..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > مكتبة الشدادين لروائع الكتب
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 02 Dec 2005, 07:19 AM [ 11 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






جبران خليل جبران ومي زيادة ... حب خلده التاريخ ..

يعتبر جبران خليل جبران من الأدباء الذين أثروا فن المراسله عند العرب بما تركه من رسائل لفتت نظر الباحثين وأثارت فضولهم , فولجوا عبرها إلى عالم جبران المليء بالرموز والأسرار .. لقد فتح جبران فتحاً جديداً ورائعاً في دنيا الأدب العربي , عندما تحول عن التأليف بالعربيه الى التأليف بالانجليزيه.. حتى لمع اسمه في كثير من الدول الأجنبيه ..

وهنا نسلّط الضوء على الحب الذي نشأ بين جبران ومي زياده , , حب فريد لامثيل له في تاريخ الأدب , أو في سير العشاق ,مثال للحب النادر المتجرد عن كل ماهو مادي وسطحي .

لقد دامت تلك العاطفه بينهما زهاء عشرين عاماً , دون أن يلتقيا الا في عالم الفكر والروح , والخيال الضبابي إذ كان جبران في مغارب الأرض مقيماً وكانت مي في مشارقها , كا ن في امريكا وكانت في القاهره. لم يكن حب جبران وليد نظره فابتسامه فسلام فكلام بل كان حباً نشأ ونما عبر مراسله أدبيه طريفه ومساجلات فكريه وروحيه ألفت بين قلبين وحيدين , وروحين مغتربين .ومع ذلك كانا أقرب قريبين وأشغف حبيبين ..
كان طبيعياً جداً أن يتعارف بطلا هذا الحب عن طريق الفكر والنشر في اوائل هذا القرن , بعد ان أصاب كل منهما شهره كبيره .. كانت مي معجبه بمقالات جبران وافكاره فبدأت بمراسلته عقب أطلاعها على قصته ( الأجنحه المتكسره ) التي نشرها في المهجر عام 1912م, كتبت له تعرب عن أعجابها بفكره واسلوبه , وتناقش اراءه في الزواج وقيوده , والحب وأطواره حسب رؤيته في هذه القصه التي قرأتها له ...

وتعرض عليه رأيها في وجهة نظره في حرية المرأه التي طالب بها والتي
اتفقت معه في أمر وعارضته في جانب آخر , حيث قالت " لايصح لكل أمرأه لم تجد في الزواج السعاده التي حلمت بها أن تبحث عن صديق غير زوجها فلا بد أن تتقيد المرأه بواجبات الشراكه الزوجيه تقيداً تام حتى لو هي سلاسل ثقيله , فلو توصل الفكر الى كسر قيود الاصطلاحات والتقاليد فلن يتوصل الى كسر القيود الطبيعه لأن أحكام الطبيعيه فوق كل شيء, وهذه تعتبر خيانه ولو في مظهرها طاهر وتخون الهيأه الاجتماعيه التي هي عضو عامل فيها "

ومن هنا كانت البدايه ومن ثم تواصل بالرسائل التي كان كل منهما يبحث عن روح الآخر في يقظته وأحلامه , كان كل منهما يسعى لرؤية ذاته في روح صاحبه حتى لكأن تلك الروح هي المرآة التي ينعكس على صفحتها نور الاخر ... وكلما قرأنا هذه الرسائل النابضه بالحياة الناضحه بالصدق , كلمااأزددنا يقيناً بأن الحب الذي شد جبران الى مي , وشغف مي بجبران , حب عظيم , بل عشق يكاد يكون صوفياً لأنه تخطى حدود الزمان والمكان والحواس الى عالم تتحد فيه قوة الوجود ..

ويتضح لنا لدى التأمل في بعض الرسائل برغم ضياع بعضها أن الصله بين جبران ومي توثقت شيئاً فشيئاً لأن لهجته في مخاطبتها تدرّجت من التحفظ الى التودد , ومن الأعجاب الى صداقه حميمه , ومن ثمَ الى حب عام 1919م ما أن بلغ ذروته حتى عكرت صفوه سلسله من الخلافات بينهما التي عبّر عنها جبران مرةً " هي معاكسات التي تحوّل عسل القلب لي مراره " وقال" ان الغريب حقاً في هذه الصله تأرجحها بين الحب الجامح والفتور , بين التفاهم التام الذي كان يضفي عليهما شفافيه روحيه تغمرهما بالسعاده ,وبين سوء التفاهم الذي كان يؤلمهما ويؤدي الى القطيعه احياناً" ولكن شدة ولع كل منهما الآخر كانت تدفعهما للتصالح مجدداً..
وبرغم كل هذا الحب كان كل منهما يخشى التصريح بعواطفه فيلجأ جبران للتلميح , ويرمز إليها ويضع عبارات وصور مبتكره وجميله .. فلم ينادي مي قط بقوله
"حبيبتي" ولم يخاطبها باللغه المألوفه للعشاق , غير أنه عبّر عن حبه بما هو أبلغ عندما قال" أنت تحيين فيّ , وانا أحيا فيكِ " ووصف علاقته بها " بأنها أصلب وأبقى بما لايقاس من الروابط الدمويه والأخلاقيه "وبعد أن باح لها , رجاها ان تطعم النار رسالته اذا لم تجد لبوحه الصدى المرجوا في نفسها ..

كانت مي في حياة جبران الصديقه, والحبيبه الملهمه , وصلة الوصل بينه وبين وطنه , وأكثر ما أحبه فيها عقلها النيّر الذى تجلى في مقالاتها وكتبها , وأحب فيها حبها له .., واعجابها بشخصيته وانتاجه الأدبي والفني الذي كانت تتناوله بالتقريظ والنقد في مقالاتها في مصر ...
وعلى الرغم من كل ماكُتب عن علاقات جبران الغراميه من النساء امثال " ماري هاسكل " وميشلين " فان حبه لمي كان الحب الوحيد الذي ملك قلبه وخياله ورافقه حتى نهاية حياته فقد كان حبه لها معادلاً حبه العارم لوطنه لبنان ..ولروحانية الشرق , وبالدم العربي الذي يجري في عروقه ,, وهذا مما تؤكده رسائل الشعله الزرقاء , التي هي جوهر النفس الانسانيه في أسمى صفائها , ويميل المحللون للاعتقاد بأنه لم يكن يفكر في الزواج لاعتلال في صحته منذ شبابه ,, ولا ريب ان مي احبت جبران حباً جعل المقارنه بينه وبين الذين خطبوا ودّها أمراً مستحيلاً , برغم تردد مي في الاعراب عن مشاعرها وخشيتها في الانطلاق على سجيتها في مراسلته , وذلك بسبب ان جبران كان يعيش في عالم متطور تحررت نساؤه من التقاليد , وحيث أن مي كانت مغلولة القلب والقلم بتأثير البيئه التي عاشت فيها .. برغم انها جعلت من بيتها صالوناً أدبياً يلتقي فيه كل ثلاثاء رجال الأدب والفكر امثال احمد لطفي السيد وخليل مطران وطه حسين وعباس محمود العقاد وغيرهم من الأدباء والمفكرين ...

لقد تمنى جبران ان تتحرر مي من عقدها النفسيه وشكوكها ! مي عانت صراعاً نفسياً حاداً في حبها لجبران سبّب لها الشقاء ولجبران العذاب والارهاق ..وحين تجاوزت الخامسه والثلاثين من العمر لملمت كل شجاعتها وكتبت أجمل رسالة حب ..
" جبران !
لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب . ان الذين لايتاجرون بمظهر الحب ينمّي الحب في أعماقهم قوه ديناميكيه رهيبه قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في الللاء السطحي لأنهم لايقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر ,, ويفضّلون تضليل قلوبهم عن ودائعها , والتلهي بما لاعلاقه له بالعاطفه , يفضلون أي غربه , وأي شقاء ( وهل من شقاء وغربه في غير وحدة القلب ؟) على الأكتفاء بالقطرات الشحيحه ..

مامعنى هذا الذي اكتبه ؟ اني لا أعرف ماذا أعني به ! ولكني أعرف انك " محبوبي " , وأني أخاف الحب , أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير .. الجفاف والقحط والللا شيء بالحب خير من النزر اليسير , كيف أجسر على الأفضاء اليك بهذا , وكيف أفرّط فيه ؟ لا أدري , الحمدلله اني اكتبه على ورق ولا أتلفّظ به, لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام , ولاختفيت زمناً طويلاً , فما أدعك تراني الا بعد أن تنسى .. حتى الكتابة ألوم نفسي عليها احياناً لأني بها حرة كل هذه الحريه .. قلي ما اذا كنت على ضلال أو هدى .. فاني أثق بك , وأصدق بالبداهه كل ماتقول ..! وسواء كنت مخطئه فان قلبي يسير اليك , وخير مايفعل هو أن يظل حائماً حواليك , يحرسك ويحنو عليك ..

غابت الشمس وراء الأفق ومن خلال الأشكال والألوان حصحصت نجمه لامعه واحده هي الزهره ,, اترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون ؟ ربما وُجد فيها من هي مثلي , لها جبران واحد , تكتب اليه الان والشفق يملأ الفضاء وتعلم ان الظلام يخلف الشفق وان النور يتبع الظلام وأن الليل سيخلف النهار والنهار سيتبع الليل مرات كثيره قبل أن ترى الذي تحبه ... فتتسرب اليها كل وحشة الشفق , وكل وحشة الليل , فتلقي القلم جانباً لتحتمي من الوحشه في إسم واحد : جبران !
ماري زياده

وكانت هذه الرساله تصوّر مي العاشقه أبلغ تصوير ... مما أفرح جبران بتجاوبه معها

**********


رد جبران على رسالة مي ..

"ما ألطف قول من قال :

ياميّ عيدك يوم ** وأنتِ عيد الزمان

ما أغرب ماتفعله كلمه واحدة في بعض الأحيان ,انها تحوّل الذات الخفيه فينا من الكلام إلى السكوت .. تقولين أنك تخافين الحب ! لماذا تخافينه ؟ أتخافين نور الشمس ؟ أتخافين مدّ البحر ؟ أتخافين طلوع الفجر ؟ أتخافين مجيء الربيع ؟ لماذا ياترى تخافين الحب ؟

أنا أعلم أن القليل في الحب لايرضيكِ , كما أعلم أن القليل في الحب لايرضيني , أنتِ وأنا لا ولن نرضى بالقليل , نحن نريد الكمال ..الكثير , كل شيء !
لاتخافي الحب يارفيقة قلبي , علينا أن نستسلم إليه رغم مافيه من الألم والحنين والوحشه , ورغم مافيه من الالتباس والحيره ..

جبران

ارتاحت مي لهذه اللهجه , وتشجعت على مداعبته في الحديث , والأفضاء إليه بخوالج نفسها وهمومها .. كان همها أن يبقى جبران حبيبها الأوحد لتدوم تلك الشعله الزرقاء منهلاً للنعيم والنور في حياتها . أضحت مي شديدة القلق على صحة جبران في سنوات عمره الأخيره كما يبدوا جلياً في رسائله إليها ,وقد وصف جبران أسلوبها ورسائلها فقال انها

( كالنهر الرحيق الذي يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي احلامي , بل كالقيثارة التي تقرّب البعيد وتُبعد القريب , وتحوّل بارتعاشاتها السحريه الحجاره إلى شعلات متقّده , والأغصان اليابسه إلى أجنحه مضطربه )
ربما يكو ن أهل مي وبعض المقربين منها قد أطلعوا على صلتها بجبران في حياتها ,ولكن المرجّح انها كانت حريصه على اخفائها عن الناس جميعاً , وأبقتها سراً دفيناً في نفسها حتى ذلك اليوم الذي فجعت بموته عام 1931م , فبعد انقضاء شهر على وفاته اعترفت ميّ لقرائها بوجود مراسله طويله بينها وبين جبران وذلك في مقاله (جبران خليل جبران يصف نفسه في رسائله) ضمتها فقرات قصيره من رسائله اليها , وعبرت عن حزنها العميق عليه مصّوره غربتها وغربته في الوجود بعبارات موجعه قالت فيها

"حسناً فعلت بأن رحلت ! فاذا كان لديك كلمه أخرى فخير لك أن تصهرها وتثقفّها , وتطهرها لتستوفيها في عالم ربما يفضل عالمنا هذا في أمور شتى..."
وفي ختام تلك القطعه الوجدانيه المؤثره الفائضه بالحب واللوعه واليأس , أعربت ميّ عن شوقها للرحيل , ولكن مشيئة القدر فرض عليها ان تعيش بعد جبران عشر سنوات تقريباً كانت أسؤا مرحله في حياتها , فقد استبد بها الحزن ..وعاشت في غمرة الأحزان تمزّقها الوحده والوحشه بعد فقده , أصيبت بانهيار عصبي , تبعه انهيار في صحتها , فاعتزلت الناس , أرسلت الى قريب لها في بيروت دكتور جوزيف زياده رساله مؤثره وصفت الامها وتردّي صحتها , تلك المحنه قادتها الى لبنان موطنها الأصلي وأدخلتها ظلماً الى مصح الأمراض العقليه مما طعنها في كرامتها ,وقضت ثلاث سنوات متنقله بين ( العصفوريه ) كما يسمونه , ومصح دكتور بيريز وبين بيت متواضع , الى أن هبّوا اقاربها لأنقاذها , وعادت الى القاهره عاشت سنتين ونصف , الى أن ذوت شيئاً فشيئاً ,فتوفيت عام 1941م
وماهو جدير بالذكر ان مي عندما كانت في لبنان اصطحبت رسائل جبران معها , وكانت تلجاً اليها على انفراد , حين يشفّها الوجد , وصوره لجبران كتبت بخطها الى جانب الصوره ...
( وهذه مصيبتي منذ أعوام )

**********

ومن رسائل جبران الي مي ..


حضرة الأديبه والفاضله الآنسه ماري زياده المحترمه ..

سلام على روحك الطيبه .. لقد أستلمت أعداد من مجلات المقتطف التي تفضلّت بأرسالها ..فقرأتها وأنا بين السرور والأعجاب الشديد ..ولقد وجدت في مقالاتك سرباً من تلك الميول والمنازع التي طالما حامت حول فكرتي وتتبعت احلامي , ولكن هناك مبادىء ونظريات أخرى وددت لو كان البحث فيها شفهياً , ولكن بما ان القاهره في مشارق الأرض ونيويورك في مغاربها ليس من سبيل إلى الحديث الذي أوده وأتمناه ..


أن مقالاتك تبيّن سحر مواهبك , وغزارة أطلاعك وملاحة ذوقك في الأنتقاء والأنتخاب والترتيب .. وتبيّن اختباراتك النفسيه الخاصه , فالاختبار أو الاقتناع النفسي يفوق كل علم وكل عمل , وهذا مايجعل بحوثك أفضل ماجاء في اللغه العربيه ..

ولكن لي سؤال أستأذنك بطرحه لديك وهو هذا : الا يجيء يوم ياتُرى تنصرف فيه مواهبك الساميه من البحث في مآتي الأيام إلى اظهار أسرار نفسك واختباراتها ومخآبها النبيله ؟ أفليس الابتداع أبقى من البحث في المبدعين ؟ ألا ترين أن نظم قصيده أو نثرها أفضل من رساله في الشعر والشعراء ؟ إني كواحد من المعجبين بك أفضل أن أقرأ لك قصيده في ابتسامة , من أقرأ لكِ رساله في تاريخ الفنون المصريه , وكيف تدرجها من عهد إلى عهد ومن دوله إلى دوله, لأن بنظمك قصيده تهبينني شيئاً نفسياً ذاتياً , أما بكتابتك في تاريخ الفنون المصريه تدلينني على شيء عمومي عقلي ؟ والفن هو اظهار مايطوف ويتمايل ويتجوهر في داخل الروح ..
مي ..
ليس ماتقدم سوى شكل من الأستعطاف بأسم الفن .. فأنا أستعطفك لأني أريد أن أستميلك إلى تلك الحقول السحريه حيث سافو وايليزابيت براوننغ وغيرهن من اخواتك اللواتي بنين سُلّماً من الذهب والعاج بين الأرض والسماء.

والله يحفظك للمخلص
جبران خليل جبران

**********

ومن رسائل جبران الى مي ..

عزيزتي الآنسه مي ..

لقد أعادت رسالتك إلى نفسي ذكرى ألف ربيع وألف خريف ..

هل تعلمين ياصديقتي انني كنت اجد في حديثنا المتقطع التعزيه والأنس والطمأنينه , وهل تعلمين بأنني اقول لذاتي هناك في مشارق الأرض صبيه ليست كالصبايا , اتخذت بلادي بلاداً لها وقومي قوماً لها ,هل تعلمين بأنني كنت أهمس هذه الأنشوده في أذن خيالي كلما وردت عليّ رساله منك ؟ لو علمتِ لما انقطعت عن الكتابه اليّ - وربما علمتِ فانقطعت وهذا لايخلو من أصالة الرأي والحكمه.

أما مقالة أبي الهول فالسماء تعلم بأنني لم اطلبها منك إلا بعد الحاح مستمر من صاحب مجلة الفنون ( سامحه الله ) فلو كتبتِ إلي في ذلك الزمن قائله " لاميل لي الآن إلى كتابة مقالة في أبي الهول " لقلت مترنماً : " لتعش مي طويلاً فهي ذات مزاج فني لاغش فيه " الخلاصه أنني سأسبقك في كتابة مقاله , في ابتسامة أبي الهول! وبعد ذلك سأنظم قصيده في ابتسامة ميّ ولو كان لدي صورتها مبتسمه لفعلت اليوم , ولكن عليّ أن أزور مصر لأرى ميّ وابتسامتها .. , أليس في ابتسامة الصبيه اللبنانيه سرّ لايستطيع ادراكه واعلانه غير اللبناني , أم هي المرأه اللبنانيه كانت أم أيطاليه تبتسم لتخفي أسرار الابديه وراء ذلك النقاب الذي تحوكه الشفاه ؟

أما مؤلفاتي عن " المجنون" أنت تقولين أن فيه مايدل على القسوه بل وعلى" الكهوف المظلمه" , وأنا للآن لم أسمع مثل هذا الأنتقاد بل الغريب أن أكثر الأدباء الغربيين قد أستحسنوا القطعتين -


ماذا ينفع الأنسان إذا ربح أستحسان العالم وخسر أستحسان مي؟


وماذا أقول عن كهوف روحي ؟ تلك الكهوف التي تخيفك - اني التجئ اليها عندما اتعب من سبل الناس الواسعه وحقولهم المزهره وغاباتهم المتعرشه . أني أدخل كهوف روحي عنما لاأجد مكاناً آخر أسند إليه رأسي , ولو كان لبعض من أحبهم الشجاعه لدخول تلك الكهوف لما وجدوا فيها سوى رجل راكع على ركبتيه وهو يصلي .

أما استحسانك الرسوم الثلاثه في " المجنون " فقد سرني ودلني على وجود عين ثالثه بين عينيك , وقد طالما عرفت أن وراء اذنيك اذان خفيه تسمع تلك الأصوات الدقيقه الشبيهه بالسكوت - تلك الأصوات التي لاتحدثها الشفاه والألسنه بل ماوراء الألسنه والشفاء من الوحده العذبه , والألم المفرح , والشوق إلى ذلك العالم البعيد الغير معروف .

ماأكثر الذين يتوهمون أنهم يفهموننا لأنهم وجدوا في بعض مظاهرنا شيئاً شبيهاً بما اختبروه مره في حياتهم .

ليتهم يكتفون بادعائهم ادراك أسرارنا - تلك الأسرار التي نحن ذواتنا لاندركها _
أو ليس ذلك بالأديب الذي يقول بأنك تقلدينني في بعض كتاباتك من هؤلاء البشر الذين يدّعون فهمنا ومعرفة خفايانا ؟
هل تستطيعين اقناعه بأن الأستقلال هو محجّه الأرواح وإن اشجار السنديان الصفصاف لاتنمو في ظلال بعضها بعضا؟
ها أنا قد بلغت هذا الحد من رسالتي ولم أقل كلمه واحده مما قصدت أن أقوله عنك عندما ابتدأت . ولكن من ياترى يقدر أن يحوّل الضباب اللطيف إلى تماثيل وأنصاب ؟
ولكن الصبيه اللبنانيه التي تسمع ماوراء الأصوات سترى في الضباب الصور والأشباح .
والسلام على روحك الجميله ووجدانك النبيل وقلبك الكبير والله يحرسك .
المخلص
جبران خليل جبران

**********

رساله قصيره .. من جبران الى مي ..

عزيزتي الانسه ميّ ..

إني باعث اليك بأول نسخه بلغت يدي من كتاب " المواكب " الذي صدر اليوم , وهو كما تجدينه , حلم لم يزل نصفه ضباباً , والنصف الاخر يكاد يكون جسماً محبوباً , فإن استحسنت فيه شيئا تحوّل هو إلى حقيقه حسنه , وأن لم تستحسني فيه شيئاً عاد إلى الضباب بجملته .
وألف تحيه وسلام إلى روحك الطيبه والله يحفظك ويحرسك

**********

عزيزتي الآنسه ميّ

رجعت اليوم من سفره مستطيله إلي البريّه فوجدت رسائلك الثلاث والمقال الجميل الذي تفضلت بنشره في جريدة المحروسه.. ولقد انصرفت عن كل ماوجدته بانتظاري في هذا المكتب , لأصرف نهاري مصغياًَ إلى حديثك الذي يتمايل بين العذوبه والتعنيف - أقول التعنيف لأني وجدت في رسالتك الثانيه بعض الملاحظات التي لو سمحت لنفسي الفرحه أن تتألم لتألمت منها . ولكن كيف اسمح لنفسي النظر إلى شبه سحابه في سماء صافيه مرصعه بالنجوم ؟
وكيف أحوّل عيني عن شجره مزهره إلى ظل من اغصانها ؟
وكيف لاأقبل وخزه صغيره من يد عطره مفعمه بالجواهر ؟
إن حديثنا الذي انقذناه من سكوت خمسة أعوام لا ولن يتحول إلى عتاب أو مناظره , فأنا أقبل كل ماتقولينه لاعتقادي بأنه يجمل بنا وسبعه الاف ميل تفصلنا الا نضيف فتراً واحداً الى هذه المسافه الشاسعه , بل أن نحاول تقصيرها بما وضعه الله فينا من الميل إلى الجميل والشوق إلى المنبع والعطش الخالد ..
يكفينا ياصديقتي مافي هذه الأيام وهذه الليالي من الأوجاع والتشويش والمصاعب , وعندي أن فكرة تستطيع الوقوف أمام المجرد المطلق لاتزعجها جاءت في كتاب أو ملاحظه أتت في رساله ,إذاً فلنضع خلافاتنا , وأكثرها لفظيه - في صندوق من ذهب ولنرمي بها إلى بحر من الابتسامات..
ماأجمل رسائلك يا ميّ وما أشهاها , فهي كنهر من الرحيق يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي أحلامي , بل هي كقيثارة اورفيوس تقرّب البعيد وتبعد القريب , وتحول بارتعاشاتها السحريه الحجاره إلى شعلات متقده والاغصان اليابسه إلى اجنحه مضطربه , إن يوماً يجيئني منك برساله لهو من الأيام بمقام القمه من الجبل , فما عسى أن أقول في يوم يجيئني بثلاث رسائل !؟
ذلك يوم أتنحى فيه عن سبل الزمن لأصرفه متجولاً......
وبما اجيب على سؤالاتك ؟ وكيف استطيع متابعة الحديث وفي النفس مالا يسيل مع الحبر , فما بقي صامتاً ليس بالغير مفهوم لديك .
تقولين في رسالتك الأولى (( لو كنت انا في نيويورك لكنت زرت مكتبك الفنّي في هذه الأيام )) أفلم تزوري مكتبي قط ؟
أليس وراء اثواب الذكرى الظاهره جسد خفي للذكرى ؟
إنما مكتبي هيكلي وصديقي ومتحفي وجنتيي وجحيمي .. هو غاب تنادي فيه الحياة للحياة ,, وهو صحراء خاليه أقف في وسطها فلا أرى سوى بحر من رمال وبحر من أثير , أن مكتبي ياصديقتي هو منزل بدون جدران وبدون سقف , في مكتبي اشياء كثيره احبها واحافظ عليها , انا مولّع بالآثار القديمه وفي زوايا المكتب مجموعه صغيره من طرائف الاجيال وبعض نفائسها كتماثيل والواح مصريه ويونانيه ورمانيه وزجاج فينيقي وخزف فارسي وكتب قديمه العهد ورسوم ايطاليه والآت موسيقيه تتكلم وهي صامته , أحب الاثار القديمه واشغف بها لأنها من اثمار الفكره البشريه السائره بالف قدم من الظلام نحو النور - تلك الفكره الخالده التي تغوص بالفن الى اعماق البحار وتصعد به الى المجرّه .

أما قولك (( ماأسعدك أنت القانع بفنك )) فقد جعلتني أفكر طويلاً , لا يا مي لست بقانع ولا انا بسعيد , في نفسي شيء لايعرف القناعه ولكنه ليس كالطمع, ولا يدري مالسعاده غير أنه لايشابه التعاسه .
في اعماقي خفقان دائم وألم مستمر ولكنني لااريد ابدال هذا ولا تغيير ذاك - ومن كان هذا شأنه فهو لايعرف السعاده ولا يدري ماهي القناعه , ولكنه لايشكو لأن في الشكوى ضربا من الراحه وشكلاً من التفوق .
مي اخبريني هل أنت سعيده وقانعه بمواهبك العظيمه ؟ اكاد اسمعك هامسه " لست بقانعه ولا أنا بسعيده " ان القناعه هي الاكتفاء و الاكتفاء محدود وانت غير محدوده ..
ماذا اقول عن جوي المعنوي !؟ لقد تبدلت حياتي من الهدوء الى الضجيج , كم مره هربت من هذه المدينه الهائمه الى مكان قصي لأتخلص من اشباح الناس ومن اشباح نفسي ايضاً.
سوف يجيء يوم اهرب فيه الى الشرق . ان شوقي الى وطني يكاد يذيبني , ولولا هذا القفص الذي حبكت قضبانه بيدي - لاعتليت متن اول سفينه سائره شرقاً, ولكن أي رجل يستطيع أن يترك بناء صرف عمره بنحت حجارته وصفها ؟ حتى ولو كان ذلك البناء سجناً له فهو لايستطيع ولا يريد ان يتخلص منه في يوم واحد .
ان استحسانك " المواكب "جعلها عزيزه علي , اما قولك بأنك ستظهرين ابياتها فمنّة احني امامها رأسي ,غير انني اشعربأن حافظتك خليقه بقصائد اسمى وأبلغ وانبل من كل ماجاء في المواكب, بل ومن كل ماكتبته واكتبه , ولست بمبالغ بانك اول صبيه شرقيه مشت بقدم ثابته ورأس مرفوع , وملامح منفرجه كأنها في بيت ابيها ..
ألا فأخبريني كيف عرفت كل ماتعرفين وفي اي عالم جمعت خزائن نفسك , وفي اي عصر عاشت روحك قبل مجيئها لبنان , أن في النبوغ سراً اعمق من سر الحياة ..
احمد الله يا ميّ على انقضاء الأزمه عندكم , ولقد كنت اقرأ اخبار تلك المظاهرات فأتخيلك هائبه فأهاب , مضطربه فأضطرب ..
ها قد غمر المساء هذا المكتب بوشاحه فلم أعد أرى ماتخطه يدي , والف تحيه لك والف سلام عليك والله يحفظك ويحرسك دائماً
صديقك المخلص
جبران خليل جبران


توقيع : sanaa


...je ne veux ni cadeau ..ni fleur..ni promesse
seulement
!!... le don de ton coeur
sanaa

الأعلى رد مع اقتباس
قديم 02 Dec 2005, 07:21 AM [ 12 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل





آنست بكم ولكن تم أنسي

آنست بكم ولكن تم أنسي
بموقع هذه الأنغام مني

فما في الغيد من يشجو بصوت
أرق ولا بغيقاع أحن

توسطت الندي عروس شعر
تنال من القلوب بلا تجني

سبى الأسماع والبصار منها
غناء الطير في الظبي الأغن

تبسم طفلة وخفوق نجم
وآية علو تلقي سحرجن

وتطريب بإنشاد شهي
كغسعاد يجيء بغير من

أتشدو أم كلثوم وفينا
طروب لا يرى كصريع دن

لها نبرات صوت تسبينا
إذا عجلت وتصبي في التأني

هي القبلات في صمت طويل
يسلسله جوى غرد مرن

يكاد يهز شامخة الرواسي
صداها في القرار المطمئن

يثير جوابها أمواج شوق
وليس البحر إلا بحر فن

تزيد اللحن بعد اللحن طيبا
فيعد بالبداعةل ظن

بروحي الاجتماع وفيه أوفت
حقيقة الائتلاف على التمني

فدوح الأرز مصغ من ذراه
وبلبل مصر في الوادي يغني


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 02 Dec 2005, 07:23 AM [ 13 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






حفنة من رمال الشاطئ

كآبةُ الحُبّ تترنم.

وكآبة المعرفة تتكلم.

وكآبة الرغائب تهمس.

وكآبة الفقر تندب.

ولكن,

هناك كآبة أعمق من الحب,

وأنبل من المعرفة,

وأقوى من الرغائب,

وأمرُّ من الفقر....

غير أنها خرساء لا صوت لها; أما عيناها

فمشعشعتان كالنجوم.

عندما تشكو مُصَابًا لجارك تَهَبُهُ جزءًا من

قلبك, فإن كان كبير النفس شكرك.

وإن كان صغيرها احتقرك.

ليس التقدُّمُ بتحسين ما كان

بل بالسير نحو ما سيكون.

المسكنة نقابُ ملامِحِ الكبرياء.

والدعوى قِناعٌ يغشِّي وجه البلاء.

عندما يجوع المتوحّش يقطف ثمرة من

شجرة ويأكلها. وعندما يجوع المتمدّن يشتري

ثمرة مِمَّن اشتراها ممَّنِ اشتراها مِمَّنِ اشتراها

مِمَّن قَطَفَهَا من الشجرة.

بعضُ الناس يستحثُّونَنِي على الأمانة إليهم ليتمتَّعوا

بلذَّةِ السماح عَنّي.

ما أدركت طوية امرئ إلاّ حسبني مديونًا له.

عين الإنسان مجهر تُبَيِّن له الدنيا أكبَرَ ممَّا هي حقيقته.

أنا بريء من قومٍ يحسبون القحة شجاعة واللِّينَ جبانة.

وأنا بريء مِمن يتوهَّم الثرثرة معرفة والصمت جهالة والتصنُّع فنًّا.

قد يكون في استصعابنا الأمرَ أَسْهَلُ السبل إليه.

يقولون لي:

إذا رأيت عبدًا نائمًا فلا تنبِّههُ

لعلَّه يحلم بحريته.

وأقول لهم:

إذا رأيت عبدًا نائمًا نبهته

وحدَّثْتُهُ عن الحرية.

المُعَاكَسَةُ أدنى مراتب الذكاء.

الجميل يأسرنا أما الأجمل فيُعْتِقُنَا حتى ومن ذاته.

الحماسة بركان لا تنبت على قِمَّتِه أعشابُ التَّردُّد.

يظل النهر جادًّا نحو البحر,

انكسر دولاب المطحنة أم لم ينكسر.

تأكلُ مسرِعًا وتمشي متباطئًا, فهلاَّ

أَكَلْتَ برجلِك وَمَشَيْتَ على كفَّيك?

ما تَعَاظَمَ فرحك أو حزنُكَ إِلاَّ صَغُرَتِ

الدُّنيا في عينيك.

العِلمُ يستنِبتُ بذورَك ولا يُلقي بك بذورًا.

ما أَبْغَضْتُ إلاَّ وكان البُغْضُ سِلاَحًا أدافِعُ بهِ عَن نفسي,

ولكن: لو لم أكن ضعيفًا لما اتَّخَذْتُ هذا النوع من السلاح.

يحسبونني حَادَّ النَّظَر ثاقِبَه لأنَّني أَرَاهُمْ من خلال شبكة الغربال.

لم أشعر بألم الوحشة حتى مدح الناس عيوبي الثَّرثارَة وطعنوا في حسناتي الخرساء.

بين الناس قَتَلَةٌ لم يسفكوا دمًا قط, ولصوص لم يسرقوا شيئًا البتَّةَ وكَذَبَةٌ لم يقولوا إِلاَّ الصحيح.

الحقيقة التي تحتاج إلى برهان هي نصف حقيقة.

ألا فأبعدوني عن الحكمة التي لا تبكي, وعن الفلسفة التي

لا تضحك وعَنِ العَظَمَةِ التي لا تحني رأسها أمام الأطفال.

صُنِع الأديبُ من الفكرِ والعاطفةِ, ثمّ وُهِبَ الكلام.

أما الباحث فقد صُنِعَ من الكلام, ثم أُعطِيَ قليلاً من الفكر والعاطفة.

الفنُّ خطوة من المعروف الظاهر نحو المجهول الخفي.

أيُّها الكونُ العاقل, المحجوب بظواهر الكائنات, الموجود

بالكائنات وفي الكائنات وللكائنات... أنت تسمعني لأنك

حاضري ذاتي. وإنك تراني لأنك بصيرَةُ كلِّ شيءٍ حيّ.

ألْقِ في روحي بذرة من بذورِ حكمتك لتنبُتَ نَصْبَةً في

غابتك وتُعطي ثمرًا من أثمارك.

آمين

[ مختارات من مقال في كتاب (البدائع والطرائف) ]


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 02 Dec 2005, 07:25 AM [ 14 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






بين الحقيقة والخيال

تحْملنا الحياة من مكان إلى مكان.

وتنتقل بنا التقادير من محيط إلى آخر...

ونحن لا نرى إِلاَّ ما وَقَفَ عثرة في سبيل سيرنا

ولا نسمع سوى صوتٍ يخيفنا.

يتجلى لنا الجمال على كرسي مجده فنقترب منه.

وباسم الشوق ندنّس أذياله,

ونخلع عنه تاج طهره.

يمرُّ بنا الحبُّ مكتسيًا ثوبَ الوداعة, فنخافه ونختبئ في

مغاور الظلمة, أو نتبعه ونفعل باسمه الشرور. والحكيم

بيننا يحمّله نيرًا ثقيلاً وهو ألطف من أنفاس الأزهار

وأرق من نسيماتِ لبنان.

تقف الحكمة في منعطفات الشوارع,

وتنادينا على رؤوس الأشهاد,

فنحسبها بُطلاً ونحتقر متَّبِعِيها.

تدعونا الحرية إلى مائدتها لنلتذَّ بخمرها وأطعمتها, فنذهب ونشره...

فتصير تلك المائدة مسرحًا للابتذال ومجالاً لاحتقار الذات.

تمدُّ الطبيعَةُ نحونا يد الولاء,

وتطلب منا أن نتمتع بجمالها, فنخشى سكينتها ونلتجئ

إلى المدينة, وهناك نتكاثر بعضُنَا على بعض كقطيع رأى ذئبًا خاطفًا.

تزورنا الحقيقة منقادة بابتسامة طفل, أو قبلة محبوبة,

فنوصد دونها أبواب عواطفنا ونغادرها كمجرم دنس

القلب البشري يستنجد بنا,

والنفس تنادينا...

ونحن أشدُّ صَمَمًا من الجماد لا نعي ولا نفهم.

وإذا ما سمع أحد صراخ قلبه ونداء نفسه, قلنا:

هذا ذو جِنَّة, وتبرَّأنا منه.

هكذا تمر الليالي ونحن غافلون.

وتُصَافِحُنَا الأيَّامُ ونحن خائفون من الليالي والأيام.

نقترب من التراب,

والآلهة تنتمي إلينا.

ونمرُّ على خبز الحياة, والمجاعة تتغذى من قوانا.

فما أحب الحياة إلينا,

وما أبعَدَنَا عن الحياة

[ مقال من كتاب (دمعة وابتسامة) ]


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 02 Dec 2005, 07:27 AM [ 15 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






أمام عرش الجمال


هربتُ من الاجتماع وهِمْتُ في ذاك الوادي الواسع...

مصغيًا إلى محاورات العصافير... وجلستُ أسامِرُ وَحْدَتي وأناجي نفسي.

نفس ظامئة رأت كل ما يرى سرابًا وكل ما لا يرى شرابًا.

ولما انطَلَقَتْ عاقِلَتي من محبس المادة إلى فضاء الخيال,

التفتُّ فإذا... حورية لم تتخذ من الحلي والحلل سوى غصن من الكرمة تستر

به بعضَ قامَتِها, وإكليلٍ من الشقيق يجمع شعرها الذهبي...

وإذ عَلمَتْ من نظراتي أنني مسلوب الفجأة والحيرة, قالت:

أنا ابنة الأحراج فلا تجزع.

... أنا رمز الطبيعة.

أنا العذراء التي عبدها آباؤك فبنوا لها مذابح وهياكل في بعلبك وأفقا وجبيل...

أما ألوهيتي فهي مستمدة من جمال تراه كيفما حولت عينيك.

جمال هو الطبيعة بأسرها.

جمال كان بدء سعادة الراعي بين الربى,

والقروي بين الحقول,

والعشائر الرحل بين الجبل والساحل.

جمال كان للحكيم مرقاة إلى عرش حقيقة لا تجرح.

قلتُ ودقاتُ قلبي تقول ما لا يعرفه اللسان:

إن الجمال قوة مخيفة رهيبة.

فقالت وعلى شفتيها ابتسامة الأزهار,

وفي نَظَرِها أسرارُ الحياة:

أنتم البشر تخافون كل شيء حتى ذواتكم.

تخافون السماء وهي منبع الأمن.

تخافون الطبيعة وهي مرقد الراحة...

وبعد سكينة مازَجَتْهَا الأَحلامُ اللَّطيفة سألتها:

ما هذا الجمال...?

قالت:

هو ما كان بنفسك جاذب إليه.

هو ما تراه وتودُّ أن تُعطِي لا أن تأخذ.

هو ما شَعَرْتَ, عند ملقاه, بأيد ممدودةٍ لضمّه إلى أعماقك.

هو ما تحسبه الأجسام محنة والأرواح منحة.

هو ألفة بين الحزن والفرح.

هو ما تراه محجوبًا وتعرفه مجهولاً وتسمعه صامتًا.

هو قوة تبتدئ في قدس أقداس ذاتك وتنتهي فيما وراء تخيلاتك...

واقتَرَبَت ابنَةُ الأحراج منِّي,

ووضعت يدها المُعَطَّرة على عيني, ولما رَفَعَتْهَا رأيْتُنِي وحيدًا في ذلك الوادي.

فرجعت ونفسي مردّدة:

إن الجمال هو ما تراه وتود أن تعطي لا أن تأخذ

[ فقرات من مقال في كتاب (دمعة وابتسامة) ]


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 02 Dec 2005, 07:28 AM [ 16 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






الشاعر

أنا غريب في هذا العالم.

أنا غريب وفي الغربة وحدة قاسية ووحشة موجعة,

غير أنها تجعلني أفكر أبدًا بوطن سحري لا أعرفه,

وتملأ أحلامي بأشباح أرض قصية ما رأتها عيني.

أنا غريب عن أهلي وخلاني, فإذا ما لقيت واحدًا منهم

أقول في ذاتي:

من هذا? وكيف عرفته?

وأي ناموس يجمعني به? ولماذا أقترب منه وأجالسه?

أنا غريب عن نفسي, فإذا سمعت لساني متكلمًا تستغرب أذني

صوتي. وقد أرى ذاتي الخفية ضاحكة, باكية, مستبسلة,

خائفة... فيعجب كياني بكياني,

وتستفسر روحي روحي,

ولكنني أبقى مجهولاً مستترًا,

مُكتَنَفًا بالضباب,

محجوبًا بالسكوت.

أنا غريب عن جسدي, وكلما وقفت أمام المرآة أرى في

وجهي ما لا تشعر به نفسي, وأجد في عيني ما لا تُكِنُّه أعماقي.

أسير في شوارع المدينة فيتبعني الفتيان صارخين:

هوذا الأعمى فلنعطِه عكازة يتوكأ عليها, فأهرب منهم مسرعًا.

ثم ألتقي سربًا من الصبايا فيتشبَّثن بأذيالي قائلات:

هو أطرش كالصخر فلنملأ أذنيه بأنغام الصبابة والغزل, فأتركهنَّ راكضًا.

ثم ألتقي جماعة من الكهول فيقفون حولي قائلين:

هو أخرس كالقبر فتعالوا نقوّم اعوجاج لسانه, فأغادرهم خائفًا.

ثم ألتقي رهطًا من الشيوخ فيومئون نحوي بأصابع مرتعشة قائلين:

هو مجنون أضاع صوابه في مسارح الجن والغيلان.

أنا غريب في هذا العالم.

أنا غريب وقد جُبتُ مشارق الأرض ومغاربها, فلم أجد

مسقط رأسي ولا لقيت من يعرفني ولا من يسمع بي.

أستيقظ في الصباح فأجدني مسجونًا في كهف مظلم

تتدلَّى الأفاعي من سقفه وتدب الحشرات في جنباته, ثم

أخرج إلى النور فيتبعني خيال جسدي.

أَمَّا نفسي فتسير أمامي إلى حيث لا أدري, باحثة عن

أمور لا أفهمها, قابضة على أشياءَ لا حاجة لي بها.

وعندما يجيء المساء, أعود وأضطجع على فراشي

المصنوع من ريش النعام وشوكِ القَتَاد, فتراودني أفكار

غريبة, وتتناوبني ميول مزعجة, مفرحة, موجعة, لذيذة...

وعندما ينتصف الليل تدخل عليّ, من شقوق الكهف,

أشباح الأزمنة الغابرة,

وأرواح الأمم المنسية...

فأحدّق إليها وتحدّق إليّ,

وأخاطبها مستفهمًا فتجيبني مبتسمة.

ثم أحاول القبض عليها فتتوارى مضمحلة كالدخان.

أنا غريب في هذا العالم.

أنا غريب وليس في الوجود من يعرف كلمة من لغة نفسي.

أسير في البرّيَّة الخالية, فأرى السواقي تتصاعد

متراكضة من أعماق الوادي إلى قمة الجبل, وأرى

الأشجار العارية تكتسي وتزهر وتثمر وتنثر أوراقها في

دقيقة واحدة, ثم تهبط أغصانُها إلى الحضيض وتتحوَّل

إلى حياتٍ رقطاء مرتعشة. وأرى الأطيارَ تنتقل

متصاعدة, هابطة, مغردة, مولوِلة, ثم تقف وتفتح

أجنحتها وتنقلب:

نساء عاريات,

محلولات الشعر,

ممدودات الأعناق...

ينظرْنَ إليّ من وراءِ أجفانٍ مكحولةٍ بالعشق,

ويبتسمن لي بشفاه ورديَّةٍ مغموسةٍ بالعسل,

ويمدُدْنَ نحوي أيديا بيضاء, ناعمة, معطرة بالمر

واللبان, ثم ينتفضن ويختفين عن ناظري ويضمَحْلَلْنَ

كالضباب تاركات في الفضاء صَدَى ضَحِكِهِنَّ منّي واستهزائِهِنَّ بي.

أنا غريب في هذا العالم.

أنا شاعر أنظم ما تنثره الحياة

وأنثر ما تنظمه.

ولهذا أنا غريب وسأبقى غريبًا حتى تخطفني المنايا وتحملني إلى وطني

[ مقال في كتاب (العواصف) ]


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 02 Dec 2005, 07:31 AM [ 17 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






صوت الشاعر


القوة تزرع في أعماق قلبي.

وأنا أحصد وأجمع السنابل وأعطيها أغمارًا للجائعين.

الروح يُحيي هذه الجفنة الصغيرة,

وأنا أعصر عناقيدها وأسقيها للظامئين.

السماء تملأ هذا السراج زيتا,

وأنا أُنيرُه وأضعه في نافذة بيتي من أجل العابرين في ظلمة الليل.

أنا فاعِلٌ هذه الأشياءَ لأنَّني أحيا بها.

وإذا منعتني الأيام, وغلَّت يدي الليالي, طلبت الموت...

البشر يضجون كالعاصفة,

وأنا أتنهد بسكينة, لأني وجدت عنف العاصفة يزول وتبتلعه لجة الدهر, أما التنهدة فتبقى ببقاء الله.

البشر يلتصقون بالمادة الباردة كالثلج,

وأنا أطلب شعلة المحبة لأضمَّها إلى صدري فتتآكل ضلوعي وتُبرى أحشائي,

لأني ألفيتُ المادَّة تُميت الإنسان بلا ألم والمحبَّة تُحييه بالأوجاع.

البشر ينقسمون إلى طوائف وعشائر,

وينتمون إلى بلاد وأصقاع.

وأنا أرى ذاتي غريبًا في بلد واحد,

وخارجًا عن أمة واحدة...

فالأرض كلها وطني

والعائلة البشرية عشيرتي...

لأني وجدت الإنسان ضعيفًا ومن الصغر أن ينقسم على ذاته,

والأرض ضيقة ومن الجهل أن تتجزَّأ إلى ممالك وإمارات.

البشر يتكاتفون على هدم هياكل الروح,

ويَتَعاوَنُون على بناء معاهد الجسد, وأنا وحدي واقف في موقف الرثاء,

على أنني أصغي فأسمع من داخلي صوت الأمل قائلاً: مثلما تحيي المحبة القلب البشري بالأوجاع

مثلما تحيي المحبة القلب البشري بالأوجاع

كذا تعلّمه الغباوَةُ سُبُلَ المعرفة;

فالأوجاع والغباوة تؤول إلى لذَّةٍ عظيمة ومعرفة كاملة

لأن الحكمة السرمدية لم تخلق شيئًا باطِلاً تحت الشمس

[ من مقال في كتاب "دمعة وابتسامة" ]


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 09 Dec 2005, 06:31 PM [ 18 ]

تاريخ التسجيل : Dec 2005
رقم العضوية : 735
مواضيع : 1
الردود : 6
مجموع المشاركات : 7
معدل التقييم : 25مثقف بني شداد is on a distinguished road

مثقف بني شداد غير متصل




يمكن لنا الأعجاب بجبران من ناحيه الأدب ــ مع وضع لكن كبيره هنا ــــ هو لا يتفق مع ما نعتقد في أمور كثيرة في حياتنا كالقدر والأخره والحساب ويمكن لكي العوده لكتابه النبي حتى تكتشفي ذلك،صحيح أني لازلت حائراً كغيري في هل يمكن أنت تكون عبارتنا الشهيرة (( يصح للمبدع ما لا يصح لغيره )) هي المقياس للحكم ،أظن أننا لازلنا نحن هنا ــ في العالم العربي ــ غير مهيئين لذلك.
مع احترامي.

الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Dec 2005, 01:46 AM [ 19 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل




مثقف بني شداد

أولاً أشكرك للمرور والتعقيب
ثانياً أنا أعجب بجبران كأديب رغم أنني لا أتفق معه في كل ما كتب
أنا قرأت لجبران جميع أعماله العربية والانكليزية والفرنسية
وأعجبني أسلوبه الفلسفي في الكتابة
أما عبارة يصح للمبدع ما لا يصح لغيره
فأنا لست معها سيدي
الأدباء يكتبون وكل حر في اختيار ما يناسبه من كتاباتهم
ولست هنا لأناقش معتقدات جبران فأنا موقنه تماماً لها وأعرف عقيدته وطريقته بالتفكير
ولكنني هنا مع الأدب عموماً
مع خالص الشكر لك
دمت بخير


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Dec 2005, 06:22 PM [ 20 ]

تاريخ التسجيل : Dec 2005
رقم العضوية : 735
مواضيع : 1
الردود : 6
مجموع المشاركات : 7
معدل التقييم : 25مثقف بني شداد is on a distinguished road

مثقف بني شداد غير متصل




العزيزة سنا:
أعجبني طرحك وأتمنى أن لا يكون أختلاف وجهات النظر يفسد للود مليون قضية!
ودمت لمن تحبين.

الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفيلسوف اليوناني أفلاطون أفلاطون القسم العام 26 26 Apr 2010 01:57 PM
الأجنحة المتكسرة 00 جبران sanaa مكتبة الشدادين لروائع الكتب 12 27 Oct 2007 12:08 PM
جبران خليل جبران.. جوري مرافئ البوح 10 15 Sep 2005 12:35 AM
الأديب : محمد حسن عواد السفير مرافئ البوح 2 29 Aug 2005 09:34 PM
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

04:56 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com