..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات
 
أدوات الموضوع
موضوع مغلق
  [ 1 ]
قديم 08 Mar 2013, 12:49 AM
أستغفر الله

سبعة غير متصل

مـجـمـوع الأوسـمـة : 10
أجمل حكمة

وسام المؤسس لعام 1435

المشاركة في الاحتفالية السنوية

مجلة الشدادين

دقة الملاحظة

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

العضو المميز

الحضور المميز


تاريخ التسجيل : Dec 2011
رقم العضوية : 50744
الإقامة : saudi arabia
الهواية :
المشاركات : 4,223
معدل التقييم : 1165
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق










جريمة في مسرح الشعب

نبيل فاروق
............

الفصل الأول

انطلقت زفرة عصبية ملتهبة، من أعمق أعماق صدر الدكتورة (نهير)، وهى تعبر مع زميلها (عزت)، تلك البوَّابة المعدنية الكبيرة لمجلس الشعب، وراحت تتلفَّت حولها فى توتر بلغ منتهاه، حتى أن (عزت) أطلق ضحكة مرحة، وهو يقول:
- اهدأى دكتورة.. آلاف يتمنون عبور هذه البوَّابة، ويحلمون بدخول المجلس، ولو لحظة واحدة.
أجابته فى عصبية، وهى تقدِّم أوراقها لموظف الأمن:
- يتمنون الحصول على الحصانة، أو الاحتماء من القانون، تحت القبة، وليس الحضور للاستجواب مثلنا.
ارتفع حاجباه فى دهشة، وهو يقول فى خفوت، خشية أن يسمعه أحد رجال الأمن:
- لسنا هنا لحضور استجواب يا دكتورة.. إنها مجرد جلسة استماع.
غمغمت محنقة:
- لست أدرى حتى ما الفارق.
انتقلت إليه عدوى التلفت حوله، وهو يهمس:
- فارق كبير جداً.. سنجلس فى الشرفة معظم الوقت، حتى تحين لحظة مناقشة القصور، فى الإجراءات الجنائية الطبية، لنلقى ما لدينا، وننصرف فى سلام.
هزَّت كتفيها، متمتمة فى سخط:
- لست أظن الدخول هنا كالخروج.
حاول أن يبتسم، وهو يهمس فى عصبية:
- هذا ليس حماماً.
مطت شفتيها، قائلة بصوت مرتفع نسبياً، وكأنما لا تخشى أن يسمعها أحد:
- ربما بالنسبة إليك.
تمنى لحظتها أن تنشق الأرض وتبتلعه، ولكنه لاذ بالصمت التام، ورجل الأمن يصبحهما إلى الشرفة، ويجلسهما وسط رجال الصحافة، وما أن ابتعد، حتى همس (عزت):
- سيحين دورنا، بعد الاستجواب المقدَّم ضد وزير الثقافة مباشرة.
سألته هامسة:
- من قدَّمه.
أشار إلى رجل بدين، يجلس فى الصف الثالث، من منتصف القاعة، وهمس بدوره:
- النائب مازن مسعود.. صاحب أكبر عدد من الاستجوابات دوماً.
مطَّت شفتيها، وهى تقول، فى شئ من الامتعاض:
- نصف استجواباته بلا قيمة.. كل ما يعنيه هو أن يشير إليها الإعلام، ويذكر اسمه فى كل منها.
وافقها على قولها، وأضاف:
- ويقدم كل استجواب فى انفعال شديد.
غمغمت:
- هذا جزء من اللعبة.
كان يرغب فى مواصلة حديثه معها، لولا أن بدأت الجلسة، وتحدَّث رئيس المجلس على نحو موجز، ثم فتح الباب للاستجوابات المقدَّمة، ضد عدد من الوزراء..
وكما توقَّعت (نهير) تماماً، اندفع النائب (مازن) يتحدَّث فى انفعال شديد مبالغ، حول ما وصفه بأنه تجاوز أخلاقى شديد، حدث فى واحدة من مسرحيات القطاع الخاص، ونهض وزير الثقافة يدافع عن الموقف، ويحاول تبريره، والتستر على كل الأخطاء كالمعتاد، فانفعال (مازن) أكثر، وارتفع صوته كثيراً، وراح يلوِّح بذراعيه فى عنف، فمال (عزت) على أذن (نهير)، هامساً:
- هل ترين ذلك النائب النحيل، الذى يجلس إلى جوار (مازن) مباشرة؟!.. أراهنك أنه سيعترض على موقفه الآن، ويتخذ جانب وزارة الثقافة.
سألته فى دهشة:
- ولماذا توقعت هذا؟!
أجابها فى همس أكثر خفوتاً:
- إنه خصم لدود لمازن، ويهوى استفزازه فى كل جلسة.
غمغمت مندهشة:
- حقاً.
جذب هذا الأمر انتباهها بشدة، فراحت تراقب الموقف فى إمعان، وعقلها يدرس كل خطوة، بطبيعته التحليلية، التى طالما أرهقتها..
كان (مازن) شديد الانفعال، فى حين جلس جاره النحيل هادئاً، ينظر إليه بين لحظة وأخرى، فى اهتمام واضح، ثم لا يلبث أن يشيح بوجهه عنه، وكأنما لا يرتاح لرؤيته..
ووسط الجالسين، سار عامل بسيط، يقدِّم لكل نائب علبة من علب المياه الغازية، وتحرَّك نائب آخر، فهمس فى أذن (مازن)، ثم تراجع إلى مقعده، وراح يتبادل حديثاً خافتاً مع جاره، بدا من الواضح معه أنهما يسخران من الرجل، الذى تضاعف انفعاله، وراح يلوِّح بذراعيه فى حدة أكثر، فنهض نائب آخر، وربَّت على كتفه، ولكن (مازن) دفعه بحركة حادة، وارتفع صوته، وهو يصيح به:
- لست أسمح لك حتى بإبداء رأيك.. أنت نائب فاسد، ورائحة فسادك تزكم الأنوف.
احتقن وجه ذلك النائب، وصاح به:
- ليس من حقك توجيه اتهامات عشوائية.. اعط دليلاً واحداً على ما تقول، وإلا فضع لسانك داخل فمك.
هتف به (مازن) متحدياً:
- وماذا لو لم أفعل؟!
صرخ فيه النائب، وهو ينقض عليه:
- سأقطعه.
كاد الاثنان يشتبكان، وكلاهما يوِّجه عبارات جارحة للآخر، فاندفع بعض النوّاب، يحولون بينهما، واتسعت عينا (نهير) عن آخرهما فى الشرفة، وهى تقول:
- رباه!.. أمن الممكن أن يحدث هذا هنا!.. فى مجلس الشعب؟!
أجابها (عزت) فى عصبية:
- إنه تجاوز غير معتاد، ولكنهم سينهون الموقف بسرعة حتماً.
كان النوّاب قد فصلوا الرجلين عن بعضهما البعض بالكاد، وعاد كل منهما إلى مقعده، دون أن تهدأ ثورتهما، وبكل انفعاله، أخرج (مازن) علبة دواء من جيبه، التقط منها قرصاً، وألقاه فى فمه، ورئيس المجلس يوجِّه اللوم للنائبين، على ما بدر منهما من تجاوز، ويؤكِّد أن هذا لا يتفق مع طبيعة النواب الوقورة، ولا طبيعة المجلس نفسه، وأنه لن يسمح بمثل هذا التجاوز مرة أخرى، و...
وفجأة، نهض (مازن) واقفاً، وبدا وجهه شديد الاحتقان، واتسعت عيناه عن آخرهما، وانطلقت من حلقه حشرجة عجيبة، جعلت (نهير) تهب من مقعدها، فى نفس اللحظة التى حاول فيها النائب النحيل أن يسنده، وهو يهتف:
- إسعاف.. سيارة إسعاف بسرعة.
وقبل حتى أن يكتمل هتافه، سقط (مازن) بين ذراعيه، فعجز عن تحمُّل ثقله، وتهاوى الاثنان أرضاً..
وبكل توتر الدنيا، هتفت (نهير):
- أنا طبيبة.. أفسحوا لى المجال.. أنا طبيبة.
كانت هناك حالة من الهرج والمرج فى المجلس، ورجال الأمن يتحركون فى عصبية واضحة، فضاع صوتها وسط كل هذا، وجذبها (عزت) فى عصبية، قائلاً:
- اجلسى.. المجلس به طاقم إسعاف طبى خاص به.. لا شأن لنا بما يحدث هنا.
تملَّصت منه، وهى تندفع نحو الباب، هاتفة:
- ولكنه واجبنا.
اعترض أحد رجال الأمن طريقها بحركة حادة، وهو يقول فى غلظة وخشونة:
- عودى إلى مقعدك.
أبرزت التصريح، الذى يحمل اسمها ومهنتها، وهى تهتف:
- أنا طبيبة.
كرَّر فى خشونة أكثر:
- عودى إلى مقعدك.
تضاعفت عصبيتها، وهى تحاول إيجاد وسيلة منطقية، للتفاهم مع رجل أمن، لا مجال لديه للنقاش أو المنطق، وقبل أن تتوصَّل إلى وسيلة ما، سمعت من يهتف فى ذعر، من قاعة المجلس:
- لقد.. لقد مات.
اتسعت عيناها عن آخرهما، وتجمَّد الموقف كله دفعة واحدة، حتى بدا أشبه بلوحة صامتة، تعبِّر عن مأساة جماعية مباغتة، مع ملامح الذعر والذهول على الوجوه، قبل أن يقطعها صوت رئيس المجلس، وهو يقول فى عصبية:
- أين طاقم الإسعاف؟!
وهنا صاحت (نهير) من الشرفة:
- أنا طبيبة.
بدت صيحتها شديدة الوضوح، وسط الصمت الوجوم، الذى ساد المكان، فهتف رئيس المجلس فى حدة:
- أحضروا هذه الطبيبة.
لم يكد هتافه يبلغ مسامعها، حتى تحرَّكت الأمور فى سرعة مدهشة، ففى الوقت الذى انكمش فيه (عزت) فى مقعده، وجدت هى من يدفعها أمامه فى غلظة، لتصل إلى القاعة، ويضعونها أمام النائب الذى لقى ربه مباشرة..
وعلى الرغم من ثقتهم فى أنه قد مات بالفعل، تعلَّقت العيون كلها بها فى أمل وهى تفحصه فى سرعة..
هى أيضاً كانت تعلم أنه قد مات، إلا أن هذا لم يكن الشئ الوحيد الذى تفحصه، فقد فتشت جيوبه فى سرعة، وأخرجت بطرفى سبَّابتها وإبهامها علبة الدواء، التى تناول منها قرصاً، قبل مصرعه مباشرة، وألقت نظرة سريعة عليها، ثم تلفَّت حولها فى توتر، قبل أن يسألها رئيس المجلس:
- أهناك أمل؟!.. أم أنه..
أجابته فى سرعة:
- لقد مات.
غمغم النائب النحيل فى حدة:
- وماذا أضفت من جديد؟!
رفعت عينيها إليه، وقالت فى حزم، لا يتناسب مع أنوثتها:
- ليست ميتة عادية.
حدَّق الكل فيها، فى تساؤل مندهش، فشدَّت قامتها، فى محاولة للتماسك أمامهم، وهى تضيف:
- لقد قُتِلَ.
وانفجرت عبارتها كقنبلة وسط قاعة المجلس..
قنبلة من الذهول..
كل الذهول..
* * *
عقد رئيس مجلس الشعب كفيه خلف ظهره، وهو يتحرَّك فى فراغ مكتبه، فى عصبية شديدة، قبل أن يتوقَّف فجأة، ويرمق الدكتورة (نهير) بنظرة قاسية غاضبة، قائلاً:
- هل تدركين ماذا فعلت الآن؟!
أجابته متوترة:
- وماذا فعلت؟!
هتف ثائراً:
- أثرت بلبلة عنيفة، فى المجلس كله، وأمام جموع الصحفيين، دون أدنى إحساس بالمسئولية.. حتى اللفظ المستخدم، ليس مناسباً على الإطلاق.. كل ما يحق لك قوله، هو أنه ربما تكون هناك شبهة جنائية فى الموقف، لا أن تعلنى، بكل الثقة والوضوح، أنها جريمة قتل.
أجابته فى حزم:
- ولكنها كذلك؟!
صاح بها:
- ليس من حقك الجزم بهذا.. هناك إجراءات، ونظم، وخطوات قانونية وحتمية، قبل إعلان هذه النتيجة.
كان يتوقَّع منها تراجعاً مذعوراً، إلا أنه فوجئ بها تجيب بنفس الحزم الواثق:
- ربما يستخدم رجل الأمن، أو الطبيب الأوَّلى، عبارة الشبهة الجنائية يا سيِّدى، ولكننى طبيبة شرعية رسمية، وخبيرة بوزارة العدل، وحاصلة من الولايات المتحدة الأمريكية على شهادة الدكتوراه، فى فحص مسرح الجريمة، ومن إنجلترا على دكتوراه ثانية، فى الطب الشرعى والسموم، أضف إلى هذا أننى أحمل شهادتى بكالوريوس واحدة من كلية العلوم، وأخرى من كلية الطب، ثم أننى أستطيع إثبات ما قلت فوراً.
وصمتت بحظة، ثم استدركت فى عصبية:
- وبأسلوب علمى محض.
تطلَّع إليها رئيس المجلس فى دهشة، وهو يقول:
- حصلت على كل هذا، فى هذه السن؟!
قالت، وقد تسلَّل التوتر إليها لأوَّل مرة:
- كنت دوماً طالبة متفوِّقة.
رمقها رئيس المجلس بنظرة طويلة، ثم عاد يتحرَّك فى فراغ حجرته، قبل أن يسألها فى حزم:
- تقولين: إنك تستطيعين إثبات كل هذا.
كرَّرت، مستعيدة حزمها:
- وفوراً.
أضاف فى خشونة:
- وبأدلة علمية مقنعة؟!.
أشارت برأسها إيجاباً، وغمغمغمت فى حذر:
- وسأوقع شهادة رسمية بها أيضاً.
أومأ برأسه لحظات، ثم التقط سمَّاعة هاتفه، وقال فى صرامة:
- أخرجوا كل الصحفيين من القاعة، وليبق النوَّاب فى المكان، حتى ينحسم هذا الأمر.
وأعاد سمَّاعة الهاتف، مستطرداً، وهو يرفع عينيه إليها، بنظرة وعيد صارمة:
- فليكن.. سنحسم الأمر الآن.
مرة أخرى، وجدتهم يقودونها إلى القاعة، بعد أن أخلوا الشرفة من جميع الإعلاميين والصحفيين، الذين اجتمع بهم رئيس المجلس، ومسئول الأمن، وحذراهم من نشر كلمة واحدة عن الأمر، ودفعوها إلى حيث ما زالت ترقد جثة النائب (مازن)، وقال رئيس المجلس فى غلظة:
- هيا.. هاتى ما لديك.
التقطت (نهير) نفساً عميقاً، وقالت:
- سيادة النائب مات بهبوط حاد فى الدورة الدموية، على الرغم من تناوله قرصاً من مادة النترات، التى تعالج ذبحة صدرية يعانى منها، وتبدو واضحة فى شكل قفصه الصدرى، وحمله هذا الدواء طوال الوقت.
غمغم النائب، الذى تشاجر مع (مازن):
- هذا لا يثبت حدوث جريمة قتل.
أومأت برأسها إيجاباً، وقالت:
- ربما يثبتها هذا.
أشارت إلى ورقة ملقاة أرضاً، وعليها بقايا مسحوق أزرق اللون، فتطلَّع إليها رئيس المجلس فى دهشة، وهو يقول فى عصبية:
- وما هذا بالضبط؟!
أجابته فى سرعة:
- لا يمكننى معرفة ماهيته، دون فحص وتحليل كامل، ولكن يمكننى مقارنته بتلك الذرات، الملتصقة بطرف علبة المياه الغازية، والتى تشير إلى أن أحدهم قد دس ذلك المسحوق، فى علبة النائب (مازن)، الذى شرب المياه الغازية، دون أن يلاحظ هذا، فلقى مصرعه.
هتف رئيس المجلس:
- إذن فهذا سم؟!
هزَّت رأسها، قائلة:
- لم أفحصه بعد.
تبادل النوَّاب كلهم نظرة متوترة، ونهض النائب، الذى همس فى أذن (مازن):
- لن نقبل هذه الاتهامات دون دليل.
اندفعت تقول فى صرامة:
- يمكننى حسم الدليل خلال ساعة واحدة، لو قمت بفحص علبة المياه الغازية، وذلك المسحوق.
قال رئيس المجلس فى انفعال:
- وسيتم هذا فوراً.. ستحصلين على كل الإمكانيات اللازمة، وستوضع كل إمكانيات المعمل الجنائى تحت تصرفك.
ثم التفت إلى النواب، مضيفاً بكل صرامة:
- ولن يغادر أحد هذه القاعة، حتى ينحسم الأمر.
هتف النائب النحيل فى حدة:
- أبلغوا الشرطة، ولكن لا تحبسونا هنا، حتى...
قاطعه رئيس المجلس، بزمجرة صارمة:
- سيبقى الكل..
ثم عاد يلتفت إلى (نهير)، قائلاً:
- المعمل الجنائى على بُعد أمتار من هنا.. وأمامك ساعة واحدة، إما أن تثبتى حدوث القتل، أو...
لم يحاول إتمام تهديده، ولم تحاول هى حتى أن تسمعه، فقط حملت علبة المياه الغازية فى كيس من النايلون، وتلك الورقة، مع المسحوق الأزرق فى كيس آخر، وحملتها سيارة من سيارات المجلس، إلى مبنى المعمل الجنائى، ومعها مساعدها الدكتور (عزت)..
كان مكتب الطبيب الشرعى ينقل جثة النائب القتيل، والكل فى المجلس يشعر بتوتر بالغ، أما هى ومساعدها، فقد استقبلهما رجال المعمل الجنائى ببرود مستفز، وأبدوا عدم ارتياحهم وتعاونهم من اللحظة الأولى، ولولا الأمر الذى تلقوه من وزير الداخلية شخصياً، لما سمحوا لها حتى باستخدام أجهزتهم، التى بدت لها متأخرة بجيلين على الأقل، عن الأجهزة الحديثة، التى كانت تعمل عليها، أثناء فترة الدراسة لنيل شهادة الدكتوراة ..
أما مساعدها (عزت) فلم يكد ينفرد بها، وهى تجرى اختباراتها على المسحوق، حتى همس فى عصبية، وهو يتلفَّت حوله، على نحو مبالغ:
- ماذا فعلت يا دكتورة؟!.. لماذا ورطتنا فى هذا الأمر؟!
أجابته، دون أن تلتفت إليه:
- لولا ما فعلت؛ لمرَّ الأمر، دون أن ينتبه إليه أحد.
هتف محنقاً، وهو يواصل الحفاظ على انخفاض صوته:
- وما لنا نحن بهذا الأمر؟!.. لسنا حتى أعضاءً فى المجلس.. إننا مجرد مدعوين إلى جلسة استماع، أم أنك قد نسيت هذا.
لم يبد أنها قد سمعته، وهى منهمكة فى إفراغ بقايا المسحوق الأزرق، فى أنبوب اختبار، حملته فى حرص، إلى جهاز الطرد المركزى، فواصل هو فى حدة، وحنق متضاعف:
- لقد دسست أنفك فى شئون سياسية، دون أى مبرِّر.. هل تتصوَّرين أنهم سيكافئونك، لو كشفت حقيقة الأمر؟!.. لو أن هذا ما يدور بخلدك، فأنت ساذجة واهمة، ولا تفهمين شيئاً مما يدور فى بلدنا هذه الأيام... الحكومة لا تكافئ أبداً... إنها تعاقب فقط.. ليس لديها أدنى إحساس بأنه ينبغى عليها أن تكافئ مواطناً واحداً، حتى لو أفنى حياته كلها من أجلها... إنها تشعر دوماً شعور السادة تجاه العبيد ... العبد من الطبيعى أن يخدم السيد، وألا ينتظر أى مقابل لهذا ... إنه مجرد عبد... وسترين إنهما لن يسمحوا قط بكشف أخطاء المجلس.. بل ربما يتسترون على الأمر كله، لو ثبت أن القاتل هو أحد نواب الحكومة.. إننا لسنا فى أوروبا أو أمريكا .. الأمور هنا تسير على نحو مختلف.
قالت فى توتر:
- إنها وجهة نظرك.
أطلق ضحكة عصبية خافتة، وهتف:
_ يبدو أنك أنت تعيشين فى عام يختلف عن الذى نعيش فيه نحن.. أفيقى يادكتورة .. أفيقى وانظرى إلى العالم الحقيقى ... العالم الذى تملكه دوماً أقلية حاكمة، ترى أنها الأحق بكل شئ، وأى شئ؛ بحجة أنها الساهرة على أمن البلد وأمانه... أقلية تستبح لنفسها كل شئ، وتحرم شعوبها من أدنى شئ... أقلية تعايرك طوال الوقت بما أنجزته، من أموالك زجهدك وعرقك ... أقلية تجعلك تشعرين فى بلدك، وكأنك مواطن غريب متسلل، لا يحمل تأشيرة إقامة، وليست له سفارة تحمية.. أقلية جعلتك تخشين رجال الشرطة وأقسامهم، المفترض منها حمايتك؛ لأنها أشبه بمنظمات إجرامية، بارعة فى مخالفة كل قانون.
قالت فى سخرية عصبية:
- لا تنس أننا هنا، وسط تلك الأقلية.
امتقع وجهه، وانكمش على نفسه، على نحو يثير الشفقة، وتلفّت حوله فى هلع، وكأنما يخشى أن يتقض عليه رجال الشرطة فجأة، من كل صوب، فأطلقت ضحكة باهتة، وتمتمت، منشغلة بعملها:
- اطمئن ... ليس لديهم وقت لنا، نحن أبناء الشعب العاديين ... إنهم منشغلون طوال الوقت، بحماية الكبار.
واستدركت فى سخرية:
- القلة.
مط شفتيه فى غضب، وقال وهو يعاونها:
- على أية حال، لا تنكرى يوماً أننى قد حذرتك.
هزّت كتفيها، قائلة:
- إنك تحذرنى طوال الوقت.
قال فى حدة:
- وأنت لا تستمعين إلىّ قط.
عادت تهز كتفيها، قائلة:
- ليس هذا ممكناً .... إننا نختلف فى طبيعتنا تمام الاختلاف؛ فأنت شخصية حذرة، تميل للسير إلى جوار الحائط، وتجنب المتاعب والمشكلات، وأنا على العكس تماماً.
بدا غاضباً، على الرغم من محاولته كتمان هذا، وهو يقول:
- وسيلتى هى المثلى؛ للعيش فى هذا البلد ...... إما أن تقبلى بما يحدث فيه، وتسيرين صامتة مستسلمة، إلى جوار الحائط، أو ترفضين مايحدث، وستجدين ألف حائط؛ لتضربى رأسك فيهم.
رمقته فى دهشة مستنكرة:
- ياله من رأى متخاذل.
أجاب فى حدة:
_ أو شديد الحكمة.
غمغمت فى صرامة، وهى تدير جهاز الطرد المركزى:
- على أى الأحوال، هذا ليس شأناً سياسياً.. إنه شأن جنائى بحت.
أطلق ضحكة ساخرة قصيرة، وقال فى حدة أكثر:
- هراء .. ما دام الأمر يدور تحت قبة المجلس، فلا فارق بين الحالتين .. أتتصوَّرين أن فساد أى وزير مثلاً، هو أمر جنائى بحت، من اختصاص النائب العام وحده؟!.. ياللسذاجة، فى بلدنا يعتبر كل ما يمس السادة أمراً سياسيا، حتى فسادهم، وانحرافاتهم، وأخطائهم الفادحة، التى ربما يذهب ضحيتها المئات .... صدقينى، لو أفنى مسئول كبير قرية كاملة، أو حتى نشر وباءاً فانياً، وحتى لو باع الهرم ذاته، سيعتبرون هذا شأناً سياسياًً.
غمغمت فى صوت شارد:
- خطأ.
قال فى عصبية:
- ربما فى مجتمعات أخرى، أما هنا، فكل شئ مرهون بإرادة الكبار.. مجتمع الخمسة فى المائة، الذى قامت الثورة للقضاء عليه، عاد مبرزاً أنيابه ومخالبه، والتهم كل ما فعلته الثورة، فى عقدين من الزمان، بل وربما تحوَّل إلى نصف فى المائة أيضاً.. على الأقل، كانت هناك صحافة قادرة على كشف الفساد قبل الثورة، ورأى عام يتفاعل معها، وحكومات تمتلك ذرات من حياء، لم يعدله وجود فى زمننا هذا، و...
قاطعته فى صرامة:
- كفى.. لم أكن أشير إلى كل هذا، عندما تحدثت عن الخطأ.
سألها مبهوتاً:
- أى خطأ تقصدين إذن؟!
أشارت (نهير) إلى مقياس الطيف أمامها، وهى تجيب فى حزم:
- هذا.
حدَّق فى المقياس، دون أن يفهم ما تعنيه، فاعتدلت هى، وأضافت بكل حسم:
- لقد عرفت كيف قتلوا النائب (مازن).
وارتفع حاجبا (عزت) فى دهشة..
بلا حدود.

يتبع


توقيع : سبعة
https://j.top4top.io/p_224042ubi1.jpg

قديم 08 Mar 2013, 12:54 AM [ 2 ]
أستغفر الله

تاريخ التسجيل : Dec 2011
رقم العضوية : 50744
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 212
الردود : 4011
مجموع المشاركات : 4,223
معدل التقييم : 1165سبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud of

سبعة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 10
أجمل حكمة

وسام المؤسس لعام 1435

المشاركة في الاحتفالية السنوية

مجلة الشدادين

دقة الملاحظة

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

العضو المميز

الحضور المميز


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


الفصل الثاني

ارتسمت علامات الجدية والصرامة، على وجه رئيس المجلس، وهو يراجع بعض الأوراق فوق المنصة فى صمت، شاركه إياه الجميع، دون أم يطلب منهم هذا، عندما ارتفع صوت النائب النحيل، يشق أستار الصمت بغتة، فى حدة:
- هذا تجاوز لنظم المجلس.. ليس من المفترض أن نجلس نحن النوّاب هنا، فى انتظار تحقيقات عبثية، تسعى إليها امرأة مأفونة، لا تتمتع حتى بالحصانة.
رفع رئيس المجلس عينيه إليه فى بطء، وأجابه فى صرامة، بلهجة أستاذ يتحدّث إلى تلميذ مشاغب:
- هذه المرأة مؤهَّلة تماماً لما تجريه من أبحاث، يا سيادة النائب، وتحمل من المؤهلات مالايمكن التشكيك فيه، ولقد تحرّى السيد وزير الداخلية شخصياً أمرها، وليست عليها أية مؤاخذات أمنية، وانتظارنا لما يمكن أن تجلبه من نتائج هنا، أفضل من فضّ الجلسة دون حسم الأمر، والكل يحمل التساؤل فى أعماقه، وبذرة الشك فى كيانه.
قال النحيل فى عصبية:
- وهل يبدو لك هذا إجراءاً قانونياً؟!..
أجابه صارما:
- يبدو لى إجراءاً مناسباً؛ لحفظ كرامة المجلس وهيبته.
ثم أدار عينيه فى الحاضرين، بنظرة يحفظونها جميعاً، قبل أن يضيف:
_ ولدى أوامر باستخدمه، والمضى فيه حتى النهاية .... أياً كانت النتائج.
حسمت عبارته الأخيرة الموقف تماماً، وألجمت كل الألسنة، وأخرستها فى الحلوق، حتى نهض النائب، الذى همس فى أذن (مازن)، وقال فى عصبية حذرة:
- لا توجد لدينا أية تساؤلات.. إننا حتى نرفض مجرد توجيه الاتهام، إلى أحد منا .. كلنا هنا رجال شرفاء، ولا يمكن أنيقدم أحدنا على ارتكاب جريمة قتل.
اندفع ذلك الذى تشاجر مع القتيل، يقول بدوره:
- ثم أن المرحوم (مازن) سقط أمامنا جميعاً، دون أن يقترب منه أحد، فكيف تكون هذه جريمة قتل؟!
أجابهم رئيس المجلس، فى صرامة أكثر:
- الدكتورة (نهير) طلبت ساعة واحدة لإثبات الأمر، لم تتبق منها سوى بضع دقائق، وإن غداً لناظره قريب.
قال النائب النحيل فى حدة:
- فليكن.. سننتظر تلك الساعة فقط، ثم سننصرف بعدها، سواء حسمت الأمر أم لا.
رمقه الرئيس بنظرة نارية، وهو يقول:
- سيبقى الجميع حتى النهاية، مهما طال الأمر.
مرة أخرى، ألجمت عبارته شديدة الصرامة الألسنه، وايتلع كل منهم لسانه مجبراً، ولكنه لم يكد ينهى عبارته، حتى اندفع أحد رجال الأمن داخل القاعة، بصحبة الدكتورة (نهير)، التى عاودها توترها الشديد، فور دخولها، وراحت تتلفَّت فى عصبية بالغة، وهى تهرول خلفه فى ارتباك، والعيون كلها ترمقها بنظرات نارية ملتهبة، تحمل الكثير من المقت، والغضب، والاستياء، مع لمحة من الفضول المترقب، فأشار إليها رئيس المجلس؛ ليحسم الأمر، قائلاً:
- تفضلى يا دكتورة.
تلفَّتت حولها مرة أخرى، وتضاعفت عصبيتها، وهى تسير وسط القاعة، نحو المنصة، وتعتليها فى صمت، فسألها رئيس المجلس، من المستوى الأعلى:
- هل توصَّلت إلى شئ؟!
شاهد الجميع شفتاها تتحرَّكان، دون أن يصدر عنهما أدنى صوت، فأرهف النواب سمعهم فى انتباه، قبل أن تتنحنح هى، وتقول، وعصبيتها تتضاعف:
- نعم.
ثم أدارت عينين عصبيتين فى الحاضرين، وأضافت:
- لقد عرفت كيف قُتِلَ النائب (مازن).
سرت همهمة غاضبة فى القاعة، فور نطقها العبارة، فارتبكت هى، ورفعت صوتها، فى محاولة للسيطرة على الموقف، وهى تكمل:
- من الواضح أن القتيل اعتاد الانفعال، فى كل مرة يقدِّم فيها استجواباً، ومع انفعاله، ولأنه مصاب بمرض الذبحة الصدرية، كان يصاب دوماً بآلام الصدر مما يدفعه إلى تناول أحد أقراص النترات، التى تعمل على توسيع الأوعية الدموية، وتضخ المزيد من الم لقلبه، فخفِّف آلامه.
اندفع النائب النحيل، يقول محتداً:
- حتى قتلته.. هذا ما أردت قوله.. أليس كذلك؟! ... هل ترين أن زميلنا النائب المحترم قتل نفسه، بجرعة دواء خاطئة؟!
قالت فى حدة:
- لو أن هذا سبب الوفاة، لما أشرت مجرد إشارة، غلى القتل، من قريب أو بعيد، بل ولما استخدمت المصطلح من أساسه.
ثم صمتت لحظة، واستدركت، فى حذر شديد:
- ولكن هذا لا ينفى أن الأقراص قتلته.
هتف النائب المتشاجر فى ثورة:
- هذه المرأة تعبث بنا.
ارتبكت الدكتورة (نهير) أكثر، مع نظرات الاتهام العنيفة، التى يرميها بها الكل، وهى تقف على المنصة السفلى، فقال رئيس المجلس، مستوضحاً فى اهتمام:
- هل قتلته أقراص الدواء؟!
تردَّدت الدكتورة (نهير) لحظة، قبل أن تقول فى خفوت:
- ليس على نحو مباشر.
نهض النائب، الذى همس، قائلاً فى عصبية:
- هل ستظل ترميننا بعبارات غامضة مطاطة، أم هناك أمل فى أن نحصل على جواب صريح ومباشر.
احتقن وجهها، وارتباكها يتضاعف أكثر وأكثر، والنظرات النارية تكاد تحرقها فوق المنصة،فمال رئيس المجلس إلى الأمام، وكأنما يطل عليها، وهو يقول، محاولاً دفعها إلى إلقاء ما لديها على مسامعهم:
- هل استبدل أحدهم أقراص الدواء، بنوع من السموم مثلاً؟!
أجابته فى سرعة متوترة:
- مطلقاً.. لقد قمت بتحليل أقراص الدواء فى العلبة، ووجدتها كلها سليمة، ومن غير المنطقى أن يدس أحدهم قرصاً ساماً، فى علبة دواء، يحملها النائب فى جيبه طوال الوقت، ثم كيف له أن يتوقّع أى قرص سيتناوله منها بالتحدبد؟!...
هتف المتشاجر فى غضب:
- أظننا قد بلغنا مرحلة سخيفة، لا يصح بعدها أن نواصل الاستماع إلى...
قاطعته (نهير) مندفعة، دون أن تراعى قواعد اللياقة:
- لقد قتلته سترات السيلدينافيل.
ظهرت الدهشة على وجوههم جميعاً، وقال رئيس المجلس فى حدة:
- لقد فسرت اللغز بمعضلة.
تابعت، وكأنها لم تسمع التعليق:
- أحدهم سحق عدة أقراص، من سترات السيلدينافيل، وأضافها خفية، إلى علبة المياه الغازية، التى كان يشربها النائب، وعندما تناول قرص النترات، تفاعل مع السترات، فتمدَّدت أوعيته الدموية على نحو فائق، ولقى مصرعه بهبوط حاد فى الدورة الدموية فوراً.
تبادل الكل نظرات متوترة مندهشة، ونهض أحد النواب، يقول فى اعتراض:
- ومن منا عبقرى كيميائى أو دوائى، بحيث يمكنه الحصول على تلك السترات المزعومة؟! ... أم أنك توجهين الاتهام إلى أصحاب المهن الطبية منا ؟!..
أجابته الدكتورة (نهير) فى حسم:
- الحصول علي عدة أقراص، من سترات السيلدينافيل،لا يمثل معضلة على الإطلاق؛ لأنها متوافرةة فى كل الصيدليات تقريباً، بعد إباحة تداولها،ومعروفة باسم..
بترت عبارتها دفعة واحدة، وحملت ملامحها توتراً أكثر، وعيناها تدوران فى كل الوجوه فى عصبية، قبل أن تكمل، مشيحة بوجهها:
- الفياجرا.
دوت الكلمة فى القاعة كقنبلة، تردَّد صداها فى ذهول مستنكر، ارتسم على كل الوجوه، وشعرت معها (نهير) بخجل شديد، وكأن الحاضرين كلهم يربطون بين تلك الأقراص، ذات المفعول الجنسى، وأنوثتها الواضحة المشرقة، وخاصة عندما ساد عقبها صمت رهيب، والعيون كلها تحدق فيها ..
وبكل ارتباكها وتوترها، تابعت فى عصبية:
- أى شخص، يقرأ نشرة الاستخدام، داخل علبة من علب الفياجرا، سيجد تحذيراً واضحاً من عدم تناولها مع أدوية القلب، وبالذات تلك التى تعتمد على النترات، والشخص الذى قتل النائب (مازن)، كان يعلم أنه سينفعل حتماً أثناء الاستجواب، وأن البعض سيسعى لاستفزازه، وإثارة المزيد من توتره وانفعاله، وسيتناول حتماً أحد أقراص النترات كالمعتاد، لذا، فقد دس له أقراص الفياجرا المسحوقة، فى علبة المياة الغازية، وساعدت المادة السكرية، فى المياه الغازية، على سرعة امتصاص المادة الفعَّالة، حيث تفاعلت مع قرص النترات، بعد قليل من تناوله، واشتركت معه فى مضاعفة توسيع الشرايين، لتنهار الدورة الدموية كلها دفعة واحدة.
ساد وجوم شديد فى القاعة، وتطلَّع الكل إلى بعضهم البعض، غير مصدقين ما سمعوه، أو غير مستوعبين للأمر، قبل أن ينهض أحد النواب، قائلاً:
- ولماذا لا تفترضين أن المرحوم (مازن) قد تناول الفياجرا بإرادته، دون أن يدرك تأثيرها على قلبه، أو تفاعلها مع ما يتناوله من أدوية؟!
أجابته فى سرعة:
- لو أنه فعلها، لتناول قرصاً واحدة، أو حتى قرصين؛ ففى مثل عمره، لا يمكن أن يجازف بأكثر من هذا، ولكن الكمية التى بقيت فى علبة المياه الغازية وحدها، تساوى ثلاثة أقراص على الأقل، ومع اتصالى بالطبيب الشرعى، الذى فحص الجثة، علمت أن دمه يحوى مايقرب من ستة أقراص أخرى، ولا يمكنه أن يتناول كل هذه الكمية بإرادته، إلا إذا...
بترت عبارتها دفعة واحدة، فاندفع النائب النحيل، يقول فى عصبية:
- هل تحاولين الإشارة، إلى أن زميلنا المحترم قد انتحر بإرادته؟!..
قالت فى سرعة:
- لقد درست هذا الحتمال، ووجدت أنه، لو أراد النتحار، لما احتاج إلى سحق الأقراص، وإحضارها إلى المجلس، فى ورقة خاصة، ولما حاول التخلص من تلك الورقة، ودفعها بقدمه بعيداً، كما اتضح لى من فحصها... كان سيفعل هذا فى منزله وحده، ويترك خلفه رسالة النتحار.. أو لم يكن ليهتم أو ينفعل بشأن استجواب، لن يحيا حتى لمتابعته.
هتف أحدهم:
- ربما كان...
أدرك، قبل أن ينطق عبارته، أنها تتنافى مع المنطق السليم، فتراجع على نحو ملحوظ، وهو يتمتم:
- ومن يرغب فى قتله؟!.. ولماذا؟!
بدت عصبيتها واضحة فى صوتها، وهى تقول:
- لست أدرى لماذا، ولكننى أعرف من كانت لديه الفرصة لدس أقراص الفياجرا المسحوقة فى علبته.
اشرأبت الأعناق كلها نحوها فى تساؤل، حوَّله رئيس المجلس إلى سؤال مباشر:
- من يا دكتورة؟!
تردَّدت طويلاً هذه المرة، وهى تستعيد كلمات مساعدها (عزت)، وحديثه عن السياسة وتعقيداتها، ثم لم تلبث أن أشارت بسبَّابتها إلى المتشاجر، والهامس والنحيل، قائلة:
- هذا، وهذا، وذاك.
انتفض النواب الثلاثة فى غضب، وصاح المتشاجر فى ثورة:
- هذه المرأة تجاوزت حدودها.. نحن نواب تتمتع بالحصانة، وليس من حق أحد اتهامنا، على هذا النحو.
وهتف النحيل فى حدة:
- هذا لم يحدث قط، فى تاريخ المجلس كله.
أجابه رئيس المجلس فى صرامة:
- وموقفنا الحالى لم يحدث أيضاً، فى تاريخ المجلس، منذ إنشائه.
صاح الهامس فى غضب شديد، وهو يشير إلى (نهير) بسبَّابته متوعداً:
- حاكموا هذه المرأة، التى تلقى اتهاماتها جزافا، قبل أن نصبح جميعنا متهمينً.
هتفت (نهير)، مدافعة عن نفسها، وقد بدا لها أن النواب يوشكون على الفتك بها، من شدة غضبهم:
- أقراص الفياجرا المسحوقة لم تكن فى العلبة فقط، وإنما كانت بقاياها فى ورقة، ملقاة أسفل النائب القتيل أيضاً، مما يشير إلى أن أحدهم دسَّها ف علبة النائب، أثناء الجلسة نفسها، ولقد تابعت الموقف طوال الوقت، من الشرفة، ولم أر أحداً يقترب من النائب سوى ثلاثتكم.
تعالت أصوات الغضب والاحتجاج فى القاعة، فنهض رئيس المجلس، وقال فى حزم:
- اصطحبينى إلى مكتبى، يا دكتورة (نهير).
أسرعت تلحق به؛ للفرار من هذا الموقف كله، فى حين استدار هو إلى النواب، قائلاً:
- ولن يغادر أحدكم القاعة، قبل أن ننتهى.
تركهم يتجادلون حول الموقف فى غضب واستنكار، وأحدهم يحاول جمع بعض التوقيعات على عريضة كبيرة؛ لطلب إلغاء ما يحدث، ونقل الأمر كله إلى سلطات التحقيق الرسمية، واصطحب هو (نهير) إلى مكتبه، وهناك واجهها فى صرامة:
- دكتورة (نهير).. لقد أثرت عاصفة من الغضب والتوتر فى القاعة، باتهام هؤلاء النواب الثلاثة، وهذا أمر لم يحدث، فى تاريخ المجلس... ولا حتى فى تاريخ المجالس النيابية كلها.
غمغمت مرتبكة:
- تصوَّرت أننى أقوم بواجبى.
هزَّ رأسه، قائلاً:
- الأمور لا تعالج هنا بهذا الأسلوب.. هناك قواعد ونظم، يتم تطبيقها فى الحياة العامة، وتتضاعف أكثر وأكثر، عندما يتعلَّق الأمر بالمجلس.
سألته منكمشة:
- أكان ينبغى أن أكتم ما لدى إذن؟!
صمت بضع لحظات، وهو يتطلَّع إليها بنظرة صارمة، ثم قال:
- كلا.
نطقها، وعاد خلف مكتبه، واستقر هناك صامتاً بضع لحظات، ليضيف:
- ولكن ينبغى أن تتعلمى، كيف تواجهين الأمر هنا، بأسلوب ديبلوماسى.
أومأت برأسها علامة الفهم، أو محاولة التظاهر بذلك، فتراجع فى مقعده، وشبَّك أصابع كفيه أمام وجهه، قبل أن يسألها فى اهتمام:
- أنت واثقة مما لديك.. أليس كذلك؟!
أومأت برأسها مرة أخرى، وغمغمت:
- لقد قمت بتحليل المادة بنفسى، و...
قاطعها فى حزم:
- أقصد فيما يتعلَّق بفرصة القتل.
ارتبكت مع سؤاله، وقالت فى حذر:
- لم أقصد اتهام شخص بعينه، ولكن...
لم تستطع إتمام عبارتها، فأومأ هو برأسه هذه المرة، وتنهَّد فى عمق، وقال:
- المشكلة أن ثلاثتهم من أعدى أعداء النائب (مازن) بالفعل، وكل منهم لديه سبب منطقى، للقضاء عليه، وإن لم أتخيَّل أن يصل الأمر بهم إلى القتل.
قالت فى حذر أكثر:
- من قتله، لم يكن يتوقَّع انكشاف أمره قط، بل ربما تصوّر أن الأمور ستسير بسرعة أكثر، عندما تحدث الوفاة فى المكتب، وأن الفقيد سيوارى التراب فى سرعة، ودون الدخول فى تعقيدات، أو خوض إجراءات، قد تكشف أمره..
قلب كفه، قائلاً بصوته الفخم:
- ما من قاتل يتوقَّع أن ينكشف أمره أبداً، لقد عملت بالمحاماة فترة كافية، لاستيعاب هذا الأمر تماماً، ولكن الموقف هنا له حساسية خاصة.
تمتمت:
- أعلم هذا.
تنهَّد مرة أخرى، وقال:
- ربما لو فحصنا البصمات على العلبة، فقد..
قاطعته، دون أن تنتبه إلى تعارض هذا، مع أبسط قواعد الذوق واللياقة:
- لقد فعلت.
اعتدل فى انتباه، وانتبهت إلى تجاوزها، فاحتقن وجهها خجلاً، وتابعت:
- لم تكن هناك أية بصمات، مما يوحى بأن أحدهم مسحها فى عناية، أثناء انشغال الكل بمصرع النائب.
سألها رئيس المجلس فى دهشة:
- ولا حتى بصمات (مازن) نفسه؟!
هزَّت رأسها نفياً، وأجابت:
- لم تكن هناك بصمة واحدة.
ثم أضافت فى حسم:
- وهذا دليل آخر، على أنها جريمة قتل متعمَّدة؛ فلو أنه أمر طبيعى، لبقيت بصمات النائب نفسه على الأقل.
أجابها فى صرامة:
- فى حكم القانون، يعتبر هذا قرينة، وليس دليلاًٍ.
هزَّت كتفيها، متمتمة فى عصبية:
- فليكن.
تأمَّلها رئيس المجلس بضع لحظات أخرى، ثم نهض من خلف مكتبه، واتجه إليها، قائلاً:
- تدركين بالطبع مدى حساسية هذا الأمر وخطورته، وتأثيره المباشر على هيبة وكرامة الدولة.
قالت فى دهشة مستنكرة:
- هيبة وكرامة الدولة؟!.. وما صلة هذا بهيبة وكرامة الدولة؟!.. إنها جريمة قتل، أياً كانت هوية القاتل أو الضحية.
هزَّ رأسه نفياً فى حزم، وقال:
- قولك هذا يعنى أنك لا تفقهين شيئاً، بشأن هيبة الدولة وكرامتها.. إننا نتحدَّث عن مجلس نيابى تشريعى، له مكانته واحترامه، وهو أعلى سلطة، فى البلاد كلها، بحكم القانون والدستور، فماذا لو أشيع أن أحد أعضائه ارتكب جريمة قتل.. ألا ينتقص هذا من هيبة المجلس، ومن هيبة الدولة بالتالى؟!
أجابته، وهى تعقد حاجبيها فى توتر:
- ما أعرفه عن هيبة الدولة، هو أنه لو سرقت فاطمة بنت محمد، صلى الله عليه وسلم، لقطعت يدها.. الهيبة هى أن يتساوى الكل أمام القانون، أياً كانت مناصبهم أو هوياتهم.
أشاح بوجهه، قائلاً فى حدة:
- ربما بالنسبة للعامة من أمثالك، وليس بالنسبة لرجال السياسة.
قالت معترضة:
- ولكن فى الدول الديمقراطية...
قاطعها بمنتهى الصرامة:
- لا شأن لنا بغيرنا.
ثم اعتدل يواجهها، وشبَّك كفيه خلف ظهره فى قوة، متابعاً، بلهجة بدت أقرب إلى الوعيد:
- المهم أننا فى موقف خاص جداً، ولدى أوامر عليا، بحله داخل جدران المجلس فقط، وما أطلبه منك الآن هو ألا يتجاوز الأمر هذه القبة.. هل تقسمين على هذا؟!
تردَّدت (نهير)، فاستدرك فى قسوة:
- فوراً.
صمتت (نهير) بضع لحظات، ثم تنهدت فى استسلام، قائلة:
- لن تكون هناك سلطة تفوق مجلسكم.
قال فى غضب:
- لست أتحدَّث عن أية سلطة، بل عن الصحافة والإعلام بالتحديد.
هزَّت رأسها، قائلة:
- لا شأن لى بهما فى المعتاد.
وصمتت لحظة، ثم اضافت فى خفوت:
- ثم أنهما لم تعد لهما سلطة فعلياً.
التقى حاجباه، وهو يسألها فى صرامة:
- ماذا تعنين؟!..
أجابته فى سرعة:
- أقول أننى لن أبغهما.
قال بمنتهى الحزم:
- عظيم.
ثم عاد إلى مكتبه، وهو يتابع:
- فى هذه الحالة، سيظل ما تعرفينه هنا طى الكتمان، مهما بلغت خطورته، وتسرب الأنباء إلى الصحافة، يسعنى تورطك.
تمتمت فى ضيق:
- مفهوم.
جلس خلف مكتبه، والتقط سمَّاعة هاتف داخلى، وقال:
- أريد ملفات ثلاثة من النواب.
ألقى اسم النحيل، والهامس، والمتشاجر ثم أعاد سمَّاعة الهاتف، قائلاً:
- ستجدين فى تلك الملفات، كل ما يتعلَّق بصراعات النواب الثلاثة، مع (مازن) رحمه الله، ربما ساعدك على تقليص الاتهام بدليل مباشر.
غمغمت:
- إنها قرائن فحسب.
لم يحاول التعليق على عبارتها، وإنما نهض مرة أخرى، وقال:
- وأمامك ساعة إضافية، وبعدها..
سألته فى قلق:
- وبعدها ماذا؟!
رمقها بنظرة نارية، وهو يجيب:
- بعدها سأغلق باب المناقشة، فى هذا الأمر كله.
تمتمت فى خفوت هامس:
- أعلم هذا.. موافقون.. موافقة.
مال رئيس المجلس نحوها؛ لأنه لم يسمعها جيداً، فاعتدلت، قائلة فى عصبية:
- سأبذل قصارى جهدى.
أشار بسبَّابته، قائلاً فى صرامة:
- وخلال ساعة واحدة.
قالها، وغادر المكان، ليتركها وحدها فى مكتبه، وقبل حتى أن تتخذ مقعداً، دخل أحد رجال الأمن، حاملاً ملفات النواب الثلاثة، ووضعها أمامه، ثم جذب مقعداً، وجلس عند الباب، يراقبها فى صمت..
وبكل عصبيتها، راحت هى تتصفَّح الملفات، بحثاً عن أية قرينة، تشير إلى القاتل..
ويالهول ما قرأته..
الثلاثة كانوا غارقين فى الفساد حتى النخاع، ومصالحهم كلها تتعارض بشدة، مع مصالح النائب الصريع..
وأكثر ما أدهشها فى الأمر، هو أن ملفاتهم، التى وضعها المجلس أمامها، تفوح برائحة فساد تزكم الأنوف، وعلى الرغم من هذا، فالملفات نفسها تؤكِّد أن أحداً لم يوِّجه إليهم اتهاماً واحداً، فيما عدا (مازن)، الذى قدَّم أكثر من شكوى بشأن ثلاثتهم، للجهاز المركزى للمحاسبات..
كل منهم كان لديه الدفاع القوى، والفرصة لدس أقراص الفياجرا المسحوقة، فى علبة المياه الغازية..
ولكن من منهم فعلها؟!.. من؟!...
أزاحت الملفات جانباً، وراحت تستعيد كل ما حدث، منذ اللحظة الأولى، وهى توقن من أنها ستجد الدليل، فى مسرح الجريمة نفسه، و...
وفجأة، توقَّفت لقطة بعينها فى ذاكرتها، وتألَّقت معها عيناها على نحو واضح، حتى أن رجل الأمن نهض من مقعده، وبدا عليه التوتر والتساؤل والحذر..
ولكنها لم تشعر حتى بوجوده..
فقد انتبهت إلى نقطة غابت عن أذهان الجميع..
نقطة هامة.. للغاية.

يتبع


الأعلى
قديم 08 Mar 2013, 12:56 AM [ 3 ]
أستغفر الله

تاريخ التسجيل : Dec 2011
رقم العضوية : 50744
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 212
الردود : 4011
مجموع المشاركات : 4,223
معدل التقييم : 1165سبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud of

سبعة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 10
أجمل حكمة

وسام المؤسس لعام 1435

المشاركة في الاحتفالية السنوية

مجلة الشدادين

دقة الملاحظة

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

العضو المميز

الحضور المميز


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


الفصل الثالث

على عكس المتوقَّع، خيَّم صمت عجيب على قاعة مجلس الشعب، والكل يترقَّب عودة رئيس المجلس والدكتورة (نهير)؛ لحسم ذلك الأمر، الذى لم يحدث مثله قط، ربما فى تاريخ المجالس النيابية كلها..
كان كل نائب - تقريباً - يفكِّر فى تداعيات الموقف، وتأثيره على الحياة النيابية، وما يمكن أن يؤدى إليه من تطورات، أمنية وسياسية، يمكن أن تربك كل خططه المستقبلية، أو الأدهى، إلىمنح الرئيس مبرراً مناسباً؛ لحل المجلس، وإجراء انتخابات جديدة، تتفادى خلالها الحكومة، ما أسفر فى السابقة، من زيادة نسبة التيارات المعارضة، أكثر مما ينبغى، أوأكثر مما يحتمل الحزب الحاكم..
نائب واحد فقط، كان يفكِّر فى الموقف كله، على نحو مختلف ..
نائب واحد، كان يعيد دراسة الأمر بأكمله منذ البداية ..
لقد كان شديد الحرص، فى تنفيذ خطته الدقيقة ..
راقب النائب (مازن) طويلاً، عبر عدد من الجلسات، ودرس نمطه، وأسلوبه، ولاحظ الأقراص التى يتناولها، كلما اكتنفه انفعال ما، أثناء الاستجوابات، بل ونجح فى سرقة أحد تلك الأقراص، واختبر تأثير مزجه بقرص من الفياجرا، على أحد كلابه، وشاهد الكلب ينهار، ويسقط صريعاً أمامه، وأيقن من نجاح الخطة..
ووسط الهرج والمرج، لم يكن من العسير عليه أن يدس حبوب الفياجرا المسحوقة، فى علبة المياه الغازية...
وبكل الشغف، شاهد (مازن) يتناولها..
ويسقط..
ويموت..
وكان من الممكن أن يمضى الأمر، دون أن ينتبه إليه أحد، أو يشك فى أمره شخص واحد، وأن تعتبر الوفاة عرضية، وتتم الإجراءآت فى سرعة ويسر، ودون الكثير من التدقيق؛ احتراماً لمكانة النائب ..
لولا وجود (نهير)..
أحنقه كثيراً أن تذكَّرها، واستعاد ما فعلته، وكيف كشفت خطته كلها فى ساعة واحدة، وراجع كل الاحتياطات التى اتخذها جيداً، عندما دسَّ المسحوق فى علبته هو، ثم استبدلها بعلبة (مازن)، أثناء انشغال الكل بالشجار، وكيف استعادها بعد سقوط هذا الأخير، ومسح ما عليها من بصمات، وهو يمسكها بمنديله، الذى أخفاه فى راحة يده، وأعادها فى سرعة، دون أن ينتبه إليه أحد..
لقد نفذ خطته بمهارة فائقة، وارتكب جريمته بكل الدقة، ولكن تلك الطبيبة كانت له بالمرصاد..
ولكن هذا لا يعنى أن أمره سينكشف، وهو ما يثق فيه تماماً..
فى نفس الوقت، الذى دارت فيه كل هذه الأفكار فى رأسه، كان رئيس المجلس يواجه (نهير) فى مكتبه، قائلاً فى صرامة:
- ما تطلبينه يتجاوز كل منطق يا دكتورة، وكل الأعراف والتقاليد، والنظم القانونية أيضاً.
قالت (نهير) فى اهتمام مشوب بالانفعال:
- ولكنها الوسيلة الوحيدة يا سيادة الرئيس.. القاتل اتخذ كل الاحتياطات، ولكنه لم ينتبه حتماً إلى هذه النقطة.
قال فى حدة:
- ولكننى لا أستطيع أن أطلب من النواب هذا.
قالت منفعلة:
- ولماذا يرفضون؟!.. القاتل وحده سيجد هذا تجاوزاً؛ لأنه قد يكشف أمره.
ضرب رئيس المجلس سطح مكتبه براحته، قائلاً فى حسم:
- لن أناقش هذا الأمر.. قلت: إننى لا أستطيع مطالبة النواب المحترمين بهذا.. ابحثى عن وسيلة أخرى.
هتفت معترضة:
- ولكن هذا سيحسم الـ....
قاطعها بمنتهى الصرامة، مكرراً:
- ابحثى عن وسيلة أخرى.
نطقها، واندفع مرة أخرى خارج مكتبه، تاركاً إياها خلفه، بصحبة رجل الأمن الذى عاد يراقبها بنظرة حذرة، تحمل مزيجاً من التحفز والشك، فشعرت بكثير من اليأس والإحباط، وجلست تتصفَّح ذهنها، بحثاً عن وسيلة أخرى، بخلاف تلك التى رفضها رئيس المجلس فى إصرار..
وبحكم مهنتها، راحت تفكِّر فى وسيلة علمية، بعد أن أيقنت من أن القاتل قد محا البصمات تماماً، ومحا معها كل أثر لحامضه النووى..
وبحكم مهنتها أيضاً، كانت تدرك أن الجريمة الكاملة أمر مستحيل!..
أى قاتل، مهما بلغت براعته ودقته، يرتكب حتماً ولو خطأ واحد..
خطأ يوقعه حتماً، فى قبضة العدالة..
إنها حكمة الله - عزَّ وجلَّ - ألا يفلت أى مجرم من العقاب، مهما طال به الزمن، ومهما ارتفع به المقام فى الدنيا..
ولكن السؤال هو: أين ذلك الخطأ؟!..
أين الثغرة، التى لم ينتبه إليها القاتل، والتى ستكشف أمره حتماً، لو انتبهت هى إليها؟!.. أين؟!.. أين؟!..
فى غمرة توترها ويأسها، استعاد ذهنها نفس المشهد، الذى أثار انتباهها منذ البداية..
مشهد النواب، وهم يتزاحمون حول جثة النائب (مازن)، فور سقوطه..
كلهم كانوا يتحركون فى توتر وانفعال..
فيما عدا واحد..
واحد فقط، كان يبدو عليه الترُّقب، بأكثر مما يبدو عليه القلق..
ووحده كان ثابتاً فى مكانه، وعيناه تنظران إلى أسفل، وليس إلى الأمام كما يفترض..
لم يلق نظرة واحدة على جثة زميله النائب، بقدر ما كان يتابع شيئاً ما، على الأرض..
ولأنها فحصت جيداً تلك الورقة، التى كانت تحوى بقايا أقراص الفياجرا المسحوقة، فهى تعلم أنه كان يزيحها بقدمه، فى تلك اللحظة..
وهذا يعنى أنها ستعثر على ذرة أو ذرتين، من سترات السيلدينافيل، فى جانب حذائه أو طرفه..
ولكن رئيس المجلس يرفض تماماً أن يخلع النواب أحذيتهم، أياً كان السبب. إنه يرى، من وجهة نظره، أن فى هذا إهانة للنواب، على الرغم من أنها تتصوَّر، أن الإهانة الحقيقية، هى ألا تتحقَّق العدالة فى مجلسهم، لأية اعتبارات كانت!!..
وربما هذه وجهة نظرها؛ لأنها ليست من العاملين فى السياسة، أو لأن السياسة فى بلدنا (الديمقراطى)، لا تسير على النهج نفسه، الذى تسير به فى البلاد الأخرى، التى تبحث عن العدالة، حتى لو طالت الجريمة أكبر رموزها..
السياسة لدينا لها محاذير، ومعايير، وتحفظات، وأنياب ومخالب شرسة، حادة، قاسية، لا تعرف الشفقة أو الرحمة..
جلست على أقرب مقعد إليها، ودفنت وجهها بين كفيها، وقاومت بشدة رغبتها فى البكاء، من شدة إحساسها بالقهر واليأس، واستعادت فى ذهنا كلمات مساعدها (عزت)، وهو يؤكِّد أنها قد ورَّطت نفسها فى أمر يفوق قدراتها..
لم تكن تدرك - عندئذ - كم هى معقَّدة ومرهقة دهاليز السياسة..
لم تكن تعلم أن الأمر يفوق قدراتها بالفعل..
ألف مرة..
تراقصت دمعة فى مقلتيها، وقاومت للفرار من عينيها، فازدردت لعابها، عبر حلقها الجاف فى صعوبة، فى محاولة لمنعها، إلا أنها هزمتها، وانسالت على وجنتيها، فأسرعت تمسحها، وهى تقول لرجل الأمن، الذى لم يرفع عينيه عنها، فى عصبية واضحة:
- ألديك حل ما؟!
ظلَّت ملامحه جامدة قاسية، وإن أطلّ تساؤل حائر من عينيه لحظة، تحوَّل بعدها إلى صرامة غاضبة، وهو يرفع يده بحركة آلية، ليضغط سمَّاعة الاتصال الصغيرة فى أذنه، وكأنما يرهف سمعه؛ ليفهم معنى ما قالته، فلوَّحت بيدها، قائلة:
- لا بأس.. إنها مشكلتى أنا.
فى نفس اللحظة، التى نطقت فيها عبارتها، كان النائب الهامس يقدِّم عريضة كبيرة، متخمة بالتوقيعات لرئيس المجلس، وهو يقول، فى حدة لم يستطع كتمانها فى أعماقه:
- أغلبية الأعضاء يطلبون إنهاء هذه المهزلة، التى تجاوزت كل حدودها.
انعقد حاجبا رئيس المجلس فى صرامة، وقال فى قوة:
- ما يحدث ليس مهزلة، يا سيادة النائب المحترم.. إنها جريمة قتل، والرئيس نفسه لن يرضى بمرورها دون تحقيق حاسم وحازم.
قال النائب، فى عصبية واضحة:
- حرصاً على هيبة المجلس، كان ينبغى أن تتولى التحقيق هيئة قضائية، على أرفع..
قاطعه رئيس المجلس، فى صرامة بالغة:
- وهل درس النواب المحترمون، تداعيات مطلبهم هذا؟!.. هل حسبوا احتمالات تسرب الخبر، إلى الصحافة والإعلام، مع وجود هيئة تحقيق كاملة؟!.. هل فكَّروا فى أثر نشر هذا، على نظرة فخامة الرئيس للمجلس، وثقته فيه؟!
امتقع وجه النائب الهامس، وهو يقول فى صوت منخفض، وكأنما يخشى أن يتسرًّب صوته إلى الرئيس نفسه:
- هل.. هل تشير سيادتك إلى حل المجلس؟!
أومأ رئيس المجلس برأسه إيجاباً، دون أن تختفى انعقادة حاجبيه الصارمة، فاعتدل النائب، وتضاعف امتقاع وجهه، وهو يتمتم:
- أنت على حق.. شكراً سيادة الرئيس.. شكراً.
تمتم بالكلمات، وهو يسرع عائداً إلى مقعده، ويطوى العريضة، ويدسها فى جيبه، مدركاً أن حل المجلس قد يؤدى إلى انعدام فرصته فى دخوله مرة ثانية، أو إلى اضطراره خوض انتخابات مبكرة، قبل أن تبرد نيران ما أنفقه فى السابقة، أما رئيس المجلس فواصل متابعة الموقف بنظرته الصارمة بضع لحظات، قبل أن يستدير، عائداً إلى مكتبه، واندفع داخله بحركة حادة، قائلاً بكل صرامة:
- هل توصلت إلى أمر ما؟!
انتفضت الدكتورة (نهير) فى عنف مع المفاجأة، وهتفت بصوت مرتفع، أكثر مما ينبغى، من فرط انفعالها:
- ليس.. ليس بعد.
رمقها رئيس المجلس بنظرة أكثر صرامة، وقال فى حدة:
- فى هذه الحالة، ليس أمامى سوى حسم الأمر تماماً، مهما كانت النتائج.
هتفت فى ارتياع:
- هل تعنى ما أخشاه؟!
تجاهل سؤالها تماماً، وهو يتابع بنفس الحدة:
- سأختم الجلسة، وأسمح للنواب بالانصراف.
شحب وجهها، وهى تقول مذعورة:
- هذا يعنى أن القاتل سيفلت بجريمته.
قال رئيس المجلس فى غضب:
- لا تنسى أنك تتحدثين عن نواب محترمين.
تلاشى شحوبها، وهى تهتف:
- وأحدهم قاتل.
لوَّح بذراعه كله فى حدة، وهو يقول:
- ما زال نائباً.
تراجعت محتقنة الوجه، ومتمتمة:
- لم أتصوَّر أن الأمور تسير على هذا النحو.
أجابها فى صرامة قاسية، أشبه بالزمجرة:
- أمور عديدة لا تتصوَّرينها.
هزَّت رأسها، وقلبت كفيها فى يأس، وهى تقول:
- فى هذه الحالة، لا أملك أى حل.
بدت نظرته شديدة الغضب والحدة، وهو يتجه إلى مكتبه، ويجلس خلفه، قائلاً:
- إذن فقد أضعت وقت المجلس دون طائل.
هتفت معترضة:
- كان لدى حل منطقى، ولكنك..
قاطعها فى خشونة عنيفة:
- هل ستكررين هذا طوال الوقت؟!
تراجعت فى عصبية، وزفرت على نحو ملتهب، قبل أن تقول، وهى تشيح بوجهها:
- وهل ينبغى أن أعتذر مثلاً؟!
مع إشاحتها بوجهها، ارتطم بصرها بوجه حارس الأمن الجاف، وملامحه التى لا تحمل أى انفعال، ولاحظت أنه يغلق كل أزرار سترته فى إحكام، على عكس المعتاد، وتساءلت عما إذا كان هذا بسبب برودة جو الحجرة، مع جهاز التكييف القوى، أم..
"ولِمَ لا؟!.."..
قطع رئيس المجلس أفكارها، بعبارته الصارمة، فالتفتت إليه بوجه شاحب، ليتابع فى غلظة:
- الاعتذار أمر واجب، فى مثل هذه الظروف؛ ما دمت قد أهدرت وقت المجلس، دون التوصُّل إلى القاتل، أو...
جاء دورها لتقاطعه، وهى تقول فى انفعال:
- لو أن الاعتذار أمر واجب عند الخطأ، فلماذا لم نسمع مسئولاً واحداً يعتذر للشعب، مخما كانت فداحة الخطأ، الذى ارتكبه فى حقه ؟!..
اتسعت عينا رئيس مجلس الشعب، وهو يكاد يلتهمها بنظرة غاضبة مستنكرة، مستهجنة، فأضافت فى عصية أكثر.
- مشكلة السادة والعبيد مرة أخرى.
رأته يعقد حاجبيه، فى غضب هادر هذه المرة، فاستدركت فى سرعة؛ لتدير حافة الحديث، نحو وجهة أخرى:
-المشكلة أننى توصَّلت إليه.
ارتفع حاجبا رئيس المجلس فى دهشة، على الرغم منه، وندت من حارس الأمن حركة متوترة، قبل أن يهتف الأوَّل:
- توصَّلت إليه؟!
أجابته (نهير)، وهى تشعر بالاختناق، من فرط الإحساس بالعجز، واليأس والقهر:
- نعم.. توصَّلت إليه، ولكننى لا أملك الدليل على إدانته.
صمتت لحظة، ثم استدركت، فى حنق واضح:
- الدليل العلمى.
بدا صوت رئيس المجلس خافتاً، وكأنما يحمل بواطن رغبته، فى سؤالها عن هوية القاتل، وهو يقول:
- لن تطلبى منى أن أخلع حذائه مرة أخرى.
أجابته فى حنق أكثر:
- لو أننى فى مكانك لفعلت.
ندت حركة متوترة أخرى من رجل الأمن، فالتفتت إليه بحركة حادة، ونظرت بحركة آلية إلى سترته، التى بدأ يحل أزرارها فى عصبية، وكأنما يتأهَّب لسحب سلاحه، و...
وفجأة، تداعت عدة أمور مترابطة فى ذهنها..
ثم توقَّفت عند أمر واحد..
سترته..
وبنظرة حادة قوية، حدَّقت فى سترة رجل الأمن، الذى تضاعف توتره، وسحب مسدسه بالفعل، ورئيس المجلس يفقد قدرته على التماسك، ويسألها فى لهفة، غلفها بإطار صارم:
- من ارتكب هذه الجريمة؟!.. من ؟!.
استدارت إليه بحركة حادة، مجيبة فى انفعال:
- السترة.
سألها فى دهشة حذرة:
- أية سترة؟!
أجابته، وقد بلغ انفعالها مبلغه:
- سترة القاتل..
لم تمض دقائق خمس على عبارتها، حتى كانت تدلف مرة أخرى، مع رئيس المجلس إلى القاعة، وتتطلَّع بتوترها المعهود إلى كل من بها، وهى تؤكِّد فى أعماق نفسها، أنها لن تعتاد هذا المشهد قط، مع طبيعتها المتحفظة، المائلة إلى العزلة، ولقد تضاعف توترها عدة مرات، عندما أشار إليها الرئيس باعتلاء المنصة السفلية، واستقر هو على العليا، وجال ببصره فى النواب بنظرة صارمة، ألجمت ألسنتهم جميعاً، فران على المكان صمت مهيب، قطعه هو بقوله:
- حانت لحظة حسم الأمر ..
لثانية أو ثانيتين، تواصل ذلك الصمت المهيب فى القاعة، والعيون كلها تتطلَّع إليه، وإلى الدكتورة (نهير)، التى تنحنحت فى عصبية، وحاولت عبثاً أن تشيح بوجهها، بعيداً عن العيون المتربصة، التى بدت وكأنها تملأ كل ركن من القاعة، فيما عدا السقف، الذى رفعت عينيها إليه، فى نفس اللحظة التى تفجَّرت فيها موجة من الهمهمة فى القاعة، على نحو عنيف..
كان الكل يتحدَّثون فى آن واحد تقريباً، فيما عدا واحد ..
القاتل الحقيقى..
وحده تراجع فى مقعده، فى مزيج من العصبية والتوتر والترقُّب والحذر، وعيناه مثبتتان على وجه الدكتورة (نهير)، وعقله منطلق، يستعيد مرة أخرى كل التفاصيل، ويتساءل عما إذا كان قد ارتكب خطأ ما ..
وفى صرامة، أخفت لمحة انفعال، أشار رئيس المجلس إلى (نهير)، قائلاً:
- أخبريهم بالأمر.
لم يعد هناك من مفر إذن!...
إنها مضطرة لأن تخفض بصرها، وتواجه هذا الجمع الكبير، من مختلف المشارب، والذى يمثل أغلبية (دائمة)، من أعضاء الحزب الحاكم، الذين يربحون كل جولة انتخابية (إجبارياً)، وعدد متناثر من المستقلين، والإسلاميين، والمنتمين إلى أحزاب أخرى، ما زالت تحلم (عبثاً) بتبادل الأدوار، وما زالت تصدٌِّق (سذاجة)، وعود الحزب الحاكم وحكومته، بديمقراطية نزيهة زاهية ..
وفى بطء، اعتدلت تواجه الجميع، حكومة ومعارضة، قبل أن تتنحنح فى قوة، وتقول بصوت مبحوح:
- لقد كشفنا القاتل.
تعالت الهمهمة مرة أخرى، ومعظم الموجودين يتساءل عما قالته، فكرَّرت عبارتها بصوت أقوى، أرادته واثقاً، إلا أنه خرج، على الرغم منها، مرتجفاً متوتراً، وهى تقول:
- كشفنا النائب القاتل.
ثم غاص عنقها بين كتفيها، واختلست نظرة إلى رئيس المجلس، متمتمة:
- سيادة النائب القاتل.
خفتت الهمهمات لسبب ما، وتعلَّقت بها كل العيون، وغلب التساؤل والفضول الجميع، فران عليهم تدريجياً صمت عميق، جعلها تتنحنح مرة أخرى، وتقول متابعة فى حذر:
- كنت أعلم منذ البداية، أن الحل كله يكمن فى تلك الأقراص المسحوقة، وكنت أتصوَّر أننى سأعثر على الدليل، فى حذاء القاتل، عندما تخلَّص من الورقة، التى وضع بها المسحوق، وأزاحها بقدمه بعيداً عنه، ثم نبهنى شئ ما إلى حقيقة أخرى.
تألَّقت عيناها، وشملها حماس، جعلها ترفع صوتها دون أن تدرى، وهى تتابع:
- فالقاتل أحضر المسحوق إلى هنا فى جيبه حتماً، وفى جيب سترته بالتحديد؛ لأنه لن يضعه فى حقيبته، خشية أن يلاحظه أحد، وهو يفتحها ويلتقطه، ولن يضعه فى جيب سرواله؛ لأن هذا يستلزم منه النهوض قليلاً، أو الاعتدال على نحو ملحوظ، وهو يخرجه، وسينبه الجالس إلى جواره إلى الأمر على الأقل، أما لو وضعه فى جيب سترته، فسيتيح له هذا التقاطه، ودسَّه فى علبة المياه الغازية الخاصة به خفية، ثم لن يكون عليه بعدها، سوى أن يستبدل علبته بعلبة النائب (مازن)، وينتظر حتى يشرب مسحوق سترات السيلدينافيل، ويدفعه إلى الانفعال، حتى يتناول قرص النترات، ويحدث التفاعل المطلوب، و...
لم تحاول إتمام عبارتها، ولكن النظرة التى ارتسمت فى كل العيون، أنبأتها بما دار فى الأذهان، مما شجَّعها على أن تواصل، قائلة، فى حماس أكثر:
- لهذا مسح القاتل كل البصمات عن العلبة، بعد سقوط القتيل؛ لأنه كان يعلم أن بصماته ستملأ كل مكان منها.
قال النائب المتشاجر فى توتر:
- ما هذا بالضبط؟!.. أهى جلسة من جلسات المجلس، أم واحدة من حلقات شيرلوك هولمز البوليسية؟!.. لسنا هنا لنسمع استنتاجات امرأة مأ...
قاطعته (نهير) فى حزم:
- ليست استنتاجات يا سيادة النائب، ولكنها حقيقة علمية، مع فحص جيب سترة القاتل، الذى سيحوى حتماً ذرات من مسحوق الفياجرا؛ فمع ازدحام النواب حول النائب الصريع، قد نجد الذرات فى أكثر من حذاء، ولكنها فى جيب واحد فقط.
تراجع المتشاجر فى توتر، عندما أدارت عينيها فى وجوه الجميع، ثم بلغ حماسها وانفعالها ذروته، وهى تهتف، مشيرة إلى أحدهم:
- أنت يا سيِّدى.
اتسعت عينا النائب النحيل، وانتفض على مقعده، وهو يهتف:
- أنا.
أجابته فى حزم، وكأنما زالت كل توتراتها ومخاوفها من المكان دفعة واحدة:
- نعم.. أنت.. وحدك كنت تجلس إلى جوار النائب (مازن)، وتملك الفرصة لتنفيذ الجريمة، بالأسلوب الذى وصفته، وأنت من اعتاد معارضته واستفزازه فى كل استجواب، كما سيتفق معى الكل، ولو سلمتنا سترتك الآن، ستثبت ذرات المسحوق فى جيبها ما أقول.
استدارت الوجوه كلها إلى النائب النحيل، فى ذهول مستنكر، جعله ينكمش فى مقعده على نحو مثير للشفقة، ثم لم يلبث أن ضمّ سترته إليه فى شحوب شديد، وهو يتمتم بصوت منخفض مرتجف، وعصبية أشبه باعتراف صريح:
- إننى.. إننى أمتلك حصانة.
وران بعدها صمت آخر على القاعة..
صمت ثقيل كالجبال.. أو أكثر ثقلاً..
ولم تنس (نهير) عبارته هذه أبداً..
لم تنسها، وهى تتابع الصحف يومياً فى شغف، بحثاً عن خبر ولو صغير، دون أن تجد إشارة واحدة للتجربة الرهيبة، التى عاشتها بنفسها هناك ... فى مجلس الشعب..
فقط، حملت الصحف نبأ وفاة النائب المحترم (مازن)، بسكتة قلبية، أثناء حضور واحدة من الجلسات الهامة، فى قاعة المجلس، وتعازى الكل لأسرته، والتى احتلت صفحة وفيلت كاملة ..
أما النائب النحيل، فقد غادر البلاد فى اليوم التالى، لحضور مؤتمر وهمى، وتم اتهامه بفساد مالى، وأعلنت التهمة بعد ساعين، من وصول طائرته إلى دولة أوروبية، لم توقع اتفاقية تبادل مجرمين مع مصر، وما زال طلب رفع الحصانة عنه مقدماً، من أحد نواب المعارضة، ولم يتم حسمه بعد، داخل المجلس ... أو خارجه..
لم تنس (نهير) عبارته أبداً؛ لأنها جعلتها تتلقى أخيراً درساً كبيراً وخطيراً..
فى السياسة.
(تمت بحمد الله)
* * *



الأعلى
قديم 08 Mar 2013, 11:10 AM [ 4 ]


تاريخ التسجيل : Jan 2012
رقم العضوية : 54016
الإقامة : saudi arabia
الهواية : الهدوء..
مواضيع : 719
الردود : 89590
مجموع المشاركات : 90,309
معدل التقييم : 6692بنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond reputeبنت النشامى has a reputation beyond repute

بنت النشامى غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 19
فعالية طلباتك أوامر

فعالية طلباتك أوامر

أجمل حكمة

وسام المؤسس لعام 1435

فعالية مجموعات المنتدى

المشاركة في الاحتفالية السنوية

التميز في دورة الفوتوشوب

شكر وتقدير

أجمل خط 1434 هـ

المشرفة المميزة


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


قصة أكثر من رائعة
لاهنت أخوي على الايراد
شكري وتقديري


توقيع : بنت النشامى
الأعلى
قديم 08 Mar 2013, 07:39 PM [ 5 ]
مؤسس شبكة الشدادين


تاريخ التسجيل : Jan 2005
رقم العضوية : 1
الإقامة : saudi arabia
الهواية : رياضة + كمبيوتر وبس
مواضيع : 2078
الردود : 91561
مجموع المشاركات : 93,639
معدل التقييم : 4981السلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond repute

السلطان غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
فعالية ضوء عدسة

فعالية طلباتك أوامر

شكر وتقدير

فعالية مجموعات المنتدى

يوميات الأعضاء

التميز في دورة الفوتوشوب

شكر وتقدير

أجمل خط 1434 هـ


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


حياك الله يا فايد بكل جميل ومميز
اختيار راقي جداً لهذا الموضوع
أشكرك جل الشكر وعظيم الامتنان لشخصك العزيز


توقيع : السلطان
الأعلى
قديم 09 Mar 2013, 08:13 AM [ 6 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Jun 2011
رقم العضوية : 40992
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 496
الردود : 7353
مجموع المشاركات : 7,849
معدل التقييم : 225الغزال الشارد has a spectacular aura aboutالغزال الشارد has a spectacular aura aboutالغزال الشارد has a spectacular aura about

الغزال الشارد غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
المشرفة المميزة

المشرفة المتميزة

القسم المميز

العضو المميز

الحضور المميز


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


الباحث
شكــــرآ لك على النقل المميز
بارك الله فيك
ولا عدمنا تواجدك
تحيتي


توقيع : الغزال الشارد


هكذا هي العلاقة بين شخصين سواء كانا صديقين أم حبيبين
كلما أشتعلت نيران طريقهم ذابت شموع تماسكهم
حتى تتلاشى فيفترقوا ..

الأعلى
قديم 04 Jul 2013, 08:07 PM [ 7 ]
أستغفر الله

تاريخ التسجيل : Dec 2011
رقم العضوية : 50744
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 212
الردود : 4011
مجموع المشاركات : 4,223
معدل التقييم : 1165سبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud of

سبعة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 10
أجمل حكمة

وسام المؤسس لعام 1435

المشاركة في الاحتفالية السنوية

مجلة الشدادين

دقة الملاحظة

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

العضو المميز

الحضور المميز


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


 
 
المشاركة الأصلية بواسطة : بنت النشامى
اقتباس
 

قصة أكثر من رائعة
لاهنت أخوي على الايراد
شكري وتقديري


 
 
ياهلا فيك بنت النشامى

جل الشكر لك


الأعلى
قديم 04 Jul 2013, 08:08 PM [ 8 ]
أستغفر الله

تاريخ التسجيل : Dec 2011
رقم العضوية : 50744
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 212
الردود : 4011
مجموع المشاركات : 4,223
معدل التقييم : 1165سبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud of

سبعة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 10
أجمل حكمة

وسام المؤسس لعام 1435

المشاركة في الاحتفالية السنوية

مجلة الشدادين

دقة الملاحظة

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

العضو المميز

الحضور المميز


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


 
 
المشاركة الأصلية بواسطة : السلطان
اقتباس
 

حياك الله يا فايد بكل جميل ومميز
اختيار راقي جداً لهذا الموضوع
أشكرك جل الشكر وعظيم الامتنان لشخصك العزيز

 
 
الله يحييك يابو عبدالله

جزيل الشكر لحضورك الدائم
واطرائك لمشاركاتنا


الأعلى
قديم 04 Jul 2013, 08:09 PM [ 9 ]
أستغفر الله

تاريخ التسجيل : Dec 2011
رقم العضوية : 50744
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 212
الردود : 4011
مجموع المشاركات : 4,223
معدل التقييم : 1165سبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud ofسبعة has much to be proud of

سبعة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 10
أجمل حكمة

وسام المؤسس لعام 1435

المشاركة في الاحتفالية السنوية

مجلة الشدادين

دقة الملاحظة

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

العضو المميز

الحضور المميز


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


 
 
المشاركة الأصلية بواسطة : الغزال الشارد
اقتباس
 

الباحث
شكــــرآ لك على النقل المميز
بارك الله فيك
ولا عدمنا تواجدك
تحيتي

 
 
اهلا بك الغزال الشارد

الله يبارك فيك

تحاياي


الأعلى
قديم 04 Jul 2013, 08:21 PM [ 10 ]
عضوة متميزة

تاريخ التسجيل : Mar 2012
رقم العضوية : 56419
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 370
الردود : 16519
مجموع المشاركات : 16,889
معدل التقييم : 912الفارسة is a splendid one to beholdالفارسة is a splendid one to beholdالفارسة is a splendid one to beholdالفارسة is a splendid one to beholdالفارسة is a splendid one to beholdالفارسة is a splendid one to beholdالفارسة is a splendid one to beholdالفارسة is a splendid one to behold

الفارسة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 7
فعالية مجموعات المنتدى

المشاركة في الاحتفالية السنوية

شكر وتقدير

دقة الملاحظة

يوميات رمضانية

العضو المميز

الحضور المميز


رد: جريمة في مسرح الشعب .. نبيل فاروق


بارك الله فيك ، ماقصرت
شكري وتقديري ..


توقيع : الفارسة
اللهم أسألك حُسن الخاتمه
الأعلى
موضوع مغلق
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

01:30 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com