..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الشعبية > أعلام ورجال
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 08 Jan 2006, 03:04 PM [ 41 ]
نائب المشرف العام


تاريخ التسجيل : Mar 2005
رقم العضوية : 106
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 478
الردود : 33237
مجموع المشاركات : 33,715
معدل التقييم : 25عبدالله الشدادي is on a distinguished road

عبدالله الشدادي غير متصل




أبي الفرج الأصفهاني


لم ينل كتاب في الأدب العربي شهرة كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، وهو منذ أن ظهر من ألف عام قل من لم يسمع به، أو يقرأ طرفا منه، أو يعتمد عليه في شيء مما يتصل بالتاريخ والحضارة. أنفق فيه مؤلفه نصف قرن من الزمان، حتى خرج على الصورة التي هو عليها الآن، وهو كتاب -كما وصفه الفقيه ابن العربي-: جليل القدر، كثير العلم، لم يؤلف مثله قط. وقد يختلف الناس حول ما حواه من أخبار وروايات، لكنهم لا يختلفون حول قيمته باعتباره المصدر الأول لمن يكتبون عن الأدب العربي في عصوره المتقدمة.
النشأة والتعليم
ينتهي نسب أبي الفرج الأصفهاني إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية. ولد سنة (284هـ = 897م) ولا يعرف على وجه اليقين موضع ولادته، فقالوا إنه أصفهاني المولد استنادا إلى لقبه الذي عُرف به واشتهر، وقالوا إنه بغدادي المنشأ والمسكن، ولعل أجداده كانوا يعيشون في أصفهان بعد سقوط دولتهم، ثم نزح أحفادهم إلى بغداد وأقاموا بها.
وكان جده محمد بن أحمد الأصفهاني من كبار رجالات سامراء وعلى صلة متينة بوزرائها وأدبائها وكتابها، وكان أبوه الحسين بن محمد يقطن بغداد، ويحرص على طلب العلم والثقافة الشائعة في عصره، وكذلك كان عمه الحسن بن محمد من كبار الكتاب في عصر المتوكل. وروى عنه أبو الفرج كثيرا في كتابه الأغاني، وهو الذي تولى تربيته وتثقيفه.
أما نسب أبي الفرج من ناحية أمه فهو ينتسب إلى آل ثوابة المعروفين في عصرهم بالكتابة والأدب والشعر. وذكر ابن النديم عددا منهم في كتابه الفهرست.
وفي هذا الجو المُعبَّق بعطر العلم وأريج الثقافة نشأ أبو الفرج الأصفهاني وتعلم، ثم تطلعت همته إلى مصادر أخرى للمعرفة، فولّى وجهه شطر الكوفة في فترة مبكرة من حياته، وأخذ الحديث والتاريخ واللغة عن شيوخها الكبار من أمثال: مطين بن أيوب، والحسين بن الطيب الشجاعي، ومحمد بن الحسين الكندي مؤدبه في الكوفة… وغيرهم، ثم رجع إلى بغداد وبدأ حياة علمية جادة، وأظهر جلدا وشغفا بالعلم، واتصل بأعداد هائلة من شيوخ بغداد وعلمائها الذين كانت تمتلئ بهم مساجدها، وحسبك أن يكون من شيوخه: يحيى بن علي المنجّم، المتوفى سنة (300هـ = 912م) وكان أديبا ناقدا عالما بالغناء والموسيقى، وأبو عبد الله اليزيدي المتوفى سنة (310هـ = 922م) وكان إماما في النحو والأدب، ومحمد بن جرير الطبري الإمام المؤرخ المفسر الفقيه المتوفى سنة (310هـ = 922م) وعنه روى أبو فرج الأصفهاني معظم أخبار العرب القديمة ومغازي الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأشعارا لشعراء الدعوة الإسلامية.
ولازم أيضا عددا من كبار أئمة اللغة مثل: علي بن سليمان الأخفش، المتوفى سنة (315هـ = 927م) وأبي بكر الأنباري، المتوفى سنة (328هـ = 939م) وابن دريد العالم اللغوي الفذ، المتوفى سنة (321هـ = 933م) وأبي بكر الصولي، المتوفى سنة (335هـ = 946م) وصاحب كتابيْ: "الأوراق"، و"أدب الكاتب".
في موكب العلم والتدريس
وبعد هذا التحصيل العلمي الجاد والإصرار على الدرس جلس للتدريس في نحو سنة (313هـ = 925م)، وكان قد انتهى من كتابة أول مؤلفاته "مقاتل الطالبيين" فجلس لإملائه على تلاميذه الذين اتصلوا به ولازموه، بعد أن ذاعت شهرته، وقصد حلقاته عدد كبير من المحدثين والأدباء والشعراء. ومن تلاميذه المعروفين الإمام الدارقطني، وأبو زكريا يحيى بن مالك الأندلسي، وعلي بن دينار، ومحمد بن أحمد المغربي راوية المتنبي، وأبو علي الحسن بن علي بن محمد التنوخي.
واتصل أبو الفرج بالحسن بن محمد المهلبي وزير معز الدولة البويهي، وكانت له به صلة قبل أن يتولى الوزارة، فلازمه 13 سنة حتى توفي المهلبي في سنة (352هـ = 963م)، وكان الوزير يوالي أبا الفرج بصلاته، ويقربه إليه، ويجعله من ندمائه المقربين، وكان للوزير مجلس مشهور يؤمه كبار الشعراء والكتاب من أمثال أبي القاسم التنوخي، وأبي إسحاق الصابئ، وأبي العلاء صاعد خليفة، والشاعر الكبير أبي الطيب المتنبي. وكان أبو الفرج رأس هذا المجلس، ونديم صاحبه، كثير المدح له، وكان من ثمرات هذه العلاقة آثار كثيرة في مؤلفات أبي الفرج وأشعاره.
وتذكر المصادر التاريخية أن لأبي فرج صلات بملوك الأندلس من بني أمية، يؤلف لهم الكتب ويرسلها لهم فيصلونه بجوائز كبيرة. وأما صلته بسيف الدولة فليس في أخباره ما يوضح حقيقتها، ويلقي الضوء عليها سوى أنه أهداه كتاب الأغاني فأعطاه عليه ألف دينار.
شخصيته
رسمت كتب المعاصرين له صورة ذات ألوان قاتمة وظلال شاحبة فهو لا يعتني بمظهره، يبدو دائما متسخ الثياب، قذرا في شكله وفعله، بعيدا عن مظاهر السلوك الحميد والتصرف الأنيق الذي يتصف به دائما من ينادم الملوك والأمراء.
وأيا ما كان الرأي حول هذه الصفات ومدى مبالغتها في رسم هذه الصورة السيئة، فإن هناك إجماعا من المؤرخين على سعة علمه، وكثرة محفوظه، وجودة شعره، وكثرة تأليفه، وأضافوا إلى ذلك أنه كانت له رحمة وألفة بصنوف الحيوان، يأنس بصحبتها، ويعالجها إذا أصابتها العلة، ويأسى لموتها، وقد أُثرت عنه أبيات رقيقة في رثاء ديك له مات، جاء فيها:
بتحنن وتأسف وشهـــيق أبكي إذا أبصرت ربعك موحشـا
في منزل دان إليَّ لصـيق ويزيدني جزعا لفقدك صــادح
بسواد ليل أو بياض شروق فتأسفي أبدا عليك مواصـــل
ألف أبو الفرج الأصفهاني أكثر من 30 كتابا، لم تسلم كلها من عوادي الزمن، ووصل إلينا منها: "الإماء الشواعر"، و"مقاتل الطالبيين" وتناول فيه سيرة أكثر من 200 من قتلى الطالبيين وشهدائهم منذ زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الوقت الذي انتهى فيه من تأليفه سنة (313هـ = 925م)، وكانت شخصية علي بن أبي طالب هي أهم شخصية تناولها بالترجمة، فأفرد لها صفحات كثيرة، ثم تتابعت شخصيات العلويين لتشمل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وغيرهما من آل البيت.
كتاب الأغاني
غير أن أهم كتبه هو "الأغاني" الذي نال شهرة واسعة وصِيتا ذائعا لم ينله كتاب في الأدب العربي منذ أن ظهر للناس في القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا، ووصفه ابن خلدون بأنه "ديوان العرب، وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن…".
ويذكر لنا أبو الفرج الباعث على تأليف كتابه في مقدمته، فيقول: "والذي بعثني على تأليفه أن رئيسا من رؤسائنا كلفني جمعه له، وعرفني أنه بلغه أن الكتاب المنسوب إلى إسحاق الموصلي في الغناء مدفوع أن يكون من تأليفه، وهو مع ذلك قليل الفائدة، وأنه شاك في صحته…" وموضوع الكتاب هو الغناء، ألفه ليكون بديلا عن الكتاب المنسوب إلى إسحاق الموصلي، ولذلك صدَّر كتابه بذكر "المائة صوت المختارة للرشيد الذي أمر إبراهيم الموصلي، وإسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء باختيارها له من الغناء، ثم رفعت إلى الواثق بالله ، فأمر إسحاق بن إبراهيم أن يختار له منها ما رأى أنه أفضل مما كان اختير متقدما…".
وكان أبو الفرج يبدأ بذكر الصوت الذي اختاره والشعر المتعلق به، ثم يستطرد إلى ذكر أشعار أخرى قيلت في المعنى نفسه، وتغني بها، ثم يتناول المناسبة التي قيلت فيها هذه الأشعار، وقد تكون المناسبة اجتماعية أو سياسية فيبين ذلك، وهو في أثناء ذلك يتعرض لذكر الإنسان وأخبار القبائل، وقصص وأشعار وملح، فيقف القارئ على ألوان مختلفة من الحياة، وعادات متفرقة في بيئات مختلفة، وطرائق الحياة في البادية والقصور من لهو وتسلية فراغ.
ولم يلتزم أبو الفرج في اختيار الأصوات التي ذكرها بالترتيب الزمني للشعراء والمغنين، وإنما رتبها حسب الأصوات المائة التي اختارها المغنون الثلاثة للرشيد، وقد حوى كتاب الأغاني تراجم لزهاء 300 شاعر وقرابة 60 من المغنيين والمغنيات.
ومعظم من ترجم لهم كانوا من شعراء الجاهلية والإسلام، ولم يلتزم في أخبارهم ترتيبا تاريخيا، وإنما ينثر ما انتهى إليه من أخبار الشاعر حينما اتفق. واتبع طريقة المحدّثين في إسناد كل خبر إلى رواته.
وقد أنفق أبو الفرج في تأليف كتابه 50 سنة، واعتمد في كتابته على مصادر متعددة بعضها شفوية استمدها من أفواه الرواة والأدباء والمجالس الأدبية التي كان يحرص على حضورها، وبعضها أخذها من الكتب التي تعنى بالشعر والغناء، وهو إن أغفل ذكر اسم الكتاب لا يهمل اسم المؤلف لأهمية ذلك في الثقة بالخبر وتقويمه.
وعلى الرغم من أهمية الكتاب التي لا يختلف عليها الباحثون في التاريخ والحضارة، فقد وجه للكتاب عدد من المآخذ، وإن كانت لا تقلل من شأن الكتاب، لكنها تبصر القارئ بأن الكتاب ليس مصدرا للتاريخ يُعتمد عليه وحده، وأنه يصور جانبا من حياة بعض الناس لا حياة الأمة كلها، ومن تلك المآخذ أنه ركز على تصوير الحياة اللاهية في المجتمع البغدادي، وأبرز الجوانب الضعيفة في حياة بعض أفراده من خلفاء وقادة وشعراء، واختزل حياتهم في جانب المجون والخلاعة، وأغفل ما كان منها جادًّا ورزينا، حتى يكاد القارئ يتصور أن بغداد -مدينة العلم وكعبة الثقافة- كانت مركزا للمجَّان والخلعاء لا مركزا للثقافة الجادة وحلقات العلم التي كانت تمتلئ بها مساجدها.
مختصرات الأغاني
نظرا لضخامة كتاب الأغاني وأهميته في الوقت نفسه فقد عمد كثير من العلماء لاختصاره بمناهج مختلفة ليسهل تداوله ويعم الانتفاع به، ومن أشهر تلك المختصرات:
- "تجريد الأغاني من المثالث والمثاني" لـ"جمال الدين محمد بن سالم" المعروف بابن واصل الحموي المتوفى سنة (697هـ = 1297م) جرَّد الكتاب من الأسانيد والأصوات، وكل ما يتصل بفن الغناء، واقتصر على الأخبار والتراجم الأدبية. وقد نُشر الكتاب بالقاهرة سنة (1374هـ = 1955م) بتحقيق طه حسين وإبراهيم الإبياري.
- "مختار الأغاني في الأخبار والتهاني" لـ"ابن منظور المصري" صاحب لسان العرب، والمتوفى سنة (711هـ = 1311م) ورتبه على حروف الهجاء، وأضاف إليه ترجمة واسعة لأبي نواس، التي أغفلها أبو الفرج في كتابه، ونشر الكتاب محققا في القاهرة في 8 أجزاء سنة (1385هـ = 1966م).
وفي العصر الحديث صنع المؤرخ المعروف "محمد الخضري" المتوفى سنة 1345هـ = 1927م) مختصرا للأغاني، سماه تهذيب الأغاني،حذف منه الأسانيد وما فيه فحش من الأشعار والأخبار، وجعله في قسمين: الأول للشعراء، والثاني للمغنين، ورتب الشعراء حسب العصور ونشره في 7 أجزاء سنة (1343هـ = 1925م). كما قام الدكتور إحسان النص بعمل "اختيارات من كتاب الأغاني" ونشر كتابه في 6 أجزاء، وفصل فيه بين الشعراء والمغنين، ورتبهم حسب العصور.
وقد طبع كتاب الأغاني طبعات متعددة، فطبع كاملا لأول مرة بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة (1305هـ = 1868م)، ثم توالت طبعاته بعد ذلك، حتى قامت دار الكتب المصرية بطبعة محققا على أسس علمية، فصدر الجزء الأول سنة (1343هـ = 1925م)، وكان ذلك استجابة لرغبة أحد الوجهاء المثقفين المصريين، فقد رغَّب الدار أن تطبع الكتاب على نفقته، ثم توالت أجزاء الكتاب حتى بلغت 24 مجلدا، وهي تعد أوفى الطبعات وأكملها تحقيقا.
وفاته
وبعد حياة عريضة من العمل والتأليف، وذيوع الشهرة والصيت بسبب كتابه الأغاني، توفي أبو الفرج الأصفهاني في بغداد (14 من ذي الحجة 356هـ = 20 من نوفمبر 967م).


توقيع : عبدالله الشدادي
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 08 Jan 2006, 03:09 PM [ 42 ]
نائب المشرف العام


تاريخ التسجيل : Mar 2005
رقم العضوية : 106
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 478
الردود : 33237
مجموع المشاركات : 33,715
معدل التقييم : 25عبدالله الشدادي is on a distinguished road

عبدالله الشدادي غير متصل




بديع الزمان الهمذاني


يعد "بديع الزمان الهمذاني" المبتكر الأول لفن المقامة الذي انتشر على نحو واسع كأحد فنون النثر في الأدب العربي، كما يعد الرائد الحقيقي للصحافة، ليس في الأدب العربي فحسب، وإنما كان الصحفي الأول على الإطلاق؛ فقد كانت رسائله ومقاماته النقدية الاجتماعية هي البدايات الحقيقية الأولى لذلك الفن الذي عُرف فيما بعد بالصحافة.
الميلاد والنشأة
ولد "بديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني" في همذان ( همدان ) وسط ايران بالقرب من طهران سنة [358 هـ= 969م]، لأسرة عربية ذات علم وفضل ومكانة مرموقة، فقد كان أخوه "الحسين بن يحيى" مفتي همذان.
ونشأ "بديع الزمان" في بيئة علمية خصبة، حيث كانت همذان موطن عدد كبير من العلماء الأعلام الذين تتلمذ عليهم "بديع الزمان"، ومنهم " أحمد بن فارس" اللغوي المعروف، و"أبو بكر محمد بن الحسين الفراء" اللغوي الشهير.
وعندما بلغ "بديع الزمان" الثانية والعشرين من عمره غادر همذان متوجهًا إلى أصبهان حيث اتصل بالصاحب بن عباد وزير "بني بويه".
كانت " أصبهان" -عاصمة "بني بوية"- مدينة جميلة حافلة بالمناظر الساحرة والبساتين البديعة، والقصور الفخمة والطبيعة الفاتنة، ولذلك فقد كانت تجذب إليها الأدباء والشعراء، وكان للصاحب بن عباد دور كبير في تشجيع الأدباء والعلماء وإثراء الحركة الأدبية والعلمية في أصفهان، حتى غدت تلك المدينة، إحدى منارات العلم في ذلك العصر، ومحط أنظار العلماء والأدباء، وكعبة طلاب العلم من كل مكان.
في أصفهان
وأقبل بديع الزمان على مجالس الأدباء والشعراء في أصفهان، وسرعان ما جذب إليه الأنظار ببراعته وقوة حافظته، حتى إنه كان يحفظ و"ينشد الشعر لم يسمعه قط -وهو أكثر من خمسين بيتًا- إلا مرة واحدة، فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها ولا يخرم حرفًا، وينظر في الأربعة أو الخمسة الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يهذّها عن ظهر قلب هذا ويسردها سردًا".
وكان الهمذاني يميل إلى الإسجاع والإغراب والأحاجي، وكان بارعًا متفردًا في هذا الباب، يروى أنه "كان يُقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة، وكان ربما كتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخره، ثم هلم جرًّا إلى أوله، ويخرجه كأحسن شيء وأملحه".
وعُرف بسرعة بديهته وحضور ذهنه وقدرته الفائقة على النظم والارتجال، لا يكاد يباديه أحد أو يجاريه إنسان، فكان "يُقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر فيرجله أسرع من الطرف على ريق لم يبلغه، ونفس لا يقطعه، وكلامه كله عفو الساعة وفيض اليد ومسارقة القلم، ومسابقة اليد للفم، وكان يترجم ما يُقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيات العربية".

الرحيل إلى نيسابور
إلا أن بديع الزمان السُّنّي المتعصب للعرب لم يستطع الاندماج في مجتمع بني بويه وبلاط الصاحب بن عباد الشيعي الخالص، ولم يطل مقام بديع الزمان بأصبهان، فتركها إلى جرحان، حيث أقام في كنف "أبي سعيد محمد بن منصور"، واتصل بأميرها "شمس المعالي قابوس بن وشمكير" أمير الدولة الزبادية، وكان أديبًا بليغًا، وله معه مراسلات بديعية.
غير أن بديع الزمان لم يلبث أن غادر جرحان لخلاف بينه وبين أبي سعيد، فاتجه إلى نيسابور سنة [382هـ= 992م].
وكانت نيسابور أعظم مدن خراسان في ذلك الوقت، وكانت ملتقى العلماء وأعلام الفكر والأدب، وكان العلماء والأدباء كثيرًا ما يعرّجون عليها في رحلاتهم بين المشرق والعراق، فيقيمون فيها بعض الوقت.
وذاعت شهرة بديع الزمان في نيسابور بعد مناظرته الشهيرة مع العالم الأديب "أبي بكر محمد بن العباس الخوارزمي" وانتصاره عليه بشكل لفت الأنظار إلى قدراته الأدبية الفذة، فطار بذلك صيته وعلت شهرته.
واستطاع بديع الزمان خلال فترة إقامته بنيسابور إملاء عدد كبير من المقامات بلغت أربعمائة مقامة، وقد اتصل خلالها بعدد كبير من أدباء نيسابور وأعلامها مثل: الأديب أبي نصر سهل بن المرزبان، وأبي جعفر الميكالي أحد وجهاء آل ميكال المقدّمين، وقد مدحه بديع الزمان ونال عطاءه، كما كانت له صلة طيبة بواحد من أكبر وجهاء نيسابور وهو أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي، وكانت له حظوة ومكانة كبيرة عنده.
وطاب المقام لبديع الزمان بنيسابور بعدما نال من الشهرة والحظوة، ورغب في الاستقرار بها، ولكن حساده ومنافسيه سعوا بالوشاية ضده والدسائس عليه حتى أوغروا عليه أبا جعفر الميكالي، والصعلوكي، فحُرِم مما كان ينعم به من الشهرة والجاه والعطاء.

في ربوع خراسان
ولم يمضي عام على قدومه إلى نيسابور حتى كان قد خرج منها في أوائل سنة [383هـ = 993م] إلى سرخس حيث اتصل بالسلطان محمود الغزنوي الذي قربه وأحسن إليه، وأغدق عليه من عطاياه، وهناك تعرف إلى عدد كبير من أعيان سرخس وعلمائها.
ولكنه لم يلبث أن شد عصا الترحال إلى بجستان، فلقي ترحيبًا كبيرًا من أميرها "خلف بن أحمد"، ووجد في كنفه عيشًا رغدًا وحياة ناعمة هانئة، ومكانة كريمة، ولكن دسائس الحساد ومكائد المنافسين سرعان ما أفسدت ما بينه وبين الأمير، فتغير عليه، وعندئذ رحل إلى بوشينج، وهناك توثقت صلته بالوزير أبي نصر الميكالي، وبعد أن استقر بها زمنًا، رحل إلى هراة.

الاستقرار في هراة
كان سرور الهمذاني كبيرًا بهذه البلدة، وبالرغم مما شهدته تلك المدينة من الاضطرابات ـ نتيجة الحروب الكثيرة التي تعرضت لها، وتغير الولاة عليها، والمحن المختلفة التي أصابتها من غلاء وفقر ومصادرات وأمراض ـ فإن الهمذاني فضل الاستقرار بها، وعاش فيها حتى توفي.
وكان بديع الزمان يرصد كل ما يحدث بها من ظواهر اجتماعية، وأحداث سياسية، ونكبات اقتصادية، ومعارك حربية، ويسجل كل ما يراه من الجوانب السلبية التي سادت نواحي الحياة المختلفة في عصره، حتى غدت رسائله مصدرًا مهمًّا من مصادر التاريخ الاجتماعي لهراة في العقد الأخير من القرن الرابع الهجري.
وفي هراة استطاع الهمذاني أن يصيب قدرًا كبيرًا من الثراء، وأن يحقق نجاحًا ملحوظًا في نشاطه التجاري، فتوسعت علاقاته التجارية حتى بلغت مدينة بلخ، وقد ساعده على ذلك على زواجه من ابنة أبي علي الحسين الخشنامي ـ أحد أعيان هراة ـ بالإضافة إلى رعاية الوزير أبي نصر الميكالي له، وتوطد علاقته بحاكم هراة "أبي عامر عدنان بن محمد الضبي" و"أبي العباس الفضل بن أحمد الإسفراييني" وزير السلطان "محمود الغزنوني".

من أقوال العلماء فيه
قال عنه الثعالبي: "هو بديع الزمان ومعجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصور، ومن لم يُدرك قرينه في النثر وملحه، وغرر النظم ونكته، ولم يُر أن أحدًا بلغ مبلغة من الأدب وسرّه، وجاء بمثل إعجازه وسمره، فإنه كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب".

ويصف الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن دست ـ جامع رسائل الهمذاني ـ بقوله: "وكان أبو الفضل طلق البديهة، سمح القريحة، شديد العارضة، زلال الكلام عذبه، فصيح اللسان غضبه، إن دعا الكتابة أجابته عفوًا، وأعطته قيادتها صفوًا، أو القوافي أتته ملء الصدور على القوافي، ثم كانت له طرق في الفروع هو افترعها، وسننٌ في المعاني هو اخترعها".

رسائل بديع الزمان
على الرغم من الشهرة الواسعة التي حققها بديع الزمان كأديب ورائد من رواد فن المقامة في الأدب العربي، وشاعر متميز، فإنه لم يترك نتاجًا أدبيًا وشعريًا كبيرًا، حيث لم يقدم ـ طوال عمره ـ سوى ثلاثة مصنفات هي: الرسائل، والمقامات، والديوان، ولكنه بالرغم من قلة إنتاجه فقد ترك بصمات واضحة على الأدب العربي، وكان واحدًا من أبرز رواده، ومن المبدعين القلائل الذين ابتكروا ألوانًا من الأدب لم يسبقهم إليها غيرهم.
وقد برع الهمذاني في فن الرسائل، كغيره من كبار أدباء عصره في القرن الرابع الهجري، الذي كان من أزهى عصور النثر الفني والكتابة الأدبية في تاريخ الأدب العربي؛ فقد كان القرن الرابع هو العصر الذهبي لكتابة الرسائل، واتسمت الكتابة فيه بالإغراق في ألوان البديع، والولع بالزخارف اللفظية، حتى غدت الرسائل وكأنها نسيج رائع موشّى بالأسجاع، محلّى بالمحسنات البديعية ولآلئ البيان.
وقد انقسمت الرسائل تبعًا لأغراضها وأساليبها إلى نوعين:
الرسائل الديوانية: وهي التي تكتب في شئون الدولة، وتسجل الأحداث التاريخية أو الأوامر والتوجيهات الرسمية إلى الولاة والأمراء والقواد وكبار الموظفين في الدولة.

وكان من أشهر كتاب هذه الرسائل: أبو الفضل بن العميد، والصاحب بن عباد، والوزير المهلبي، والأمير قابوس بن وشمكير.
الرسائل الإخوانية: وهي التي يكتبها الأدباء عامة من غير العاملين في دواوين الدولة، وهي غير محددة بموضوعات معينة، وإنما يكتبها الأدباء في مناسبات خاصة أو مطارحات أدبية ومساجلات بلاغية فيما بينهم.
وكان من أشهر كتاب تلك الرسائل ـ بالإضافة إلى من سبق ـ: أبو حيان التوحيدي، وأبو بكر الخوارزمي، وبديع الزمان الهمذاني.
وقد ترك بديع الزمان تراثًا وافرًا من الرسائل التي عكست بوضوح انطباعاته النفسية العميقة، وحسه الفني المرهف، ومزاجه الأدبي الرفيع، وكشفت بجلاء عن خلجاته وأحاسيسه وكثير من جوانبه النفسية وحالاته الوجدانية من فرح وسرور، أو تشاؤم وحزن، أو شكوى ونقمة، وتظهر شجاعته واعتداده بنفسه، فهو لا يبالي في هجومه على من يتعرض لنقدهم، وإظهار الجوانب السلبية التي يراها في أعمالهم وسلوكهم .
وتناول الهمذاني في رسائله العديد من الأغراض: كالمدح والهجاء، والشكوى والعتاب، والتهنئة والاعتذار، والاستعطاف والاستجداء، والنصح والإرشاد، والصداقة والإخاء، والفخر والاعتزاز بالنفس.
كما حظيت الحياة العامة والجوانب الاجتماعية - وخاصة العيوب والسلبيات التي كانت منتشرة في زمانه- بنصيب وافر من رسائله، ولعله في ذلك يكون أول رائد لفن المقالة الصحفية في الأدب العربي، بل ربما كان أول صحفي على الإطلاق عند العرب وغير العرب، فليست رسائله التي تناول فيها المشاكل العامة نقدًا وبناءً إلا مقالات صحفية مبّكرة، وإذا كانت ميزات الصحافة الحديثة سرعة انتشار الصحيفة، فإن رسائل بديع الزمان شأنها في ذلك شأن غيرها من رسائل معاصريه، فلقد كانت سرعان ما تصل إلى كل مكان من الأرض الإسلامية، يتلقفها الناس ويقرءونها.
ويعنى الهمذاني في رسائله بانتقاء الألفاظ الموسيقية العذبة، كما يحرص على توليد الصور المختلفة في غير تكلف ولا عنت، فهو يردد المعنى الواحد بصور شتى، وصيغ متعددة، كما يحرص على الاقتباس من القرآن الكريم، والشعر العربي، ويهتم بألوان البيان كالاستعارة والتشبيه، كما يولع بالمحسنات البديعية كالسجع والجناس والطباق المقابلة.

مقامات بديع الزمان
ترجع شهرة بديع الزمان الهمذاني إلى مقاماته الشهيرة التي كان له فضل السبق إليها، فهو أول من ابتكر فكرتها، وأطلق عليها هذا الاسم حتى اشتهر بها وقد أعجب كثير من الأدباء بهذا اللون الجديد من فنون الأدب، فاقتفوا أثره ونسجوا على منواله.
وأصل المقامة في اللغة: المجلس والجماعة من الناس، وقد أُطلقت على المحاضرة، كما أطلقت على المجالس التي كان يستقبل فيها الخلفاء الأدباء والعلماء.
ويذكر الثعالبي في ترجمته لبديع الزمان أنه أملى أربعمائة مقامة بنيسابور، ولكن الذي وصلنا منها لا يتجاوز اثنتين وخمسين مقامة فقط. وقد اخترع الهمذاني بطلين لمقاماته، سمى أحدهما عيسى بن هشام، والآخر أبا الفتح الإسكندري، وجعل الأول رواية، والثاني بطلا مغامرًا.
ولم يحرص بديع الزمان على أن يظهر أبا الفتح في جميع المقامات، بل كان يقلل من شأن مغامراته أحيانًا ويغفل ذكره أحيانًا، وشخصية أبي الفتح الإسكندري شخصية مثيرة متعددة الجوانب، تثير العجب وتدعو إلى الإعجاب، فهو يحترف الكُدية (التسول)، ويتميز بالفصاحة في اللسان، والبراعة في الشعر، كما أنه شخصية فكاهية مرحة، يتسم بالذكاء وخفة الظل، محب للمغامرة وارتياد المجهول.
وموضوعات المقامات -في معظمها- ذات صلة بالناس، وتتعلق بالحياة اليومية والمشكلات العامة، وتصور أخلاق المعاصرين وأحوال العصر أحسن تصوير.
وتتميز المقامات بكثرة الشواهد الشعرية، وحسن المواءمة بين الشعر والنثر، كما تظهر فيها قدرات الهمذاني البيانية العالية، وبراعته الفائقة في استخدام المحسنات البديعية.

بديع الزمان شاعرًا
لم يكن الهمذاني وحده من بين أدباء عصره الذي اقتحم ميدان الشعر، فإن كثيرًا من معاصريه مارسوا نظم الشعر حتى أصبح ذلك تقليدًا متبعًا عند قدامى الكتاب الذين حافظوا على تلك الظاهرة، وتوارثوها، حتى إننا لنجد أثرًا منها لدى كثير من الكتاب في العصر الحديث، مثل عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، ومصطفى صادق الرافعي، وطه حسين.
ويحتل المديح الجانب الأكبر من ديوان الهمذاني، وتتوزع بقية الأغراض في الجزء المتبقي من الديوان. ويتفاوت شعره من حيث الجودة، وأجود شعره في أغراض المدح، فإذا كتب في غيره من الأغراض قل نصيبه من الجودة، وصارت طبيعة الكاتب هي الغالبة عليه.
ومن شعره الجيد في الحكمة:
يا من يطيل بناءه متوقيًا =ريب المنون وصرفه لا تُحْرَجِ
فالموت يفرغ كل قصر شامخٍ = والموت يفتح كل باب مرْتَجِ
ومن شعره في الوصف، ويتجلى فيه كلفه بالمحسنات البديعية:
خلع الربيع على الربى= وربوعها خزًا وبزّا
أَوَما ترى الأقطار قد = أخذت من الأمطار عِزّا

ومن شعره في مدح السلطان محمود بن سبكتكين:

أطلت شمس محمود = على أنجم ساحان
وأمسـى آل بهـرام= عبيدًا لابن خاقان
إذا ما ركـب الفيـل = لحرب أو لميدان
رأت عيناك سلطانا= على منكب شيطان

وتوفي بديع الزمان الهمذاني في [11 من جمادى الآخرة 398هـ= 23 من فبراير 1008م] عن عمر بلغ أربعين عامًا، وتذكر الروايات أنه مات بالسكتة، وعُجّل بدفنه فأفاق في قبره، وسمع صوته بالليل، فنُبش عنه، فوجدوه قابضًا على لحيته، ولكن ابن خلكان يذكر أنه مات مسمومًا دون أن يشير إلى من دس له السم، أو أن له أعداء


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 08 Jan 2006, 03:12 PM [ 43 ]
نائب المشرف العام


تاريخ التسجيل : Mar 2005
رقم العضوية : 106
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 478
الردود : 33237
مجموع المشاركات : 33,715
معدل التقييم : 25عبدالله الشدادي is on a distinguished road

عبدالله الشدادي غير متصل




أحمد القادياني

أخمد الإنجليز الثورة التي اشتعلت ضدهم في الهند (سنة 1274هـ = 1857م)، وكانت ثورة عارمة كادت تعصف بالوجود البريطاني كله هناك، وكان المسلمون في الهند وراء إشعال لهيب الثورة، التي يغذيها روح الجهاد وحب الاستشهاد وفتاوى العلماء بأن الهند دار حرب وبعد أن أحكم الإنجليز سيطرتهم، وقضوا على الحكم الإسلامي في الهند، عكفت حكومة الاحتلال على دراسة الأوضاع في شبه القارة الهندية، وإرسال البعثات لجمع المعلومات وتقصّي الحقائق؛ بحثا عن الأسباب التي أدت إلى اشتعال الثورة بهذه القوة والضراوة، ووضع الوسائل والآليات التي تمنع حدوثها.
أرسلت الحكومة البريطانية وفدا يضم مفكرين وزعماء مسيحيين في سنة (1286هـ = 1869م)، فمكث في الهند فترة يدرس الأوضاع، ويحلل الأسباب وقدم تقريرا إلى الحكومة خلص فيه إلى أن أكثر المسلمين في الهند يتبعون زعماءهم الدينيين اتباع الأعمى، وقالوا: لو وجدنا شخصا يدّعي أنه نبي لاجتمع حوله كثير من الناس، ولكن ترغيب شخص كهذا أمر في غاية الصعوبة، فإن حلت هذه المسألة، فمن الممكن أن ترعى نبوة هذا الشخص بأحسن وجه تحت إشراف الحكومة، والآن- ونحن مسيطرون على سائر الهند- نحتاج إلى مثل هذا العمل لإثارة الفتن بين الشعب الهندي وجمهور المسلمين.
وقد درست السلطات البريطانية ما جاء في التقرير وحددت المواصفات لمن يقوم بهذا الدور، وفضلت أن يكون من بين الأسر التي توالي الإنجليز، وأن يكون مسلما تتوافر فيه مقومات الزعامة، خطيبا لبقا، يجيد الجدل والمناظرة، ووجد الإنجليز ضالتهم في "أحمد القادياني".
المولد والنشأة
ولد "أحمد مرتضى بن عطاء" سنة (1225هـ = 1839م) في قرية قاديان، إحدى قرى منطقة البنجاب التابعة الآن لباكستان، وإلى هذه القرية نُسب أحمد واشتهر باسم "أحمد القادياني".
نشأ في أسرة تدين بالولاء للإنجليز وترتبط بصداقات مع طائفة السِّيخ، ألدّ أعداء الإسلام والمسلمين في الهند، وتعلم تعليما دينيا، فحفظ شيئا من القرآن، وتعلم اللغتين الفارسية والعربية، ودرس المنطق والحكمة، والأدب، والطب القديم، ولما بلغ أشده عمل موظفا في محكمة ابتدائية إنجليزية في مدينة "سيالكوت" القريبة من لاهور، ثم استقال منها بعد أربعة أعوام لمعاونة أبيه في إدارة شؤونه الخاصة، وطوال هذه الفترة لم يتوقف عن القراءة والمطالعة.
ثم خاض أحمد القادياني غمار الجدل والمناظرات الدينية التي تحتدم في إقليم البنجاب، الذي كان يموج بالإرساليات التبشيرية التي تعمل على تنصير المسلمين وتهاجم الإسلام ونبيه، فضلا عن المناظرات بين أصحاب الأديان المختلفة، وكان المسلمون ينظرون إلى من ينهض للدفاع عن دينهم، ويجيد آليات الجدل ومقارعة الخصوم- نظرة إجلال وتقدير، وكان هذا هو المدخل الذي نفذ من خلاله أحمد القادياني، ويبدو أن هذا كان بتدبير الإنجليز الذين كانوا يبحثون عن الشخص الذي يجعل ما جاء في تقرير لجنتهم موضع التنفيذ.
دعوة القادياني
نجح أحمد القادياني في جذب الأتباع والأنصار إليه باعتباره واحدا من المدافعين عن الإسلام، فالتفوا حوله، وأنزلوه في نفوسهم منزلة رفيعة، ولما رأى شهرته تتسع وأتباعه يتزايدون، أضفى على عمله صفة القداسة، وزعم أنه مأمور من الله تعالى بالدفاع عن الإسلام، وحماية عقيدته، مستغلا ضعف الثقافة الدينية لدى أتباعه، وبراعته في الجدل والإقناع، ثم أتبع ذلك بالدعاية لنفسه بأنه قادر على كشف الغيب، والتنبؤ بأحداث المستقبل، وأنه مستجاب الدعوة.
غير أن هذه الدعاوى لم تصادف قبولا تاما، وأغضبت علماء المسلمين وأثارتهم ضده، وهو الذي يزعم أنه يعمل لصالح الإسلام، فخشي غضبة العلماء وثورة الجماهير فعدل عن ذلك، وتراجع عن ادعاءاته، حتى تحين الفرصة المناسبة، ونسب لنفسه صفة المجدد، مستغلا الحديث المعروف بأن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها.
وفي هذه الفترة ألّف كتابين يخدم بهما فكرته، ويهيئ الأذهان للخطوة التالية التي سيقدم عليها؛ حيث جمع في أحدهما آراءه ومناظراته مع خصوم الإسلام، وحشد في الآخر الأدلة الدامغة على ثبوت المعجزات، وإمكانية وقوعها، وليس للعقل البشري المحدود أن ينكر وجودها.
أنا عيسى ابن مريم !!
كان حديثه عن إمكانية حدوث المعجزة التي هي من خصائص الأنبياء التمهيد للخطوة الأخرى، والتوطئة للدعوة إلى نفسه بأنه المسيح الموعود لهذه الأمة الذي بشرت به الأحاديث النبوية، فزعم أن له شبهًا بالسيد المسيح، وأضفى على نفسه صفات المسيح التي جاءت في المرويات، فأعلن في سنة (1309هـ=1891م) في بلدة "لودهيانة" أنه المسيح الموعود الذي بعثه الله من جديد لتخليص العالم من آلامه وشروره، وأنه الأمل الذي طال انتظاره، وقد واجه علماء المسلمين في لودهيانة ادعاءات القادياني بالرفض والتفنيد، وقاد هذه الحملة الصادقة "مولوي محمد حسين" صاحب جريدة "إشاعة السنة"، ودعا إلى مناظرة القادياني حتى يتبين للناس كذب ما ادعاه، لكن والي المدينة حال دون وقوعها، فقد كان من أتباع القادياني، وأجبر العلماء على مغادرة لودهيانة.
ثم انتقل القادياني إلى "دلهي" العاصمة الهندية يدعو لنفسه، ويبشر بمذهبه، فأنكر عليه العلماء دعواه، وطلبوه للمناظرة، فلم يستجب لهم، واستمر في دعوته، محميا بالإنجليز الذين أحاطوه برعايتهم، وأسس في سنة (1316هـ = 1898م) مدرسة بقاديان لتعليم أبناء شيعته مبادئ نحلته، ووضع قانونا لأتباعه يدعوهم فيه ألا يزوجوا بناتهم إلا من كان على شاكلتهم ويدين بمذهبهم.
ادعاؤه النبوة
انتقل القادياني إلى المرحلة الثالثة بعد ادعائه الولاية والصلاح، وأنه المسيح الموعود، فأعلن في سنة (1318 هـ = 1900م) النبوة المستقلة، قاطعا شوطا كبيرا، إلى الهدف الذي رسمه الإنجليز في صنع رجل يخدم مصالحهم في الهند، وكان لهذه الدعوى دويّ كبير، لم يخفف منه ادعاؤه بأنه نبي يدور في فلك النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وتابِع له، فانصرف عنه كثير من المخدوعين به، وبقي معه أصحاب المنافع والأهواء.
ولم يمض عام على هذه الدعوى حتى أعلن أنه نبي مستقل، مثله مثل سائر الأنبياء والمرسلين، قائلا: إنني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد أنزل الله لتصديقي آيات سماوية تربو على عشرة آلاف، وقد شهد لي القرآن، وشهد لي الرسول، وقد عيّن الأنبياء زمن بعثتي، وذلك هو عصرنا هذا.
إلغاؤه فريضة الجهاد
استهدف القادياني من إعلانه النبوة تحقيق أمل الإنجليز في حياة مستقرة بالهند، دون ثورات وقلاقل، كان يقف وراءها المسلمون، ولم يكن هناك ما يحقق هذا الغرض سوى الإعلان بأن الجهاد قد أُلغي ونُسخ، ولما كان القادياني قد أعلن نفسه نبيا، فإنه أصبح في المنزلة التي تسمح له أن يكون صاحب تشريع يُلزِم به أتباعه.
أعلن القادياني إلغاء الجهاد للحفاظ على الإنجليز في الهند، فيقول لأتباعه: "اليوم نُسخ الجهاد بالسيف بإذن الله، فمن حمل السيف على كافر بعد اليوم وسمى نفسه غازيا فقد عصى رسول الله، الذي قال قبل ألف وثلاثمائة سنة: إن الجهاد بالسيف ينتهي بعد مجيء المسيح الموعود.. فلا جهاد الآن بعد ظهوري".
ويكتب إلى الحكومة الإنجليزية سنة (1320هـ = 1902م) هذه هي الفرقة القاديانية التي تسعى ليل نهار لإزالة عادة الجهاد المعربدة من أفكار المسلمين.
ويؤلف الكتب والرسائل التي تحارب الجهاد، وخاصة إذا كان ضد الإنجليز، ويقول هو عن ذلك: "لقد ألّفت عشرات من الكتب، فيها أنه لا يحل الجهاد أصلا ضد الحكومة الإنجليزية التي أحسنت إلينا".
ومن العجيب أن القادياني الذي نسخ الجهاد وحرمه أوجبه بالاشتراك مع الإنجليز ضد المسلمين، وكأن جهوده كلها كانت مصروفة لصدّ المسلمين عن محاربة الإنجليز؛ ولذا كان القادياني يجعل طاعة الإنجليز وموالاتهم شرطا لمن يدخل في دعوته، بل وجعل طاعتهم من طاعة الله، فيقول: إن خروجنا ضد الحكم الإنجليزي خروج على طاعة الله ورسوله.

نهاية القادياني
ومنذ عام (1320هـ = 1902م) بدأ القادياني يميز أتباعه بإحصاء عددهم، وتقييد أسمائهم في سجلات خاصة بهم، والتمييز بينهم وبين المسلمين، وأنشأ في قاديان مسجدا، جعله قبلة للحج لأتباعه بدلا من الحج إلى مكة، وأقام مدرسة لتخريج الدعاة إلى مذهبه، وأصدر مجلة لنشر أفكاره، أطلق عليها "الأديان"، وطاف بمدن الهند للدعوة إلى مذهبه ونحلته، وكان علماء المسلمين يتصدون له في كل مكان ينزل به، ويفندون أفكاره، ويحذرون الناس من دعوته، إلى أن استقر في لاهور سنة (1326هـ = 1908م)، وهناك كان علماء المسلمين يجتمعون بعد صلاة العصر في مكان قريب من بيته، يلقون الخطب والمحاضرات يحذرون الناس من الاغترار بمزاعمه، وبقي القادياني في لاهور إلى أن تُوفي في (23 من ربيع الآخر 1326هـ = 26 من مايو 1908م)، وتم نقل جثته إلى قاديان، حيث دُفن بها.
وبعد موته تولّى ابنه "بشير الدين محمود أحمد" أمور فرقة القاديانية وتنظيم شؤونها، ويجدر بالذكر أن مجلس الأمة الباكستاني أصدر قرارا باعتبار القاديانية أقلية غير مسلم


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 28 Nov 2007, 08:58 AM [ 44 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2007
رقم العضوية : 4022
الإقامة : saudi arabia
الهواية : كل شيء
مواضيع : 744
الردود : 18733
مجموع المشاركات : 19,477
معدل التقييم : 325بندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the rough

بندر النايف غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

المشاركة في احتفال المنتدى

عضو مخلص

وسام أفضل تقديم للسفرة

فعالية أين الكرة؟

التواصل

العضو المميز




يعطيك العافيه يا عبدالله موضوع رائع وموسوعة طيبه جدا

توقيع : بندر النايف
.
رحـــمكِ الله يا أمي وجعل الجنة مثواكِ
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 28 Nov 2007, 11:33 AM [ 45 ]
عضو فضي

تاريخ التسجيل : Sep 2007
رقم العضوية : 3825
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 23
الردود : 495
مجموع المشاركات : 518
معدل التقييم : 25الحر الابي is on a distinguished road

الحر الابي غير متصل




عبد الله الشدادي


الله يبارك فيك

وتسلم على هالمجهود الرائع وعلى الموسوعه الاكثر من جميلة





دمت بخير وعافيه


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 28 Nov 2007, 03:35 PM [ 46 ]


تاريخ التسجيل : Nov 2007
رقم العضوية : 4419
مواضيع : 15
الردود : 71
مجموع المشاركات : 86
معدل التقييم : 25mohnd2008 is on a distinguished road

mohnd2008 غير متصل




شكرا اخوي عبدالله الشدادي على هذه الموسوعه وتقبل مروري

توقيع : mohnd2008
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Dec 2007, 11:03 AM [ 47 ]


تاريخ التسجيل : Mar 2006
رقم العضوية : 1120
مواضيع : 44
الردود : 2825
مجموع المشاركات : 2,869
معدل التقييم : 25البدر is on a distinguished road

البدر غير متصل




اخوي عبدالله الشدادي

كفيت ووفيت ياغالي

طرحت وسطرت ابداعك في موضوع يحمل بين طياته المعلومه والفائده

تقبل مروري


توقيع : البدر
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ان محمد رسول الله .. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا باالله ..
كلمات بسيطة وضعتها في توقيعي لاقراها وليقرأها غيري
سنجدها يوم القيامة وقد رجحت كفتنا بإذن الله
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 20 Mar 2012, 10:22 AM [ 48 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Mar 2011
رقم العضوية : 37316
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 453
الردود : 11877
مجموع المشاركات : 12,330
معدل التقييم : 328شمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the roughشمس الأصيل is a jewel in the rough

شمس الأصيل غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
المشاركة في احتفالية العام التاسع

مسابقة الاحتفال التاسع

المشرفة المتميزة

القسم المميز

المشرفة المميزة

فعالية سماؤنا زرقاء

العضو المميز

الحضور المميز


رد: موسوعة للمشاهير


يعطيك العافية ياأخي


وبارك الله فيك


توقيع : شمس الأصيل
الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موسوعة بسمة القسم العام 141 02 Sep 2008 10:12 AM
موسوعة للصلصة الوردة الحزينة غذاء جسد 11 13 Jul 2008 11:24 PM
موسوعة مصغرة بنت الشعاعيب القسم العام 9 01 May 2007 05:20 PM
][..موسوعة المعكرونه..][ نجود غذاء جسد 19 01 Nov 2006 04:35 AM
موسوعة القهوة بنت زايد غذاء جسد 16 17 Mar 2006 10:37 AM
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

07:38 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com