قناديل مسجدنا الثلاث

إن للمساجد قناديل لا يمكن أن تضأ إلا بوجودها ، بها يقرأ القرآن ، وتقام الصلاة ، ويذكر الله ، ثم هي كالنجوم الساطعة تتلألأ بين سواري المسجد ، بقدر قربك منها تجلو عنك غشاوة الظلام ، هي مصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور .
ولإن كانت هذه أهمية القناديل ، فقناديل مسجدنا تربو على ذلك بأضعاف مضاعفة فهي بنا نعيش مع قنديلنا الأول :
نشئ يتيما منكسر الجناح بفقد أبويه صغيرا ، إلا أن يد العناية الإلهية اعتنت به ، فأنبتته نباتا حسنا ، ثم بعد أن شب وكبر قام بمهمة لطالما تمناها الصالحون وصبر من أجلها المشمرون ، ينادي عباد الله للقاء الله ، طمعا بدعاء النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمؤذنين بالمغفرة ، والبشارة بجمال الهيئة والصفة في جنات رب العالمين بطول أعناق المؤذنين .

كنت أراه في صغري وهو يجر الخطى للمسجد قد حنا الدهر ظهره ، وأردف العصا رجليه ليتشبث بها في مشيه ، وما أن يلج حتى يهرع لمكبر الصوت ، فيتأبط عصاه ، ويلصق يديه بأذنيه ليهتف :
الللللللللله أكبر *** اللللله أكبر
اللله أكبر *** الله أكبر
لتعيش مع كل جملة نغما خاصا من المحبة والتعظيم ، فهي تخرج من في رجل شاخ في الإسلام
فيتابع أذانه ليصل إلى قعر القلوب ، فيداعب الدمع الأجفان
حي على الصلاة *** حي على الصلاة
حي على الفلاح *** ................. ( ثم يقف قليلا ليلتقط أنفاسه )حي على الفلاح
الللله أكبر *** الله أكبر
لا إله إلا الله
فينتابك شعور غريب شوق مشوب بخوف من خشية الله ، يالها من جمل رائعة زاد جمالها ذلك الشيخ الكبير الذي يعيش مع كل كلمة منها تعظيما وإجلالا للباري سبحانه .
ينكب على كلام ربه انكباب الحبيب لحبيبه ، يتلوه ويتدبره ، يقف عند عجائبه ويحرك به قلبه .
فيرسم في مخيلتي ذلك الرجل الذي لا يمل من ذكر الله والعبادة .
ومن عجائب عبادته أنه أصيب بألم في ظهره شديد لا يستطيع المشي دون من يسانده ، ومع ذلك رُأي طيلة شهره يتكبد الصلاة من أخر الليل لمنجاة ربه ..... سبحان الله ... كأن حلاوة المناجاة أنسته ألامه .
وتمر الأيام بعد مرضه هذا ، ثم يدخل المشفى ويمكث بعضة أيام ، في كل يوم تتحسن حالته ويتماثل للشفاء ...
إلا أنه .......!!
وفي يوم السبت الثاني من محرم عام 1423 تمام التاسعة والنصف لم يلاحظ من كان مرافقا له ـ الذي كان يحادثه قبل دقيقتين أو تزيد ـ إلا بيسير العرق على جبينه ، وإذ بالممرضة تفزع لإحضار طاقمها الطبي ...؟؟!
لقد فارق الحياة بعد بشائر لحسن خاتمته فقد خفف الله سكرات موته ، ومات بعرق الجبين ولعل في ذلك شهادة له بالإيمان
فعن بريد بن الحصيب أنه كان بخراسان فعاد أخا له مريض ، فوجده بالموت ، وإذا بعَرَق جبينه ، فقال : الله أكبر ، سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : موت المؤمن بعرق جبينه ) رواه أحمد ، وله طرق وشواهد تقويه انظر كتاب الجنائز للألباني ( 49 ).فارق الحياة عن عمر يناهز المائة ، فينطفئ به أحد قناديل مسجدنا التي كانا نستضيء منها جمال العبادة والمسابقة في الطاعة ، وليبقى مصحفه ونظارته وسواكه وآثار ركوعه وسجوده تبكي على فقد صاحبها .
فرحمه الله رحمة واسعة

كتبه الأستاذ: أبو أحمد الحارثي

أخوي أبو أحمد
أضئ قناديلك أضاء الله لك طريقك إلى الجنة
ولن تجد مني معارضة بإذن الله
دمت بحفظ الرحمن
أبو حسام

		المشاركة الأصلية بواسطة : الريّان اقتباس
	أخوي أبو أحمد أضئ قناديلك أضاء الله لك طريقك إلى الجنة ولن تجد مني معارضة بإذن الله دمت بحفظ الرحمن أبو حسام

أبا حسام لا حرم خيرك الأنام

لست أقصد بالمعارضة إلا تلاقح الفكرة ....

على ضوء ماكتبت سابقا ....

وإلا نسيت ..

حفظت من رب البرية