قال ابن عبد البر: "روي عنه أنّه قرأ في المغرب بـ: (آلَ م ص) وبـ: (الصّافات)، وبـ: (الدّخان)،
و{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، [الأعلى الآية:1]، وبـ: (التّين)، وبـ: (المعوّذتين)، وبـ: (المرسلات)،
وهو مشهور وأنّه كان يقرأ فيها بقصار المفصّل، وكلّها آثار صحاح مشهورة".
وأمّا عشاء الآخرة، فقرأ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيها بـ: (التّين)، ووقّت لمعاذ فيها
بـ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، [الشمس الآي:1]، وبـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، [الأعلى الآية:1]،
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} ، [الشمس الآية:4]، ونحوها.
ولهذا أنكر عليه قراءته فيها بـ: (البقرة)، وقال له: "أفتّان أنت يا معاذ؟"،
فتعلّق النّقارون بهذه الكلمة، ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها.
وأما الجمعة، فكان يقرأ فيها بسورتي (الجمعة)، والمنافقون)، وسورتي: (سبّح) و(الغاشية).
وأمّا الاقتصار على قراءة أواخر السّورتين فلم يفعله قط.
وأمّا الأعياد، فتارة يقرأ بـ: (ق)، و(اقتربت)، كاملتين، وتارةً بـ: (سبّح) و(الغاشية).
وهذا الهدي الذي استمرّ عليه إلى أن لقي الله ـ عزّ وجلّ ـ.
وأمّا قوله: "أيّكم أمّ بالنّاس فليخفّف" ،
فالتّخفيف أمر نسبي يُرجع فيه إلى ما فعله النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم لا إلى شهوات المأمومين.
وهديه الذي كان يواظب عليه، هو الحاكم في كلّ ما تنازع فيه المتنازعون.
وكان لا يعين سورة بعينها لا يقرأ إلاّ بها، إلاّ في الجمعة والعيدين.
وكان من هديه قراءة السّورة، وربّما قرأها في الرّكعتين، وأمّا قراءة أواخر السّور وأوساطها،
فلم يحفظ عنه.
وأمّا قراءة السّورتين في الرّكعة، فكان يفعله في النّافلة.
وأمّا قراءة سورةٍ واحدةٍ في ركعتين معاً، فقلّما كان يفعله.
وكان يطيل الرّكعة الأولى على الثّانية من كلّ صلاةٍ، وربّما كان يطيلها، حتى لا يسمع وقع قدم.
فإذا فرغ من القراءة، رفع يديه وكبّر راكعاً، ووضع كفّيه على ركبتيه كالقابض عليهما،
ووتّر يديه، فنحاهما عن جنبيه، وبسط ظهره ومدّه، واعتدل فلم ينصب رأسه ولم يخفضه،
بل حيال ظهره.
وكان يقول: "سبحان ربّي العظيم"، وتارةً يقول مع ذلك، أو مقتصراً عليه:
"سبحانك اللهم ربّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" .
وكان ركوعه المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك، وتارةً يجعل الرّكوع والسّجود بقدر القيام،
ولكن كان يفعله أحياناً في صلاة اللّيل وحده.
فهديه الغالب تعديل الصّلاة وتناسبها. وكان يقول أيضاً في ركوعه:
"سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح".
ثم يرفع رأسه
قائلاً: "سمع الله لِمَن حمده" . ويرفع يديه، وكان دائماً يقيم صلبه، إذا رفع من الرّكوع،
وبين السّجدتين، ويقول: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرّجل فيها صلبه في الرّكوع والسّجود".
وكان إذا استوى قال: "ربّنا ولك الحمد" ، وربّما قال: "ربنا لك الحمد" ،
وربّما قال: "اللّهمّ ربّنا لك الحمد".
وكان من هديه إطالة هذا الرّكن بقدر الرّكوع، فصحّ عنه أنّه كان يقول فيه:
"اللّهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّموات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد،
أهل الثّناء والمجد، أحقّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت،
ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ".
وصحّ عنه أنّه كان يقول فيه: "اللّهمّ! غسلني من خطايا بالماء والثّلج والبرد،
ونقّني من الذّنوب والخطايا كما يُنّقَّى الثّوب الأبيض من الدَّنَس،
وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب".
ثم كان يكبّر ويخرّ ساجداً، ولا يرفع يديه.
وكان يضع ركبتيه ثم يديه بعدهما، ثم جبهته وأنفه.
هذا هو الصّحيح فكان أوّل ما يقع منه على الأرض الأقرب إليها فالأقرب،
وأوّل ما يرتفع الأعلى فالأعلى، فإذا رفع، رفع رأسه أوّل، ثم يديه، ثم ركبتيه،
وهكذا عكس فعل البعير. وهو نهى عن التّشبّه بالحيوانات في الصّلاة،
فنهى عن بروك كبروك البعير، والتفات كالتفات الثّعلب، وافتراش كافتراش السّبع، وإقعاء كإقعاء الكلب،
ونقر كنقر الغُراب، ورفع الأيدي وقت السّلام كأذناب الخيل الشّمس.
وكان يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة، ولم يثبت عن السّجود عليه،
وكان يسجد على الأرض كثيراً، وعلى الماء والطّين، وعلى الخمرة المتّخذة من خوص النّخل،
وعلى الحصير المتّخذ منه، وعلى الفروة المدبوغة.
وكان إذا سجد مكّن جبهته وأنفه من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، وجافاهما حتى يُرى بياض إبطيه،
وكان يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه، ويعتدل في سجوده، ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة،
ويبسط كفيه وأصابعه، ولا يفرّج بينهما، ولا يقبضهما .
وكان يقول: "سبحان ربّي الأعلى"، وأمر به.
ويقول: "سبحانك اللهم ربّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي".
او يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح
وكان يقول: "اللهم لك سجدت، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره،
وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين".
وكان يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كلّه دقّه وجلّه، وأوّلهُ وآخره، وعلانيته وسرَّه".
وكان يقول: "اللهم اغفر لي خطاياي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني،
اللهم اغفر لي جدّي وهزلي، وخطاياي وعمدي وكلّ ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدّمتُ وما أخّرتُ،
وما أسررتُ وما أعلنتُ أنت إلهي لا إله إلاّ أنتَ".
وأمر بالاجتهاد في الدّعاء في السّجود.