..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > مكتبة الشدادين لروائع الكتب
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 11 Dec 2005, 12:56 AM

sanaa غير متصل

تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
الإقامة :
الهواية :
المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
غسان كنفاني ..الأديب والمناضل الفلسطيني ...





ولد الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين .. وهو عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .. عرفته جماهيرنا صحفياً تقدمياً جريئاً ، دخل السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة

نشأته وحياته

والده :

خرج أبوه من أسرة عادية من أسر عكا وكان الأكبر لعدد غير قليل من الأشقاء ، وبما أن والده لم يكن مقتنعاً بجدوى الدراسات العليا فقد أراد لإبنه أن يكون تاجراً أو كاتباً أو متعاطياً لاى مهنة عادية ولكن طموح الابن أبي عليه الا أن يتابع دراسته العالية فالتحق بمعهد الحقوق بالقدس في ظروف غير عادية. صفر اليدين من النقود وحتى من التشجيع فما كان عليه إلا أن يتكل علي جهده الشخصي لتأمين حياته ودراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه وتارة يبيع الزيت الذى يرسله له والده ويشترى بدل ذلك بعض الكاز والمأكل ، ويشارك بعض الأسرفي مسكنها ، إلى أن تخرج كمحام. وعاد إلي عكا ليتزوج من أسرة ميسورة ومعروفة ويشد رحاله للعمل في مدينة يافا حيث مجال العمل أرحب وليبني مستقبله هناك.

وكافح هناك وزوجته الى جانبه تشد أزره وتشاركه فى السراء والضراء ونجح وكان يترافع فى قضايا معظمها وطني خاصة أثناء ثورات فلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية.

وكان من عادة هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم وكانت هذه هى أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة وينقلها معه حيثما حل أو إرتحل ، وكثيراً ما كان يعود إليها ليقرأ لنا بعضها ونحن نستمتع بالاستماع الى ذكريات كفاحه ، فقد كان فريدا بين أبناء جيله ، وكان هذا الرجل العصامي ذو الآراء المتميزة مثلاً لنا يحتذى.
هذا هو والد غسان كنفاني الذى كان له بدون شك أثر كبير فى حياة ثالث أبنائه غسان.

غسان الطفل:

هو الوحيد بين أشقائه ولد في عكا ، فقد كان من عادة أسرته قضاء فترات الاجازة والأعياد فى عكا ، ويروى عن ولادته أن امه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل الى سريرها قبل أن تضع وليدها وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك وحدث هذا فى التاسع من نيسان عام 1936.

كان من نصيب غسان الالتحاق بمدرسة الفرير بيافا وكنا نحسده لانه يدرس اللغة الفرنسية زيادة عما ندرسه نحن. ولم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات. فقد كانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا وهو الحي الملاصق لتل أبيب وقد شهد أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التى بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين. لذلك فقد حمل الوالد زوجته وأبناءه وأتي بهم إلي عكا وعاد هو الى يافا ، أقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 الى ان كانت احدى ليالي أواخر نيسان 1948 حين جري الهجوم الاول على مدينة عكا. بقي المهاجرون خارج عكا على تل الفخار (تل نابليون) وخرج المناضلون يدافعون عن مدينتهم ووقف رجال الأسرة أمام بيت جدنا الواقع في اطراف البلد وكل يحمل ما تيسر له من سلاح وذلك للدفاع عن النساء والاطفال اذا اقتضى الامر.

ومما يذكر هنا ان بعض ضباط جيش الانقاذ كانوا يقفون معنا وكنا نقدم لهم القهوة تباعاعلما بان فرقتهم بقيادة أديب الشيشكلي كانت ترابط في أطراف بلدتنا. وكانت تتردد على الأفواه قصص مجازر دير ياسين ويافا وحيفا التي لجأ أهلها الى عكا وكانت الصور ما تزار ماثلة فى الأذهان. فى هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع ويراقب ما يجري.

استمرت الاشتباكات منذ المساء حتي الفجر وفي الصباح كانت معظم الاسر تغادر المدينة وكانت أسرة غسان ممن تيسر لهم المغادرة مع عديد من الأسر في سيارة شحن الى لبنان فوصلوا الى صيدا وبعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما في بلدة الغازية قرب صيدا في اقصي البلدة علي سفح الجبل ، استمرت العائلة في ذلك المنزل أربعين يوما في ظروف قاسية اذ أن والدهم لم يحمل معه الا النذر اليسير من النقود فقد كان أنفقها فى بناء منزل في عكا وآخر في حي العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد إنتهي العمل فيه حين إضطروا للرحيل.

من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين الى حلب ثم إلى الزبداني ثم الى دمشق حيث استقر بهم المقام في منزل قديم من منازل دمشق وبدأت هناك مرحلة أخرى قاسية من مراحل حياة الأسرة. غسان فى طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك فى مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.

غسان اليافع:

فى دمشق شارك أسرته حياتها الصعبة ، أبوه المحامي عمل أعمالاً بدائية بسيطة ، أخته عملت بالتدريس ، هو وأخوه صنعوا أكياس الورق ، ثم عمالاً ، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات أمام أبواب المحاكم وفي نفس الوقت الذي كان يتابع فيه دروسه الابتدائية.

بعدها تحسنت أحوال الأسرة وافتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة فأخذ هو الى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك فى برنامج فلسطين في الاذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية.

وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التى كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته. واثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الادب العربي والرسم وعندما انهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين وبالذات فى مدرسة الاليانس بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الادب العربي وأسند اليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصى. وذلك بالاضافة الى معارض الرسم الاخري التى أشرف عليها.

وفي هذا الوقت كان قد انخرط في حركة القوميين العرب وأترك الكلام هنا وعن حياته السياسيه لرفاقه ولكن ما أذكره انه كان يضطر أحيانا للبقاء لساعات متأخرة من الليل خارج منزله مما كان يسبب له احراجا مع والده الذي كان يحرص علي انهائه لدروسه الجامعية وأعرف أنه كان يحاول جهده للتوفيق بين عمله وبين اخلاصه ولرغبة والده.
غي أواخر عام 1955 التحق للتدريس في المعارف الكويتية وكانت شقيقته قد سبقته في ذلك بسنوات وكذلك شقيقه. وفترة اقامته في الكويت كانت المرحلة التى رافقت اقباله الشديد والذي يبدو غير معقول على القراءة وهى التى شحنت حياته الفكرية بدفقة كبيرة فكان يقرأ بنهم لا يصدق. كان يقول انه لا يذكر يوماً نام فيه دون أن ينهي قراءة كتاب كامل أو ما لا يقل عن ستماية صفحة وكان يقرأ ويستوعب بطريقة مدهشة.

وهناك بدأ يحرر في إحدي صحف الكويت ويكتب تعليقا سياسياً بتوقيع "أبو العز" لفت اليه الانظار بشكل كبير خاصة بعد أن كان زار العراق بعد الثورة العراقية عام 58 على عكس ما نشر بأنه عمل بالعراق.
في الكويت كتب أيضاً أولي قصصه القصيرة "القميص المسروق" التى نال عليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية. ظهرت عليه بوادر مرض السكرى فى الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التى ولدت في كانون الثاني عام 1955. فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هى شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر غسان عن ذلك الا فى السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.
عام 1960 حضر غسان الى بيروت للعمل في مجلة الحرية كما هو معروف.

غسان الزوج:

بيروت كانت المجال الأرحب لعمل غسان وفرصته للقاء بالتيارات الأدبية والفكرية والسياسية.
بدأ عمله في مجلة الحرية ثم أخذ بالاضافة الى ذلك يكتب مقالاً اسبوعيا لجريدة "المحرر" البيروتية والتي كانت ما تزال تصدر أسبوعية صباح كل إثنين. لفت نشاطه ومقالاته الانظار اليه كصحفى ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعاً لكثير من المهتمين.

عام 1961 كان يعقد فى يوغوسلافيا مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين وكذلك كان هناك وفد دانمركي. كان بين أعضاء الوفد الدانمركي فتاة كانت متخصصة في تدريس الأطفال. قابلت هذه الفتاة الوفد الفلسطيني ولاول مرة سمعت عن القضية الفلسطينية.

واهتمت الفتاة اثر ذلك بالقضية ورغبت فى الاطلاع عن كثب على المشكلة فشدت رحالها الى البلاد العربية مرورا بدمشق ثم الى بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار واياها المخيمات وكانت هى شديدة التأثر بحماس غسان للقضية وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب. ولم تمض على ذلك عشرة أيام الا وكان غسان يطلب يدها للزواج وقام بتعريفها علي عائلته كما قامت هي بالكتابة الى أهلها. وقد تم زواجهما بتاريخ 19/10/1961 ورزقا بفايز في 24/8/1962 وبليلي فى 12/11/1966.

بعد ان تزوج غسان انتظمت حياته وخاصة الصحية اذ كثيراً ما كان مرضه يسبب له مضاعفات عديدة لعدم انتظام مواعيد طعامه.
عندما تزوج غسان كان يسكن في شارع الحمراء ثم انتقل الى حى المزرعة ، ثم الى مار تقلا أربع سنوات حين طلب منه المالك اخلاء شقته قام صهره بشراء شقته الحالية وقدمها له بايجار معقول.

وفي بيروت اصيب من مضاعفات السكري بالنقرس وهو مرض بالمفاصل يسبب آلاماً مبرحة تقعد المريض أياماً. ولكن كل ذلك لم يستطع يوماً أن يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل فقد كان طاقة لا توصف وكان يستغل كل لحظة من وقته دون كلل.
وبرغم كل انهماكه في عمله وخاصة في الفترة الاخيرة الا أن حق بيته وأولاده عليه كان مقدساً. كانت ساعات وجوده بين زوجته وأولاده من أسعد لحظات عمره وكان يقضى أيام عطلته (اذا تسنى له ذلك يعمل فى حديقة منزله ويضفي عليها وعلى منزله من ذوق الفنان ما يلفت النظر رغم تواضع قيمة موجوداته.

غسان القضية:

أدب غسان وانتاجه الادبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به.
"عائد الى حيفا" وصف فيها رحلة مواطني حيفا في انتقالهم الى عكا وقد وعي ذلك وكان ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع ثم تركزت هذه الاحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية.

"أرض البرتقال الحزين" تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية. "موت سرير رقم 12" استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض. "رجال في الشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته الى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء ، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للاحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم الى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
فى قصته "ما تبقي لكم" التي تعتبر مكملة "لرجال في الشمس" يكتشف البطل طريق القضية ، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي.
قصص "أم سعد" وقصصه الاخري كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. في فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة 36 في فلسطين فأخذ يجتمع الى ناس المخيمات ويستمع الى ذكرياتهم عن تلك الحقبة والتي سبقتها والتى تلتها وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها ان تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه " عن الرجال والبنادق".

كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الاخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لاحد العمال وهو يكسر الصخر فى كاراج البناية التى يسكنها وكان ينوى تسميتها "الرجل والصخر".

غسان الرائد:

تجب وضع دراسة مفصلة عن حياة غسان الادبية والسياسية والصحفية ولكننا في هذه العجالة نكتفي بايراد أمثلة عن ريادته بذكر بعض المواقف في حياته وعتها الذاكرة:
كان غسان أول من كتب عن حياة أبناء الخليج المتخلفة ووصف حياتهم وصفاً دقيقا مذهلا وذلك في قصته "موت سرير رقم 12" ولا أستطيع أن اؤكد اذا كان سواه قد كتب عن ذلك من بعده.

فى أوائل ثورة 58 بالعراق ايام حكم عبد الكريم قاسم زار غسان العراق ورأى بحسه الصادق انحراف النظام فعاد وكتب عن ذلك بتوقيع "أبو العز" مهاجما العراق فقامت قيامة الأنظمة المتحررة ضده الى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا فكانوا أول من هنأوه على ذلك مسجلين سبقه في كتاب خاص بذلك.

بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة "المحرر" اليومية استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة وكانت على ما أذكر الصفحة الخامسة وكان يحررها هو وآخرون. ومنذ سنة تقريبا استحدثت احدى كبريات الصحف اليومية فى بيروت صفحة مماثلة وكتب من كتب وأحدهم استاذ صحافة فى الجامعة الاميركية كتبوا في تقريظ هذه الصفحة وساءنى أن يجهل حتى المختصون بالصحافة ان غسان قام بهذه التجربة منذ سنوات .

لا أحد يجهل أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية فى الفترات الاولى لتعريف العالم العربي على شعر المقامة ، لم تخل مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان وأصبحت محاضته عنهم ومن ثم كتابه عن "شعراء الارض المحتلة" مرجعا مقررا فى عدد من الجامعات وكذلك مرجعا للدارسين.

الدراسة الوحيدة الجادة عن الادب الصهيونى كانت لغسان ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان "في الأدب الصهيوني". أشهر الصحافيين العرب يكتب الآن عن حالة اللا سلم واللا حرب ولو عدنا قليلا الى الاشهر التى تلت حرب حزيران 67 وتابعنا تعليقات غسان السياسية فى تلك الفترة لوجدناه يتحدث عن حالة اللا سلم واللا حرب اى قبل سنوات من الاكتشاف الاخير الذى تحدثت عنه الصحافة العربية والاجنبية.
اننا نحتاج الى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التى كان يتمتع بها غسان كنفاني. هل نتحدث عن صداقاته ونقول أنه لم يكن له عدو شخصى ولا في أى وقت واي ظرف أم نتحدث عن تواضعه وهو الرائد الذى لم يكن يهمه سوى الاخلاص لعمله وقضيته أم نتحدث عن تضحيته وعفة يده وهو الذى عرضت عليه الالوف والملايين ورفضها بينما كان يستدين العشرة ليرات من زملائه. ماذا نقول وقد خسرناه ونحن أشد ما نكون فى حاجة اليه ، الى ايمانه واخلاصه واستمراره على مدى سنوات في الوقت الذى تساقط سواه كأوراق الخريف يأساً وقنوطا وقصر نفس.
كان غسان شعباً في رجل ، كان قضية ، كان وطناً ، ولا يمكن أن نستعيده الا إذا استعدنا الوطن.


توقيع : sanaa


...je ne veux ni cadeau ..ni fleur..ni promesse
seulement
!!... le don de ton coeur
sanaa

التعديل الأخير تم بواسطة sanaa ; 11 Dec 2005 الساعة 01:02 AM

رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 12:59 AM [ 2 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






عمل فى الصحف والمجلات العربية التالية

- عضو في أسرة تحرير مجلة "الرأى" في دمشق.
- عضو في أسرة تحرير مجلة "الحرية" فى بيروت.
- رئيس تحرير جريدة "المحرر" في بيروت.
- رئيس تحرير "فلسطين" في جريدة المحرر.
- رئيس تحرير ملحق "الأنوار" في بيروت.
- صاحب ورئيس تحرير "الهدف" في بيروت.
كما كان غسان كنفاني فنانا مرهف الحس ، صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، كما رسم العديد من اللوحات.

من مؤلفات الشهيد

(1) قصص ومسرحيات :

- موت سرير رقم 12.
- أرض البرتقال الحزين.
- رجال في الشمس - قصة فيلم "المخدوعون".
- الباب - مسرحية.
- عالم ليس لنا.
- ما تبقى لكم - قصة فيلم السكين.
- عن الرجال والبنادق.
- أم سعد.
- عائد إلي حيفا.

(2) بحوث أدبية:

- أدب المقامة في فلسطين المحتلة.
- الأدب العربي المقاوم في ظل الإحتلال.
- في الأدب الصهيوني.

(3) مؤلفات سياسية:

- المقاومة الفلسطينية ومعضلاتها.
- مجموعة كبيرة من الدراسات والمقالات التي تعالج جوانب معينة من تاريخ النضال الفلسطيني وحركة التحرر الوطني العربية (سياسياً وفكرياً وتنظيمياً).

استشهد صباح يوم السبت 8/7/1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدي إلي استشهاده مع إبنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة).


التعديل الأخير تم بواسطة sanaa ; 11 Dec 2005 الساعة 01:09 AM
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 01:01 AM [ 3 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل





غسان كنفاني / غادة السمان

شكراً

يقول غسان كنفاني، في إحدى رسائله، لغادة السمان "أعرفُ أن شيئاً واحداً أستطيع أن أقوله وأنا واثقٌ من صدقه وعمقه وكثافته، وربما ملاصقته التي يخيل إليّ الآن أنها كانت شيئاً محتوماً، وستظل كالأقدار التي صعقتنا : أنني أحبك".
.. وعندما آن أوان الاحتفال بذكرى غسان كنفاني، صارَ لكلٍ أن يحتفلَ على طريقته. غادة السمان فعلتْ ذلك على طريقتها هي الأخرى، فقد نشرتْ رسائلَ حبٍ كتبها لها غسان في أجمل لحظات عمره. كان ذلك من حقه، و آن لأن يكون.. من حقها.
هل هدأتْ العاصفةُ التي أثارها نشر كتاب الرسائل ؟
للوهلة الأولى كان علينا أن لا نستغربَ ردود الفعل تلك، ربما بسبب طبيعة المجتمع (الظريف) الذي نعيشُ في كنفه. ولكن ماذا نفعل إذا بدتْ الأمورُ على غير ما نتمنى. كانت ردود الفعل متفاوتة. من بينها ثمة إستنكار مزدوج : تشكيك في صحة أمرالعلاقة والرسائل أصلاً، ثم إستهجان نشرها. وذهب البعض إلى الاستعداء من أجل مقاضاة غادة السمان، والتلميح إلى مؤآمرة (تتصل بالنظام العالمي الجديد، حسب الياس العطروني؟) تستهدف الاساءة والتشويه لصورة وتاريخ غسان كنفاني الأدبي والنضالي. ولعل التفاوت الطريف في ردود الفعل هذه، ذلك الذي يشير إلى الاختلاف العميق في تعاملنا مع الحب في حياتنا. ففي حين إعتبرَ الياس خوري أن (غسان كنفاني اليوم يسطع كما لم يسطع من قبل) فإن الياس العطروني رأى في نشر الرسائل أمراً "يمكن وصفه بالعورات". بالنسبة لمقال العطروني الذي نشره في جريدة (السفير 92/8/1) لم يكن مهتماً ببحث أمر علاقة الحب كواقعٍ وقع. هذا ليس مهماً. الأمر عنده مستبعد، أو ينبغي أن يُُستبعد ويُغفل ويُسكتْ عنه، فالحب لا يليق بغسان المناضل. كما لو أن النضال فعالية نقيضة لعاطفة الحب. في حالة أديب مثل غسان كنفاني، ثمة من سيعتبر العشق فضيحة. لكن طاقة العشق المكبوتة سوف تفضح الفضيحة. الأمر الخطير أن هناك من أبدى إعتراضه على مسألة كشف عورة الحب. لكنه من حيث المبدأ لم يعترض على الفكرة أصلاً. وفي هذا السلوك يكمنُ خلل تعاملنا مع أشياء الواقع وحقائقه من حولنا. إذن لماذا الاعتراض على حقيقة حدثت وصارت تاريخاً؟. لماذا التوهم بأن نقاء الانسان ومصداقيته سيصابان بالعطب، إذا ما عاش المرءُ حالةَ حبٍ في مثل ملابسات وظروف غسان كنفاني؟ أليس الحب مجداً للعاشقين؟ هل كان غسان كنفاني "من خلال مناطق ومساحات كاملة من الرسائل شخصاً في حالة إنعدام الوزن" كما عبّرَ نوري الجراح؟. ليس في هذا التعبير هجاء. فما إن يقع الرجل الشرقي في حالات العشق والتضرع والتدله (التي تفيض بها رسائل غسان لغادة) حتى يبدو شخصاً لا وزن له. وسوف يكون خفيفاً وطائشاً ومتهوراً ومراهقاً، ولا يحسب لرزانة العمر حساباً. غسان كنفاني، حسب هذا المنظور، كان عديم الوزن والطعم والرائحة.

عصام محفوظ (في جريدة النهار) قدمَ لنا نموذجاً آخر في النظر. فهو لم يجد في الرسائل "ما يستحق الاستنكار والاستهجان (...) و ليس في التذلل في حب امرأة ما يلغي صورة المناضل التي لغسان كنفاني لدي الجميع". ويعلق عصام محفوظ متسائلاً "كيف يستطيع أحد النضال دون حب؟ يقول غيفارا أن النضال هو أسلوب حب". لكن ما يدعونا إلى الاستغراب من موقف عصام محفوظ، أنه إعتبر توقيتَ نشر الرسائل هو ما يدعو للإستهجان أو الاستنكار، فيرى "أن استعداد ات كبرى كانت تجري منذ عام للإحتفال بذكرى غسان كنفاني بعد عشرين عاماً من إغتياله، وأن نشر الرسائل في هذا الوقت بالذات فخٌّ نصبه الذين كانوا يريدون أن يشوّهوا صورة نضال غسان، وفي إعتقادهم أن إبراز ضعفه تجاه امرأة يلقي ظلاً سيئاً على نضاله. فتشجعتْ (غادة) دون وعي بالفخ على نشر الرسائل". ليس واضحاً لدينا ما إذا كان عصام محفوظ يعتبر الأمر برمته طبيعياً ومشروعاً، أم لا. فهو، من جهة، لا يرى في واقعة العلاقة والرسائل ما يدعو للإستهجان والاستنكار، وإنه ليس في حب رجل وتذلله لإمرأة ما يخدش صورة المناضل، وأن النضال هو أسلوب حب، حسب غيفارا. لكنه من جهة أخرى، يعترض (فحسب) على توقيت النشر. ترى كيف يستقيم الأمران. فالذي لا ينطوي على إساءة لشخصية غسان ونضاله، لا يعود مهماً متى يقال وأين يطرح، على العكس، إن مناسبة الاحتفال بذكرى غسان توقيتٌ جدير بالتعرف على التعدد الجميل في تجربته الانسانية والابداعية. ما الذي يضير في أن نعرفَ بأن غسان كنفاني تدلّه في حب امرأة إلى هذا الحد، ونعرف، خصوصاً، بأن هذه المرأة هي غادة السمان. ترى ألا يزيد حبٌ على هذه الشاكلة غساناً مجداً على مجد، ويضاعف حبنا وتقديرنا للبعد الذاتي في تجربته؟ ففي هذا الاختراق دليلٌ إضافيّ على مخيلة المبدع التي تمارس فعل الحرية بمعزل عن المواصفات والاعتبارات القائمة، وهو فعل إبداع في حد ذاته. إن المفارقة التي يقترحها علينا عصام محفوظ نموذج لأحد أشكال الازدواج في ذهنيتنا العربية، وتوزعها بين مكبوت مسكوت عنه، هو توقٌ عفويّ للحب، وبين شعار معلن خاضع للمواصفات الأخلاقية القائمة على شروط لا إنسانية ولا تستقيم مع طبيعة أشياء الانسان وحقه في الحرية. المذهل في مجمل الذين استنفروا دفاعاً متوهماً عن غسان / الرجل، أنهم (وياللغرابة) غفلوا عن غادة / المرأة. فالطريف في تلك الهبَّة أنها، للمرة الأولى، بدأ العربُ ينافحون عن سمعة رجل إرتكبَ (خطيئة) الحب، دون أن يتوقفوا، للحظة واحدة، أمام (سمعة) المرأة التي أعلنتْ هذا الحب وباهَتْ به. لماذا يكون في الحب ما يسيئ إلى غسان، دون أن يلتفتوا إلى المرأة التي أحبَها وتعلقَ بها وتَولّه ؟! لقد بالغَ بعضُهم في دفاعه عن غسان، ومحاولة تبرئته، كما لو أنه وقعَ في حب من يستوجب رجمها (حسب قانونهم). نخشى أن هؤلاء قد بالغوا، إلى حد إهانة المرأة التي أحبَّها غسان كنفاني، ليقعوا نهاية أمرهم في الاساءة إلى من تصدّوا للدفاع عنه ؟!. لا نرى مهماً في الواقع ما إذا كانت غادة تبادل غساناً نفس الدرجة من الحب، فإن فعل الحب في حد ذاته يكفي لكي نتعرف على طبيعة الانسان المتوارية والمسكوت عنها. كم من العشاق أحبوا من طرف واحد. وقعوا في العشق فقط. إن أشهر العشاق قد قضوا دون أن ينالوا من الحب سوى حلم الحب ولذته المتوهمة. بالنسبة للعشاق، فعل الحب هو المهم. إما نحن (فيما بعدهم) فليس لنا سوى المديح والهجاء.

شكراً غسان. (أعني شكراً غادة). تضعان (أحدكما من موته والأخرى في حياتها) ناراً جديدة في هيكل يكابر(لا يزال) وهو يتداعى وينهار. وما إن تكون هذه النار من الحب، حتى يصبح الأمرُ ضرباً من الفضيحةالمبجَّلة. هذا شرقنا، الحب عنده هو العار الذي.."لا يسلم الشرف الرفيع..". ولكن المشهد يبدو الآن أكثر تفسّخاً. فثقافتنا العربية، في جانبها الثوري، وإعلانها التقدمي خصوصاً، لا تزال ميالةً لإعتبار الحب عاطفةً برجوازية من شأنها أن تخدشَ نقاء المناضل. وإن الثوريّ لا يصير صادقاً إلا إذا كان مخْصِياً في عاطفته. فالأديب المناضل محظورٌ عليه أن يقولَ عن الحب. لا أعرف بالضبط من أين اجترح علينا ثوريو العرب الأشاوس هذا الشرط النضالي، ونحن أبناء تراثٍ كثيفٍ من العشق والعشاق، تراث يصل أحياناً إلى حد التبذل. تراث موغل في العواطف الجياشة، تراث هو أقدم من الدين ذاته. وكثافة هذا التراث جعلته قادراً على الاختراق، بحيث لم يستطع الدين أن يشغل أدباء العربية (آنذاك) عن الاستغراق في أحوال الحب. وبالرغم من تدهور موقف المجتمع العربي من مسألة الحب، وتحفظه حسب أعراف العقد المتزمت رسمياً، إلا أن الحب كان موجوداً هناك، في المكان الحميم من الأدب، بل أن أجمل نصوص الابداع العربي هي تلك التي اتصلت بالحب والعشق بطرف. ولعل البعد التقدمي في تراثنا العربي يكمن في الانحياز المكبوت للعلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة، وهي تجربة جميلة غيّبها الحدُّ التقليديّ في البحث الأدبي السابق، وظلت مسكوتاً عنها، وبعيدة عن جرأة البحوث الأدبية الجديدة، التي تكلمتْ عن تقدمية كل شيئ في تراثنا فيما عدا الحب. وكان الأجدر بتقدمييّ الثقافة العربية وثورييها أن يتصلوا بذلك الجذر الثقافي، ويعملوا على بلورته في سلوك حضاريّ جديد. لكن الذي حدثَ هو العكس تماماً، فقد إتخذ هؤلاء، إزاء الحب، موقفاً طهرانياً يضاهي موقف المحافظين من أصحاب التقليد الاجتماعي. الأمر الذي جعل عاطفة الحب نقيضاً لأي مشروع نضالي أو سلوك ثوريّ. ويجوزلنا أن نتساءل عن مصدر هذا السلوك في تجربة الثقافة العربية المناضلة (التقدمية خصوصاً) هل هو خليطٌ من تربية دينية شرقية مشوّهة من جهة، ومن جهة أخرى تزمتٌ أيديولوجيّ، تمثلتْ نماذجه الفادحة في الدوغمائية السوفيتية التي مارست قمعاً مشهوراً لتجارب أدبية معروفة، ونستطيع بجردة سريعة للأدب العربي الحديث أن نكتشفَ أشكال التوظيف الأيديولوجي لرمز المرأة، متجلياً بإتصالها بالأرض والأم والوطن والثورة والزوجة. ولكن من النادر أن نصادفَ إمرأةً خارج حدود البعد النضاليّ الساذج، والعرف الاجتماعي التقليدي. ولن نصادف رجلاً يتمتع بحياته العاطفية بحرية كاملة، دون يكون (برجوازياً خائناً). وبلاشك سوف يكون هذا انعكاساً ميكانيكياً في سلوك المناضل العربي. وبالتالي ستتعرض مشاعر الحب لكبتٍ مضاعفٍ، وتظل مؤجلة وسرية في الأغلب. ذلك لأن السلوك المعلن ينبغي أن يظلَ على تلك الدرجة من الطهرانية، وكلما كان المناضل زاهداً أكثر في الحب، صار نموذجاً جيداً يحتذى بمصداقيته. وإذا أعلن المناضل إنه قرر أن يتزوج الثورة، فستكون هذه ذروة التضحية التي يتطلبها العمل الثوريّ. ذلك المشهد لم يكن يعني أن الحقيقة هي في السلوك المعلن، فثمة سلوك يتفشى هنا وهناك، بين وقت وآخر. ويعرف الكثيرون أن حياة خاصة مسكوت عنها، سوف يلجأ إليها للتنفيس وتفريغ الكبت الثوريّ. وتتفاوت طبيعة هذه الحياة بين العلاقات العاطفية الحميمة والصادقة خارج المؤسسة الحزبية وشروطها الطهرانية، وبين اللهو والتبذل. كل ذلك سوف يحدث دون إعلانه أو الاعتراف به، لأنه يخدش صورة المناضل ومصداقيته. إلى هذه الدرجة يستطيع المفهوم المشوّه للنضال والثورة مسخ البناء العاطفي للإنسان. وعندما نلتفت إلى تجلي هذا في الصعيد الأدبي، سنرى النقائضَ على آخرها. وسنرى ركاماً هائلاً من الأعمال الأدبية (خصوصاً تلك التي كتبها أدباءُ رموزٌ في حركة النضال العربي)، تكاد تكون خالية من نضارة الحياة وعفويتها، فيما يتصل بالعلاقة بين الرجل والمرأة، لأن موضوع الحب والزواج في هذه الأعمال، سوف يقتصر على وظيفته النضالية، والسلوك العاطفي لا يبدو صادقاً، ولا يقارب حالات العشق التي لا تكاد تخلو أية حياة حقيقية من جنونه ونزواته في شتى مراحل حياة الانسان. لكن، هل أصبح هذا السلوك، الآن. جزءاً من مرحلة تغادرنا بكافة ملامحها؟ ليس هذا مؤكداً، فثمة من يتشبث بذات العقلية ويحاول أن يدافع عن ذلك السلوك الطهراني، بالرغم من كثافة حجم المتغيرات الجوهرية في بنية المفاهيم والأفكار التي أثبتتْ التجربة ضرورة إعادة النظر جذرياً حولها، إذا لم يكن أوان تجاوزها قد أزف. ونحن ندرك أن التخلص من آثار التربية السابقة ليس سهلاً، ولن يحدث سريعاً. ولعل في ردود الفعل المباشرة التي أثارها نشر رسائل غسان كنفاني لغادة السمان تعطينا الدليل على أن الماضي.. لا يزال معاصراً. لذلك يتوجبُ توجيه الشكر العميق لغادة السمان (وغسان كنفاني خصوصاً) لأنهما فعلا شيئاً خارقاً. غسان اخترق العائلة والحزب معاً، وغادة اخترقت حاجز الوهم الاجتماعي الذي يتوشح به سدنة الأخلاق... غير الأخلاقيين






الأعلى رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 01:07 AM [ 4 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






غسان يقرع جدران الخزان
نضال حمد




غسان كنفاني، الثاني من اليمين، اغتيل في ريعان شبابه


مهما قلنا أو كتبنا عن غسان كنفاني فلن نوفيه حقه، فهو كاتب كبير وأديب مميز قاتل بالقلم والفكر والكلمة كما بالسلاح، غيبه القتل وهو في ريعان الشباب وعنفوان الكتابة والإبداع.

******

في مثل هذا اليوم وقبل ثلاثون عاما مضت سقط الشهيد الحي والكاتب والأديب المبدع والفنان الرسام والقائد السياسي و الثقافي غسان كنفاني جراء انفجار سيارته في بيروت عاصمة الكلمة وقلعة الصحافة العربية الحرة.

لم يكن موت غسان بالأمر العادي بل تخطى حواجز العادي ليدخل في مرحلة تحويل الحرب إلى ميدان التصفيات الغير عادية والاغتيالات المختارة تلك التي لا تعرف الحدود أو النقاط الحمراء.

إن مصرع الأديب الكبير وبتلك الطريقة الدموية والجهنمية التي عبرت عن مدى الحقد والعداء الذي كانت تكنه الصهيونية العالمية للمبدعين الفلسطينيين وفي المقدمة منهم غسان كنفاني الذي كان يقاتلهم بالكلمة كما بالبندقية وبالقلم كما بالعلم وبالعقل لا بالجهل ولا بالتخلف والتطرف.

كان يدرك ويعي أن الصراع مع الصهيونية العنصرية ليس صراعا عاديا بل هو صراع الوجود والحدود, صراع البقاء أو الفناء, والموت أو الحياة في زمن كانت فيه للأنظمة العربية المستسلمة أو المسترخية الكلمة الفصل في فصل فلسطين عن محيطها العربي. كلن غسان على يقين بأن الأنظمة ساهمت في ضياع فلسطين وفي تغييب وتجهيل الشعوب العربية وحرمانها من التطور والتنوير وحتى التفكير بحرية محدودة، لذا وجد أنه من الطبيعي أن تبدأ القوى الفلسطينية الحية واليانعة بتجهيز نفسها وتأسيس حزبها القومي أو نواتها الثورية التي سيتحتم عليها قيادة الشعب نحو الثورة ومن ثم الحرية والاستقلال.

من هنا كان خياره الالتحاق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التنظيم الفلسطيني الطليعي الذي عبر عن صحوة الشباب العربي ونهضة الأمة العربية الجديدة بعد النكبة الكبرى سنة 1948 وبعد النكسة المؤلمة سنة 1967.

أسس غسان كنفاني مجلة الهدف ورأس تحريرها منذ البداية حتى استشهاده, كما كان له شرف العمل في مجلات وجرائد عربية عديدة لا زالت تذكره باحترام وتجله وتحترم طاقاته الإبداعية والثقافية.

كما انه قدم أعمالا إبداعية عديدة, تميز في القصة القصيرة وفي الرواية كما انه كان أول من قدم دراسة مميزة عن أدب المقاومة في فلسطين المحتلة عرف العالم العربي والأجنبي من خلالها شعراء فلسطين المحتلة وفي المقدمة منهم محمود درويش توفيق زياد وسميح القاسم، وتبعها غسان بدراسة أخرى في الأدب الصهيوني دخل فيها الكاتب إلى قلب المعادلة الصهيونية وغاص عميقا في لب الأدب الصهيوني محاولا فهمه ومن ثم تقديمه للقارئ العربي حتى يتمكن بدوره من فهم ماهية وطبيعة عدوه الأول الذي أغتصب أرضه وشرد أهله وقتل خلانه وأصحابه وهدم بيته ولازال يلاحق الفلسطينيين الأبرياء والعزل في مخيماتهم وأينما كانوا.

استطاع غسان فهم الكشف عن الكثير من المعلومات التي كانت مجهولة وغير معروفة بالنسبة للقارئ العربي.عرف عدوه من الداخل وحاول إيجاد العلاج لوباء الصهيونية اللعين لكن لعنة الوباء لاحقته في السر حتى تمكنت من اغتياله وابنة شقيقته في اليوم المذكور.

مهما قلنا أو كتبنا عن غسان كنفاني فأننا سوف لن نعطيه حقه, فهو كاتب كبير وأديب مميز قاتل بالقلم والفكر والكلمة كما بالسلاح، غيبه القتل وهو في ريعان الشباب وعنفوان الكتابة والإبداع. لو قدر له أن يعيش أكثر كان بالتأكيد سوف يبحر عميقا في بحور الأدب ومن يدري ماذا كان سيقول عن الوضع الفلسطيني وعن المأساة الفلسطينية التي أصبحت مساحة صمودها الصغيرة أكبر من خريطة الوطن العربي الكبير وأبعد من حدود القطب المتجمد الشمالي.

الصوت الذي يقرع خزان ذاكرتنا هذه الأيام هو صوت غسان كنفاني الذي يردد على مسامعنا كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة: ما تبقى لكم .. ما الذي تبقى لكم؟ اقرعوا جدران الخزان اقرعوا جدران الخزان.

لم يعد أمامكم سوى إتمام رسالتكم انتم على وشك الانتهاء من رحلة الألف ميل.. أنتم في الطريق الطويل أقرب من أي وقت مضى لفلسطين الكاملة الأوصاف, فلا الصديق صديقك ولا الشقيق شقيقك أيها الفلسطيني الموشح بثوب الشهادة والمزين بحزام الأمان الإستراتيجي , حزام الموت من أجل الحياة في أزمنة لم يعد فيها معنى للحياة. أنها أزمنة الرعاع من رعاة البقر والبشر, أزمنة أنجبت جورج بوش وريغان وشارون ورايس وأخذت إلى الموت رجال هم أكثرنا عطاء وأمانة ووفاء وأصالة وانتماء.

في يوم رحيلك يا غسان ليس لنا ألا نتذكرك فنعاهدك على الاستمرار في مسيرة العطاء والوفاء لدماء الشهداء وللأرض التي سوف تلفظ الصهاينة كما لفظ بحر صيدا و غزة الغزاة.

في يوم رحيلك نجدد قراءة أعمالك ونعيد مطالعة كتاباتك كي نتأكد من أننا لازلنا نحفظ أحلامك أحلامنا ولا زلنا نبني المواقف على أسس سليمة وبرؤى واضحة وتفكير دقيق يميز ما بين العدو والصديق.




.


التعديل الأخير تم بواسطة sanaa ; 11 Dec 2005 الساعة 01:10 AM
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 01:12 AM [ 5 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






الهم الجماهيري في ادب غسان كنفاني

أحمد ابو مطر

نشر هذا المقال في عرب تايمز عام 1993


شاعت في الاوساط الادبية والنقدية العربية مقولة مفادها ان الكتاب والنقاد العرب يكتبون عن المبدع العربي بعد وفاته باسلوب يخلو من الموضوعية يغلب عليه طابع المجاملة والتكريم لان النفسية العربية اعتادت على ان للميت حرمات معينة ينبغي مراعاتها والتقيد بواجباتها وانطلاقا من ذلك فان العديد من لكتاب العرب لم يقدروا الا بعد مماتهم وبعضهم لم يلتفت له النقاد الا بعد الموت وفيما يتعلق بغسان كنفاني في ميدان النقد الادبي فحالته مختلفة فقد لفت انتباه النقاد في حياته وكتبت عنه الكثير من الدراسات والبحوث وكان قبل ذلك قد اعطى الحياة القصصية والروائية والعربية اعمالا جعلته بجدارة من العلامات المهمة في القصة والرواية العربيتين اما استشهاده المفجع فقد لفت انتباه النقاد والدارسين من جديد مما جعله ميدانا للكثير من الكتابات النقدية الجادة وكما هائلا من الوجدانيات.
ولما لاحظت ان اغلب كتابات تلك السنوات كانت وجدانيات وذكريات شخصية لغسان كنفاني وجدت ان تكريم غسان الحقيقي يكون في الكشف المستمر الدؤوب عن نواحي الابداع في اعماله من هذا المنطلق سوف اكرس هذه الدراسة للبحث في كيفية تعبير غسان عن الهموم الجماهيرية الفلسطينية وهي في الغالب هموم حياتية سببها المشكل الاساسي الذي نجم عن اغتصاب الوطن وتشريد شعبه في مناف متعددة عربية وغير عربية عبر دراساتي السابقة عن غسان كنفاني لفتت انتباهي امكانية التقسيم الزمني لنتاجه الروائي المواكب زمنيا لوضعية الحالة السياسية والاجتماعية لقضية الشعب الفلسطيني وفي هذا يكمن الحس الالتزامي المبكر عند غسان وقد اسهمت في ذلك السياسة المؤدلجة والموجهة التي اتنقها غسان وتربى في اجوائها الحزبية والتنظيمية فاملت عليه ان تكون كل قصة او رواية لها تخطيطها المسبق الذي يخدم هدفا جماهيريا لدى اوساط الشعب الفلسطيني وهذا يفسر عدم رضاه الكامل عن رواية (ما تبقى لكم) 1966 رغم الاطراء الكبير الذي ابداه نحوها النقاد واعتبارهم اباها من حيث الاسلوب والتقنية بالذات فتحا جديدا في مسار الرواية العربية.
كتب غسان عن هذه الرواية واستحسان النقاد لها يقول: " في الواقع رواية (ما تبقى لكم) هي قفزة من ناحية الشكل لكنها اثارت بنفس الوقت تساؤلات بالنسبة لي لمن اكتب انا؟ هذه الرواية قلة يستطيعون من قرائنا العرب ان يفهموها فهل انا اكتب من اجل ان يكتب احد النقاد في مجلة انني اكتب رواية جيدة؟ ام انا اكتب من اجل ان اصل للناس وان تكون هذه الرواية شكلا من اشكال الثقافة الموجودة في مجتمعنا والتي من واجب المثقف ان يتعامل فيها مع الناس" انطلاقا من امكانية التقسيم الزمني لنتاج غسان الروائي التي اشرت الى انها مواكبة زمنيا لوضعية الحالة السياسية والاجتماعية لقضية الشعب الفلسطيني يمكن تتبع الهموم الجماهيرية الفلسطينية في هذه الروايات:
رجال في الشمس 1963
ما تبقى لكم 1966
عائد الى حيفا 1969
ام سعد 1969
يبدأ الهم الجماهيري الفلسطيني بكافة تفرعاته وتلاوينه من مسألة الصراع الفلسطيني-الصهيوني التي نتج عنها من البداية ضياع الوطن وتشريد سكانه ليصبحوا لاجئين يتطلعون للعودة وتحرير الوطن التقط غسان الخيط الخفي في مسار هذا الصراع منعكسا على تعامل الجماهير معه سلبيا او ايجابيا فكانت رواياته الاربع السابقة تعبيرا عن الهموم الجماهيرية الفلسطينية بطريقة - واكبت تفاعل هذه الهموم مع مجرى الصراع وتعبيراتها الميدانية- تجعلك تعتقد ان غسان قد خطط مسبقا لهذه الروايات الاربع فجاءت تعبيرا متصلا متكاملا عن هذه الهموم الجماهيرية وهذا يعني - من رأيي- انها كانت مواكبة لحركة الشعب تسبقها مرة وتعبر عن المستجد والمتفاعل فيها مرة اخرى.
رجال في الشمس 1963
حتى عام 1963 كانت القضية الفلسطينية في الاوساط العربية والدولية مجرد قضية شعب من اللاجئين يحتاج الى العون المادي الذي يمكنه من العيش بانسانية الحجد الادنى وقد ادت قسوة حياة اللاجئين الفلسطينيين الى توجه الفلسطيني الى البحث عن مقومات حياته مما جعل العمل السياسي يتراجع بشكل عام رغم نشاطات العديد من الخلايا الحزبية المنظمة في هذه الفترة التقط غسان لب المشكلة ليوجه انظار الجماهير نحو همها الرئيسي لان قسوة الحياة وشظفها نتيجة وليس سببا.
من هنا يصبح دوره - ككاتب ملتزم رائد- ان يدين محاولات الخلاص الفردي غير الملتحمة بالجماهير لان مصيرها الفشل الذريع والموت في صحراء لا حياة فيها لذلك جاءت روايته (رجال في الشمس) محاكمة نقدية لمجمل الظروف الخاصة التي ادت الى السكون والموت المعاش اذ كان الاستمرار في ذلك يعني الركض وراء الخلاص الفردي على حساب تراجع الحلم الاساسي المتمثل في تحرير الوطن الذي يحتاج الى جهد جماعي منظم.
في هذه الرواية ينتشل غسان الهم الجماهيري المتراجع وسط ذل الحياة اليومية ليضعه في الواجهة وليكون محط الاهتمام لان في استقطاب الطاقة البشرية حوله ادخال الصراع مع العدو الى ميدان الممارسة المؤدية الى حل المشكل الاساسي وفي الوقت ذاته تحويل الجهد الفردي المبذول في محاولات خلاص فردي الى جهد فردي يسهم في بلورة جهد جماعي يوصل الى الحلم الذي يطمح الجميع اليه ورغم تركيز الرواية على الجانب السلبي الذي ادى الى الهزيمة التي نتجت عنها هذه الظروف التي تعيشها شخوص الرواية الا انها اعطت الاشارة لتفجير هذه الظروف من الداخل لان الاستمرار فيها يعني اطالة عمر الهزيمة-الموت ويتم الموقف النقدي من خلال شخوصها الاربعة التي اختارها الكاتب من اجيال فلسطينية متعاقبة وكأنه يحملها كلها مسؤولية الهزيمة كأشخاص ورموز.
ابو قيس اسعد مروان رموز لاجيال فلسطينية منها من عرف الوطن وشرد منه ومنها من ولد خارج الوطن وتشرد بسببه التقوا في البصرة بعد عذاب ومشقة يطمحون في الوصول تهريبا الى الكويت حيث يحلمون بالجنة والاستقرار باحثين عن خلاص فردي من حياة الذل والمهانة ومطاردة الانظمة ولكن كيف الوصول؟ تكمن عقدة الرواية في الاجابة على هذا السؤال اذ قصد غسان ان يجعل النهاية درامية مفجعة بشكل يفوق درامية وفجيعة حياة الفقر والجوع التي هربوا منها ورغم كثرة الذين يحترفون تهريب الاشخاص الى الكويت الا ان غسان وضع الاجيال الفلسطينية في قبضة محارب فلسطيني قديم تولى مهمة تهريبهم في خزان المياه الذي يقوده لحساب ثري كويتي لقد جمعتهم شهوة واحدة هم يريدون الوصول الى ما اعتقدوا انه الجنة الموعودة وهو يريد اللحاق بالحاج 0رضا9 مصدر رزقه ووسيلته في جمع المال الذي اصبح طموحه الشخصي وكان واضحا ان (ابو الخيزران) لا يهمه من هذه الصفقة الا مبلغ المال الذي سيتقاضاه منهم اما مصيرهم فلم يدخل في حساباته بدليل انه في حواره معهم ومع نفسه لم يفكر فيما سيلاقونه داخل صهريج الماء المقفل وسط الصحراء الملتهبة وهم يغوصون في داخله وكأنه المقلاة.
شخصية ابو الخيزران هنا رمز للقيادة اللامسؤولة التي اضاعت الوطن سابقا وما زالت تتاجر بشعبه وصولا الى مصالحها الذاتية انها شخصية ترمز الى كل من يتحمل مسؤولية الضياع الذي عاشه ويعيشه الفلسطيني وقد كان موحيا ان جعله غسان رجلا فقد رجولته عام 1948 وما يزال يتنطح للقيادة والمسؤولية كما قصد غسان في نهاية لرواية بعد ان القى ابة الخيزران بالجث الثلاثة فوق اكمام القمامة ان جعله يعود اليها ليستولي على ما في جيوب اصحابها من دنانير وما على معاصمهم من ساعات فالمصلحة الشخصية هي الهدف رغم فداحة الموقف الماساوي قيادة هزيلة عاجزة محطمة نفسيا وجسديا تقودهم الى رحلة الموت في جوف خزان ملتهب كانوا يطمحون الى الاستقرار فاستقروا في جوف الارض هربوا من الارض الى الارض ولكن من ارض الوطن الى ارض صحراوية فيها الموت "كان الفرار موتا" ان من يفر من الارض يجد الموت الا انه هنا موت سلبي لم يتقدم باصحابه خطوة واحدة نحو الوطن ولكنه طرح التساؤل الذي سيضيء الطريق امام الذين يفروا لكنهم ما زالوا صامتين.
هل كان الهم الجماهيري الحقيقي في تلك الفترة التغلب على صعوبة الحياة وفقرها؟ اذا كان هذا الغرض قد اصبح مشكلة الفلسطيني الا ان ذلك - كما قلنا- كان نتيجة وليس سببا لان الهم الجماهيري الكامن في الوجدان والمخيلة هو كيفية تحقيق العودة الى الوطن لان في هذا ازالة للنتيجة التي يعانون منها لذلك فاهمية رواية 0رجال في الشمس) تكمن في قدرة غسان على اتقاط الخفي في هذا الهم الجماهيري من خلال النهاية الروائية التساؤل؟ لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟ زانعدام المنطق في هذه النهاية كون هذا التساؤل جاء على لسان (ابو الخيزران) الذي قادهم للموت يبدو تساؤله هذا نوعا من العزاء النفسي له شخصيا ومثيرا للهم الجماهيري لدى المجموع لان التساؤل يقول للمجموع: لماذا تقبلون الموت بسكوت وبدون مواجهة؟ ما دام الموت هو المحق بكم فلماذا تحجمون عن المواجهة؟
ما دام الموت هو المحدق بالمرء يصبح من العبث استقباله دون حركة او صراخ او احتجاج او مواجهة فاما النجاح في ذلك او الموت بشرف وكرامة هنا الهم الجماهيري الفلسطيني الحقيقي وتساؤل غسان على لسان ابو الخيزران يعري مرحلة السكوت التي عاشها الفلسطيني آنذاك يستقبل الموت قانعا وكأنه قدره الذي لا مفر منه.

ما تبقى لكم 1966
تساؤل غسان كنفاني السابق عام 1963 كان منطقيا يواكب المرحلة التي عاشها الفلسطيني وفي عام 1966 يتبلور الهم الجماهيري الى فعل ممارس فقد كف الفلسطينيون عن استقبال الموت بقناعة وسكون وبدأت الطلائع الحزبية الثورية تصارع العدو وتواجهه في حدود امكانياتها المتواضعة لذا فان رواية (ما تبقى لكم) تبدأ من حيث انتهت (رجال في الشمس) او انها جاءت تحمل الجواب على التساؤل السابق لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ في هذه الرواية الخطوة الاولى نحو ذلك حيث الهروب بالاتجاه نحو الام-الارض يحمل صاحبه على مواجهة العدو بعد ان كان محاطا بالخسائر من كل الجهات وبعد ان اصبح بامكانه ان يفوت على خصمه ان يجعله ربحا يضاف الى ما سبق ان حققه هنا بداية الفعل الفلسطيني المدفوع بحافز الهم الجماهيري الكامن في الوجدان ورغم ان هذا الفعل كان ما يزال على مستوى فردي الا انه كان بداية ضرورية للحلول في البحر الجماهيري كي يولد الفعل الشعبي كان لا بد من البداية الطليعية وكي يولد 0حامد) كان لا بد من قتل زكريا رمزا للتخاذل والاستسلام والخيانة حامد في غزة محاط من كل جهة بحساب كله خسائر امه بعيدة عنه في الاردن واخته مريم حملته عارا كبيرا بحملها سفاحا من الخائن زكريا النتن كما كان يسميه مما اضطره ان يزوجها منه خوفا من الفضيحة.
زكريا هذا يمثل لدى حامد (مجرد لطخة مصادفة في مكان غير مناسب) انه النتن الذي خان قضيته بوشاية على (سالم) قائد المقاومة عام 1956 عند دخول اليهود قطاع غزة حيث سقط سالم برصاصهم وعيون الجميع تتجه نحو زكريا تتهمه بالخيانة قسوة هذه المواقف على نفسية حامد تجعله يقرر الهروب ابتعادا عن جو الخيانة الذي يحيط به من كل ناحية زكريا بخيانته لسالم ومريم بخيانتها لشرفها مع خائن باع القضية بخيانته لسالم وتسليمه للعدو ان اصرار حامد على الخلاص من الماضي يضعه امام الخطوة الاولى نحو الفعل وبعكس شخوص 0رجال في الشمس) فهو لا يفر نحو الاتجاه الخاطئ - وذلك للخلاف في همومها الفردية انما نحو امه- الارض وهنا تصبح الصحراء على عكس ما كانت عليه في (رجال في الشمس) هنا تصبح ائنا حيا تتمدد وتتنفس وتمتلئ بالحيوية والحركة تتضامن مع الذي يدق بخطواته الواثقة على صدرها اذ لا مفر امامه من تقبيلها والالتحام بها رغم ما تحمله من رعب ويقوده هروبه في الاتجاه الصحيح الى اول مواجهة مع جندي من جنود العدو وكان قبل ذلك بلحظات قد طرح ساعته على الارض وفجأة بدت لي الساعة غير ذات نفع حيث لا اهمية هنا الا للعتمة والضوء؟
وفي هذا العالم الممتد الى الابد من السواد القاتم تبدو الساعة مجرد قيد حديدي يفرز رعبا وترقبا مشوبا وفي اللحظة التالية فككتها بهدوء واطرحتها وسمعت تخبط بصوت مخنوق في الارض بطرحه الساعة على الارض يتخلص نهائيا من سجن الماضي وحصاره ويبتدئ عمليا خطواته نحو الحياة-الفعل ويقود هذا الى الاصطدام بالجندي الصهيوني فيأسره وهو مسلح باحساس جديد غريب فبعد حسابه لنسبية الامور ادرك انه ... " ... قبل دقائق كان كل شيء في هذا الكون ضدي تماما وكانت الامور كلها في غزة وفي الاردن تعمل لغير صالحي وكنت اقف هنا هنا بالضبط في رقعة محاطة بالخسائر من كل جانب فتعال اقول لك شيئا مهما ليس لدي ما اخسره الان ولذلك فقد فاتت عليك فرصة ان تجعلني ربحا .." حامد يطرح هنا بعيدا عن حساب الخسائر فقد سيطر على خصمه وفي الوقت ذاته وعبر تداخل الزمن وتشابكه تخطو مريم خطواتها الاولى نحو تحويل همومها الفردية الخاصة في المسار ذاته كي تتخلص من ماضيها الذي يحاصرها في شخص زكريا فتتقدم - عبر دقات الساعة- على طعن زكريا بسكين المطبخ في عانته معلنة بذلك دخولها مع حامد في ذات الوقت دائرة الفعل.
الهم الجماهيري في رواية (ما تبقى لكم) وان اتخذ الطابع الفردي الخاص الا انه هم متصل بالقضية الاساسية وقاد اليها عبر مواجهة حامد مع العدو الصهيوني وهند حدود المواجهة بين مريم وزكريا ايضا يكون هذا الهم قد عبر عن نفسه بالصوت العالي واجرى حساباته الخاصة والعامة بدقة متناهية وقد كان لا بد من اتخاذ هذا الموقف لان الامور كافة لم تعد تحتمل التاجيل والتسويف .. " .. ما تبقى لها ... ما تبقى لكم ... ما تبقى لي حساب البقايا حساب الخسارة حساب الموت نفق مسدود من طرفيه كله مؤجل كله مؤجل" وهكذا فان الرواية بتشخيصها لهموم الجماهير تريد ان تعلم صراحة " انه عند المواجهة يتحول حساب الخسائر بالنسبة للفلسطيني الى حساب ارباح ... يصبح الزمن رفيق الفدائي بعد ان كان خصم اللاجئ.

الحلول في بحر الجماهير
في عام 1966 كتب غسان كنفاني روايته (عائد الى حيفا) و"ام سعد" ورغم اختلاف موضوعيهما واسلوبيهما الا انهما ضمن البحث عن تعبيرات غسان عن هموم الجماهير انهما يقدمان تنويعات محددة في الاطار ذاته في رواية 0ما تبقى لكم) -1966- حسمت المواقف كافة لصالح المواجهة كحل لهموم الجماهير ومآزقها ولما كانت المواجهة ما زالت فريدة يعود غسان للموقف ذاته في (عائد الى حيفا) -1969- اي بعد ثلاث سنوات ليؤصل الموقف فكريا بحيث يجعله غير قابل للنقاش والجدل اذ لم يعد مجال للشك في ان (المواجهة-الصراع) الحل الوحيد لهموم الجماهير المتطلعة الى ىمال وتطلعات عندما ذهب سعيد مع زوجته صفية الى حيفا عبر بوابة مندلبوم كان يشعر بالاحباط والاسى والهزيمة لانه كان يدرك في اعماقه هول الفاجعة فهو يعود الى حيفا بعد ان وجد الاحتلال فلسطين كلها بدلا من ان يزور حيفا المحررة كما كان يأمل قبل سفره رفض بشدة فكرة التحاق ابنه خالد بالفدائيين وكان يطمح مع صفية دون اتفاق مسبق ان يعثرا على (خلدون) الطفل الذي تركاه خلفهما عام 1948 خلدون - دوف فيما بعد- شكل صدمة عاطفية لوالده اوصلته الى تأكيد قناعات فكرية كانت نهزوزة لديه خلدون-دوف عندما عرف انه من ابوين عربيين وها هما امامه بلحمهما ودمهما لم يتغير موقفه وظل على ولائه لما تربى فيه وعرف له بانه (وطن اليهود) واصل قناعته بقوله " ان الانسان هو في نهاية الامر قضية" خلدون-دوف يرى ذلك في حين ان سعيد يرفض التحاق خالد بالفدائيين من اجل القضية التي في حلها يمكن حل كافة همومه الخاصة والعامة نتيجة لهذه الصدفة وما تبعها من قناعات جديدة يتمنى سعيد لو انه سمح لخالد بالاتحاق بالفدائيين لانه ادرك ان (دوف هو عارنا ولكن خالد هو شرفنا الباقي) لذلك تتغير لهجته مع دوف واليهودية مريام فيكون جوابه لهما قبل خروجه من بيته السابق " تستطيعان البقاء مؤقتا في بيتنا فذلك تحتاج الى تسويته الحرب"!
بعد تأسيس المواقف السابقة وتأصيل القناعات الخاصة بها تجيء رواية (ام سعد) -1969- والعمل الثوري الفلسطيني قد سجل نموا ملحوظا في المواجهة والصراع مع العدو الصهيوني وانخراط قطاعات اوسع من الشعب في هذا الصراع فقد نما الوعي بان الهموم الجماهيرية - خاصة وعامة- تجد ميدان حلها وتحولها الى الصراع الايجابي الواسع.
في هذا الصراع لم يعد مجال للبطولة الفردية فتجيء (ام سعد) نموذجا للشعب وليس افتعالا ولا تعسفا اذا قلنا ان هذه الرواية حلقة مكملة للرواية السابقة (ما تبقى لكم).
في هذه الرواية كنا في الطليعة التي تعلن التمرد على ما يحيطها من حصار وموت وهنا في (ام سعد) تسري عدوى التمرد - الفعل الى الجماهير فنصبح امام الشعب كله وقد سار وراء هذه الطليعة مدركا ان المواجهة هي قدره وانه ضمن كافة الحسابات لم يعد هناك ما يخسره و رغم البطولة المفردة لهذه الرواية الا ان (ام سعد) تكتسب في الرواية الملامح الجماعية فلم تعد ام سعد الفرد انما الشعب باكمله.
الهموم الجماهيرية التي قمعت طوال السنين الماضية تجد المتنفس الحقيقي في حلولها في بحر الجماهير حيث تصل الى الحد الاقصى من قدرتها على التعبير عن تلك الهموم من خلال التحانها في الكفاح المسلج لان هذه الجماهير تمثل كما يقول غسان في التقديم الطبقة "التي تقف الان تحت سقف البؤس الواطي في الصف العالي من المعركة وتظل تدفع اكثر من الجميع" ان احساس الطبقة التي تمثلها ام سعد بمرارة الهزيمة لا يعاد له احساس فهي الطبقة التي يقع على كاهلها العبء كله وفي الوقت ذاته الذل كله ان الاحساس الجماهيري لديها جعلها تعرف ان خلاصها في الكفاح المسلح الذي يمثله الفدائيون (خيمة عن خيمة تفرق) وهذا يؤدي الى تحولات واضحة في السلوك اليومي للشخوص من جراء تأثير الوضع الاجتماعي الطارئ بتنوعاته المختلفة "ام سعد" الام الفلسطينية- الجماهير التي تتوحد مع الارض ومن اجلها تحمل همومها وآلامها وتسهم في تحقيق تطلعاتها ولا تكف عن البذل ولا تتعب من العطاء والتضحية هذه المرأة تلد الاولاد فيصيروا فدائيين هي تخلف وفلسطين تأخذ في هذه الرواية يأخذ البطل الفلسطيني شكله الجماعي الذي يناسب المرحلة الثورية التي يعيشها وفيها نعيش الوضع الثوري بابعاده الجماعية وبها تبلغ الرواية الفلسطينية قمة واقعيتها الاشتراكية حيث الانحياز العلني للانسان الكادح الذي يبني غده المشرق تمردا على واقع يسوده القمع والاستغلال ويصادر العدو المحتل حقه في العيش على ارض وطنه.
كانت روايات غسان كنفاني الاربع تواكب في رصدها لهموم الجماهير الفلسطينية حركة الشعب الفلسطيني التاريخية واذا اقتصرت هذه الدراسة على رصد الهموم ذات الطابع العام المتعلق اساسا بالقضية الوطنية وتناميها حتى حلولها في بحر الجماهير الساعية نحو الكفاح المسلح كحل لهذه الهموم ومتعلقاتها ونتائجها فان هذه الروايات ومجموعاته القصصية تعبيرات اخرى عن هموم جماهيرية تتعلق بمتغيرات الحياة اليومية الصغيرة وبرصدها نكون امام كاتب كان يعيش الجماهير حياة وكتابة وهذه النواحي موضوع دراسة اخرى.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 01:13 AM [ 6 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل






غسان كنفاني والرصد الاسطوري

ممدوح عزام


ربما لم يحظ كاتب عربي بالاحتفاء مثلما حظي به الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني. ففي صيف كل عام منذ استشهاده قبل تسع وعشرين سنة تخصص مجلة الهدف الفلسطينية عددا او ملفا لذكراه يشارك فيه عدد من النقاد والروائيين والشعراء العرب حيث يتبارون جميعا بالاشادة به مناضلا وانسانا وفنانا وروائيا وقاصا ومسرحيا. وربما كان غسان هو الوحيد من بين الكتاب العرب الذي انشئت لجنة لتخليده، فطبعت اعماله في مجلدات قدم لها نقاد وروائيون قصاصون من ألمع الوجوه العربية. دون ان يلاحظ اي كاتب اي ملاحظة، او يوجه اي نقد من اي مستوى لأعمال الكاتب الى ان اضطر الروائي الراحل غالب هلسا لكتابة مقال بعنوان: «غسان يأبى التصنيف! ما السبب هل هي صفة المناضل التي لصقت بغسان ولم يتشرف بها غيره من الكتاب العرب؟ هل هو انتماؤه الى القضية الفلسطينية بهذه القوة؟ هل هو استشهاده الدراماتيكي؟ هل هي قيمته الفنية العالية؟

لا يقل خليل حاوي المنتحر احتجاجا على الضعف العربي تجاه الغزو الاسرائيلي اهمية عن غسان، ولا يتطامن الشهيدان حسين مروه، ومهدي عامل عن استشهاده ولم يعبث توفيق يوسف عواد مع الموت، فقد قتلته قذيفة ميليشيا طائشة. وكاد نجيب محفوظ يموت ضحية التعصب وثمة العشرات ممن ماتوا موتا عاديا من ألمع وجوه الثقافة العربية.

قال غالب هلسا في مقاله الغاضب «إن الموت يضفي على الموتى في منطقتنا العربية هالة لا يمكن اختراقها. ولكن التفسير ناقص ولكي يثبت انه يرفض تصنيم غسان كنفاني يحاول اعادة قراءة أعماله فيشير الى ان رواية (عائد الى حيفا) هي اعادة كتابة لمسرحية بريخت «دائرة الطباشير القوقازية» وأن رواية «ما تبقى لكم» هي اعادة كتابة لرواية فوكنر «الصخب والعنف» اما رواية «من قتل ليلى الحايك؟» فهي اعادة كتابة لرواية كامو «الغريب» في الوقت نفسه يدافع غالب هلسا عن فكرة التأثر «التي يميل النقد الغربي اليوم لتسميتها سرقة» قائلا بأننا اذا قبلنا تهمة السرقة فإن القائمة سوف تطال شكسبير وجوته وبرنارد شو وبريخت نفسه واندريه جيد بعد هلسا كتب محمد دكروب مقالا بعنوان: «فلنفك الرصد الاسطوري عن غسان كنفاني الفنان والانسان» اشار فيه الى الطابع الاحتفالي وروحية التعبئة السياسية التي وسمت الكتابات التي تناولت غسان كنفاني. وبسببها اعترض احد النقاد على نشر كتاب ضم المقالات الساخرة التي كان غسان يكتبها باسم «فارس فارس» لان هذا غير لائق. ثم ثارت ضجة عنيفة حين نشرت «غادة السمان» الرسائل الغرامية التي كان غسان يكتبها لها واتهمت غادة بالتآمر!

الظاهر ان الرصد بدأ ينفك عن الكاتب، ويبدو انه لم ينفك عن قيمته الفنية وحدها، بل عن خطابه الفكري، والنتائج الجديدة مدهشة فعلا!

ففي مقال كتبه الناقد الفلسطيني سمير اليوسف «مجلة نزوى العدد 17» اشار الى ان الرواية الكنفانية تقوم على نفي السياسة سواء كأداء انساني او كوسيلة للخلاص من المحنة.. بل ويمكن القول «والكلام لسمير اليوسف» ان الرواية ـ رواية غسان كنفاني «عائد الى حيفا» هي ادانة للسياسة من حيث انها خطر يتهدد الاجماع المعقود بالضرورة حول تصور واحد وحيد للسبيل الذي ينبغي ان يسلك فهي اذ لا ترى الا في «العنف السياسي» والحرب سبيلا، فإنها تقصي السياسة بما هي احتمال اتخاذ سبيل آخر كالتنازل عن الحقوق او الاقرار بحق الآخر في الوجود. انتهى كلام اليوسف هنا، ومن الواضح انه يعامل الرواية على انها خطاب سياسي او فكري وليست عملا فنيا متجاهلا قوانين الابداع والعجيب انه يضيف هذا الاستنتاج: «اما اقصاء عن مجتمع لم يكن متجانسا تمام التجانس في يوم من الايام ـ وبخلاف ما تزعمه الرواية الكنفانية ـ إلا دعوة مفتوحة لصراعات وحروب اهلية دموية وتصفيات جسدية».

وباحثا عن «صورة اليهودي في مرايا غسان كنفاني» يقدم الناقد الفلسطيني الدكتور فيصل دراج قراءة اخرى في خطاب غسان. ليجد ان كنفاني بدا في رواية «عائد الى حيفا» مفتونا بانتصارات اليهود. وذلك من خلال ثلاث اطروحات: 1) الصهيوني جدير بفلسطين لانه قاتل لاحتلالها.

2) المشروع الصهيوني جدير بالاحترام وخطيئته الوحيدة انه انجز فعله العظيم فوق ارض فلسطين.

3) يصبح الفلسطيني جديرا بفلسطين حين يصبح صهيونيا مقلوبا، حين يساوي فعله المقاتل، من اجل استعادتها الفعل الصهيوني المقاتل الذي افضى الى احتلالها (مجلة الكرمل العدد 53) ويضيف دراج بأن رواية «عائد الى حيفا» ترجع الانسان الى قضية، وانما هذا الارجاع يساوي بين الفلسطيني والصهيوني فلكل منهما قضية، وعلى كل منهما ان يدافع عن قضيته ولا يتردد دراج في تخطئة الخطاب الكنفاني: فقد أخطأ حين اعتبر الانتصار صح والهزيمة خطأ، وأخطأ حين نسي ان افق القضية المهزومة (والمنتصرة ايضا) يشتق من التمثل النقدي لتاريخها الخاص بها، وبمعنى آخر، ان على الوعي الفلسطيني ان يتحرى احواله في التاريخ العربي المعوق لا في التاريخ الآخر الذي انتصر عليه.

ترون لم يعد ثمة اي رصد يحمي الكاتب، لكنه سوف يظل شهيدا.





الأعلى رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 01:14 AM [ 7 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل





روايات غسان كنفاني تجمل السينما العربية

محمد عبيدو


تستهوي قصص وروايات الشهيد غسان كنفاني صانعي الافلام، ليس فقط بسبب بنائها ووضوح شخوصها ولكن ايضا بسبب الحبكة التي تقترب من السيناريو الادبي للسينما.

واذا ما تأملنا اعمال غسان كنفاني فاننا نجد صعوبة كما يحصل عادة في تحويل الأعمال الادبية للسينما، لا نجد صعوبة في اقتباس السيناريو منها.

وعندما قال غسان كنفاني انني اكتب بطريقة سينمائية.. فانه يعني بذلك الصورة والبناء لأن السينما هي اختزال للزمن وتكثيف للاحداث وهي اكثر الادوات الثقافية بلاغة في هذا الاتجاه.

ولو لم يكن حادث الاغتيال المفجع لكان غسان قد اغنى السينما بنصوص ادبية مبهرة وفيما يلي رحلة في تجارب كنفاني التي تحولت الى أفلام سينمائية.

«المخدوعون» أول الافلام التي تناولت القضية الفلسطينية بوعي عميق ونظرة شاملة في عرض فني لا ينقصه الوضوح نسبيا وبعيدا عن اية محاولات تجارية او انتقالية شكلية حصل على عدد من الجوائز العالمية تقديرا لقيمته التي مازال يحتفظ بها حتى الآن، فالنظرة الموضوعية التي اتسم بها بحثه بجوانب القضية والكشف عن الاسباب والنتائج وطرح الاسئلة الجوهرية عن المشكلة.

كل ذلك يجعل الفيلم بالاضافة الى قيمته التاريخية قيمة حية حتى الآن قادرة على تنوير وعي الانسان العربي بذاته وقضيته المصيرية «المخدوعون» يحكي قصة الدوافع الخاصة لدى ثلاثة فلسطينيين من اجيال مختلفة التي تؤدي بهم الى محاولة الدخول خلسة الى الكويت حيث يخبئهم سائق يمتهن التهريب داخل صهريج المياه المفرغ في سيارته فيلاقون حتفهم في النهاية لتأخر السائق في انجاز معاملته في مخفر الحدود الكويتية فيلقي بهم في مكان ما في الصحراء ويتابع طريقه في ذهول ومن خلال العلاقات الثلاثية التي يحدد مسارها «ابو قيس ـ اسعد ـ مروان» مع الناس الذين يحيطون بهم والتي تتمازج في خطوط دقيقة ومتوازية.

يحدد لنا توفيق صالح الخط العام الرئيسي للفيلم والذي من خلال تحليله لنماذج ابطاله الثلاثة يشرح لنا الواقع الفلسطيني عبر مشاهد ـ الفلاش باك ـ التي تتداعى في ذكريات كل منهم.

والذي قرأ رواية «رجال تحت الشمس» لغسان كنفاني يجد أن احداث فيلم «المخدوعون» تطابقها تمام المطابقة.. فلقد حافظ توفيق صالح على النص الروائي كما هو وبتسلسل أحداثه.

ولكن اختلفا مرتين: فالنهاية عند كنفاني تسير كما يلي: عندما يلقي السائق بالجثث فوق أكوام القمامة يتوقف امام سيارته متشنجا يوشك رأسه ان ينفجر من فكرة مفزعة سيطرت عليه «لماذا لم يدقوا الخزان؟! ولم يقرعوا الخزان؟!».

فأبطاله ماتوا خانعين في صمت دون ان يدقوا الخزان.. وهو يريد بهذه النهاية ان يرمز الى ان الفلسطينيين كان عليهم ان يملأوا الدنيا قرعا بدلا من يدعوا انفسهم يموتون في صمت.

اما النهاية عند توفيق صالح فهي مرئية «سينمائية خالصة» اذ نرى الثلاثة وسط القمامة بينما يد ابي قيس متصلبة ومرفوعة الى أعلى مهيأة لحمل شيء، قد يكون راية او مدفعا رشاشا وقد تكون القبضة متكورة في صرخة احتجاج صامت.

كما ان توفيق صالح ـ على عكس غسان كنفاني ـ جعلهم يدقون على صاج الخزان عندما اطال بهم الوقوف امام الجمارك الكويتي، لكن طرقاتهم الواهنة ضاعت وسط الصخب فلم يشعر بهم أحد، غير ان النهايتين تتفقان في الهدف: ان الهرب لا يحل المشكلة.

اما الاختلاف الثاني بين الرواية والفيلم فهو تلك الاضافة التسجيلية التي اضافها توفيق صالح وجاءت في مكانها لتؤدي الغرض منها ولتثري الفيلم ببعد جديد.

استطاع توفيق صالح بما لديه من قدرات جيدة في الصنعة السينمائية ان يقدم لنا فيلما ملتزما وواقعيا واضحا بالرغم من الازدواجية في اسلوبه خلال عرضه السرد الدرامي.

فمرة يستخدم الواقعية استخداما مباشرا قاده في النهاية الى استخدام الوثائقية.. ومرة يلجأ الى الرمز ليصوغ من خلاله تعبيرا دراميا ايحائيا قويا ومعبرا.

«السكين» عن «ما تبقى لكم» لغسان كنفاني اخراج خالدة حمادة فيلمه «السكين».. بطلة الفيلم فتاة فلسطينية تعيش في غزة مقطوعة الجذور عن أهلها وعن بيتها الأصلي يغرر بها رجل سافل وضائع وضالع في التعاون مع سلطات الاحتلال الصهيوني، لا يجد الشقيق الشاب للفتاة سبيلا الى مساعدتها ولا يلتزم بالدفاع عنها، ومحاولة تخليصها بل يدعها ـ عن عجز ـ تسقط فريسة سهلة بين يدي مغتصبها ثم يهيم على وجهه في الصحراء هاربا من مواجهة مشكلة شقيقته ومن الاحتلال فيضيع في صحراء النقب، وقد أخذ النقاد على الفيلم ان تطور الاحداث تعوزه التبريرات كما ان محاولة الاغراق في الرمزيات واستخدام المشاهد الجنسية باسراف والنهاية المفتعلة التي يقضي فيها البطل على الدورية الصهيونية ويفر بسيارتهم الى الحدود علاوة على تنفيذها السيء.. كل ذلك وغيره لم يبق للفيلم شيئا من الوعي بالقضية.

«عائد الى حيفا» قام المخرج قاسم حول باخراج فيلم روائي طويل فلسطيني الانتاج بعنوان «عائد الى حيفا» عن رواية غسان كنفاني انتجته مؤسسة الارض للانتاج السينمائي عام 1981 وتدور أحداث الفيلم الدرامية صبيحة الحادي والعشرين من ابريل عام 1948 وقد انهمرت قذائف المدفعية من تلال الكرمل العالية لتدرك مدينة حيفا وفي هذا الوقت كانت سيدة قد تركت ابنها الرضيع الذي اسمه خلدون في البيت وخرجت تبحث عن زوجها وسط حشود الناس المذعورة حيث يضطران للنزوح.. وتمر الايام والسنون وتعود الاسرة الى البيت بعد حرب عام 1967 لتفاجأ بأن «خلدون» قد أصبح شابا وان اسمه دوف، وهو مجند في جيش الاحتلال وقد تبنته اسرة يهودية استوطنت البيت بعد نزوح 1948 وهنا تبلغ المأساة ذروتها بعد ان عرف الفتى الحقيقة اذ اصر على الانحياز الى جانب الام التي تبنته.

كان الزوج يعارض التحاق ابنه الثاني بالعمل الفدائي وبعد ان رأى حالة ابنه البكر قرر الموافقة فعاد ليجد ابنه قد التحق بالعمل الفدائي.

وقد حلل «قاسم حول» بجرأة واثارة ابعاد الصراع العربي ـ الصهيوني من خلال تطور احداث الفيلم الا ان الامكانات الفنية قد حالت دون تنفيذه بالشكل المطلوب وبالرغم من الموسيقى التصويرية التي وضعها الفنان زياد الرحباني التي تناغمت الى حد بعيد مع المضمون الدرامي.

«المتبقي» وعن نفس الرواية «عائد الى حيفا» قام المخرج السينمائي الايراني بانجاز فيلمه الروائي الطويل «المتبقي» 1995 الذي تدور أحداثه عام 1948 اثناء احتلال عصابات الصهاينة لمدينة حيفا.. ومحاولة اخلاء المدينة وتسكينها لليهود المستوطنين.

تتلقى صفية، مديرة مدرسة للبنات في غزة، رسالة من زوجة ابنها، تبلغها فيها بأن حياة ابنها الدكتور سعيد ـ اخر اولادها ـ مهددة بالخطر.

تعجل صفية بالسفر الى حيفا لاقناعه بالهرب الى غزة.. لكن الاحتلال يبدأ فجر اليوم التالي تماما.

واثناء طلقات رصاص القناصة.. والعربات المصفحة التي تقودها العصابات الصهيونية التي ملأت شوارع حيفا لاطلاق الرصاص والقذائف على المواطنين الفلسطينيين العزل لتحصد النساء والاطفال والرجال.. يترك الدكتور منزله الى عيادته لعلاج المصابين والجرحى من منطلق الواجب الوطني.

وفي طريق العودة الى المنزل تطارده عربات القناصة الصهاينة..

يستشهد الطبيب امام عين زوجته التي تركت الطفل في محاولة للبحث عن الزوج.. لتلقى مصرعها بجانبه وعيونها معلقة تجاه الحجرة التي ينام فيها الطفل.

يظل الطفل «فرحان» لترعاه اسرة مسيحية مجاورة للاسرة. لكن «شيمون» الضابط المسئول عن تهجير الفلسطينيين يقوم بطردهما والاستيلاء على الطفل لاعطائه لأسرة يهودية قادمة من بولندا، لأن المرأة اليهودية لا تنجب.. وتتبناه الاسرة اليهودية وتطلق عليه اسم «موشيه».

ورغم ذلك لم تتوقف محاولات استعادة الطفل بل استمرت من خلال جدته «صفية» التي لازمت الطفل بصفة خادمة ونظم جده محاولة لخطفه الا انها باءت بالفشل.. وطوال الوقت نرى الشك في عيون الاسرة اليهودية، ويقرر «شيمون» رحيل الاسرة الى تل ابيب مع مجموعة من اليهود المهاجرين للاستيطان هناك.

ويصل الفيلم الى مقولته في الجهاد الفدائي والتضحية بالنفس وعندما تأخذها الجدة من زوجها الصحفي المناضل حقيبة تضم قنبلة موقوتة وبمغامرة جريئة تصعد بها الى القطار الذي يقل اليهود في مشهد مليء بالتوتر والاثارة.. وعندما يكتشف أمرها من قبل الضابط «شيمون» بعد سير القطار تضحي بنفسه مع حفيدها لتقفز من القطار الذي ينفجر بعد لحظات من قفزها وتستشهد ويبقى حفيدها حيا.. وتبقى صرخته امتدادا لحياة فلسطين.

الفيلم ليس مطابقا لقصة غسان كنفاني، ولكنه حاول ان يقدم فترة الاحداث بشكل اقرب للوثائقية، ولكن يؤخذ عليه المباشرة بالطرح وبعض الاحداث الميلودرامية المضافة.. وعند المقارنة بين النص والفيلم نرى ان المخرج فضل ان يبقى الطفل عربيا ولا يتهود، اما في الرواية فقد أصبح الطفل صهيونيا وتأقلم مع ذلك عندما كبر. كما اضاف مشاهد عديدة مثل بحث الجدة عن حفيدها ونسف القطار.. ولكن الرواية والفيلم يلتقيان على ادانة الكيان الصهيوني واصرارهما على الكفاح المسلح لتحرير الارض.




الأعلى رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 01:15 AM [ 8 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل





غسان كنفاني.. شهيد يليق بوطن سليب

محمد عبده العباسي


نيف وثلاثين عاما عاما تفصلنا اليوم عن يوم استشهاده، ولم تزل روحه الوثابة ترفرف عن حولنا. مازلنا نذكره كأنه معنا يعيش بيننا نحتاج لقلمة مع أقلام كل الشرفاء جميعا من أجل قضية عاش لها جل عمره، ولمواجهة عدو شرس يمارس إرهابه وطغيانه في همجية ليس لها نظير.

كان صباحا أليما ذلك الصباح البعيد من صيف حار غير سماء العاصمة اللبنانية بيروت، ففي تمام الحادية عشرة يوم 8 من يوليو تموز عام 1972 م انفجرت السيارة التي أودت بحياة الكاتب والمناضل الفلسطيني عسان كنفاني ومعه شابة في سن السابعة عشرة اسمها ' لميس نجم' ابنة أخته فائزة القادمة التي جاءت لزيارة الأهل في إجازة من عملها كمدرسة بدولة الكويت..

قبل أن يغادر غسان منزله ليلقي حتفه شهيدا. كان مع زوجته ورفيقة عمره 'آني' كانت صامته تنصت في اهتمام تام بينما انشغل الصغير فائز باللهو بقطاره الكهربي الذي أصلحه له الأب توأ وراح يداعب الصغير ويلاعب ليلي الصغيرة..
أدار غسان ظهره مودعا الجميع، قبل الصغار وامتدت يده بيد لميس ليصحبها في جولة بوسط المدينة في بيروت، في الوقت الذي كانت تستعد فيه لأن تلتحق بالدارسة في عامها الأول بكلية لاطب في عمان بعد انتهاء العطلة الصيفية ولكن أبيها الذي جاء ليخبرها وجدها قد ماتت..

دقيقتان مرتا فقط وسمع صوت دوي انفجار هائل دمر السيارة وهز أرجاء المكان أطاح بزجاج الشرفات وتطايرت النوافذ وجدوا الصبية لميس ملقاة علي الأرض جثة هامدة علي مقربة من السيارة بخطوات، بحثوا عن غسان فلم يجدوا من أشلائه سوي ساقه اليسري بينما وجدوا كفا له فوق سطح إحدي البنايات.. ولم تمض ساعة واحدة علي تلك الفعلة الشنعاء حتي أذاع راديو اسرائيل 'أن الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد قتل مع زوجته مع انفجار سيارتهما بقنبلة موقوتة'
ولد غسان كنفاني في عكا بتاريخ التاسع من أبريل نيسان عام 1936م مواكبا بداية الثورة الفلسطينية العربية ضد القوات الصهيونية وسلطات الأنتداب البريطاني..
في تلك الثورة قام الفلسطينيون بإضراب عام يعد الأطول في تاريخهم والذي استمر ستة شهور، قدموا فيها قرابة خمسة آلاف شهيد عربي وحوالي الألف وخمسمائة آخرين جرحي. غير الذين ماتوا شنقا بأمر من السلطات البريطانية وعددهم حوالي مائة.
عاش غسان طفولته في يافا واضطر للنزوح عنها مع أسرته كماتزج آلاف من الفلسطينيين بعد نكبه عام 1948م..
وعاش الأب فايز كنفاني في قرية الغازية الحدودية علي أمل العودة للوطن بعد أن تضع الحرب أوزارها ولكن القدر لم يمهله ليعود..

ثم ارتحلت الأسرة بعد ذلك إلي قرية 'الزبداني' الجبلية في سوريا وعاشت تواجه الفقر والجوع حتي استقر بها المقام في دمشق وفيها عمل غسان مع شقيقه غازي في وظيفة 'العرضحالجي' يكتبان الشكاوي للفقراء أمام المحكمة لنيل حقوقهم نظير قروش زهيدة من أجل إعاشة أسرة قوامها ثمانية أفراد بالإضافة لعدد مماثل يقيمون معهم، وراح غسان وشقيقه يتابعان الدارسة في مدرسة ليلية في الوقت الذي سافرت فيه فائزة للكويت للعمل معلمة هناك ضمن قافلة تضم أول دفعة للمعلمات الفلسطينيات.

في السادسة عشرة حصل غسان من علي شهادة البكالوريا 'البريفيه'
وانتسب غسان بجامعة دمشق والتحق في دائرة الأدب العربي فيها، وبدأ يعمل معلما للتربية الفنية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين المعروفة باسم ' الأونروا' والتي أنشاتها الأمم المتحدة في الثامن من ديسمبر عام 1949 وقبل إلتحاقه بالتدريس كان غسان قد عمل بأحد المطابع في عام 1955 بدمشق وطلبت منه حركة القوميين العرب 'أن يقوم علي تحرير جريدتها 'الرأي' ويومها أنتسب إلي تلك الحركة.

* * *

وبحلول العام التالي 1956 سافر غسان كنفاني إلي الكويت ليلحق باخته وشقيقه بها حيث عمل معلما للتربية الفنية والرياضة وتحسنت الأحوال المعيشية للأسرة في هذه الفترة وحصل الأن علي موافقة السلطات لممارسة مهنة المحاماة وكان معظم زبائنه من الفلسطينين المدفعين..

وفي نفس العام 1956 حاز علي الجائزة الأولي عن قصة 'القميص المسروق' في مسابقة جرت علي مستوي الوطن العربي وحاز علي 780درجة في حين جاءت القصة الثانية بمجموع 500 درجة فقط..
وخلال السنوات الست التي قضاها غسان في مدارس الكويت الرسمية عمل بالصحافة وواصل نشاطه السياسي.

في هذه الاثناء تعرف علي الفتاة الدنماركية 'آني' التي أمنت بعدالة قضية وطنه، تلك القضية التي وهبها دمه وعمره وتزوجا في نوفمبر 1961 بعد شهو واحد من وصولها من بلدها، وأثمر زواجهما ميلاد صبي في 24أغسطس عام 1962 حمل اسم 'فائز' وبنتا أطلق عليها اسم ليلي تيمنا ببطلة إحدي أشهر الروايات العربية بالإضافة لذلك فهواسم معروف في أوساط 'اللابيين' الذين تنتمي إليهم زوجته 'آني' في البلاد الاسكندنافية بالمنطقة القطبية الشمالية..

كان غسان يسكن في شارع الحمراء ببيروت وكان عليه في هذه الفترة أن يعيش بعيدا عن الأنظار لكونه لايحمل جواز سفر وفيها أنجز روايته الشهيرة 'رجال تحت الشمس' التي وضعته في مصاف كبار الكتاب العرب..

ومنذ عام 1960م عمل محررا أدبيا لجريدة 'الحرية' الأسبوعية ثم أصبح عام 1963م رئيسا لتحرير جريدة 'المحرر' وهي تحمل وجهات نظر القوي الناصرية والتقدمية وبلغت في تلك الأونة مبلغا كبيرا لتصبح ثاني أكبر جريدة يومية من حيث التوزيع في سائر لبنان وبذل غسان قصاري جهده في العمل بمجلة فلسطين الأسبوعية وهي لسان حال القوميين العرب، وخلال عامي 64/63 وكانت هذه المجلة مرجعا وثائقيا هاما عن القضية وكانت توزع مجانا وتدعمها تبرعات من أصدقاء حركة القوميين العرب والتي بدأت في التحول إلي الاشتراكية العلمية في الوقت الذي كان العمل يجري علي قدم وساق لبدء الكفاح المسلح في فلسطين واثمر في خلال فترة وجيرة عن تأسيس الفرقة المقاتلة الأولي وهدفها الأول الأتصال بالعرب المقيمين داخل الأراضي التي تحت الاحتلال لأنشاء قاعدة للكفاح المسلح..

وقدمت الحركة أول شهدائها من أجل تحرير فلسطين وأهدي لهم روايته
'ماتبقي لكم' وهي الرواية التي حازت علي جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عام 1966.

* * *

كان غسان كنفاني الروائي والقاص والصحفي والفنان خير ممثل لنضال الشعب الفلسطيني والأديب الحق الذي عبر بصدق عن قضيته مصورا مدي قهرالأنسان للأنسان بصفة عامة، وكان نموذجا للفنان الذي يستعمل فيه بوصفه ممارسة إجتماعية حضارية وإنسانية صاقلا الوعي السياسي المنشود في زمننا المعاصر وهو أحد القصاصين القلائل الذين أعطوا في أعمالهم الإبداعية بعدا سيكولوجيا وكانت الأرض دائما إلي جوار الشخوص محط اهتماماته في أعماله جميعا..
وكان علي غسان المثقف والمناضل أن يصبح علي طرف نقيض من الكثير من الأدباء المتعطشين إلي مكانه اجتماعية أعلي هروبا من ماضيهم وتنكرا لطبقاتهم ولو علي حساب معتقداتهم الدفينة وتسلقا لسلم السلطة مما يؤدي بهم في النهاية إلي خيانة رسالتهم الاجتماعية والقومية والإنسانية..

والتحق غسان بهيئة تحرير جريدة 'الأنوار' اللبنانية وهي جريدة طليعية ناصرية الاتجاه حتي أصبح رئيسا لتحرير ملحقها الأسبوعي وكان يوقع مقالاته باسم 'فارس فارس'.
كماعمل في مجلة 'الحوادث' حتي عام 1969 وكان يكتب تحت مستعار أيضا هو 'ربيع مطر' ثم بدأ يعد ذلك بعد العدة ليؤسس صحيفة 'الهدف' التي بقي رئيسا لتحريرها حتي يوم استشهاده وكان دافعه للكتابة والعمل المتواصلين هو سبيل من سبل النضال الفلسطيني وصدرت الأعداد الأولي في يوليو 1969 وتناول غسان في كتاباته مدي المعاناة التي تلقاها الشعب الفلسطيني علي ايدي جلاديه من الصهاينة في أكثر تجلياتها تعبيرا وتحولت الجريدة في خلال عاميها اللاحقين إلي واحدة من أفضل المحلات السياسية الأسبوعية في العالم العربي وترجمت العديد من مقالاته إلي كثير من اللغات الأخري.

وإلي جانب ذلك الجهد المضني شارك غسان في وضع البرامج والبيانات السياسية التي تصدرها الجبهة وقام علي تصميم الملصقات الخاصة بالجبهة واستمر في الكتابة بلا انقطاع بالعديد من الاسهامات في مجلته حتي أصبح الناطق الرسمي باسم الجبهة وواجبه الأساسي أن يقص علي العالم أبعاد قضية وطنه.. قالت عنه جريدة الديلي ستار في عددها الصادر في 9 يوليو تموز 1972 صبيحة اليوم التالي لاستشهاده:

'كان المقاتل الذي لم يطلق رصاصة واحدة، كان سلاحه قلما وميدانه صفحات الجرائد، لكنه آذي عدوه أكثر من رتل من المقاتلين'.
وبسبب مقال نشره في مجلته هاجم فيه أحد الأنظمة العربية ثم سجن غسان كنفاني وقدمت نقابات واتحادات الكتاب والصحفيين علي مستوي الوطن العربي احتجاجات علي هذا الأجراء، ولعل مرض السكر الذي اصيب به خلال حياته بالكويت قد جعل إدارة السجن تلحقه بمستشفاها وقرأ في خلال هذه الفترة مسرحيات ستريند برج فضلا عن أعمال للكاتب الأيسلندي 'هالدورلأكسنس' الذي حاز علي جائزة نوبل في الأدب.. كمابدأ في كتابة روايته 'العاشق' التي لم يتمها وتحكي تاريخ النضال الفلسطيني منذ بداياته ضد السلطات البريطانية والقوات الصهيونية، ولكن القدر لم يمهله لينجزها كما كان يأمل في نفس العام الذي فقدناه فيه.

* * *

هوي غسان الرسم إلي جانب كتاباته الصحفية والأبداعية وكان معظم اهتمامه ينصب علي رسم الخيول ولعب الحصان دورا هاما في قصصه ورواياته ويري أن الحصان بالنسبة لنا جميعا نحن العرب هورمز الجمال والشجاعة والأمانة والذكاء والصدق والحرية.
في مجموعته القصصية 'عالم ليس لنا 1965' بدأ حبه للأطفال جليا وأهداها إلي أبنه فائز وابنة أخته لميس التي استشهدت معه وقد قدم غسان للمكتبة العربية في نفس العام كتابه 'أدب المقاومة في فلسطين المحتلة' وهي المرة الأولي التي كشفت للعالم العربي فيها وجود شعراء فلسطينيين لهم قامات فريدة من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد.

أما في روايته 'أم سعد' التي كتبها عام 1969 فكان يرمز فيها إلي المرأة الفلسطينية ومدي ماتقدمه من بطولات، أما روايته 'عائد إلي حيفا فقد ظهرت عام 1970 ويترك غسان من ورائه روايتين لم ينجزهما ومسرحية غير منشورة..
قدمت السينما العربية علي شاشاتها روايته 'رجال في الشمس' وحصل الفيلم علي عدد من الجوائز في مهرجانات متعددة.

وتم ترجمة أعماله إلي ست عشرة لغة ونشرت في 20 بلدا ومن مؤلفاته: موت سرير رقم 12 'قصص' 1961 وقد كتبها وهو يلازم الفراش وتحكي عن رجل يعيش مثل البومة في غرفة بعيدة وهي قصة موحية لأن البومة هي دليل شؤم وفي 'أرض البرتقال الحزين 'قصص' 1962 فسجل فيها مالم ينمحي من ذاكرته وقت النزوح من عكا في تلك الشاحنة التي حملته وأهله بعيدا عن الوطن رجال في الشمس 'رواية' 1963، عالم ليس لنا 'قصص' 1965،ماتبقي لكم 'رواية' 1966، القبعة والنبي مسرحية 1967، العاشق 'رواية غير مكتملة' 7172 ، برقوق نيسان 'رواية غير مكتملة' 7172، وفي مجموعته 'عن الرجال والبنادق' استمد وقائعا من حادثة وقعت بالفعل حين كان الصليب الأحمر يقدم مساعداته للاجئين الفلسطينيين ذات يوم شديد البرودة..

هذا بالأضافة إلي مجموعة من الدراسات والمقالات السياسية والفكرية والنقدية.
حصل علي جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان لأفضل رواية عن روايته 'ماتبقي لكم' 1974 ونال جائزة اللوتس التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا عام 1975م.
وترجم المستشرق البريطاني 'دينيس جونسون دايفيز' قصته 'سريررقم 12' ضمن مجموعة مختارة من القصص القصيرة لأدباء عرب.
وقبيل استشهاده بيوم واحد أخبر ابن خالته فاروق غندر بأنه واحد من ثلاثة من بين المستهدفين في الجبهة الشعبية.
وكان يردد دوما 'إذا كان الإسرائيليون أذكياء فإن من الأفضل لهم أن يغتالونني إما في سيارتي أوفي سريري'..

وهكذا أنطوت صحفة رائعة من صفحات النضال العربي الفلسطيني لثائر عبر بقلمه خير تعبير عن نضال وكفاح بلاده بعد حياة مثيرة وضاءة لمبدع مناضل لم يكن من سبيل أمامه سوي الأستشهاد من أجل ثري وطن ظل يعشقه وعاش عمره القصير ينزف في كل لحظة من دمه وأعصابه وعروقه لقضية أمن بها ووهبها كل عمره.





الأعلى رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 01:16 AM [ 9 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل





غسان كنفاني السياسي أيضاً رفع مكانة القضية

جورج حبش (الحكيم)
مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين


أريد أن أتحدث عن غسان السياسي لأني كما أعتقد لا يقل أهمية عن غسان الأديب الثقافي، حيث أنه لفت انتباهي في الكثير من القضايا السياسية على صعيد ملاحظاته ومتابعاته، فهو صاحب رؤية عميقة تحليلية وذو تجربة غنية...

ففي آذار عام 1972 كان هناك مؤتمر للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث أنني كتبت بطبيعة الحال التقرير السياسي، الذي قدم للمؤتمر، وبعد ذلك من الطبيعي أن أكتب التقرير من جديد على ضوء تقديمه ومناقشته في المؤتمر، وكان بذهني أن يساعدني غسان بكتابة التقرير بعد المناقشة التي تمت عندما توصلنا إلى المهمة التي تقول: " النضال يجب أن ينتقل إلى الداخل "، وآنذاك قال لي غسان إن هذا الشيء الذي كتبته يا حكيم قليل ليس من حيث الحجم فقط، لكن يجب أن يكون أوضح وأشمل وأعمق، وأنا فعلاً بدأت أناقش هذا الموضوع السياسي الذي كرّسه غسان في كتابته. وجدت أن غسان مصيب جداً في ملاحظاته، وكنت قد طلبت منه وقلت له: وما رأيك يا غسان أن تكتب هذا القسم؟ وكتبه فعلاً... والذين قرؤوا التقرير يلمسون الفارق بشكل واضح بين أسلوب غسان والأسلوب الآخر المكتوب في التقرير. ومن صفحة 60 حتى 185 هذا أسلوب غسان... الآن أقول لكم إن هذا الموضوع السياسي الذي كرّسه غسان في كتابته، وهنا أفكر، كيف أريد أن أتحدث عن غسان بالمعنى السياسي وليس الأدبي، كنت أعرف أن غسان السياسي كان يركز باستمرار على موضوع الداخل... الداخل، أما الموضوع الثاني فأنا أعرف ماهية الأشياء التي أريد قولها عن غسان بأمانة وموضوعية. كان همه التركيز على الداخل، وبإمكانكم قراءة هذا الموضوع فيما كتبه في تلك الفترة. وكان هذا الموضوع وارداً في ذهن غسان بقوة في عام 1972 أي قبل استشهاده بأشهر.

الموضوع الثاني: أن غسان هو أول من لفت انتباهنا لأدب فلسطين في فلسطين المحتلة منذ العام 1948، ومعروف دوره في هذا الإنجاز الكبير، نعم إنجاز، فهو الذي قدّم الشعراء والأدباء في الـ 48 إلى الجماهير العربية والشعب الفلسطيني في الشتات وسلط الضوء على أدب المقاومة. إضافة إلى دراساته المتنوعة عن الأدب الصهيوني ودراسته حول ثورة 1936 وما كتبه غسان حول أدب الأرض المحتلة يسجل مستقبل النضال الفلسطيني في الحفاظ على تراثه التاريخي، أما من جانب آخر يعود الفضل لغسان في رفع مكانة القضية الفلسطينية والأدب على الصعيد الإعلامي عالمياً وعربياً. لقد سمعته يقول أكثر من مرة بهذا الصدد "من الضروري أن يعرف العالم كله الجريمة التي ارتكبتها الصهيونية في فلسطين". كان يناقشني بأمور عديدة، وكذلك كان غسان يتحدث عن هدفنا في الإعلام عندما أصبح رئيس تحرير الهدف حيث قال: هدفنا الآن أن نغرس في عقول الناس المواقف السياسية والخط السياسي السليم للثورة الفلسطينية، والعمل العربي الثوري.

بالإضافة إلى هذه الموضوعات الثلاثة التي ذكرتها، كنت بين وقت وآخر، اذهب مع زوجتي وبناتي إلى بيت غسان، كما تعرف آني، وبالأمس القريب كنت قد قلت لأم ميس متسائلاً كم مرة ذهبنا إلى بيت غسان؟ ربما خمس مرات... وكان جوابها لا أكثر بكثير... وبين وقت وآخر كنا نذهب إلى بيت غسان، طبعاً لا أريد أن أذكر الآن وأستفيض بالجانب الإنساني عند غسان وحبه للأطفال، حيث كان يرسم خارطة فلسطين ويرسم الحصان ويقدمه لأولادنا، إلى ميس ولمي وفايز وليلى، كان اهتمامه كبيراً بالأطفال... ومن جانب آخر كان يلفت نظري دوماً بالنسبة للقيادة الفلسطينية، كنت أنا شخصياً ورفاقي في المكتب السياسي واللجنة المركزية في ذلك الوقت منهمكين في قراءات معينة ماركسية وثورات عالمية... غسان كان يلفت نظري ويسألني: يا حكيم هل قرأت هذا الكتاب... كانت هذه الكتب التي يقدمها لي حول ما يقوله الغرب عن الثورة وعن حركة التحرر الوطني، وأنا كنت أشعر بفائدة كبيرة من هذا الموضوع، وأعتقد أن هذه الفائدة كانت تعكس نفسها في النقاش الذي كان يدور في مكتبنا السياسي واللجنة المركزية...

وأيضاً... أذكر بشكل واضح أنه أثناء هذه الزيارة كان غسان يطرح السؤال: لماذا فشلنا في عام 1967... هل توافق يا حكيم على كل ما كتبه زريق حول النكبة أو فلان حول أزمة اليسار... كان غسان يطرح أسئلة عميقة جداً، ويثير في ذهني أسئلة كثيرة وعميقة، بالأمس كنت أتذكر... وقلت في نفسي يا ترى لو أن غسان يعيش بيننا الآن، ما هي القضايا التي يطرحها؟ أسمح لنفسي أن أقول على ضوء اللقاء والتماثل بين تفكيري وتفكير غسان، أنه الآن يجب أن يكون للجيل الجديد الصاعد... أن يفهموا جيداً جداً حقيقة المشروع الصهيوني، يجب أن نفهم حقيقة المشروع الصهيوني وارتباطه العضوي مع الإمبريالية... يجب أن نطرح كيف نقاوم هذا المشروع، وأعتقد أن جوابه وجوابي سيكون هذا المشروع الصهيوني الخطير الخطير لا يمكن أن يقاوم إلا بمشروع قومي عربي عنوانه فلسطين. ويمكن بعد ذلك أن نسأل أنفسنا كيف من الممكن أن نتغلب على المشروع الصهيوني، وربما يكون جواب غسان أيضاً حول إمكانيات الأمة العربية التي يمكن تجنيدها من المحيط إلى الخليج، تراثنا، عددنا وإمكانياتنا وثرواتنا و... النتيجة تكون بأن تعبئة هذه الإمكانيات مائة بالمائة ستكون قادرة على تحقيق النجاح في المواجهة. طبعاً بعد ذلك سيطرح السؤال الخير، مع التحديد للطاقات والإمكانيات ولكن كيف؟ سيكون جوابنا: الديمقراطية!! والديمقراطية هي التي تعبئ أطفال الأمة العربية ونساءها ورجالها وأحزابها، كل ذلك ممكن أن يحقق النصر..

تحدثت عن غسان في الـ 1972، لقد بدأت علاقتي به في الخمسينات، أي عندما كان عمره 17 سنة، وأعرف الشخص الذي نظّم غسان في حركة القوميين العرب ما زال حياً... منذ ذلك الوقت كان غسان "فلته" وأنا أعرف جماعة جريدة " الرصد " في الأردن، وأنا كنت مسؤول تحريرها، وعندما جئت إلى سوريا وجدت هناك أربعة أو خمسة شباب وأعمارهم ما بين 17-18 سنة، وأذكر على سبيل المثال: غسان كنفاني، وفضل النقيب وبلال الحسن وزهير القاسم وأحمد خليفة... كلهم الآن أسماء معروفة، وأنا أذكر هذه الأسماء لأن أي قيادة سياسية وأي حزب يجب أن يلتقط هذه الكفاءات ويعرف مدى قيمتها للمستقبل. بعد ذلك قال لي غسان: إنني أريد أن أعمل في الكويت... وضعه المادي كان صعباً، ووافقت حركة القوميين العرب لذهابه إلى الكويت، وكان يعمل مدرساً وصحفياً وأديباً وسياسياً. كان يوجد صحيفة اسمها " الفجر " كان يعمل فيها وكان معه الفنان الشهيد ناجي العلي، وقيادة الحركة طلبت منه أن يعمل في بيروت، وعمل في " المحرر " وأقنع حينها رئيس التحرير بأن يصدر ملحق اسمه " فلسطين ".

وما أقصده هنا بأن غسان كان يعمل منذ أن كان عمره 14 حتى الاستشهاد وهو يعمل في سبيل القضية، وأذكر أنه كان عنده في يوم من الأيام محاضرة، وأعتقد أنها كانت في دمشق، وكان عنوانها "الإنسان الملتزم"، وهنا أتذكر لقاء جمعني بزوجة الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونوس ، قبل رحيله المبكر، وهو شخص عزيز عليّ جداً، وأثناء الزيارة قالت لي زوجة المرحوم ونوس أنظر إلى تلك اللوحة المعلقة على الجدار... ولكن لا أعرف ماذا تقصد من هذا الموضوع، ولا أعرف ماذا يقصد الإنسان الذي رسم تلك اللوحة، ولكن بعد أن أمعنت النظر في اللوحة، وكأنها تقول وسط هذا الظلام في بقعة ضوء منه، بروز لقادة يقودون هذه الأمة، من هم؟ هنا دور المثقفين... نحن نريد أن نجند كل الطاقات عسكرية سياسية اقتصادية... ولكن في هذه المرحلة هزمنا عسكرياً وسياسياً، لا يجوز أن نهزم ثقافياً...





الأعلى رد مع اقتباس
قديم 11 Dec 2005, 01:21 AM [ 10 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2005
رقم العضوية : 549
مواضيع : 131
الردود : 1331
مجموع المشاركات : 1,462
معدل التقييم : 108sanaa will become famous soon enoughsanaa will become famous soon enough

sanaa غير متصل





غسان كنفاني موهبة وصمود

الشهيد أبوعلي مصطفى



في ذكرى استشهاده التاسعة والعشرين أسجل كلمة قصيرة، مهما كانت مشفوعة بالبلاغة أو معطرة بروح المشاعر تجاه إنسان ما أن تعرفه حتى يدخل القلب والوجدان باقتحام صاعق، فيه من القوة بقدر ما فيه من المحبة، هي كلمة لا تفي الإنسان حقه فما بالك أن يكون هذا الإنسان هو غسان؟.

عرفته قبل أن أراه بسنين، عرفته بما كتب وأبدع الكتابة لفلسطين، يوم أن كانت تأتينا بالتهريب في النصف الأول من الستينات مجلة (نشرية) متواضعة ملحق لجريدة المحرر اللبنانية واسمها (فلسطين) هي متواضعة الإصدار. هذه حقيقة لكنها مليئة بالدلالات والمعاني، إنها قرع طبول الذاكرة الفلسطينية، أيها الفلسطينيون أفيقوا.. اقرعوا "جدران الخزان".

كان وكنا من الجيل الذي صهرته نار النكبة بلظاها، واستفقنا على نفي وتشريد… بل وإلغاء للذات والهوية… وكان لا بد من إطار يحمل الهموم والآمال… فكانت حركة القوميين العرب مجالنا وأداة فعلنا وثقافتنا الوطنية والقومية… صحونا فيها على أوجاعنا وأوجاع الأمة.

صرخ غسان بأوجاع فلسطين على أمته العربية… قالوا له "طريق الوحدة يؤدي إلى فلسطين" … صمت ثم قال: "أكملوها أيها السائرون وفلسطين طريقكم للوحدة". فكانت النشرية (ملحق المحرر) دربه للتعبير من الغلاف إلى الغلاف… رسماً مطرزاً لعلم فلسطين… حتى الكلمة الرصاصة.

تلك هي المحطة الأولى التي التقينا في رحابها… وكانت ممهدة للمحطة الثانية.

من جرح حزيران 1967 انطلقنا من جديد، بإعلاء صوت البندقية في رسم رحلة طريق طويلة… رحلة الكفاح المسلح… من جبال الضفة وريفها ومخيماتها… إلى بيارات غزة وشاطئها بداية ونشوء… إلى الأغوار التي أصبحت خطنا الأول… بعد أن كانت الثاني (الرديف) في احتضان الظاهرة العلنية (قواعد ومعسكرات) بعد تراجع المجموعات الأولى خطوة إلى الخلف من موقع (الأساس).

في ذاك الوقت، وكان قد حل عام 1968، التقيت غسان وجها لوجه لأول مرة، بزيارته الأولى للقواعد العسكرية في الأغوار. سألني كثيراً عن الداخل وبدايات التجربة في العمل المسلح… سألني عن الناس وعن الجغرافيا. وكان يدون ملاحظاته… سألني عن الصواب والخطأ في البدايات… سألني عن الإمكانات التي بدأنا بها… سألني عن التنظيم عن الحالة الشعبية… عن المشاعر. بعد مشي وصعود، في إحدى القواعد العسكرية المتقدمة لمقاتلي الجبهة الشعبية، على شفا النهر في الأغوار… صمت طويلاً وأنا أشير بيدي نحو جبال فلسطين التي تطل علينا من ذاك الموقع، ولم أكن أسمع صوته… فإذا به غارق يفكر فيما أجبت على الأسئلة المنطلقة من داخله.. قال بعد صمت:

عندي مشروعي التوثيقي التحليلي عن ثورة فلسطين 1936، خلصت إلى حصيلة مما أعرفه ورأيته، وسمعته منك، إنها ليست كما ثورة 1936 حيث كانت الأرض كلها لنا.. وكان الشعب كله عليها.. وكان لنا التفوق لو أحسنا عملاً.. مع فارق واحد لصالح الصهاينة متمثلاً بوجود قوات الاستعمار البريطاني.

إننا اليوم، ثورة الشتات نحو الداخل.. ثورة من خارج الوطن، من أجل أن تكون في الوطن، وعلى الأرض .. ثورة شعب غالبه مشرد.. بمواجهة كيان صهيوني له أنياب قوية.. وأضاف بالقول ولا تنسى أن أرض النظام العربي إن لم تكن معادية للثورة فهي ليست مؤاتية لها.

قلت له وماذا ترى؟ قال: إن استطاعت الثورة الحفاظ على نفسها… لضمان استمرارها فنحن نقترب من الوطن، إلا أن هذا لا يتم إلا بالاستناد إلى قاعدة ارتكاز استراتيجية… كي تصل إلى الوطن وهي قوية… ثم سألني هل أنتم كثوار على ثقة بأننا في هذا المكان نحظى بها؟ أو هي (القائمة) الآن أمينة وآمنة للمستقبل الواعد؟

كان جوابي لغسان.. هي محاولة نعمل من أجل الوصول لها.. لكنها اليوم ليست كذلك… فهي ليست آمنة، بل نحن عرضة لاحتمالات الانقضاض علينا من الأمام.. ومن الخلف، من أحدهما تارة أو من كلاهما إن استوجب حالهم ذلك تارة أخرى.

غادرنا غسان بعد زيارة امتدت ليومين على أمل أن نلتقي مرة ثانية وفي أقرب وقت… وكانت المرة الثانية في عمان عشية تأسيس مجلة الهدف عام 1969، التفت إلى عيناي في المكتب العسكري بعمان وقال: يا رفيق أبو علي هل تذكر ما قلناه في زيارتي السابقة؟ قلت له نعم، ولا زالت في رأسي .. قال وهل من تحسن؟ أجبته تحسن ممكن لكن لا زال بدون ضمانات.

ثم كان ما كان من حروب عمان الكبرى ضد المقاومة أيلول 1970، وحروب جرش عجلون 1971 الهادفة لإنهاء فكرة قاعدة الارتكاز الاستراتيجية وهكذا كان..

في المحطة الثالثة التقينا، لكن هذه المرة في بيروت في شهر أيلول 1971، تذاكرنا وتذكرنا، ومن وحي اللقاء كتبنا تقييماً سريعاً في مجلة "الهدف" وكان لغسان الفضل في صياغة رؤية جديدة، تجسدت في التحضير لمادة المؤتمر الوطني الثالث (آذار 1972) مهام المرحلة الجديدة.

فيما بعد الخروج من الأردن، أعقاب حرب الجبل (جرش، عجلون/تموز 1971) صارت مكاتب مجلة الهدف مركز لقاء قيادي للوافدين من خارج لبنان، وكان غسان بمكانته وثقافته وروحه العالية ودماثة خلقه، مركز جذب لنقاش حيوي نقدي هادف، بعيداً عن المزايدة اللفظية الثورية التي انتعشت آنذاك على يد فريق مال للتأسيس لانشقاق انتهازي تحت دعاوي نظرية (بالمضمون طفولية يسارية) وكان لغسان قول مأثور حينها يكرره عندما يشتد الجدل مع أبو أنمار (من الفريق الذي انشق لاحقاً باسم الجبهة الثورية) "إن اليساري الذي لا يتقن القدرة على التحليل العلمي للظواهر، هو يتقن فن لحس حواف الكتب الثورية، ولا يفهم مضمونها".

غسان رغم ما كان يعانيه من مرض السكري، الذي كان يحتاط له بحمل أدوات الحقن بالأنسولين، وأحيانا يستخدمها في المكتب، يقول لك وأنت جالس معه في مكتبه عن إذنك (ويرفع قميصه ويعطي نفسه الحقنة) وهكذا يعود لحيوية العمل بلا مبالاة بالمرض وعوارضه.

جلود.. مواظب.. لا يتعب من العمل كان يكفيه في الأسبوع يوم واحد يمضيه مع أسرته المكونة من أم فايز وفايز وليلى، ولكن لم يكن يقدم على ذلك، قبل أن يطمئن على صدور العدد الجديد من الهدف.

هو معلم أيضا، في فن التحرير والإخراج كان يعلم الذي لا يتعلم، ويجعل منه شيئاً مرموقا. فمرة أتاه شاب من برج البراجنة اسمه محمود الداورجي، وطلب منه عمل… سأله غسان وماذا تتقن من الأعمال؟ أجابه محمود…كرة القدم، ضحك غسان حتى سمع ضحكته كل من في مكاتب المجلة… ثم هدأ… ونظر لمحمود نظرة محبة وقال له: اسمع يا محمود أنت شاب فلسطيني من المخيم والحياة أمامك… سأعلمك عملا لم تعرفه من قبل هل أنت مستعد؟ أجاب محمود بتلهف الباحث عن عمل نعم، مستعد… وكان له ما أراد وعلمه الإخراج وهو من المهن الصحفية الهامة. وأصبح محمود خلال سنة من أفضل مخرجي الصحافة. والحال ينطبق على محررين وكتاب صفحات، وهم كثر، من تلامذة غسان الذين أغنوا وأثروا الصحافة العربية.

تميزت صحيفة "الهدف" بجرأة الكلمة، وصوابية الاتجاه، والتبشير بالفكرة. ولغسان كان يعود الفضل، وفي عدد من أعدادها في نهاية عام 1970، كتب مقال عن إحدى دول النفط العربي، اعتبر بموجب قانون الصحافة اللبناني ماساً بالذات الملكية في تلك البلد، مما أدى لصدور حكم بسجن غسان لأسبوعين وتغريم المجلة، وبسبب من أوضاع غسان الصحية، تم تحويله لمستشفى في بعبدا تحت حراسة الشرطة حتى انقضاء الأسبوعين.

غسان لم يضع الوقت، ومارس هواية الرسم التي يتقنها أفضل من خيرة المحترفين، وأقام علاقات طيبة مع الحراس وعاملي وعاملات المستشفى. وتوزعت رسوماته عليهم، ومن أجمل ما رسم آنذاك لا زال رسماً متداولاً يتصدر البيوت والمكاتب حتى اليوم، وطبع عنه الكثير (لوحات، أغلفة صحافة، معلقات نحاسية) كلمة فلسطين بالألوان والرموز.

كان يقع تحت مكاتب مجلة "الهدف"، مطعم شعبي صغير (مطعم أم فريد)، نلتقي فيه أحياناً في موعد الإفطار (حمص وفول وشرب الشاي مع النعناع)، لدرجة أن هذا المطعم الشعبي أصبح من معالم مجلة "الهدف" بموقعه، ورغبة الرفاق للقاء فيه، عندما لا يكون غسان في المكتب.

فيما بعد عملية مطار اللد 30/5/1972، وفي لقاء مع د. وديع حداد في أحد المنازل البيروتية، قال لعدد من الرفاق وكنت منهم، إحذروا، فالعدو يعد لضربة مؤلمة للجبهة وقياداتها بعد ضربة مطار اللد.

وأضاف، انتبهوا لغسان لأن إحدى المجلات نشرت له صورة مع يابانيين قالوا "انهم من الجيش الأحمر" اقترحت عليه أن يلتقي غسان، وكذلك نحدثه نحن عن ضرورة اتخاذ إجراءات احترازية. وكان غسان وقتها وأسرته يسكنون في حي الحازمية من ضواحي بيروت، وهو بعيد عن إمكانية الحماية والسيطرة من قبلنا.

وكان أن أخذ الدكتور وديع بالاتفاق مع غسان إجراءات احترازية، مكتب بديل غير معروف، شقة سكنية بديلة، سائق للسيارة، تغيير ساعات التردد وكسر الروتين، إلا أن غسان لم يكن يكترث كثيرا بهذه الإجراءات.

في صباح يوم السبت 8/7/1972، وكنا ملتقين في مطعم (أم فريد) الشعبي نأكل الحمص والفول ونتمتع بشرب الشاي مع النعناع، وقد قاربت الساعة الحادية عشر، وإذا بأحد رفاقنا (زكي هللو) يهبط من سيارة أجرة بباب المطعم، وفي عيونه الدموع، يصرخ علينا "أن قوموا أيها الرفاق لقد اغتيل غسان"، يا له من خبر نزل على رؤوسنا كالصاعقة، بل أصاب كل بيروت بالذهول، وأصاب الصحافة وعواصم العرب وفلسطين بالصدمة!!!

ذهبنا لمنزل الشهيد، لنجد الشرطة وهيئات التحقيق وقد سبقتنا، وهي تفحص بقايا السيارة وتجمع ما تناثر من جثتي غسان ولميس (ابنة شقيقته).

وهكذا كان من نهاية لجسد غسان الإنسان المبدع، والموهوب الذي تتمثل فيه صورة فلسطين، المجسد لطموحات شعب بصموده وروحه.

الشهيد غسان مات جسداً وبقي روحاً وفكراً ونبضاً لا زال فينا بل في كل أجيال فلسطين.

دعانا غسان لنقرع جدران الخزان، وها نحن نقرع جدران العالم وسنبقى إلى أن يعود جدث غسان إلى عكا..


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحكم الشرعي الصحيح لصبغ اللحية خادم القرآن المنتدى الاسلامي 12 04 Nov 2009 12:53 AM
موسوعة المحدث الالباني رحمه الله سيدي المنتدى الاسلامي 2 21 Aug 2009 03:46 PM
الأديب أمل دنقل ... وسوداوية الألم ... sanaa مكتبة الشدادين لروائع الكتب 16 03 Nov 2005 10:08 PM
الأديب : محمد حسن عواد السفير مرافئ البوح 2 29 Aug 2005 09:34 PM
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

02:22 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com