..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الإسلامية > المنتدى الاسلامي
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 13 Dec 2009, 05:02 PM
عضو متميز

سطام الشدادي غير متصل

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
حملة السكينة للحوار ونبذ فكر الأرهاب



تقومُ فكرة الحملة على الانتشار في مواقع ومنتديات ومجموعات الإنترنت ، وذلك عبر فريق عمل مُختلِف التخصصات ، يُحقق بتكامله أهداف الحملة عبر الوسائل والأساليب المُناسبة والمؤثّرة . على أن تكون صفة الانتشار والتعامل مع الجمهور صفة شخصيّة وديّة ، ومن خلال هذه المواقع والمنتديات يتم بث المفاهيم الصحيحة ومُناقشة الأفكار المُنحرفة ، قد يكون هذا النقاش علناً أو عبر الرسائل الخاصّة ، ونُركّز على المضمون الشرعي بالإضافة إلى الأدب في الحوار ومُراعاة اختلاف المُخاطَبين . .

( 25 / 12 / 1423 هـ ) في البداية كانت تُمثّل مجموعة اجتهادات فرديّة تُحاول التصدّي لمفاهيم الغلو والتطرف التي تنتشر عبر مواقع ومنتديات الإنترنت ، ويتخذ الفريق من الحوار محوراً أساساً لتفكيك الشبه وكشف المفاهيم المنحرفة ، مع تكثيف إبراز المفاهيم الشرعية الصحيحة .

( 30 / 3 / 1424 هـ ) تم إطلاع معالي الشيخ / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ وزير الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية على هذه الجهود الفردية المُتواضعة فرغب أن تكون أكثر ترتيباً ، ووضع خطوطا عريضة ومسارات لانطلاق حملة مُنظّمة ذات أهداف واضحة ووسائل مُتنوّعة ، وضوابط تجعل من هذه الفكرة مشروعا أكثر جدية وفاعلية .

( 15 / 6 / 1424 هـ ) بعد مُضي ثلاثة أشهر من رعاية معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ للفكرة وتكييفها بشكلٍ يؤهلها للتأثير والتغيير تمّ رفع نتائج المرحلة وأهم المشكلات و المواد التي تم نشرها إلى معالي الشيخ الذي شجّع الفريق بشكل كبير للبدء فعلياً بتأسيس حملة مُكثّفة مبنية على أسس علمية وتقنية فكان المُقترح أن تدخل الحملة فترة تجربة وإعداد ، خاصّةً وأن عالم الإنترنت واسع ومُتشعّب ، فكانت فترة قياس لمجموعة من الوسائل والأساليب والأشخاص ، وتلمّس أفضل الطرق لتحقيق أكبر المكاسب خلال فترات وجيزة .

( 1 / 2 / 1425 هـ ) انطلقت الحملة رسمياً بعد أن تمّ تحديد مجموعة من الأهداف العامّة والخاصة ، وتجربة أفضل الوسائل للتأثير ، وتدريب مجموعة من المُحاورين على كشف الشبهات ونشر المفاهيم الصحيحة ، وكان ذلك بناءً على مُعطيات فترة التجربة والرصد والمُتابعة والتدريب ، حيث وافق معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ على انطلاق الحملة وأن تكون حملةً ( مُستقلة ) تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية .

أثّرت هذه اللفتة من معالي وزير الشؤون الإسلامية على مسار العمل إيجابيا وكانت دفعة قوية لعملٍ أكثر ثباتا وتركيزا ، وكانت لتوجيهاته المُباشرة ومُتابعته الدقيقة الأثر الكبير في استمرار الحملة وانتشارها بعد توفيق الله جل وعلا ومنته علينا أن سخّر لنا أسباب المُساهمة في حماية عقيدتنا وديننا وبلادنا من الفتن .

تم تفريغ مجموعة من الدعاة المُتمكنين وطلبة العلم والمُختصين للحملة ، بالإضافة إلى مجموعة من المُتعاونين ، وأخذت تتطور الوسائل والأقسام بشكلٍ مُتابعٍ ومدروس حتى حصلنا بفضل الله على مجموعة من النتائج الإيجابية والتي سيأتي بيانها .


الأهداف العامّة
1. نشر المنهج المُعتدل وتكريس قواعده وضوابطه ومفاهيمه.
2. التصدّي للأفكار والمناهج المُنحرفة المؤدية إلى العنف والغلو .
3. بناء شخصيّة إسلامية متوازنة مُنتجة وإيجابية وواعية .

الأهداف الخاصّة
1. بثّ المفاهيم والقواعد الشرعية التي تُكرّس المنهج المُعتدل .
2. كشف الشُّبهات التي يعرضها أصحاب الاتجاهات المُنحرفة .
3. فتح الحوار والنقاش في القضايا المُشكِلة ، بأساليب شرعية وأخلاقية
4. التصدّي لمن يبثّ أفكاره المُنحرفة .
5. تعميق مفاهيم الولاء والانتماء .
6. معالجة الأسباب التي تؤدي إلى الغلو والانحراف سواء كانت فكرية أو اجتماعية أو نفسيّة .
7. تقديم استشارات وحلول منطقيّة للأسر التي تلاحظ انحرافا في سلوك أحد أبنائها لاستدراك الوضع بالطريقة المناسبة .
8. رصد الحركة الفكرية وتحليلها ودراستها .

وسائل تحقيق الأهداف
1. التركيز على أكبر الشبهات وأكثرها انتشارا وتفنيدها عبر طرح الموضوعات في المواقع المختلفة والدخول في حوارات عامّة مع التركيز على الحوارات الثنائية الخاصّة .
2. مُناقشة الشباب والتحاور معهم عبر الماسنجر والرسائل الخاصة أو داخل غرف الحوار .
3. إرسال رسائل تحقق أهداف الحملة لمُرتادي الإنترنت وذلك لتحقيق هدف التطعيم ضد الأفكار المُنحرفة .
4. التصدي لدعاة الأفكار المنحرفة ، ومحاورتهم في المنتديات والرد عليهم وكشف شبهاتهم التي يعرضونها .
5. جمع وترتيب وتنسيق بيانات وخطابات العلماء ثم نشرها بالطريقة المُناسبة في المواقع والمنتديات .
6. مخاطبة أصحاب المواقع الجماهيرية والوصول إلى تفاهم ودي حول مسألة إثارة الفتن والتحريض خاصة في هذه المرحلة .
7. نشر الروابط الصوتية للعلماء والدعاة التي تُعالج المسائل المهمة .


رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:28 PM [ 2 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




التأصيل الشرعي :

شروطُ تكفير المعيَّنِ

25/10/2009 22:55:00 عبدالرحمن بن فؤاد الجارالله

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين,,, أما بعد:
الشرط الأول : إقامة الحجة: قال تعالى : (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )) (الإسراء: من الآية15). ومن ذلك مارواه مسلم في صحيحه (153) من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو أنَّ أبا يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار".
والمراد ببلوغ الحجة أي : الحجة الرسالية . قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (3/229): "ومن جالسني يعلم ذلك مني أنِّي من أعظم الناس نهياً عن أنْ ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى"ا.هـ.
ويُشترط لقيام الحجة: أن يتمكن من العلم بما أنزل الله ويقدر على العمل به .
وشرط فهم الحجة : هو فهم الدلالة والإرشاد .
وشرط قيام الحجة تتعلق به أحكامٌ في الدنيا وأحكامٌ في الآخرة ، ففي الآخرة لا يعذبُ الله أحداً إلا بعد قيامها للآية السابقة . وأما ما يتعلق بأحكام الدنيا ، فالشخص الكافر الذي لم تبلغه دعوة الإسلام فإنه يُحكم عليه بأنه كافر, فلا يُقال كما يقول البعض: أنه ليس بمؤمنٍ ولا كافر .
وشرط إقامة الحجة في من ارتكب شيئاً من المُكفرات وهو مسلمٌ أصلاً مسألةٌ مرتبطة بالتفاصيل والقواعد التي سبق ذكرها فلا يُكفر في مسائلٍ تخفى عليه، أو قد تخفى على مثله, إلا بعد إقامة الحجة عليه, وأما إنْ كانت من المعلوم من الدين بالضرورة فإنه لا يحتاج أن تُقام عليه الحجة بها؛ لأنها معلومةٌ لديه أصلاً ، وأما إنْ لم تكن معلومةً لديه كان عدم العلم بها بتقصيرٍ وتفريطٍ منه, وهذه المسألة كما سيأتي مرتبطة بمسألة الإعذارِ بالجهل فهناك جهلٌ يُعذر به وهناك جهلٌ لا يُعذر به .
و أما فهمُ الحجة فهل هو شرطٌ أم لا؟
أطلق بعضهم القول بأنَّ فهم الحجة شرط ، وبعضهم أطلق القول بأنه ليس بشرطٍ، وكليهما خطأ، ففهم الحجة بمعنى أنه لابد أن يعلم ما خُوطب به علماً تفصيلياً، لم يدل عليه دليل، فالشخص الكافر مثلاً لتقُمْ عليه الحُجة فلابد أنْ يعلم دقائقَ ما خُوطب به وتُشرح له تفاصيلُ الإيمان فهذا ليس بشرطٍ في الحقيقة ، بدليلِ أنَّ هناك من يكون منه عدم العلم لإعراضه وتقصيرٍ منه.
قال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف في إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية في معرض كلامه عن الحُجة(1/159): "فهمها نوعٌ وبلوغها نوعٌ آخر, فقد تقوم الحجة على من لم يفهمها"ا.هـ.
وإنما معنى الشرط في فهم الحجة أنْ يُخاطب بخطابٍ يفهمه ، فلا يصح أن نُخاطب الأعجمي بلسانٍ عربي لا يفهمه ونقرأ عليه القرآن وهو لا يفهمه ثم نقول: قد قامت عليه الحجة ، فلابد أن يفهم فهم دلالةٍ وإرشادٍ.
فالنصوص جاءت بالسماع وليس الفهم فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: لا يفهم, بل قال: لا يسمع بي... وكذلك قول الله تعالى : (( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ )) (التوبة: من الآية6) .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرسائل الشخصية (1/244): "فإنَّ الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يُعرَّفُ, وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة, ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى: { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا }..."ا.هـ.
وقال رحمه الله في الرسائل الشخصية (1/220): "بأنَّ المعين لا يُكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أنَّ قيامها ليس معناه أنْ يفهم كلام الله ورسوله مثلَ فهمِ أبي بكر رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن..."ا.هـ.
الشرط الثاني : شروط الفاعل :
1- أن يكون مكلفاً: أي بالغاً عاقلاً .
2- أن يكون متعمداً: أي قاصداً لفعله .
3- أن يكون مختاراً بإرادته .
الشرط الثالث : شروط الفعل :
1- أن يكون الفعل مكفراً لا شبهة فيه .
2- أن يكون فعل المكلف أو قوله صريح الدلالة على الكفر .
والفرق بين هذين الشرطين: فالأولُ: أنْ لا تكون فيه شبهة, فالشبهة في مثلِ القولِ بخلق القرآن . والثاني: أنْ يكون الفعلُ صريح الدلالة, مثل: قولِ الرجل : (لا صلى الله على من صلى عليه) فهذا القول محتملٌ وليس بصريحٍ في الدلالة، فهل يريد بالضمير (ـه) أنَّه يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم أم على الشخص؟.
3- أن يكون الدليل الشرعي المُكفِّر لذلك الفعل صريحَ الدلالة على التكفير.
الشرط الرابع : يشترطُ في إثباتِ فعل المكلف أنْ يثبت بطريقٍ شرعيٍ صحيحٍ, لا بظنٍ أو بتخريصٍ أو بشكٍ, وذلك بأنْ يكون الإثبات إما بالإقرار أو البيِّنَة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:32 PM [ 3 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




قواعد في التكفير

25/10/2009 22:54:00 عبدالرحمن بن فؤاد الجارالله

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين,,, أما بعد:
فإنني ومن خلال هذه المواضيع أُسطر هذه القواعد على فهم علماء أهل السنة والجماعة لموضوعٍ مما كثُرَ فيه الخبط والتخليط من قبل فِرَقٍ وطوائف شتى. نسأل الله أن يوفقنا ويسددنا إلى الصواب, ويهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه, إنه جوادٌ كريمٌ.
فمن خلال استقراء أهل العلم في النصوص الشرعية استنبطوا قواعدَ في التكفير, وهي كما يلي:
القاعدة الأولى : أن التكفير حكمٌ شرعي من أحكام الدين له أسبابه وضوابطه وشروطه وموانعه وآثاره ، شأنه في ذلك شأن سائر الأحكام الشرعية .
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (17/78): "لأن الكفر حكم شرعي وإنما يثبت بالأدلة الشرعية..."ا.هـ. وقال رحمه الله في رده على البكري(1/381):" فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأنَّ الكذب والزنا حرامٌ لحق الله.
وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأيضاً فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها وإلا فليس كلُّ من جهل شيئا من الدين يكفر..."ا.هـ.
ونستنتج من هذه القاعدة نتائج عدة:
1- أنه لا يثبت التكفير على قول إلا بدليل شرعي؛ لأن الكافر هو من كفره الله ورسوله .
2- أنه لا يحكم في التكفير إلا العالم بالأدلة الشرعية .
3- أنه لابد من تعلم أحكامه والتفقه فيه؛ لأنه حكم شرعي؛ ولأن له أهمية كبيرة لارتباطه بكثيرٍ من الأحكام الشرعية, مثاله: النكاح فلكي نقبل بالرجل زوجاً لابد أن يكون مسلماً .
4- أنه لا يصح ولا يجوز مجاوزة الحدِّ الشرعي فيه، لا بالإفراط ولا بالتفريط .
وهناك فرق بين التحذير من التكفير وبين التحذير من الغلو في التكفير ، فالنصوص تحذر من الغلو فيه وليس التحذير منه, ومن تلك النصوص ما رواه البخاري في صحيحه (5698) من طريق أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسين عن عبد الله بن بريدة قال حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي حدثه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك".
ولذا قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في إحكام الأحكام (4/76): "وهذا وعيدٌ عظيمٌ لمن كفَّر أحداً من المسلمين وليس كذلك وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لمَّا اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم وخرق حجاب الهيبة في ذلك جماعة من الحشوية وهذا الوعيد لاحق بهم إذا لم يكن خصومهم كذلك..."ا.هـ.
وقال الامام الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار (4/578):" اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة (أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) هكذا في الصحيح وفي لفظ آخر في الصحيحين وغيرهما (من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه) أي: رجع وفي لفظ في الصحيح (فقد كفر أحدهما) ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير..."ا.هـ.
القاعدة الثانية : التفريق بين التكفير المطلق(الأوصاف) والتكفير المعين(الأعيان) : وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.
وخالفت فرقٌ ، فأما الخوارج فأطلقوا التكفير وأما المرجئة فمنعوا منه فهما مابين طرفيْ نقيضٍ ، وكذا ما وقع من بعض الأفرادِ من انحراف في هذه القاعدة .
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (12/501):" فليس لأحدٍ أن يُكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلِط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة.
ومن ثبت إيمانه بيقين لم يَزُلْ ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة"ا.هـ.
وقال رحمه الله في مجموع الفتاوى (35/99): "لكنَّ تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين فإن بعض العلماء قد يتكلم في مسألة باجتهاده فيخطئ فيها فلا يُكفر وإن كان قد يُكفر من قال ذلك القول إذا قامت عليه الحجة المكفرة..."ا.هـ.
وقال رحمه الله في مجموع الفتاوى (3/230):" وكنت أُبين لهم أنما نُقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حقٌ, لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة (الوعيد)..."ا.هـ.
القاعدة الثالثة : الضوابط في تكفير المعين واجبةٌ في المقدور عليه, ولا تجب في الممتنع ولا المحارب ، أي: لابد أنْ نفرق بين أمرين : بين الحكم بتكفير المعين وبين إقامة أحكام الردة على ذلك المعين ، فلا يلزم من عدم إقامة أحكام الردة عدم تكفير المعين . مثال ذلك من الواقع : من انتسب إلى الإسلام ولكن ثبت يقيناً أنه كافر وهو غير مقدور عليه ، أي : غيرُ مقدورٍ على إقامة الأحكام الشرعية المترتبة عليه ، فلا يلزم من ذلك عدم تكفيره .
وأما المحارب ففرقٌُ بين أن يغزوا المسلمون بلده فهذا تُبَلَّغُ له الحجة؛ لأن القصد من الجهاد تبليغُ الدين ، وأما إنْ غزا المحارب بلاد المسلمين فلا تجب إقامة الحجة عليه بل الواجب دفعه إجماعاً كما نقله غير واحد من أهل العلم وهذا في جهاد الدفع .
القاعدة الرابعة : التوقف في عدم تكفير المعين – حتى تتوفر الشروط وتنتفي الموانع – إنما يكون ذلك فيمن ثبت إسلامه بيقينٍ أو جُهِل حاله ، وأما من ثبت كفره فلا يتوقف فيه .
القاعدة الخامسة : التوقف في تكفير المعين يكون في الأشياء التي قد يخفى دليلها .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم : " إن الذين توقفوا في تكفير المعين في الأشياء التي قد يخفى دليلها، فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية من حيث الثبوت والدلالة… وأما ما عُلم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء به ، وخالفه – المعين – فهذا يكفر بمجرد ذلك ولا يحتاج إلى تعريف سواء بالأصول أو الفروع ما لم يكن حديث عهد بالإسلام"ا.هـ .
أي: أنَّ شرط توفر الشروط وانتقاء الموانع ليس مطلقاً بل هو في المسائل التي يخفى علمها على مثل ذلك المعيَّن؛ لأن ما يُعلم بالضرورة أمرٌ نسبي, كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (13/118):" فكون الشيء معلوماً من الدين ضرورة أمرٌ إضافي فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة وكثيرٌ من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي سجد للسهو وقضى بالدية على العاقلة وقضى أنَّ الولد للفراش وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة وأكثر الناس لا يعلمه البتة"ا.هـ.
وقال رحمه الله في درء التعارض (3/304): "وكذلك كون العلم ضرورياً ونظرياً والاعتقاد قطعياً وظنياً أمورٌ نسبية فقد يكون الشيء قطعياً عند شخصٍ وفي حالٍ وهو عند آخرٍ وفي حالٍ أخرى مجهول فضلاً عن أنْ يكون مظنوناً وقد يكون الشيء ضرورياً لشخصٍ وفي حالٍ ونظرياً لشخصٍ آخرَ وفي حالٍ أخرى"ا.هـ.
فما قد يكون معلوم بالضرورة عند العالم قد لا يكون معلوماً عند طالب العلم, وما قد يكون معلوماً بالضرورة عند طالب العلم قد لا يكون معلوماً عند عامة الناس, وهكذا...
القاعدة السادسة : أحكام الكفر في الدنيا تجُرى على الظاهر. فمن أظهر الكفر-وتوفرت فيه الشروط وانتفت الموانع- فإنه يُكَفَّرُ, وأما عن باطنه فعلمه عند الله تعالى .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:34 PM [ 4 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




موانع تكفير المُعيَّن

25/10/2009 22:51:00 عبدالرحمن بن فؤاد الجارالله

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين,,, أما بعد:
فإن الموانع تنقسم إلى عدة أقسام كما قرر ذلك أهل العلم من خلال الاستقراء, وهي:
‌أ- موانع في الفاعل: وهي ما يعرض له فتجعله لا يؤاخذ بأفعاله وأقواله ، وتسمى عند الأصوليين بـ(العوارض الأهلية), انظر التقرير والتحبير (2/230), وتيسير التحرير (2/258), وشرح التلويح على التوضيح (2/348)، وهي قسمان :
1- عوارض غير مكتسبة ( سماوية ): ونُسبت إلى السماء لأنها نازلةٌ منها بغير اختيار العبد وإرادته, فلا دخل له في كسبها, وهي أنواع كالصغر والجنون ، ولا يُؤاخذ بما يفعلُ إنْ تلبست به, وإنما يؤاخذ بما يتعلق بحقوقِ العباد كالضمان .
2- عوارض مكتسبة: وهي التي للعبد نوع اختيارٍ في اكتسابها أو ترك إزالتها, وهي سبعةٌ ستةٌ من العبد, وهي: الجهل, والسفه, والسُكر, والهزل, والخطأ, والسَفَرُ, وواحدٌ من غيره وهو: الإكراه ,والمتعلقة بموضوعنا والتي قد يعذر بها هي أربع وهي:
العارض الأول : الخطأ: وهو انتفاء القصد, مثلَ: سَبْقِ اللسان, والدليل قوله تعالى: (( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ )) (الأحزاب: من الآية5) .
والعبرة في الخطأ كمانعٍ من موانع التكفير ، أنْ يقصد المكلف بفعله إتيانَ الفعل المُكَفِر لا أنْ يقصد الكفر به .
العارض الثاني : التأويل: والمراد به: وضع الدليل الشرعي في غير موضعه باجتهادٍ أو شبهةٍ تنشأ عن عدم فهم دلالة النص, أو فهِمَهُ فهماً خاطئاً ظنهُ حقاً, أو ظنَّ غير الدليل دليلاً.
فيُقدم المكلف على الفعل الكفري وهو لا يراه كفراً ، فينتفي شرطُ العمد، فإنْ أُقيمت عليه الحجة وبُيِّنَ خطأه وأصرَّ على فعله كَفَرَ حينئذٍ .
والتأويل المانع: هو التأويل السائغ, وهو الذي له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة ، مثاله: تأويل المتكلمين لليد بالقدرة .
وأما التأويل غير السائغ: فهو التأويل الذي ليس له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة ، ويكون صادراً عن محض رأي وهوى . مثاله : تأويل الرافضة لقوله تعالى: ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان)) بالحسن والحسين .وهو غيرُ مقبولٍ, وغير مُؤثرٍ في الحكم بالكفرِ.
وقد نقلَ العبدري في التاج والإكليل لمختصر خليل (6/285) عن ابن أبي الربيع قوله: "لأنَّ ادعاءه للتأويل في لفظٍ صُراحٍ لا يُقبل..."ا.هـ.
قال ابن الوزير في كتابه إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات (1/377): "وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله, كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى بل جميع القرآن والشرائع والمعادِ الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار"ا.هـ.
العارض الثالث : الجهل: ويكون مانعاً إذا كان من الجهل الذي لا يتمكن المكلف من دفعه أو إزالته. مثل شخصٍ في مكان منقطع وليس لديه أي وسيلة للعلم وللتعلم .
والعلماء متفقون على عدم عذر المُعْرض إن تمكن من العلم, والمراد هنا هو عُذرُ من لم يتمكن من العلم .
قال القرافي في الفروق (4/448): "لأنَّ القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف رفعه لا يكون حجة للجاهل لاسيما مع طول الزمان واستمرار الأيام فإنَّ الذي لا يُعلم اليوم يُعلم في غدٍ ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فسادٌ فلا يكون عذراً"ا.هـ.
وقال البعلي في قواعده (1/58): "جاهل الحكم هل هو معذورٌ أم لا؟", ثم قال: "فإذا قلنا يُعذر فإنما محله إذا لم يُقصِّر ويُفرِّط في تعلم الحكم أما إذا قصر أو فرَّط فلا يعذر جزماً"ا.هـ.
فيُعتبر الجهل مانعاً لمن كان عنده أصل التوحيد لكن خفيت عليه بعض المسائل التي قد تخفى أو تُشكل على مثله .
وقال الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف في إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية (1/116): "وليس كلُّ جهلٍ يكون عذراً لصاحبه فهؤلاء جُهال المقلدين لأهل الكفر كفارٌ بإجماع الأمة, اللهم إلا من كان منهم عاجزاً عن بلوغ الحق ومعرفته لا يتمكن منه بحالٍ مع محبته له وإرادته وطلبه وعدم المرشد إليه أو من كان حديث عهدٍ بالإسلام أو من نشأ بباديةٍ بعيدةٍ فهذا الذي ذكر أهل العلم أنه معذورٌ؛ لأن الحجة لم تقم عليه, فلا يكفر الشخص المعين حتى يعْرِفَ وتقوم عليه الحجة بالبيان وأما التمويه والمغالطة من بعض هؤلاء بأنَّ شيخ الإسلام توقف في تكفير المعين الجاهل فهو من التلبيس والتمويه على خفافيش البصائر, فإنما المقصود به في مسائلَ مخصوصةٍ قد يخفى دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية, من ردِّ أدلة الكتاب والسنة المتواترة فيكون القول المتضمن لردِّ بعض النصوص كفراً ولا يُحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع يمنع منه, كالجهلِ وعدم العلم بنفس النص أو بدلالته؛ فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها, ولذلك ذكرها في الكلام على بدع أهل الأهواء وقد نصَّ على هذا, فقال في تكفير أُناسٍ من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسألة, قال: وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم الكفر, وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجليَّة أو ما يُعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله".[قلت: ولم أجد قول شيخ الإسلام مع بالغِ التتبع, فلعله نقله بمعناه والله أعلم].
ثم قال:"وهؤلاء الأغبياء أجملوا القضية وجعلوا كُلَّ جهلٍ عذراً ولم يفصلوا وجعلوا المسائل الظاهرة الجليَّة وما يعلم من الدين بالضرورة كالمسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس وكذلك من كان بين أظهر المسلمين كمن نشأ بباديةٍ بعيدةٍ أو كان حديث عهدٍ بالإسلام فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل"ا.هـ.
العارض الرابع: الإكراه، قال تعالى : (( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ )) (النحل: من الآية106).
وحكم الأخذ به رخصة: كفعل عمار بن ياسر رضي الله عنه فقد أخرج الحاكم في مستدركه (3362), والبيهقي في الكبرى (16673), من طريق عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان عن هلال بن العلاء الرقي عن أبيه عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما وراءك؟", قال: شر يا رسول الله, ما تُركتُ حتى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير. قال: " كيف تجد قلبك؟" قال: مطمئن بالإيمان. قال: "إنْ عادوا فعُدْ", قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وعدم الأخذ به عزيمة: كفعل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه, وهي كما رواها ابن الجوزي في كتابيه الثبات عند الممات (1/53),وفي المنتظم (4/320), بسنده إلى ابن عباس قال: أسرَتِ الروم عبدالله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال له الطاغية: تنصَّر وإلا ألقيتك في النقرة النحاس, فقال: ما أفعل. فدعا بنقرة من نحاس فمُلئت زيتاً وأُغليت ودعا رجلاً من المسلمين فعرض عليه النصرانية فأبى فألقاه في النقرة فإذا عظامه تلوح, فقال لعبد الله ابن حذافة: تنصَّرْ وإلا ألقيتك, قال: ما أفعل, فأمر أن يُلقى في النقرة فكتفوه فبكى, فقالوا: قد جزع, قد بكى, قال: ردوه, فقال: لا تظنّن أني بكيت جزعاً؛ ولكن بكيت إذ ليس لي إلا نفسٌ واحدة يُفعل بها هذا في الله عز وجل, كنت أحب أن يكون لي أنفسٌ عدد كلَّ شعرةٍ فيَّ, ثم تُسلط عليَّ فتفعل بي هذا, قال: فأعجبه وأحبَّ أنْ يُطلقه, فقال: قبِّلْ رأسي وأُطلقك, قال: ما أفعل, قال: تنصَّر وأُزوجك ابنتي وأُقاسمك ملكي, قال: ما أفعل, قال: قبِّل رأسي وأُطلق معك ثمانين من المسلمين, قال: أما هذا فنعم, فقبل رأسه فأطلقه وثمانين معه. فلما قدموا على عمر قام إليه عمر فقبَّل رأسه, وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمازحون عبد الله ويقولون: قبَلْتَ رأسَ عِلْجٍ.
وللإكراه شروطٌ لا يكون مانعاً بدون توفرها :
1- أنْ يكون المُكْرِهُ قادراً على إيقاع ما يهدد به ، والمُكْرَهُ عاجزٌ عن الدفع ولو بالفرار.
2- أنْ يغلب على ظن المُكْرَهِ أنه إذا امتنع أُوقِع به ما يُهدَّدُ به .
3- أنْ لا يظهر على المُكْرَهِ ما يدُّل على تماديه, بأن يعمل أو يتكلم زيادة على ما يمكن أنْ يدفع به البلاء .
4- أنْ يُظهِّر إسلامه متى ما زال عنه الإكراه .
5- أنْ يكون ما يُهدَّدُ به مما لا طاقة لا به، ويعبر عنه عند الأصوليين بـ(الإكراه الملجئ) كأن يُقطع منه عضوٌ .
فيجب التفريق بين النطق بكلمة الكفر أو فعله, ثم العودة إلى إظهار الإسلام، وبين الإقامة على الكفر والبقاء عليه .
وقال ابن قدامة في المغني (9/31):"وروى الأثرم عن أبي عبد الله-يعني الإمام أحمد- أنه سُئل عن الرجل يُؤمر فيعرض على الكفر ويكره عليه, أله أن يرتد؟ فكرهه كراهةً شديدة, وقال: ما يُشبه هذا عندي الذين أُنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , أولئك كانوا يُرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاءوا, وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم"ا.هـ.
‌ب- موانع في الفعل :
1- كون الفعل أو القول غير صريح في الدلالة على الكفر .
2- كون الدليل الشرعي الذي استُدِل به غير قطعي في دلالته على أن ذلك الفعل أو القول مكفراً .
‌ج- موانع في الثبوت: وذلك بأن لا يكون قد ثبت الكفر على فاعله أو قائله الثبوت الشرعي .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:37 PM [ 5 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




الراية وإذن الإمام في الجهاد

29/05/2009 23:50:00 موقع السكينة

يُشترط لصحة الجهاد وجود راية يُقاتَل من ورائها، يقودُها إمام المسلمين المبايع، أو مَن يُنيبه.
أو استئذانه لمن أراد أن يجاهد تحت راية غيره، مع بقاء البيعة للإمام الأول، وعدم خلعها.
ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
1- قوله سبحانه: ( وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر مِنهم لعلمه الذين يستنبطونه مِنهم ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته لاتبعتمُ الشيطانَ إلا قليلاً ) [النساء 83].
ففي هذه الآية: النصُّ على وجوب لزوم أولي الأمر في حال الأمن والخوف، ولا شكَّ أن الجهاد والغزو من أمور الأمن والخوف التي ينبغي عندها الرجوع إلى أولي الأمر من الأمراء، وأصحاب الولاية من العلماء.
2-وقوله تعالى: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال.. ) [الأنفال 65].
ففي هذه الآية: يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بحَثِّ أتباعه من المؤمنين على القتال، ولم يأمر المؤمنين بحَثِّ بعضهم بعضاً، وإنما خصَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه هو ولي الأمر، فتبين بذلك أن التحريض على القتال مِن خصائص السلطان، وليس من خصائص غيره.
3-وقد حثَّ الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على لزوم طاعة ولي الأمر، ومَن ينيبه ولي الأمر لشؤون الغزو والجيوش، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [النساء 59].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت - هذه الآية - في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية [1] .
4-ومن السُنة حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه المخرَّج في الصحيحين: « كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني....» وفيه سؤاله: فما ترى إن أدركني ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ». فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها. ولو أن تعض على أصل الشجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك » [2] .
ووجه الدلالة من الحديث: أن المسلم مُطالب بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، في كل حال، ومن ذلك أمور الجهاد والغزو، وأمور الأمن والخوف.
وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حذيفة باعتزال الفرق المخالفة للجماعة حينما لا يكون هناك جماعة ولا إمام، ولم يأمره بقتالها، فدلَّ على أن القتال لا يكون إلا خلف إمام.
ثم إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر حذيفة باعتزال هذه الفرق، حينما لا يكون إمام للمسلمين، فإن اعتزال هذه الفرق - ومنها الفرق الجهادية الموجودة اليوم - في حال وجود إمام المسلمين من باب أولى.
5-وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفِرتم فانفروا» [3].
قال النووي رحمه الله عند شرحه للحديث: ( قوله : صلى الله عليه وسلم « وإذا استنفرتم فانفروا» معناه: إذا دعاكم السلطان إلى غزوٍ فاذهبوا) [4] .
قلت: ومفهوم الحديث إن لم يستنفركم الإمام فلا نفير، ولهذا قال الكرماني رحمه الله -كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح- : (... يمكن أن يؤخذ من قوله: (وإذا استنفرتم فانفروا) إذ معناه: لا تغدروا بالأئمة ولا تخالفوهم لأن إيجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر..) [5] .
6-وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال: (ففيهما فجاهد» [6].
ووجه الدلالة من الحديث: أن هذا الرجل أتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فدلَّ ذلك على أنهم كانوا لا يجاهدون إلا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤخذ منه وجوب استئذان وليَّ الأمر في الجهاد.
7-وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن قاتل تحت راية عُمِّيةٍ يدعو إلى عصبية، أو يغضب لعصبيةٍ فقُتِلَ، فقتلة جاهلية» [7].
8-وبوّب البخاري في صحيحه بابٌ: يُقاتل من وراء الإمام ويُتقى به. ثم روى بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «.. وإنما الإمام جُنَّة، يُقاتل من ورائه، ويُتقى به، فإن أمَرَ بتقوى الله وعَدَل، فإن له بذلك أجراً، وإن قال بغيره، فإن عليه مِنْهُ» [8] .
قال النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام جُنَّة) أي كالستر، لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس، ويخافون سطوته، ومعنى (يقاتل من ورائه): أي يُقاتلُ معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقاً...) ا.هـ [9] .
كما أن الجملة الفعلية (يُقاتلُ من ورائه) وقعت صفة لقوله (جُنَّة) فدخلت تحت الحصر، فكأنه قال: لا قتال إلا بإمام.
9-وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة [10]، وياسر الشريك [11]، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخراً ورياءً وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف» [12] .
● وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في طاعة الإمام في الجهاد، ففي غزوة الأحزاب - وفي ليلة مطيرة شديدة البرد - عندما أمَرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم حذيفة رضي الله عنه بأن يأتيه بخبر القوم، لم يتوانَ رضي الله عنه في الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. قال حذيفة رضي الله عنه وهو يُحدِّثُ بهذا الحديث: (فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم).
فلما أراد أن يذهب، قال له النبيُ صلى الله عليه وسلم: «اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم عليَّ» وفي رواية: «يا حذيفة، فاذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثنَّ شيئاً حتى تأتينا» [13] .
قال حذيفة رضي الله عنه: (فلما وليتُ من عنده جعلتُ كأنما أمشي في حمَّام، حتى أتيتهم فرأيتُ أبا سفيان يُصْلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كبد القوس فأردتُ أن أرميه، فذكرتُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تذعرهم عليَّ) ولو رميته لأصبته فرجعت..) [14] .
الله أكبر! تذكَّر رضي الله عنه أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له بألا يُحدِث شيئاً، فالتزمه، مع تمكنه من أبي سفيان، ولو أراد قتلهُ لفعل، ولكنه قدَّم أمْرَ نبيِّه وولي أمره صلى الله عليه وسلم على حظوظ نفسه، فرضي الله عنه وأرضاه.
● وعن مجاهدٍ قال: سألتُ ابنَ عمر رضي الله عنه عن الغزو مع أئمة الجور وقد أحدثوا، فقال: اغزوا [15] .
● وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في أصول السُنة [16] : (والغزو ماضِ مع الأمراء إلى يوم القيامة البَرِّ والفاجر لا يُترك).
● وقال أبو داود: قلتُ لأحمدَ: إذا قال الإمامُ: لا يغزُوَنَّ أحَدٌ مِن أهلِ عينِ زِرْبةَ؟ قال: فلا يغزونَّ أحدٌ منها [17] .
● وقال الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية [18] : (والحجُّ والجهادُ ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين: برَّهم وفاجرهم، إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما).
جاء في تعليق الشيخ العلاّمة صالح الفوزان حفظه الله على كلام الطحاوي: (.... ومن ينظّم القتال ويقوده؟ هو الإمام، فنحن نتبع الإمام، فإن أُمرنا بالغزو نغزو، ولا نغزو بغير إذن الإمام؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه من صلاحيات الإمام: âيا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرضá [التوبة 38] فالقتال من صلاحيات الإمام، فإذا استنفر الإمام الناس للقتال وَجَبَ على كل من أطاق حمل السلاح، ولا يُشترط في الإمام الذي يقيم الحج والجهاد أن يكون غير عاصٍ، فقد يكون عنده بعض المعاصي والمخالفات، لكن ما دام أنه لم يخرج من الإسلام فيجب الجهاد والحج معه) [19] .
● وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله في العُمدة [20]: (ويُغزا مع كل إمام برٍ وفاجر، ويقاتل كلُ قومٍ مَن يليهم مِن العدو). قال شارح العمدة بهاء الدين المقدسي: (ويُغزا مع كل بر وفاجر، يعني مع كل إمام).
● وقال رحمه الله في المقنع [21] : (ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير، إلا أن يفاجئهم عدوٌ يخافون كَلَبُه). ● وقال في المُغني [22] : (وأمرُ الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه مِن ذلك).
● وقال الشيخ مجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام، إلا أن يفاجئهم عدوٌ يُخشى كَلَبُه بالإذن فيسقط) [23] .
● وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية حاكياً عقيدة أهل السُنة والجماعة: (ويرون إقامة الحج والجهاد والجُمع والأعياد مع الأمراء، أبراراً كانوا أو فجّاراً). قال فضيلة الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله معلقاً: (... أهل السُنة والجماعة يقولون: نحن نرى إقامة الحج مع الأمراء سواء كانوا أبراراً أو فجاراً، وكذلك إقامة الجهاد مع الأمير، ولو كان فاسقاً، ويُقيمون الجهاد مع أميرٍ لا يصلي معهم الجماعة، بل يصلي في رحله. فأهل السُنة والجماعة لديهم بُعدُ نظر، لأن المخالفات في هذه الأمور معصية لله ورسوله، وتجُر إلى فتن عظيمة. فما الذي فتح باب الفتن والقتال بين المسلمين والاختلاف في الآراء إلا الخروج على الأئمة؟! فيرى أهل السُنة والجماعة وجوب إقامة الحج والجهاد مع الأمراء، وإن كانوا فجّاراً...) [24] .
● وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والجهاد لا يقوم به إلا ولاة الأمور، فإن لم يُغزَ معهم، لزم أنَّ أهل الخير الأبرار لا يجاهدون، فتفتر عزمات أهل الدين عن الجهاد، فإما أن يتعطل، وإما أن ينفرد به الفجّار، فيلزم مِن ذلك استيلاء الكفار، أو ظهور الفجّار، لأن الدين لمَن قاتل عليه) [25] .
● وقال العلاّمة الحجّاوي رحمه الله في زاد المستقنع: (ويتفقد الإمامُ جيشه عند المسير... ويلزمُ الجيشَ طاعته والصبر معه ولا يجوز الغزو إلا بإذنه). قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله معلقاً: (أي: لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر، لأن المُخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبعٌ لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحدٍ أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون كَلَبَهُ فحينئذٍ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعيُنِ القتال إذاً) [26] .
● وقال الإمامُ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في عقيدته التي أرسلها لأهل القصيم: (وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة) [27] .
● وقال بعض أئمة الدعوة النجدية [28] رحمهم الله في بعض رسائلهم: (وأما الجهاد فهو موكولٌ إلى نظر الإمام، وعليه أن ينظر ما هو الأصلح للإسلام والمسلمين، على حسب ما تقتضيه الشريعة) [29] .
وقالوا [30] في بعض رسائلهم: (... ورأينا أمراً يُوجب الخلل على أهل الإسلام، ودخولَ التفرق في دولتهم، وهو الاستبداد دون إمامهم، بزعمهم أنه بنية الجهاد، ولم يعلموا أن حقيقة الجهاد ومصالحة العدو، وبذل الذمة للعامة، وإقامة الحدود، أنها مختصة بالإمام، ومتعلقة به، ولا لأحدٍ من الرعية دخلٌ في ذلك إلا بولايته..) [31] .
● وقال الشيخ سعد بن محمد بن عتيق رحمه الله: (ومما انتحله بعضُ هؤلاء الجهلة المغرورين: الاستخفاف بولاية المسلمين، والتساهل بمخالفة إمام المسلمين، والخروج عن طاعته، والافتيات عليه بالغزو وغيره، وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان، يَعرفُ ذلك كلُّ ذي عقل وإيمان..) [32] .
● وقال فضيلة الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (لابد [أي للجهاد [33]] من شروط، منها القدرة على قتال العدو بحيث يكون لدى المجاهدين قدرة بشرية، ومالية، وعتادية، ومنها أن يكونوا تحت راية إمام يجاهدون بأمره) [34] .
● وسئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله السؤال التالي: ما هي شروط الجهاد، وهل هي متوفرة الآن؟
فأجاب: (شروط الجهاد معلومة: أن يكون في المسلمين قوة وإمكانية لمجاهدة الكفار، أما إن لم يكن عندهم إمكانية ولا قوة فإنه لا جهاد عليهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في مكة قبل الهجرة ولم يُشرع لهم الجهاد، لأنهم لا يستطيعون. وكذلك لابد أن يكون الجهاد تحت قيادة مسلمة، وبأمر ولي الأمر، لأنه هو الذي يأمر به، وينظمه، ويتولاه، ويشرف عليه، فهو من صلاحياته، وليست من صلاحيات أي أحد أو أي جماعة تذهب أو تغزو بدون إذن ولي الأمر) [35] .
● وسئل حفظه الله: ما حكم الذهاب إلى الجهاد دون إذن ولي الأمر مع أنه يُغفرُ للمجاهدِ من أول قطرة مِن دمه وهل يكون شهيداً؟
فأجاب: إذا عصى ولي الأمر وعصى والديه وذهب فإنه لا يكون مُجاهداً بل يكون عاصياً [36] .
------------------------------------------------------------------


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:43 PM [ 6 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




أقسام مظاهرة المشركين

29/05/2009 23:49:00 موقع السكينة

تنقسم موالاة الكفار ومظاهرتهم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن تكون تولياً تاماً مطلقاً عاماً فهذا كفر مخرج عن ملة الإسلام وهو مراد من أطلق الكفر .
الدليل: قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ( 51 - سورة المائدة ) .
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا ً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل )( 1 - سورة الممتحنة ) .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات ما نصه: (( نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ، ثم توعد على ذلك ؛ فقال تعالى : ( ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ) أي ومن يرتكب نهى الله في هذا ، فقد بريء من الله ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) ـ إلى أن قال ـ ( ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ) ؛ وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً ) ؛ وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) الآية .
وقال تعالى بعد ذكر موالاة المؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ( 73 - سورة الأنفال ). ا هـ
وقال الإمام ابن جرير الطبري : من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضي وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمهم . أ هـ
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ : قد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة . أ هـ .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : إن كان تولياً تاماً كان ذلك كفراً وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه . أ هـ
الثاني : أن تكون لأجل تحصيل مصلحة خاصة للمتولي والمظاهر وليس هناك ما يلجئ إليها من خوف ونحوه فهذا حرام وليس بكفر .
الدليل : قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي رواها البخاري ومسلم وغيرهما وهي أنه كتب كتابا ً لقريش يخبرهم فيه باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم للزحف على مكة إذ كان يتجهز لفتحها وكان يكتم ذلك ليبغت قريشا ً على غير استعداد منها فتضطر إلى قبول الصلح وما كان يريد حرباً ، وأرسل حاطب كتابه مع جاريه وضعته في عقص شعرها فأعلم الله نبيه بذلك فأرسل في أثرها علياً والزبير والمقداد وقال : « (( انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها )) فلما أتي به قال : (( يا حاطب ما هذا )) ؟ فقال : يا رسول الله لا تعجل على ! إن كنت حليفاً لقريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا ً يحمون بها قرابتي ولم أفعله ارتدادا ً عن ديني ولا رضي بالكفر بعد الإسلام ، فقال عليه الصلاة والسلام: (( أما إنه قد صدقكم )) واستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فلم يأذن له » ، قالوا وفي ذلك نزل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ) ( 1 -سورة الممتحنة ) .. إلخ .
قال الحافظ ابن حجر : [ قوله في قصة حاطب بن أبي بلتعة « فقال عمر : دعني يا رسول الله فأضرب عنقه » إنمـا قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من بنسب إلى النفاق وظن أن من يخلف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقاً لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة « فقال: أليس قد شهد بدراً قال بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك » اهـ .
وقال ابن حزم : [ وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على أخذ أموالهم أو سبيهم فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ولا يكون بذلك كافراً لأنه لم يأت شيئا ً أوجب به عليه كفراً قرآن أو إجماع ]ا هـ .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا : [ وإذا كان الشارع لم يحكم بكفر حاطب في موالاة المشركين التي هي موضع النهي ] ا هـ .
ولذا لم يذكر الفقهاء الموالاة والمظاهر من ضمن المكفرات في باب حكم المرتد يتضح ذلك لمن أطلع على كتاب الإقناع وشرحه والمغني وغيرهما .
ويلاحظ أن الله عز وجل نادى حاطبا ً بلفظ الإيمان في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا ) الآيـة، فـدل علـى أنه لم يكفر بذلك العمل مع أنه قال: ( تلقون إليهم بالمودة ) وقال: ( تسرون إليهم بالمودة ) .
الثالث : أن تكون بسبب خوف من الكفار ونحوه فالحكم في ذلك الجواز .
الدليل : قوله تعالى : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) قال ابن كثير : أي إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ، كما قال البخاري عن أبي الدرداء : أنه قال (( إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم )) ا هـ .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا : [ يزعم الذين يقولون في الدين بغير علم ، ويفسرون القرآن بالهوى في الرأي ، أن آية آل عمران وما في معناها من النهي العام والخاص كقوله تعالى : â يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء á ( 51 - سورة المائدة ) ، يدل على أنه لا يجوز للمسلمين أن يحالفوا أو يتفقوا مع غيرهم ، وإن كان الخلاف أو الاتفاق لمصلحتهـم ، وفاتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محالفاً لخزاعة وهم على شركهم ، بل يزعم بعض المتحمسين في الدين على جهل أنه لا يجوز للمسلم أن يحسن معاملة غير المسلم أو معاشرته أو يثق به في أمر من الأمور ]
وقال أيضاً : [ وعلى هذا يجوز لحكام المسلمين أن يحالفوا الـدول غير المسلمة لأجل فائدة المؤمنين بدفع الضرر أو جلب المنفعة ] اهـ .
ومتى وجدت الموالاة والمظاهرة للكفار فإن الذي سيطبق نوع هذه الموالاة والمظاهرة من الأقسام الثلاثة على من فعلها عليه أن يتقى الله في عدم التسرع وعليه أن يعرف حقيقة الأمر وباطنه فالورع عن أكل المحرمات وفعل المنكرات ليس بأولى من الورع في إخراج مسلم عن ملة الإسلام والفتوى في مثل هذه القضايا العامة التي تتعلق بتعامل الدول مع بعضها والحكام مع بعضهم ليست من حق كل أحد من طلبة العلم بل من اختصاص كبار العلماء الذين يتصلون بولاة الأمر ويعرفون حقيقة الأوضاع فغالبا ً ما تكون الأمور المعلنة مخالفة للواقع الخفي فالمفتي مثل الطبيب الذي يشخص الداء أولا ً ثم يصف الدواء وبعض المفتين مثل الصيادلة عندهم علم بالنصوص ولكنهم لا يستطيعون تطبيق تلك النصوص على الواقع ، كما أن الفتاوى الفردية في الأمور العامة تدعو إلى تشعب الفتاوى واختلافها ثم إلى اختلاف الأمة وانقسامها وشق عصا الطاعة في وقت تكون الأمة بحاجة ماسة إلى الاجتماع ووحدة الكلمة ، ومن سبر حال النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين وتعامله معهم اتضح له معنى تلك النصوص ومراعاتها للمصالح واعتبارها لدرء المفاسد وذلك عندما يصالح النبي صلى الله عليه وسلم مشركي قريش في الحديبية مدة عشر سنين وهو بذلك يمكنهم من البقاء في مكة على شركهم وتدنيس البيت بالشرك ونصب الأوثان ويتضمن الصلح أيضاً ما جاء في صحيح البخاري ونصه « فلما أبى سهيل أن يقاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على ذلك كاتبه رسول الله فرد رسول الله أبا جندل ابن سهيل يومئذ إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأت رسول الله أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما » .
ولو أن حاكما ً بعد النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك وقام برد المسلمين وتسليمهم إلى الكفار لحكم عليه بعض المنتسبين إلى العلم بالكفر والردة .
فنصيحتي للمسلمين عامة وطلبة العلم خاصة أن يكفوا عن أسباب الشقاق بين المسلمين لأن هذا مما يخدم الأعداء المتربصين وعليهم أن يسعوا جاهدين لتوحيد الكلمة ووحدة الصف قال تعالى : âواعتصموا بحبل الله جميعا ً ولا تفرقوا á وقال صلى الله عليه وسلم : « من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد منكم يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا ً من كان » .
وفقهاء الأمة والعلماء الربانيون يراعون في إصدار الفتاوى القواعد الشرعية مثل قاعدة جلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها وقاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما ، نسأل الله الكريم أن يجمع شمل المسلمين وأن يوحد صفوفهم على الحق وينصرهم على أعدائهم ويعز دينه ويعلي كلمته إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:46 PM [ 7 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




حكم الاستعانة بغير المسلمين

29/05/2009 23:47:00 موقع السكينة

أما ما يتعلق بالاستعانة بغير المسلمين فهذا حكمه معروف عند أهل العلم والأدلة فيه كثيرة والصواب ما تضمنه قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أنه يجوز الاستعانة بغير المسلمين للضرورة إذا دعت إلى ذلك لرد العدو الغاشم والقضاء عليه وحماية البلاد من شر إذا كانت القوة المسلمة لا تكفي لردعه جاز الاستعانة بمن يظن فيهم أنهم يعينون ويساعدون على كف شره وردع عدوانه سواء كان المستعان به يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو غير ذلك إذا رأت الدولة الإسلامية أن عنده نجدة ومساعدة لصد عدوان العدو المشترك .
وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا وهذا في مكة استعان بمطعم بن عدي لما رجع من الطائف وخاف من أهل مكة بعد موت عمه أبي طالب فاستجار بغيره فلم يستجيبوا فاستجار بالمطعم وهو من كبارهم في الكفر وحماه لما دعت الضرورة إلى ذلك وكان يعرض نفسه عليه الصلاة والسلام على المشركين في منازلهم في منى يطلب منهم أن يجيروه حتى يبلغ رسالة ربه عليه الصلاة والسلام على تنوع كفرهم واستعان بعبد الله بن أريقط في سفره وهجرته إلى المدينة - وهو كافر - لما عرف أنه صالح لهذا الشيء وأن لا خطر منه في الدلالة وقال يوم بدر لا أستعين بمشرك ولم يقل لا تستعينوا بل قال : لا أستعين لأنه ذلك الوقت غير محتاج لهم والحمد لله معه جماعة مسلمون وكان ذلك من أسباب هداية الذي رده حتى أسلم .
وفي يوم الفتح استعان بدروع من صفوان بن أمية وكان على دين قومه فقال : أغصبا يا محمد فقال : لا ولكن عارية مضمونة
واستعان باليهود في خيبر لما شغل المسلمون عن الحرث بالجهاد وتعاقد معهم على النصف في خيبر حتى يقوموا على نخيلها وزروعها بالنصف للمسلمين والنصف لهم وهم يهود لما رأى المصلحة في ذلك . فاستعان بهم لذلك وأقرهم في خيبر حتى تفرغ المسلمون لأموالهم في خيبر في عهد عمر فأجلاهم عمر رضي الله عنه .
ثم القاعدة المعروفة يقول الله جل وعلا : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) والمسلمون إذا اضطروا لعدو شره دون العدو الآخر وأمكن الاستعانة به على عدو آخر أشر منه فلا بأس .
ومعلوم أن الملاحدة والبعثيين وأشباههم أشر من اليهود والنصارى ، والملاحدة كلهم أشر من أهل الكتاب وشرهم أعظم فالاستعانة العارضة بطوائف من المشركين لصد عدوان العدو الأشر والأخبث لدفع عدوانه والقضاء عليه وحماية المسلمين من شره أمر جائز شرعا حسب الأدلة والقواعد الشرعية أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن والقعود عنها فمعروف عند أهل العلم وتفصيل ذلك فيما يلي :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي من يستشرف لها تستشرفه فمن استطاع أن يعوذ بملجأ أو معاذ فليفعل» هذه الفتنة هي الفتن التي لا يظهر وجهها ولا يعلم طريق الحق فيها بل هي ملتبسة فهذه يجتنبها المؤمن ويبتعد عنها بأي ملجأ ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم : «يوشك أن يكون خير مال المرء المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن» أخرجه البخاري في الصحيح
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل : «أي الناس أفضل ؟ قال مؤمن مجاهد في سبيل الله قيل ثم ؟ قال مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره» فالمقصود أن هذا عند خفاء الأمور وعند خوف المؤمن على نفسه يجتنبها أما إذا ظهر له الظالم من المظلوم والمبطل من المحق فالواجب أن يكون مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل كما قال صلى الله عليه وسلم «انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله كيف أنصره ظالما ؟ قال تحجزه عن الظلم فذلك نصره» أي منعه من الظلم هو النصر .
ولما وقعت الفتنة في عهد الصحابة رضي الله عنهم اشتبهت على بعض الناس وتأخر عن المشاركة فيها بعض الصحابة من أجل أحاديث الفتن كسعد ابن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وجماعة رضي الله عنهم ولكن فقهاء الصحابة الذين كان لهم من العلم ما هو أكمل قاتلوا مع علي . لأنه أولى الطائفتين بالحق وناصروه ضد الخوارج وضد البغاة الذين هم من أهل الشام لما عرفوا الحق وأن عليا مظلوم وأن الواجب أن ينصر وأنه هو الإمام الذي يجب أن يتبع وأن معاوية ومن معه بغوا عليه بشبهة قتل عثمان .
والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) ما قال فاعتزلوا قال : (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فإذا عرف الظالم وجب أن يساعد المظلوم لقوله سبحانه : (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه) والباغون في عهد الصحابة معاوية وأصحابه والمعتدلة علي وأصحابه فبهذا نصرهم أعيان الصحابة نصروا عليا وصاروا معه كما هو معلوم .
وقال في هذا المعنى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في قصة الخوارج : «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق» فقتلهم علي وأصحابه وهم أولى الطائفتين بالحق . وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمار : «تقتل عمارا الفئة الباغية» فقتله معاوية وأصحابه في وقعة صفين . فمعاوية وأصحابه بغاة لكن مجتهدون ظنوا أنهم مصيبون في المطالبة بدم عثمان كما ظن طلحة والزبير يوم الجمل ومعهم عائشة رضي الله عنها لكن لم يصيبوا فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب .
وعلي له أجر الاجتهاد وأجر الصواب جميعا وهذه هي القاعدة الشرعية في حق المجتهدين من أهل العلم أن من اجتهد في طلب الحق ونظر في أدلته من قاض أو مصلح أو محارب فله أجران إن أصاب الحق وأجر واحد إن أخطأ الحق أجر الاجتهاد كما قال صلى الله عليه وسلم : «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر» متفق على صحته فكل فتنة تقع على يد أي إنسان من المسلمين أو من المبتدعة أو من الكفار ينظر فيها فيكون المؤمن مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل وبهذا ينصر الحق وتستقيم أمور المسلمين وبذلك يرتدع الظالم عن ظلمه ويعلم طالب الحق أن الواجب التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان عملا بقول الله سبحانه : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فقتال الباغي وقتال الكافر الذي قام ضد المسلمين وقتال من يتعدى على المسلمين لظلمه وكفره حق وبر ونصر للمظلوم وردع للظالم فقتال المسلمين لصدام وأشباهه من البر ومن الهدى ويجب أن يبذلوا كل ما يستطيعونه في قتاله وأن يستعينوا بأي جهة يرون أنها تنفع وتعين في ردع الظالم وكبح جماحه والقضاء عليه وتخليص المسلمين من شره ولا يجوز للمسلمين أيضا أن يتخلوا عن المظلومين ويدعوهم للظالم يلعب بهم بأي وجه من الوجوه بل يجب أن يردع الظالم وأن ينصر المظلوم في القليل والكثير .
فالواجب على جميع المسلمين أن يتفقهوا في الدين وأن يكونوا على بصيرة فيما يأتون وفيما يذرون وأن يحكموا كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم في كل شيء وأن يدرسوهما دراسة الطالب للحق المريد وجه الله والدار الآخرة الذي يريد أن ينفذ حكم الله في عباد الله وأن يحذروا الهوى فإن الهوى يهوي بأهله إلى النار قال تعالى : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وقال جل وعلا : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
وما يظن العاقل ذو البصيرة لو أن صداما ترك له المجال فعاث في الجزيرة فسادا وساعده من مالأهم على المساعدة من الجنوب والشمال على باطله ماذا يترتب على ذلك من الكوارث العظيمة والفساد الكبير والشر الكثير لو تمكن من تنفيذ خططه الخبيثة ولكن من نصر الله جل وعلا ورحمته وفضله وإحسانه أن تنبه ولاة الأمور في المملكة العربية السعودية لخبثه وشره وما انطوى عليه من الباطل وما أسسه من الشر والفساد فاستعانوا بالقوات المتعددة الجنسيات على حربه والدفاع عن الدين والبلاد حتى أبطل الله كيده وصده عن نيل ما أراد .
ونسأل الله أن يحسن العاقبة وأن يكفينا شره وشر غيره وأن ينصر جيوشنا الإسلامية ومن ساعدهم على حاكم العراق حتى ينزع من ظلمه ويسحب جيشه من الكويت ويوقف عند حده كما نسأله سبحانه أن يوفق جيوشنا جميعا للفقه في الدين وأن يكفينا شر ذنوبنا وشر تقصيرنا وأن يكفينا شر جميع الكفرة من جميع الأجناس وأن يردهم إلى بلادهم ونحن سالمون من شرهم وأن يهدي منهم من سبقت له السعادة إلى الإسلام وأن ينقذهم مما هم فيه من الكفر نسأل الله أن يهديهم جميعا وأن يردهم إلى الحق والهدى وأن يكفينا شرهم جميعا من بعثيين ونصارى وغيرهم نسأل الله أن يهديهم للإسلام ويكفينا شرهم ويبعد من بقي على الكفر منهم إلى بلاده بعد سلامة المسلمين وبعد القضاء على عدو الله حاكم العراق وجيشه المساعد له وأن يختار للعراق رجلا صالحا يحكم فيهم شرع الله .
كما نسأله أن يولي على جميع المسلمين من يحكم فيهم شرع الله ويقودهم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأن يكفي المسلمين شر ولاتهم الذين يخالفون شرع الله وأن يصلح ولاة المسلمين وقادتهم ويهديهم صراطه المستقيم وأن يولي على المسلمين جميعا في كل مكان خيارهم وأن يصلح أحوالهم في كل مكان وأن يكفيهم شر الأعداء أينما كانوا وأن يبطل كيد الأعداء ويكفينا شرهم وأن يكفينا شر ذنوبنا جميعا وأن يمن علينا بالتوبة النصوح وأن يجعل ما نزل بالكويت وما حصل من المحنة العظيمة والفتنة الكبيرة هذه الأيام موعظة للجميع وسببا لعلاج الجميع ويقظتهم وأن يوفق حكومتنا لكل خير وأن يعينها على طاعة الله ورسوله وعلى إعداد الجيش الكافي الذي يغنيها عن جميع أعداء الله ونسأل الله أن يهدي جيراننا جميعا للتمسك بكتاب الله وأن يجمعهم على الحق والهدى وأن يعينهم على طاعة الله ورسوله وأن يعيذهم من مَنْ بينهم من الأعداء والمنافقين المحاربين لله ورسوله الذين يدعون إلى ضد كتاب الله وإلى ضد سنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
نسأل الله أن يبطل كيد أعداء الله ويفرق شملهم ويوفق دعاة الحق لما فيه رضاه وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان وأن يجمع كلمتنا جميعا معشر المسلمين على الحق والهدى أينما كنا وأن يكفينا شر أعدائنا أينما كانوا إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:50 PM [ 8 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




عواقب الخروج على الحكام عبر التاريخ

29/05/2009 23:45:00 موقع السكينة

مقدمة لأهمية التاريخ والنظر فيه والاستفادة منه:
إن الأمة التي لا تقرأ تاريخها ولا تستفيد منه في حاضرها ومستقبلها لهي أمة مقطوعة منبتة، فالماضي ليس مفتاحاً لفهم الحاضر فحسب، بل هو من أسس إعادة صياغة الحاضر، ومقولة (التاريخ يعيد نفسه) ليـسـت خطأ من كل الوجوه، وقد استخدم القرآن الكريم قصص الأمم السابقة للتأثير في نـفـوس الناس، أو للتأثير في نفوس الذين لم تنتكس فطرتهم، قال تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وحَصِيدٌ) [ هود:100]، وقال تعالـى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)[يوسف:109].
ولا بد لأهل كل عصر من أن يواجهوا النوع ذاته من التعقيدات التي واجهها أسلافهم، وإن سجل التاريخ ما هو إلا المنار الذي ينبئ الملاحين الجدد عن الصخور المهلكة التي قد تكون خافية تحت سطح البحر. ولو أن المسلمين في هذا العصر استوعبوا دروس الماضي لما أخطئوا في كثير من الأمور، كما أن الدراسة المتأملة للحاضر تساعدنا أيضاً على فهم الماضي، والذي جرب تقلبات الدول والمجتمعات وشاهد المؤامرات السياسية، وعاين الركود الاقتصادي، يكون أقدر على تفهم الحوادث الماضية التي ليست نسخة مطابقة للحاضر ولكن فيها شبه كبير فيه.
يقول المؤرخ ابن الأثير: (وأنه لا يحدث أمر إلا وقد تقدم هو أو نظيره فيزداد الإنسان بذلك عقلاً ويصبح لأن يقتدي به أهلاً).
ومن هذه الأحداث التي تقدمت أو تقدم لها نظيرها هو قضية اعتماد منهج المواجهة المسلحة والخروج على الحكام أو الأمراء نتيجة ممارسات وانتقادات يراها الخارجون على الحكام والأمراء ويرونها مبررا لما يقومون به من أعمال،و للخروج على الحكام والأمراء أمثلة عديدة سجلتها كتب التاريخ من أيام السلف إلى أيامنا هذه، والعاقل اللبيب، من ينظر على هذه الأمثلة نظرة اعتبار وتفحص ليستخلص منها بعد ذلك الدروس والعبر.
وليس الحديث هنا دفاعًا عن هؤلاء الحكام ولا إقرارًا لهم على مذهبهم، ولكنها نظرة شاملة إلى الآثار والعواقب التي تحدث عند الخروج عليهم وهي عواقب لم يختلف عليها أحد.
وليس الحديث عن التصويب أو التخطئة وإنما عن عواقب هذا الخروج على أمة الإسلام والمسلمين حكامًا ومحكومين.

أ‌-صور للخروج على الحكام قديمًا:
أولاً: خروج الحسين بني علي رضي الله تعالى عنهما على يزيد بن معاوية سنة 61هـ:
لما مات معاوية وبويع ليزيد، بايع ابن عمر وابن عباس وفر الحسين وابن الزبير إلى مكة.
وكثر ورود الكتب إلى الحسين من بلاد العراق يدعونه إليهم ويستحثونه في القدوم إليهم ليبايعوه عوضًا عن يزيد بن معاوية ويخبروه أنهم لم يبايعوا أحدًا حتى الآن وينتظرونه.
أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل إلى العراق ليكشف له حقيقة الأمر.
ولما دخل مسلم الكوفة تسامع أهلها بقدومه فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين وحلفوا لينصرنه بأنفسهم وأموالهم ووصل عدد المبايعين إلى ثمانية عشر ألف مبايع.. كتب مسلم إلى الحسين ليقدم إلى الكوفة فقد تمهدت له البيعة والأمور قد استتبت له.
وهنا تجهز الحسين من مكة قاصدًا الكوفة، وكتب في الوقت ذاته يزيد إلى ابن زياد أن يقدم الكوفة ويطلب مسلم بن عقيل ثم يقتله إذا قدر عليه أو ينفيه.
قام عبيد الله بن زياد بإخراج بعض الأمراء وأمرهم أن يركبوا في الكوفة يخذلون الناس عن مسلم بن عقيل ففعلوا، وهنا انفض الناس من حوله فبقي وحده ليس معه من يدله على الطريق ثم ألقي القبض عليه وبكى عندها قائلاً: "أما والله لست أبكي على نفسي ولكن أبكي على الحسين وآل الحسين، إنه قد خرج إليكم اليوم من مكة".
وتوجه الحسين إلى الكوفة رغم توسلات الناس إليه بعدم الخروج: قال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "أخبرني إن كانوا قد دعوك بعد ما قتلوا أميرهم ونفوا عدوهم وضبطوا بلادهم فسر إليهم، وإن كان أميرهم حيا وهو مقيم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستنفروا عليك الناس ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذين دعوك أشد الناس عليك، والله لأظنك ستقتل غدًا بين نسائك وبناتك ولولا أن يزري ذلك بي وبك لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أنا إذا تناشبنا أقمتَ لفعلت".
ولحق ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الحسين وهو في مسيره إلى العراق على مسيرة ثلاث ليال فقال: أين تريد؟ قال: العراق وإذا معه صحف وكتب، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم فقال: لا تأتهم، فأبى، فقال ابن عمر: إني محدثك حديثا. إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما يليها أحد منكم أبدًا وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع، قال: فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.
وقال له ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما: "أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك".
وعلم الحسين بمقتل مسلم بن عقيل لكنه رفض أن يرجع.
وكان جيش الحسين مائة وخمسين رجلاً ومعهم أهل بيته جميعًا وقد عرض الحسين على جيش ابن زياد بقيادة عمرو بن سعد وشمر بن ذي الجوشنة ثلاث خصال فلم يقبلوها منه، وأصرا على أن ينزل الحسين على حكم ابن زياد.
وكانت المعركة وقتل الحسين رضي الله تعالى عنه وقتل معه ستة عشر رجلاً كلهم من أهل بيته، ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه كما قال الحسن البصري. وأرسلت رأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد ثم إلى يزيد.
قال سعيد بن المسيب: "لو أن حسينا لم يخرج -أي إلى العراق- لكان خيرًا له".
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: "قد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنه لم يكن في الخروج مصلحة لا في دين ولا في دنيا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يحصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار سببًا لشر عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن". اهـ.

ثانيًا: وقعة الحرة في عام 63 هجرية:
وكان سببها خلع أهل المدينة ليزيد وتولية عبد الله بن مطيع على قريش وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر على الأنصار، واجتمع الناس على إخراج عامل يزيد من المدينة وعلى إجراء بني أمية منها فاجتمع بنو أمية في دار مروان بن الحكم وحاصرهم أهل المدينة فيها، وقد أنكر ابن عمر على أهل المدينة بيعتهم لابن مطيع وابن حنظلة على الموت واعتزل هو بآل بيته الناس وقد أرسل يزيد جيشًا قوامه خمسة عشر ألف رجل على رأسهم مسلم بن عقبة وقال له: ادع القوم ثلاثًا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم وكف عنهم، وإلا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثًا، ثم اكفف عن الناس ثم إذا فرغت من المدينة فاذهب إلى مكة لحصار ابن الزبير، وانهزم أهل المدينة بعد قتال شديد، واستباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام وقتل خلقًا من أشرافها وقرائها وانتهب أموالاً كثيرة منها.
قال الزهري عن عدد القتلى: إنهم سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر وعبد عشرة آلاف.

ثالثًا: خروج سليمان بن صرد على رأس جيش التوابين على مروان بن الحكم في سنة 65هـ:
اجتمع إلى سليمان بن صرد الخزرجي الأنصاري رضي الله تعالى عنه وهو صحابي جليل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في الصحيحين، اجتمع إليه نحو من سبعة عشر ألفًا كلهم يطلبون الأخذ بثأر الحسين ممن قتله وكان هؤلاء يرون أنهم كانوا سببًا في قتل الحسين لخذلانهم له فسموا أنفسهم بجيش التوابين، وتواعدوا على الخروج في يوم فلما خرج الناس أخذوا يصيحون بأعلى أصواتهم: يالثارات الحسين فسمع الناس فخرجوا، وخرج أشراف الكوفة فكانوا قريبًا من عشرين ألفًا فلما عزم على المسير بهم لم يصف معه منهم سوى أربعة آلاف، فسار بهم مراحل: ما يتقدمون مرحلة إلى الشام إلا تخلف عنه طائفة من الناس الذين كانوا معه، فلما سمع أهل الشام بهم أعدوا جيشًا كبيرًا قوامه أربعون ألف مقاتل، وتقدم جيش الخلافة وقابل جيش التوابين في موقعة عين وردة. كانت موقعة عين وردة موقعة رهيبة إذا اقتتل الجيشان قتالاً شديدًا وكانت مقتلة عظيمة بين المسلمين حتى خاض المقاتلون في الدماء وكانت الدائرة لجيش الخلافة فقد قتل سليمان بن صرد رضي الله تعالى عنه وأمراؤه وعامة جيشه ولم يبق إلا القليل منهم الذين فروا عائدين إلى الكوفة.

رابعًا: خروج ابن الأشعث على عبد الملك بن مروان سنة 80هـ:
وهذه الفتنة من أعظم ما ابتليت به أمة الإسلام بعد الفتنة الكبرى بسبب ما أصاب المسلمين فيها من قتل لأئمة الهدى وأعلام الدين.
وكان سببها: أن الحجاج كان يبغض ابن الأشعث ويقول: ما رأيته قط إلا هممت بقتله وكان هو يفهم ذلك ويضمر له السوء وزوال الملك عنه. فلما أمّرَه الحجاج على الجيوش التي غزت بلاد الترك وحدث ما حدث من فتح لبعض البلدان ثم التوقف حتى يصلحوا من حالهم ويتقووا إلى أن ينصرم فصل الشتاء ثم يغزون رتبيل.
وبعث ابن الأشعث بذلك إلى الحجاج فكتب الحجاج إليه يستهجن هذا الرأي ويستضعف عقله ويقرعه بالجبن والنكول عن الحرب ويأمره حتمًا بدخول بلاد رتبيل، ثم أردف بكتاب ثان ثم بكتاب ثالث، فغضب ابن الأشعث وقال: يكتب إلي بمثل هذا وهو لا يصلح أن يكون من بعض جندي ولا من بعض خدمي ـ ثم جمع ابن الأشعث رؤوس أهل العراق وقال لهم موضحًا رأيه ورأي الحجاج وأعلمهم أنه لن يتراجع عن رأيه فثار الناس إليه وقالوا: لا بل نأبى على عدو الله الحجاج ولا نسمع له ولا نطيع.
وخلع الناس الحجاج ولم يخلعوا عبد الملك.. ووثبوا إلى عبد الرحمن بن الأشعث فبايعوه عوضًا عن الحجاج.
وصالح ابن الأشعث رتبيل وانقلب عائدًا إلى الحجاج ليقاتله ويأخذ منه العراق. وفي منتصف الطريق خلعوا عبد الملك بن مروان أيضًا وبايعوا ابن الأشعث على الكتاب والسنة.
فلما بلغ المهلب بن أبي صفرة ما صنع ابن الأشعث أرسل إليه ناصحًا: ابق على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، انظر إلى نفسك فلا تهلكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفرقها، والبيعة فلا تنكثها، اجتمع إلى ابن الأشعث ثلاثة وثلاثون ألف فارس ومائة وعشرون ألف راجل وخرج الحجاج إليه في جيش عظيم والتقى الجيشان في يوم الأضحى عند نهر دخيل وانهزمت مقدمة الحجاج وقتل أصحاب ابن الأشعث منهم خلقًا كثيرًا نحو ألف وخمسمائة، ودخل ابن الأشعث البصرة فخطب الناس بها وبايعهم وبايعوه على خلع عبد الملك ونائبه الحجاج وقال لهم ابن الأشعث: ليس الحجاج بشيء ولكن اذهبوا بنا إلى عبد الملك لنقاتله، ووافقه على خلعها جميع من في البصرة من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب.
ثم كانت واقعة الزاوية سنة 82هـ بين الحجاج وابن الأشعث وكانت الجولة للحجاج وقتل خلق كثير من القراء من أصحاب ابن الأشعث.. ثم كانت وقعة دير الجماجم بين الجيشين وكان ابن الأشعث معه مائة ألف ومثلهم من الموالي واستمر القتال قرابة العام والأيام دول بين الجيشين.
وأمر الحجاج بالهجوم على كتيبة القراء في جيش ابن الأشعث فقتل منهم خلقًا كثيرًا ثم حمل على بقية أصحاب ابن الأشعث فانهزموا وذهبوا في كل وجه وهرب ابن الأشعث ومعه نفر قليل من الناس.
وقتل الحجاج خمسة آلاف أسير ودخل الكوفة وجعل لا يبايع أحدًا من أهلها إلا قال: أشهد على نفسك أنك قد كفرت، فإذا قال: نعم. بايعه، وإن أبى قتله؛ فقتل منهم خلقًا كثيرًا أبى أن يشهد على نفسه بالكفر.
وتتبع الحجاج أصحاب ابن الأشعث وقتل منهم بين يديه صبرًا مائة وثلاثين ألفًا منهم من الأخيار والسادات والعلماء والأبرار مثل محمد بن سعد بن أبي وقاص وكان آخرهم سعيد بن جبير رحمهم الله ورضي عنهم.
وكان جملة من قتل في هذه الفتنة من المسلمين حوالي مائة وخمسين ألفًا.
قال ابن كثير: "وابن الأشعث من كندة وليس من قريش ثم قال: وكيف يعمدون إلى خليفة قد بويع له بالإمارة على المسلمين من سنين فيعزلونه وهو من صليبة قريش ويبايعون لرجل كندي بيعة لم يتفق عليها أهل الحل والعقد؟ ولهذا لما كانت هذه زلة وفلتة نشأ بسببها شر كبير هلك فيه خلق كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون" اهـ.

خامسا: خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي ابن أبي طالب وأخيه إبراهيم على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور:
وقصة هذا الخروج تتلخص في الآتي: تغيب محمد وأخوه من مبايعة أبي جعفر المنصور وذهبا هربا في البلاد الشاسعة، فسأل المنصور أباهما عنهما فحلف أنه لا يدري أين صارا من أرض الله، ثم ألح المنصور على عبد الله في طلب ولديه فغضب عبد الله من ذلك وقال: والله لو كانا تحت قدمي ما دللتك عليهما. فغضب المنصور وأمر بسجنه وأمر ببيع رقيقه وأمواله فلبث في السجن ثلاث سنين، وأشاروا على المنصور بحبس بني حسن عن آخرهم، فحبسهم وجد في طلب إبراهيم ومحمد، وبعث الجواسيس في البلاد فلم يقع لهما على خبر، ونقل آل حسن من حبس المدينة إلى حبس العراق وفي أرجلهم القيود وفي أعناقهم الأغلال، وقد أرسل معهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان المعروف بالديباج لحسن وجهه وأمه هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وكان محمد هذا أخا لعبد الله بن حسن لأمه، وكانت ابنته تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن وقد حملت منه فاستحضره الخليفة وقال: قد حلفت بالعتاق والطلاق أنك لم تغشني وهذه ابنتك حامل فإن كان من زوجها فقد حبلت منه وأنت تعلم به، وإن كان من غيره فأنت ديوث. فأجابه عثمان بجواب أغاظه فأمر به فجردت عنه ثيابه ثم ضربه بين يديه مائة وخمسين سوطًا منها ثلاثون فوق رأسه أصاب أحدهما عينه فسالت ثم رد إلى السجن، وقد بقي كالعبد الأسود من زرقة الضرب وتراكم الدماء فوق جلده، وكان في المحبس محمد بن إبراهيم بن عبد الله وكان فتى جميلاً وكان يقال له الديباج الأصفر من حسن جماله وبهائه، فأحضره المنصور بين يديه وقال له: أما لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدًا من قبل. ثم ألقاه بين أسطوانتين وسد عليه حتى مات وقد هلك كثير من آل حسن في السجن فكان فيمن هلك في السجن عبد الله بن حسن بن حسن ابن علي بن أبي طالب وأخوه إبراهيم بن الحسن وغيرهما، وقل من خرج منهم من الحبس، وقد جعلهم المنصور في سجن لا يسمعون فيه أذانًا ولا يعرفون فيه وقت الصلاة، ثم بعث أهل خراسان يشفعون في محمد بن عبد الله العثماني فأمر بضرب عنقه وأرسل برأسه إلى أهل خراسان. وأما ما كان من أمر محمد بن عبد الله فما زال بعض الناس يؤنبونه على اختفائه وعدم ظهوره، حتى عزم على الخروج فواعد أصحابه على الظهور في الليلة الفلانية، وأقبل محمد بن عبد الله بن حسن في مائتين وخمسين في المدينة المنورة فمر بسجن المدينة فأخرج من فيها وجاء دار الإمارة فحاصرها، وأمسك الأمير رباح بن عثمان أمير المدينة وسجنه في دار مروان، واستظهر محمد بن عبد الله على المدينة ودان له معظم أهلها، وجعل محمد يستميل رؤوس أهل المدينة فمنهم من أجابه ومنهم من امتنع عليه وقال له بعضهم: كيف أبايعك وقد ظهرت في بلد ليس فيها مال تستعين به على استخدام الرجال. ولزم بعضهم منزله فلم يخرج منه.
وأما ما كان من أمر المنصور فإنه جهز الجيوش إلى محمد بن عبد الله وعلى رأسهم عيسى بن موسى فلما قدم عيسى بن موسى، المدينة فر أهلها منها وتركوا محمدًا وقليلاً من أصحابه وكانوا زهاء ثلاثمائة رجل، والتحم الجيشان وقتل كثير من جيش محمد وهرب أكثرهم وبقي محمد في شرذمة قليلة ثم بقي وحده وليس معه أحد ثم قتل وقطعت رأسه وأرسل بها إلى المنصور.

سادسًا: ذكر خروج إبراهيم بن عبد الله بن حسن بالبصرة سنة 143هـ:
حيث أرسل محمد بن عبد الله بن حسن أخاه إبراهيم إلى البصرة وتواعدوا على الخروج في يوم واحد، ولما بلغ إبراهيم خبر ظهور أخيه محمد في المدينة خرج في البصرة وبايعه عدد كبير من أهل البصرة وكان الناس يقصدونه من كل فج لمبايعته، وجعل المنصور يرصد لهم الجنود في الطرق المؤدية إلى البصرة فيقتلوهم ويأتون برؤوسهم فيصلبها بالكوفة ليتعظ الناس، ثم أرسل المنصور جيشًا كبيرًا لقتال إبراهيم، فخرج إبراهيم في جيشه والتقى الجيشان وهزم جيش إبراهيم وثبت إبراهيم ونفر قليل معه، ثم قتل إبراهيم وقطعت رأسه وأرسلت إلى المنصور.
وبعد..
ورغم أن هذه التجارب التاريخية تتناول زمانا غير زماننا وظروفا غير ظروفنا ووقائع قد تختلف في بعض جزئياتها أو تتفق في أخرى مع جزئيات واقعنا، ولكن هذه الوقائع تحمل لنا أعظم الدروس وأسمى الخبرات، فالعبرة عظيمة والفائدة جليلة والحكمة باهرة في هذا التاريخ العظيم، وهل هناك أفضل من تاريخنا لكي نأخذ منه العبرة والعظة؟ إنها حكمة السنين تأتينا سهلة سلسة في عدة صفحات، إنها عظة التاريخ الإسلامي لكل جيل بعد هذا الجيل العظيم.. وهؤلاء العظماء من السلف قد جربوا.. وقديمًا قال حكماء السلف "سلوا المجرب فقد استطلع الحقيقة ووقف على الدقيقة وعلم ما لم تعلموا".
ولا يستطيع المرء أن يحيا حياتين أو أن يعيش عمره مرتين عمر يجرب فيه ويخطئ وعمر يتعلم فيه من خطئه، والعاقل من اعتبر بغيره واتعظ به.

ب‌- صور للخروج على الحكام حديثًا:
هذه الحقيقة التاريخية عندما غابت عن بعض أبناء الصحوة في بلاد إسلامية خاضوا التجربة المريرة بأنفسهم وذاقت أمتهم بسببها الويلات وفقدت الدعوة الإسلامية فيها كثيرا من مكاسبها وأريقت دماء وأزهقت أنفس بريئة وكان المستفيد الأوحد من ذلك كله هو أعداء الأمة، قبل أن تدرك هذه الفئة خطأ ما أقدمت عليه ومفاسده وعواقبه لتتراجع عنه ولكن متى؟!
ومن هذه الأمثلة المعاصرة الشهيرة:

أ‌- الجماعة الإسلامية في مصر:
حيث تبنت الجماعة منهج المواجهة والعنف في تغيير المنكر، ثم تطورت الأحداث وتفاقم الصراع بين الطرفين ووقعت مصادمات مسلحة بينها وبين أفراد الشرطة سقط فيها ضحايا من الطرفين وأريقت دماء، وأزهقت نفوس، وطورد آخرون وألقي في السجن كوكبة من الشباب الملتزم سواء ممن كان يتبنى هذا الفكر أم لا، حيث اختلط الحابل والنابل، حيث قضوا زهرة عمرهم خلف القضبان، ووقع فصام نكد بين الطرفين كان الخاسر فيها الجميع والمستفيد الوحيد هم الأعداء المتربصون بالأمة.
ولو تعلم هؤلاء الدرس من التاريخ ما سلكوا مسلكهم هذا ولاستجابوا لنصائح أهل العلم ولكفوا عن ذلك، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا.
ولعل الله سبحانه أراد بهذه الأمة رشدا أن تفيء قطاعات عريضة من أصحاب هذا الفكر إلى رشدها وتعترف بخطئها، وهذا لا شك أمر يحمد للقائمين عليه ولمن ساعدهم على ذلك.
غير أن هذه المراجعات وتلك الاعترافات لا ينبغي أن تجعلنا نغفل سبب هذا الداء وذلك الانحراف الذي ذاقت الأمة بسببه ويلات ولحقت بالدعوة الإسلامية انتكاسات خطيرة نتيجة ذلك إضافة إلى ما نجم عنه من تشويه متعمد أو غير متعمد للإسلام كدين يحض على العنف والقتل ويقتل أبناؤه بعضهم بعضا تحت مسمى الجهاد!!!.

ب‌- الجماعة الإسلامية في الجزائر:
برزت الجماعة الإسلامية الجزائرية كمنظمة تتبنى العنف ردا علي الضربة القوية التي وجهتها السلطات الجزائرية للتجربة الديمقراطية حين أصدرت قرارا بإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد في يناير 1992، واستهدفت الجماعة الإطاحة بما تصفه " النظام العلماني " الذي أجهض ـ بحسب ما تعتقده الجماعة ـ خيار الشعب الجزائري وتوجهه نحو إقامة دولة إسلامية.
والطرف الثاني الذي يشار إليه بإصبع الاتهام بممارسة العنف فهو الجبهة الإسلامية للإنقاذ وجناحها العسكري (جيش الإنقاذ). يذكر أنه قبل إجهاض نتائج الانتخابات التشريعية من جانب النظام الجزائري كانت الجبهة تتبنى النضال السياسي وترفض العنف أو الصدام مع السلطة واستطاعت منذ نشأة الجبهة كحزب سياسي معترف به في عام 1989 بناء قواعد لها في معظم ولايات الجزائر تحت قيادة الشيخ عباس مدني مما مكنها من الفوز في الانتخابات.
ورافق إلغاء نتائج الانتخابات عمليات استفزاز واعتقالات واسعة النطاق من جانب السلطات الجزائرية لعناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مما فجر الأوضاع ودفع بالجبهة لتبني الخيار العسكري.
لقد كان الدعاة في الجزائر يمارسون هامشاً من الحرية لا بأس به، وهذه نعمة من الله تعالى منَّ بـها عليهم بعد ضيق شديد، واضطهاد مرير استمر طوال عهد (هواري بومدين).. وخلال هذا الانفراج سيطر الدعاة على المساجد كخطباء ووعاظ ومدرسين، وخفّت رقابة وزارة الشؤون الدينية قياساً بمثيلاتها في البلدان العربية، ومن كان يزور الجزائر في شهر رمضان يخيل إليه أن الناس جميعاً - رجالاً ونساء - قد انتقلوا إلى المساجد أثناء صلاة التراويح، وفضلاً عن ذلك فقد انحسر المد الشيوعي بخاصة والعلماني بعامة.
جاءت مرحلة الأحزاب، وتلتها الانتخابات الولائية والتشريعية وفاز الإسلاميون بالأغلبية الساحقة، وتحرك الجيش تنفذ قيادته ما تريده فرنسا في الجزائر، وكان مما فعلته هذه القيادة إلغاء الانتخابات التشريعية.
وظنَّ الإسلاميون أنـهم قادرون على تحقيق أهدافهم عن طريق القوة بعد أن أغلق الخيار السياسي بوجههم، فأعلنوا الجهاد، ومنذ عام 1992 م والجزائر تعيش في فوضى لا مثيل لها: فالسجون لم تعد تتسع، والمساجد أقفرت إلا من المسنين، وهيمنت عليها وزارة الشؤون الإسلامية، وتعددت جماعات الجهاد، وكثر القتل والسلب والنهب، ولم يعد أحد آمناً لا حاكماً ولا محكوماً، وتحدث العالم أجمع عن المذابح الجماعية التي شملت الشيوخ والأطفال والنساء، والمدن والقرى والطرقات، وشاهد الناس في كل مكان من الكرة الأرضية صوراً من التمثيل بجثث القتلى تقشعر من هولها الأبدان، وفي غياب الدعوة انتشر الفساد، بمختلف أشكاله وألوانه، وكثرت الأمراض النفسية.. وفضلاً عن هذا وذاك لم يتحقق النصر الذي وعدنا به الذين أعلنوا الجهاد لأن تقديراتهم كانت خاطئة، حيث لم يكن هناك إعداد لهذا الجهاد، ولم تكن هناك استطاعة.
لقد ثبت بعد طول هذه المحنة ما حذر منه علماؤنا، وشهد له التاريخ، فالفساد القليل دُفِع بفساد كثير، والمنكر الأخف دُفِعَ بمنكر أعظم، والدعاة يقتلون من غير نكاية بأعدائهم، والمفسدة كانت راجحة على المصلحة، وكل مسلم يفكر بعقل سوي يتمنى أن تكون أمور الدعوة والدعاة في الجزائر بقيت كما كانت عليه قبل انتخابات 1991.
ورحم الله شيخ الإسلام حين قال في منهاج السنة: " لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته".


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:54 PM [ 9 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




مفاسد العنف والتفجيرات في بلاد الحرمين

29/05/2009 23:42:00 موقع السكينة

يكاد يجمع أهل العلم والفقه والدعوة أن هذه الأعمال شر محض لم يجن الإسلام من ورائه إلا مزيدا من التشويه، ولم تجن الأمة من ورائه إلا مزيدا من النكبات والمصائب والويلات وتسلط الأعداء، ولم تجن الدعوة من ورائه إلا التضييق والمحاصرة، ولم تقتصر الخسارة فقط على تلك البلاد التي وقعت فيها هذه الأعمال بل امتدت لتشمل ثغورا إسلامية تسلط عليها الأعداء واغتنموا بشاعة هذه الأعمال وشناعتها وإجماع العقلاء على رفضها – اغتنموا ذلك اغتصاب الحقوق الشرعية التي يطالب بها أهل البلاد التي اغتصبوها كما حدث في فلسطين والشيشان والعراق وغيرها من ديار الإسلام.
ويمكن تقسيم مفاسد هذه الأعمال وآثارها السلبية إلى قسمين:
1- مفاسد متحققة.
2- مفاسد مستقبلية متوقعة.
أولا: المفاسد المتحققة:
1- تشويه صورة الإسلام والمسلمين:
لن تجد آلة الإعلام الغربي المتعصبة ضد الإسلام والتي لم تفتأ تعمل جاهدة على تشويهه والصد عنه وإقامة الحواجز بين الناس وبينه – لن تجد أفضل مما قدمه أصحاب هذه الأعمال في بلاد الإسلام للقيام بهذه المهمة.
وبينما كانت الدعوة للإسلام تجد آذانا مصغية وإقبالا متزايدا ملموسا وأنصارا جددا كل يوم جاءت هذه الأحداث مع التشويه الإعلامي المتعمد واستغلال هذه الأحداث لتوجد حاجزا كبيرا بين إقبال النفوس المتعطشة للدين الحق وبينه.
2- إضعاف المسلمين وإضعاف قوتهم ووحدتهم وإثارة البلبلة في صفوفهم وتقطيع الأواصر فيما بينهم:
حيث تشتت الجهود وطاقات الأمة لمواجهة هذا الخطر الداخلي وبدلا من تكاتفها لمواجهة مخططات الأعداء من الخارج ومد يد العون لإخوانها المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار المسلمين جسدا واحدا وصفا واحدا يرهب أعداؤه صفه ويخافون جنابه – تشرذمت الطاقات والجهود وتبعثرت وحمل أبناء البلد الواحد السلاح كل في وجه أخيه المسلم، وبينما كانت جهود الفقهاء والدعاة موجهة لرد شبهات أعداء الداخل والحفاظ على ثوابت الأمة إذا بها تنحسر لمواجهات شبهات الداخل ورد أصحاب هذا الفكر إلى جادتهم، وكل ذلك لاشك نشأ عنه فتنة في الأرض وفساد كبير.
3- اجتراء العلمانيين على ثوابت الأمة وعقيدتها:
فقد اشرأب طابور خامس ما فتئ ينخر في جسد الأمة ويغتنم الدوائر لينفث سمومه تحت زعم محاربة الإرهاب وفكر العنف، وأصبحت مسلمات الأمس وثوابت الدهر وعقيدة السلف أصبح كل ذلك أفكارا ونظريات تحتاج للمراجعة، مع خلط بين في الأوراق عن قصد سيئ بهدف إخراج هذه البلاد وأهلها عن ثوابتهم وعقيدتهم وتميزهم الواضح وعفاف أهلها، وعلت أصوات واشرأبت أعناق لا تقل خطرا وأثرا على الأمة من أصحاب فكر التفجيرات؛فليس العدو هو حامل السلاح علينا فقط، بل هؤلاء الذين قال الله فيهم: (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) وجهادهم نوع آخر مطلوب كجهاد أولئك لكن بغير وسائله قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : 73] وما يسعون إليه هو أكبر من كل تفجير وأعظم من كل تدمير قال تعالى: "والفتنة أشد من القتل" وللحديث عن هؤلاء مقامه الذي لا تحتمله هذه الدراسة.
ولم يكن هؤلاء ليجترئوا على الصدع بما تكنه صدورهم لولا ما حدث من هذه الأعمال فوجدوا الفرصة سانحة لهم لمهاجمة ثوابت الأمة وعقيدتها وحيائها وعفتها، التي قامت عليها هذه البلاد وسعد أهلها بالعيش في ظلالها بينما تعاني غيرها من الشعوب ويلات بعدها عن دينها.
4- ترويع الآمنين وسفك الدماء المعصومة:
فالأمن والاستقرار نعمةٌ عظيمٌ نفعها، كريمٌ مآلها، وهي مظلة يستظل بها الجميع مِنْ حَرِّ الفتن والتهارج، وهذه النعمة يتمتع بها الحاكم والمحكوم، والغني والفقير، والرجال والنساء، بل البهائم تطمئن مع الأمن، وتُذْعَر وتُعطَّل مع الخوف واضطراب الأوضاع، وتهارج الهمج الرعاع، فنعوذ بالله من الفتن التي تُعْمِي الأبصار، وتُصِمُّ الأسماع. وبالله ثم بالأمن يُحَجُّ البيتُ العتيق، وتُعْمر المساجد، ويُرفع الأذان من فوق المنارات، ويَأْمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وتأمن السبُل، وتُرَدُّ المظالم لأهلها، فيُنتصر للمظلوم، ويُردع الظالم، وتقام الشعائر، ويرتفع شأن التوحيد من فوق المنابر، ويجلس العلماء للإفادة، ويرحل الطلاب للاستفادة، وتُحرَّرُ المسائل، وتُعْرف الدلائل، ويزار المرضى، ويُحترم الموتى، ويُرْحم الصغير ويُدَلَّل، ويُحْترم الكبير ويُبَجَّل، وتُوصَل الأرحام، وتُعْرف الأحكام، ويُؤمر بالمعروف، ويُنهى عن المنكر، ويُكرَّم الكريم، ويُعاقب اللئيم، وعلى كل حال: فبالأمن استقامة أمر الدنيا والآخرة، وصلاح المعاش والمعاد، والحال والمآل.
ولما كان الأمن بهذه المثابة العظيمة؛ امتن الله سبحانه وتعالى به على قريش، قال سبحانه: (لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشتاء والصيف* فليعبدوا رب هذا البيت* الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف) وقال سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) وقد جاء عند الترمذي من حديث عبد الله بن محصن الخَطْمي– رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من أصبح آمنًا في سِرْبه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزتْ له الدنيا بحذافيرها» . ولا شك أن توفر الأمن مطلب ضروري، الإنسانية أحوج إليه من حاجتها إلى الطعام والشراب، ولذا قدمه إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه على الرزق، فقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [البقرة 126] فالناس لا يهنئون بالطعام والشراب مع وجود الخوف، ولأن الخوف تنقطع معه السبل التي بواسطتها تُنقل الأرزاق من بلد لآخر، ولذلك رتب الله على قطاع الطرق أشد العقوبات.
ولقد كانت هذه البلاد وستكون إن شاء الله آية لآمن الله في الأرض، وتحقق فيها قوله تعالى: (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)حتى حصلت هذه الأعمال التي روعت الآمنين و بثت الرعب في قلوب كثير من الناس، وأدخلت إلى نفوسهم الهلع والخوف والجزع، وشعر الناس بعدم الأمن على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، مادام ثمة من يستحلها، ويرى أنه يفعل ذلك ولا حرج عليه في دين الله.
ولاشك أن افتقاد الناس للشعور بالأمن على نفوسهم وأعراضهم ودمائهم وأموالهم – لا فرق في ذلك بين رجل وامرأة وشيخ وطفل فالجميع يفتقد للشعور بالأمن- وهذا أعظم الضرر والحرج ويترتب عليه مفاسد لا حصر لها، وما ذلك إلا ثمرة من ثمرات هذه الأعمال.
5- إضعاف اقتصاد الدول الإسلامية نتيجة استنزاف مواردها في محاربة هذه الأعمال:
فامتداد آثار هذه الأعمال أشبه بالورم السرطاني الذي يتوغل في جسم المريض، وهو كذلك بالنسبة لآثار هذه الأعمال من استنزاف موارد الدولة سواء في مواجهة هؤلاء أو في توفير الأمن للمستهدفين من قبلهم، إضافة إلى ما يترتب على افتقاد الأمن من إحجام أصحاب المشروعات الكبيرة من المستثمرين عن القيام بمشروعات في هذه البلاد أو ربما دفعهم لتقليص حجم أعمالهم واستثماراتهم وهذا لاشك كله يؤدي إلى ضعف اقتصاد الدول الإسلامية التي تتعرض لمثل هذه الأعمال وهو مما يصب في مصلحة أعدائها.
6- إفساح المجال للمؤسسات التنصيرية في العالم كرد فعل لغلق وتحجيم المؤسسات الإسلامية:
وهذا واقع مشاهد؛ حيث استغل الأعداء هذه الأعمال لإلصاق التهم بكل عمل خير، وتعرضت مؤسسات لطالما أنقذت آلافا من المسلمين الفقراء في أنحاء العالم من براثن التنصير والمنصريين الذين يستغلون فاقتهم وعوزهم وفقرهم ليردوهم عن دينهم، عندما ينفردون بهم ويقدمون لهم مع الخبز ما يردهم عن دينهم، ومع افتقادهم للعون والمساعدة من إخوانهم من خلال المنظمات الخيرية وقع هؤلاء ضحية لهذه الأعمال بصورة غير مباشرة!!
ولم تكن هذه هي الخسارة الوحيدة لهذه المنظمات الخيرية الإسلامية -وإن كانت لكافية- بل لقد كان لهذه المنظمات دور رائد وأثر بالغ في تعليم المسلمين إسلامهم ودينهم وتبصيرهم بعقيدتهم، ناهيك عن دورها في الداخل من تجميع و توجيه أموال الزكاة والصدقة وجهة نافعة مفيدة – كل ذلك أضاعته أمثال هذه الأعمال وما تبعه من ضغوط كبيرة لحلها وتحجيمها بدعوى محاربة الإرهاب. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
7- التطاول على علماء ثقات ودعاة أفذاذ من طائفة المغرضين والجهال للنيل من ثوابت الأمة:
فإنه لا يدرك حجم المؤامرة التي يريدها الطابور الخامس من المنافقين والعلمانيين مثل العلماء الربانيين الأفذاذ؛ والذين شكلوا صخرة تحطمت عليها محاولات أولئك وخنست أصواتهم أمام هدير الحق وقوة حجته، فلما أن وقعت تلك الأعمال وجد هؤلاء ضالتهم؛فعمدوا لتشويه هؤلاء العلماء والتطاول عليهم تارة تلميحا وتارة تصريحا، وهدفهم من ذلك هو النيل من ثوابت الأمة وعقيدتها التي يقف هؤلاء الدعاة والعلماء حجر عثرة دون النفاذ إليها.
بل إن الأمر تعدى المعاصرين لنجد لمزا لأئمة الدعوة في هذه البلاد، من خلال محاولة الربط بين تراثهم الفقهي والعقدي وبين أصحاب هذه الأعمال. وهذا من الخطورة بمكان مما ينبغي التنبه لخطورته ودعاته وردعهم من قبل أهل العلم.
ثانيا: المفاسد المستقبلية المتوقعة:
إذا كان أهل البلاد بما تربوا عليه من أخلاقيات ومبادئ وبما تعلموه من علمائها الثقات الأفذاذ، وبما شاهدوه بأعينهم وعاشوه واقعا حيا في ظل هذه العقيدة – إذا كان هؤلاء يشكلون خط الدفاع الأول للأمة أمام كيد أعدائها، فلاشك أن هؤلاء الأعداء يدركون جيدا هذه الحقيقة ولن يقفوا مكتوفين أمام هذا التلاحم الفذ الفريد بين العلماء والجماهير وأولي الأمر ومن ثم فيتوقع أن يستغلوا هذه الأحداث وتلك الأعمال لتحقيق أهدافهم الخبيثة من خلال تلك المفاسد المتوقعة وهي:
1- محاولة الوقيعة بين العلماء وأولي الأمر:
ولا شك أن الأحداث التي وقعت مع ما فيها من شر غالب لم تخل من بعض الخير الذي حدث على إثرها ومن أعظم ذلك هو ذلك التلاحم بين أفراد هذا الشعب بجميع طوائفه حكاما ومحكومين؛ علماء وجماهير؛ حيث وقف الجميع موقفا واحدا رافضا هذه الأعمال جملة وتفصيلا، ولاشك أن هذا الموقف أغاظ طائفة من المتربصين بهذه البلاد وثوابتها ممن كانوا يريدون الاصطياد في الماء العكر من خلال الوقيعة بين العلماء وأولي الأمر، ليخلو لهم الجو، ولا يتوقع مستقبلا أن يكف هؤلاء عن محاولاتهم تلك مستغلين تبعات هذا الحدث على المدى البعيد، من خلال محاولة الوقيعة بين الطائفتين واختلاق قضايا خلاف بينهما، وإنما أبرزنا هذا الأثر المتوقع تحذيرا منه لخطورته وإن كنا على ثقة أن أولي الأمر والعلماء مدركون لهذا الأمر جيدا.
2- توسيع الفجوة بين العلماء وشباب الأمة ليضيع الشباب بين الشبهات والشهوات:
مما تتميز به هذه البلاد هو ما يتمتع به علماؤها من إجلال وإكبار من جميع طوائف الشعب، ولاشك أن ذلك يرجع إلى ما يوليه أولو الأمر من تقدير للعلم والعلماء، لكن هذه الأحداث كان لها صدى كبير في إيجاد فجوة بين بعض الشباب وبين العلماء، نتيجة ممارسات وشبهات واتهامات بغير حق طرحها البعض مستغلا الثورة المعلوماتية وسهولة بث أي شيء عن أي شيء من خلال ما يعرف بالإنترنت، ويخشى أن يستغل الأعداء هذه الأعمال لتوسيع تلك الفجوة بين الشباب والعلماء وهو ما يترتب عليه فساد كبير وخسارة كبيرة للأمة عندما يضيع شبابها الذين هم عدتها بين شهوات تبث عليهم ليل نهار وشبهات لا تقل خطرا ولا تدميرا عن تلك الشهوات.
3- إيجاد الذرائع لمزيد من العدوان والتسلط على الإسلام وأهله عموما وعلى هذه البلاد خصوصا:
فهذه البلاد من أفضل بلاد المسلمين، وهي موقع الإسلام وموئله، ومكان بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونزول الوحي، وموضع الحرمين، وفيها من الخير ما ليس في بلاد الإسلام كلها في الجملة، وهي اليوم أعظم بلد مستهدف لينتقض ما فيها من كثير من هذا الخير؛ فإن من يسعى أو يدخل في هذه المداخل فإنما يعين على أن يصاب الإسلام وأهله في هذه البلاد، وهي معقل من المعاقل العظيمة الحصينة المهمة بالنسبة للإسلام والمسلمين جميعاً في كل مكان.
وقد جاء في بيان هيئة كبار العلماء ما يشير إلى ذلك في قوله: " ثم ليعلم الجميع أن الأمة الإسلامية اليوم، تعاني من تسلط الأعداء عليها من كل جانب، وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام، وإذلالهم واستغلال خيراتهم، فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغرًا لهم فقد أعان على انتقاص المسلمين، والتسلط على بلادهم وهذا من أعظم الجرم ".
وما كان أعداء الإسلام ليضيعوا هذه الفرصة دون اغتنامها واستغلالها على الوجه الأمثل الذي يحقق أهدافهم وأطماعهم في بلاد الإسلام والمسلمين، وكما قلنا لم يكن أثر ذلك قاصرا على بلد دون آخر، بل لقد جرأهم ذلك على التدخل في ثوابت الأمة وعقيدتها لتغييرها بزعم محاربة الإرهاب وأصحاب هذا الفكر.
4- انتشار البدع والشبهات ومحاربة السنة بحجة محاربة فكر الإرهاب:
والناظر إلى بعض البلاد الأخرى غير هذه البلاد مما وقعت فيها أعمال مشابهة لتلك التي أصابت بلاد الحرمين، يدرك خطورة هذه المفسدة المتوقعة أيما إدراك؛ حيث استغلت طائفة العلمانيين تلك الممارسات الخاطئة أبشع استغلال لتغيب كثيرا من ثوابت الأمة ومسلماتها في تلك البلاد مما لم يكن يخطر ببال أحد من أهل هذه البلاد أن تتخلى عنها، لكن أمثال هذه الممارسات وما أفرزته في الواقع من ثقافة الخوف من الغلو والعنف والتطرف هو الذي مكن لهؤلاء تمرير مخططاتهم في تغييب الأمة عن عقيدتها وثوابتها حتى أصبحت السنة عندهم غلوا وتطرفا وانتشرت البدع والأهواء والشركيات في ظل خفوت وتغييب صوت أهل الحق والعلم.
وإن المتأمل في كتابات البعض وحديثهم في هذه الآونة التي تلت تلك الأحداث يدرك هذا الأمر جيدا ويرى خلل الرماد وميض نار يخشى أن يكون لها ضرام.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 13 Dec 2009, 11:58 PM [ 10 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




وجوب لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة

29/05/2009 23:41:00 موقع السكينة

يقول رحمه الله في السياسة الشرعية؛ (يجب إن يعرف أن ولاية أمر الناس من واجبات الدين بل لا قيام إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس)، إلى ان قال قدس الله روحه: (ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بالقوة وإمارة وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود ولا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي(إن السلطان ظل الله في الأرض)، والتجربة تبين ذلك ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل رحمهما الله وغيرهما يقولون؛ (لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان))، إلى أن قال قدس روحه : (فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات وإنما يفسد حال أكثر الناس لابتغاء الرئاسة أو المال بها).
فمما لاشك فيه أن قيام أمور حياة الناس في دينهم وديناهم تعتمد على وجود الآمر الناهي الذي ينظم شؤون الأمة وأمورها كما ذكر شيخ الإسلام في كتابه الحسبة: كل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتناصر، فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم، ولهذا يقال الإنسان مدني بطبعه، فإذا اجتمعوا فلابد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، فجميع بني آدم لابد لهم من طاعة، فمن لم يكن من أهل الكتاب الإلهية ولا من أهل دين فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يعود بمصالح دنياهم مصيبين تارة ومخطئين أخرى، ومن كمال هذا الدين أنه ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ لأن من شأن انضباط هذه العلاقة انضباط حياة الناس.
ومما يلفت النظر أن ضبط هذه العلاقة في الشريعة جاء بأسلوب شرعي بديع وجه كلاً من الطرفين إلى القيام بالمهام المنوطة به والواجبات الموكلة إليه بأسلوب قوي، فإذا نظرت إلى النصوص الواردة بشأن الحاكم والحقوق الواجبة عليه والمنوطة به ظننت أن الشريعة جاءت مائلة إلى جانب الرعية، وإذا نظرت إلى النصوص الواردة بشأن الرعية وحقوق ولي الأمر عليهم من الطاعة والنصر ظننت أن الشارع مائل إلى جانب الحاكم، والموقف إنما يتضح من مجمل النظر في النصوص الواردة في ذلك، بل أن الآية الواحدة من كتاب الله- عز وجل- ربما قصد بها الحاكم والمحكوم كل يوجه إلى الحق الواجب عليه.
يقول ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره قوله تعالى: â الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ... á [الحج: 41] قال: وقد أورد نصاً عن ابن سورة الكندي قال سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب يقول: إلا أنها ليست على الوالي وحده، ولكنها على الوالي والمولى عليه، ألا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذلكم وبما للوالي عليكم منه، إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم وأن يأخذ لبعضكم من بعض وأن يهديكم التي هي أقوم ما استطاع، وإن عليكم من ذلكم الطاعة غير المبزوزة، ولا المستكره بها، ولا المخالف سرها علانيتها. انتهى.
وحقوق الإمام على الرعية كثيرة: أولها الطاعة، فالولاية لا قيام لها على الحقيقة إلا بالطاعة كما قال عمر بن الخطاب (لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة) والله- عز وجل- أمر بطاعة أولي الأمر، وشواهد ذلك من كتاب الله وسنة رسوله كثيرة، منها في القرآن قوله تعالى: â يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ... áوقوله عليه الصلاة والسلام: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني» وفي حديث عبادة بن الصامت (بايعنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثره علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق أينما كان لا نخاف في الله لومة لائم) ويلحق بهذا من حقوق ولاة الأمر على الرعية التوقير والتقدير كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط» وقال حذيفة: (ما مشى قوم إلى سلطان الله في أرضه ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن يموتوا) وطاووس بن كيسان قــال: (من السنة أن يوقر أربعة العالم وذو الشيبة والسلطان والوالد) وقد يظن بعض الناس أن مسألة التوقير عائدة إلى ذات الإنسان فحسب ولكن علينا أن نعرف أن توقير ذي السلطان طريق من طرق الأمن بين الناس والطمأنينة، فإذا تجرأ الناس على ذي السلطان بعدم التقدير والتوقير تجرؤا عليه من بعد بالفعل؛ مما ينشر الأحقاد المتبادلة التي تؤول إلى نشر الفتن.
ومن حق ولي الأمر أيضاً النصح فالنصيحة والنصرة ومعاونة ولي الأمر على البر أمر واجب بل هذه كلها أمر واجب لكل مسلم والولاة أولى الناس بذلك وفي حديث تميم الداري أنه عليه الصلاة والسلام قال: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
و كثير من الناس يظن أن النصيحة في بذل الخير باللسان فحسب؛ ولكن النصح والنصيحة كلمة عامة تدل على صدق القلب في رغبة الخير للمنصوح ورغبة الخير منه وهذا يشمل أمور الدين والدنيا بمعنى أنك ترغب الخير للمنصوح في دينه وديناه وترغب الخير منه؛ لذلك يقول ابن الصلاح - رحمه الله -: (النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح بوجوه الخير إرادةً وفعلاً، فتشتمل على المعاونة والطاعة والنصرة).
ويقول النووي - رحمه الله -: (وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم وطاعتهم فيه، وتـألف قلوب الناس لطاعتهم.
وقال الحافظ بن رجب - رحمه الله -: (والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك.
ويقول الخطابي رحمه الله: (من النصيحة لهم: الصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم وان يدعى لهم بالصلاح).
وأما بالنسبة للنصيحة بالمعنى الأخص وهو الكلام معهم بالخير وبيان الحق لهم فالسلطان من حقه أن يبين له الحق بالأسلوب المناسب لمقامه وقدره فإذا كان الإمام محتاجاً إلى النصح يناصح كما في الحديث الذي رواه البخاري في التاريخ الكبير: «من كان عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية، وليأخذ بيده فليخلوا به فإن قبلها قبلها، وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له».
ولكن قد يكون السلطان صاحب جور أو ظلم، فإن الناصح يكون مأجوراً بأدائه النصيحة وقوله الحق حتى ولو أدى به ذلك إلى هلاك نفسه فالنبي- صلى الله عليه وسلم- سئل أي الجهاد أفضل فأعرض عن السائل مرتين ثم قال: «أين السائل؟» فقال: ها أنذا يا رسول الله فقال: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
ونظرا لما يترتب على الخروج عن الأئمة من مفاسد عظيمة وفساد كبير فقد جاءت نصوص الشارع وكلام أهل العلم للتأكيد على هذه الحقيقة بما لايدع مجالا لوجود أي لبس أو تأويل خاطئ:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة: (ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة انهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته).
وقد نقل ابن حجر رحمه الله الإجماع على عدم جواز الخروج على السلطان الظالم: فقال: قال ابن بطال: (وفى الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء) فتح الباري 13/7.
ونقل الإمام النووي-رحمه الله - الإجماع على ذلك أيضا فقال: (وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث على ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق....) شرح النووي 12/229.
وقال العلامة ابن رجب الحنبلي في الجامعة عندما شرح حديث تميم الداري رضي الله عنه: « الدين النصيحة» قال: (وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهية افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل)، إلى أن قال رحمه الله: (معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك).
وقال الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله: (فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلا كان أو جائرا فخرج وجمع جماعة وسل سيفه واستحل قتال المسلمين فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ولا بطول قيامه في الصلاة ولا بدوام صيامه وبحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج).
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: (ولكنه ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل؛ أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أن يأخذ بيده ويخلو به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله وقد قدمنا في أول كتاب السير أنه لا يجوز الخروج على الأئمة، وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ، ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح، والأحاديث الواردة في هذا المعنى متواترة، ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله، ويعصيه في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب طيب الله ثراه في رسالة الأصول الستة: (الأصل الثالث؛ إن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبدا حبشيا فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا بكل وجه من أنواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به؟)
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في شرح العقيدة الطحاوية: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والعافية).
وقال الإمام البربهاري رحمه الله: (واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، جوره على نفسه وتطوعك وبرك معه تام إن شاء الله تعالى يعني الجماعة والجمعة والجهاد معهم كل شيء من الطاعات فشاركهم فيه وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله. يقول الفضيل بن عياض لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا، لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في توضيح حديث النصيحة: (وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير إلى القاضي إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم ووجوب طاعتهم بالمعروف وعدم الخروج عليهم وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم فيما يحتاجون إليه في رعايتهم كل أحد بحسب حالته والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم فإن في ذلك شرا وفسادا كبيرا فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرا لا علنا بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل المقصود فإن هذا مطلوب في حق كل أحد وبالأخص ولاة الأمور فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير وذلك علامة الصدق والإخلاص).
ورحم الله الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الخروج على المأمون وهو الذي فرض على الناس بدعة القول بخلق القرآن، وقال لمن استفتاه: (سبحان الله، الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة، تسفك فيها الدماء..) قال له السائل: (والناس اليوم في فتنة يا أبا عبد الله، قال: (وإن كان فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك).


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حلمت البارحة علي الشدادي قصائد مختارة 15 20 Sep 2013 12:41 AM
حملة عيدنا من غير زعل إحساس واثق القسم العام 28 09 Sep 2010 07:39 AM
دعوة للحوار بين المعلم والطالب حجازية الهوى النقاشات والمواضيع الهادفة 21 13 Jun 2010 06:34 PM
حملة القرآن غالية الأثمان المنتدى الاسلامي 9 30 Jul 2009 02:23 PM
أي جملة تختار؟؟ ابو الندر القسم العام 2 07 May 2009 04:56 PM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

05:38 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com