السلوكيات النمطية لذوي اضطراب طيف التوحد … الأسباب والعلاج

يعد اضطراب طيف التوحد من أكثر الإعاقات انتشارًا، إذ تشير أحدث إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى ظهور أعراض اضطراب طيف التوحد بنسبة 1: 100 طفل وهي نسبة كبيرة جدًا مقارنة بنسبة انتشار الإعاقات الأخرى، وتعتبر السلوكيات النمطية Stereotypical Behaviors أحد أهم سمات تشخيص اضطراب طيف التوحد وفقًا للدليل التشخيصي الإحصائي الخامس الصادر عن الجمعية الامريكية للطب النفسي. وتشير الدراسات التربوية إلى ضيق أولياء الأمور وشكواهم من السلوكيات النمطية غير المقبولة اجتماعيًا والتي يقوم بها أبناءهم من ذوي اضطراب طيف التوحد، وهو ما يتطلب منا كمربين وأولياء أمور معرفة كل ما وصل إليه العلم في هذا المجال من حيث أشكال وأسباب وعلاج السلوكيات النمطية المتكررة وغير المقبولة اجتماعيًا وسلوكيًا من أبنائنا من ذوي اضطراب طيف التوحد، وتشير العديد من الدراسات إلى وسائل وأساليب تخفيض السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد؛ لما لذلك من آثار على تكيفهم الاجتماعي وتأهيلهم للعمل والمشاركة في تنمية الوطن وتتناول الدراسة الحالية ما يتعلق بالسلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد من حيث الاشكال والمظاهر والأسباب وكيفية العلاج من واقع الدراسات العلمية التي تناولت هذا الموضوع.
مفهوم اضطراب التوحد Autism spectrum disorder (ASD):

يعرف اضطراب طيف التوحد بأنه اضطراب نمائي ينطوي على تحديات مستمرة في التواصل الاجتماعي والاهتمامات المقيدة والسلوك المتكرر، وتختلف درجة وشدة التوحد وسماته من شخص لآخر. وتشير دراسة (Sharmila،2017) أن اضطراب طيف التوحد يظهر في مرحلة مبكرة من الطفولة ويمكن اكتشافه وتشخيصه من خلال مجموعة أعراض تتعلق بضعف التواصل الاجتماعي والسلوكيات النمطية المتكررة غير المبررة أو ضعف في الأداء الوظيفي ، أيضًا عرفته (Silvia silleresi، 2023 ) بأنه اضطراب نمائي عصبي يتم تشخيصه من خلال أعراض وسمات وخصائص تتمثل في القصور في مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي مع وجود سلوكيات نمطية متكررة. وعرفته (منظمة الصحة العالمية،2023) اضطرابات طيف التوحد هي مجموعة من الاعتلالات المتنوعة التي تتصف ببعض الصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل. ولهذه الاعتلالات سمات أخرى تتمثل في أنماط لا نموذجية من الأنشطة والسلوكيات مثل صعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر والاستغراق في التفاصيل وردود الفعل غير الاعتيادية على الأحاسيس.
وبناءً على ذلك يمكن تحديد ثلاثي أعراض تشخيص اضطراب طيف التوحد وفقًا للشكل التالي:

شكل رقم (1) يوضح الأعراض الرئيسة لاضطراب التوحد
ويمكننا تفصيل تلك الأعراض بتوضيح أشكالها كما يلي:
أولًا- ضعف مهارات التواصل الاجتماعي ومن أمثلتها:

• عجز وقصور في المهارات الاجتماعية وتكوين العلاقات مع الآخرين.
• لا يظهر اهتمام بالآخرين، حتى لو من نفس سنه وجنسه.
• صعوبة في اللعب المتبادل مع الزملاء.
• محدودية في اللعب التخيلي.
• العجز اللغوي مع الآخرين.

ثانيًا- السلوكيات النمطية غير المقبولة أو المبررة:

وتنقسم إلى ثلاثة أنواع وهي:

• سلوكيات نمطية حركية ومنها رفرفة الذراعين، أو الحركات الاهتزازية، أو حركة القدمين أو المشي على أطراف الأصابع أو التأرجح.
• سلوكيات نمطية لفظية مثل الصراخ والبكاء والكلام غير المفهوم.
• سلوكيات نمطية بصرية ومنها إغماض العينين بشكل متكرر أو السير مغمض العينين أو كثرة فرك العينين والعبث بهما.

ثالثًا- الاهتمامات المقيدة بأشياء ليس لها معنى:

وهي الأشياء الروتينية التقليدية التي يتمسك بها الطفل ومنها:

• الالتزام بالروتين الشديد في كافة مناحي الحياة دون تغيير ومثال ذلك القيام بأفعال معينة قبل البدء بالعمل.
• التمسك بأشياء غير ذات معنى مثل لعبة واحدة، أو قلم أو شيء غير مبرر أو مقبول التمسك به.

مفهوم السلوكيات النمطية Stereotypical Behaviors:

هي سلوكيات شاذة تظهر على شكل استجابات مختلفة من الناحية الشكلية وهي سلوكيات ليست لها وظيفة أو غاية أو هدف يؤديها الطفل، وتتسبب السلوكيات النمطية في تشتيت الانتباه وعدم التركيز وقد تصل إلى حد الإيذاء. وهناك أربعة شروط لكي يوصف السلوك بأنه نمطي وهي أن يكون متكررًا وثابتًا وصلبًا (يصعب تركه) وغير مقبول أو مناسب للموقف ويتناولهم الشكل التالي:

شكل رقم(2) شروط السلوك النمطي
الجدير بالذكر أن السلوكيات النمطية بهذا الوصف ليست قاصرة على المصابين باضطراب طيف التوحد فقط، بل قد يعاني منها الأشخاص الذين لديهم نمط عصبي، والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية، والأشخاص الذين يعانون من حالات أخرى كالإعاقات الحسية وذوي التوتر قد يستخدمونها أيضًا؛ للتخفيف من توترهم. إلا أن تلك السلوكيات في اضطراب طيف التوحد تكون سمة أساسية وظاهرة يمكن اكتشافها بسهولة. وهناك العديد من السلوكيات النمطية حصر الباحث أهمها في الجدول التالي:
جدول يحدد أهم السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد:

سلوكيات نمطية حركية	سلوكيات نمطية صوتية	سلوكيات نمطية بصرية
يكرر حركة رفرفة اليدين بشكل غير مألوف	يردد كلمات سمعها (يسمعها) للتو	كثير التحديق في المرآة، ومصادر الإنارة
يكرر حركات اهتزازية لجسمه بشكل غير مألوف	يردد كلمات سمعها في وقت سابق	يغمض عينيه بشكل متكرر
يكرر التصفيق باليدين	يردد أصواتاً أو لحناً لأغنية بشكل متكرر	يقوم بالسير مغمض العينين
يمشي على قدم واحدة	يكرر اهتزاز بعض الأجسام (الأدوات) قرب أذنيه	يفرك عينيه بشكل غير لائق وبدون داع
يقوم بلمس الآخرين بشكل متكرر	يكرر سلوك صرير الأسنان بشكل غير مألوف	يقرب الأشياء عند عينيه رغم رؤيته الجيدة
يكرر حركة الدوران حول نفسه	يكرر لغة غير مفهومة (مبهمة) بشكل نمطي	يقوم بفتح عينيه بشكل كبير دون رمش
يكرر شم الأشياء ومنها المأكولات	ينقر بالأصابع على الأشياء بشكل متكرر
يكرر سلوك ليّ (لف) المطاط والخيوط وشعر الرأس	كثير الصراخ ونوبات الغضب لأسباب غير ظاهرة
يكرر التسلق للأماكن المرتفعة	يتحدث بكلمات غير مفهومة بصورة متكررة
يكرر سلوك تمزيق الملابس وتقطيعها	يكرر سلوك فرط وتنسيل القماش والسجاد والموكيت
يلعق الأشياء بفمه بشكل متكرر
يقوم بسد أذنيه بشكل متكرر
يلعب بريقه (لعابه) بشكل متكرر
يمشي على رؤوس قدميه بشكل متكرر
يشد/ يلوي جسمه بشكل متكرر
يكرر سلوك وضع الأصبع في أنفه ثم الانتقال به إلى فمه.

أسباب القيام بالسلوكيات النمطية:

تشير العديد من الدراسات الطبية والتربوية إلى الأسباب التكيفية للسلوكيات النمطية التي قد يقوم بها الشخص الطبيعي للتخفيف من توتره وقلقه، وكذلك الأشخاص الذين يتم وضعهم في ظروف وضغوط معينة ومثال ذلك الحبس والانتظار الطويل. وقد أجريت تجارب على فئران وخنازير تعرضت لضغوط مثل الحبس الطويل أو الضغوط كالخوف وما إلى ذلك حيث قامت بأفعال وسلوكيات نمطية غير مفهومة، كما طبقت تلك الدراسات على البشر العاديين ممن تعرضوا للحبس مدة طويلة بمفردهم أو لضغوط نفسية وجسمانية حيث قاموا بتلك السلوكيات النمطية المتكررة للتخفيف من توترهم، وهو ما قد ينطبق على الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد.
وتفسر بعض الدراسات العلمية الحركة والسلوك النمطي الذي يقوم به الشخص ذو اضطراب طيف التوحد بأنه بسبب ضعف ناقلات المثيرات الكهربائية بالقشرة الدماغية مما يسبب الحركة والسلوك النمطي المتكرر الذي ليس له معنى.

إضافة إلى ذلك تشير بعض الدراسات العلمية إلى أن المثيرات الحسية الكثيرة غير المقننة التي يتعرض لها الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد تسبب لهم السلوكيات النمطية.
ومما سبق نلخص أسباب السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد في التالي:

شكل رقم (3) ملخص أسباب السلوكيات النمطية
علاج السلوكيات النمطية لذوي اضطراب طيف التوحد:

تناولت العديد من الدراسات العلمية أساليب متعددة للتخفيف من السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد، منها ما ركز على العمليات الذهنية المعرفية ومنها ما ركز نظريات تعديل السلوك، وخاصة تحليل السلوك التطبيقي ومنها ما ركز على برامج التأهيل المهني ….إلخ، وسنتناول في النقاط التالية المحاور التي تناولتها الدراسات العلمية لتخفيض وعلاج السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد.
أولًا- استخدام فنيات العلاج السلوكي وتحليل السلوك التطبيقي:

أجرى مجموعة من العلماء دراسات حول استخدام فنيات العلاج السلوكي بما يتضمنه من تحليل السلوك التطبيقي للتخفيض من السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد، حيث اثبتت الدراسات نجاح سنوات العلاج في شفاء ما يعادل 50% من الطلاب عينة البحث.
وتركزت فنيات تحليل السلوك التطبيقي على التعزيز بأنواعه مع استخدام التقنيات التالية:

• تقليل السلوكيات غير المرغوبة وزيادة السلوكيات المرغوبة.
• تعميم السلوكيات المرغوبة على البيئات والمواقف الجديدة.
• التعليم والتدريب على مهارات جديدة بدلًا من السلوكيات النمطية غير المرغوبة.
• تضييق البيئة التي تحدث فيها السلوكيات غير المرغوبة وتهيئة البيئة المناسبة والمشجعة على السلوك الجديد المرغوب.

وهناك شروط لتطبيق هذا النوع من العلاج هي:

• تنفيذ العلاج في سن مبكرة، بما يعرف بالتدخل المبكر.
• تنفيذ العلاج في فترة لا تقل عن 20 ساعة أسبوعيًا.
• مشاركة الوالدين والأسرة في تنفيذ العلاج.
• وضوح الإجراءات والالتزام بقواعد تحليل السلوك التطبيقي.
• تعميم المهارة الجديدة المكتسبة على أماكن وبيئات أخرى.

ويتميز العلاج السلوكي بفنياته المختلفة في النجاح لتخفيض السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد بدرجة تكاد تتفوق على أنواع العلاجات الأخرى.
ثانيًا- العلاج الدوائي:

تشير الدراسات إلى أن العلاج الدوائي ليس له تأثير كبير السلوكيات النمطية لذوي اضطراب طيف التوحد، إلا أنه قد يحد من شدتها، ويجب أن يستخدم العلاج الدوائي بناءً على ممارسات مستندة إلى الأدلة (مجربة وثبتت فعاليتها) ولذلك يجب أن يبدأ العلاج الدوائي بجرعات منخفضة جدًا ثم تزداد تدريجيًا إذا ثبتت فعاليتها، مع متابعة أي أعراض جانبية لها.
ومن الأدوية المستخدمة في الولايات المتحدة الامريكية والمصرح بها من هيئة الدواء والغذاء الامريكية(FDA) عقاري Risperidone and aripiprazole كما تستخدم أيضًا مثبتات المزاج مثل حمض حمض الفالبرويك بتركيز 76 ملغم/مل وهناك شروط للعلاج الدوائي نوضحهم كالتالي:
1- طبيب بشري متخصص، ذو خبرة في علاج حالات التوحد.
2- دراسة الحالة جيدًا وعمل التحاليل اللازمة للتأكد من عدم وجود آثار جانبية.
3- خطة العلاج تكون مستندة على أدلة وخبرات للتعامل مع حالات متشابهة وثبتت فعالية الدواء معها.
ثالثًا- العلاج باستخدام برامج التأهيل المهني والتكامل الحسي والتدريب العقلي:

تشير العديد من الدراسات التي أجريت في هذا المجال إلى فعالية برامج التأهيل المهني للتخفيف من السلوكيات النمطية الحركية، حيث ينشغل الطفل بالعمل ويفكر فيما ينفذه بيده. كما تشير العديد من الدراسات إلى فعالية العلاج القائم على التكامل الحسي في خفض السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد.
كذلك أثبتت الدراسات نجاح بعض أنواع التدريبات العقلية وبرامج التدريب مثل PECS في تخفيض السلوكيات النمطية لدى ذوي اضطراب طيف التوحد.

موضوع جميل ومميز عن السلوكيات النمطية لذوي اضطراب طيف التوحد وكيفية علاجها
جزاك الله كل خير وبارك فيما تقوم به من عمل وما تقدمه من مشاركات