سمر المقرن... تكتب خواطر لا تصلح إلا لعمود صحافي

انطباعات على هامش رواية «نساء المنكر»

سمر المقرن... تكتب خواطر لا تصلح إلا لعمود صحافي

قراءة:هشام بن الشاوي


بداية... وأنا أقرأ رواية «نساء المنكر» القراءة الأولى، اصطدمت بتقريريتها، وانحياز الساردة إلى بنات جنسها، مثل قولها: «كل المجتمعات بما فيها الغربية ترفض أكثر من علاقة مع اختلاف الخلفيات»، وفي مقطع آخر: «زاد يقيني بأن الرجل المخلوق المنعوت بـ «الرجل» لا يملك القوة التي بجّلوه من أجلها»، أو قولها: «يالكم من جبناء تنعتوها بالضعيفة وما من ضعيف سواكم».
الروائية تكتب عن شخصية منحرفة يمكن ألا يتعاطف معها القارئ منذ البداية، امرأة معلقة، ترتبط برجل يدعى «رئيف»، تقابله في لندن بعد أن تعرفت عليه عبر المسنجر، كما أن البطلة تحمّل مجتمعها مسؤولية فرد، تدين هذا المجتمع، وتتوق إلى التمرد على تقاليده عبر هذه العلاقة المحرّمة/غير الشرعية.
وكان بالإمكان حذف الصفحة الأخيرة بأكملها من الفصل الأول، دون أن يختل توازن السرد... لأنه مجرد خواطر وأفكار لا تصلح إلا لعمود صحافي في صفحة اجتماعية. وحديث الساردة/ البطلة الأقرب إلى نوع من التباهي بترك كتب الدين، وقراءة أحلام مستغانمي، هجاء مدينة الرياض، ومديح لندن، مثلما فعلت رجاء الصانع في روايتها «بنات الرياض»، مع التحفظ الشديد على كلمة رواية، ولا يخفى على القارئ التوجه الليبرالي لسمر المقرن، لكن يبدو أن مغازلة الغرب، والتوق إلى التحرر، أقرب الطرق إلى العالمية، بعد نيل رضا الآخر...!
وتحامل الكاتبة على مجتمعها، يوقعها في الحشو اللغويّ، وهي تتحدث عن المرأة، و نظرة المجتمع إليها، كما أنها الساردة تدخل متاهات حكايات جانبية، وتفقد السيطرة على خيوط النسيج السردي.
وتنتقل للحديث عن صديقتها الغائبة- الحاضرة أسيل، والتي كانت مرتبطة برئيف قبلها، وسيتبين، لاحقاً، أن لا دور لهذه الأسيل في البناء الدرامي، ويمكن الاستغناء عن هذه الشخصية، إلا إذا كانت الكاتبة تجاري نصوصًا أخرى، يحضر فيها ثالوث العشق، أي امرأتين صديقتين ورجل واحد، كما عوّدتنا كلاسيكيات الأدب.
وبغض النظر عن حداثة سن الكاتبة، وإطلاق الأحكام الجاهزة، كقولها عن الأزواج أنهم «لا يتقنون في حياتهم إلا ممارسة التعاسة»، وربما يعزى هذا إلى تأثرها بكتابات أخرى، نصوص غائبة، تمجّد الحب، وترى في الزواج نظاماً اجتماعيًا فاشلا، في حين أن تلك النصوص تروج لأفكار هدامة... وتتحدث عن حق المرأة في الحب، وكأنها تكتب مقالا، تترك السرد، و تغوص في الحديث عن القضية التي تشغل المرأة السعودية وهي قيادة السيارة، ومقارنتها بالجارة الكويتية، وحين استشهدت بمقطع لامرأة لا علاقة لها بالشعر نثرًا ولا تفعيلة، تدعى: حنان بديع، تذكرت رجاء الصانع، التي كانت تستحضر كلمات أغانٍ تافهة داخل المتن الروائي.
الجدير بالذكر أن قراءتي لـ«نساء المنكر»، ليست لأنها رواية امرأة سعودية، ثائرة، تعرّي مجتمعها حد الفضح الجارح، وإنما قرأتها كرواية عربية.
بعد اللقاء اللندني تصمم سارة على ملاقاة حبيبها، رغم خوفه من اللقاء في مطعم عائلي بالرياض، ويشك النادل فيهما ويبلغ عنهما. بالمناسبة، تفتح الساردة قوسًا لاتهام العاملين في المطعم ببيع ضمائرهم لرجال الهيئة، في حين، ككاتبة، كان يجب أن تبقى محايدة، وتترك مسافة بينها وبين الشخصية، وهذا من مساوئ استخدام ضمير المتكلم، حيث يتورط الكاتبــ(ة)، ويُنطق الشخصيات بأفكاره ومشاعره، وعندما ادعى رئيف أنها زوجته، واجهه أحد رجال الهيئة بأن الزوج لا يحضر معه زوجته متبرجة.
وتصف معاملة رجال الهيئة السيئة لها، وإرغامها على التوقيع على محضر الضبط، وتتورط مرة أخرى، فتعلق سمر المقرن (الصحافية) على الحدث بأنه إساءة للوطن، وهنا أتساءل: هل قرأت الكاتبة « الآن... هنا! (أو شرق المتوسط مرة أخرى)» لعبدالرحمن منيف؟ وهل كان منيف يعلق على أحداث اعتقال وتعذيب بطل روايته بنفس السذاجة؟!
بعد ذلك تسرد حكاية نورة التي اعترفت بأنها تخون زوجها، لأنه لا يستحق إلا الخيانة، لأنها تزوجته دون رضا الأهل، وتعترف بذلك متباهية، وتحس سارة بالتعاطف معها، وأنها متصالحة مع ذاتها، بينما الأخريات في نظرها يتحدثن بعفة ومثالية، ولسن في الواقع سوى...!
وسميرة التي قتلت زوجها، لأنه صخّر قلبها، فحرقته بعد أن قتلته بالبندقية، وتعقب الساردة بأنه «اغتال فيها روح الأنثى»، والرجال يتملكون الآخرين، ولو كان في ذلك تعاستهم.
وخولة المطلقة التي قبض عليها بعد انصراف عشيقها.
هناك تغييب للرجال... بصيغة الجمع، وإظهارهم في صورة بشعة، فلا يحضر الرجل في المتن الروائي إلا كحبيبٍ، علما أن تيمة الحب والأبواب المغلقة (موضة)، عفا عنها الزمن مع روايات إحسان عبد القدوس، ومن تلاه من الروائيين، صار يبحث عن أشكال أخرى للكتابة عن تجارب الحب، لكن سمر المقرن تكتب بأسلوب من يكتب مقالا أو تحقيقاً صحافياً.
شخصيًا... كنت أحبذ لو كتبت الرواية على شكل قصة قصيرة، كانت ستكون أكثر إقناعًا، مع تشذيب حشائش النص.
وتكتب عن فترة السجن بشكل عابر، علماً أن مدة الحبس كانت أربع سنوات، في حين أسهبت في وصف فترة تعارفهما القصيرة زميناً، واستنكرت الحكم الذي يفرق بين المرأة والرجل، لتبرهن للقارئ أن المرأة ضحية ومظلومة اجتماعياً دائماً، لاستجداء تعاطف القراء، متناسية أنها امرأة متزوجة، فكان الحكم قاسياً، وبالنسبة للفصل ما قبل الأخير، والذي يتمحور حول غادة، صديقتها وزميلتها في الدراسة، فهو خروج عن المسار الحكائي نفسيًا ودرامياً، ولا علاقة له بالرواية، لا يقدم ولا يؤخر شيئا.
أما النهاية فهي مفبركة، حيث تعمل صبّابة قهوة في الأفراح بعد خروجها من السجن، وهنا وقعت في ثغرة أخرى، إذ كيف أنها كانت تقضي مع أسرتها المخملية العطل في لندن، ثم صار راتب تقاعد الأب لا يكفي حتى لتسديد فاتورة الكهرباء.
ويكون أول حفل زفاف تعمل فيه هو حفل رئيف... رئيف الذي تخلى عنها.
النهاية توقعتها، وقبل أن أكمل النص. لهذا تبخرت متعتي بالنص، فاكتشفت أن لا إشكاليات وجودية، والشخصيات باهتة، سطحية، و بلا خلفيات إنسانية ولا أبعاد درامية.
وانتابني إحساس بالخيبة، لكن من يلام هو: الإعلام، الذي يتغاضى عن الأعمال الجيدة، ويطبل لنتاج دون المستوى. كنت أفكر في الكتابة عن «بنات الرياض» من قبل، لكن ركاكة أسلوبها، جعلتني أترفع عنها، وكأني لم أقرأها.
لا أدري لمَ تروّج دار الساقي لأعمال تسيء إلى المنجز الروائي السعودي، نصوص تغازل المجتمعات الليبرالية، متناسية ما تعانيه من ويلات الانحلال، والتفسخ الأسري و... و...؟
لمَ تستبلد القراء بالعزف على الأوتار الحساسة؟
ولماذا يلوذ النقاد بالصمت، حتى تستأسد الرداءة، ونقيق الضفادع... الإطراء المجاني؟!
* كاتب وناقد مغربي

** نشرت هذه القراءة في مجلة "سيسرا" (العدد الأول) التي تصدر عن نادي الجوف الأدبي الثقافي- السعودية

حياك الله أخي سمير
وحي ما جئت به من مشاركات
للكاتب هشام الشاوي
نرحب بكل جديد ومفيد
فأهلاً بك وسهلاً