخلها لا يراه غيرها يجعلها تشعر بالأطمئنان والأمان.شيئا حتى ولو ارادت التعبير عنه لا تستطيع الإدلاء به لإنها لا تملك الأدلة على حدوثه او صدقه .. إنه احساس داخلي جارف ، وهل يمكن ان يقدم الإحساس كدليل ملموس ..؟؟ انه انجذابها وتفاعلها مع شخصية الطان.واسلوبه الهادئ المسالم وربما الأبوي في تقبل اقتحامهم لإجتماع مجلس الإدارة.الم يساعدها لتقول كلمتها وقد الجمها بالفعل الأستقبال المستهجن والإستياء الذي علا وجوه الحاضرين وربما لولا إنه اسكت الغوغائيين بحركة بسيطة آمرة من يده، لما تسنى لأي من الطالبات شرح سبب حضورهن ولتم اخراجهن من الإجتماع وهن منكسات الرأس ومكسورات الخاطر ولقضى على حماسهن واندفاعهن ومساعيهن ذات التطلعات العالية،وبالإضافة الى إنه ترك لهن المساحة التي يطلبونها للتعبير عن انفسهن وتوصيل صوتهن فإن ردة فعله التي وصلتهن بعد ذلك من تعليقات الموظفين التي تم تناقلها لتصل الى احدى الطالبات التي رددها بفرح للبقية لقد اعتبر محاولتهن بإثبات الوجود موقف يستحق التفكير والإحترام،هل اصبحت تحب منقذها عرفانا بجميله واعجابا بشجاعته.كل الذي تعرفه انه بات بطلها منذ ذلك الوقت وتابعت اخباره في الصحف وتصريحاته في الإذاعة وقد عزمت ان تكون مساعده وجانبه الأمين الذي يرتكن عليه للنهوض بإمكانات المؤسسة،وعندما ادركت بأنه لا فائدة من عرض اوراقها على ادارة الشئون المالية والإدارية في المؤسسة لأنه ليس هناك اسهل من كلمة لا لتحسم المواضيع التي لا يتحمسون لها ، ولإنها تأنف ان تنزل من مستواها لتطلب من احد المسئولين بالإدارة بالأسم مساعدتها بعدما خبرت نفسياتهم المجردة من الإحساس بروح العمل والرغبة الفعلية بتطويره وتنميته.استخارت ربها وقدمت الطلب رأسا الى مكتب سلطان مع رسالة توضح فيها كل ما عانته في الجامعة والبيت لتعمل بالمؤسسة بالذات وإن حكمه سيكون النهاية بتحديد حياتها كلها ، والموضوع بيده بإمكانه ان يفتح طاقة جديدة وجريئة في مؤسسته لا تقبل الجامعيات فقط من النساء ولكن تهتم بعملية التغيير والبناء على اسس حديثة ومتطورة وطموحة أو أن يهمل الرسالة وتظل المؤسسة تتخبط في فوضاها بلا مبرر حكيم تقدمه للأجيال المتطلعة لتقديم الأفضل،وعندما سلمت الرسالة واوراقها الجامعية وشهاداتها المطلوبة للحصول على الوظيفة احست انها تضع مصيرها بين يديه .. بطلها والنبراس الذي اضاء قلبها ، فيا ترى هل يكون مصير طلبها الرفض ، فتفقد الأثنين .. حلمها الذي شيدته على مر الأعوام والأيمان بالإنسان الذي حرك عواطفها وملأ عقلها ..؟؟

( للأحداث بقية )


توقيع : بسمة
اللهم ارحم أبي و أمي وجدتي و أختي واغفر لهم واجعل قبرهم روضة من رياض الجنة لا حفرة من حفر النار
اللهم اجزهم عن الإحسان إحسانا وعن الإساءة عفواً وغفراناً

رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2007, 06:11 AM [ 2 ]

تاريخ التسجيل : Mar 2007
رقم العضوية : 2409
مواضيع : 70
الردود : 816
مجموع المشاركات : 886
معدل التقييم : 25عريب الـجد is on a distinguished road

عريب الـجد غير متصل




الحلقة طويلة وأنا نعسان

وابي النوم لي عودة

ويعطيك العافية بسمة

توقيع : عريب الـجد
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 26 Mar 2007, 07:15 AM [ 3 ]
عضو متميز


تاريخ التسجيل : Jul 2005
رقم العضوية : 291
الإقامة : saudi arabia
الهواية : إِحْتِضاّن الـ غَ ـيمَ ..!!
مواضيع : 669
الردود : 16167
مجموع المشاركات : 16,836
معدل التقييم : 29عـــلاوي is on a distinguished road

عـــلاوي غير متصل




مشكورهـ خيتو بسمة على الروايه الجميلــه ..


أستمعت كثيراَ بقرأتهـا والله يعطيكِ العافيه ..!


توقيع : عـــلاوي
مثواك الجنهه يا ابو حسام
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 29 Mar 2007, 04:53 PM [ 4 ]
مؤسس شبكة الشدادين


تاريخ التسجيل : Jan 2005
رقم العضوية : 1
الإقامة : saudi arabia
الهواية : رياضة + كمبيوتر وبس
مواضيع : 2078
الردود : 91560
مجموع المشاركات : 93,638
معدل التقييم : 4981السلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond repute

السلطان غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
فعالية ضوء عدسة

فعالية طلباتك أوامر

شكر وتقدير

فعالية مجموعات المنتدى

يوميات الأعضاء

التميز في دورة الفوتوشوب

شكر وتقدير

أجمل خط 1434 هـ




مثل هذه الحلقات الطويلة من الروايات بحاجة

إلى طباعتها وقراءتها على مهل وهنا أشكرك

على وضعها بين أيدينا وأتمنى أن تضعي بقية الحلقات

حتى أتمكن من طباعتها وقراءتها في وقت لاحق

شكراً جزيلاً أيتها المشرفة المتميزة.


توقيع : السلطان
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 30 Mar 2007, 05:21 AM [ 5 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
مواضيع : 1901
الردود : 9766
مجموع المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25بسمة is on a distinguished road

بسمة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص




يسلموا على الحضور

دمتم بود

بسمة


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 30 Mar 2007, 05:27 AM [ 6 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
مواضيع : 1901
الردود : 9766
مجموع المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25بسمة is on a distinguished road

بسمة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص


تداعي الفصول


تداعي الفصول -الحلقة الثانية -رواية للكاتبة مريم آل سعد


الحلقة الثانية


الفصل الثالث

(الاقتناع)

ليس سهلا أن تولد في مجتمع يخاف على المرأة ويخشى عليها ولا يثق بها، مجتمع يعتبر المرأة هشة سهلة التصدع والانجراف، مجتمع لا يراها كإنسان مثل الرجل.. مع إنه ليس بأكثر حصانة وتدبير.. بل لو يعلم الرجال برأي النساء بهم ' إنهم لا يحسنون التدبير وتملؤهم اللامبالاة ويغمرهم الكسل، ولا يجيدون التصرف ويتحكم بهم الغضب والتوتر والمزاجية ، من هنا تدير النسوة البيوت ويعددن الميزانيات ويتولين امور أبنائهن وتربيتهم ومشاكلهم وفوق كل ذلك يتحملن نزوات رجالهن ثم بعد ذلك تكون المرأة من يخاف عليها ولايثق بحسن خياراتها وتكون العورة في اسرتها..!!المرأة والرجل كل منهما بشر. وهذا البشر به الصالح والطالح، العاقل والسفيه، الصالح والمنحرف، الضال والمهتدي، الخير والشرير.. وهذا المجتمع مكون منهما الأثنين ومن ذريتهما، حتى الذرية ليس لها دخل كبير بتأثير ابويها ولا يمكن ان ندمغ انساناً بتاريخ أبيه، فليس شرطا أن يكون ابن المنحرف مجرما بل قد يكون أفضل من ابناء تربويين افنوا عمرهم في الإصلاح والتهذيب،ومع إن هذا المجتمع تربى الى الستين سنة الماضية على أن تكون لنسائه معاملة خاصة تكرم فيها المرأة بأن تكون الأم المسيطرة في المنزل والمتحكمة بالأبناء والأحفاد وزوجاتهم وذرياتهم، المرأة القوية التي تحكم بالمنزل وينحني لرأيها الابن رب العائلة وابناؤه وذريتهم ما دامت على قيد الحياة،إلا إن هذه الصورة انتهت عندما تغيرت النظرة الى المرأة ولم تعد الأم المبجلة التي يعمل لرأيها أي حساب، بل اصبحت الضعيفة الجاهلة التي لا تعرف شيئا امام زوجها وأبنائها المتعلمين الذين يفرضون عليها معتقداتهم وعليها القبول لأن ليس لديها معيل. فإن رفضت عيشة الذل والمهانة، اين ستذهب وليس لديها كفاف يومها وهي تحت رحمة غيرها. والرجال بشر وككل البشر إن لم يكن هناك ما يعادل قوته ويوازنها فإنه يطغى ويغيرعلى الأضعف منه بلا هوادة ولا رحمة. حتى القوانين والقيم صنعها هؤلاء الرجال وبما يتوافق مع مصالحهم مما ادى إلى انكسار النساء وانزوائهن واصبحن يرددن المثل.. ظل راجل ولا ظل حيطة والتداري وراء ستار اي رجل ولوكان مغيبا، مخمورا، ضائعا، غائبا معظم الأحيان ولكنه يحمل اسم رجل، لقد بتن يختبئن وراء الأسماء،وجاءت المرحلة الثالثة عندما تعلمت المرأة ولم يعتقد الناس بأن تعليمها سيكون سلاحها الفاعل الذي حملها بسحابة الثقة الى مرتبة الكرامة والاحترام. كلما تعلمت المرأة كلما انقشعت الظلمات التي حاكها الرجال حولها على مر العصور لتكتشف ان لديها يدين يمكن ان يعملا كالرجال، وعيوناً يمكن ان ترى ما يرونه والأهم عقول تستطيع استيعاب ما كانوا ينفردون به. وكانت المفاجأة إنهن برعن اكثر في الدراسة والعلوم، فالمتفوقات في الثانوية العامة اكتسح عددهن الشباب ورويدا رويدا بدأ عددهن بالتزايد وعدد الشباب بالنقصان والتسرب حتى من المدارس الابتدائية،انقلبت المعادلة واشتغلت المرأة وفتحت البيوت وعمرتها. هذه المرأة التي تم دوسها وكسرها وتقييدها وتجاوزها وتحويل قدراتها العقلية للثرثرة والنميمة والشجار والغيرة وتدبير المكائد للضرات والجارات والحموات الى انسانة منتجة وتربوية وصالحة ومورد اقتصادي رفع عائلتها وحقق لها الاستقرار المادي،ووعي المرأة ونضوجها العلمي والاقتصادي ادى الى رقيها الفكري وبدأ اتجاهها للتوعية الدينية، ولا يمكن لأي كان ان يقول ان المرأة كانت لعقود قليلة ماضية افضل منها اليوم، حتى في المجتمعات العربية فمنذ الأربعينات كانت المرأة كماً مهملاً، وفي الستينات كانت ثورتها فقط في ارتداء البكيني والميني جوب وما شابهه وكانت فترة ضياع للجيل كله من رجال ونساء،اما الفترة الحالية فقد وجد الوعي الفكري الذي اتخذ السمة الدينية كرداء له، ولكن على حسب من يتعامل مع هذا البساط الروحي، فهناك فئة تحكم اغلاقه عليها حتى تختنق ' وهناك فئة تتعامل معه بوعي وفهم وتعمق حسب المرحلة التي تعيشها والمعطيات التي تملكها لتكون ارضيته التي يتنفس بها لا التي يختنق بين طياتها،نشأت سارة في المرحلة الثانية التي بدأ المجتمع فيها يستيقظ بكسل ويتمطى بلا اهتمام لمواصلة تعليم بناتهن الجامعي. افتتحت الجامعة بالفعل ودخلتها الطالبات، وقد عملت بعضهن قبلا بشكل محدود في مدارس البلاد المتفرقة كمدرسات خريجات الثانوية العامة، ولكن الى الآن لم يظهر تأثيرهن وما يمكن ان يحققنه في المجتمع من تغيير وثورة حققت لهن التوازن المطلوب واظهرت امكانياتهن الفعلية.
وعندما تخرجت كان المجتمع اكثر وعيا وتدبيرا، فقد سبقتها افواج الخريجات من الجامعة وبدأ المجتمع يجني خير مشاركة نصفه الآخر في العمل وخصوصا الأسر المتوسطة الحال التي اصبحت نساؤها العاملات عمودها الفقري المنتج،ورغم إن العمل في المجال الإعلامي كان مفتوحا لعمل المرأة المواطنة إلا ان بقية القطاعات مغلقة في وجهها، وكان وجود حتى المرأة المراجعة لمصالحها وليس لديها رجل تعتمد عليه غريبا وشاذا في هذه الأروقة، وحتى ولوكانت إدارة المرور التي تسمح للمرأة بقيادة السيارة ولكن لا تهيىء لها طاقم الموظفين المعد لاستقبالها في تلك الفترة، ولا يشعرها بأنها قد هبطت في كوكب رجالي تعتبر المرأة فيه كائناً لا تفسير منطقي له..!
لذلك كان تمسك سارة بالعمل كمهندسة في مؤسسة صناعية في وقت لا يتقبل فيه المجتمع عمل المرأة العاملة إلا تحت مظلة التدريس بينما على الراغبات بمجالات اخرى تدبر امورهن وتحمل النظرات والتأويلات التي تسكبها النفوس حسب كل إناء بما فيه ينضح ..!!! كان اصرارها يدور في منطقة ملغومة بالمخاطر الاجتماعية ونظرة الناس وكذلك موقف المؤسسة نفسه الرافض للفكرة اساسا حسب ما يحاول الموظفون الكبار التلويح به بتعصب وغضب.. ولكن لا يمكنها التنفس إلا من خلال هذا الحلم، ولا يهمها رأي الناس وليشربوا من البحر ما دامت لا ترتكب منكرا ولا تخالف عقيدة، وإن ايمانها لأكبر من ان تستمع للغو العجائز اوتنمر المسئولين بلا حق يقنعها ويسرد الوقائع بمنطق واتزان.

الرابع

( ظلال على الحلم)

كان الانتظار مقيتا وثقيلا وممضا لأنه يحمل اشارات كثيرة قد تغير حياتها لشيء لا ترغبه ولا تريده، ولكن المفاجأة التي عنت الكثير لها والفجيعة لإدارة شئون الموظفين هي قبولها وفتح الباب امام الكفاءات النسائية الأخرى الراغبة بالعمل وتشجيعها وعدم رفض طلبات المتقدمات المؤهلات لأنهن فقط نساء.. !! لقد كان موقف الوزير عند حسن ظنها وكما توقعته ويتوافق مع احساسها الداخلي. هذا الحدس العجيب الذي اخذ يتطور داخلها ويشعرها بالأحداث والأمور من خلال احساسها بأرواح الآخرين. ولكن خيبة الأمل جاءت في عدم تقدم اكثر من معظم المتحمسات اللواتي شاركن ووقعن على رسائل الاحتجاج وطالبن بحقهن بالعمل المشترك متعللات برفض عائلاتهن للعمل المختلط. وقد شكت سارة في محاولتهن اصلا لإقناع ذويهن. لقد لاذت معظمهن بمظلة النظرة الاجتماعية، ولم يملكن الجرأة لكي يخرجن منها ويعرضن انفسهن لنظرة الآخرين ولأنهن طمعن بزيجات مرتبة مع عائلات لا توافق مطلقا على اختيار فتاة تملك حرية اتخاذ القرار وتتمسك باستقلالية الرأي بل انهن سعين لقبولهن كمعيدات حيث كان يمنحهن ذلك نوعا من الوجاهة الاجتماعية امام محيطهن. وكانت المتقدمات معها جلهن من العربيات الوافدات وقد شكلن معا فريقا مذهلا لم تر المؤسسة مثله.. !! فهؤلاء الفتيات من خيرة الخريجات المكافحات اللاتي لا يعني لهن العمل مكتبا وثرثرة وادوات مكتبية، كان العمل بالنسبة اليهن تحديا لإثبات قدراتهن امام انفسهن اولا ثم لرؤسائهن ، كان التزاما ومسئولية،ولقد توقفت تعليمات سلطان عند الموافقة على تعيينهن فقط ولم تمتد لتشمل وضعهن في الأماكن المناسبة لهن اومتابعة هذه الإجراءات. مما حدا بالمؤسسة الى توزيعهن بشكل عشوائي على أقسام إداراتها المختلفة.. وقد تم الأمر بتوزيع كشوف اسمائهن وسؤال الأقسام من يريد تعيين موظفات جديدات..؟؟
وكان نصيب سارة في قسم يرأسه موظف اراد التميز بين الأقسام الأخرى وتزيين مكتبه بحلية انثوية رقيقة، ولم يتوقع أن تكون الموظفة المرأة نشيطة ومعطاءة ومتحمسة ومنافسة.. . وهنا بدأ الفصل الأول من حياة سارة الوظيفية،ها قد توظفت في المؤسسة التي كافحت للعمل فيها، وها هي تحقق الحلم.. ولكنه كان اشبه بكابوس.. !! كانت متحمسة ونشيطة تتدفق الأفكار والخطط من رأسها لتطوير القسم وتحديد وظائفه على الرغم من خبرتها التي تكاد تكون صفرا في مجال العمل، لتصدم بحقيقة رهيبة إنه لا يوجد سوى اطار ضعيف لشيء اسمه عمل. بل إن القسم يؤدى شيئا واحدا لا غيره، وهوتسجيل المواد التي يتم طلبها واستيرادها.. وتساءلت سارة اليس من المفروض أن يكون عمل القسم تنفيذيا وهومعاينة هذه المواد وفحصها ومعرفة دقة النسب المستخدمة في الخطط التي تقوم الوزارة بتنفيذها. وأليس التسجيل بالوارد والصادر من عمل الشئون الإدارية وقسم الأرشيف..؟؟ ولكن رئيس القسم لم يكن مهندسا ولم يدخل مختبرا في حياته ولا يفقه كنه هذه الأشياء والمواد والتي يطلب من موظفيه تسجيلها. بينما كانت هناك معامل علاها الغبار وربما الصدأ تم طلبها ولم تستخدم اطلاقا وعندما تساءلت اجابها احد زملائها الموظفين بما افقدها ثقتها بنزاهة المكان.. وما يهمهم بأن يستخدمها احد.. انظري ما الشركة المستفيدة بجلبها ورسوالمناقصة عليها.. !! بدأت الأمور تفقد رومانسيتها وحماسها وتسقط مجروحة من عل. إنها ليست كما تصورت.. إنها ليست كما تصورت.! لا تدري سارة على من تصب جام غضبها واستيائها.. أعلى رئيسها في القسم الذي يغار من الموظفين النشيطين الذين يذكرونه بعجزه وتقصيره وعدم اهليته وفهمه، ويكره محاولاتهم لتحفيزه لأداء المزيد من العمل فيحاول عرقلة عملهم مثلما يفعل معها، ويستخدم الحرب النفسية لتطفيشها من القسم بعدما رأى أنها تعريه بشكل كامل وتكشف فقر القسم وخوائه.. أو أن تفقد الثقة بالمؤسسة ككل وهي تعج بأقسام لا تعمل حتى بأقل طاقتها، ولا تؤدي الواجبات المنوطة بها بل ان معظمها لا تعرف اهدافها وخصائصها، وتزدحم بكم هائل من الموظفين الذين لا يؤدون عملا محددا. وكان ذلك جريمة شنعاء بنظر سارة.. كيف يحدث هذا في مؤسسة صناعية تتعامل مع العلم والنظريات والوقائع المجردة..؟؟ وهل يعقل أن تذهب للعمل كل صباح لتؤدي لا شيء.. بل تموت بقهرها من رئيسها الذي يلجمها من محاولة اي عمل بكلمته الشهيرة.. إن هذا ليس من اختصاص قسمنا.. !!
وجاء اليوم الذي صرخت سارة فيه بتحد واستهزاء.. وما هي اختصاصات قسمنا..؟؟ لو اردت الحق إن ذلك من صميم اختصاصاتنا وعليك تحريك هذه المعامل وتشغيلها.. اننا عقول متعلمة ولن نرضى بهذا المكان المنسي. وإذا كنت غير مؤهل لفهم عمل المعامل يمكنك الاستعانة بأحد ليقوم بذلك،وكان رئيس القسم يعلم إن لا احد مؤهلاً لذلك غير سارة حيث إن معظم الموظفين المواطنين لم يكملوا دراستهم الجامعية اصلا فكيف بالهندسة اوالعلوم والموظفين الوافدين الآخرين الذين يحملون شهادات علمية كانوا يدركون بأن تغيير الأوضاع إذا تمت لن تتم في قسمهم وحده بل ستؤثر على الأقسام الأخرى فأعمالهم متداخلة وكلها تدور في حلقة واحدة لا يمكن أن يحدث تغيير هنا إن لم ينتقل صداه هناك. وسيكون للتطوير غاضبون من المستفيدين الرابضين على كراسي التخلف والمصالح. لذلك كانوا ضد مناوشة الإدارة واثارة زوابع التطوير فلم يرغبوا بإيقاظ الشياطين النائمة مع إنهم كانوا معجبين بسارة وحماسها وتعبيرها عن رغبة كل موظف مخلص في عمله ولوطنه،كان لهذا الجو المشحون بعدم الرضا من جانب سارة والغيرة والكراهية المبطنة من جانب رئيس القسم نهاية بانتقال سارة من القسم الى قسم آخر لا يقل فوضوية وإن تحلى رئيسه بالكياسة والتهذيب،هذا آخرتها.. !! بعد كل الحرب والشد والعداوة مع ادارة الجامعة وفقد الوظيفة اللامعة وفرصة تكملة الدراسة والمستقبل العلمي كدكتورة في الجامعة يكون مصيرك مع الذي يسوى والذي لا يسوى..؟؟
كانت عبارات شقيقتها وضحة التهكمية والتحريضية تشعل النار في صدر سارة وتكاد تهشم ما رسمته سنوات في ذهنها، ولكنها لن تستسلم وستتابع الحرب ولن تترك البيروقراطية تهزمها.
مر عامان من الهدوء الذي يخزن بوادر العاصفة، فلم تكن سارة راضية بالهمود الذي تحياه والدوام بدون عمل الذي يقتل الموظفين ويدمغهم بالسلبية والعقم وعلى الرغم من قدرتهم على العطاء بتفاوت طبعا على حسب قدرة كل انسان منهم،كانت سارة ترقب الموظفين وهم يتهربون من الدوام اويقتلونه بالثرثرة والإشاعات، وتلمح شعورهم بالضيق والعجز من هذه الحياة. ترى الهدوء والبلادة اللذين يلفان المكان بشكل بليد وخانق وقد استطاع اسلوب العمل اقناعهم بأنهم فاشلون وإن لا مهارات لديهم، وان الوظيفة مجرد ضمان اجتماعي من الدولة. كالابن العاجز الفاشل الذي لا يجيد مهنة اوحرفة ما ويعيش على اعالة والده آخر كل شهر.. !!! إذا كانت هي امرأة يقتلها هذا الشعور بالعجز وتشعر بالتقصير مع أنها تتشوق لتكليفها بمهمة ما، فكيف بالرجال الذين يجردون من احساسهم على الخلق والتحدي والبذل. ويحلم كل واحد منهم بأن يكون منتجا ومعطاء. كل شخص هنا يمكن ان يعطي في وظيفة ما وفي مكان ما ويمكن ان تكون بينهم طاقات جبارة من العطاء.. ربما لا يعرفون انفسهم انهم يملكونها ولكن من سينتبه اليهم ومن سيهمه امرهم، إذا كان مستقبل المؤسسة ومصيرها لا يؤرق احداً لأنه لوكان هناك اهتمام بذلك فإن اول محور سيتم التركيز عليه هو هذه القوة البشرية التي يتم تدميرها.
كان المسئولون يهتمون بأنفسهم ومصالحهم وكراسيهم وكيفية الحفاظ عليها ولم يكن بين الطموحات حرصهم على زيادة الإنتاج وتشغيل المؤسسة الى طاقتها القصوى. إن المرعب قدرتهم على استهلاك الميزانية وليس الى رفد خزانة الدولة بعائدات تأتي كنتيجة لجهد هؤلاء العاملين الذين يشرفهم ان يأكلوا من عرق جبينهم ويقدموا دفعة صغيرة لبناء وطنهم.
هل غير هذا نظرتها الى سلطان وهو رئيس المؤسسة..؟؟ ربما يدعي الإنسان انه محايد ومنطقي ويستطيع الحكم بنزاهة ولوعلى اقرب المقربين اليه لكن هناك حتما اموراً يجهلها عن نفسه والآخرين. لذلك ظل سلطان في نظر سارة عجينة مختلفة عن غيره من المسئولين، وإنه لا يعلم بما يجري حوله ولوكان فالوضع لن يرضيه بل اعتبرته ضحية اهمالهم وتكالبهم على الأمور، واتهمتهم بتشويه الحقائق لنيل الحظوة لديه.
وجاءتها الفرصة لتكون في موقع المسئولية نوعا ما بهدوء ودون تخطيط واعداد عندما انتقل رئيس القسم الى وظيفة اخرى في وزارة الخارجية لعلها تمنحه الكثير من الثقة بالنفس والقدرة على تحقيق ذاته، وعدم حبسها في وظيفة بدون صلاحيات. وبهدوء بدأت سارة عملية التغييرات في قسمها. كانت مثلها مثل غيرها مجرد موظفة بدون صلاحيات تميزها عن غيرها.. ولكن بشيء من الجرأة والثقة بالنفس وسلامة التصرف بدأت تطلب تصليح المعامل الموجودة وتلح في الضغط على عمال الصيانة بالحضور وتحرض موظفي القسم الإداري بالعمل والمتابعة والقسم الفني بتزويدهم ببعض العينات للمراجعة وبدأت تظهر نتائج ايجابية وملموسة لعمل القسم.. وانخرط في العمل موظفون من هنا وهناك فرحوا فقط بالاعتراف بهم كموظفين عندما تطلب منهم شيئا اوتكلفهم بأداء شيء. ودبت العدوى شيئا فشيئا في الأقسام حولها لتتناسب مع متطلبات قسمها لتعدل الأوضاع من حولها وتساعد على اكتمال دائرة العمل . بدأ نوع من التغيير والتطوير في المكان بدون ضجيج اوادعاء عمل اوتظاهر بشيء. كالماء السلسبيل عندما يتدفق بسلاسة بين الجداول. لا يتدفق كالفيضان فيغرق ما حواليه ويفسد الزرع والضرع وليس شحيحا ينزل بالقطارة ويقتل من حوله ظمأ وجفافا.
مرت الأيام والأشهر وسنة تلوالأخرى واستطاعت سارة تحقيق المعجزة. اسلوب اداري يعمل بصمت ويحقق انتاجاً ملموساً للمؤسسة. لم يكن سهلا على سارة خلق كيان جديد من اشياء متناثرة، وتجميع شتات معطيات ضعيفة إلا انها باخلاصها ورغبتها الحقيقية بالنجاح والإضافة احيت ما كان ميتا، وبعد عامين من العمل المتواصل والتجارب الحثيثة والدراسات الذاتية كان للقسم معمله الخاص الذي تعتمد عليه المعامل المنتجة في الإدارة، وكان لتحليلاته وتقاريره دور رئيسي في المشاريع التي تعقدها المؤسسة.
ولأن الأوضاع لا تتغير ولا تتم التغييرات الإدارية بحسب نشاط الموظف أوجهده ولأن الأوضاع تترك للمقادير فعلى الرغم من أنه لم يكن هاجس سارة الترقية بعد المجهود الذي بذلته وإن كان يعني لها لوحدث الكثير لأنه ترجمة لتقدير الوزارة والمسئولين عنها إلا إنها كانت ستظل مكانها لولم يتدخل القدر.
وهل مصادفة أن يكون من سلطان.. من الوزير نفسه.. !!
ربما يكون ذلك طبيعيا عندما تكون المركزية بيد المسئول حتى فيما يتعلق بالموظفين الصغار، ولكنها وجدت فيها إشارة الى إنه يحمل لها معزة خاصة تختلف عن جميع الموظفين، وإنه لم ينس هذه الطالبة المشاكسة التي غيرت نظام التوظيف بعنادها وصلابتها وتمردها على الأوضاع السائدة، وإنه يعرف بأخبارها، ولم تبح بهذا الإحساس لأحد لأنه مجرد شعور لا تملك الدليل عليه وحتى لا تواجه كونه مجرد وهم وسراب.
اليس المفروض أن تكون ترقيتها من مدير الإدارة الذي يعلم من دون غيره بصفته المسئول المباشر عنها بغياب رئيس القسم مدى جهدها في القسم الذي خلا من رئيسه لمدة عامين..؟؟ ولماذا يحرمها من حق طبيعي لها اكتسبته بجهدها ولم تطلب منحه اياها كمعروف أوعطية..؟؟ وهل كان يريد ان يعين احد المحسوبين عليه أم انه لا يريد ان يعطيها شرعية كرئيسة له خوفا من زيادة نشاطها.. الم يقل لأحدهم.. يجب أن نكون حذرين معها ومراقبة كل ما تطلب وتخطط.. لا نريدها ان تتمادى وتوقع الإدارة في مشاكل مع الوزارة.
بعدها بسنوات وعندما تتذكر سارة معاملة مديرها السابق لها، تجد له بعض الأعذار. أنها تفكر بعقليتها وشخصيتها وهي مندفعة لا يهمها النتائج ما دامت تحقق اهدافها التي تؤمن بأنها للصالح العام بينما هولا يملك شجاعتها ولاتهورها ولاقناعتها، إنه يخاف من غضب الوزير والمسئولين عليه ويشتري رضاءهم بأي ثمن حتى ولوكان كرامته، وهوطموح يتخيل نفسه في مناصب اكبر واكبر ولا يود ان يشوه احد ملفاته. بينما لم يهمها المنصب يوما بقدر استطاعتها تغيير شيء ما وزحزحته لتحقيق الصالح العام. لذلك كان خائفا من حركتها التصحيحية وظن إنها ستغضب رؤساءه. ولأنه لا يملك الحجة لمنعها ولا يستطيع ان يجهر برأيه للموظفين بعدم مساعدتها وهي تطلب ما هوالمفروض اداؤه في العمل، فإنه اراد ان يكون الأمر داخليا وكأنه اجراء عادي لا يرى ولا يحس ولا يرقى الى منزلة الاعتراف به لذلك تغاضى عن تعيين مسئول عن القسم لا يهم كم كانت مختلفة عن غيرها أومعطاءة أوكفؤة فلا توجد جهة تقيم الموظف بالتركيز عليه وبعثه للخارج إذا لزم الأمر وخصوصا في تخصصاتهم العلمية لاكتساب المزيد من المهارات وتوليته مركزا وظيفيا يطلق قدراته الكامنة. ولأن الاختيار للمراكز العليا لا يرتكز بتاتا على مهارات الشخص ومؤهلاته بقدر موقعه الشخصي بمعنى هل هو من اسرة ذات نفوذ يتم ترضيتها بتوظيف احد أبنائها اوشخص يمكن الوثوق به وتمرير الأمور عبره دون أن يملك الاعتراض أوالاحتجاج وكذلك ليس كونه امرأة، ولكن الإنصاف جاءها بدون توقع من سلطان وإن كانت قد تفاجأت بالأمر إلا إن هناك جانبا في صدرها يهمس لها ،الم اقل لك دوما. هناك رابط بينكما اسمه الإحساس،كيف عرف عنها، كيف انصفها، كيف اعترف بوجودها، كيف منحها الثقة للاستمرار والمواصلة. إنها تحس به موجوداً حولها كالهواء الذي تتنفسه، كان يكفيها ان روحه تهيمن على المؤسسة.. !! لا يهم ان تراه ما دامت تحس بوجوده في كل انجاز تحققه ونجاح تحرزه. وما دامت تصلها تعليقات متناثرة هنا وهناك عن ثنائه على التطورات الملموسة التي حصلت في قسمها بالذات، وإن الدعم الذي حصلت عليه بالاهتمام بمتطلبات القسم انما جاءت بتعليمات شخصية منه، وإنه لولاه لضاعت جهودها وتجمدت وكانت كمن تؤذن بخرابة وخصوصا وسط جماعة لا تعي الدور الذي تقوم به ولا يهمها الجهد المبذول.. !!

الخامس

( بيت العذل )

انتقل والد سارة الى بيته الجديد بالقرب من بيت ابنه عبدالرحمن الذي استقل عن العائلة بعد إن كان يقيم معها مع اطفاله وزوجته. أما غانم فقد انتقل بعد زواجه مباشرة الذي تم من عامين الى بيت بالإيجار يملكه والد زوجته لتكون عروسه بقرب ذويها في منطقة الريان. أما حسن فقد تخرج منذ عام ونصف وسرعان ما كتب كتابه على ابنة عمته التي كان معجبا بها منذ زمن بعيد وكانت تبادله الإعجاب، وكان محظوظا حيث حصل على فيلا جميلة عن طريق الإسكان الحكومي وبدأ بملاحقة معاملة سكن كبار الموظفين وبدأوا في المنزل يعدون لحفلة الزفاف.
لم يعجب هذا الترتيب والدتهم التي كان كثيرا عليها زواج الشباب وخصوصا الأصغر وبقاء البنت الأكبر بدون زواج.. ! في البداية لم يعطها احد الاهتمام الكافي والأمور تأخذ مجراها بالتطور الطبيعي لمسارها، حيث تتيسر يوما وتتعقد اياما ولكن بعد انتقال الأبناء لبيوتهم المنفصلة وتأسيس اسرهم، أخذ موضوع عدم زواج سارة يتبلور كقضية نجحت الأم في شغل بال أبنائها فيها واستطاعت نقل الإحساس بالقلق منها،وليس معنى ذلك بأن لا أحد تقدم لسارة.. كان الخاطب الأول لها ابن خالتها ولم يكن خاطبا عاديا بل كان يحبها ولكنها لم تكن تفهم معنى الحب فقد كانت مراهقة في المرحلة الإعدادية، وكان شابا ناضجا في عمر شقيقها عبدالرحمن. وقد كان واضحا في إظهار مشاعره امام العائلة بأكملها كأنه يريد منهم التأييد والضغط على هذه المهرة العنيدة التي تناكفه وتناقشه وتسخر ببرود عجيب من مشاعره. لقد نشأت على أن حب ابن خالتها حق طبيعي لها يمدها بالأهتمام ويسمح لها بالرفض والتمنع والتعالي والشعور بأنها محبوبة بدون التزام من قبلها. ولم تكن تشعر بعذابه وقلقه وتفكيره وخيبة امله عندما انتظرها حتى نهاية المرحلة الثانوية لتوافق على الزواج حيث صدته بعجرفة ولا مبالاة،لم تدرك يومها كم كان ناصر يحبها وكم كانت تؤذيه ردودها وتعاليها وعدم منحه الأمل الذي ينتظره. كأنها بلا قلب ولكنها كانت تجهل بأنها كانت تغرس سكينا حادة في قلبه، لم تكن تعرف بأنه احبها بصدق ولم يتوقع ابدا بحكم القرابة بينهما ان ترفضه، لم تفهم معنى الحب والمشاعر والأحاسيس على الأطلاق.. !!
كانت مراهقة نزقة مندفعة لها فلسفتها العجيبة بضرورة اصلاح الكون وتغييره. كانت احلامها لا تتضمن امنيات البنات اللاتي في سنها ثوب الزفاف الأبيض والطرحة والعريس الرومانسي.. !!
كانت ثائرة وغاضبة ومحتدة وتفكر بوضع فروق ملحوظة في حياة بنات جنسها.. !!
كانت ترفض ان تكرر مصير امها اوشقيقتها الكبرى وضحة التي تزوجت دون انهاء دراستها الثانوية فقط لأنها يجب ان تتزوج كأن الزواج لا يمكنه الانتظار وإنه لا قيمة للمرأة بدون زوج واطفال، وكانت لا تفهم كيف يتجاهلون قيمة التعليم وضرورة خلق كيان المرأة ككائن بحد ذاته لا علاقة له بالزواج والأولاد..!! كانت تخشى هذا المصير وتهرب منه ولا تريد الوقوع بفخه ولم تسمح لناصر بأن يقضي على آمالها، ويضمها الى القطيع. وحاربت امها بكل قواها وهي تضغط عليها وتخوفها من مصير مظلم كعانس وكيف تفرط بشاب له مستقبل وفوق ذلك يحبها ويدلعها ويحافظ عليها،ولكنها لن تكون ابدا مجرد ربة بيت، مثل امها وجدتها وخالاتها وعماتها، كانت تبحث عن تحقيق ذاتها بعيدا عن نموذج المرأة السلبي الخاضع الذي تنضوي تحته نساء العائلة. كانت تتبع صوتا داخليا يضيء لها الطريق ويوضح الآفاق امامها وكانت لا تؤدي سوى ما يمليه عليها احساسها وكان يرفض الزواج بمثل هذا الأسلوب بل إنها لا تريد الزواج اصلا ما دام سيقيدها ويقف في وجه طموحها ودورها الحقيقي في الحياة. ولم تتردد في لحظة ما عن اتخاذ القرار واعلانه برفض الزواج وقد كانت معجونة منه ويمثلها ولم تقتنع بما تقول امها ولم يهمها ناصر عندما أزف اليها خبر خطوبته لابنة عمه، ولم تخامرها الغيرة اويلفها الحزن بل كأن الموضوع لا يعنيها،وهي في الجامعة جاءها خطاب آخرون حاولت والدتها ارغامها على قبول احدهم ربما قهرا من فقدان ناصر واسلوبا عصبيا للتعبير عن قلقها لئلا يفوتها القطار على حد تعبيرها بينما لم تزل في العشرين من عمرها...! كانت سارة متضايقة من تفكير والدتها وكثيرا ما تدخل معها في مشادات لا تنتهي الا بتمسك كل طرف برأيه بأقوى مما كان. كانت مستاءة بأن والدتها لا تعترف سوى بالزواج لستر المرأة وضمان مستقبلها. ومن يلومها ولم تكن تدرك إن بإمكان المرأة العمل وضمان مستقبلها الاقتصادي مثلها مثل الرجل. فقبل عشرين عاما لم تتضح صورة المرأة العاملة ولم يكن هناك بوادر لوجود المرأة المستقلة التي تعتمد على نفسها.
كانت امها ترى الوضع كما هوبالنسبة لأمرأة من جيلها، فإذا لم تكن تحت كنف زوجها فستكون تحت رحمة زوجات اخوتها على اعتبار أن امها وأباها لن يعيشا لها. كانت تقول لها إن الزواج يعني الاستقرار والأبناء الذين سيأنسون وحشتك ويملأون حياتك بأبنائهم ويضمونك اقتصاديا ويصرفون عليك عندما تكبرين ولا يبقى لك احد. كانت امها تتكلم بمعاناة عمر الستين وتراث اهلها ومعتقداتهم، وما كانت سارة ترى سوى كنه وجودها كله واحلامها وتدفقها الصاخب وقراءاتها الواسعة وآمالها العراض. وكانت ايضا جموحا ثائرة ترد بعصبية وعنف على من يناقشها ولا تدع مجالا لأحد بأن يهزمها في معتقداتها،وفوق كل ذلك كانت شخصيتها واضحة ودقيقة وتواجهية تسير نحوهدف محدد مضيء في حياتها يشهده الجميع. فكانت جادة مكبة على دراستها لا تلقي بالا للهوامش والسطحيات، وفوق كل ذلك كانت حكيمة تصدر احكاما جديرة بالاستماع، وعاقلة يمكن الرجوع اليها عند الخلاف والوثوق برأيها،لذلك كلما جاءها خاطب وحاولت الأم تحريض ابيها واخوتها للضغط عليها لم يتحالف احد معها. كان والدها يتجاهل تعليقات والدتها وثورتها احيانا على سكوتهم على ضياع البنت واحجامهم عن التدخل والتعاضد معها، لوضع سارة امام الأمر الواقع باعتبارهم ادرى بمصلحتها منها، حيث أن مكانها في بيتها وليس في الجامعة.. !!لم تنج سارة من ملاحقة امها وتعليقاتها حتى بعد ان انهت دراستها الجامعية وتوظفت في المؤسسة فما زالت الوالدة لا تعترف سوى ببيت العذل كمكان مناسب للمرأة تحت كنف زوجها،اصبح لسارة كيان اقتصادي من عملها واصبحت مسؤولة عن نفسها ولكن بنظر امها ظل هناك جزء هام ما زال ينقصها. وبعد التوظف توقف الخطاب عن التقدم وأخذت الأم تردد تيمة العمر. ارأيت.. ترفضين وترفضين الآن كبرت ولن يتقدم لك احد.
هل يعتبر عمر الخامسة والعشرين عنوسة..؟؟ ما هذا يا امي..؟؟ فقط صلي على النبي.
اللهم صلي عليه وسلم ولكن عندما كنت في عمرك كان لدي خمسة اطفال ولدى اختك ايضا خمسة،ما شاء الله عليك وانت تعدين السنوات وتعرفين متى انجبت ومتى انجبت ابنتك ايضا..؟؟ الله يخليلكم اولادكم ويبارك فيهم ولكن الزمن تغير،يا بنتي.. اسمعي الكلام.. لا ينفع الواحدة فينا الا عيالها وماذا فعلنا لك يا أمي غير وجع القلب انظري الى هذا المنزل لولاكم لما كان له نور
لم تكن الأم تدرك بأن سارة لا يمكن ان تتزوج أي رجل، قد يكون انسانا جيدا، تحبه اسرته وتحترمه ولكنها لا يمكن ان تزف لإنسان لا تعرفه ولا تتصور انها يمكن ان تعاشر رجلا فقط لأنه عقد عليها. إنها مازالت تدين زواج الأمهات والجدات الذي تم وهن لا يدرين إلا وقد سقن كالنعاج الى رجال لم يعرفوهم ولم يقابلوهم ليصبحوا ازواجهم للأبد. كانت وما زالت تعتبره اغتصابا يتم تحت مظلة الزواج ولا يمكن ان يجبرها اي وضع على قبول ذلك إلا إذا اقتنعت بالشخص ورغبت بأن يكون زوجها وشريك حياتها وأب اطفالها ورفيق مشوار حياتها. هذا هوالزواج أما مجرد عرض نفسها في سوق العرض والطلب فهذا ما تأباه ولتكن عانسا فلهواشرف لها من عيشة الوضاعة والبؤس الدائمة مع شخص ربما لا تطيق الجلوس معه نصف ساعة فقط، ويدفعها للغثيان مثلما صادفت العديد من الرجال الذين يعملون معها ويصيبونها بالاشمئزاز من دناءة تفكيرهم وانحطاطه،كانت الاستعدادات يومها على قدم وساق لزواج آخر العنقود حسن. شقيقها الأصغر الرجل سيتزوج الا يعني ذلك بأنها كبرت..؟؟قالت لشقيقتها : إنه يتزوج مبكرا بالنسبة لأقرانه، فبعد مضي سنة ونصف على تخرجه يعتبر وقتا قياسيا حيث ينتظر الآخرون سنوات قبل الإقدام على الزواج. تعرفين إنهم يريدون تكوين انفسهم اولا.
ردت عليها وضحة بتهكم :ترك ذلك لفتيات جيلكن، إنهن يردن تكوين انفسهن.. !!
بنفاد صبر قالت سارة.. ما بالكم لا تفهمون الزواج ليس نهاية العالم وليس كل شيء في حياة الإنسان. هناك اولويات عليه تحقيقها اولا ليكون راضيا عن نفسه.
وعندما فارقت والدتها الحياة بكت لأنها لم تهدئها وتطيب خاطرها عندما تظهر قلقها من عدم زواجها، وكيف كانت ترد عليها بعنف وضيق وتتشاجر معها وتستهزىء بمنطقها كلما أثارت الموضوع،ولا يعني ذلك إنه بوفاة والدتها تم اغلاق هذا الملف حيث أن وضحة استلمت الأمانة بحرص أشد من الراحلة ولا تفتأ تذكرها وتلومها في كل مناسبة، ولا تقبل كلمة إنه قسمة ونصيب ، بل كانت تعتبرها مسئولة عن تطفيش العرسان وبأنها مغرورة ولاتفهم مصلحتها وستندم ولكن بعد فوات الأوان.،كانت وضحة تعامل سارة كقرين لابنها العنيد خالد. فقد كانت لا تعرف كيف تتصرف معه وكان يربكها بمنطقه وقدرته على النقاش وتمسكه برأيه.

وللأحداث بقية




الأعلى رد مع اقتباس
قديم 31 Mar 2007, 10:41 AM [ 7 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
مواضيع : 1901
الردود : 9766
مجموع المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25بسمة is on a distinguished road

بسمة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص




الحلقة الثالثة


السادس

(أحمد)

منذ ثمانية عشر عاما تزوجت وضحة بأحمد. كانت في السادسة عشرة بينما كان في الثانية و العشرين وقتها. ويعتبر زواجهما قد تم عن حب نوعا ما رغم انهما لم يلتقيا يوما وجها لوجه، الا انه رآها عرضا وهي رأته عرضا وكلاهما ابناء حي واحد وكان صديق شقيقها عبدالرحمن.
وكانت اسرتها قد انتقلت حديثا بجوار بيت احمد حيث كانت تقيم فيه والدته قبل موتها. كان والده متزوجا حينها بأخرى وقد اسكنها بيتا بحي آخر، ومهما كان ولاء والده لزوجته الجديدة الا ان تأثير بيته القديم ما زال موجودا وهو يحمل اسمه وصيته واحترامه في الحي العريق. ولم يكن وقتها هناك احتفاء بتعليم البنات لذلك لم تهتم الاسرة بتزويج وضحة قبل حصولها على الثانوية العامة عندما تقدم اليها جارهم احمد الموظف في احدى الوزارات الحكومية وقد درس حتى الثانوية هو الآخر قبل ان يتوظف،حاولت امه تزويجه من احدى قريباتها ولكنه لم يتشجع لهن. وكان دائم الانتقاد لمن كانت تعرض عليه حتى ذلك اليوم الذي اخبرها فيه بأنه يريد ابنة جيرانهم وضحة،حينها انتبهت الأم الى الصداقة التي بين احمد وشقيق وضحة الأكبر عبدالرحمن والى رفض احمد لقريباته،ولم تتردد وضحة هي الأخرى بالقبول ولم تتمسك بدراستها ولم تطلب تأجيل الزواج على الأقل عاما ونيف تنهي الثانوية فيها أو تقترب اكثر من هدف التخرج منها. لم تكن تعي اهمية الدراسة حتى عاصرت كفاح اختها وتمسكها بالتعليم وتكوين نفسها وتشكيل شخصيتها فتحس حينئذ بالغيرة ولكنها عندما تتذكر ابناءها تشعر بأنهم يعوضونها عن شهادات العالم.
لم يكن زواجها من احمد يحمل بشائر السعادة والمرح. فقد بدأ يتحول شيئا فشيئا الى انسان عصبي المزاج. . وقد انشغلت بالحمل والولادة وتربية الأبناء بينما كانت تظهر الدوافع العدائية عليه شيئا فشيئا. اصبح يخفي عواطفه ومشاعره نحو اسرته بسرعة غضبه وتوتره وعصبيته المتناهية المشتعلة مع عدد سكائره التي يتعامل معها كأنها رحيق سام لا يقوى على التوقف عن ضخه في شرايينه.
الكل يعلم مدى حبه لعائلته ولكن الكل يخاف مناقشته والحوار معه بدءا من زوجته ومرورا بأولاده وانتهاء بأهله، ربما لم يسمع بأسلوب المسامرة ومشاركة العائلة بعضها البعض على مائدة الطعام أوحول جهاز التلفزيون أو في رحلات استجمامية داخل المدينة وخارجها.
كانت وضحة امرأة صابرة وصامتة بينما يزداد هو صمتا وقتامة وعصبية. .!! كانت تخزن مشاعرها بينما تحترق في الداخل :يالله من أين يأتي الصبر ليسقي العروق المتوترة ويحيل اشتعالها الى برودة وهدوء، كيف تستحيل الثورة الى بقايا الرماد وتذوي تحت حرقة النفس قهرها، يالله.. الا يمل من العصبية..؟؟ ان التدخين الشره والعصبية والنرفزة لأتفه سبب حاكت بينه وبين الآخرين حاجزا من الصعب تخطيه،لقد دفنت (الأنا ) لديها لتجعل اولويات عائلتها هي الأولى. . مزاج زوجها وتعليماته هي الأساس، وراحة اولادها وخدمتهم هي الهدف. علاقته بأبنائه فاترة ويسودها الخوف والرغبة في الابتعاد عن منطقة الجدل والغضب والتذمر القاتل. انهم يتحاشونه قدر الامكان ويلجأون للتحايل والضغط عليها لتنفيذ رغباتهم ويفضلون التخلي عن مطالبهم اذا كان الثمن مواجهته،وتحس بنفسها كالكرة التي يتقاذفها الطرفان، احيانا تشعر بأنها تخلت عن شخصيتها لصالح كل طرف منهما. .الزوج في كفة والأبناء بكفة أخرى..!!فهي تطيعه ولاتجادله بالقدر الكافي الذي يحررها قليلا ويخفف الضغط عليها، ويوقف زخم عصبيته وغلظته ولومه المتكرر لها على كل شيء يحدث في البيت، انه دورها في الاستحمال وامتصاص النقمة بعيدا عن الأولاد والخدم وربما الناس. .!! ليقوم الأولاد بدورهم من جهة أخرى بشحنها عاطفيا بمطالبهم التي لا يجرؤون على اخبار الأب بها مما يدفعها للاذعان لهم ومساعدتهم بالتكتم على نزواتهم الصغيرة التي يدركون ان علم الوالد بشأنها فسيصعد الموقف ويحمله اكثر مما يحتمل. اصبحت لهم حياتهم التي لا يشركونه بها وتمادى هو في انفصاله عنهم، ولم يعد يعرفهم ولا يدرك ما يدور في خلدهم،كانت مشكلته الاساسية غيرته المرضية من اخوته لأبيه. كان يغار منهم بشكل عجيب وينتظر ان يحبه والده ويقربه اليه بينما لا يزوره الا كالغريب مقطب الحاجبين صامتا بين الفينة والأخرى منتظرا ان يلاطفه والده الكبير في السن ويبعد اولاده الآخرين الذين يشاركونه السكن بالبيت مع والدتهم ويساعدونه في تجارته واعماله،لا يريد ان يفهم ان وضعهم مختلف. . فهم تربوا تحت يديه وبين رعايته وبوجود امهم التي ربطتهم به. ولان هناك عشرين عاما بينه وبين اكبر اخوته تجعل والده يعاملهم مهما كبروا بأنهم صغار يحتاجون رعايته وايضا رعاية شقيقهم الأكبر الذي لو كان ذكيا لتقرب من والده عن طريق أبنائه وعاملهم كأخوته وليس كأبناء زوجة الأب الذي سرقت والده،الشعور بالغيرة والحسد اعماه مع تزايد غنى والده الذي يتسع للجميع. لقد صور له حقده بأنهم يرفلون بالنعيم بينما يحرم منه وهو الابن الأكبر الذي ينادي والده الناس باسمه (ابو احمد)،كلما حاولت وضحة تشجيعه على كسر الجليد ومصادقة اخوانه. . صرخ بها انهم في سن اولادي. .ماذا اريد منهم. .؟؟ ما لي ولهم. .؟؟
تحاول اقناعه ان اكبرهم في الثلاثين من عمره ومتزوج وله ابناء، ويستطيع أن يضيق الهوة بينهما حينما يجمعهما عامل مشترك وهو مساعدة والدهما في تجارته، وانه اذا كان يريد ان يشارك في اعمال والده عليه ان يصبح فردا من العائلة ويشعر والده باهتمامه ويبذل القليل من الجهد والنشاط كما أن عليه أن يصحب اولاده الى جدهم وألا يحرمهم من اهلهم واعمامهم.
حينها.. كأنها تضغط على دمل متورم داخله.. يصرخ بها وينهرها لا تتدخلي فيما لايعنيك
ولم تكن تخبره عن ما تردده زوجة ابيه عندما تكون بزيارتهم من فترة طويلة لأخرى اطول، ان احمد لا يسأل عن والده ولا يبدي احتراما له وانه لم يكن موجودا بجواره في هذه المناسبة أوتلك، وكانت وضحة تتجاهل الحديث ولا تريد ان تزيد اوار النار وتفسد زيارة المجاملة بلغط لا فائدة منه سوى تكريس الضغينة والحقد،وعندما اراد ان يبني بيته الجديد. .ذهب الى والده يطلب قرضا كبيرا لديه فما كان من والده بعد صمت قصير الا ان منحه كهدية مبلغاً من المال بينما منح مثله ابناءه الثلاثة الآخرين وبناته الأربع،وزاد قهر احمد ليس لانه لم يمنحه المبلغ المطلوب الذي يحتاجه كاملا ولو كقرض ولكنه اعطى اولاده الآخرين ايضا. .ردد بحقد. .لم يمنحني الا ليعطيهم، ومن يدري ربما اعطاهم اكثر. .وتابع. . الا يكفي انهم يعيشون مع اولادهم في بيته يصرف عليهم ويعيلهم ويوظف لهم الخدم ويسفرهم و.. و..و
كانت تنفر من حديثه الحاقد وتشعر انه يأخذ معه بركة بيتهم لديهم ما يكفيهم وقد ورث من امه البيت الكبير الذي كانوا يعيشون فيه معها قبل وفاتها. وكان والده الذي كتبه لها عندما تزوج عليها كترضية كريما، فلم يشاركه فيه رغم انه كان وريثا معه ومع شقيقتيه اللتين باعتا له نصيبهما فيه بثمن مناسب، على اعتبار انه كان يقيم فيه مع زوجته واطفاله قبل ان ينال بيته الجديد من اسكان كبار الموظفين، وقد قام بتأجيره لشركة خدمات كبيرة ويدر عليه إيجاراً جيدا. كما ان لديه معاشه التقاعدي ونهاية الخدمة التي اشترى بها عقارا آخر للايجار مما مكنه من شراء المزرعة التي يلتاذ بها وتزويدها بالحيوانات الأليفة وزراعة النخيل والأشجار والخضراوات المتنوعة.
على الرغم من انها لم تعمل يوما الا انهم يعيشون ميسوري الحال ولكن مقارنته الدائمة لأشقائه كانت تقتله حيث ان هناك فرقا واسعا بينه وبينهم ومظاهر ثراء والده تبدو واضحة عليهم حتى لا يصدق احد انهم اشقاء. .!!
كانت تذكره بفارق العمر بينهم و بينه ومسئولية والده نحوهم ويصرخ بها. .عندما كنت في عمرهم واصغر منهم لم يدللني ولم يكن بهذه الرقة والعطف، وعندما كنت في عمر اصغرهم كنت متزوجا في بيت امي، وكنت مريضا على حافة الموت ولم يبد القلق والأهتمام والرعاية التي اشاهدها اليوم تصدر منه لغيري.. بل كأن شيئا لم يكن. كنت اكافح في عملي شأن اي انسان آخر وما زلت ابني نفسي بنفسي من دونه،ولكن. . لا فائدة من تخفيف المرارة والقتامة التي يستشعرهما التي ترسخت عندما تعاند مع رئيسه في العمل واستفحل الخلاف لدرجة خروجه من العمل وتحويله للتقاعد المبكر مما كسر ثقته بنفسه وحطم معنوياته اكثر فأكثر. ولم يكن يدرك بأنه بتركيزه على ذاته وعلى شعوره بالظلم قد اساء لنفسه كثيرا وجردها من حيويتها وامكاناتها، واقفل الأبواب في وجهه لاكتشاف الوجه الايجابي للحياة، وتحول الى نموذج سيىء لأبنائه فهو يدخن امامهم، ويهرب من المسئولية ويختفي عند الحاجة، شيئا فشيئا اختار احمد عادة الانزواء ومفارقة الناس والهروب بالسفر خارج البلاد في اوقات غير مناسبة لاسرته. فعلى الرغم من ادراكه من تفاقم المشكلة مع ابنه خالد ووصولها الى مستوى متوتر يحس بايقاعه كل افراد المنزل الا انه فاجأ وضحة بأنه يعتزم المغادرة الى جنوب آسيا لفحص معدته والاستجمام وتركها مع نظرة مذهولة وعقل مشوش والم حائر.

السابع
(المراهق)
انه في السادسة عشرة من عمره في بداية المرحلة الثانوية ويكاد يقتلها وهي تحاصره ليدرس وهو يناوشها ويحاول اقناعها بعدم جدوى التعليم وما فائدة الدراسة وما تأثيرهما في حياته. .؟ ماذا سيستفيد منهما وكيف سيؤثران على أدائه للعمل بينما لا يريد سوى عمل بسيط. لا يهتم بدخول الامتحانات آخر العام ولايستعد لها،كانت وضحة تعيش في ذهول ولا تكاد تتواصل مع من حولها وهي تحاول حماية ابنها وشده من افكاره الجنونية الى العالم الواقعي لبقية خلق الله.
تصرفاته اللامستقرة وشخصيته المضطربة كأنها تحسه يتعذب من مشاعر واحاسيس متضاربة توجهه الى دروب مجهولة ومطموسة بالضباب لا يعرف ما يريد ولا يعرف ابعاد الصواب من الخطأ. كانت افكاره متقلبة فكل يوم يأتيها بفكرة جديدة عن مستقبله وكلها تدور في فلك التسرب عن الدراسة. تناقشه ويفحمها بردود مقنعة وكأن داخله يفهم ولا يفهم.. يعرف ولا يعرف وكأنها مستلبة معه ومسجونة داخل كرة ضبابية تفصلها عن رؤية الحياة الواقعية، وتحس بنفسها عاجزة عن كسر هذا الخمول والبلادة ودفع نفسها وابنها من براثن الضياع، انهما يدوران في حلقة مفرغة لا يكاد احد يحس بها ولا يدرك مدى ظلمتها. لا الأب الواقع تحت تأثير وحدته و عزلته و احساسه المتعاظم بالذات، ولا اسرتها المشغول افرادها بحياتهم الخاصة، ولا اسرة زوجها التي لا تكاد تعرفهم انسانيا ولا يربطها بهم سوى المناسبات والمجاملات،في الحياة اشياء تحدث وتخدش حياة الانسان ومصيره ولكنه لا يستطيع البوح عنها وكشفها للاخرين. فوضحة مهما تأزمت من تشتت ابنها وضياعه ومهما عصفت بها العواصف وعزلتها عن الآخرين لا تستطيع ان تصارح والديها ولا اختها واخوانها الثلاثة. هل لانها تشفق عليهم وقد اوهن السكر صحة والدها لدرجة اصابته تقريبا بالعمى، وهي لا يمكن ان تقوم بفتح ملف ابنها لدى زوجة جده، فمهما كان سيكون مضغة في افواه النساء بدون جدوى من ذلك...!!كان حال ابنها غصة في جوفها .!!
كان ذكيا ومع ذلك كره الدراسة.. كان محبوبا ومع ذلك تخبطت به الدروب. .. وتكاد تشعر بأنه فاقد الثقة بنفسه وقدراته، غير مستقر ومتوازن في بيئته، لا يدرك ماذا يريد. كم تمزقت وتعذبت وهي تحاول لم أشلائه وتجعله يفيق قبل ان تنسحب منه خيوط الدراسة والمستقبل.. بح صوتها وهي تنصحه وتبحث عمن ينصحها. . ولاتدري هل كان يتعمد تصرفاته ليربطها به ويشغلها بمتابعته والأهتمام بشأنه، هل خيباته المتتالية ليشغلها عليه ويملأ حياتها بالرعب في محيطه.
عندما اخذ يدخن في الثالثة عشرة.. انعصرت اعماقها وأحست كأن يدا قوية تعصر قلبها، ولم تنم وهي تتخيل رئتيه وقد امتلأنا بالدخان والهباب الأسود. . وتحترق وهي تتذكر ما صارعت في طفولته لحمايته مما يدخله في دائرة المرض وما يحفظه معافى وصحيح البدن، والآن يلوث رئتيه البكر بالسموم وهو ما زال يانعا، ولا تدري لم اخفت عن والده حقيقة تدخينه. . كما كانت تتستر عليه كلما اخبرها السائق مرتاعا بأنه يجبره على منحه مفتاح السيارة عندما يوصله لمشاويره ويخرجه منها ليسوقها بنفسه ويستعرض بها مع اصدقائه..!!إلا أنها خافت عليه من غضب الأب العصبي. . لماذا لم تدرك ان الغضب والعقاب في هذه الحالة علاجا فعالا لدرء المشاكل. .؟؟ لم ارادت ان تحميه من والده وهو ارحم وأرأف من هذه السموم التي يدخنها..؟؟ وهو بالتأكيد اشد حزما منها ليشد أزر السائق ويمنحه الأمان والقدرة على رفض مطالبته بمفاتيح السيارة. لم توقفت فقط عند الخوف من الصراخ والشتائم وربما الضرب والحرمان ولم كعادتها تخيلت اسوأ الأمور وصدقتها وارتعبت منها وبدون ان تدرك خطورة أن تقف بين الوالد وابنه. .؟؟
اليست هذه جريمة عليها التفكير بها بتمعن.. وعليها محاسبة نفسها عليها. ؟
يا الهي. ..لا تعرف كيف تتصرف. ؟؟. اغدقت عليه الدلال المريض والحماية القاتلة واضاعته.
أم انها كانت تخاف من تأنيب والده ولومها الدائم على كل شيء يفعله هذا الولد، ابنك فعل، قولي لابنك كذا، انت السبب، لم تركته يقوم بذلك، و..وانه لا يحاول ابدا التفاهم مع ابنه وارشاده وتوجيهه وحل مشاكله ومشاركته اموره والتكلم معه واحتوائه، انه فقط يحملها المسئولية و يستنكر و يشجب و يغضب، و يعتقد بأن هذا دوره و على الأم ان تحل كل الأمور و تتحمل نتائجها. .!! و لم تقل له يوما و أنت اين دورك. .؟؟ بل لقد اقنعها بأنه واجبها و عليها معالجة الأمور، فتشعر بالخطأ و الفشل و تنكمش مكانها ويتملكها الخوف وتقوم بابعاد المشاكل عن مسامع الوالد. . ولكن هل اخفاء البقايا تحت السجادة قادر على ابعاد ريحتها المتعفنة بعد زمن قصر أوطال. .؟؟؟
من قال اننا نفهم انفسنا. .؟؟
هل يوجد من يعترف بأنه على خطأ في نقاش ما.. المضحك اننا نحاسب الآخرين بكل سهوله وندينهم ببساطة. . ونستطيع اطلاق الأحكام. . ونعلق بيقينية في حواراتنا عن خطأ الآخربن وبأنهم مغفلون وجاهلون وعليهم التصرف كذا وكذا . .وننسى اننا جزء من هؤلاء الآخرين وان آراءنا وسلوكياتنا تعامل بنفس المصير لديهم،يجلس كل منا منفوش الصدر وهو ينتقد ويدين الغير بكل اقتدار وثقة. . ولا نفكر لحظة بما يدور في ذهن الآخر. . وأيضا لا نضع أنفسنا في ظروفه ولو كنا اذكياء حقا لأدركنا. . اننا نكرر بدون وعي ما نعتبره اخطاء الغير ونجد لها الأسماء الحسنة والتبريرات المقنعة لأنها صادرة منا.!!وعندما استنزفت اعصابها بالكامل استسلمت وقالت انه بيد ربه وتحت رحمته. . يعلم ما به. . وفي اللحظة التي يريد الله له الانعتاق من هذه الضبابية والضياع ورحلة التيه، سيرشده، وسيجعل اسبابه لكي تزول هذه الغيمة،ولكن رحلة الطيش والخوف والهلع استمرت بينما يكبر الأبناء الآخرون ويزداد الزوج عصبية وانطواء،هل يعوض نجاح الأبناء الآخرين الأم عن فشل احد أبنائها .. للأسف لا. . انها تنتشي لنجاحهم، ولكن هناك مرارة تظل عالقة في فمها وخيبة الأمل والحزن يسكنها ولا تتذوق الفرح كاملا،لقد كانت وضحة مدينة لفاطمة ومحمد وريم ونواف ببعض الفرحة والبهجة التي تتناسب مع تطور شخصياتهم وتماسكها ونجاحها وهم يريدونها معهم بروحها وليس بجسدها المفجوع، ونفسيتها الكئيبة لتشاركهم احتفالهم بالحياة وتساعدهم على تخطي متاعبها،كانوا يشعرون بوجود شبح الأخ الأكبر يهيمن على بيتهم ويسلبه البهجة والأمان، كانوا يغارون منه بينما يخاطبهم قلب وضحة معاتبا. .تغارون منه وهو تعب يتخبط في ضياعه سادرا في بوهيميته.. ادفع حياتي ليفيق ويعي واقعه ويتصرف بمسئولية وعقلانية، كانت لتهب حياتها كلها فقط لاستعادتة رشده،مع كل بريك لسيارة أوصوت سيارة شرطة أواسعاف ينتفض قلبها بين ضلوعها وترقب زوجها وهو يلتهم سجائره بعصبية ونهم،أرادوا التخلص من القلق والخوف والرعب. . من الكآبة التي تلف منزلهم وتخنق فرحتهم بضحكات اطفالهم الآخرين. ارادوا الهرب الى واقع آخر ينعتقون فيه من الترقب والعذاب. لقد ملت الشعور بعدم الاستقرار وتوقع حادث ما. بقدر ما كانت تريد نهاية لما هي فيه كانت ترتجف من كنه هذه النهاية.

الثامن
الحيرة

عندما رحلت الأم اخذت معها روح البيت وايضا اورثت سارة الاهتمام بشؤونه. فوالدها يحتاج بنفسه الى رعاية واهتمام وان كان من النوع المعتمد على نفسه، والذي يأبى رغم عماه ان يتكفل الآخرون بشؤونه الخاصة. ولكن البيت مسئولية كبيرة كانت معفاة منها بحضور الوالدة التي كانت تكلف ابناءها بعمل التصليحات اللازمة، وتقوم بتزويد البيت بالمؤن وتدبر امور الخادمة والسائق،لم تعد سارة مجرد نزيلة في هذا المنزل الواسع الذي كان يضم الأبناء جميعا قبل انتقالهم، والذي شهد زواجهم ابتداء من وضحة وحتى حسن، وعرف فرحة قدوم الأحفاد وتلقى التهاني فيه، وكان المقر لاجتماع العائلة جميعا دون غياب احد في الأعياد، لقد اصبحت الآن ربته والقيمة عليه والمراقبة لشئونه،كانت جلسة العصر قبيل المغرب بعد استيقاظها من قيلولة قصيرة تسترد بها حيويتها بعد عناء يوم شاق من العمل، هو بداية اشرافها على المنزل، حيث تنزل الى الطابق السفلي حيث الصالة الكبيرة لتجد والدها جالسا مكانه الأثير وبجواره الراديو وهو ينصت الى التعليقات والأخبار من اذاعة لندن، اذاعته المفضلة التي تذكر انها عندما وعت لشخصية والدها اكثر ما تتذكره متابعا للاذاعة منصتا لها كأنه يعيش حياته من خلالها. كان يعلق في السياسة ويتناقش مع أبنائه ويتعصب لرأيه، وكان شخصية غير تقليدية يؤيد التغيير، وضرورة احداث الفروق مهما يستدعي ذلك من ثمن فادح احيانا. كانت تسلم عليه للمرة الثانية في اليوم حيث تراه وتشرب الشاي معه صباحا قبل خروجها من المنزل الى العمل، واللقاء الثاني لتناول شاي العصر ولتصب له القهوة مع بعض البسكوت الخفيف او بقايا كيكة خالية الدسم كانت وضحة قد اعدتها في يوم سابق، او بعض الفاكهة التي تقشرها له سارة وتقطعها وتناولها اياه بانتظار قدوم وضحة ان لم تكن قد وصلت بعد، اومرور عبدالرحمن وأحد اطفاله فمنزل عبدالرحمن ملاصق لهما وابناؤه لا يشعرون بأن هناك فرقا بين المنزلين، بينما تباعدت زيارات غانم وحسن شيئا فشيئا لبعد مناطقهم السكنية من جهة، ولارتباطهم بأسرهم وذويهم أكثر من ارتباطهم بعائلتهم الأصلية واخواتهم من جهة اخرى،كانت سارة في المطبخ تستعد لأخذ القهوة لأبيها كعادتها عصر كل يوم بعد عودته من المسجد برفقة السائق حيث يتوسد مكانه المفضل في صالة المنزل ، يسمع الأخبار من الراديو والتعليقات و التحليلات بانتظار توافد الأبناء حسب ظروفهم وقد كانت وضحة اول الوافدين وقد دخلت المطبخ وهي متهللة : صحيح ان الأفراح اذا جاءت اتت تباعا. اشرق وجه سارة وقد توقعت ان يكون خبرا يخص الرجلين المتمردين في حياة وضحة زوجها وابنها،احمد اوخالد ولكن وضحة قالت بحب وفرحة. . بل لك انت. . لقد خطبت يا سارة ،قالت سارة بنوع من الانقباض : لم اعلم بأنني ميئوس مني لهذه الدرجة. كأنها معجزة. .!!تراجعت وضحة قليلا وقالت دون أن تنخفض حرارة صوتها : ولكن لأن هذه المرة لن تقولي لا. انه يريدك موظفة في هذه الوزارة ويعرف ايضا بخبر ترقيتك ويشجع النساء مثلك و..
ومن أين جاء هذا الانسان المتفتح وكيف جادت به السماء فجأة. .؟؟
يبدو انه سمع عنك في العمل وسأل عنك وهكذا وصل الى احمد تمهيدا للمجيء الى الوالد.
ومن هو. .؟؟
اسمه سالم وهو مهندس مثلك بل من الخريجين الأوائل حيث درس في بريطانيا وعمل سنوات في الحكومة ثم اسس له عمله الخاص ولم يسبق له الزواج.
تركت سارة ما بيدها وقالت باضطراب : ولماذا تعتقدين انه مناسب جدا لدرجة انك تكادين الطيران من الفرح.
قالت وضحة بثقة : مهندس مثلك، ويرضى بعملك بل انه أثنى عليك ويشجعك، وابن ناس، ولم يسبق له الزواج، وغني وماذا تريدين اكثر. .؟؟؟
لا ادري. . لم اعرف ان الزواج مجرد عملية حسابية. . مواصفات معينة اذا توافرت نجحت الحياة الزوجية،جلست وضحة الى جوار سارة وقالت بحنان : اذا اراد الناس ضمان السعادة الزوجية مئة بالمئة فلن يتزوج احد. .!! اسمعي مني. . ربما تعرفين عن احمد انه عصبي وضيق الخلق، وربما نكدي وطالما كسر كلامي امام الأولاد أونعتني بالغباء في حضورهم، ومعروف ان ابناءه يتحاشونه، ولا يستطيعون مجادلته، ولايمكن مناقشته اوالتفاهم معه. ولكن مع ذلك اعرف انه لم يكن كذلك عندما تزوجنا، وان الاحباطات والمرض الذي اصابه في حياته، حولته الى هذا الانسان العصبي. ان العشرة والعمر الطويل والذكريات المشتركة لا تعوضني عنه، ولا اتمنى فراقه. هكذا الحياة الزوجية.. مشاركة وعشرة،قالت سارة بتردد : لا ادري يا وضحة. .لقد فأجأتيني تماما بهذا الموضوع. اريد فترة لأستوعبه ولأعرف اكثر عن هذا الانسان،تتزوج. .؟؟ اذن لن يكون لها مستقبل مع سلطان ابدا. ولن تفكر فيه بعدها مطلقا وستكون النهاية بينهما. لامت نفسها بألم، وهل هناك بداية اصلا حتى تعتقد بأنها ستحكم بالنهاية على علاقة لم توجد اصلا. ولم تفكر بطريقة غريبة وخيالية وتبني توقعات من لا شيء، بل اوهام تخيم على عقلها الحالم. شكت في نفسها. . هل هذا طبيعي. ؟؟ كيف تسمح للخيال ان يسيطر عليها، يجب ان تنزل الى الواقع. ان تكون ناضجة عاطفيا وتتصرف مثل بقية الفتيات.. انها في السادسة والعشرين، وعليها أن تقلق لتكون اما قبل أن تضيع سنوات عمرها، وتتحول الى عانس بحق وحقيق.
عادت من جديد تفكر : تصبح اما، والن يهدد ذلك جهدها في العمل. هل ستتحول مثل صديقتها الجوهرة التي جاءت للعمل في المؤسسة من سنتين ثم اخذت اجازات متقطعة بسبب الحمل والولادة والآن تأتي الدوام متأخرة لأنها اخذت الطفل للتطعيم والمعاينة، وتذهب مبكرة بدعوى الرضاعة، وتغيب اياما بسبب مرض الطفل المتكرر وبكائه وسهر الليل معه.
عليها أن تختار بين العمل أو الزواج والأمومة.. وأصابها الهلع بالفعل وعلاها الوجوم. فما زالت في بداية الدرب ويملأها الحماس لقيادة خطط التغيير في المؤسسة، واثبات وجودها على الأقل امام نفسها واذا عطلها شيء آخر أواذا أثر في نشاطها فلن ترضى عن نفسها، وستحس بأنها فرطت بجزء قيم من عمرها،وعندما حضر شقيقها عبدالرحمن مع زوجته وطفليه لرؤية والده كعادتهم لاحظ ذهولها. وعلق ضاحكا بروحه المرحة :اذا كانت الترقية ستصيبك بصدمة فبلاها احسن، أم انك لا تريدين ان تقيمي حفلة بهذه المناسبة.،نريد كيكة بالايسكريم. .عمة سارة كان اطفال عبدالرحمن يرددون منتظرين استجابتها الجادة لمطلبهم،والتقطت وضحة الخيط وقالت لهم بأمومة متدفقة. تستاهلون وتستاهل سارة اكثر. الآن ابعث السائق يحضر لكم الكيكة بالأيسكريم ولايهمكم،لم تترك وضحة سارة لتفكر طويلا وهي تعلم بأن اختها ان تركت الموضوع يطول ربما تتغاضى عنه وفي نفس الوقت كانت قلقة عليها، فهي كوالدتها لا ترى ضمانا في العمل بقدر الأبناء. لو خيروها بين أكبر وظيفة وبين أبنائها فستختارهم بكل طواعية. ما يقلقها اكثر أن الفتاة ليست كالرجل يستطيع الزواج بأي عمر بسهولة فهناك عمر محدد للبنت ان فات ضاعت فرصتها للزواج، وحتى من يتقدمون لها الآن وتردهم وجلهم الكبار في السن والمطلقين سيرفضونها بعد ذلك وسيتقدمون للأصغر منها. .!! لذلك عادت في اليوم التالي مصطحبة اطفالها الذين تعشقهم سارة، وخصوصا الصغيرين نواف وريم واعوامهما الثانية والرابعة، وبعد أن لعبا معها ومع جديهما واسكرت الجميع خفة دمهما وشقاوتهما المنقطعة النظير كانت سارة تفكر اثناءها. . كيف يخطف هذان العفريتان قلبها وكيف تحبهما بل واطفال وضحة الآخرين بشكل مختلف عن ابناء اخوتها الآخرين رغم لطافتهم وكلامهم الجميل، هل لانهم ابناء شقيقتها واولئك ابناء اشقائها، وهل هناك اختلاف بين ابناء الأخ والأخت. . أم أنهم يتميزون بشكل مختلف عن غيرهم.. بروح لا يمكن انكارها، بتكوين الهي يخلب اللب. . أم ترى أن العناية الإلهية انزلت هذا التعلق في قلب سارة بهؤلاء الأبناء بالذات لحكمة مستقبليه ستظهر بعد ذلك في علم الغيب لتهبهم التعويض اللازم..؟؟عندما حضر عبدالرحمن وابناؤه كعادتهم ولكن هذه المرة تركهم ليدخلوا مع الخادمة، حيث اكتفى بالسلام على والده على عجل لانشغاله ببعض الأعمال الملحة بالخارج، حينئذ تركت وضحة ابناءها مع جدهم، واوصت خادمة عبدالرحمن بمراقبتهم مع ابناء خالهم، واشارت لسارة بأنها تريد الحديث معها،وعندما انفردت بأختها كانت وضحة لا ترغب في سماع اي تبرير وغير مستعدة له. وكان وجهها صارما ذكر سارة بوجه والدتها عندما تحنق عليها ويصيبها القهر منها وهي ترفض من يتقدم اليها، فقالت وهي تسبقها قبل أن تبدأ محاضرتها :هل سأتزوج مواصفات. . اليس لهذا الانسان شكل. .؟؟ وهو فقط سيتزوج معلومات، هناك اسمه كيمياء بين الناس قد تتنافر ارواح وقد تتجاذب، كيف اعلم انه ليس نقيضي الروحي.
هزت وضحة رأسها وقالت: اللهم طولك يا روح. . كل هذه الزيجات تتم بهذه الطريقة. ليس هناك ارواح ولا غيرها،قالت سارة بعصبية: في عملى معي في القسم رجال ومدرائي رجال والعاملين معي في الأقسام الأخرى رجال والذين نتعامل معهم في الوزارة رجال.. هؤلاء مسموح ان اقيمهم واعرف نفسياتهم بحسب ما اتعامل معهم. وهناك الذي لا اطيقه مثل رئيسى السابق وهناك الذي احترمه ولو اختلفت معه مثل رئيسي الثاني الذي انتقل، وهناك من اتحاشى التعامل معهم، ولولا ذرة من ادب لما بادلتهم السلام، وهناك المراجعون في امور تخصهم مع الوزارة. .ثم تريدين مني ان اتزوج واعيش طيلة حياتي مع انسان لم اره، ولم اكلمه البتة ولا تعرفينه انت، ولم يسمع به زوجك الا من احد معارفه، ثم تسألين بكل بساطة لما انت مترددة وصعبة، وكيف ترفضين هذه الفرصة، والأحرى أن تسميها القرعة فقد تخيب وقد تصيب. ولعلمك لست من النوع الذي يترك حياته للمقادير والاكتفاء بترديد.. كنا نظن انه جيد وحسبناه ابن حلال. . ولم نعلم انه كذا وكذا. . يجب أن يعي الجميع بأنني ارتكن فقط للتخطيط والتفكير قبل اتخاذ قرار مصيري كهذا. قالت وضحة باستسلام : ماذا تريدين. .؟؟ ماهي مطالبك. .؟؟
اريد ان اعرف على اي اساس اختارني..؟؟هل اخبره احد عني. .؟؟ أم انه رآني وارتاح لشخصيتي. عما يبحث.. هل عن زوجة تقليدية لديها استعداد لترك عملها او تغييره اذا تعارض ذلك مع قيمه. .؟؟ اعتقد انني مختلفة ومرتاحة مع عملي ولا أريد من يخطط لحياتي بالنيابة عني، ولا اريد سوء تفاهم مع احد،غامت عينا وضحة ووقعت بالحيرة. انه شعور ليس جديدا عليها. فطالما ارهقها التفكير بحال ابنها وكيفية التصرف معه وما هو الأفضل له. اسلوب القسوة أم اللين. الحرمان والطرد من المنزل ليعلم حال الدنيا ويفيق على الواقع، وقد ارهقت وهي تكرر اسطوانة مشروخة كرهت تردادها، اذ تحاول اقناعه بعدم ضياع الفرصة من امامه وتضييع مستقبله. انه مثل شقيقتها يناقش ويتكبر على اهم قرار يتحكم بحياته، ويحاصرها بأسئلة ومواضيع تدخلها في متاهات، ولا تسمح لها بالحكم بوضوح ، وقد حاصرها عناد وتصلب من تحب :
لا ادري ماذا نفعل. . وافقي انت وحينها سترينه ويراك، واذا لم يرض احدكما الآخر ذهب كل منكما في سبيله،قبل ان اوافق اريد ان اراه فان ذلك سيطمئنني أو سأقطع الطريق من اوله، ولن اجعلها كبيرة لدى الناس. فمجرد قبوله سينتشر الخبر وحينئذ سيتدخلون في العلاقة، لماذا انفضت الخطبة. .ماذا حدث. .؟؟ هل تركها. .ولماذا ؟؟ هل سمعت عنه شيئا . .؟؟ ان الناس لا يرحمون ولا يجعلون مصائبهم ابدا عظة لهم. يا سبحان الله..!! لم تستطع وضحة الاعتماد على احمد ولا حتى مناقشته بالموضوع. لقد اصبح نكدي بمعنى الكلمة، لا يحاول ان يساعد من جهة ولا يترك الآخرين اذا استشاروه يتصرفون،وعلى الرغم من أن الذي كلمه بخصوص سالم احد معارفه القدماء، الا ان وضحة فكرت في الاستعانة بمساعدة شقيقها عبدالرحمن للسؤال عن سالم اذا استطاع من مصادره،ولم يكن صعبا على عبدالرحمن تجميع معلومات عن سالم. فعبدالرحمن شخصية اجتماعية منفتحة ونشطة تستمد وجودها من قدرتها على الاتصال والتواصل مع الناس. فهو يتجدد وينمو من خلال العلاقات الانسانية. فلديه دائرة علاقاته الشخصية التي تتسع يوما عن يوم، وترتكز عليها اعماله الخاصة. فقد بدأ كموظف حكومي في وزارة الكهرباء والماء واصبح الآن بالاضافة الى وظيفته يدير مكتبا للعقارات على الرغم من صغره الا انه يتمتع بنشاط ملحوظ وحركة مستمرة وسمعة طيبة في السوق. ويساعده في اداء مهمته ملكاته الطبيعية التي وهبته لسانا طلقا وروحه مرحة. لذلك فقد فاجأ وضحة التي كلفته بالمهمة بتليفون صباحي بعد يومين فقط من حديثهما ايقظها من النوم الذي تعاوده بعد ذهاب الأولاد الى المدرسة :
اسمعي يا طويلة العمر. الكل يراهن على مستقبله. بدأ من الصفر والآن دخل في مشاريع كبيرة. رياضي ولديه اشتراك في الشيراتون و..لم تدعه وضحة يكمل وقد التقطت طرف الخيط كأنها وجدت ما كانت تبحث عنه فقاطعته بأمل،هذا هو الذي نبحث عنه.. ما دام انها تريد ان تراه دون ان يعرف ذلك لتحكم عليه بشكل مبدئي يؤدي لتقدمه اليها، فليس هناك افضل من رؤيته في النادي حيث سنذهب كلنا بحجة أخذ الأولاد للسباحة، وهناك تستطيع رؤيته ولا تملك حجة بعد ذلك.وهل يجب أن تراه شخصيا اذا كان على شكله. .لنحضر لها صورته وينتهي الأمر. لا تقتنع بالصورة لانها منمقة ولا تعطي الحقيقة وتكذب كثيرا، وهي تريد استشفاف شخصيته، وتصرفاته، ولا تريد بنفس الوقت أن يطول الموضوع ويتحول لخطبة حقيقية قد لا يكتب لها النجاح. .فقط بصمت ستحكم عليه من بعيد، اذا صادف القبول وإن شاء الله سنحرص على ذلك قربناه، وضغطنا عليها بحيث لاندع لها مبرراً للتردد.
على كل لدى حسن اشتراك في النادي لذلك سيكون سهلا دخولنا. . ولكن كيف نعرف مواعيد العريس الملاحق،هذه مهمتك انت. . اذهب مع شقيقك لممارسة الرياضة، واسأل هناك بأسلوبك الودود الجرسونات وستعرف ما تبحث عنه،اشرايكم آخذ كورسات في الجاسوسية ايضا. .! يا اختي العزيزة. .الرجل تتمناه كل البنات. غني ومبسوط وينتظره مستقبل لامع افضل منا جميعا.
ولكنها اختك العنيدة. . وعلى فكرة لا تقل لها بدأ من الصفر. ستقول. .من اين له هذا. .؟؟ وكيف جاءت امواله. يكفي ان نقول لها انه عصامي بنى نفسه بنفسه وكان محظوظا.

التاسع
الخطوبة

لم يتقبل حسن ذهاب شقيقتيه الى نادي الشيرتون بارتياح، كان ممتعضا ومكفهر الوجه وغير راضٍ ولكن كونه الشقيق الأصغر في حضرة الكبار، ولان والده ما زال على قيد الحياة، وقد انشأ بناته على تربية يراها ويرضى عنها، ولا يستطيع أحد من الأبناء التدخل في شئون البنات بوجوده، وقد عودهم على ذلك من صغرهم. وعلى الرغم من أن حسن كان الفرع المتعصب في العائلة ليس تدينا بقدر ما كان انقيادا للعادات والتقاليد على الرغم من أنه الوحيد الجامعي من اخوته، والذي درس بالخارج، وعاش الحياة الجامعية المختلطة بل انه تزوج ابنة عمه بعد قصة حب معروفة، ولكنه كان متزمتا غيورا يتشاجر مع سارة، وقد كانت الأكبر منه، حول اسلوب ارتدائها الحجاب حيث انه يريدها الالتزام بالنقاب مسايرة للآخرين، وقد شاهد النقاب يغزو المجتمع بحيث ارتدته حتى الأمهات. ولكنه لم يستطع فرضه عليها رغم وقوف والدته معه ولكنهما لم ينجحا بسبب عدم رضى والده برغبة ابنه الصغير بالسيطرة والتحكم. في هذه المرة لم يستطع حسن الرفض لان عبدالرحمن الأخ الأكبر هو من طلب منه ذلك، فحاول أن يكون موجودا بالشكل في هذا الموقف، وتركهم يفعلون ما يرغبون دون أن يشجعهم أويساعدهم. كانت يد الجميع على قلوبهم عندما كانوا جالسين عند بركة السباحة عبدالرحمن وحسن وشقيقتاهما اللاتي دارتا وجوههما وكان ذلك امر طبيعي لدى وضحة التي تربت منذ صباها على عدم الخروج من المنزل الا وقد غطت وجهها، وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تدخل بها مطعما أو ناديا حيث ان زوجها اعتزل الحياة العامة مبكرا، ولم تتعود على الذهاب مع اخوتها الى الأماكن العامة على قلتها ذلك الوقت. أما سارة فلم تتعود في حياتها على تغطية وجهها وكانت ترتدي الحجاب الذي ارتدته مؤخرا بالتزام وكواجب شرعي لتغطية الرأس، وقد كانت تكتفي قبل ذلك بلبس العباءة والطرحة على رأسها كتقليد اجتماعي، وقد فضلت الجلوس في مكان لا يكشفها ذلك لانها تحس بأنها قادمة لمهمة اكتشافية الهدف منها التحري بسرية عن وجود شخص معين.
كانوا يشعرون بقلق ان تفشل مهمتهم، ولايأتي سالم لأي سبب، وكان عبدالرحمن ينظر للساعة حيث لديه مصالحه الخاصة التي يحاول بالعمل بها زيادة دخله من وظيفته الحكومية، وكانت وضحة قلقة على ابنها وابن شقيقها اللذين احضراهما للسباحة وتركاهما في البركة دون رقيب مع انهما في العاشرة من عمرهما ويستطيعان الاهتمام بنفسيهما. أما حسن فقد احس بأنهم اضاعوا يوم تدريبه بوساوسهم التي لا مبرر لها ، وكان غير راضٍ لانقياد عبدالرحمن لشقيقتيه، وكان يود لو انه لم يشجعهن، واجبرهن على قبول الأمر الواقع. . الخطبة بالشكل التقليدي كبقية خلق الله، فهو لا يعنيه كثيرا ما يحيطون به انفسهم من مشاعر وخطط.
في لحظة ما كأنها النجاة قال لهم.
هذا هو المرتدى ملابس التنس البيضاء. عن اذنكم سأعاود السباحة ونهض.
وقبل ان يبتعد صرخت وضحة بصوت خافت وهي تقول برعب:
انظروا اليه انه يحدق صوبنا. .هل تراه يعرف..؟؟
كان سالم بالفعل قد لفت انتباهه وجودهم، وكانت نظرته بالفعل كأنه يتفحصهم وبدا كأنه لاحظ بأن هناك ست عيون تحدق به في نفس الوقت، لذلك لم يترك حسن يتخطاه و هو يراه قادما ليعبر من حوله، وبادره بالمصافحة، وبعد أن عرفه بنفسه ، سأله بجرأة.
اليس هؤلاء الأهل. .اريد السلام عليهم
ارتبك حسن ولم يدر كيف يتصرف اوماذا يقول، وقاده باستسلام الى طاولة الجالسين الذين علاهم الارتباك وسكنتهم المفاجأة. !
وبشكل واثق. .عرف سالم عن نفسه كذلك فعل عبدالرحمن وقد تجاهل وجود شقيقتيه، انه سلام رجال ولكن سالم لم يعر تجاهله انتباها، والتفت صوب سارة وقال بجرأة فاقت سابقتها :
الست الآنسة سارة. . لقد لمحتك في وقت سابق من الأسبوع الماضي في جهة عملك. ؟
حاولت سارة ان تتذكر ان رأت وجهه ولكنها لم تستطع. . لا اذكر انني رأيتك من قبل. ؟
بالفعل لقد كنت مشغولة وعلى عجلة من امرك ولكنني كنت واقفا عند المصعد عندما كنت تعبرين الممر ومعك بعض الأوراق،هزت سارة رأسها وكأنها استوعبت كلامه بينما أفاق عبدالرحمن، واستعاد طلاقة لسانه وقدرته على احتواء الموقف لكنه لم يدرك هل هو الذي دعا سالم للجلوس أو انه شاركهم ببساطة جلستهم، بينما اضطر حسن الى معاودة الجلوس على مضض، وانسحبت وضحة من الجلسة لارتباكها، ولم تتعود الجلوس على طاولة مع غريب ولو بحضرة اشقائها. وقالت وهي تداري خجلها وكأنها تحدث نفسها:
سأطمئن على الأولاد.
علق سالم بصوت واثق من نفسه:
ياله من مكان جميل لكي يتواجد فيه افراد الأسرة، ويزاول الأطفال الرياضة مع ذويهم ولكن كما ترون ان المستفيدين هنا فقط الأجانب بينما المواطنون يحضرون بدون عائلاتهم، ويحرمونهم من حقهم بالترفيه والاستمتاع.
تململ حسن في مكانه كأنه احس بأنه المقصود حيث انه لم يسبق أن احضر زوجته او اي احد من افراد اسرته قبل اليوم، حيث انه يعتبر بأن لا مكان للسيدات في هذا النادي المختلط، وقال بشيء من الضيق :
يوجد فرق بيننا و بين الأجانب فهم لا يراعون حرمة نسائهم و كل شيء جائز لديهم.
قال سالم :
الدنيا تغيرت يا اخي والنساء ايضا يحتجن الى الترويح مثلهن مثل رجالهن. و كما ترى هذا المكان الجميع في حالهم ولا توجد مضايقات و ما الى ذلك.
استمرت الجلسة بعد ذلك و قد استظرفها الاخوان لانها تحولت الى مواضيع العمل و التجارة والعقارات أحوال البلد. وبعودة وضحة مع الولدين قد خرجا من البركة متلفعين بفوطهما ينتظران حسن لأخذهما لحمام الرجال، استأذن سالم بينما انضمت وضحة الى عبدالرحمن وسارة، وهي تسأل بفضول :
هه ماذا حدث ما هو انطباعك ما رأيك. .؟
قالت سارة بانبهار: ليس اكثر من انه ساحر جذاب وجنتل، لم أر شخصا بهذا الذوق والكياسة والثقة بالنفس و. .
اسكتها عبدالرحمن :
يكفي. . يكفي عرفنا الخلاصة، يعني نقول مبروك.
وتمت خطبة سارة وسالم

وللأحداث بقية





الأعلى رد مع اقتباس
قديم 31 Mar 2007, 10:50 AM [ 8 ]
عضو متميز


تاريخ التسجيل : Jul 2005
رقم العضوية : 291
الإقامة : saudi arabia
الهواية : إِحْتِضاّن الـ غَ ـيمَ ..!!
مواضيع : 669
الردود : 16167
مجموع المشاركات : 16,836
معدل التقييم : 29عـــلاوي is on a distinguished road

عـــلاوي غير متصل




قصه جداَ جميله بارك الله فيكِ يا غاليتنا ..


بـ إنتظار التكملــه يالغاليه والله يعافيكِ ..!


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 31 Mar 2007, 01:58 PM [ 9 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
مواضيع : 1901
الردود : 9766
مجموع المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25بسمة is on a distinguished road

بسمة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص




سيف


مشكور على تواجدك في متصفحي

الله لا يحرمنا من حضورك

بسمة


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 31 Mar 2007, 03:52 PM [ 10 ]
نائب المشرف العام


تاريخ التسجيل : Mar 2005
رقم العضوية : 106
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 478
الردود : 33237
مجموع المشاركات : 33,715
معدل التقييم : 25عبدالله الشدادي is on a distinguished road

عبدالله الشدادي غير متصل




اشكرك اختي وفي انتظار الحلقه الثانيه

توقيع : عبدالله الشدادي
الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشتاء ملح الفصول حجازية الهوى مرافئ البوح 10 07 Apr 2010 10:40 AM
أرتقي بطموحك حتى تكون مثل شجرة الفصول الأربعة البسمة الخجولة القسم العام 6 26 Mar 2010 08:57 PM
"الآخرون" للكاتبة السعودية الشابة "صبا الحرز"،رواية فضائحية جديدة . كديميس كتّاب المنتدى في القصص والرواية الأدبية 5 16 Mar 2007 08:16 PM
~:: حلو الكلام ::~*~* للكاتبة مشاعل العيسى رغداء القسم العام 16 04 Oct 2006 10:05 PM
من أي الفصول أنت؟ بحر مرافئ البوح 7 02 Feb 2006 09:41 PM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

03:56 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com