..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 18 Oct 2006, 10:23 AM
عضو متميز

كديميس غير متصل

مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص


تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
جائزة نوبل للأدب 2006 - أورهان باموق





جائزة نوبل للآداب2006

للروائي التركي أورهان باموق.


توقيع : كديميس

"لاتبحثوا عني بين كلماتي فهي لاتشبهني"

رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:25 AM [ 2 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص








اعلنت اكاديمية نوبل السويدية انه تم اليوم الخميس منح الكاتب التركي اورهان باموك جائزة نوبل للاداب للعام 2006 وقيمتها عشرة ملايين كرونة سويدية (1.36 مليون دولار). وفي اعلانها، قالت الاكاديمية السويدية عن الروائي التركي "في بحثه عن روح مدينته الحزينة اكتشف (باموك) رموزا جديدة لتصادم وتضافر الحضارات." .. وأورهان باموك يعتبر واحدا من كبار روائيي اللغة التركية، وما جعل رواياته يكون لها بريق أكثر من أصالتها، هو مواقف الكاتب الإنسانية خصوصا من إبادة الأرمن. فلم يتوان عن إعلان اعتذاره ومدافعا عن مطاليب الأرمن في أن تعتذر تركيا على جريمتها العرقية أثناء انهيار الإمبراطورية العثمانية إذ صرح في احدى المجلات قائلا: "قتل مليون أرميني و30 ألف كردي على هذه الأرض، ولا يتجاسر أحد غيري للحديث عن الأمر...". وتمت ملاحقته قضائيا امام القضاء التركي بسبب "الاهانة الواضحة للامة التركية" وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن ما بين ستة اشهر وثلاث سنوات. وتعرض لتهديدات بالقتل كما صدر امر في احد اقاليم غرب تركيا باحراق كتبه. الا ان هذا الامر لم ينفذ بضغوط من الحكومة التركية الحريصة على عدم تشويه صورتها امام العالم قبل بدء مفاوضاتها للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. وتم التخلي عن الملاحقات القضائية بحق باموك في نهاية المطاف في مطلع العام 2006.
وقال باموك الذي يعتبر نفسه كاتبا يتطرق الى المواضيع السياسية "انني ادعم ترشيح تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي (...) لكن لا يمكنني القول لخصوم تركيا <ليس من شأنكم ما اذا كانوا يحاكمونني ام لا>. وفجأة اجد نفسي عالقا في الوسط، انه عبء".
وباموك طويل القامة وعصبي ويتكلم بسرعة وبقوة... وذات مرة سالته مجلة "باريس ريفيو" عن رأيه في اجراء مقابلات، فأجاب: "أشعر احيانا بنرفزة... لأني أعطي أجوبة غبية على أسئلة تافهة. وقد حدث لي هذا في التركية والانجليزية معا. أتكلم التركية على نحو رديء واتلفظ بعبارات غبية. وقد هوجمت في تركيا بسبب مقابلاتي اكثر مما بسبب كتبي. السجاليون وكتاب الأعمدة الصحافية، عندنا، لايقرؤون روايات"..
وباموك علاوة على أنه اول كاتب في العالم الاسلامي الذي دان علنا الفتوى التي صدرت عام 1989 بحق الكاتب سلمان رشدي كما ساند زميله التركي ياسر كمال حين استدعي للمثول امام القضاء عام 1995. فهو كذلك اول كاتب تركي يفوز بجائزة نوبل. وهكذا اصبح في آن اكبر مفخرة أدبية لتركيا ومصدر احراج لها.

ولد باموك في 7 حزيران/يونيو 1952 لدى عائلة ميسورة تتكلم اللغة الفرنسية في اسطنبول. واوقف الكاتب دراسته في الهندسة المعمارية حين كان في الثالثة والعشرين من العمر لكي ينصرف الى الادب. وسبق أن نال عدة جوائز ادبية في الخارج بينها جائزة السلام لدور النشر الالمانية في تشرين الاول/اكتوبر 2005 . وبعد سبعة اعوام نشر اول رواية له "جودت بك وابناؤه". وروايته السادسة "اسمي احمر" فتحت امامه ابواب الشهرة عالميا. وهو مطلق ويقيم في اسطنبول وله ابنة. وبعد سبعة اعوام نشر اول رواية له "جودت بك وابناؤه". وتصاعدت حدة الانتقادات ضده بعد رفضه في العام 1998 قبول لقب "فنان دولة" بعدما اصبح انذاك الكاتب الاول في تركيا مع تسجيله مبيعات قياسية. كلود كاستيران:

اكاديمية نوبل تواصل سياسة الانفتاح على العالم

وروايته السادسة "اسمي احمر" فتحت امامه ابواب الشهرة عالميا. وتتحدث الرواية عن المواجهة بين الشرق والغرب في ظل الامبراطورية العثمانية في نهاية القربن السادس عشر. و"الكتاب الاسود" هي الرواية الاكثر رواجا له في تركيا ويصف فيها رجلا يبحث بلا هوادة عن امرأة طوال اسبوع في اسطنبول المكسوة بالثلج والوحول. اما روايته "ثلج" (2002) فتتطرق الى هوية المجتمع التركي وطبيعة التعصب الديني. واصدر اورهان مؤلفات اخرى مثل "منزل الصمت" (1983) و"القصر الابيض" (1985) و"الحياة الجديدة" (1994) و"اسطنبول" (2003).

مرشحو نوبل كل عام

ولعلم القراء أن كل عام يتواجد عدد من المرشحين لنيل جائزة نوبل، بل هناك حتى ما بات يسمى بالمرشحين الدائمين كالكاتب السوري أدونيس والسويدي توماس ترانسترومر. وكان من بين المرشحين لهذا العام الكاتب الداعية البولوني ريزارد كوبوسنسكي. أما من الولايات المتحدة الأمريكية فقد رشح توماس بينجون وفيليب روث. ومع تحديد الأكاديمية لموعد منح جائزة الأدب أعلنت أيضاً إنضمام الكاتب السويدي ييسبر سفينبرو وكريستينا لوغن كأعضاء في لجنة التحكيم ليحلا محل أوستن زيوستراند ولارس غيلنستن اللذين توفيا في هذا العام.
وذكرت أنباء قريبة من الأكاديمية بأن الكاتبة كيرستين آكمان والاختصاصي في الثقافة كنوت آنلوند أوقفا تماماً تعاملهم مع الأكاديمية بسبب التعارضات العميقة في المواقف استمرت سنوات عديدة، ولكنهما لا يزالان يحتفضان بموقعيهما في لجنة التحكيم وبصوتيهما أيضاً.
ويندو من خلال الأسماء المرشحة لنيل الجائزة، ما عدا التركي اورخان باموك الذي فاز بها، بأن أوربا وأمريكا تحضيان في هذا العام بخصوصية دون غيرها من القارات. ويتبادر إلى الذهن تساؤل مشروع : أين هو موقع الأدب العربي الذي لم يحض إلاً مرة واحدة بالجائزة عبر نجيب محفوظ، ويبدو بأنه الأديب العربي الوحيد الذي امتلك توازناً ناضجاً في أعماله الروائية،وعكس بها بانوراما سوسيولوجية لحياة مجتمع مديني في تحولاته الإجتماعية والأخلاقية. ومع أن ترجمات أعمال محفوظ إلى اللغات الأخرى لم تكن في الغالب نصية بل اعتمدت عموماً الى التحرير والصياغة إلاً أنها مثلت مرحلة هامة لتأسيس أدب كلاسيكي عربي. أما في تقييم الأدب العربي من منظور عالمي فما زال هذا الأدب لا يمثل الحد الأدنى من شروط الإبداع سواء في الرواية او في الشعر.

في ما يلي اسماء الفائزين في السنوات الـ15 الماضية بجائزة نوبل للاداب

- 2006: اورهان باموك (تركيا)
- 2005: هارولد بينتر (بريطانيا)
- 2004: الفريدي يلينيك (النمسا)
- 2003: جون ماكسويل كوتزي (جنوب افريقيا)
- 2002: ايمري كرتيس (المجر)
- 2001: في.اس. نايبول (بريطانيا)
- 2000: غاو كسينجيان (فرنسا)
- 1999: غونتر غراس (المانيا)
- 1998: جوزيه ساراماغو (البرتغال)
- 1997: داريو فو (ايطاليا)
- 1996: فيسلافا جيمبورسكا (بولندا)
- 1995: شيموس هيني (ايرلندا)
- 1994: كينزابورو اوي (اليابان)
- 1993: توني موريسون (الولايات المتحدة)
- 1992: ديريك والكوت (سانتا لوتشيا).


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:27 AM [ 3 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص








أورهان باموق كاتب مثير للجدل

يُعتبر الكاتب التركي (أورهان باموق) من أكثر الكتّاب إثارة للجدل. فقد حظي بشهرة عالمية واسعة جداً وهو في الأربعين من عمره، وتُرجمت رواياته إلى لغات العالم الأكثر انتشاراً، وسجل لقب "الكاتب صاحب الكتب الأكثر مبيعاً" وكان قد حصل على هذا اللقب إثر صدور روايته "الحياة الجديدة" قبل أن يرحل الكاتب التركي الساخر عزيز نسين الذي كان يحتل المرتبة الأولى عند صدور كتاب جديد له. ولا يمر يوم تقريباً إلا ويذكر فيه اسم أورهان باموق، وكمثال على حجم ما كُتب عنه فقد أجريتُ بحثاً عن المواد الذي ذكر فيها اسمه بالتركية فقط على الأنترنت فأعطاني 83 صفحة عناوين في كل صفحة 10 عناوين، وفي كل عنوان صفحتين على الأقل أو دراسات وحوارات تصل إلى عشرات الصفحات، وورد اسمه إحدى عشر ألف وستمائة مرة، وهذه الأرقام تُبين صعوبة الإحاطة بما كُتب عن هذا الكاتب كله وهو في الحادية والخمسين من عمره.‏

*من هو أورهان باموق:‏

لم يبق جانب يتعلق بهذا الكاتب إلا وبحث، وهنالك باحثون كثيرون غاصوا في جذور أورهان باموق العائلية وفي نسبي أبيه وأمه وهذا بسبب طرح إشارات استفهام كثيرة عن أسباب شهرته العالمية المبكرة. وكأي مشهور لا بد أن يحاول البعض إلقاء الظلال على هذه الشهرة. فهناك من ادعى بأنه يهودي من سالونيك، ومن ادعى أنه ماسوني وأن منظمات من هذا النوع هي التي وقفت وراء شهرته العالمية الواسعة، حتى إن الكاتب (جمال كلينجو) طرح هذا الادعاء، والكاتب (يالتشن كوتشرك) أيضاً أورد هذا الادعاء في كتاب له.‏

ليس في جذور عائلة باموك من طرفي الأب والأم أي جذر يعود لسالونيك. حتى إن جد أبيه ثابت بيك كان مفتي مدينة (غوردس) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتنتمي أمه إلى أسرة هاجرت من القوقاز ضمن موجة الهجرة إلى مدينة "غوردس" ما بين عامي 1850-1860، فهو بحسب قوله: "شركسي مترّك" وحول الادعاء بأنه يهودي يقول: "لم أقرأ حول هذا... الناس ينقلون لي هذه الادعاءات. وأجد أن هذا معيباً. أنا لستُ يهودياً، أنا لست سالونيكياً، ولو كنت كذلك لأفصحت عنه... والله أنا لست يهودياً..".‏

لعل إفصاحه عن إلحاده لعب دوراً مساعداً في توجيه هذه التهم إليه. إذ صرح لجريدة La Vanguardia الإسبانية في لقاء معه إثر صدور روايته "الحياة الجديدة" بالإسبانية: "أنا مُلحد من أسرة ملحدة" ولكن هذا التصريح أثار حفيظة أمه حين نُشر في جريدة "حريت" التركية، وردت في الجريدة نفسها قائلة: "ليتكلم ابني باسمه، وأنا أتكلم باسمي. نحن لسنا ملحدين. كرهت ابني حين قرأت الخبر... إن أسرتنا تقوم بواجباتها الإسلامية كلها." ونقلت استغراب الأقرباء والمعارف من ذلك التصريح.‏

ولد أورهان باموق في حي (نيشان طاش) في اسطنبول عام 1952 لأسرة ميسورة. ويُعتبر الحي الذي ولد فيه أحد أحياء اسطنبول الراقية. بدأ الدراسة الابتدائية في مدرسة يمتلك أبوه نصفها، وتركها بعد أن صفى أبوه حصته منها لينتقل إلى أنقرة فترة، ليعود إلى اسطنبول ويتابع دراسته المتوسطة في "روبرت كوليج" ثم دخل الجامعة التقنية في اسطنبول لدراسة الهندسة تيمناً بأبيه وجده المهندسين. ولكنه ترك الجامعة قبل نهاية السنة الثالثة "من أجل أن يكتب الروايات" كما يقول. ولكي يحصل على تأجيل الخدمة العسكرية سجل في كلية الصحافة في جامعة اسطنبول، وتخرج منها. وللحصول على تأجيل آخر سجل في الماجستير، وتابع حتى حصل على الدكتوراه. وفي هذه الأثناء استفاد من قرار اللجنة العسكرية إبان انقلاب 12 أيلول 1980، وخدم في الجيش عام 1982 "خدمة قصيرة" إذ بموجب هذا القرار يمكن لمن يستحق الخدمة كضابط، ويتخلى عن رتبته أن يخدم خدمة قصيرة مدتها أربعة أشهر.‏

حين ترك دراسة الهندسة المعمارية ليتفرغ لكتابة الرواية لم يكن قد طبع أية رواية، ولم يكن قد أنهى كتابة أي رواية، ولم يفكر قبل هذا التاريخ بكتابة رواية. وكان تفكيره كله منصباً على الرسم، وسعى طوال حياته التي سبقت هذا القرار لأن يكون رساماً.‏

على الرغم أنه حصل على جائزة "أورهان كمال" للرواية عن روايته الأولى "الظل والنور" والتي غير عنوانها فيما بعد إلى "جودت بيك وأولاده" عام 1979 والتي أمضى أربع سنوات في كتابتها لم يستطع طباعتها إلا بعد ثلاث سنوات عام 1982. ويقول إنه عاش في تلك الفترة أكبر أزمة في حياته إلى حد أنه فكر جدياً بأن ينشر في المجلات الأدبية إعلاناً يقول فيه: "رواية حائزة على جائزة معروضة للبيع".‏

*باموق والعلاقات الأسرية المفككة:‏

عاش الروائي باموق انطوائياً. وهو يعترف بأنه خجول. انعزل عن زملاء المدرسة البورجوازيين. واعترف بأنه يجد صعوبة بإقامة علاقة مع فتاة. واعترف ذات مرة قائلاً: "بدأت الكتابة لأتمكن من إقامة علاقات مع الفتيات." ولكنه على الرغم من هذا وجد (آيلين) التي استطاع أن يقيم علاقة معها، وقال عنها: "إنها الوحيدة التي وقفت إلى جانبي حين بدأت الكتابة." وتزوجها فيما بعد، وأنجب منها طفلة اسمها (رؤيا). ولم يستمر زواجه هذا، وهو الآن يعيش منفصلاً عن زوجته، ويقول إنهما في حكم المطلقين.‏

أبوه وأمه أيضاً منفصلان. وتزوج أبوه بعد انفصاله، وأنجب فتاة تدعى "حميرة" وهي من مواليد عام 1980. وعاش أورهان مع أمه لأن اخاه شوكت كان في الولايات المتحدة في تلك الفترة. وعلى الرغم من عيشه مع أمه إلا أنه على خصومة معها. واعترف بهذا في لقاء أجرته معه (نورية أقمان) لجريدة (زمان) قائلاً بأنه سخر من والدته وشقيقه بشكل خفيف في روايته "اسمي أحمر" انتقاماً منهما. وقد أسمى بطلة الرواية شكورة وهو اسم أمه، ولها في الرواية أيضاً ولدان الأكبر شوكت والأصغر أورهان.‏

وعن الفترة التي عاشها مع أمه يقول باموق: "في تلك الفترة لم تتفهمني أمي. كانت تقول لي: إنك تكتب رواية. ضع في عقلك بأن الرواية لن توصلك إلى نتيجة، ولأقول لك هذا بالتركية الفصيحة!.. كانت تخرب معنوياتي، وتؤمن بأنني أعبث، ولكن هذا غير مهم. كان والدي في تلك الفترة أكثر تسامحاً.."‏

ولكن الكاتب يعترف بأن هذه الضغوطات والعلاقات السيئة دفعته أكثر للكتابة، ولعبت دوراً مهماً في نجاحه الأدبي.‏

وعن علاقته بأخيه شوكت يقول: "بيننا توتر. وهو على حق بتذمره من حديثي عن هذا التوتر. ولكنني كاتب، وأكتب. وأقول له مبتسماً: سأستمر بالكتابة عن هذا الأمر. وبالطبع لا أريد أن أبدو متخاصماً معه لأن هذا غير صحيح. نحن صديقان." ويرجع أورهان (توتره) من شقيقه إلى بنية المجتمع التركي، فيقول عن هذا الأمر: "في المجتمعات الأبوية كمجتمعنا يضع الولد الذكر الأول القواعد كلها، ويقترح القوانين، ولا يبقى شيء للثاني... يبقى له اللعب والتخيل."‏

وعن خلافات أبيه مع أمه يتحدث قائلاً: "الترعرع في أسرة متخاصمة ترك فيّ أثراً. ولكن يمكن أن تكون نسبة 70-80% من العائلات التركية على هذا النحو. حين يتشاجر أبي وأمي يأخذانني إلى أسرة راضو، ويأخذان أخي إلى مكان آخر."‏

*العلاقة بين رواياته وحياته:‏

وضع باموق شيئاً من شخصيته في رواياته، وهذا ما يفعله أكثر الكتّاب. وعند باموق تنوع هذا الاستخدام، من استخدام الاسم بشكل مباشر أحياناً كما فعل في رواية "اسمي أحمر". فكان هنالك تطابق بين الأسرة التي عاش فيها وأسرة الرواية من خلال الأسماء "شكورة- الأم، شوكت- الأخ الأكبر، أورهان- الأخ الأصغر" وقال بأن أورهان الطفل في الرواية يشبه أورهان باموق الطفل في الواقع، إضافة إلى أنه قال: "يشبهني كل من (قرة) و(القاتل) في الرواية نفسها. كما استخدم اسمه واسم زوجته واسم ابنته وشخصيته الروائية في رواية ثلج. وقد علق على هذا الأمر قائلاً: "أبدو في رواية ثلج بشكل ضبابي باسم أورهان، ولكن الذي يُشبهني في الرواية هو (كا). وقال إنه استخدم كثيراً من التفاصيل التي عاشها في مدينة (قارص) في الرواية. وأن جغرافية الأحداث الروائية تتطابق تقريباً مع جغرافية الواقع.‏

وحول علاقته بشخصياته الروائية يقول باموق: "(رفيق) في رواية (جودت بيك وأولاده) هي الأقرب إلي. ولدى (عمر) في الرواية نفسها شيء مني أيضاً. لا توجد شخصية قريبة مني في رواية (البيت الصامت). البطلان في رواية القلعة البيضاء يشبهاني كثيراً، ولكن من بعيد. البطل في رواية (الحياة الجديدة) يشبهني قليلاً، لعل (غالب) في رواية (الكتاب الأسود) أقرب شخصياتي جميعها مني، وبنيت علاقة (غالب) وزوجته (رؤيا) في الرواية على علاقتي مع زوجتي."‏

يمنح باموق المكان في حياته أيضاً أهمية كبيرة في عمله الروائي. فهو اسطنبولي، لذلك أعطى اسطنبول مكانة كبيرة في رواياته (عدا رواية ثلج التي تجري أحداثها في مدينة قارص). في روايتي (القلعة البيضاء) و(اسمي أحمر) غاص في اسطنبول المتخيلة في أواخر القرن السادس عشر، والقرن السابع عشر. وفي روايته (الكتاب الأسود) كان الحي الذي نشأ فيه (نيشان طاش) أحد أبطال الرواية.‏

لم يذهب اهتمامه بفن الرسم، واشتغاله عليه حتى بلغ الثانية والعشرين من عمره سدى، وقد استفاد من هذا الجانب في روايته (اسمي أحمر) فكتب عن الرسامين في القرن السادس عشر، وفن المنمنمات، وبطل الرواية (قرة) كان يتعلم فن الرسم (كان يسمى نقشاً في ذلك الوقت) وترك هذا الأمر ليعمل وسيطاً في ترويج المنمنمات بين النقاشين والباشوات، ومن هنا جاء التشابه بين شخصيته الحقيقية، وشخصية (قرة) الروائية.‏

*إشكالية موضوعه الروائي:‏

يعتبر موضوع العلاقة بين الشرق والغرب بحد ذاته من أكثر الموضوعات إشكالية. ومن الطبيعي أن يشد هذا الموضوع اهتمام مختلف الأوساط، ويضع من يتناول هذا الموضوع في مركز الهدف، وخاصة في تركيا حيث تشكل هذه العلاقة حداً فاصلاً بين قطاعين يقسم إليهما ذلك المجتمع.‏

تناول باموق هذا الموضوع في رواياته (القلعة البيضاء) و(الحياة الجديدة) و(اسمي أحمر) بشكل واضح ورئيسي، وتراجع هذا الموضوع إلى مستوى ثانوي في رواياته الأخرى. وعلى الرغم من تكرار المحور الرئيس للرواية فإن الكاتب استطاع أن يقدم كل رواية من رواياته بقالب جديد، ولغة مختلفة، وبناء مبتكر. وهذا ما يعترف به خصومه ومنتقدوه، بقدر ما يبرزه أنصاره ومحبوه.‏

في رواية (القلعة البيضاء) يعود إلى القرن السابع عشر، ويتناول شخصية "الأستاذ" التركي و"عبده" الإيطالي الأسير، ليبني تكاملاً بين الشخصيتين الشرقية والغربية. تجري أحداث الرواية في القرن السابع عشر، ومنذ ذلك الوقت بدأ شعور الشرقي بأن الغربي متفوق عليه، وشعور الغربي بسحر الشرق. يعرض الكاتب نظرتين كل منهما قاصرة وأحادية للآخر. لتندمج الشخصيتان في النهاية وتضيع إحداهما في الأخرى، وتختلطان بحيث لم يعد بالإمكان تمييز إحداهما عن الأخرى.‏

في رواية (اسمي أحمر) يعود مرة أخرى إلى التاريخ، وإلى بضعة أيام من أواخر القرن السادس عشر. ويتناول هذه المرة الصراع (أو العلاقة) بين الشرق والغرب في منعطف تاريخي هام على صعيد الفن التشكيلي. وهي لحظة تألق فن عصر النهضة في الغرب، وبدء زحفه نحو الشرق، وفقدان فن المنمنمات الشرقي تألقه. أو بمعنى آخر سقوط المراكز الفنية الشرقية في اسطنبول وبغداد وتبريز وهراة، وانتعاش مركز الفن وعاصمته الجديدة فينيسيا، ومحاولة الفنانين الشرقيين (النقاشين) تقليد الغرب. ويتخذ باموق موقفاً حاداً من قضية التقليد، ويعتبر أن المقلد لا يمكنه أن يصل إلى مستوى الأصل، ولا يضيف لفنه شيئاً بهذا التقليد. وهذا لا يعني أنه ضد الحداثة، فهو معها، ولكنه معها كحياة، ولا يمكن فصل الحداثة عن حياة الحادثة.. لأن المقلد كالغراب الذي قلد مشية الطاووس، لم يتحول إلى طاووس، ولم يعد يستطيع أن يعود غراباً.‏

وحول هذه الرؤية للفن تحدث باموق إلى إذاعة (CBC) الكندية قائلاً: "دُفِعت الثقافة العثمانية إلى الخلف، وأُيّدت القيم الغربية الليبرالية الإنسانية مكانها. ولكن لم يتحقق النجاح في هذا الأمر.."‏

ويصف علاقته بالعثمانية الإسلامية قائلاً: "إنها علاقة ثقافية. وعبرت عنها بالشكل الأفضل في رواية (اسمي أحمر)."‏

في رواية (الحياة الجديدة) صور باموق رحلتين قام بهما إلى الأناضول. تفصل بين الرحلة والأخرى مدة عشر سنوات. في الرحلة الأولى رصد الذين يعملون للمحافظة على الهوية القومية من خلال المحافظة على الأشياء التركية الأصيلة، والأشياء التي دخلت إلى هذه الثقافة، وغدت جزءاً لا يتجزأ منها. ويمكن تسمية هذا الفعل "محافظة مادية". في الرحلة الثانية وجد أن تلك الأشياء قد اندثرت، وفُقد أصحابها، وحل محلها شكلانية مختلفة ولوحات الكولا وهي رمز عصر الاستهلاك الغربي، وفي هذا يصور "التغريب المادي" منتقداً الحالتين. وفي حوار معه يؤكد باموق على الضياع ما بين حالتين قائلاً: "تركيا الواقعة بين الشرق والغرب تنتمي إلى أوربا جغرافياً، ولكن انتماءها سياسياً ما زال إشارة استفهام."‏

في روايته (ثلج) غاص في الإشكالية المحرقة في تركيا، ودخل الموضوع الأخطر وهو "الإسلام السياسي" وهذا الموضوع يشغل حالياً الرأي العام التركي كله والسلطات كلها وهو أكثر القضايا سخونة في تركيا. وتحت عنوان رواية "ثلج استفزازية" كتبت الناقدة التركية (نجمية ألباي): "رواية أورهان باموق ثلج- التي غدت الموضوع الأكثر نقاشاً في الأيام الأخيرة- جريئة إلى حد الاستفزاز. في الرواية أحداث، وقوالب فكرية، وعبارات اتهامية كثيرة تثير ردود فعل سلبية لدى غالبية قرائها.."‏

وغالبية القراء هؤلاء يتوزعون على مختلف الاتجاهات الفكرية بين دعاة العلمانية التركية والإسلاميين. وهي رواية مخيفة، واعترف باموق بخوفه حين كتب هذه الرواية قائلاً: "كتبتها وأنا خائف، يمكن أن يغضبوا مني.." وقد غضب منه الجميع فعلاً..‏

*أورهان باموق والسياسة:‏

يقول أورهان باموق بأن أسرته تميل إلى "الاشتراكية الديمقراطية" ولكنه يعتبر أن هذا الميل ليس عقائدياً، ويربطه بكسب جده المهندس أموالاً طائلة في مشروع السكك الحديدية الذي عمل فيه في عهد رئاسة (عصمت إينونو) للحكومة وقربه من حزب الشعب الجمهوري الحاكم في ذلك الوقت. ويبدو أنه ليس من المصادفة أن يتزوج والده من السيدة (فاطمة فيظا) التي شغلت بين عامي 1989-1993 منصب عضوة لجنة الانضباط المركزية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي تأسس على أنقاض حزب الشعب الجمهوري في مطلع الثمانينيات.‏

لا يخفي أورهان باموق يساريته، ولكنه لم يعمل مع أي حزب بشكل منظم، وهو ديمقراطي ليبرالي أعلن احترامه لفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وأسفه لعدم تمكن زعيم هذا الحزب من تشكيل الحكومة بعد فوز حزبه. ولكنه لا يؤيد هذا الحزب، وأعلن هذا صراحة.‏

يبدي باموق آراءه السياسية في كل مناسبة، وحول أقوال العلمانيين المتشددين بأن (رجب طيب إرضوغان) يخفي توجهه الإسلامي، ويدعي أنه تغير تناول باموق الأمر من زاوية مختلفة جداً، فقال في مقالة نشرها في جريدة (الغارديان) عن (رجب طيب أرضوغان): "إذا كان يتستر على شيء ما فهو ليس الأصولية الإسلامية، وليست حرية انتقال الفكر والبضائع، بل يتستر على كونه مرتبطاً بالمصلحية الأميركية."‏

يكتب باموق في مختلف الصحف العالمية مقالات سياسية، ويقدم تحليلات للوضع السياسي التركي. وفي مقالة له كتب بأنه على العالم أجمع أن يعرف الضرر الذي أحدثه نظام بوش بالديمقراطية التركية، وأضاف: "اعتدنا عبر سنوات طويلة أن نسمع انتقاداً صحيحاً من الولايات المتحدة الأمريكية هو: "لا توجد في تركيا ديمقراطية كافية" وبفضل إدارة بوش تحولت هذه العبارة إلى شكاية من أنه "في تركيا ديمقراطية زائدة عن الحد" وبهذا يشير باموق إلى انتقادات رموز إدارة بوش للجيش التركي لعدم تدخله في الوقت المناسب لفرض رأي داعم للولايات المتحدة على البرلمان، ويسمي باموق الديمقراطية الأمريكية بأنها "حرية حصول الجيش الأمريكي على ما يريد، وعلى الحق بضرب المكان الذي يريد أو قصفه."‏

*الكاتب الأكثر مبيعاً:‏

كثيراً ما توجه تهمة "الكاتب الأكثر مبيعاً والأقل قراءة" للكاتب. فأرقام مبيعاته في تركيا تخطت الأرقام القياسية كلها، فهو يبيع أي طبعة من كتبه حوالي 200 ألف نسخة خلال فترة زمنية قياسية لا تتجاوز الأشهر الثلاثة. وهذه الحقيقة لا يمكن نكرانها، خاصة وأن كتبه تزور وتباع على البسطات وهذه لا تدخل في الإحصاءات المذكورة.‏

سئل عن رأيه في مقولة: "الأكثر مبيعاً والأقل قراءة" فقال باموق: "لا أعتقد أنه يوجد في تركيا 200 ألف قارئ يمكنهم فهم رواية الحياة الجديدة، ولكنني أؤمن أن في تركيا حوالي 180 ألف قارئ يمكنهم فهم راوية اسمي أحمر"‏

وحين أدلى بهذا التصريح كان قد وصل رقم مبيعات رواية اسمي أحمر إلى 180 ألف نسخة .‏

*منتقدوه معجبون به:‏

ثمة عدد كبير من النقاد الأتراك ينتقدون باموق بحدة، ويكيلون له مختلف التهم. فأحياناً يقولون عنه: "إنه يستهين بنا" و"يستخف بعقولنا..".. وهنالك من يربط شهرته العالمية بقوى خفية. أقدم على تصرفات كانت سبقاً في ميدان الثقافة التركية، فقد نظمت حملة دعائية متكاملة لروايته "ثلج" وهذا ما لم يحدث مع غيره من قبل، وأثار غضب الكثيرين معتبرين أن هذا الأمر يخالف القواعد المعمول بها في الحياة الثقافية. ولكن الملاحظ أن منتقديه هؤلاء معجبون به. كيف؟ كثيراً ما نقرأ مقالة نقدية يوجه فيها كلام من "تحت الحلة" لباموق ورواياته، ولكنا لناقد يستثني واحدة من تلك الروايات قائلاً: "إنها غير عادية، وهامة، وهي الرواية الوحيدة التي تستحق المديح." وحين نتناول عشرات المقالات من هذا النوع نجد أن كل ناقد يستثني رواية غير التي استثناها الآخر، وهكذا نجد رواياته كلها قد أعجب بها منتقدوه.‏

*انشغل به الجميع حتى المنجمين:‏

استخرج خبير الأبراج (هاقان قرق أوغلو) خريطة برجه. ونتيجة قراءة برج باموق توصل إلى أن باموق قد "خلق للكتابة، والاعتزال خلف الأبواب" وحول احتمالات نوبل يقول المنجم: "أمام جائزة نوبل خياران هما: بشار كمال، وأورهان باموق".‏

طبعاً إن هذا الكلام لا يتطلب منجماً لقوله. باموق من أقوى المرشحين لجائزة نوبل، ولكن لا ندري إن كان انتقاده الشديد للرئيس الأمريكي جورج بوش قد أبعده عن هذه الجائزة..‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:28 AM [ 4 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص







" أخاف اليوم الذي سيتحالف فيه أبطالي وقرّائي ضدّي "


"الطريقة الوحيدة ليكون المرء نفسه هي أن يصبح شخصاً آخر أو أن يضيّع دربه في قصص الآخرين. هكذا تذكّرني الحكاية التي أعمل على كتابتها بحكاية ثانية او ثالثة او رابعة، تماماً مثلما تـنفتح قصص حبّنا وحدائق ذاكرتـنا إحداها على الأخرى... ففي آخر المطاف، لا شيء يمكن ان يكون صاعقاً بقدر الحياة نفسها. ما عدا الكتابة. ما عدا الكتابة. أجل طبعا، ما عدا الكتابة، عزاءنا الأوحد".


اورهان باموق

اورهان باموق روائي "خطير". بعضهم يصف كتابته بالفلسفية، آخرون بالتاريخية، وثمة من يربطها بالفانتازيا البورغيسية الحديثة. لكنها في الواقع خليط من كل هذا، وأكثر. وخطورته تكمن أولاً في لغته الهذيانية، الضبابية عمدا، المهجّـنة بين حدّي العقلانية والهلوسة. لغةٌ هي سلسلة من المتاهات والتعرّجات والدورات والمنعطفات والمنحدرات التي لا تؤدي الى مكان، أو التي تؤدي بالأحرى الى اللامكان، الى حد اننا نتساءل: هل ثمة غاية سيدركها الكاتب بعد كل هذا الترحال، وما تراها تكون؟ وباموق خطير ايضا لأنه يدفعنا نحن القرّاء الى الحافة. يعكس المعادلة فيمتحن إبداعيتـنا بدلا من أن يكون هو الممتَحَن. يدفعنا الى التكهّن والإبتكار. "يورّطنا" في صناعة القصّة، فنشعر أحياناً كما لو أنّ روايته تبحث عن معانيها بمعزل عنه، كما لو أنها تـنكتب للتوّ امام أعيننا. وبنا. وهو خطير خصوصا في ذلك الاسلوب المغنطيسي المربك المتحدّي الذي يحثّ به الإنسان على النظر إلى داخله، على البحث عن هويته وحقيقته، وعلى طرح "الأسئلة الكبرى" حول ثنائيات الشرق والغرب، التشابه والإختلاف، الجماعة والفرد، الواقع والخيال، المعنى والعبث، اليقين والإلتباس، وغيرها من التناقضات والتشابكات التي تصوغ الكيان والشخصية والخصوصية. لهذه الأسباب وغيرها، من غير المبالغ القول إن اورهان باموق، المولود في اسطنبول عام 1952، هو من أبرز محدثي الرواية التركية وأشدّهم جرأة وأكثرهم انتشاراً واستحقاقاً لانتشاره، اذ ترجمت أعماله (*) الى ما يزيد على عشرين لغة حتى الآن. وقد أعلنت بلدية مدينة دبلن هذا الأسبوع منحه جائزة Impac الأدبية الدولية لسنة 2003 على روايته الأخيرة "أحمر هو إسمي".



نـشأ باموق في مدينة اسطنبول في كنف عائلة بورجوازية، وتابع بدايةً دراسات في الهندسة المعمارية قبل أن ينتقل الى الصحافة، ومنها الى الكتابة، وقد حاز جوائز أدبية عديدة في تركيا وخارجها. وتثير كتبه في الواقع ردود فعل متطرفة، من الإدانة القصوى الى التكريس المطلق. ففي حين يتهمه المثقفون الإسلاميون مثلاً باستغلال الموضوعات الدينية والتاريخية، التي غالبا ما تشكّل قماشة رواياته، بإسم الحداثة الغربية، لا ينفك العلمانيون يلومونه على انتـقاده الصريح ايديولوجيا الدولة. وقد رفض الكاتب أخيرا قرار الحكومة التركية تكريمه بمنحه لقب "فنان دولة" الذي يُعتبر اهم لقب ثقافي في البلاد، مستـنكراً انتهاكها بعض حقوق الانسان وسَجنها الكتّاب وتقييدها حرية التعبير. إلا أن تمرّد باموق غير استعراضي عموماً، وصحيح أنّ للسياسة حضوراً مضمراً في قلمه، لكنّ الأدب هو بطله الأكبر.

مما لا شك فيه أنّ للتأثيرات الغربية في الحياة التركية التقليدية و"الهوس" التركي بالوجه الاوروبي وتنازع البلاد بين هويتين وانتماءين، حضوراً بارزاً واساسياً في روايات باموق، وهو يستخدم التناقضات والازدواجيات والتضادات من كل شكل ونوع لخدمة هذا الحضور. لكنّه اذ يرفض نزعة الثـقافة التركية الى "تغريب" نفسها بتجاهلها التـقاليد والجذور، إنما يفعل ذلك ليؤكد انّ "مفهومي الشرق والغرب غير موجودين حقاً، بل هما وجهان للحضارة نفسها". أما الهوية فهي الذاكرة في رأيه، أو الماضي الذي يريد ان ينتصر على النسيان وأن يبني المستقبل، فيقول في هذا الصدد: "إذا حاولتم قمع الذاكرة، لا مفرّ من أن يعود شيء منها الى السطح. أنا هو ما يعود". بذلك يتضح لنا أن باموق يريد في الدرجة الأولى، من خلال مزجه هذا بين الذاكرة والمستقبل، بين الأسرار الصوفية والحكايات الاسلامية التقليدية والأدب الشعبي، واللغة التجريبية الما بعد حداثوية، لا أن يروي قصّة الصدام بين الشرق والغرب، بل أن يصوّر على الأرجح علاقة الشغف التي تربطهما، وهو شغفٌ ملتهبٌ الى حد يدفعنا الى التساؤل عما اذا كان يمكن الثقافات، على غرار الأفراد، أن تغرم إحداها بالأخرى.

كانت بدايات اورهان باموق في الواقعية الكلاسيكية، لكن تجربته الروائية تطورت بإيقاع سريع ومكثف منذ كتابه الثاني "البيت الصامت" الصادر عام 1983، لتدخل في لعبة الترميز والمرايا، وهي لعبة مألوفة لدى كتّاب الفانتازيا الكبار من امثال ايتالو كالفينو وويليام غاس وخورخي لويس بورغيس، فضلا عن الحضور الواضح لتأثيرات فوكنر في كتابته. هكذا نشهد في جمله طبقات متراصة ومتشابكة من المعاني والأسرار، كما لو ان تحت كل حقيقة تكمن حقيقة أخرى على نحو متراكب يذكّر بالدمى الروسية. كتابة صعبة، مجازية، معقّدة، "مذنبة" بامتياز في ذهنيتها اذ ليس فيها شيء من العفوية، لا بل يمكن القول إنها جولة مصارعة مع الكلمات، وإن بدت للوهلة الأولى "بسيطة" وتلقائية:

"وتسألون كيف أحببته؟ أحببته كما أحببتُ شبح ذاتي العاجزة البائسة حين تراءت لي في الحلم، أحببته بالخزي نفسه الذي يخنق ذلك الشبح وبسخطه وإثمه وحنينه، بالعار الذي يجتاح الروح عند رؤية حيوان برّي يحتضر متألماً، او بالغيظ الذي توقظه أنانية ولدٍ مدلل. وربما أحببته خصوصا بالاشمئزاز السخيف والسرور السخيف اللذين تثيرهما فيّ معرفتي لذاتي".

إنها لغة تخاطب القارىء وتمنحه كما ذكرنا امتياز "وجهة النظر"، وتحمّله وزر هذا التدخّل على حد سواء. ولطالما ردّد باموق في حواراته أنه يريد اختراع كتابة تعكس نسيج الحياة في مدينة اسطنبول. ويمكن القول إنه نجح في ذلك ببراعة، اذ ان كتابته، على غرار مدينته، تتأرجح في توازن دقيق بين الشكل والفوضى، بين التخطيط وانعدام التـناسق، بين سحر الماضي وغزو الإسمنت، وأيضاً، وخصوصاً، بين وجهيها الشرقي والغربي.

أما على صعيد رواية "أحمر هو اسمي" الفائزة بجائزة Impac ، فهي جدارية تاريخية–فلسفية-فنية-دينية–بوليسية تتضافر فيها قصص الاغتيالات والمؤامرات والدسائس بين رسّامي المنمنمات الإسلامية في البلاط العثماني في القرن السادس عشر، مع قصص الغيرة والحنين والأحقاد والحب الممنوع. إنها حكاية فنّان تركي قُـتِل لأنه كان يرسم لوحة بأسلوب غربي، ولذلك فإن اللون الاحمر فيها هو لون الدم والجريمة بقدر ما هو لون الجنة التي تـنتظر روح الفنان بعد الموت، إنه الأحمر المتوهّج "على اجنحة الملائكة وعلى شفاه النساء"، بقدر ما هو ذلك النازف "من جروح القتلى والرؤوس المقطوعة". ولكن يمكن القول إنها في شكل رئيسي رواية حول الفن ودوره في المجتمع والأخلاق والدين، اذ تتضمن شبه دراسة عن المنمنمات الإسلامية وتاريخها والتأثيرات الصينية التي جلبها المغول اليها: إنها رواية حافلة بالمناقشات حول الشكل والأسلوب، وبقصصٍ عن كبار رسامي المنمنمات وعن العالم مرئياً من وجهة نظرهم، فضلا عن بعدها الفلسفي على غرار تطرّقها الى معنى العمى من خلال الرسام الذي يدرك العظمة بعدما يفقد بصره لأنّ الصور والالوان محفورة في ذاكرته. وهي تالياً رواية ذات نفس شمولي، بلا زمان ولا مكان، وإن كانت تُـبرز صورة تركيا القديمة الجديدة، الخالدة العابرة. وجدير بالذكر أن بوماق، الذي كان يحلم في صغره بأن يكون رساما، يصف بعض اللوحات بلغة تحاذي الشعر. وتحمل الرواية كذلك بعض تفاصيل طفولته من خلال شخصية اورهان، أي أنها تملك عناصر السيرة الذاتية، كل هذا متشابكاً على غرار الـpuzzle. ويضم الكتاب أيضا خريطة وعرضاً لأبرز الأحداث في تاريخ الفن الاسلامي.

يقول اورهان باموق إن كتابة روايته هذه استغرقته ستة اعوام. وهي رواية، على غرار "اسم الوردة" لامبرتو ايكو، يتداخل فيها الخيال الأدبي والأجواء الأسطورية مع الاستطرادات الفلسفية، فتتحاذى فيها المكائد الدنيئة مع الحساسية الفنية الراقية. وهي مكتوبة من زوايا مختلفة وبأصوات متعددة تـتناوب على عرض القصّة، على غرار صوت الفنان القتيل الذي يخاطبنا من قعر البئر، أو الكلب أو الشجرة أو حتى اللون الأحمر. ومن خلال تعدد الأصوات هذا، يتيح باموق للقارىء أن يتعاطف مع وجهات نظر كل الشخصيات أو ان يفهمها على الأقل، حتى تلك المدانة منها، على غرار وجهة نظر الشيطان مثلاً. وهذا التركيب يخدم حبكة القصة والجدال الثقافي الذي تتضمنه على حد سواء. الا أن بعض النقّاد يلومون بوماق على ايقاعه المغالي في البطء وعلى التفاصيل والأحاجي المتعِبة التي تضيّع القارىء احيانا، وتصيبه بشيء من "الاحباط الفكري". إلا ان الكاتب يتبرأ من هذه التهمة ملقياً تبعيتها على مزاجية شخصياته نفسها، مؤكداً خوفه من اليوم الذي "سيتحالف فيه ابطاله وقرّاؤه ضدّه".

يقول اورهان باموق على لسان إحدى شخصياته في مطلع روايته "حياة جديدة": "في أحد الأيام قرأتُ كتابا، ومذّاك تغيّرت كل حياتي". وهذا الدافع بالذات، او بالأحرى هذه النتيجة هي ما يحثّـنا اليوم على دعوتكم الى قراءته، أو الى إعادة اكتـشافه.

(* ) من اعماله : البيت الصامت (1983) - القصر الأبيض (1985) - الكتاب الأسود (1990) - الحياة الجديدة (1994).


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:30 AM [ 5 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




عبد القادر عبداللي مترجم باموق



ولد في إدلب سنة 1957

عضو جمعية الترجمة.

إجازة في الفنون الجميلة.

ماجستير في الرسوم المتحركة.

يتقن التركية والإنكليزية.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:31 AM [ 6 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص







ستوكهولم، السويد (CNN) -- فاز الروائي التركي أورهان باموك، الذي مثل مؤخرا أمام محكمة تركية بسبب ملاحظات له بشأن مذبحة الأرمن التي جرت قبل نحو قرن، بجائزة نوبل للآداب عن عام 2006.

وتميّز باموك، الذي ترجمت أعماله إلى لغات كثيرة، بكون كتاباته تعكس الطبيعة المعقّدة لبلاده وحضارتها التي يتزاوج فيها الشرق بالغرب فضلا عت التمازج بين الحداثة والأصالة.

وقال الموقع الالكتروني لجائزة نوبل إن باموك "اكتشف رموزا جديدة لصراع الثقافات وامتزاجها."

ولفت باموكح الأنظار العام الماضي عندما صرّح لصحيفة سويسرية إنّ بلاده لا تريد مواجهة حقيقتين هما أنّ 30000 كردي ومليون أرمني قتلوا على أراضيها" وهو ما أدى به إلى المثول أمام القضاء بتهمة "إهانة التركية."

ويأتي اختيار باموك للجائزة وسط جدل سياسي محتدم تطرق إلى تركيا ومذابح الأرمن التي ارتكبت خلال الأيام الأخيرة من عمر الامبراطورية العثمانية.

ويُعتقد أن الأرمن كانوا ضحايا لعمليات الإبادة الجماعية خلال الفترة المذكورة. غير أن تركيا والعديد من المواطنين الأتراك يرفضون بقوة هذا الزعم. وتقول تركيا إن الأرمن والأتراك قُتلوا بسبب الحرب وليس أعمال الإبادة الجماعية.

وباموك روائي شهير تُرجمت أعماله إلى عدة لغات، وواجه مؤخرا تهما بإهانة "التركية" بزعم أنه قال في مقابلة أجريت في فبراير/شباط الماضي إن "30 ألف كردي ومليون أرمني قُتلوا في هذه الأراضي."

يذكر أن باموك يعيش في عزلة شبه تامة ويظهر نادرا جدا على شاشات التليفزيون.

وقد حصل الروائي البالغ من العمر 54 عاما علي جائزة المكتبات الألمانية للسلام عام 2005 ، ومن أشهر روايات باموك المقيم في اسطنبول 'ثلوج' و'اسمي أحمر' و'القلعة البيضاء."


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:35 AM [ 7 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص







أورهان باموك متصدراً المرشحين لنوبل الآداب الجائزة التي تلعنها تركيا


قبل أكثر من شهر اعتبر أولي رين، مسؤول شؤون توسيع الاتحاد الأوروبي، ان محاكمة الروائي التركي المعروف أورهان باموك <<خط أحمر>> بالنسبة للاتحاد، داعيا أنقرة الى تعديل قانون العقوبات وتعزيز الحريات. وأضاف رين الى كلامه القول إن باموك مرشح مرموق لجائزة نوبل للآداب.

حصل ذلك بعد أسابيع من الإعداد لمحاكمة الأديب التركي الشاب (53 عاما)، الذي عرفت رواياته انتشارا واسعا في تركيا والعالم، بتهمة <<تحقير الأمة التركية>> وفقا للمادة 301 من قانون العقوبات، عندما صرّح في شهر شباط الفائت لصحيفة سويسرية بأن تركيا أبادت مليون أرمني عام 1915، وقتلت ثلاثين ألف كردي في المواجهات بين الدولة وحزب العمال الكردستاني.

السبت الماضي، عادت قضية أورهان باموك للظهور بقوة، مع زيارة أولي رين نفسه الى منزل الكاتب في منطقة جيهانغير بإسطنبول المطلة على البوسفور حيث التقاه لمدة ساعة ونصف ثم تعشى وإياه السمك في أحد مطاعم منطقة بشكتاش.

دافع رين عن باموك، <<الذي تروي كتاباته الحيوات الواقعية والسوريالية لتركيا التاريخية والحديثة>>، كما قال، مشددا على ان حرية الفكر هي المبدأ الاساسي لنظام القيم الاوروبي.

قيل إن فتح المحاكمة ضد باموك يهدف الى إحراج تركيا قبل بدء مفاوضات العضوية في الثالث من تشرين الاول الجاري وإرغامها لقبول تنازلات في اكثر من قضية.

أما اليوم فإن باموك يعود بقوة الى الساحة الاعلامية من بابين متداخلين: السياسة والأدب.
أورهان باموك مرشح لنيل جائزة نوبل للآداب. بل قيل إن تصريحه حول الإبادة الأرمنية كان <<جواز سفره>> للدخول الى قلوب اعضاء الأكاديمية السويدية، وأثار ذلك انتقادات حادة له داخل تركيا.

الصحف التركية، أمس الاثنين، أفردت مساحات واسعة، بل ان صحيفة <<حرييت>> خصصت عنوانها الرئيسي، لقضية باموك.

ونقلا عن مصادر غربية، أبرزها صحيفة الأوبزرفر البريطانية، ذكرت الصحافة التركية ان الضغوط السياسية التي تواجهها الاكاديمية السويدية هي التي أجّلت إعلان الفائز بنوبل للآداب من يوم الخميس الماضي الى الخميس المقبل.

المعلومات تنقل ان الاكاديمية انقسمت اولا على نفسها بشأن باموك، إذ رأى بعض اعضائها انه صغير السن على منحه الجائزة، فيما قال آخرون ان الجائزة يجب ان تمنح على مجمل أعمال كاتب ما لا على كتب بعينها في مرحلة من المراحل.

وذكرت صحيفة ميللييت، ان الاكاديمية السويدية منقسمة الرأي بين اعطاء الجائزة لباموك او للشاعر العربي السوري أدونيس، وان اعضاء الأكاديمية الستة عشر سيصوّتون بينهما وسيفوز من يأخذ أعلى الاصوات. وقد يخرج الأديب البولوني ريزارد كابوسينسكي الرابح كحل وسط في خضم الخلافات.

ونقلت صحيفة <<حرييت>> عن صحيفة <<إل غيورنو>> الايطالية ان الحكومة التركية تضغط بقوة لعدم نيل أورهان باموك الجائزة. بل إن أنقرة وسّطت الولايات المتحدة التي ضغطت على الاكاديمية السويدية مما أثار انقسامها بعدما كانت الجائزة ذاهبة حتما الى أورهان باموك. ومنطلق الدولة التركية أن منح الجائزة لكاتب يقول بحدوث الإبادة سيحرج تركيا ويضعف موقفها أثناء مفاوضات العضوية، وإن كان عبد الله غول وزير الخارجية حاول تلطيف الأجواء بالقول ان الدعوى المقامة ضد باموك فارغة وستنتهي ببراءته لأنها تدخل ضمن الحريات الفكرية.

أورهان باموك، عنوان جديد للحكاية القديمة حول تداخل الأدب بالسياسة في جائزة لا تزال تحرم من نِعمها أدونيس والروائي التركي الأبرز في القرن العشرين وحتى اليوم ياشار كمال. فمن سينتصر الخميس: السياسة (باموك) على الأدب، أم الأدب على السياسة؟ (عن السفير).


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:36 AM [ 8 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص







ورهان باموك الذي كسر المحرم حتى إستهدافه


الفتاة التركية الشابة، دُهشت، عندما سألها الصحفي الألماني في الريبورتاج التلفزيوني الخاص بمناسبة مرور 90 عاماً، عن رأيها بالنقاش الدائر الآن عن المجازر التي تعرض لها الأرمن على يد الدولة التركية الحديثة: "عن أي رأي تسألني"، تساءلت الفتاة بمرارة،" إذا كان شخص مثل أورهان باموك لا يملك الحق بإبداء رأيه في هذه القضية!؟". بالفعل، الفتاة على حق، فما تزال تركيا الساعية بالإنضمام للإتحاد الأوروبي، مكاناً خطراً بما يتعلق بحرية الرأي، وخاصة إذا تعلق الأمر بكسر محرم (أو ما يُطلق عليه عندنا "الثوابت الوطنية"!). وهذا ما خبره أكثر الكتّاب الأتراك المعاصرين إثارة للجدل، أورهان باموك، عندما أجبرته التهديدات بالقتل التي تلقاها، على إلغاء برنامج رحلته إلى ألمانيا، الذي تضمن قراءات له في بعض المدن الألمانية، للترويج لروايته "ثلج" التي صدرت ترجمتها الألمانية حديثاً عن دار نشر "هانزير فيرلاغ"، ومن ضمنها، لقاءنا المشترك المفتوح، على هامش معرض لايبزج للكتاب، الذي نظمته لنا دار نشر "هانزير فيرلاغ"، الدار الناشرة لكتبي أيضاً.

أنها لمفارقة بالفعل، كيف أن الحياة تقلد الأدب. فبالذات في روايته "ثلج" (أعتمد على قراءة الترجمة الألمانية)، التي أُستقبلت في أوروبا وفي أميركا من قبل النقاد والجمهور بحفاوة، لم يخف أورهان باموك، من إعلان مخاوفه على لسان بطل روايته "كريم الآقوشوغل"، الذي يختصره بالحرفين: كا" من موته مقتولاً على أيدي الإسلاميين وحسب، إنما تنبأ أيضاً بطريقة موته. إذ ما أن تطأ قدماه مدينة "كارس"، حتى يبدأ الإسلاميون بالتحريض ضده، وها هي الصحيفة المحلية "صحيفة مدينة الحدود"، المقربة منهم، تتساءل عن الأسباب "الخفية" التي حملت "الشاعر المزعوم"، "هذا الشخص الغامض الذي هرب ذات يوم من تركيا وذهب ليعيش لاجئاً في ألمانيا سنوات طويلة (لنلاحظ أن باموك عاش 6 سنوات في نيويورك. ن.و)، على الظهور فجأة مثل جاسوس بيننا في هذه الأيام الصعبة، نحن سكان كارس – الذين نعيش منذ سنوات طويلة بسلام ـ حيث يأتي ليحرضنا بدفع من قوى خارجية، تريد توريطنا بقتال أخوي، لدرجة أنه يقسم مجتمعنا بشكل مفتعل إلى مجتمع علماني وأصولي، كردي وتركي واذربيجاني، ويريد إعادة الروح للإدعاءات التي تتحدث عن مجازر ضد الأرمن، علينا في النهاية نسيانها....هل تعني الحرية في أوروبا، أن يصبح واجب المثقف هو تمريغ القيم المقدسة للشعب بالوحل؟ نقول له: أخذ المال من مصادر ألمانية، لا يمنحك الحق أن تدوس على معتقدات الشعب بالحذاء! أو أن تخفي إسمك بسبب شعورك بالعار منه، وخجلك أن تكون تركياً، يجعلك تستخدم الحروف: كا، هذا الإسم اللقيط. ومن الجدير بالذكر، أن العديد من قرائنا عبروا تلفونياً عن أسفهم، بالسماح لمقلد الغرب هذا، الكافر، أن يأتي إلى مدينتنا بهدف زرع الشقاق بيننا في أزماننا الصعبة هذه، لدرجة أنه راح يدور طارقاً أبواب بيوت فقرائنا في حي جيكوجوندو، يشجع الشعب على العصيان، والتمادي لدرجة السخرية من القائد أتاتورك، الذي أهدانا وطننا الأم، هذه الجمهورية. أن شباب مدينتنا كلهم عزم وإصرار على رد الكافرين والخونة إلى حدودهم".

باموك كتب تلك الجمل على لسان بطله، وكأنه تحدث مسبقاً عن نفسه، وهو مثله مثل بطله، فما يغيضه ويثير الحزن عنده، ليست جرائم القتل التي تعرض لها صحفيّو إسطنبول والصحفيين الآخرين، الذين تلقوا العقاب على شكل طلقات في الرأس، في شوارع جانبية لمدن في الأقاليم، إنما هو شعوره بالإنتماء إلى ثقافة، كل كتابها، تحولوا إلى ضحايا إعتداءات دموية، ورغم ذلك نساهم المرء بعد وقت معين! وأكثر من ذلك تحزنه، معرفة الجو الذي يسيطر على عالم الصجافة المحلية في تركيا، خاصة في الأقاليم. فبالنسبة للصحفيين المحليين من أصحاب الماضي اليساري السابق، والمتعلمين من أصحاب الإمتيازات، الذين ترك كل واحد منهم وراءه تجربة جريئة، لالكي لا يُقال عنهم بأنهم جبناء، أو بأنهم يائسين، تنازلوا عن كل أمل بالتغيير! نراهم يعلقون ببساطة، في مثل هذه الحالات، أن الكاتب فلان أقدم على ذلك، ليس لأنه جريء، إنما "لأنه يريد أن يشغل الرأي العام به، أن يشتهر مثل سلمان رشدي"، ولا يقول هؤلاء الحقيقة، أن الكتاب يموتون هناك في الأقاليم مثل "الصراصير، حيث "لا يُستخدم هناك في قتلهم حتى ولو مسدس عادي، ناهيك عن قنبلة مصنعة بشكل ذكي كما هي حال القنابل المستخدمة في العاصمة، إنما يموتون مخنوقين أو مذبوحين على أيدي شباب متعصبين، يرمون بجثثهم في أزقة مظلمة. "كا"، بطل باموك، يُقتل بالطريقة ذاتها، مطعوناً بسكين، في مدينة فرانكفورت، بجوار محل "سكس شوب" رخيص، من قبل منظمة إسلامية إرهابية، تُطلق على نفسها: "الهجرة"! في تلك اللحظة يبدأ "كا" بتذكر قائمة من الكتاب الذين سقطوا في السنوات الأخيرة ضحايا لطلقات الإسلاميين.

لم يكتب باموك رواية جريئة، تتحدث وبشكل فاضح عن الصراعات السياسية والدينية والعرقية في تركيا وبشكل فني عالي وحسب، إنما جرؤ وعبر عن رأيه كمواطن تركي وكمبدع يقف إلى جانب الإنسان، في مقابلة له مع مجلة سويسرية، ضد المجازر التركية بحق الأرمن في سنوات 1915 و1916 وضد قتل الأكراد أيضاً: "30000 ألف كردي قُتلوا حتى الآن، ناهيك عن المجازر التي حدثت للأرمن. لا أحد يتحدث عن ذلك عندنا في تركيا. أنا أتحدث عن ذلك علناً". الصحافة التركية القومية، التي تناصب باموك أصلاً العداء منذ سنوات، ويغيضها نجاحه العالمي، تلقت تلك التصريحات مثل هدية، لتبدأ هذه المرة بشن حملة عنيفة ضده، تتوجت بتظاهرة غوغائية سارت في شوارع إسطنبول تهتف ضد "الخائن" باموك. فضلاً عن ذلك، راحت الصحافة هذه، تعيد الدعاية القديمة ذاتها ضده، تتهمه بالإنتماء إلى طائفة يهودية تُدعى "الشكاكين Apokryph"، (طائفة تقطن مدينة سالونيكي اليونانية). "عميل للغرب، خائن، يهودي، ويوناني"! فهل هناك أشنع من هذه التهم بالنسبة لتركي، تهدر دمه بهذه البساطة؟

أنها محنة الثقافة اليوم في منطقتنا، التي تأن بين سندان الرقابة وقمع السلطات الرسمية وبين مطرقة الإرهاب الإصولي باسم الدين. فأي كاتب صاحب قضية إبداعية، يدافع عن حرية القول والإبداع، لن يشعر بأنه هو المعني، بأنه القتيل القادم على قائمة الإرهابيين؟ (عن الحياة).


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:37 AM [ 9 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص







باموك كاتب إنساني تجاوز الأطر الضيقة للهوية


على هامش معرض الكتاب السنوي في فرانكفورت في العام الماضي قدمت المكتبات الالمانية جائزة السلام للكاتب التركي الشهير اورهان باموك. ومعلوم ان اسم هذا الكاتب لمع في السنوات الاخيرة بفضل رواياته التي ترجمت الى اكثر من عشرين لغة عالمية كرواية «الثلج» او «القصر الابيض» او «اسمي احمر» او «اسطنبول». وفي هذا الكتاب الاخير يروي سيرة حياة او قصة طفولته وشبابه الاول في عاصمة الامبراطورية العثمانية والمدينة الاكثر اوروبية في تركيا. وقد برر رئيس المكتبات الالمانية منحه هذه الجائزة الكبيرة باعتبار انه يشكل جسرا بين الشرق والغرب، وبين العالم الاسلامي واوروبا. والواقع ان الكاتب التركي الشاب، 53 سنة، يتتبع في رواياته وكتبه الاخرى آثار الغرب في الشرق، او آثار الشرق في الغرب. فعلى مدار التاريخ كان هناك تأثير متبادل ثقافي وحضاري على الرغم من كل الخصومات والعداوات والحروب.
وقد انتهز اورهان باموك الفرصة لكي يدعو الاوروبيين الى القبول بتركيا في اتحادهم وانتقد التيار الالماني المحافظ الذي يرفض هذه العضوية. وقال لهم بالحرف الواحد: للأسف فإن المشاعر المضادة لتركيا في اوروبا تؤدي الى تنامي النزعة القومية المتطرفة عندنا في تركيا. وهي نزعة مضادة لاوروبا ايضا. ثم اضاف: لا استطيع ان اتخيل اوروبا بدون تركيا، كما لا استطيع ان اتخيل تركيا وهي لا تحلم بأوروبا.

ولكن على الرغم من دفاعه المستميت عن سياسة بلاده الساعية بكل الوسائل للانضمام الى الاتحاد الاوروبي الا ان الرجل غير مرغوب في بلاده! بل انه ملاحق من قبل وزارة العدل والمحاكم التركية بتهمة تشويه سمعة تركيا في الخارج او التهجم عليها! وهنا تطرح مشكلة العلاقة بين المثقفين والسلطة وبخاصة في البلدان التي لم تتحرر بعد ولم تصبح ديمقراطية بالفعل.

ماذا يعيبون على الرجل؟ موقفه من مجزرة الارمن الشهيرة التي ارتكبتها السلطات العثمانية عام 1915 وأدت الى مقتل اكثر من مليون شخص وتشريد مئات الالاف على الطرقات والدروب.

ثم يعيبون عليها موقفه من قمع الاكراد في قراهم ومناطقم من قبل الحكومة المركزية لأنقرة. وهذا القمع الذي ادى الى سقوط ما لا يقل عن ثلاثين الف قتيل في تلك المناطق.

لم تحتمل الحكومة التركية هذه الانتقادات التي وجهها اشهر كاتب تركي معاصر لبلاده على صفحات الجرائد الاجنبية التي قابلته مطولا وتحدث اليها بكل حرية ومسؤولية. والواقع ان اورهان باموك مطلوب للمثول امام المحاكم التركية بتاريخ 16 ديسمبر المقبل بتهمة الاعتداء على الهوية التركية او اغتيابها والتشهير بها على صفحات جريدة سويسرية في فبراير (شباط) الماضي.

في الواقع ان تركيا المثقفة مقسومة الى قسمين تجاه هذا الكاتب الذي فاز الان بجائزة نوبل للاداب، والتي اقتربت منه كثيرا هذه السنة قبل ان تذهب الى المسرحي البريطاني. فهناك الليبراليون الذين يحبونه ويدافعون عنه باعتبار انه يرفع راية تركيا عاليا في الخارج ويعرف كيف يدافع عنها. وهناك المتزمتون والقوميون المتطرفون الذين يعتبرونه «مباعا» للغرب هذا اذا لم يكن خائنا او عميلا! فهؤلاء يعتبرون انه لا توجد اي لطخة سوداء او وصمة عار في تاريخ تركيا لا ماضيا ولا حاضرا. وهم ككل يمين متطرف يعميهم التعصب للهوية القومية الى درجة انهم لا يعودون قادرين على رؤية الواقع كما هو. انهم، كأي يمين قومي عنجهي متطرف، يعتبرون ان الحق دائما على الآخرين وليس عليهم هم.

* سيرة ذاتية > ولد باموك في 7 يونيو (حزيران) 1952 في استنبول لعائلة ميسورة تتكلم اللغة الفرنسية > أوقف الكاتب دراسته في الهندسة المعمارية حين كان في الثالثة والعشرين من العمر لكي ينصرف الى الأدب.

> في الثلاثين من عمره نشر اول رواية له «جودت بك وابناؤه».

> من أبرز رواياته، روايته السادسة «اسمي احمر» التي فتحت امامه ابواب الشهرة عالميا.

> مطلق ويقيم في اسطنبول وله ابنة.

> تُرجِمَ عدد من رواياته إلى العربية، ومنها «اسمي أحمر».

كتاب «الحقيقة المرة» لآل غور يفوز بجائزة «الكويللز» الأدبية


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Oct 2006, 10:39 AM [ 10 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص








طبــول "نوبــل" الآداب تقــرع
للــروائــي التركــي أورهــان بــامــوق


مفاجأة؟ ليس حقاً. ذلك ان اسم الروائي التركي أورهان باموق، الذي ظفر أمس بـ"نوبل" الآداب عن استحقاق وجدارة، كان مطروحاً بقوة في كواليس الجائزة العام الفائت، مما يُظهر أن الشائعات "النوبلية" التي تحوم سنوياً حول مجموعة من الأسماء الروائية والشعرية تتمتع بحدّ أدنى من الصدقية.
مفاجأة؟ ليس حقاً. ولكن يا لـ"قدرية" أن ينال هذه الجائزة العالمية العظمى، كاتبٌ تركي اشتهر بأنه يدعو حكومة بلاده الى الاعتراف بالمجزرة الأرمنية، وسط لحظتين سياسيتين شديدتَي الارتباط بمواقفه، إحداهما محلية، وثانيتهما أوروبية: فمن جهة، اذيع إسم الفائز بينما كان الأرمن اللبنانيون يتظاهرون هنا على مقربة، في ساحة الشهداء تحديدا، ضد مشاركة تركيا في قوات "اليونيفيل". ومن جهة ثانية، هبط الاعلان بينما تناقش فرنسا مشروع قانون مثيراً للجدل، يقضي بفرض عقوبة قاسية على من ينكر المجزرة التي ارتكبتها تركيا في حق الشعب الأرمني عام 1915.
لسنا ساذجين لكي نتجاهل أن لمواقف باموق السياسية "يداً" فاعلة، كي لا نقول جوهرية، في دفع عجلة "نوبل" للآداب في اتجاهه، فمعروف عن لجنة التحكيم في هذه الجائزة أنها تأخذ دائما في الاعتبار معايير مماثلة. بل لا مبالغة في اعتبار فوز باموق "رسالة" موجّهة الى تركيا، التي تدافع بشراسة اليوم عن مطامحها الاوروبية وتحتج على محاولات اقصائها عن الاتحاد الاوروبي، من دون أن تبذل في المقابل جهودا ملموسة لتستوفي متطلبات انضمامها الى هذا الاتحاد. لماذا هي "رسالة"؟ لأن باموق غالبا ما تصادم مع السلطات التركية، وهو المشهود له بجرأته ومواقفه الانسانية ودفاعه عن الاقليات. على سبيل المثال، رفض الكاتب مرّةً تكريم الحكومة له عبر منحه لقب "فنان الدولة" الذي يعتبر أهم لقب ثقافي في البلاد، مستنكراً انتهاكها بعض حقوق الانسان وسجنها الكتّاب وتقييدها حرية التعبير. وعندما قام جورج بوش، اثناء احدى زياراته لتركيا، بالحديث عنه واصفا إياه بأنه "كاتب كبير يساهم في ردم الهوة بين الشرق والغرب، بناء على ما تسعى اليه قيمنا الأميركية"، اعترض باموق علنا على استغلال ادبه بهذه الصورة لتبرير الحرب الاميركية على العراق، ورفض أن يستشهد به بوش كأنه "عضو في فريقه". وفي شباط الفائت، صرّح لصحيفة سويسرية: "قُتل مليون أرمني فى تركيا، ولا أحد يجرؤ على الاعتراف بذلك سواي". فاتهمه المدعي العام التركي بتحقير الهوية التركية، وكان الكاتب ليمضي ثلاث سنوات في السجن، لو لم تتدارك الحكومة فداحة تصرفاتها وتُسقط التهمة عنه لاحقاً.
لأجل ذلك، تواجه الحكومة التركية اليوم مأزقا حرجا: هل تحتفي بأحد أبرز المحدثين في الرواية التركية وأشدّ كتّابها شعبية وأكثرهم انتشاراً، هو الذي يُقبل الجمهور التركي على رواياته وتعليقاته بلهفة، كأنه يجسّ بها نبضه، أم أنها ستواجه خبر نيله الجائزة ببرود، بعدما كانت تنوي محاكمته بسبب خطاب سياسي شجاع يصب تحديدا في انسانوية ذات قيمة معيارية اوروبية، مطلقة وجوهرية، ويكرّسه بطلا مضطهداً، و... يلصق بهذه الحكومة صورة النظام المتخلّف والظالم؟
لسنا ساذجين إذاً، ولا يخفى علينا أن أحد أبرز أسباب فوز باموق سياسي محض، لكن هذا لا يعني البتة أن أدبه لا يستحق جائزة بأهمية "نوبل". فأورهان باموق روائي "خطير". بعضهم يصف كتابته بالفلسفية، وآخرون بالتاريخية، وثمة من يربطها بالفانتازيا البورخيسية الحديثة. لكنها في الواقع خليط من ذلك كله، وأكثر. خطورته اولاً في لغته الهذيانية، الضبابية عمداً، المهجّنة بين حدّي العقلانية والهلوسة. لغةٌ ذات بنى نحوية تركيبية غريبة، هي سلسلة من المتاهات والتعرّجات والدورات والمنعطفات والمنحدرات لا تفضي الى مكان، أو تفضي بالأحرى الى اللامكان، حتى اننا نتساءل: هل ثمة غاية سيدركها الكاتب بعد كل هذا الترحال، وما عساها تكون؟ باموق خطير كذلك لأنه يدفعنا كقرّاء الى الحافة. يعكس المعادلة فيمتحن قدراتنا بدلاً من أن يكون هو الممتَحَن. يدفشنا الى التكهن والابتكار. "يورّطنا" في صناعة القصّة، فنشعر احياناً كما لو أن روايته تبحث عن معانيها بمعزل عنه، وكما لو انها تنكتب للتو أمام أعيننا. وبنا. وهو خطير بخاصة في الاسلوب المغناطيسي المربك، المتحدّي، الذي يحضّ فيه الانسان على النظر الى داخله، على البحث عن هويته وحقيقته، وعلى طرح "الاسئلة الكبرى" حول ثنائيات الشرق والغرب، التشابه والاختلاف، الجماعة والفرد، الواقع والخيال، المعنى والعبث، اليقين والالتباس، وسواها من التناقضات والتشابكات التي تصوغ الكيان والشخصية والخصوصية. لهذه الأسباب وسواها، من البديهي القول ان هذا الكاتب، المولود في اسطنبول عام 1952 هو من أبرز محدثي الرواية التركية وأكثرهم جرأة وأوسعهم انتشاراً واستحقاقاً لانتشاره، إذ ترجمت أعماله حتى اليوم الى ما يزيد على ثلاثين لغة، فكم بالأحرى الآن، بعدما قرعت أجراس "نوبل" اسمه، ووضعته في الواجهة الأدبية؟ في أي حال، ليست هذه المرة الأولى ينال جائزة ادبية مرموقة، فهو سبق أن حاز جائزة "امباك" الدولية المرموقة لسنة 2003 عن روايته "اسمي أحمر"، كما ظفر عام 2005 بـ"جائزة السلام" التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان سنويا في ختام معرض فرانكفورت للكتاب.
"الكتابة عزاؤنا الأوحد"، يقول باموق، الذي كانت بداياته في الواقعية الكلاسيكية، لكن تجربته الروائية تطورت في ايقاع سريع ومكثف منذ كتابه الثاني "منزل الصمت" (1983)، لتدخل في لعبة الترميز والمرايا، وهي لعبة مألوفة لدى كتّاب الفانتازيا الكبار من أمثال ايتالو كالفينو ووليم غاس وخورخي لويس بورخيس، فضلاً عن الحضور الواضح لتأثيرات فوكنر في كتابته. هكذا نشهد في جملة، طبقات متراصة ومتشابكة من المعاني والأسرار، كما لو ان تحت كل حقيقة تكمن حقيقة اخرى على نحو متراكب يذكّر بالدمى الروسية. كتابة صعبة، مجازية، معقّدة، "مذنبة" بامتياز في ذهنيتها، إذ لا شيء من العفوية فيها، بل يمكن القول انها جولة مصارعة مع الكلمات، وإن بدت للوهلة الأولى "بسيطة" وتلقائية. انها لغة تخاطب القارئ وتمنحه امتياز "وجهة النظر" وتحمّله وزر هذا التدخل على حد سواء. ولطالما ردّد باموق في حواراته انه يرغب في ابتكار كتابة تعكس نسيج الحياة في مدينة اسطنبول. ويمكن القول انه نجح في ذلك على نحو بارع، لأن كتابته، مثل مدينته، تتأرجح في توازن دقيق بين الشكل والفوضى، بين التخطيط وانعدام التناسق، بين سحر الماضي وغزو الاسمنت، وايضاً، وخصوصاً، بين وجهيها الشرقي والغربي.
تثير أعمال باموق، الذي نشأ في كنف عائلة بورجوازية، وتابع بدايةً دراسات في الهندسة المعمارية قبل ان ينتقل الى الصحافة، ردود فعل متطرفة، من الإدانة القصوى الى التكريس المطلق. ففي حين يتهمه المثقفون الاسلاميون مثلاً باستغلال الموضوعات الدينية والتاريخية، التي غالباً ما تشكّل قماشة رواياته، باسم الحداثة الغربية، لا ينفكّ العلمانيون يلومونه على انتقاده الصريح لايديولوجيا الدولة. رغم كون السياسة في الأدب "قنبلة موقوتة"، على ما يصفها ستاندال، إلا ان توق باموق الى محاربة الديكتاتورية والفساد والارهاب بسيف الأدب توق صادق، وهو الذي يؤكد أن "مفهومي الشرق والغرب غير موجودين حقاً، بل هما وجهان للحضارة نفسها، ولا بدّ من أن يجيء اليوم الذي سينصهران فيه ويختفي هذا التصنيف التصادمي والعدواني". لكن رغم ان للسياسة حضوراً ناتئا في قلم باموق، برز أكثر ما برز في روايته الأخيرة "ثلج" (صدرت في ترجمة عربية عن "دار الجمل")، فإن الأدب هو بطله الأكبر. ومما لا شك فيه ان للتأثيرات الغربية في الحياة التركية التقليدية، و"الهوس" التركي بالوجه الاوروبي، وتنازع البلاد بين هويتين وانتماءين، حضوراً بارزاً وأساسياً في رواياته، وهو يستخدم التناقضات والازدواجيات والتضادات من كل نوع لخدمة هذا الحضور. اما الهوية فهي الذاكرة في رأيه، او الماضي الذي يروم الانتصار على النسيان وبناء المستقبل، فيقول في هذا الصدد: "اذا حاولتم قمع الذاكرة، لا مفرّ من أن يعود شيء منها الى السطح. أنا هو ما يعود". بذلك يتضح لنا ان باموق يبغي في الدرجة الاولى، من خلال مزجه هذا بين الذاكرة والمستقبل، بين الأسرار الصوفية والحكايات الاسلامية التقليدية والأدب الشعبي واللغة التجريبية الما بعد حداثوية، لا أن يروي قصة الصدام بين الشرق والغرب، بل ان يصوّر على الارجح علاقة الشغف التي تربطهما، شغف ملتهب الى حد يدفعنا الى التساؤل هل يمكن الثقافات ان تتبادل الهوى مثل الأفراد. وجدير بالذكر أن روايته "ثلج" أثارت لدى صدورها سيلا من الانتقادات العنيفة، إذ يحضر فيها عدد كبير من التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط اليوم: مسألة الفصل بين الدين والدولة، الفقر، التحديث، تأثيرات اوروبا وأميركا، الصدام بين الإسلام الراديكالي والايديولوجيات الغربية،...الخ. الكاتب الجسور لم يتأثر طبعا بالحملات التي شُنّت عليه، وهو الذي لا يتردد في قول اقتناعاته كلما دعت الحاجة، ولا يساوم على مواقفه المعارِضة.
يقول اورهان باموق على لسان احدى شخصياته في مطلع روايته "الحياة الجديدة" (1994): "ذات يوم قرأت كتاباً، ومذاك تغيّرت حياتي كلها". هذا الدافع تحديداً، او بالأحرى هذه "المعجزة" التي يحققها أدبه فينا، هي ما يحضّنا اليوم، أكثر من طبول "نوبل" الآداب، وأبعد من معمعة بورصة المواقف السياسية، على الدعوة الى قراءته واكتشافه.


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جائزة نوبل غالية الأثمان أعلام ورجال 8 21 Mar 2012 11:15 AM
فيلا حائزة على جائزة لعام 2005 بسمة خطوات أصابع 17 16 Jan 2007 09:36 PM
رسايل للعيد** كل عام ونتم بالف خير** عـــلاوي الهواتف الذكية - سامسونج - هواوي - البلاك بيري 8 24 Dec 2006 09:28 PM
وفاة الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ كديميس كتّاب المنتدى في القصص والرواية الأدبية 5 31 Aug 2006 09:22 AM
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

04:25 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com