من مذكرات سليمان شفيق كمالي حول الإوضاع في جنوب الجزيرة العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

[ من مذكرات سليمان شفيق كمالي حول الإوضاع في جنوب الجزيرة العربية ]

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطاهرين ، وصحبه الطيبين ، وبعد : أيها الناظر في هذا الطرح التاريخي : نقدم أليكم بعض من مذكرات سليمان كمالي عن احوال جنوب الجزيرة العربية والتي يعود تاريخها الى بدايات القرن الثالث عشر هجري ، وذالك أبان الحروب والأضطرابات التي شهدتها الجزيرة العربية . . وأليكم ماقاله سليمان شفيق كمالي .

في يوم 7 ماري سنة 1912 تلقيت أمراً من عزت باشا القائد العام للقوات العمومية العشمانية في اليمن / وقد أرسل لي هذا الأمر بصورة سرية من طريق الجبال بواسطة إمام اليمن الإمام يحيى بن محمد حميد الدين على يد مشايخ صعدة التابعين له . ويقول لي القائد العام في أمره هذا : انه قد تقرر تسيير حملة عسكرية على السيد الإدريسي في صبيا ، وان القيادة العامة قد حشدت عشرة آلاف جندي من المشاة والفرسان والمدفعية في موضوع يسمى ( زهرة ) على مسافة خمسةً وثلاثين كيلو متراً إلى الشرق من ثغر ( اللحية ) التابع لمنطقة ( الحديدة ) في تهامة اليمن وهذه الحملة موجودة على مسافة مائة وسبيعين كيلو متراً من ( صبيا ) ، وستزحف إلى الإدريسي من طريق البر ، وفضلاً عن ذالك فان حضرة الإمام يحيى سيزحف الى الإدريسي بالقبائل الزيدية من طريق الجبال جاعلاً هدفه بلدة ( النظير ة ) التي هي مصيف السيد الإدريسي وهي تبعد سبعين كيلو متراً عن ( صبيا ) الى الشرق .

وسيكون الإمام يحيى على صلة دائمة بالعساكر العثمانية حتى تصل القوتان الى صبيا في آن واحد ةعلى ذالك يجب علي أنا أيضاً ان أجعل جنودي الذين في أبهــا على قدم الاستعداد للتقدم من الشمال الى الجنوب بالمقادير الكافية من ذخير المدفع جاعلاً هدفي مدينة صبيا وان أعهد بادارة أمور البلاد إلى محمد علي باشا الموجود الآن على مقربة من في بلدة محايل .

فلما تلقيت هذا الأمر السري الخطير بادرت في الحال الى مفاوضة محمد علي باشا بواسطة آلة المخابرة بالانوار ودعوته للحضور الى أبهــا ، وفي ساعة وصوله تداولت معه في هذا الأمر وأرسلت الى القائد العام عزت باشا الجواب الآتي :

[ ان نقل الجند والأرزاق والمهمات الحربية من طريق البحر غير ممكن الآن بسبب الحرب الناشبة بيننا وبين ايطاليا وعلى ذالك فان الاعتماد في هذه الحملة يجب ان يكون على السير من طريق البر وحده ، ومعلوم ان جو تهامة حار جداً في كل وقت والجند لا يستطسع ان يجتاز في اليوم أكثر من عشرين كيلو متراً . وفضلاً عن ذالك فان جميع القبائل من ( زهرة ) الى ( صبيا ) كلهم من التابعين للمذهب الشافعي وجميعهم من أنصار السيد الادريسي . فالجند سيسير من زهرة الى صبيا وهو يقاتل قتالاً متواصلاً بلا انقطاع شاء أو أبى ثم آبار الماء التي على طول الطريق قائمة تحت ظلال أشجار السنامكي ولذالك فان مياهها مسهلة وسيجد الجند من شربها ضرراً بليغاً ، وبصرف النظر عن ضررها في معدة الجندي فإن في استطاعة القبائل ان تردم هذه الآبار كلها فيبقى الجند في مفاوز لا ماء فيها . وعذا ذلك وهذا فان الجناح الأيسر لهذه الحملة لن يكون محمياً بسفن حربية في البحر بسبب الحرب الايطالية ، لذلك لا أرى هذه الحملة تقوى على اجراء مثل هذه الحركات العسكرية الخطيرة في أراضي تهامة وإذا فرضنا المستحيل وتمكنت هذه الحملة من الوصول إلى صبيا منتصرة وناجحة ، فان هنلك مشكلاً بليغاً وهو أمر اعاشة هذه القوات الكبرى المجتمعة في ضعيد واحد واعداد المؤن الكافية لها مع انسداد باب البحر . ولا ريب ان الطريق الذي تشقة الحملة لتمر منه إلى الامام سيقطع عليها من ورائها بعد مرورها منه ، لأن القبائل ستعود الى احتلال جميع المواضع التي مرت الجنود منها ، لأن البائل ستعود الى احتلال جميع المواضع التي مرت الجنود منها فيصبح من العسير جداً مجيء المؤنة والميرة والمهمات الحربية من الحديدة الى معسكر في تلك الحال من قبيل المستحيل ] .

وبعد ان ذكرت جميع المحاذير التي ستعترض هذه الحملة قلت .

[ على انه إذا حضرت القوات النظامية الموجودة في زهرة ، واقتربت من الجبال مع القوات البمانية التي يقودها الإمام يحيى ، وتولى الإمام إحضار المؤن والذخائر اللازمة للجيوش ، فأرجو عندما تصل القوات إلى ( النظيرة ) وتتحول الى الغرب للسير إلى ( أبها ) ان تأمروا بإخباري في الحال لأعين يوم حركتي أنا أيضاً ، وان في استطاعتي أن اسير بألف جندي من المشاة واربعة مدافع رشاشة وبطارية جبلية بسرعة عظيمة من الطرق التي أختارها انا بحسب الحال ، ويمكن حينئذ ان اصل الى صبيا في أربعة أيام . أما إذا وصلت الى صبيا ولم تكن القوات التي ذكرتموها موجودة هناك ولم اتمكن من الانضمام اليها فتأكدوا انني في تلك الحال أقع في الهلاك الذي لا ريب فيه . وانني مع الالتماس منكم ان تتأملوا في جميع الملاحظات التي ذكرتها قد أخذت من هذه الدقيقة بالاستعداد للحركة عند صدور الأوامر ]

وقد أرسلت جوابي هذا ــ حسب أمر حضرة الامام يحيى ــ الى الشيخ حسين بن سلطان من آل بسام في أرض قحطان ، وحسين بن سلطان أرسل الكتاب الى محمد بن المقداد أحد تجار ( الحرجة ) وهو الذي نزلت في ضيافته عند مروري بالحرجة في رحلتي السابقة التي عرفها القراء ، ومحمد بن المقداد أرسل الكتاب الى ناصر بن علي بن مسفرة في بلدة صعدة في جبال اليمن ، على ان يوصله ناصر الإمام يحيى .

وفي هذه الأثناء تلقيت مذكرة من قائمقام القنفذة يقول فيها : إن دولة أمير مكة أرسل إلى القنفذة رجلاً يدعى الشريف شنبر بعنوان ( وكيل الامارة ) وقد اتخذ هذا الرجل لنفسه صفة الحاكم ، وأخذ يجمع من الأهالي زكاة أموالهم . فكتب إلى القائمقام امراً قلت له فيه : يجب ان تمنع أي انسان من التدخل في شؤون الحكومة ، وإذا كان في يد الشريف شنبر وكالة رسمية من دولة الشريف فضمه الى دائرة الحكومة ليكون عوناً لك فيما تريد ان تستعين به عليه ، بشرط ان لا يطرأ أي خلل على صفة الآمرية التي لك في الحكومة ، واكتف بالاستفادة من مثل هؤلاء الأشخاص بقدر الامكان .





ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنتهت الحلقة الأولى ، وستأتي الثانية .

[ الحلقة الثانية والأخيرة ]

[ من مذكرات سليمان شفيق كمالي حول الإوضاع في جنوب الجزيرة العربية ]

نكمل لكم ايه السادة القراء ماقاله سليمان كمالي في مذكراته :

وفي ذالك الحين أيضاً رفعت أربع ( أورط ) من الرديف الذي معي في أبهـا لواء العصيان طالبين الرجوع إلى بلادهم ، ولم يكن من الحكمة أن أقابلهم في مثل هذه الظروف الحرجة بالشدة والسطزة ، فاذنت لهم بالسفر إلى القنفذة ، واعطيتهم بدلاً من البغال ثيرانا ليحملوا عليها حوائجهم ومؤونتهم التي كانت قليلة حتى إذا انتهت يتمكنون من ذبح هذه الثيران والتغذي بلحومها حتى يصلوا إلى القنفذة . وفيما كانت هذه ( الاورط ) سائرة في طريقها ظهر لها بعد ثلاثة أيام من سفرها وهي على مرحلتين من محايل قوة من الثوار تقدر ببضعة آلاف بقايدة السيد محمد بن طاهر ومع الثوار مدفعان ايطاليان ، فاعتصم جنود الرديف للدفاع عن انفسهم وأرسلوا يطلبون مني المدد لانقاذهم . فاجبتهم بواسطة آلة المخابرة بالانوار : إن بيننا وبين ايطاليا حرباً انقطعت بسببها طريق البحر فلا تستطيعون ان تعودوا إلى بـــــلادكم فارجعوا إلى محايل ، فرفض الجنود الاذعان لأمري .

وفيما نحن في ذالك شاع بين سائر جنودنا في أبها أن عزت باشا سرح الجنود الذين من قرعة سنة 1323 هـ وانهم عائدون إلى اوطانهم ، فقام جنودنا يطلبون أن يعودوا هم ايضاً إلى أوطانهم ولما كان سفك الدماء بين الجوند في هذا الزمان الصعب سيكون له اثر سيئ بين القبائل ويدعوا إلى تجدد الثورة من جديد ، وكانت قد وصلت الاخبار بان السيد محمد بن طاهر باشر حركات الثورة في ( قناو البحر ) والسيد يحيى عواد فعل مثل ذلك في ( شعف ) و ( قحطان ) والسيد مصطفى اقتفى اثرهما بحركات في جهات ( رجال المع ) ثم أن ( اورط ) الرديف لم ترجع إلى محايل بل بقيت محصورة في ( عجمة ) ، وبناء على ذالك قلت لستمائة من جنودي المعلمين جداً والذين شهدوا جميع معارك عسير :

ــ أنني اوافق على ارسالكم إلى القنفذة ، وأعفو عن تمردكم . ولكن اعلموا أن البحر مسدود لأن الدولة في حرب مع الايطاليين ، فسيروا الآن من هنا وأنقذوا اخوانكم جنود الرديف ونصل معهم إلى القنفذة سالمين .

فعهدت بقيادتهم الى بضعة من ظباطي الشجعان واعطيتهم مدفعاً . فسار هؤلاء الجنود الذي مارسوا الحرب كثيراً حتى وصلوا إلى محــايل بسرعة الصاعقة وتقدموا منها إلى عجمة فشتتوا من رأوه في طريقهم من جماعات الثوار وبلغ الثائرين الذين في عجمة ان إمداداً جاء لإنقاذ الجنود المحصورين فرفعوا عنهم الحصار وتركوهم فاجتمع هؤلاء الجنود بالرديف وتوجهوا معاً إلى القنفذة .

ومن غرائب الاتفاق انه في يوم وصول هذه القوة إلى قرب القنفذة وصلت سفن الايطاليين إلى ذالك الثغر . فقال الجنود لما رأوها من بعيد :

ــ إن قائدنا سليمان باشا خدعنا . انه يقول ان البحر مسدود وليس فيه سفائن . هذه السفائن تملأ المرفأ واننا سنركبها ونعود إلى أوطاننا .

قالوا هذا وتقدموا إلى الساحل على غير استعداد وكانوا يسيرون أشتاتاً في البادية الرملية . وبدهي ان الحربية الايطالية كانت تراقيهم بالنظارات المكبرة فوجهت اليهم فوهات مدافعها الطويلة من عيار عشر سنتمترات وجعلت تقذف عليهم قذائفها بسعرة وشدة . فلما رأى الجنود ذلك قالوا :

ــ ان سليمان باشا قال لنـــا الحقيقة ، فلم نصدقه ويا للأسف ، وكنا بذالك آثمين .

ولجأوا إلى ما وراء الآكام الرملية فنجوا . وكان ذلك يوم 6 ابريل سنة 1912 . وقبل ذلك بيوم واحد جاءت المدرعات الايطالية أيضاً إلى القنفذة وأطلقت عليها القنابل وفي يوم 8 أبريل و9 منه ساق الادريسي على القنفذة قبائل ( قنا والبحر ) و ( آل منجم ) و ( القوز الشاهد ) وفيما كانت الحامية العثمانية تدافع القبائل الهاجمة ، حضرت السفن الايطالية وجعلت تطلق مافعها ذريعاً وأجبرتهم على الفرار ولم يقع شيء من القذائف الايطالية على حامية القنفذة غير أن السفن الايطالية وجدت في المرفأ أربع سفن عثامنية من سفن خفر السواحل فاغرقتها وأسرت سفينة وجدتها خارج الميناء ــ وأطلقت نيرانها على مستشفى يرفرف فرقة لواء الهلال الاحمر ، ووجهت فوهات مدافعها إلى المنازل فقتلت خمسة وعشرين شخصاً من الاهالي بين رجال ونساء وأطفال وجرح خمسة منهم ، أما الحامية العثمانية فكانت معتصمة في خنادقها ووراء متاريسها عند اطلاق القنابل من الاسطول الايطالي وعند هجوم القبائل فلم تخسر غير قتيل واحد وثلاثة جرحى .

ان السيد الادريسي رغم وقوع حادثي هجوم القبائل ومجيء الاسطول الايطالي في وقت واحد قال في رسالته إلى الامام يحيى : إنه لما رأى بطش الايطاليين وشدتهم مدة الحرب الطرابلسية التزم السكينة . وهذه الحادثة تخالف ذلك .

ولما وصل الرديف إلى القنفذة لم يلبث فيها بل توجه براً الى ( ثغر الليث ) ومنه وصل إلى الحجاز فاكرمهم دولة الشريف حسين باشا اكرامـــاً عظيماً وكنت كتبت أنا إلى وزارة الحربية والى القائد الغثماني في الحجاز أخبرهما بحادثة تمرد الجنود وطلبت أن يجرى التحقيق عن الاشخاص المحرضين فيهم ليعاقبوا حتى لايكونوا قدوة سيئة لغيرهم .

أما أفراد قرعة سنة 1323هـ الذين انقذوا الرديف من الحصار في العجة فإنهم آثروا البقاء في القنفذة وبعد اعتداء السفن الايطالية على القنفذة كتبت إلى وزارة الحربية أطلب منها أن ترسل إلى القنفذة من القوة الموجودة في الحجاز ( أورطتين ) للمحافظة على القنفذة ، فوافقت الوزارة على هذا الاقتراح ولكن دولة الشريف أراد أن يستفيد من هذه الفرصة ليمد يده إلى عسير فجعل ( الاورطتين ) و ( بلوك جندرمة ) الحجاز الهجانة تحت قيادة ابنه الشريف فيصل بك وأرسلهم إلى القنفذة ليدس اصبعه في شؤون عسير من جديد ، فلما وصل الشريف فيصل بك إلى القنفذة ضم إليه جنود قرعة سنة 1323 وأقام لنفسه معسكراً في موضوع ( القوز الشاهد ) عبارة عن قرية حقيرة بيوتها من العريش ، وهي في واد رملس حار فاسد الهواء وماء آباره مالح ، ولا أهمية له من الناحية العسكيرة ، وفي اعتقادي أن الشريف فيصل بك إنما اختار هذا الموضوع ليكون منفصلاً عن مركز الحكومة في عسير وليمثل دوره على ما يشاء بعيداً عن كل مؤثر آخره .


سليمان شفيق كمالي


مـنـقــول مـن مـنـتــدى تـــرج

حياكـ الله يالحاجب المنصور

وشاكر لك عودتك من جديد ومرحبا فيك

ولي عوده للتمزمز والقراءه

		المشاركة الأصلية بواسطة : بندر النايف اقتباس
	حياكـ الله يالحاجب المنصور وشاكر لك عودتك من جديد ومرحبا فيك ولي عوده للتمزمز والقراءه

الله يبقيك ويخليك ويحفظك ، وهالمنتدى بمثابت المنزل

على القوة يـ الحاجب المنصور

وماقصرت

وبأذن الله يستفيد منه كل باحث ومؤرخ في أنساب شبه الجزيرة العربية وخاصة جنوبها

ودائماً ماتتحفنا بكل ماهو مفيد وجديد


سلمت يداك ولا انشلت

وبأنتظار القادم

		المشاركة الأصلية بواسطة : حاتم الشدادي اقتباس
	على القوة يـ الحاجب المنصور وماقصرت وبأذن الله يستفيد منه كل باحث ومؤرخ في أنساب شبه الجزيرة العربية وخاصة جنوبها ودائماً ماتتحفنا بكل ماهو مفيد وجديد سلمت يداك ولا انشلت وبأنتظار القادم

اشكرك أخي الكريم/ حاتم الشدادي على مرورك

وعلى دعواتك الطيبة جزاك الله خيرا ، والحمدلله أن الموضوع جاز لك.

تحياتي.

هلأ فيك يا الحاجب المنصور

أتمنا للجميع الفائده من هذا الموضوع

بارك الله فيك

والله يعطيك العافيه

تحياتي

		المشاركة الأصلية بواسطة : ALMAHKOOM اقتباس
	هلأ فيك يا الحاجب المنصور أتمنا للجميع الفائده من هذا الموضوع بارك الله فيك والله يعطيك العافيه تحياتي

الله يبقيك ويخليك ويحفظك ونتمناها كما تتمنى