..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


آخر 10 مشاركات اسباب بحة الصوت    <->    Momyz ما الفرق بين الهيروين والكوكايين والأفيون وما مخاطرهم الصحية؟    <->    الكبد مع الخضروات    <->    المرأة الفقيره والرجل المريض    <->    زهرة رحب بالصعوبات إن جاءتك    <->    مفروم دجاج وخضار وجبن موزاريلا    <->    زهرة صينية شرايح بطاطس بالمفروم    <->    وردة تكساس فرايز    <->    وردة محشي بطاطس    <->    وردة شوربة اش رشته الايرانية    <->   
مختارات   السَّاكِتُ عَنْ الحَقِّ شَيطَانٌ أخْرَس ‏   
مواضيع ننصح بقراءتها مجموعة الوان للاعضاء وقله من البال ماغيب ولامره2024
العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الإسلامية > المنتدى الاسلامي
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 14 Dec 2009, 12:00 AM [ 11 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




الانتحار ليس استشهادا وقتل المعاهد ليس جهادا والأسماء لا تغير الحقائق

29/05/2009 23:39:00 الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان

بسم الله الرحمن الرحيم
إن من المغالطات المكشوفة تسمية الأشياء بغير اسمها تلبيسا على الناس وتغريراً بالجهال ، ومن ذلك تسمية التخريب والاعتداء على الناس وسفك الدماء المحرمة وإتلاف الممتلكات مما تقوم به تلك الفئة الضالة ويسمون ذلك جهادا في سبيل الله ويسمون الانتحار استشهاداً ، وربما ينخدع بعض الناس خصوصاً صغار السن بهذا التضليل وينخرطون معهم في الإفساد في الأرض ونقول لهؤلاء ومن اغتر بهم:
أولاً : الجهاد في سبيل الله هو قتال الكفار والمشركين لإزالة الشرك ونشر التوحيد بعد دعوتهم إلى الله وامتناعهم من قبول الدعوة ، وتنظيم الجهاد والإشراف عليه من صلاحيات إمام المسلمين ، لأن الذي تولاه في عصور الإسلام كلها هم ولاة الأمور، ابتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ومن جاء بعدهم من ولاة أمور المسلمين ، وليس الجهاد فوضى ، كل يقوم به ويأمر به ، والله تعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ) (38) سورة التوبة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : « وإذا استنفرتم فانفروا » فلا يجوز للمسلم أن يجاهد إلا إذا استنفر للجهاد والذي يستنفر هو ولي أمر المسلمين ، إذا توفرت شروط الجهاد وزالت موانعه .
ثانيا: الجهاد لا يكون بقتل المسلمين والمستأمنين ، وإنما يكون مع الكفار المحاربين ، وأما قتل المسلمين والكفار المستأمنين فإنه عدوان وظلم ، والله قد حرم العدوان والظلم في حق المسلم والكافر ، وليس هذا العدوان جهادا في سبيل الله ، وإنما هو جهاد في سبيل الشيطان ، والمسلم لا يرضى أن يكون من جند الشيطان ومن أولياء الشيطان . ثالثا: لا يجوز قتل الكافر المستأمن والمعاهد والذمي بحجة أن الكفار الآن يقتلون المسلمين كما يحتج بذلك الجهال ، لأن الله تعالى يقول : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (164) سورة الأنعام ، وهذا من فعل الجاهلية الذين كانوا يقتلون البريء بحجة الانتقام من المجرم ، وأيضا هذا قتل لمن يحرم قتله .
ثالثاً: الانتحار ليس استشهاداً لأن المنتحر يتعمد قتل نفسه ، ومن قتل نفسه فهو متوعد بالنار كما صحت بذلك الأحاديث والله تعالى يقول : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا ) (169) سورة آل عمران ، ولم يقل قتلوا أنفسهم ، والمقتول في سبيل الله مأجور ، وقاتل نفسه آثم ففرق بين الحالتين ، ولا يسوي بينهما إلا ملبس أو جاهل .. فنصيحتي لهؤلاء الذين غُرِّر بهم وخدعوا بهذا الفكر المنحرف أن يرجعوا إلى صوابهم ، ويتوبوا إلى ربهم ويلقوا سلاحهم ويضعوا أيديهم بأيدي إخوانهم ، وولاة الأمور - حفظهم الله - قد وعدوا من سلم نفسه تائباً أنه سيعامل معاملة خاصة .. والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:04 AM [ 12 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




حكم لعن المسلم الفاسق

29/05/2009 23:35:00 موقع السكينة

كثيـراً ما تأخذ المؤمنَ حميةُ الإيمان عندما يعرض له في حياتـه اليوميـة انتهاكٌ لحرمات الشريعة من الفسقة وغيرهم، فيأخذ لسانه في أغلب الأحيان بلعن من انتهك هذه الحرمات والدعاء عليهم، شفاءً لما في صدره من غيظٍ يعتلجه لعدم استطاعته التغيير أو الإنكار، اللهمَّ إلا إطلاق اللسان بما تقدّم من اللعن.
فهل يجوز للمؤمن الطائع أن يلعن من ألمَّ بمعصية الله؟ هذا السؤال يجيب عنه هذا المبحث ضمن المطالب التالية:
المطلب الأول: تعريف اللعن لغةً واصطلاحاً.
المطلب الثاني: حكم اللعن مطلقاً.
المطلب الثالث: حكم لعن المؤمن المصون.
المطلب الرابع: حكم لعن الفسقة غير المعينين.
المطلب الخامس: حكم لعن الفاسق المعين.
المطلب السادس: المناقشة والترجيح مع النتائج.
المطلب الأول
تعريف اللعن لغةً واصطلاحاًً
أ ـ اللعن لغةً: أصل اللعن في اللغة:الطرد والإبعاد على سبيل السخط، أو الطرد، والإبعاد من الخير، وكلاهما بمعنى واحد، لكن قد يختلف المعنى بحسب قائل اللعن:
ـ فإذا كانت اللعنة من الله تعالى في الآخرة؛ فهي العقوبة والعذاب.
ـ وإذا كانت منه سبحانه في الدنيا؛ فهي انقطاعٌ من قبول رحمته وتوفيقه.
ـ وإذا كانت من الإنسان؛ فهي بمعنى الدعاء على غيره.
ـ وقد تكون من الإنسان بمعنى السب لغيره . (1)
والذي يتعلَّق ببحثنا بشكل خاص هو لعن الإنسان للإنسان؛ إما بمعنى الدعاء عليه بالطرد والإبعاد من رحمة الله على المعنى الأقوى، أو بمجرَّد السبّ على ما ذكره ابن منظور بصيغة التضعيف.
ـ تعريف اللعن اصطلاحاً:
جاء في «المفهم» للقرطبي: «وهو في الشرع ـ أي اللعن ـ البعد عن رحمة الله تعالى وثوابه إلى ناره وعقابه».(2)
وقد عرَّفه ابن عابدين نقلاً عن القُهُستان (3) بقوله: «وشرعاً في حق الكفار: الإبعاد عن رحمة الله، وفي حقّ المؤمنين: الإسقاط عن درجة الأبرار».(4)
المطلب الثاني
حكم اللعن مطلقاًً

لمعرفـة حكم اللعن مطلقـاً وحكم جريانـه على لسان المؤمن؛ نسوق بعض النصوص الواردة بهذا الخصوص:
1 ـ عن ابن مسـعود رضي الله عنه قال: قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... لا يكون المؤمن لعَّاناً»(5)
2 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينبغي لصديق أن يكون لعّاناً»(6)
3 ـ وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللعَّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة» . (7)
4 ـ وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: بينما جاريةٌ على ناقةٍ عليها بعض متاع القوم إذ بَصُرَت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتضايق بهم الجبل، فقالت: حَلْ حَلْ اللهمَّ العنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحبنا ناقةٌ عليها لعنة».(8)
5 ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رجلاً نازعته الريح رداءه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنها فإنّها مأمورة مُسخَّرة، وإنَّه مَن لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت عليه».(9)
ـ يؤخذ من هذه الأحاديث الأحكام التالية:
أ ـ أن كثرة اللعن ليست من صفات المؤمنين الصادقين.
ب ـ أنه لا يجوز لعن الدواب.
جـ ـ أنه لا يجوز لعن الريح وغيرها من مُسخَّرات الله في هذا الكون.
د ـ أنَّ اللعنَ أمرٌ خطيرٌ، فإذا لعن الإنسان أي شيء كان، ولم يكن هذا الشيء مستحقاً للعنة، رجعت اللعنة عليه، فينبغي أن يُحتاط له أشد الاحتياط.
المطلب الثالث
حكم لعن المسلم المصون

ومعنى المسلم المصون هنا: هو الذي لا يُقدِم على المحرَّمات فيما يظهر لنا ولم يُعرَف منه المجاهرة بالمعاصي، ولبيان حكم لعنه نسوق النصوص التالية:
1 ـ قال تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ) [الأحزاب: 58].
2 ـ عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعنُ المؤمنِ كقتلِه»(10)
3 ـ وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ من الكبائر أن يلعنَ الرجل والديه...» (11) الحديث.
4 ـ وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: «كنّا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه، رأينا أن قد أتى باباً من الكبائر»(12).
ـ يؤخذ من هذه النصوص ما يلي:
أ ـ أنَّ لعن المسلم الذي لم يجترح إثماً ظاهراً ذنبٌ عظيم.
ب ـ أنَّ لعن المسلم المصون جريمةٌ مثل جريمة قتله.
جـ ـ أنَّ لعن المسلم المصون كبيرةٌ من كبائر الذنوب(13)
وقد نقل الإجماع على تحريم لعن المؤمن المصون العديد من العلماء:
فقد قال النووي: «اعلم أنَّ لعن المسلم المصون حرامٌ بإجماع العلماء».(14)
وقال ابن تيمية: «الإجماع منعقدٌ على تحريم لعنة المعيَّن من أهل الفضل»(15)
المطلب الرابع
حكم لعن الفاسق غير المعيَّن:
جاء النصوص الكثيرة بجواز لعن الفاسق غير المعين بالشخص ممن اتصف بأوصاف مذمومة شرعاً كالكفر والظلم والكذب وغيرها من المحرّمات الثابتة الحرمة، وهذه بعض النصوص في ذلك:
1 ـ قوله تعالى: (فلعنة الله على الكافرين ) [البقرة: 89].
2 ـ قوله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين ) [هود: 18].
3 ـ قوله تعالى: (ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين ) [آل عمران: 31]
وغيرها عشرات الآيات في القرآن الكريم بهذا الخصوص، أما من السنَّة؛ فقد جاءت أيضاً أحاديث كثيرة تبيّن جواز لعن من اتّصف بشيء من صفات الفسق، ومنها:
1 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواصِلةَ، والمُسْتَوْصِلة، والوَاشِمَةَ، والمُستوشمةَ»(16)
2 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» (17)
3 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مَثَّل بالحيوان»(18)
4 ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال»(19)
5 ـ وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا وموكله، وشاهديه، وكاتبه، هم فيه سواء»(20)
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى مُحْدِثاً، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غيَّر منار الأرض» (21)
وغيرهما من جملة كثيرة من الأحاديث التي ورد فيها لعن مقترفي الآثام العظيمة بعموم الوصف لا بخصوص الشخص، وقد زادت هذه الأوصاف على الثمانين(22)
ويأخذ من هذه النصوص الأحكام التالية:
أ ـ أفادت الآيات جواز لعن غير المعيَّن بالشخص، وإنما من عين بالوصف سواء كان من الكفار أم من غيرهم(23)
ب ـ في الأحاديث جواز لعن العصاة من المسلمين لا على التعيين(24).
ولتفصيل هذا الإجمال نترك المجال للإمام الغزالي حيث أجاد في الحكم وأفاد:
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: «والصفات المقتضية للعن ثلاثة: الكفر والبدعة والفسق؛ واللعن في كل واحدة ثلاث مراتب:
الأولى: اللعن بالوصف الأعم؛ كقولك: لعنة الله على الكافرين والمبتدعين والفسقة.
الثانية: اللعن بأوصاف أخصّ منه؛ كقولك: لعنة الله على اليهود والنصارى والمجوس، وعلى القدرية والخوارج والروافض، أو على الزناة والظلمة وأكَلَة الربا.
وكل ذلك جائز.
ولكن في لعن أوصاف المبتدعة خطرٌ، لأنَّ معرفة البدعة غامضة ولم يرد فيه لفظ مأثور، فينبغي أن يمنع منه العوام، لأنَّ ذلك يستدعي المعارضة بمثله ويثير نزاعاً بين الناس وفساداً.
الثالثة: اللعن للشخص المعين، وهذا فيه نظر».(25)
جـ ـ ما تقدَّم من جواز لعن العصاة غير المعينين لم يختلف فيه العلماء، وقد نقل الهيثمي الإجماع عليه حيث قال: «أما لعن غير المعين بالشخص، وإنّما عُيِّن بالوصف بنحو لعن الله الكاذبَ فجائزٌ إجماعاً».(26)
وسبقه ابن العربي المالكي في نقل الإجماع فقال: «وأما لعن العاصي مطلقاً؛ فيجوز إجماعاً»(27).
المطلب الخامس
حكم لعن الفاسق المعين
وهي النقطة المخصوصة بالبحث، وقد اختلف فيها العلماء إلى فريقين، هذا عرضٌ لتفاصيل آرائهم فيها:
الفريق الأول:
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز لعن الفاسق المعين، وهذه بعض نصوصهم:
جاء في «حاشية ابن عابدين»: «لم تجز ـ اللعنة ـ على معين لم يعلم موته على الكفر بدليل، وإن كان فاسقاً متهوّراً».(28)
وفي «أحكام القرآن» لابن العربي: «فأما العاصي المعين فلا يجوز لعنه اتفاقاً» (29).
وجاء في «الزواجر» لابن حجر الهيتمي: «... ليس لنا غرضٌ شرعي يُجَوِّز لعن المسلم أصلاً، ثم محل حرمة اللعن إذا كان لمعين، فالمعين لا يجوز لعنه وإن كان فاسقاً».(30)
وجاء في «منهاج السنَّة» لابن تيمية: «وأما ما نقله عن أحمد؛ فالمنصوص الثابت عنه من رواية صالح(31) أنه قال لما قيل له: ألا تلعن يزيد؟، فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحداً. وثبت عنه أنّ الرجل إذا ذكر الحجاج ونحوه من الظَّلَمة وأراد أن يلعن يقول: ألا لعنة الله على الظالمين، وكره أن يُلعن المعين باسمه»(32)
وقد استدلَّ هؤلاء بما ذهبوا إليه بما يلي:
1 ـ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يُلقَّب حماراً، وكان يُضحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأُتي به يوماً، فأَمَرَ به فجُلِدَ، فقال رجلٌ من القوم: اللهمَّ العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلاّ أنه يحبّ الله ورسوله»(33)
وجه الدلالة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهاهم عن لعن من شرب الخمر مراراً، وأخبر أنه يحب الله ورسوله، وفي رواية أخرى للحديث: «لا تجعلوا الشيطان عوناً على أخيكم». فأثبت له حرمة الأخوة، وهي تقتضي حرمة اللعن، وكذلك يقتضيه جعل الشيطان عوناً على المسلم الفاسق الذي نُطالب بالدعاء له بالهداية، لا بأن يبعده الله عن رحمته فينتصر الشيطان بذلك، وكل هذا على أن معنى اللعنة الطرد من رحمة الله(34)
2 ـ قال ابن تيمية في توجيه الحديث السابق: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنة هذا المعين الذي كان يكثر شرب الخمر معلِّلاً ذلك بأنه يحب الله ورسوله مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر مطلقاً، فدلَّ ذلك على أنه يجوز أن يُلعن المطلق ولا يجوز لعنة المعين الذي يحب الله ورسوله، ومن المعلوم أنَّ كل مؤمن لا بدَّ أن يحب الله ورسوله»(35)
3 ـ الدعاء على المسلم بالطرد من رحمة الله فيه خطرٌ عظيم فمعناه دعاء الله أن يثبت المسلم الفاسق على فسقه وهو أمرٌ لا يجوز لأنه رضي بالفسق، والرضى بالفسق لا يجوز(36)
4 ـ ما تقدَّم في النقطة الثانية في خطورة أمر اللعن، وأن كثرته ليست من صفات المؤمنين، وأن العبد إذا لعن شيئاً لم يكن له بأهل؛ رجعت اللعنة عليه، وإذا سكت عن لعنه لم يفته أي خير فيكون السكوت أولى.
5 ـ أنَّ جواز لعن الفاسق المعين مرتبط بأمرين: أولهما: ثبوت أنه من الفساق الظالمين الذين تُباح لعنتهم، والثاني: ثبوت كونه قد مات مصرّاً على ذلك، والأمران يَعسر التحقق منهما؛ لأنَّ الذنب الذي هو سبب اللعن قد يرتفع موجبه لعارضٍ راجح: إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفّرة، فمن أين يعلم الإنسان وقوع هذه أو عدم وقوعها؟! (37)
6 ـ أن أكثر المسلمين لا يخلو حالهم من اقتراف الذنوب وظلم الأنفس، فإذا فُتح باب لعن الفاسق ساغ أن يُلعن أكثر موتى المسلمين، والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين ولم يأمر بلعنتهم، وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبِّ الأموات(38)
الفريق الثاني:
وبالمقابل ذهب فريق العلماء إلى جواز لعن الفاسق المعين،على التفصيل الآتي:
1 ـ جواز لعن الفاسق المعين مع الكراهة، وهو القول المعروف عن الإمام أحمد، كما ذكر ابن تيمية(39)، وهو ما ذهب إليه الإمام البخاري في تبويبه لحديث الذي كان يلقَّب حماراً ويشرب الخمر، حيث بوَّب له: «باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارجٍ من الملّة»(40)
2 ـ جواز لعن الفاسق المعين ما لم يُحدّ، فإذا حُدَّ لم يجز لعنه: وهذا القول نقله القاضي عياض عن بعضهم ولم يرتضه(41)، ونقله القرطبي ولم يعقّب عليه، وكأنه ارتضاه وقوَّاه حيث قال: «قد ذكر بعض العلماء خلافاً في لعن العاصي المعين، قال: وإنما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» في حق نُعيمان بعد إقامة الحد عليه، ومَن أقيم عليه حدُّ الله فلا ينبغي لعنه، ومَن لم يُقَم عليه الحدّ فلعنته جائزة سواء سُمِّي أو عُيِّن أم لا؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة الموجبة للَّعن، فإذا تاب منها وأقلع وطهَّره الحدُّ فلا لعنة تتوجَّه عليه، وبيَّن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمةُ أحدكم فليجلدها الحد ولا يُثرِّب(42). فدلَّ هذا الحديث مع صحّته على أن التثريب واللعن إنما يكونان قبل أخذ الحد، وقبل التوبة؛ والله أعلم»(43)
3 ـ جواز لعن من اشتهر بالفسق وجاهر به، خاصةً إذا كان ضرره بيِّناً وأذاه وظلمه للمسلمين ظاهراً، وقد ذكر هذا القول الحافظ ابن حجر في الفتح(44).
4 ـ جواز لعن الفاسق المعين مطلقاً: هو قول بعض الشافعية(45)، وبعض الحنابلة(46)، كما نسب إلى الحسن البصري(47)
أدلة من أجاز لعن الفاسق المعين:
استدلَّ من أجاز لعن الفاسق المعين بما يلي من الأدلّة:
2 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه فأبَتْ، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح»(48)
وجه الدلالة: أن في هذا الحديث لعن معينة إذ الضمير في «لعنتها» يخصُّ المرأة الهاجرة فراش زوجها فلا بدَّ من صفة تُميِّزها، وذلك إما بالاسم نحو اللهمَّ العن فلانة الممتنعة، أو بالإشارة نحو هذه الممتنعة والملك هنا هو اللاّعن، وهو معصوم والائتساء بالمعصوم مشروع، والبحث في جواز لعن المعين وهو موجود(49)
3 ـ عن جابر رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمارٍ وُسِمَ في وجهه فقال: «لعن الله الذي وسمه»(50)
وجه الدلالة في هذا الحديث أصرح من الذي قبله في لعن المعين، حيث توجَّه لعنه صلى الله عليه وسلم للشخص الذي وسم الحمار.
4 ـ مشروعية اللعان بين الزوجين وفيه لعن معين(51)
5 ـ مشروعية المباهلة وفيها أيضاً لعن معين(52)
ـ لقد حاول جماعة من العلماء التوفيق بين قول من أجاز لعن الفاسق المعين وبين قول من منعه بأنَّ الذي أجازه إنما أراد به المعنى العرفي أو أحد المعاني اللغوية وهو مطلق السبّ أو الطرد عن منازل الأخيار أو التشديد في الأمر كما ذكر ابن حجر العسقلاني وابن حجر الهيتمي وابن عابدين(53) وما ذكروه متجه، وينهي التعارض بين الفريقين، فيما لو صرَّح أصحاب القول بجواز لعن الفاسق المعين أنهم أرادوا مطلق السب ولم يقصدوا الإبعاد والطرد عن رحمة الله، ولكنهم لم يذكروا هذا في الكتب التي نقلت أقوالهم!.
المطلب السادس
المناقشة والترجيح ثم النتائج
وعلى ما سبق يبقى الإشكال في لعن الفاسق المعين قائماً!.
والذي يبدو بعد ما تقدَّم جميعاً بين الأدلة والآراء:
جواز لعن الفاسق المجاهر بفسقه مع الكراهة، وذلك بشروط:
ـ أن يكون ما استحقَّ به اللعن ذنباً شنيعاً، فلا يجوز لعن من أتى الصغائر زلّةً منه، أو داوم عليها مع غلبة طاعاته على صغائره، لأن اللعن لم يثبت إلا فيمن أتى كبائر الذنوب.
ـ أن يكون الفاسق مجاهراً بما أتى غير مستتر به، قد ظهر منه الفساد بالناس والإفساد بالدين، أما إذا أتى كبيرةً سراً ولم يطَّلِع عليه إلا شخص أو شخصان؛ فهذا لا يجوز التشهير بلعنه لما فيه من مخالفة لمبدأ الستر في الإسلام.
ـ عدم الإكثار من لعن الفاسق المعين لئلا يقع في محذور اللعن.
وقد بني هذا الترجيح على ما يلي:
أولاً ـ ثبوت لعن المرأة التي باتت هاجرةً فراش زوجها، ومن وسم الحمار في وجهه، ومشروعية الملاعنة بين الزوجين والمباهلة بين الخصمين، وكلها تدلّ على لعن المعين، ولم يُجب من حرَّم لعن المعين عن ورود اللعن في هؤلاء المعينين إجابةً شافية، إلا اللهمَّ ما أجاب به الهيتمي من أنَّ لعن النبي صلى الله عليه وسلم المعينين هو من باب حديث: «اللهمَّ أنا بشرٌ فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعل له زكاةً وأجراً»(54).
وهذه الإجابة فيها ما فيها، فإنه إن انطبق على من وسم الحمار فلا ينطبق على الهاجرة فراش زوجها، كما لا ينطبق على الملاعنة والمباهلة.
ثانياً ـ أن الملاعنة فيها صيغة اللعن الصريحة، وهي مستحقةٌ لأحد الزوجين إذا لم يرجع، ولم يقل أحدٌ إن الكاذب في الملاعنة ـ المستحق للعن ـ هو كافر أو أن الصادق منهما هو الذي وجَّه اللعن لزوجه المسلم قد ارتكب إثماً بما هو صادق فيه بل مأمورٌ به، لأنه دعا على زوجه بالطرد من رحمة الله وهنا حجر الزاوية، سواء في مسألة الملاعنة أو غيرها من الآثام التي تستوجب اللعن، وهو ما سيُوضّح في الفقرة التالية:
ثالثاً ـ أنه لا تعارض بين لعن المعين الفاسق وبين حقوقه الإسلامية العامة على المسلمين، من الأخوة والشفقة والنصيحة.. وفي هذا المقام يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن جوَّز من أهل السنَّة لعن الفاسق المعين، فإنه يقول: يجوز أن أصلّي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحقٍّ للثواب، مستحقٍّ للعقاب، فالصلاة عليه لاستحقاقه الثواب، واللعنة له لاستحقاق العقاب، واللعنة: البعد عن الرحمة، والصلاة عليه: سبب للرحمة، فيُرحم من وجه، ويُبعد عنها من وجه»(55)
رابعاً ـ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن المصون من المسلمين، ونهى عن لعن من ظهرت منه كبيرة شرب الخمر، مُعلِّلاً نهيه عن لعنه بأنه يحبّ الله ورسوله، فدلَّ هذا على أنَّ من لم يظهر منه استخفافٌ وإعلانٌ بالمعصية لا يُلعَن.
نتائج المبحث

ومن خلال ما تقدَّم يمكن استخلاص النتائج التالية:
1 ـ أن كثرة اللعن ليست من صفات الأبرار، سواء كان اللعن متّجهاً لإنسانٍ يستحقّه أو لا يستحقّه أو لدابّة أو جماد أو غير ذلك.
2 ـ أن لعن المسلم الذي لم يأتِ كبائر الإثم ولم يجاهر بالمعاصي حرام بإجماع العلماء.
3 ـ أن لعن الفسّاق وأصحاب المعاصي على وجه العموم جائز بإجماع العلماء أيضاً.
4 ـ جواز لعن الفاسق المجاهر بكبائر الذنوب الظاهر فساده وإفساده مع كراهية ذلك.
5 ـ أن الدعاء بالهداية للفاسق أولى من لعنه.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:08 AM [ 13 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




الضوابط الشرعيَّة للتعبير عن الرأي

29/05/2009 23:34:00 الشيخ د.هاني بن عبد الله الجبير

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده وبعد فـ (لقد كفل الإسلام حريِّة الرأي والتعبير بمفهومها الإسلاميّ, وحرية الرأي والتعبير تعني: تمتع الإنسان بكامل حريته في الجهر بالحق, وإسداء النصيحة في كل أمور الدين والدنيا, فيما يحقق نفع المسلمين ويصون مصالح كل من الفرد والمجتمع ويحفظ النظام العام وذلك في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومع اهتمام الإسلام بحرية الرأي والتعبير إلاَّ أنَّه قد حرص على عدم تحريرها من القيود والضوابط الكفيلة بحسن استخدامها, وتوجيهها إلى ما ينفع الناس ويرضي الخالق جل وعلا, فهناك حدود لا ينبغي الاجتراء عليها و إلا كانت النتيجة هي الخوض فيما يغضب الله أو يلحق الضرر بالفرد والمجتمع على السواء, ويخل بالنظام العام وحسن الآداب).[1]
ولهذا الحق المكفول طرق ووسائل توصل إليه منها ما نص الشارع على عينه بإباحة أو تحريم ومنها ما سكت عنها فلم ينص على اعتبارها ولا عدم اعتبارها كوسائل الإعلام الحديثة.
ويرى كل متابع ما يحصل من تداعى جماهير من الناس كل واحد منهم يعتصر الهم فؤاده ويحتقن الغضب في صدره وهو يرى ما لا يحب مما لا يقدر على منعه ولا خيرة إليه في رفضه فيتبع وسائل للتعبير عمَّا في نفسه يستشعر فيها أنه بذل شيئاً مما تبرأ به الذّمة مهما كان حال هذه الوسيلة .
ولكن الباحث الشرعي همه تنـزيل الأحكام على الوقائع ورائده في ذلك تطلب الحق والبحث عن الدليل وإعمال الضوابط بعد استطلاع الواقع ونشدانه .
وفي هذه الأوراق القليلة نطرات عاجلة تبيّن ضوابط في هذا الموضوع لتكون مقدمة لدراسات أكثر جداً وتوسعاً .

أولاً : قواعد ومقدمات :

تحتاج كل حادثة إلى معرفة أُصول وقواعد يتفرع عن معرفتها وتقريرها بيان الحكم الشرعي لها وسأتناول هنا مقدمات أصولاً أربعة :
الأولى: الأصل في النصيحة:
- الأصل في مناصحة الولاة والإنكار عليهم أن تكون بالسِّر لا بالجهر. وهو الأصل في النصيحة عموماً.
عن عياض بن غُنْم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية, وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك و إلا كان أدَّى الذي عليه». [2]
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان لتكلِّمه ؟ فقال: (أترون أني لا أكلمه إلا أُسمعكم ؟ والله لقد كلَّمتُهُ فيما بيني وبينه من دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه) [3]
ومراده أنّه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك. [4]
قال الشوكاني – رحمه الله - ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل: أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد). [5]
هذا هو الأصل وقد يسوغ غيره في ظروف معينة كما حصل لأبي سعيد الخدري عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان, فقام إليه رجلٌ فقال: الصلاة قبل الخطبة, فقال: قد تُرك ما هنالك, فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان» . [6]
وفي بعض روايات الحديث أن أبا سعيد قال: خرجت مخاصراً مروان حتى أتينا المصلى, فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبراً من طين ولبن, فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجرُّه نحو الصّلاة فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة ؟ فقال: لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم قلت كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم ثلاثاً ثم انصرف. [7]
قال النووي رحمه الله: (فيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سراً وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه وهذا كله إذا أمكن ذلك فإن لم يمكن الوعظ سراً والإنكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق). [8]
- والأصل في نصح عامة المسلمين أن ينصح المخطئ والمقصّر سراً وعلى ذلك كان السلف قال الفضيل بن عياض رحمه الله : (المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير) [9]
ومع ذلك فإنه إذا لزم الأمر ودعا الموقف إلى التشهير بمنكر وفاعله فإن ذلك سائغ إذا كانت المصلحة فيه راجحة على المفسدة كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث عمر على الصدقة فقيل منع ابن جميل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله» [10]. قال ابن حجر: (في الحديث العتب على من منع الواجب وجواز ذكره في غيبته بذلك) [11].
الثانية:وسائل إبداء الرأي اجتهاديَّة :
لقد كلف الله تعالى هذه الأمة بإبلاغ الدين ونشر الرسالة ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ). (آل عمران:104) وجعل ذلك سبب خيريتها ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: 110).
وجعل النصيحة من الدين عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدين النصيحة» قلنا لمن. قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم» [12]. كما أنه كفل لأتباعه التعبير عن آرائهم[13] – فيما يسوغ ذلك - .
ولا يتحقق النصيحة والدعوة والتعبير عن الرأي إلا بوسائل وطرق وأسباب للمسلم أن يسلكها ليصل من خلالها لما يريد ولو كانت حادثة لم ينص عليها الشرع ولم يستعملها السلف مادامت معبّرة عن المراد وموصلة إليه. [14]
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدى رحمه الله: (لا ريب أن كل أمر مهم عمومي يراد إعلانه وإشاعته والإخبار به .. يُسلك فيه طريق يحصل به هذا المقصود .. ولم يزل الناس على هذا يعبرون ويخبرون على مثل هذه الأمور بأسرع وسيلة يتعمّم ويشيع فيها الخبر .. وكلما تجدد لهم وسيلة أسرع وأنجح مما قبلها أسرعوا إليها وقد أقرهم الشارع على هذا الجنس والنوع ووردت أدلة وأصول في الشريعة تدل عليه فكل ما دل على الحق والصدق والخبر الصحيح مما فيه نفع للناس في أمور دينهم ودنياهم فإن الشرع يقره ويقبله, ويأمر به أحياناً ويجيزه أحياناً, بحسب ما يؤدي إليه من المصلحة .. فاستمسك بهذا الأصل الكبير فإنّه نافع في مسائل كثيرة ويمكنك – إذا فهمته – أن تطبق عليه كثيراً من الأفراد والجزئيات الواقعة والتي لا تزال تقع ولا تقصر فهمك عنه فيفوتك خيرٌ كثيرٌ وربما ظننت كثيراً من الأشياء بدعاً محرماً إذا كانت حادثة ولم تجد لها تصريحاً في كلام الشارع, فتخالف بذلك الشرع والعقل وما فطر عليه الناس ... و الترجمة التي يحصل بها العلم لم يزل العمل بها على أي طريقة و صفة كانت, ويدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أَمر بالتبليغ عنه وتبليغ شرعه وحث على ذلك بكل وسيلة وطريقة ... و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أكبر واجبات الدين, ومن أعظم ما يدل في ذلك أنَّه إذا ثبتت الأحكام الشرعية التي يتوقف عمل الناس بها على بلوغ الخبر, فإنّه يتعيّن على القادرين إيصالها إلى الناس بأسرع طريق, و أحسن وسيلة يتمكنون بها من أداء الواجبات وتوقّى المحرمات). [15]
والسبب في هذا أن الوسائل من قبيل العادات والأصل فيها الإباحة قال الشاطبي – يرحمه الله- : (و التبليغ كما لا يتقيّد بكيفيَّةٍ معلومة؛ لأنه من قبيل المعقول المعنى, فيصح بأيّ شيء أمكن من الحفظ والتلقين و الكتابة وغيرها). [16]
الثالثة : مجالات إبداء الرأي :
كل أمر جاء الشرع بحكمه بدليل من الأدلة سواء كان متعلقاً بالعبادات أو المعاملات أو العقوبات أو العلاقات الشخصِيَّة فهذا ليس للإنسان فيه إلا أن يعمل بمقتضى الدليل ويتفقَّه فيه (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: من الآية36).
وهذا أظهر من أن يستدل له؛ إذ العبوديَّة لله تقتضي الامتثال لأمره.
وأما ما لم يبين حكمه والموقف منه بعينه في الشرع فإن للمسلم أن يتخذ فيه رأياً يبديه لا يتعارض مع الضوابط العامَّة لإبداء الرأي.
وذلك كطريقة تنفيذ ما أمر الله به وسكت عن طريقة تنفيذه, أو ما لم يرد به نص محكم.
ولذا كان من القواعد المقررة عند أهل العلم أن (لا اجتهاد في مواد النص) [17] وأن ما عارض النص ففاسد الاعتبار[18].
الرابعة: صاحب الرأي:
ذمَّ الله تعالى من يقول بلا علم. فقال: ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل:116).
وهذا كما يكون في أحكام الشرع فهو منسحب إلى كل علم. فليس لأحدٍ أن يتناوله بغير إتقان له.
فلابُدَّ أن يكون صاحب الرأي من أهل الخبرة والاختصاص فيما يتكلّم عنه. وكلام الإنسان فيما يجهله غير مفيد.
والله تعالى أمر بسؤال أهل الذكر دون غيرهم ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل: من الآية43). وهذا دليل على أن ما يقوله غير العالم لا عبرة به.
ولذا لما وصف أهل العلم رجال المشورة جعلوا من صفاتهم العلم فيما يُسْتشارون فيه. قال ابن خويز منداد: (واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون, وفيما أشكل عليهم من أمور الدين. ووجوه الجيش فيما يتعلّق بالحرب. ووجوه الناس فيما يتعَلَّق بالمصالح, ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلّق بمصالح البلاد وعمارتها) [19].
فجعل كلاً يُسْتشار فيما هو مختص به.
وكذا إبداء الرأي لا يسوغ لمن لم يكن مختصاً في فن أن يتكلم فيه ولذا ذكر الفقهاء أنه يشرع الحجر على المتطبب الجاهل[20], فكذلك غير الطب يمنع من لم يكن مؤهلاً من إبداء رأيه إذ لا يوثق برأيه.
فالعالم بالشرع يبين أحكام الشرع وضوابطه في كل أمر وتصرّف لكن ليس له أن يصف العلاج المركب للمرضى إلا إذا كان مع ذلك طبيباً.
والمهندس له أن يتناول أموراً هندسيَّة بالرأي لكن الفتوى إنما تناط بالعالم بالشرع فقط وهكذا.
وكذلك أمور السياسة فإن العلم الشرعي يكفي للحكم على تصرفات المكلفين فيما يتعلّق بالسياسة لكنه لا يكفي وحده لتناول القضايا السياسية إلا على أساس خبرته بها.
قال ابن خلدون رحمه الله: (العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها والسببُ في ذلك أنهم معتادون النظر الفكري والغوص على المعاني وانتزاعها من المحسوسات وتجريدها في الذّهن أموراً كلية عامة ليحكم عليها بأمر على العموم لا بخصوص مادة ولا شخص ولا جيل.. ويطبقون بعد ذلك الكلي على الخارجيات .. وأيضاً يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها .. فهم متعودون في سائر أنظارهم الأمور الذهنيّة والأنظار الفكريَّة لا يعرفون سواها .. والسياسة يحتاج صاحبها إلى مراعاة ما في الخارج وما يلحقها من الأحوال ويتبعها ..) [21].
ثانياً: ضوابط وسائل التعبير عن الرأي:
تقدّم أن هذه الوسائل اجتهاديّة – ليست توقيفيَّة – فللمسلم أن يسلك ما شاء من وسائل التعبير عن الرأي.
إلا أن سلوك هذه الوسائل وممارسة هذا الحق مقيد بضوابط تمنعها عن معارضة مقاصد الشريعة الإسلاميَّة وأهم هذه الضوابط:
1- ألا تخالف الشرع في نفسها فإذا كانت الوسيلة مخالفة للأدلة الشرعية أو القواعد الكليّة فإنها تكون ممنوعة. كمن يستعمل المحرمات بقصد أن يتوب الناس مثلاً[22]. وهذا الضابط هو الذي يميّز أهل السُّنة عن غيرهم وهذا هو الذي يكفل البقاء على الجادة مؤذناً بطاعة الله ورسوله. وليس نبل المقصد وحسن الهدف مسوغاً لمعصية الله ورسوله ومخالفة قواعد الشريعة فإن ما خالفها ضرر وفساد ولا يترتب عليه مصلحة (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: من الآية36). وتأمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كره استعمال الناقوس للإعلام بدخول وقت الصلاة – قبل الأمر بالأذان – لما فيه من مشابهة النصارى مع كون الهدف هو الدعوة إلى العبادة والاجتماع لها. ففي السنن أنه لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يجمعهم لها فقالوا لو اتخذنا ناقوساً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك للنصارى فقالوا لو اتخذنا نابوقاً قال ذاك لليهود ثم أمر بالنداء للصلاة [23].
2- أن يكون المقصود من الوسيلة مشروعاً؛ فإن كان الغاية منها الوصول لما هو ممنوع في الشرع فإنه لا يجوز التوسل لها بأيَّة وسيلة. فمتى كان المراد من الوسيلة المعيّنة الدعوة إلى باطل, أو نشر فكر منحرف أو الوصول إلى غرض فاسد كانت الوسيلة محرمة. قال ابن القيم رحمه الله: (إذا حرّم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنّه يحرمها ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له) [24]. عن جرير بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سن في الإسلام سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً» [25]. وعن عبد الله بن مسعود مرفوعاً: «لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأوّل كفلٌ من دمها لأنّه أول من سَنَّ القتل» [26]. فمن دعا لباطل أثم بذلك وكان عليه وزر من عمل به. وكذا كل وسيلة موصلة للباطل فإنه لا يسوغ سلوكها.
3- ألا يباشرها معتقداً أن نفس مباشرتها قربة يتقرب بها إلى الله – إلا إذا كانت عبادة نص عليها الشارع.أما لو فعل الفعل المباح المؤدي للمصلحة مثلاً وهو يعتقد أنه قربة وطاعة فهو مخطئ.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (.. حقيقة السؤال: هل يباح للشيخ أن يجعل هذه الأمور التي هي إما محرمة أو مكروهة أو مباحة قربة وعبادة وطاعة وطريقة إلى الله يدعو بها إلى الله ويتوب العاصين .. ولو سُئِل العالم عمّن يعدو بين جبلين هل يباح له ذلك قال: نعم فإذا قيل له إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة قال إن فعله على هذا الوجه حرام ومنكر ... فمن فعل ما ليس بواجب ولا مستحب على أنّه من جنس الواجب أو المستحب فهو ضال مبتدع. وفعله على هذا الوجه حرام بلا ريب) [27]. وذلك أن العبادات توقيفيّة لا يشرع منها إلا ما دل عليه النص.
4- ألا يترتب على الأخذ بها مفسدة أكبر من المصلحة المقصودة منها إذ درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح. وقد نهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم و المؤمنين عن سب آلهة المشركين وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين قال تعالى: ( ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ). (الأنعام: 108).قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: قالوا يا محمد لتنتهين عن سَبِّك آلهتنا أو لنهجون ربك, فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم. [28]ومن ذلك أن يحصل من سلوك الوسيلة زيادة فساد أو إتلاف لنفس معصومة أو مال محترم أو كان مسبباً لفرقة واختلاف, أو سبباً لتعصب أو نحو ذلك. قال ابن القيّم رحمه الله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله, وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم, فإنّه أساس كل فتنة وشر إلى آخر الدهر.. ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها, بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر. ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد, لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء) [29].
وكذا ألا يترتب عليها فوات مصلحة أعظم ولو مع حُصُوْلِ مصلحةٍ أَقَلّ إذ لا شك أن الشرع يطلب تحصيل المصالح الأعظم ومن قواعد الشرع (تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أقلهما) [30].
* * *
وبعدُ !! فإن جميع ما سبق موازنة فقهيةٌ وتأملات شرعيَّة بتفصيل ارتضاه كاتبه, أمَّا الفتوى التي تبرأ بها الذمم وتناط بها الأحكام فهي لمن تولاها موكولة ولمن أنيطت به متروكة.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:14 AM [ 14 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




قواعد في التكفير

29/05/2009 23:33:00 موقع السكينة

القاعدة الأولى :
أن الإنسان يدخل الإسلام بالشهادتين:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن أقر بالشهادتين بلسانه فقد دخل في الإسلام، وأجريت عليه أحكام المسلمين، وإن كان كافرا بقلبه، لأنا أمرنا أن نحكم بالظاهر، وأن نكل إلى الله السرائر. والدليل على ذلك:
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الإسلام ممن أقر بالشهادتين، ولا ينتظر حتى يأتي وقت الصلاة، أو حول الزكاة، أو شهر رمضان… مثلا. حتى يؤدي هذه الفرائض، ثم يحكم له بالإسلام. ويكتفي منه بالإيمان بها، وألا يظهر منه إنكارها.
2. حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما عند البخاري وغيره: أنه قتل رجلا شهر عليه السيف فقال: (لا إله إلا الله) فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإنكار، وقال: أقتلته بعدما قال: (لا إله إلا الله)؟ فقال: إنما قالها تعوذا من السيف؟ فقال: هلا شققت عن قلبه؟! وفي بعض الروايات: كيف لك بـ (لا إله إلا الله) يوم القيامة؟ (34)
3. حديث أبي هريرة: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله » (35) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وما جئت به.
وفي البخاري عن أنس مرفوعا: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
والمراد بـ "الناس" في الحديث مشركو العرب. كما قال العلماء، وكما فسره أنس في حديثه، لأن أهل الكتاب يقبل منهم الجزية بنص القرآن.
والشاهد هنا: إنهم إذا قالوا لا إله إلا الله، دخلوا بها في الإسلام، بدليل عصمة دمائهم وأموالهم، لأن العصمة إما بالإسلام أو بالعهد والذمة، ولا عهد ولا ذمة هنا، فلم يبق إلا الإسلام.
وقد صح هذا الحديث عن عدد من الصحابة بألفاظ متقاربة. ولهذا قال الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير": هو حديث متواتر. قال شارحه المناوي: لأنه رواه خمسة عشر صحابيا.
وقد روى سفيان بن عيينة –أحد أئمة الحديث في زمنه- أنه قال: كان هذا في أول الإسلام قبل فرض الصلاة والصيام والزكاة والهجرة.
وعقب العلامة ابن رجب الحنبلي في كتابه على هذا بقوله: وهذا ضعيف جدا، وفي صحته عن سفيان نظر. فإن رواة هذه الأحاديث إنما صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وبعضهم تأخر إسلامه. (36) جامع العلوم و الحكم
ثم قوله: عصموا مني دماءهم وأموالهم، يدل على أنه كان عند هذا القول مأمورا بالقتال، وهذا كله بعد هجرته إلى المدينة.
قال: ومن المعلوم بالضرورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاء يريد الدخول في الإسلام، الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلما. فقد أنكر على أسامة بن زيد قتله لمن قال: "لا إله إلا الله" لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره عليه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة والزكاة، بل قد روى أنه قبل من قوم الإسلام واشترطوا ألا يزكوا.
ففي مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: اشترطت ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا صدقة عليهم ولا جهاد، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيتصدقون، ويجاهدون.
وفيه أيضا عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه.
قال ابن رجب: وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث وقال: يصح الإسلام على الشرط الفاسد، ثم يلزم بشرائع الإسلام كلها.
واستدلوا أيضا بأن حكيم بن حزام قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائما.
قال أحمد: معناه أن يسجد من غير ركوع اهـ. كلام ابن رجب والذي يهمنا من هذه النقول أمران:
الأول: أن الدخول في الإسلام إنما يكون بالشهادتين، وإذا اقتصر في بعض الأحاديث على شهادة التوحيد، فهو إما من باب الاكتفاء أو الاختصار من بعض الرواة. وإما لأن مشركي العرب المقصودين بكلمة "الناس" في الحديث، لم يكونوا ليقروا بشهادة التوحيد إلا إذا شهدوا لمن جاء بها، ودعا إليها، وهو محمد رسول الله.
ولهذا جاء عن بعض السلف: الإسلام الكلمة. يعني: كلمة الشهادة.
وأما الصلاة والصيام وسائر شرائع الإسلام وفرائضه فإنما يطالب بها بعد أن يصبح مسلما إذ هي لا تصح ولا تقبل إلا من مسلم. أما الكافر فلا صلاة له ولا صيام ولا حج… الخ… لفقدانه شرط القبول… وهو الإسلام.
والثاني: ما دلت عليه الأحاديث الأخيرة التي ذكرها ابن رجب، والتي رواها إمام السنة أحمد بن حنبل من المرونة وسعة الأفق، التي كان يعالج بها النبي صلى الله عليه وسلم الأمور، ويواجه بها المواقف. وخصوصا مع الداخلين في الإسلام.
فقد قبل من بعضهم ما رفضه من غيرهم. فقد جاء عن بشير بن الخصاصية أنه أراد أن يبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام دون أن يتصدق أو يجاهد، فكف يده عنه وقال: يا بشير، لا جهاد ولا صدقة! فبم تدخل الجنة إذن؟!
ولكنه قبل هذا من ثقيف، لعلمه بأنهم لن يجمدوا على هذا الموقف، وأنهم إذا حسن إسلامهم سيصنعون ما يصنع سائر المسلمين، ولهذا قال في ثقة عنهم: سيتصدقون ويجاهدون.

القاعدة الثانية:
من مات على التوحيد استوجب الجنة:
أن من مات على التوحيد (أي على: لا إله إلا الله) استحق عند الله أمرين:
الأول: النجاة من الخلود في النار، وإن اقترف من المعاصي ما اقترف، سواء منها ما يتعلق بحقوق الله كالزنا، أو بحقوق العباد كالسرقة. وإن دخل بذنوبه النار فسيخرج منها لا محالة، مادام في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.
الثاني: دخول الجنة لا محالة، وإن تأخر دخوله، فلم يدخلها مع السابقين: بسبب عذابه في النار لمعاص لم يتب منها، ولم تكفر عنه بسبب من الأسباب:
والدليل على ذلك أحاديث صحاح مشهورة في الصحيحين وغيرهما من دواوين السنة منها: عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل» .
وعن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» .
( إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله) أي لم يقلها لمجرد أن يعصم بها دمه وماله كالمنافقين في عهد النبوة.
وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يخرج من النار من قال: (لا إله إلا الله) وكان في قلبه من الخير ما يزن برة (يعني حبة قمح) » .
وهذه الأحاديث كلها متفق عليها في الصحيحين.
وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي ذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فبشرني: أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق).
وفي صحيح مسلم من حديث الصنابحي عن عبادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار ».
وغير هذه الأحاديث كثير، ودلالتها صريحة على أن كلمة الشهادة موجبة لدخول الجنة والنجاة من النار. والمراد بدخول الجنة: دخولها ولو في النهاية، بعد استحقاق العذاب في النار زمنا ما. وكذلك المراد بالنجاة من النار: النجاة من الخلود فيها. وإنما قلنا هذا، جمعا بين هذه الأحاديث وأحاديث أخرى حرمت الجنة، وأوجبت النار على من ارتكب بعض المعاصي.. فلا يجوز أن نضرب النصوص بعضها ببعض.

القاعدة الثالثة:
أن الإنسان بعد أن يدخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين، يصبح –بمقتضى إسلامه- ملتزما بجميع أحكام الإسلام، والالتزام يعني الإيمان بعدالتها وقدسيتها، ووجوب الخضوع والتسليم لها، والعمل بموجبها. أعني الأحكام النصية الصريحة الثابتة بالكتاب والسنة.
فليس لها خيار تجاهها بحيث يقبل أو يرفض، ويأخذ أو يدع، بل لابد أن ينقاد لها مسلما راضيا، محلا حلالها، محرما حرامها، معتقدا بوجوب ما أوجبت، واستحباب ما أحبت.
يقول تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا)، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما .
ومن المهم أن نعرف هنا، أن من أحكام الإسلام من الواجبات والمحرمات والعقوبات وغيرها من التشريعات، ما ثبت ثبوتا قطعيا، وأصبح من الأحكام اليقينية، التي لا يتطرق إليها ريب ولا شبهة، أنها من دين الله وشرعه، وهي التي يطلق عليها علماء الإسلام اسم "المعلوم من الدين بالضرورة".
وعلامتها أن الخاصة والعامة يعرفونها، ولا يحتاج إثباتها إلى نظر واستدلال، وذلك مثل فرضية الصلاة والزكاة وغيرها من أركان الإسلام وحرمة القتل والزنا وأكل الربا وشرب الخمر ونحوها من الكبائر، ومثل الأحكام القطعية في الزواج والطلاق والميراث والحدود والقصاص وما شابهها.
فمن أنكر شيئا من هذه الأحكام "المعلومة من الدين بالضرورة" أو استخف بها واستهزأ فقد كفر كفرا صريحا، وحكم عليه بالردة عن الإسلام. وذلك أن هذه الأحكام نطقت بها الآيات الصريحة، وتواترت بها الأحاديث الصحيحة، وأجمعت عليها الأمة جيلا بعد جيل، فمن كذب بها فقد كذب نص القرآن والسنة. وهذا كفر.
ولم يستثن من ذلك إلا من كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن أمصار المسلمين، ومظان العلم، فهذا يعذر إذا أنكر هذه الضروريات الدينية، حتى يعلم ويفقه في دين الله، فيجري عليه بعد ذلك ما يجري على سائر المسلمين.

القاعدة الرابعة:
كبائر المعاصي تنقص الإيمان ولكنها لا تهدمه:
أي أن المعاصي والكبائر –وإن أصر عليها صاحبها ولم يتب منها- تخدش الإيمان وتنقصه، ولكنها لا تنقضه من أساسه، ولا تنفيه بالكلية. والدليل على ذلك ما يأتي:
1. إنها لو كانت تهدم الإيمان من أصله، وتخرج صاحبها إلى الكفر المطلق، لكانت المعصية والردة شيئا واحدا، وكان العاصي مرتدا، ووجب أن يعاقب عقوبة المرتد، ولم تتنوع عقوبات الزاني والسارق وقاطع الطريق وشارب الخمر والقاتل. وهذا مرفوض بالنص والإجماع.
2. إن القرآن نص على أخوة القاتل لأولياء المقتول في آية القصاص حين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ). (178 البقرة)
3. إن القرآن أثبت الإيمان للطائفتين المقتتلتين في قوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ …-إلى أن قال- … إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )(الحجرات الآية 8) فأثبت لهم الإيمان والأخوة الدينية مع وجود الاقتتال، ومع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض » ، وقوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) صحيح البخاري (38) وبهذا الحديث الأخير استدل البخاري –فيما استدل- بأن المعاصي لا يكفر صاحبها، لأن الرسول سماهما مسلمين مع توعدهما بالنار.
والمراد: إذا كان الاقتتال بغير تأويل سائغ.
4. إن حاطب بن أبي بلتعة ارتكب خطيئة تشبه ما يسمى الآن "الخيانة العظمى" حيث أراد نقل أخبار الرسول وتحركات جيشه إلى قريش قبيل فتح مكة، مع حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على كتمان ذلك عنهم. وقال له عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق. واعتذر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل بدر، ولم يعتبر عمله ناقلا له من الإيمان إلى الكفر. ونزل القرآن يؤكد ذلك حيث نزل في شأنه أول سورة الممتحنة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ )الممتحنة الآية 1 (39)–إلى أن قال- (تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ).
فخاطبه الله فيمن خاطب بعنوان الإيمان، وجعل عدوه سبحانه وعدوهم واحدا، مع قوله: (تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ).
5. وقريب من ذلك ما نزل في شأن الذين قذفوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ومنهم مسطح بن أثاثة، وكان من أهل بدر. وكان أبو بكر حلف ألا يصله، فأنزل الله في شأنه ( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ). (40)

6. ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة في قصة شارب الخمر، الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه فضربوه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان » وفي رواية أخرى للبخاري: « لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم » وفي سنن أبي داود في هذه القصة زيادة: (ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه).
فهذه هي النظرة المحمدية المتسامحة إلى شارب أم الخبائث، فهو يأمر بضربه، ولكنه لا يرضى بلعنه وطرده من رحمة الله، ولا إخراجه من نطاق المؤمنين، بل يثبت الأخوة بينه وبينهم، وينهاهم أن يفتحوا ثغرة للشيطان إلى قلبه إذا سبوه وأذلوه علانية، بل يأمرهم أن يدعوا له بالمغفرة والرحمة، ويشعروه بالأخوة والمحبة، والحرص على هدايته، فعسى أن يرده ذلك عن غوايته.
7. وأكثر من ذلك ما رواه البخاري أيضا عن عمر بن الخطاب: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان اسمه عبدالله وكان يلقب (حمارا) وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتى به يوما، فأمر به فجلد. فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه لا يحب الله ورسوله » وفي بعض روايات الحديث: « لقد علمت أنه يحب الله ورسوله » وفي بعضها « ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله ».
فهذا مع إدمانه الشرب، وإصراره عليه، وإنكاره منه، حتى نقل ابن حجر في الفتح عن ابن عبد البر أنه ضرب خمسين مرة، ينهى النبي عن لعنه، ويقرر أنه يحب الله ورسوله.

يقول الحافظ بن حجر في بيان فوائد هذا الحديث في "الفتح":
( أ ) فيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر، لثبوت النهي عن لعنه، والأمر بالدعاء له.
(ب) وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب، لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله، مع وجود ما صدر عنه.
(جـ) وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله.
(د)ويؤخذ منه تأكيد ما تقدم أن نفي الإيمان –عن شارب الخمر- (أي في حديث: لا يشرب الخمر وهو مؤمن)- لا يراد به زواله بالكلية، بل نفي كماله. اهـ (41) من فتح الباري.
8. الأحاديث السابقة التي أوجبت لمن قال: "لا إله إلا الله" الجنة وإن زنى وإن سرق.
9. ما صح واستفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيشفع لأهل الكبائر من أمته.
وهذا يدل على حكمين كبيرين:
أولهما: أنه لم يخرجهم باقتراف الكبيرة عن حظيرة أمته.
ثانيهما: أن الله سيرحمهم بهذه الشفاعة، إما بإعفائهم من دخول النار أصلا، وإن استوجبوها بذنوبهم. وإما بإخراجهم منها بعد أن دخلوها وعذبوا فيها زمنا فهم غير مخلدين في النار قطعا.


القاعدة الخامسة:
ما عدا الشرك تحت إمكان المغفرة:
وهي تأكيد للقاعدة السابقة –أن الذنب الذي لا يغفر هو الشرك بالله تعالى، وما عداه من الذنوب –صغرت أو كبرت- فهو في مشيئة الله تعالى، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه.
قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) . (42)
والمراد بالشرك في الآية وأمثالها: الشرك الأكبر، وهو اتخاذ إله أو آلهة مع الله تعالى وهو المراد بهذا اللفظ عند الإطلاق.
ومثله الكفر الأكبر: كفر الجحود والإنكار.
قال الحافظ ابن حجر: لأن من جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مثلا، كان كافرا ولو لم يجعل مع الله إلها آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف أما المعاصي الأخرى دون الكفر أو الشرك، فهي تحت سلطان المشيئة الإلهية. من شاء غفر له، ومن شاء عاقبه، كما ذكرت الآيتان السابقتان ( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) .
قال الإمام ابن تيمية: ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب، بأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره كما قال سبحانه في الآية الأخرى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا). فهنا عمم وأطلق، لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق. (43) (مجموع فتوى شيخ الإسلام ج7 ص484-485)
وقد جاء الحديث الصحيح يؤيد مضمون الآية الكريمة في أن ما عدا الشرك من المعاصي موكول إلى المشيئة الإلهية.
ففي حديث عبادة بن الصامت عند البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وحوله عصابة من أصحابه: « بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه » .
والحديث واضح الدلالة على أن ارتكاب الموبقات التي اشتملت البيعة على اجتنابها لا يخرج صاحبها من الإسلام، بل من عوقب عليها كانت العقوبة طهارة وكفارة له، وإلا فهو في المشيئة.
يقول العلامة المازري: في الحديث رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة ولم يقل: لابد أن يعذبه.
وقال الطيبي: "فيه الإشارة إلى الكف على الشهادة بالنار على أحد إلا من ورد النص فيه بعينه". (44)

القاعدة السادسة:
انقسام الكفر الوارد في النصوص إلى أكبر وأصغر:
أن الكفر في لغة القرآن والسنة، قد يراد به الكفر الأكبر، وهو الذي يخرج الإنسان من الملة، بالنسبة لأحكام الدنيا، ويوجب له الخلود في النار بالنسبة لأحكام الآخرة.
وقد يراد به الكفر الأصغر، وهو الذي يوجب لصاحبه الوعيد دون الخلود في النار، ولا ينقل صاحبه من ملة الإسلام. إنما يدمغه بالفسوق أو العصيان.
فالكفر بالمعنى الأول، هو الإنكار أو الجحود المتعمد لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أو بعض ما جاء به، مما علم من دينه بالضرورة.
والكفر بالمعنى الثاني، يشمل المعاصي التي يخالف بها أمر الله تعالى، أو يرتكب بها ما نهى عنه. وفيه جاءت أحاديث كثيرة، مثل: (من حلف بغير الله فقد كفر) أو (فقد أشرك)، (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)، (لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم)، (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما).
وإنما قلنا: إن الكفر الوارد في هذه النصوص وأمثالها ليس كفرا ناقلا عن الملة، لأدلة أخرى. فقد تقاتل الصحابة، ولم يكفر بعضهم بعضا بذلك.
والمنقول عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقينا: إنه لم يكفر من قاتله في معركة الجمل، أو صفين، وإنما اعتبرهم بغاة. وقد صح الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية… كما صح الحديث في الخوارج أنهم (تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق) وقد قاتلهم علي رضي الله عنه ومن معه.
كما أثبت القرآن إيمان الطائفتين المقتتلتين (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) وكما أثبت الأخوة الدينية بينهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .
ومثل ذلك، حديث: (من قال لأخيه يا كافر) فقد أثبت الأخوة بينهما، وهي لا تثبت بين مسلم وكافر، فدل ذلك على أنه لم يخرج من دائرة الإسلام بقوله.
ومثل ذلك قوله: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) أو (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقوله فقد كفر بما أنزل الله على محمد) ونحوها. فلم يعتبره أحد من علماء المسلمين طوال القرون الماضية كفرا مخرجا من الملة، وردة عن الإسلام.
ومازال الناس في مختلف الأزمنة يحلفون بغير الله، ويصدقون العرافين والكهان، فينكر أهل العلم والدين عليهم ويضللونهم أو يفسقونهم، ولكن لم يحكموا بردتهم، ولا فرقوا بينهم وبين نسائهم، ولا أمروا بعدم الصلاة عليهم عند موتهم، أو بعدم دفنهم في مقابر المسلمين. وقد جاء في الحديث المرفوع: أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة.
ولهذا ذكر ابن القيم عددا من الأحاديث التي أطلقت الكفر على بعض المعاصي ثم قال:
"والقصد: أن المعاصي كلها من نوع الكفر الأصغر، فإنها ضد الشكر، الذي هو العمل بالطاعة، فالسعي إما شكر وإما كفر، وإما ثالث لا من هذا ولا من هذا". (45) (مدارج السالكين ج1ص355
فالكفر بالمعنى الأول –أعني الكفر الأكبر- يقابله الإيمان. يقال: مؤمن وكافر. كما في مثل قوله تعالى: (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ) البقرة 252 وقوله تعالى: ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )البقرة 257، (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) آل عمران 86.
أما الكفر بالمعنى الثاني – الكفر الأصغر- فيقابله: الشكر، فالإنسان إما شاكر للنعمة، أو كافر بها، غير قائم بحقها، وإن لم يكفر بمنعها. قال تعالى في وصف الإنسان: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )الآية 2 سورة الإنسان (46) وقال: (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)النمل الآية 40.
وجاء في صحيح البخاري حديث ذكر فيه سبب دخول النساء النار: إنهن يكفرن! قيل: يا رسول الله: يكفرن بالله؟ قال: « يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان ».
ولهذا لما نقل الحافظ ابن حجر عن القرطبي قوله: حيث جاء الكفر في لسان الشارع فهو جحد المعلوم من دين الإسلام بالضرورة الشرعية.
عقب عليه بقوله: وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم، وترك شكر المنعم، والقيام بحقه، كما تقدم تقريره في كتاب "الإيمان" في باب "كفر دون كفر" في حديث أبي سعيد "يكفرن الإحسان…الخ" . (47) (فتح الباري ج13 ص75)
وذلك أن الإمام البخاري رضي الله عنه وضع في كتاب الإيمان عدة أبواب للرد على الخوارج الذين يكفرون المسلمين باقتراف الكبائر. منها: باب "كفران العشير، وكفر دون كفر"
وعبارة "كفر دون كفر" هذه وردت عن ابن عباس وبعض التابعين في تفسير قوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة الآية 44.
وهذا يدلنا على أن تقسيم الكفر إلى درجات متفاوتة بين أكبر وأصغر، تقسيم مأثور عن سلف الأمة.
وهذا التقسيم نفسه يجري في الشرك وفي النفاق وفي الفسق وفي الظلم. فكل منها ينقسم إلى الأكبر الذي يوجب التخليد في النار، والأصغر الذي لا يوجب ذلك، ولا ينقل عن الملة.
وقد ذكر البخاري في صحيحه"باب: ظلم دون ظلم" واستدل بحديث ابن مسعود لما نزلت آية الأنعام (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) قال الصحابة: يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون: لم يلبسوا إيمانهم بظلم: بشرك. أو لم تسمعوا قوله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) .
ووجه الدلالة من الحديث على ما أراده البخاري: أن الصحابة فهموا من قوله "بظلم" عموم أنواع المعاصي، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإنما بين لهم أن المراد: أعظم أنواع الظلم وهو الشرك، فدل على أن الظلم مراتب متفاوتة. (48) (فتح الباري ج1 ص94-95 ط الحلبي)

القاعدة السابعة:
اجتماع بعض شعب الإيمان مع شعب الكفر أو النفاق أو الجاهلية:
أن الإيمان قد يجامع شعبة أو أكثر للكفر أو الجاهلية أو النفاق.
وهذه الحقيقة قد خفيت على كثيرين في القديم والحديث، فحسبوا أن المرء إما أن يكون مؤمنا خالصا أو كافرا خالصا، ولا واسطة بينهما، إما مخلصا محضا أو منافقا محضا. وقريب منه من يقول: إما مسلم محض أو جاهلي. ولا ثالث لهذين الصنفين.
وهذه طريقة كثير من الناس. حيث يركزون النظر على الأطراف المتقابلة دون الالتفات إلى الأوساط. فالشيء عندهم إما أبيض فقط أو أسود فقط، ناسين أن هناك من الألوان ما ليس بأبيض ولا بأسود خالص، بل بين بين.
ولا عجب أن نجد فئة من الناس، إذا وجدت فردا أو مجتمعا لا يتحقق فيه صفات الإيمان الكامل، بل توجد فيه بعض الخصائص النفاق، أو شعب الكفر، أو أخلاق الجاهلية، سارعت إلى الحكم عليه بالكفر المطلق، أو النفاق الأكبر، أو الجاهلية المكفرة، لاعتقادهم أن الإيمان لا يجامع شيئا من الكفر أو النفاق بحال. وأن الإسلام والجاهلية ضدان لا يجتمعان.
وهذا صحيح إذا نظرنا إلى الإيمان المطلق (أي الكامل) والكفر المطلق، وكذلك الإسلام والجاهلية والنفاق.
أما مطلق إيمان وكفر، أو مطلق إيمان ونفاق، أو مطلق إسلام وجاهلية، فقد يجتمعان كما دلت على ذلك (النصوص) وأقوال السلف رضي الله عنهم.
ففي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه: « إنك امرؤ فيك جاهلية! » وهذا وهو أبو ذر في سابقته وصدقه وجهاده.
وفيه: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق).
وروى أبو داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (القلوب أربعة: قلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح وذلك قلب المنافق، وقلب أجرد، فيه سراج يزهو، فذلك قلب المؤمن، وقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل شجرة يمدها ماء طيب، ومثل النفاق مثل قرحة يمدها قيح ودم، فأيهما غلب عليه غلب). وقد روى مرفوعا، وهو في مسند أحمد مرفوعا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا الذي قاله حذيفة يدل عليه قوله تعالى: هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان فقد كان قبل ذلك فيهم نفاق مغلوب، فلما كان يوم أحد، غلب نفاقهم، فصاروا إلى الكفر أقرب.
وروى عبد الله بن المبارك بسنده عن علي بن أبي طالب قال إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد العبد إيمانًا ازداد القلب بياضًا، حتى إذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله.وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب، فكلما ازداد العبد نفاقا ازداد القلب سوادا، حتى إذا استكمل العبد النفاق اسود القلب. وآيم الله لو شققتم عن قلب المؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب الكافر لوجدتموه أسود). وقال ابن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
قال شيخ الإسلام: وهذا كثير في كلام السلف: يبينون أن القلب قد يكون فيه إيمان ونفاق.
والكتاب والسنة يدلان على ذلك. فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر شعب الإيمان وذكر شعب النفاق، وقال: من كانت فيه شعبة منهن كانت فيه شعبة من النفاق حتى يدعها وتلك الشعبة قد يكون معها كثير من شعب الإيمان.
ولهذا قال: (ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وأن من كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب على قدر ما معه من ذلك، ثم يخرج من النار.
وعلى هذا فقوله تعالى للأعراب: (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)فقد نفى حقيقة دخول الإيمان في قلوبهم، وذلك لا يمنع أن يكون فيهم شعبة منه، كما نفاه عن الزاني والسارق، ومن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن لا يأمن جاره بوائقه، وغير ذلك… فإن في القرآن والحديث من نفى عنه الإيمان لترك بعض الواجبات شيء كثير.(أنظر: كتاب الإيمان الكبير،(49) من مجموع فتوى شيخ الإسلام ج7 ص303-305)
وفي موضع آخر عرض ابن تيمية رحمه الله للأمر فقال: "والمقصود أن خير المؤمنين في أعلى درجات الجنة، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، وإن كانوا في الدنيا مسلمين ظاهرا، تجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة. فمن كان فيه إيمان ونفاق يسمى (مسلما) إذ ليس هو دون المنافق المحض، وإذا كان نفاقه أغلب لم يستحق اسم الإيمان، بل اسم المنافق أحق به، فإن ما فيه بياض وسواد، وسواده أكثر من بياضه، هو باسم الأسود أحق منه باسم الأبيض. كما قال تعالى: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ) 167 آل عمران . وأما إذا كان إيمانه أغلب، ومعه نفاق يستحق به الوعيد، لم يكن أيضا من المؤمنين الموعودين بالجنة (أي مع السابقين) وإن استحقها بإيمانه بعد العذاب إن لم يشفع له أو يعف الله عنه.
قال: وطوائف أهل الأهواء –من الخوارج والمعتزلة والجهمية والمرجئة- يقولون: إنه لا يجتمع في العبد إيمان ونفاق. ومنهم من يدعي الإجماع على ذلك. ومن هنا غلطوا فيه، وخالفوا فيه الكتاب والسنة وآثار الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، مع مخالفة صريح المعقول.
بل الخوارج والمعتزلة طردوا هذا الأصل الفاسد، وقالوا: لا يجتمع في الشخص الواحد طاعة يستحق بها الثواب، ومعصية يستحق بها العقاب.
ولا يكون الشخص الواحد محمودا من وجه، مذموما من وجه، ولا محبوبا مدعوا له من وجه، ومسخوطا ملعونا من وجه، ولا يتصور أن الشخص الواحد يدخل الجنة والنار جميعا عندهم، بل من دخل إحداهما لم يدخل الأخرى، ولهذا أنكروا خروج أحد من النار، أو الشفاعة في أحد من أهل النار.
وحكى عن غالية المرجئة: أنهم وافقوهم على هذا الأصل، ولكن هؤلاء قالوا: "إن أهل الكبائر يدخلون الجنة، ولا يدخلون النار" مقابلة لأولئك.
"وأما أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر طوائف المسلمين من أهل الحديث والفقهاء، وأهل الكلام.. فيقولون: إن الشخص الواحد، قد يعذبه الله بالنار ثم يدخله الجنة، كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة.
وهذا الشخص الذي له سيئات عذب بها، وله حسنات دخل بها الجنة وله معصية وطاعة باتفاق. فإن هؤلاء الطوائف لم يتنازعوا في حكمه، لكن تنازعوا في اسمه.
فقالت المرجئة: هو مؤمن كامل الإيمان.
وأهل السنة والجماعة على أنه مؤمن ناقص الإيمان. ولولا ذلك لما عذب، كما أنه ناقص البر والتقوى باتفاق المسلمين.
وهل يطلق عليه اسم "مؤمن"؟
هذا فيه القولان… والصحيح التفصيل.
فإذا سئل عن أحكام الدنيا كعتقه في الكفارة. قيل: هو مؤمن. وكذلك إذا سئل عن دخوله في خطاب المؤمنين أي في مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) .
وأما إذا سئل عن حكمه في الآخرة قيل: ليس هذا النوع من المؤمنين الموعودين بالجنة، بل معه إيمان يمنعه الخلود في النار، ويدخل به الجنة بعد أن يعذب في النار، إن لم يغفر الله له ذنوبه… لهذا قال من قال: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان.
والذين لا يسمونه مؤمنا من أهل السنة والمعتزلة يقولون: اسم الفسوق ينافي اسم الإيمان لقوله تعالى: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات الآية 11 وقوله: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ) .
قال: وعلى هذا الأصل، فبعض الناس يكون معه شعبة من شعب الكفر، ومعه إيمان أيضا.
وعلى هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تسمية كثير من الذنوب كفرا، مع أن صاحبها قد يكون معه أكثر من مثقال ذرة من إيمان، فلا يخلد في النار. كقوله: « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » وقوله: « لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ».
وهذا مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من غير وجه، فإنه أمر في حجة الوداع أن ينادى به في الناس. فقد سمى من يضرب بعضهم رقاب بعض –بلا حق- كفارا، ويسمى هذا الفعل كفرا. ومع هذا فقد قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) الحجرات الآية 8 إلى قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )الحجرات الآية 9.
فبين أن هؤلاء لم يخرجوا من الإيمان بالكلية، ولكن فيهم ما هو كفر، وهو هذه الخصلة، كما قال بعض الصحابة: كفر دون كفر. وكذلك قوله: من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما فقد سماه أخا حين القول، وقد أخبر أن أحدهما باء بها، فلو خرج أحدهما عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه، بل فيه كفر).

القاعدة الثامنة:
تفاوت مراتب الأمة في الطاعة:
وهي تأكيد للسابعة: أن مراتب الناس متفاوتة في امتثالهم لأمر الله تعالى، واجتنابهم لنهيه.
ولهذا تفاوتت درجات إيمانهم وقربهم من الله عز وجل، ومن هنا قرر سلف الأمة أن الإيمان يزيد وينقص، ودل على ذلك بالكتاب والسنة، فمن الخطأ الفاحش تصور الناس جميعا ملائكة أولى أجنحة، بلا أخطاء ولا خطايا، ناسين العنصر الطيني الذي خلقوا منه، والذي يشدهم إلى الأرض لا محالة.
وهذه الحقيقة –حقيقة تفاوت الناس في الإيمان والطاعة لله- قد قررها القرآن الكريم، كما أكدتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى في سورة فاطر: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) .
فقد قسم الله عز وجل الأمة التي أورثها الكتاب، واصطفاها من عباده ثلاثة أصناف:
1. ظالم لنفسه، وهو كما قال ابن كثير، المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب بعض المحرمات.
2. ومقتصد، وهو المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات.
3. وسابق للخيرات، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات، وبعض المباحات.(50) (تفسير ابن كثير ج3 ص454-555 :ط الحلبي)
فهؤلاء الثلاثة على ما في بعضهم من عوج وتقصير وظلم للنفس داخلون في الذين اصطفاهم الله من عباده.
وهؤلاء الأصناف الثلاثة ينطبقون على الطبقات أو المراتب الثلاث المذكورة في حديث جبريل المشهور: وهي "الإسلام" و"الإيمان" و"الإحسان". وأخبر الله تعالى عن هؤلاء الأصناف الثلاثة –وفيهم الظالم لنفسه- بأنهم من أهل الجنة.
وصح عن ابن عباس في تفسير الآية قوله: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.(المصدر السابق)
وليس المراد بـ "المحرمات" التي يرتكبها الظالم لنفسه "الصغائر" فقط دون "الكبائر" ولا المراد به التائب من جميع الذنوب، لأن هذا وذاك –كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- يدخل في صنف المقتصد أو السابق "فإنه ليس أحد من بني آدم يخلو من ذنب. كل من تاب كان مقتصدا أو سابقا".
كذلك من اجتنب الكبائر كفرت عنه السيئات، كما قال تعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) .
فلا بد أن يكون هناك ظالم لنفسه، وموعود الجنة. ولو بعد عذاب يطهر من الخطايا.(من كتاب "الإيمان" (51) من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج7 ص485:ط الرياض)
على أن المسلم مهما يكن مقتصدا أو ظالما لنفسه، فعليه أن يكره الكفر والفسوق والعصيان، ولا يرضى بالمنكر الذي تطفح به الحياة من حوله. فإن أدنى درجات الإيمان أن يغير المسلم المنكر بقلبه، أي يكرهه ويتألم له ويسخط عليه، وأرفع من ذلك درجة أن يغيره بلسانه إن استطاع، وأرفع من هذه أن يغيره بيده إن استطاع. وهذا ما جاء به الحديث الصحيح المشهور على الألسنة (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
فإذا كان التغيير بالقلب –بالمفهوم الذي شرحناه- أضعف الإيمان، فمعنى هذا أن من فقد هذه الدرجة –درجة أضعف الإيمان- فقد الإيمان كله، ولم يبق له منه شيء.
وهذا ما صرح به الحديث الآخر الذي رواه مسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنه يخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).
فالحديث الشريف يصرح بأن من لم يجاهد هؤلاء الفسقة والظالمين بقلبه –أي يكره أعمالهم وظلمهم وفسقهم- ليس عنده من الإيمان حبة خردل. وبعبارة أخرى، ليس عنده أقل القليل من الإيمان.
غير أن هذا الأمر مرده إلى ضمير المسلم وقلبه، فهو الذي يستطيع أن يحكم على نفسه أهو راض عن المنكر أم هو ساخط عليه؟ وإن كان راضيا عن صاحب المنكر: أهو راض عنه لأجل فسقه وظلمه وانحرافه عن شرع الله أم لأجل شيء آخر، مثل مصلحة أصابها منه، أو قرابة بينه وبينه، أو غير ذلك. وإن كان الواجب على المؤمن أن يكون مناط قربه أو بعده من الناس هو مدى اتصالهم بالإسلام أو انفصالهم عنه (52) ( ظاهرة الغلو في التكفير ) .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:20 AM [ 15 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




التكفير بين العلم والجهل

29/05/2009 23:31:00 موقع السكينة

المتأمل في ما يقع فيه أصحاب الأفكار المختلفة، والذين يصدرون عن فكرٍ معين يدفعهم لاتخاذ مواقف معينة فكرية أو حركية ،ولا يوفقون لإصابة الحق ويخالفون ما عليه جمهور علماء الأمة من ثوابت وتصورات ،يعلم أن لذلك أسباباً ولابد : ولكني أقول: أن السبب الرئيس ، أو أظهر تلك الأسباب ،والذي قد تؤول إليه الأسباب الأخرى ! ( الجهل بمعنى: قلة العلم أو عدمه ) والجهل يمكن تقسيمه في حق هؤلاء إلى نوعين من الجهل :
الأول: جهلٌ بالعلم الشرعي أصلاً ،بأن يكون صاحب هذا الفكر ليس من الذين اشتغلوا بطلب العلم الشرعي ،فهو من العوام ، ومن هذا شأنه أن يكون مهيأً لأن يفرغ في رأسه وفي قلبه أي رأي يعجب به لغرابته أو جرأته أو موافقته لهواه، فهو كالوعاء الفارغ يتشرب ما يصب فيه. فهذا شفاؤه السؤال حتى يعلم ، ولكن من يسأل..؟؟ يسأل من أمر الله بسؤالهم وهم " أهل الذكر" وهم كما قال أهل العلم من المفسرين وغيرهم (أهل العلم والتحقيق ) تفسير الرازي(20/37)
قال الشيخ بن سعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [ الأنبياء : 7 ] . (وهذه الآية وإن كان سببها خاصاً بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر، وهم: أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها، ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم...وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهيٌ عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم ، ونهي له أن يتصدى لذلك ..)
ثانياً: من عنده شيٌ من علم ، ولكن الجهل يأتيه من جهة عدم الدقة والدربة في تنزيل النصوص الشرعية و القواعد العلمية على واقعٍ ما ، أو يكون من المتساهلين في هذا الأمر، وتنزيل القواعد على مناط معين مهيع واسع ،وليس بالأمر اليسير ، ولا يحسنه كل أحد ! وهو الميدان الذي يبرز فيه العلماء المحققون من غيرهم !وقد أصل الأصوليون لهذا التنزيل ورسموا له ضوابط وقواعد ،ومن ذلك قولهم : أن لكل حكم شرعي مقدمتان " نقلية وعقلية" فالنقلية تعرف من خلال النصوص الشرعية ،أما العقلية فيعنون بها تحقيق مناط الحكم وتنزيله على ما يناسبه من وقائع ، وهو ما يسمى في "أصول الفقه" بتحقيق المناط وهو: " أن يكون هناك قاعدة شرعية متفق عليها ، أو منصوص عليها ، وهي الأصل ، فيتبين المجتهد (لاحظ قوله المجتهد .فتأمل) وجودها في الفرع ..) شرح مختصر الروضة للطوفي (3/233)
وتحقيق المناط -كما هو عند العلماء- نوعٌ من أنواع الاجتهاد ، وليس مباحاً لكل أحد !
والجهل بهذا الأمر من أظهر أسبابه عدم طلب العلم الشرعي بمنهجيةٍ علمية صحيحة ،أو بمعنى آخر عدم أخذه من أهله المشتغلين به والعاملين بموجبه ، وطريق العلم الوحيد هو طلبه من مصادره وهم الأشياخ الذين أفنوا جل أعمارهم فيه،وبغير ذلك لا يمكن أن يتكون طالب علم مؤصل منور القلب والعقل،راسخ العلم قوي الحجة !ومن كلام أهل العلم قديماً : (كان العلم في صدور الرجال، ثم صار في الكتب، ومفاتيحه في صدور الرجال !) ، ومن فوائد الإمام الفذ أبي إسحاق الشاطبي رحمه الله قوله في مقدمة " الموافقات" المقدمة الثانية عشره: من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقيق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام... وذكر أن لذلك طريقين "المشافهة و مطالعة كتب العلماء"ثم قال: وهي – أي المشافهة- أنفع الطريقين وأسلمهما لوجهين :الأول: خاصية جعلها الله تعالى بين المعلم والمتعلم ،يشهدها كل من زاول العلم والعلماء ،فكم من مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب، ويحفظها ويرددها على قلبه فلا يفهمها ، فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة ، وحصل له العلم
بالحضرة! وهذا الفهم إما يحصل بأمر عادي من قرائن أحوال،وإيضاح موضع إشكال لم يخطر للمتعلم ببال، وقد يحصل بأمر غير معتاد،ولكن بأمر يهبه الله للمتعلم عند مثوله بين يدي المعلم ،ظاهر الفقر بادي الحاجة إلى ما يلقي إليه... وقد قال عمر بن الخطاب (وافقت ربي في ثلاث) وهي من فوائد مجالسة العلماء ! إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم ما لا يفتح له دونهم ،ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا في متابعة معلمهم ،وتأدبهم معه،واقتدائهم به، فهذا الطريق نافع على كل تقدير ) فتأمل رعاك الله ! (الموافقات1 45)
وهذا بالتجربة ثابتٌ وملاحظ، فالطالب قد يأتي للدرس عند أستاذه في مسألة علمية ، يظن أنه فهمها وأن المسألة لا تحتمل من التأويل والبيان غير ما توصل إليه ،ثم بعد عرضها ومدارستها ،يظهر في الغالب الآتي: إما أنه لم يفهم المسألة أصلاً ولم يوفق لمعرفة المراد، أو أن فهمه لها كان ناقصاً بحيث أنه فهم شيئاً وغابت عنه أشياء، وكما ذكر العلماء: أن فهم الإنسان للمراد من النص الشرعي ،لا يخلو من ثلاثة أحوال: أن يكون فهمه أعم من المراد أو أخص أو مطابق.
ويذكرني ذلك بعرض الصديق أبي بكر رضي الله عنه لتأويله لرؤيا ذلك الصحابي على رسول الله الإمام والمعلم ، فأقر على ما أصاب ونبهه على ما غاب، قال صلى الله عليه وسلم « أصبت بعضا وأخطأت بعض » البخاري ، كتاب التعبير حديث رقم(7046)
وتأمل بالله عليك ، قصة عمر الفاروق أعلم الناس بعد رسول الله وأبي بكر كيف فهم ذلك الفهم في "صلح الحديبية" الذي قاده إلى أن راجع رسول الله وجادله في أمرٍ عزم عليه (وهو رسول الله)!
قال: يا رسول الله ألسنا على حق، وهم على باطل؟ قال: بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال "بلى" قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال رسول الله مبيناً ومطمئنناً: « يا ابن الخطاب! إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً » ثم ذهب إلى أبي بكر فقال له أبو بكر "إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً" وبعد هذا البيان ذهب ما أشكل عليه رضي الله عنه ولاح له الصواب ، والقصة في البخاري "حديث رقم3182. قال الإمام الشاطبي معلقاً" (فهذا من فوائد الملازمة ، والانقياد للعلماء،والصبر عليهم في مواطن الإشكال..)! الموافقات 1 43
وهل يكب الشباب في الخطأ إلا تزكية الرأي المجرد ، والثقة به ، دون عرضه على العلماء أو حتى النظر الدقيق في كلام أهل العلم في بطون الكتب ومنابت الفكر!
ومن المعلوم عند أهل العلم من الأصوليين والفقهاء أن النصوص الشرعية من كتابٍ وسنة،ليست على درجةٍ واحدة من حيث وضوح دلالتها على المعنى ، ومعرفة ذلك لا يكون إلا لمن درس مناهج العلماء التي رسموها لمعرفة كيفية استنباط الأحكام واستخلاص المعاني من النصوص، وهي مناهج وقواعد علمية وضعت لتفسير النصوص مستخلصة بدقة من قواعد اللغة ومفهومات الشريعة ومقاصدها ،وذلك كله تحقيقاً لقول الله : ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم النساء : 83. والمراد بتفسير النصوص (بيان معاني الألفاظ ودلالاتها على الأحكام للعمل بالنص على وضع يفهم من النص) أنظر: تفسير النصوص د.محمد أديب (1/59)
والنص الشرعي من حيث دلالته على الحكم بالنسبة للمكلف ،قد يكون من الواضح، وهو أنواع منه ما هو "ظاهر" ومنه ما هو "نص" ، وقد يكون مبهماً يحتاج إلى تفسير ،وقد يكون عاما أو خاصاً أو عاماً أريد به الخصوص .......إلخ مما هو مقرر عند علماء أصول الفقه.
وهذا التراث العلمي الهائل والدقيق لا يمكن تجاوزه بتجاهله أو بالتقليل من أهميته ،فبه: تفهم النصوص ويستدل على المعاني ويدفع التعارض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم!
وبسبب الجهل به يحصل الخطأ،وتفهم النصوص على غير مرادها الصحيح،وقد حذر الله في كتابه من الجدال بغير أسس ثلاث "العلم والهدى والكتاب المنير" قال الله : ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولا هدى ولا كتابٍ منير الحج : 8 .
ومن هنا حذر العالم المحدث الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه ،إذ تخوف من تأويل النصوص دون دراية وعلم،فقال : ( ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه ،ولا من فاسقٍ بينٍ فسقه ،ولكني أخاف عليها رجلاً قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه ،ثم تأوله على غير تأويله)جامع بيان العلم وفضله
ومكمن الخطورة أن هذا التأويل الغير منضبط بالقواعد العلمية المعتبرة - والذي هو محض تصور عقلي للنص - ،يتحول إلى حكم شرعي يتعبد الله به ،وقد يكون له لوازمه المتعدية !
ومن درس وتأمل التاريخ الفكري للفرق والطوائف الإسلامية التي حادت عن ما كان عليه رسول الله وأصحابه ،أو غلت في اتخاذ بعض المواقف العقدية أو تبنت بعض الأفكار المنحرفة أو الضالة ،مما جعلها شذوذاً بين الأمة ،نجد أنها لم تؤت ولم تقع فيما وقعت فيه " في الجملة" إلا من جهة هذين النوعين من الجهل – والله أعلم – فعدلوا بالنصوص عن ظواهرها وتأولوا الآيات لتوافق أهوائهم ،لا لتكون هي الحاكمة على كل هوى ورأي! وما خبر الخوارج أو الجهمية أو الشيعة وغيرهم ..ببعيد!!
ومنهم أقوام وصفوا بكثرة العبادة والاجتهاد وسلامة المقصد في الظاهر وإرادة الخير ، إلا أن الجهل وعدم التعلم أوردهم المهالك،والمعصوم من عصمه الله ..والمقصد الشريف لابد لتحقيقه من وسيلة مشروعة شريفة كذلك ،والوسيلة هي العلم والعمل ،والغاية في الإسلام لا تبرر خطأ الوسيلة ، والتوفيق بيد الله. (1)


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:22 AM [ 16 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




الأسباب العامة في ظهور الغلو والتشدد والتكفير في كل زمان ومكان

29/05/2009 23:30:00 موقع السكينة
مقاس الخط:
أذكر هنا ما تيسّرَ لي استقراؤه من أسباب ظهور نزعات الغلو والتنطع في الدين بين المسلمين في العصر الحديث، وهي الأسباب العامة (عبر التاريخ) التي غالباً ما تكون ممهدة لظهور هذه النزعات في أي زمان أو بيئة.
وأهمها في نظري ما يأتي:
1- شيوع البدع والمنكرات والفساد والظلم في المجتمعات، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو التقصير فيه، كما في كثير من البلاد الإسلامية.
2- قلة الفقه في الدين (أي ضعف العلم الشرعي)، أو أخذ العلم عن غير أهله أو على غير نهج سليم، أو تلقيه عن غير أهلية ولا جدارة.
3- ظهور نزعات الأهواء والعصبيات والتحزبات والشعارات.
4- الابتعاد عن العلماء وجفوتهم، وترك التلقي عنهم، وعدم الاقتداء بهم، وما نتج عن ذلك من التلقي عن دعاة السوء والفتنة والأهواء والالتفاف حولهم .
5- التعالم والغرور، والتعالي على العلماء وعلى الناس، واحتقار الآخرين وآرائهم.
6- حداثة السن وقلة التجارب، والغيرة غير المتزنة؛ (عواطف بلا علم ولا حكمة).
7- النقمة على الواقع وأهله؛ بسبب سوء الأوضاع الدينية والاقتصادية والسياسية في كثير من بلاد المسلمين،وما يترتب على ذلك من ردود الأفعال التي لا تقدر عواقب الأمور.
8- تحدي الخصوم (في الداخل والخارج)، واستفزازهم للغيورين، وللشباب وللدعاة، وهو ما يمكن أن يطلق عليه: (المكر الكبَّار)، وكذلك كيدهم للدين وأهله، وطعنهم في السلف الصالح.
9- قلة الصبر، وضعف الحكمة في الدعوة لدى كثير من الغيورين؛ ولا سيما بعض الشباب المتدين، ومن ذلك ضعف إدراك الكثيرين لسنن الله تعالى الكونية والشرعية، في الصراع والتدافع بين الحق والباطل، والقواعد الشرعية التي تحكم ذلك.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:25 AM [ 17 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




الفرق بين التكفير المطلق والتكفير المعين

29/05/2009 23:29:00 موقع السكينة

فرق العلماء المحققون بين تكفير القول أو المبدأ وبين تكفير القائل أو المعين ، وهو فرقٌ عظيم من فتح الله عليه ودقق في النصوص ، ثم سبر كلام أهل العلم في هذه المسألة تبين له الأمر وانجلى ، وسلم من الوقوع في الخطأ بإذن الله .
ومما يعتمد عليه في صحة هذا التفريق من النصوص الشرعية ما يستنبط من هدي المعصوم صاحب الرسالة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم حين فرق بين اللعن العام ولعن المعين ،وهو ما جاء في البخاري عن عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد النبي وكان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي قد جلده في الشراب، فأتى به يوماً، فأمر بجلده، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تلعنه ، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله » البخاري رقم (6780) وانظر : فتح الباري (12/76-80) ففيه فوائد.
أما محل الشاهد : فإليك ما قاله الإمام المحقق المنور بنور الله أبو العباس بن تيمية رحمه الله: (فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب، لكونه يحب الله ورسوله مع أنه لعن في الخمر عشرة ...ولكن لعن المطلق لا يستلزم لعن المعين ،الذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة به ، وكذلك التكفير المطلق والوعيد المطلق ،ولهذا كان الوعيد المطلق في الكتاب والسنة مشروطاً بثبوت شروط ،وانتفاء موانع ) الفتاوى (10/329)
والنقول عنهم مستفيضة في هذا التفريق . ومما يصلح مثالاً من هدي السلف رحمهم الله : موقف الإمام المبجل أحمد بن حنبل من الذين حملوا الناس على القول بخلق القرآن وامتحنوا العلماء من أجله ودعوا إلى هذه البدعة ،ومع فتواه بأن هذا القول كفر ، لم يشتهر عنه- رحمه الله تعالى- أنه كفر أحداً بعينه ، بل نقل عنه عدم تكفير المعتصم الخليفة الذي تقلد هذه البدعة وعذبه وسجنه من أجل صبره على الحق ومخالفته إياه !فنقل عنه قوله لرسولي المعتصم إليه(أرى طاعته في العسر واليسر والمنشط والمكره والأثر ،وإني لآسف عن تخلفي عن صلاة الجماعة ..) فتاوى 7/507
وفوق ذلك دعا للخليفة وغيره، ممن ضربه وحبسه وتسبب في افتتان الناس وصدهم عن الحق،واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول بخلق القرآن الذي هو "كفر" ولوا كانوا مرتدين لم يجز الاستغفار لهم ،فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بنص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين! فتأمل.
كذلك فإن الإمام أحمد رحمه الله وقد نقل عنه صراحةً وبكل وضوح وعلم : تكفير أمثال "الجهمية" وهم: المعطلة لصفات الرحمن! لأن قولهم:صريح في مناقضة ما جاء به رسول الله من القرآن والسنة ، أطلق وهو وغيره من علماء السنة المعتبرين هذه العمومات ، إلا أنه –رحمه الله- لم ينقل عنه – أو قل لم يشتهر عنه – (حسب علمي) تكفير أعيانهم ، واسمع ما قاله أبو العباس بن تيمية - قدس الله سره- في هذه الجزئية الدقيقة : (وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون : القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة . وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوماً معينين،فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر ؟ أو يحمل الأمر على التفصيل ،فيقال: من كفر بعينه فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه،ومن لم يكفر بعينة فلانتفاء ذلك في حقه ،هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم )الفتاوى (12/ 487-489
ولشيخ الإسلام "ملحظ دقيق" في سبب التنازع بين الذاهبين لتكفير الأعيان وبين الكافين عنه ،وهو (تعارض الأدلة ) وبيان ذلك: أن المتأمل في النصوص يجد أدلةً توجب إلحاق أحكام الكفر ببعض الطوائف أو المقالات ؟ وفي المقابل نجد أن بعض الأعيان الذين تقلدوا هذه المقالات أو الأفعال التي –ظاهرها الكفر- قام به من الإيمان وصلاح الحال أو الجهل أو غير ذلك من الأسباب ، ما يبعد أو يمتنع أن يكون كافراً ،فيتعارض عندها الدليلان ،الدليل العام في التكفير و واقع هذا الشخص أو ذاك،،ومن هنا يحصل الخلط والتنازع ،وتحتاج المسألة إلى كبير تدقيق وعلم وتجرد من كل هوى وورع ..وقبل ذلك وبعده نور من الله!!(أنظر: الفتاوى 12/487)
وما كف أحمد وغيره من العلماء : إلا لما آتاهم الله من علمٍ ورسوخ في الدين وقوة نظرٍ في الأدلة ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ولعلمهم بآثار ذلك من خروج عن ربقة الدين ، واستحلال للدم ،وخشيةً من أن يأتي هذا المكفر أو ذاك يوم القيامة بين يدي أحكم الحاكين وأرحم الراحمين من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ثم يقول:يا رب سل هذا فيما كفرني!!ألله أكبر ...ياله من سؤال عظيم يحتاج إلى جواب دقيق لا يصيبه إلا ذو علم عظيم!!فتأمل أخي وقاك الله.
وفي السياق نفسه : قال العلامة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين ،في مسألة "اللعن" لما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى – يعني الإمام النووي- في كتابه – رياض الصالحين – تحريم لعن المعين،وأنه لا يجوز أن تلعن شخصاً معيناً ولو كان كافرا مادام حيا،لأنك لا تدري فلعل الله أن يهديه فيعود إلى الإسلام إن كان مرتداً أو يســـلم إن كان كافراً أصلياً ..إلى أن قال: لأن هناك فرقاً بين المعين وبين العام ،فيجوز أن تلعن أصحاب المعاصي على سبيل العموم إذا كان ذلك لا يخص شخصاً بعينه ) شرح رياض الصالحين (4/156)
قلت: وإطلاق الكفر مثله بل هو أعظم !فتأمل.
والمنع من تكفير المعين أو لعنه – والله أعلم- لأن المسلم (وحديثنا عنه) لا يستوجب اللعن أو التكفير بعينه ، بمجرد قوله أو فعله إلا إذ اجتمعت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه، فإذا استوفى الشروط وانتفت في حقه الموانع فلا ريب في كفره ، وكل ذلك "علمٌ" لا يجوز الخوض فيه قبل المكنة منه.
قلت-مستعيناً بالله- : هذه بعض الوقفات المنهجية التي استخلصتها واختصرتها ،فيما يتعلق بجانب الشباب الذين يتبنى بعضهم أو ينشغل بمثل هذه المسائل العلمية الدقيقة والعظيمة ،وهذا لا يعني أبدا التعميم على الجميع، فإن من أخوتي الشباب طلاب علمٍ وهدى ،أخذوا العلم من مصادره وتلقوه من أهله ،وفيهم حماسٌ وغيرة على دين الله وحرمات المسلمين ،ولديهم من الخير والنفع للأمة والمجتمع الشيء العظيم ، ولا ينكره أو يقلل منه إلا جاحدٌ أو صاحب هوى ، والله أمرنا بالعدل في القول والعمل قال الله : وإذا قلتم فاعدلوا الأنعام : 152.
إن المتأمل في نصوص القرآن الكريم وكذلك السنة النبوية الشريفة ،يلحظ أن الشارع الحكيم ومن خلال الأدلة العامة والخاصة ليس متشوفاً إلى تكفبر المعين ، بل الوصف بالكفر في القرآن وكذا في السنة جاء موجهاُ على الأفعال والأقوال ، لتحذير المكلفين من الوقوع فيها والتلبس بها (1) .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:28 AM [ 18 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




أصناف الناس في ميزان الولاء والبراء

29/05/2009 23:27:00 موقع السكينة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعاداة فإنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها سلطانه، وسلطانه كتابه.
فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان.
ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان.
قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ) [المائدة:55، 56]، وقال تعالى: (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) [المائدة:51]، وقال: (وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) [التوبة:71].
ومن كان فيه إيمان وفيه فجور أعطِي من الموالاة بحسب إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره، ولا يخرج من الإيمان بالكلية بمجرّد الذنوب والمعاصي كما يقول الخوارج والمعتزلة.
ولا يجعَل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون بمنزلة الفساق في الإيمان والدين والحب والبغض والموالاة والمعاداة، قال الله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا) إلى قوله: (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:9، 10]، فجعلهم إخوة مع وجود الاقتتال والبغي.
وقال في موضع آخر: "ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضاً موالاة الدين، لا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون، ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك..."
وقال الشيخ صالح الفوزان في أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء: "الناس في الولاء والبراء على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من يُحَبّ محبّةً خالصة لا معاداة معها: وهم المؤمنون الخلَّص من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وفي مقدّمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّه تجب محبته أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ثم زوجاته أمهات المؤمنين، وأهل بيته الطيبين وصحابته الكرام... ثم التابعون والقرون المفضلة وسلف هذه الأمة وأئمتها... قال تعالى: (وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر:10]، ولا يبغض الصحابة وسلف هذه الأمة من في قلبه إيمان، وإنما يبغضهم أهل الزيغ والنفاق وأعداء الإسلام كالرافضة والخوارج، نسأل الله العافية.
القسم الثاني: من يبغَض ويعادَى بغضاً ومعاداة خالصين لا محبّة ولا موالاة معهما: وهم الكفار الخلّص من الكفار والمشركين والمنافقين والمرتدين والملحدين على اختلاف أجناسهم كما قال تعالى: (لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22]، وقال تعالى: عائباً على بني إسرائيل: (تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ) [المائدة:80، 81].

القسم الثالث: من يُحَبّ من وجهٍ ويبغَض من وجه، فيجتمع فيه المحبّة والعداوة: وهم عصاة المؤمنين يحَبّون لما فيهم من الإيمان، ويبغَضون لما فيهم من المعصية التي هي دون الكفر والشرك، ومحبّتهم تقتضي مناصحتهم والإنكار عليهم، فلا يجوز السكوت على معاصيهم بل ينكَر عليهم، ويؤمَرون بالمعروف، وينهَون عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات حتى يكفّوا عن معاصيهم ويتوبوا من سيئاتهم، لكن لا يبغَضون بغضاً خالصاً، ويتبرّأ منهم كما تقوله الخوارج في مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك، ولا يحبّون ويوالَون حباً وموالاة خالصَين كما تقوله المرجئة، بل يُعتدَل في شأنهم على ما ذكرنا كما هو مذهب أهل السنة والجماعة".


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:31 AM [ 19 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




خصائص منهج الغلاة التكفيريين وسماته

29/05/2009 23:25:00 ناصر العقل

1- ضعف جانب التبيّن والتثّبت في كثير من الأحوال التي حكموا بسببها بالكفر على الدولة أو الأفراد، ولا أعرف أحداً أثبت أنه توصل إلى يقين في الدعاوى التي حكموا بسببها بالكفر، وربما يقول بمقاله أو لسان حاله: هذا مستفيض، هذا مشهور، وقيل، وقالوا، ونحو ذلك، وعلى هذا فإن بعض القضايا والأحوال التي زعموا أنها مكفرة إما أنها لا تثبت، أو أنها تثبت على غير ما توهموا، أو أنها تثبت فعلاً لكنهم أخطأوا في تطبيق القواعد والمنهج في الحكم بالكفر على المعيّن، .
2- يقوم منهجهم -غالباً- على التأويل المتكلف، وحمل أفعال من يحكمون عليهم على أسوأ المحامل.
3- يجهلون قواعد الاستدلال، وبعضهم يدفعه الهوى والتهور إلى التغافل عن إعمال القواعد الضرورية في الاستدلال، فقلما يجمعون بين الأدلة، ولا يردون المتشابه إلى المحكم، ولا يعتدون بفقه السلف، ولا بفتاوى العلماء المعتبرين ( إلا حين يكون لهم فيها شبهة أو متعلق يخدم غلوهم ). ولعل من أوضح الأمثلة لذلك استدلالاتهم على استحلال الدماء المعصومة بمثل حديث: ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) في حين أنهم يعلمون أن للصحابة والتابعين وأعلام الأمة إلى يومنا هذا فقهاً للحديث يناقض فقههم.
4- وكذلك يجهلون ( وبعضهم يحمله الهوى على تجاهل ) قواعد التكفير، وشروط تكفير المعيّن .
5- لا يراعون الفوارق الشرعية والطبيعية، ولا السنن الإلهية في تقدير الأمور وعواقبها؛ بسبب الاندفاع العاطفي غير المتزن، والغيرة غير المنضبطة بضوابط الشرع.
6- لا يستفيدون -بسبب انغلاقهم- من الحوادث والتجارب والدروس والعبر التاريخية التي حدثت من أسلافهم سواء من أهل الأهواء ( كالثوار على عثمان رضى الله عنه والخوارج وجماعة التكفير والهجرة، وجماعة الجهاد ) أو الجماعات المتهورة في الجزائر وغيرها، أو غيرهم من المتهورين والمتعجلين، أو الذين أخطأوا مجتهدين أو غير مجتهدين، كأصحاب الحرة، وضحايا فتنة ابن الأشعث، والعديد من أئمة آل البيت الذين استهوتهم الغوغاء والشيع وغيرها؛ للخروج على بني أمية وبني العباس، فلم يفلح منهم أحد وهم يقاربون الأربعين.
ثم ملحمة (الإخوان) في السبلة حين لم يصغوا لنصيحة العلماء والمشايخ، ثم ملحمة جماعة (جهيمان)، وقد عرفنا كثيرين منهم كانوا أصلح وأعلم وأعقل من أكثر الغلاة اليوم، ومع ذلك حين تجاهلوا نصح العلماء والناصحين، وخرجوا على السلطان والجماعة، حدثت منهم تلكم (الباقعة) التي لم يحدث مثلها في الحرم في تاريخ الإسلام -فيما أعلم- إلا من القرامطة الباطنية، وكل مستبصر يعلم أن أغلب الدوافع التي تذرَّع بها أولئك هي الدوافع التي يتذرع بها هؤلاء اليوم؛ مما يزعمون أنه: استحلال الربا، ووجود بعض الأنظمة المخالفة للشرع، والعلاقات الدولية، والمشاركة في المنظمات والتحالفات، والمنكرات والمفاسد، ونحوها، مما هو حاصل أو غير حاصل.
نعم قد توجد بعض هذه الأخطاء والمفاسد، لكن الشأن في المنهج الشرعي السليم في إثبات الدعاوى والحكم فيها وطرق الإنكار والتغيير التي خالفوا فيها نهج السلف الصالح الذي عليه علماؤنا وذوو العقل والحكمة والرأي والتجربة.
7- غالبيتهم يحكمون في الأمور الكبار وعلى الدولة والعلماء والمعنيين، بلا علم راسخ، ولا أهلية للاجتهاد، ولا رجوع للراسخين وأهل الاجتهاد، بل إن شيوخهم منهم كعادة أهل الأهواء، لكنهم قد ينتحلون من أهل العلم من يوافقهم على بعض أمورهم، أو يتعاطف معهم عن جهل بحقيقتهم، أو هوى، أو تشفٍّ، أو نحو ذلك مما يعتري البشر.
كما أنهم قـد يـوجد بينهم من لديـه علم، لكنه مصاب بأدوائهم من الغلو والهوى والعنف، فـلا يتحـرى للحـق، وتعمى بصيرتــه عـن الهـدى، نسـأل الله العافية.
8- يجهلون (وقد يتجاهل الكثير منهم) الأصول الكبرى والقواعد العظمى التي قررها الشرع، واتفق عليها سلف الأمة، مثل:
- درء المفاسد مقـدم عـلى جلب المصالح: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن: من الآية16)
- المشقة تجلب التيسير« ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما » [1]1].
- « سددوا وقاربوا » [2][2].
- « وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين » [3][3].
- « إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه » [4][4].
- « ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه » [5][5].
- « إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطى على العنف ومالا يعطي على سواه » [6]6].
9- يقوم اعتقادهم ومنهجهم ومواقفهم على تجاهل الأصول والثوابت الشرعية في هذه البلاد (المملكة) والتنكر لها، ومن هذه الثوابت:
- مرجعية العلماء، فلا يرعون للعلماء حقهم، ولا يرجعون إليهم كما أمر الله تعالى.
- حقوق الجماعة، فلا اعتبار عندهم للجماعة بمفهومها الشرعي العظيم.
- حقوق أهل الحل والعقد من العلماء والأمراء، والوزراء، وقادة الجيوش، ورؤساء القبائل والعشائر، وأهل الرأي والمشورة، وسائر من لهم حق الاعتبار والاحترام؛ إما لعلمه، أو لإمارته، أو لمنزلته الاجتماعية [7][7]، أو لوجاهته، كل هؤلاء لا قيمة ولا قدر ولا اعتبار لهم عند كثيرين من الغلاة. وقد يظهر بعضهم خلاف ذلك؛ لضرورة المعايشة والمداراة، وليسوا فقط ينكرون هذا الأصل والحق والاعتبار، بل يطلقون التكفير والصفات غير اللائقة، ويسخرون بالحكام والعلماء ومن دونهم بعبارات لا تصدر ممن يحترم نفسه فضلاً عن أن يحترم من له حق الاحترام، ومن ذلك أن بعضهم يصف كبار العلماء بـ(كبار العملاء)!
- السمع والطاعة بالمعروف وفي المنشط والمكره في غير معصية الله، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك » [8][8]، وقال صلى الله عليه وسلم: « السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة » [9][9].
- البيعة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » [10][10] ومن فضل الله علينا أن تحققت البيعة في هذه البلاد من قبل أهل الحل والعقد.
- النصيحة: وهي من مباني الدين العظيمة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « الدين النصيحة » (ثلاثاً) قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: « لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم » [11][11]، والنصيحة لأئمة المسلمين هي بذل النصح للعلماء والولاة وكل من له ولاية على شؤون الأمة بالتسديد والمشورة، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، والسمع والطاعة لهم بالمعروف، وجمع الشمل حولهم، ودفع ما يحصل منهم من ظلم وجور وفسوق بالحكمة، حيث يعالج بالطرق والوسائل المشروعة: (ولا تنزع يداً من طاعة) [12][12]، فأمر الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك حق لا محيد عنه، ولن يجد المسلم أثمن ولا أسلم عاقبة في الدنيا والآخرة من هذه الوصايا من الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم، ولأئمة السلف من المواقف تجاه ولاة الأمور الذين يرتكبون العظائم ما فيه القدوة والسداد والرشاد، كابن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهما، وكالإمام مالك والإمام أحمد وابن تيمية وغيرهم، وهــؤلاء الغــلاة اليوم تجاوزوا حـدود الشرع، وعارضوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسبيل المؤمنين ونهج السلف الصالح في هذه الأمور وغيرها.
- الصبر: والصبر مطلـب شرعي ضروري أمـر الله بـه، وأوصــى به رسـوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: وَالْعَصْرِ* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (العصر:1-3)
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران:200)
ونص النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفت على الصبر على الجور والظلم والأثرة من الولاة خاصة؛ لأن في تجاوز ذلك من المفاسد والفتن ما هو أعظم في الدين والدنيا. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية » [13][13].
- حفظ الأمن: والأمن مطلب ضروري جاء الإسلام برعايته وحفظه؛ لأنـه لا يستقيم للمسلمين دينهم ولا دنياهم إلا بــالأمن، فلا يمكن حفظ الضرورات الخمس التي جاء الإسلام برعايتها إلا بالأمـن، وهي: الدين، والنفس، والنسب (العرض)، والمــال، والعقل، وهذا (والله أعلم) من أعظم أسباب تحريم المنازعة والخروج على ولاة الأمر، لكن الغلاة في كل زمان لم يفقهوا هذه الحقائق والمصالح الكبرى.
- ودرء المفاسد العظمى: وهو مقدم على جلب المصالح [14][14]، فالغلو في الدين، والتكفير، واستحلال الدماء، والفساد في الأرض، والإخلال بالأمن، وترويع الآمنين، والخروج على الجماعة (وعلى رأسهم العلماء) والخروج عن الطاعة، كل هذه الأمور ونحوها مفاسد كبرى، والإخلال بها فساد عظيم، عواقبه وخيمة في الدين والدنيا، وأما الغلاة فزعموا أن انتهاك هذه الأمور جهاد [15][15]! نسأل الله أن يبصرنا وإياهم بالحق، ويردهم إلى جادة الصواب.
- ومن الثوابت التي يجهلها كثيرون من الغلاة وغيرهم -ويتجاهلها آخرون- نظام الحكم المعلن عام 1412هـ والذي أصَّل شرعية النظام واعتماده على مصادر الإسلام وثوابت الدين، وأصول العقيدة والسنة، وفي المبحث التالي أسوق نماذج من مواد هذا النظام.
10- يعتمد أسلوبهم ومنهجهم في جمع المعلومات وتحليلها والحكم عليها وعلى خصومهم من خلالها، على المبالغات والتهويل، والإلزامات، والخلط بين الحقيقة والخيال، وبين الصدق والبهتان، وبين الواقع والأوهام، والتناقضات العجيبة.
11- قادهم الغلو والإخلال بالأصول المعتبرة شرعاً وعقلاً إلى الجرأة على التكفير واستحلال الدماء والأموال، والفساد في الأرض، ووسائل العنف من التفجيرات والقتل الجماعي والفردي.
12- أنهم مصابون بعقدة الإسقاط، وعقدة المؤامرة والتشاؤم واليأس، والنظرة السوداوية لسائر الأمور، وسوء الظن، وافتراض (بل واعتقاد) أسوأ الاحتمالات وأقسى الأحكام، وأصعب الحلول في سائر الأمور، حتى مع أنفسهم أو مع بعضهم، حتى اشتدوا وغلوا في الدين (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)[16][16].
فحالهم وتصرفاتهم تدل على أنهم غلَّبوا جانب التشدد والتشاؤم واليأس، وأنهم يئسوا من رحمة الله أو يكادون، ثم يئسوا من صلاح المشايخ وعطفهم، وصلاح الدولة وعطفها [17][17]، ومن صلاح المجتمع وعطفه، ولذلك ارتكبوا أبشع التصرفات وعظائم الأمور، زاعمين أن هــذا هــو ســبيل الصــلاح والإصلاح، وذلك حين جهلوا (أو تجاهل بعضهم) قواعد الشرع التي سبق ذكر شيء منها، نسأل الله العافية والهداية لنا ولهم ولجميع المسلمين.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 14 Dec 2009, 12:32 AM [ 20 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل




عناية الشريعة بتحصيل المصالح ودفع المفاسد

29/05/2009 23:23:00 موقع السكينة

تحصيل المصالح ودفع المفاسد هو كما يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: أصل أصول الشريعة إذ إن الشريعة إنما جاءت لتحصيل مصالح العباد الدينية والدنيوية ودفع المفاسد عنهم وقد ثبت هذا المعني يقينًا من مقاصد الشارع الحكيم في تنزيله وتضافرت عليه الأدلة العقلية والنقلية.
والنظر في المآلات واعتبارها, أصل من أصول الفقه جارٍٍ على مقاصد الشريعة ولاشك أنه لابد لنا من معرفة هذا الأصل لنعرف متى نقدم؟ ومتى نحجم؟ متى نصرّح؟ ومتى نلمَّح؟ وحتى لا نكون عبئًا على الأمة الإسلامية أو ثغرة تؤتى من قبلها!
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ( مررت أنا وبعض أصحابى في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم ), هنا يعلمنا الإمام ابن تيمية رحمه الله مراعاة مآلات الأفعال فإن كانت تؤدي إلى مطلوب فهي مطلوبة وإن كانت لا تؤدي إلا إلى شر فهي منهي عنها ويعلمنا أيضًا رحمه الله أن الغاية من إنكار المنكر هي حدوث المعروف، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه فإنه لا يسوغ إنكاره.
ويقرر الإمام الشاطبي رحمه الله نفس الأصل فيقول: "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة... وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه حلو المذاق، محمود الغب (العاقبة)، جار على مقاصد الشريعة".
ويقول رحمه الله في موضع آخر بعد أن يقرر أنه ليس كل حق ينشر، يقول: ( فتنبه لهذا المعنى وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم, وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية, والعقلية )
ومن يتأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار يرى أنها من إضاعة هذا الأصل ويـرى مدى الحاجة إلى تلك القواعد الشرعية لتخليص الفكر والواقع الإسلامي من النزعة الشكلية التي أعجزته عن مواجهة الواقع مواجهة فعالة.


التعديل الأخير تم بواسطة سطام الشدادي ; 14 Dec 2009 الساعة 09:05 AM
الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حلمت البارحة علي الشدادي قصائد مختارة 15 20 Sep 2013 12:41 AM
حملة عيدنا من غير زعل إحساس واثق القسم العام 28 09 Sep 2010 07:39 AM
دعوة للحوار بين المعلم والطالب حجازية الهوى النقاشات والمواضيع الهادفة 21 13 Jun 2010 06:34 PM
حملة القرآن غالية الأثمان المنتدى الاسلامي 9 30 Jul 2009 02:23 PM
أي جملة تختار؟؟ ابو الندر القسم العام 2 07 May 2009 04:56 PM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

01:06 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com