..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 10 Feb 2006, 08:00 PM [ 11 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




6- مرافعة قضائية‏

أثارت دعوى أوسكار غوتليب القضائية ضد إلزا غليوك ضجة كبيرة. فالأجر الخارق الذي ينبغي أن يتسلمه المحامي الشهير لوديرس في حال ربح القضية, والمبلغ الهائل الذي خلفه غوتليب وفقاً للوصية, ومفاجأة مشيئته لما بعد الموت, وجمال الوريثة الحديثة العهد, والموت الفجائي لغوتليب بعد شهر من كتابة الوصية, كل هذا كان مادة لا تنضب لتعليقات الصحف, وبدرجة أكبر أيضاً لأحاديث الناس اليومية. أبديت أكثر الاقتراحات استحالة, وجرت نقاشات حارة, وتمت الرهانات. واهتموا أكثر من كل شيء بالعلاقة المتبادلة بين الأخوين غوتليب, وكذلك بالعلاقة بين إلزا غليوك وكارل غوتليب وزاوير. أي خيوط ربطت بين هؤلاء الناس؟ ما الذي حدث بين أوسكار وكارل غوتليب؟ لماذا حرم المرحوم أخاه من التركة؟ اهتمت المحكمة أيضاً بهذا السؤال.‏

قامت دعوى أوسكار غوتليب, التي صاغتها يد المحامي لوديرس الماهرة, على أساس أن الموصي في لحظة التوصية لم يكن "بكامل العقل والذاكرة". وقد بذلت كل الجهود للبرهنة على ذلك. أزعجوا جثة كارل غوتليب. وشرَّح أفضل البروفيسورات الدماغ, فاحتوى المحضر المقدم إلى المحكمة لهذا الغرض على وصف مفصل جداً لوزن الدماغ ولونه, وعدد التلافيف الدماغية, وبدايات التصلب, لكن المسألة الأساسية لم تحل.‏


توقيع : كديميس

"لاتبحثوا عني بين كلماتي فهي لاتشبهني"
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:01 PM [ 12 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




لم يتجاسر الخبراء على القيام باستنتاجات مباشرة عن الانحراف النفسي لكارل غوتليب, رغم أنهم وجدوا بتأثير من لوديرس "بعض الشذوذ".‏

لكن لوديرس امتلك أيضاً احتياطياً من الشهود المعدين جيداً. إذ تبين أنه يمكن تدبير أموره معهم تدبيراً أسهل مما كان مع الخبراء. لقد أحاط بكارل غوتليب ناس كثيرون عندما كان يرأس عملاً ضخماً, ولم يكن من الصعب تجنيد شهود من بينهم جاهزين للإدلاء بأي شهادة مقابل عمولة مناسبة. وقد قدَّم الشهود, الذين تقودهم يد خبيرة, كثيراً من الوقائع الدقيقة من حياة المرحوم, والتي أكدت جواز فكرة أن كارل غوتليب لم يكن طبيعياً.‏

أضحك المحاسب الرئيسي الجمهور عندما وصف إحدى غرائب المرحوم: ولعه الشديد بالتنظيم الذي يصل إلى الهوس. على سبيل المثال: بنى مصعداً خاصاً, ثبت على أرضه مقعداً ينتصب أمام طاولة مكتبه, ويصل هذا المصعد بين ثلاث طبقات. كان غوتليب يضغط الزر, كي يهبط من شقته الموجودة في الطبقة الثانية إلى الطبقة الأولى, حيث يوجد المصرف. وبعد أن يوقع الأوراق, أو يلتقي شخصياً مع الزبائن المطلوبين, كان يرتفع على مقعده مثل إله مسرحي إلى الطبقة الثانية مباشرة نحو الطاولة, كي يتابع عملاً كان قد شرع به.‏

لم يحب غوتليب ظهور الخدم والموظفين أمامه أثناء عمله. كان يقول: "هذا يشوش عمل الأفكار". لهذا فقد مُدَّت في كل البيت نواقل من أشرطة خاصة متحركة لا نهاية لها. وإذا أعوز غوتليب كتاب من المكتبة ,أو فنجان قهوة, فإنه كان يطلبه هاتفيا. وكان فنجان القهوة والكتاب وعلبة السيجار تصل إلى طاولته على صينية محمولة على شريط الناقل المتحرك دون ضجيج‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:02 PM [ 13 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




قال أحد الشهود:‏

- شغفه بالصحة أيضاً قارب الهوس, فقد وُضِعَت في جميع الغرف موازين حرارة, ومقاييس لنسبة الرطوبة, وأجهزة دقيقة لتحديد تركيب الهواء وتنقيته. لم يعترف غوتليب بالتهوية العادية وقال: "لا يمكنك تنقية الهواء في المنزل, بهواء خارجي مسمم بالغبار والبنزين المحروق". لذا نقي الهواء كيميائياً. وراقب شخص معين خصيصاً ثبات الحرارة عند اثنتي عشرة درجة مئوية, فقد بُرِّدت صنعياً في الصيف لتصل إلى هذا الحد, كي لا يكون الهواء جافاً أو رطباً. كما أشبع الهواء بالأوزون صناعياً, كي لا ينقص محتواه من الأوكسجين ويظهر أكسيد الكربون.‏

الخبراء النفسانيون الجدد من ذوي العريكة اللينة, أو ممن دفع لهم لوديرس أكثر, أعطوا استنتاجهم على أساس هذه الشهادات, مع تسمية حكيمة هي ذهان المرحوم غوتليب. وأخذت القضية تميل بوضوح لصالح أوسكار غوتليب. بقيت مسألة واحدة فقط عقَّدت قرار المحكمة, وهي علاقة كارل وأوسكار. الحقيقة أن عدداً من الشهود قدم إفادات ملائمة بخصوص هذه المسألة أيضاً, بتأكيدهم وجود "عواطف الأخوة" بين كارل وأوسكار. ولكن القطيعة بين الأخوين يمكن أن تحدث على أرضية ما غرامية غير مفهومة حتى لأقرب الناس. ومن حسن حظ أوسكار, لم يستطع أحد البرهنة على حدوث مشاجرة بين الأخوين. حتى إن لوديرس كان ينتظر النصر بلذة ويتصرف ذهنياً بالأجر الضخم. فيللا في نيس ... سيارة جديدة ... مارييت ... ابتسم لوديرس وضيق عينيه مثل الهر. من أجل هذا ينبغي التعامل مع الخبراء والشهود!.. لقد سعى لوديرس بكل جهده, مقحماً في القضية مقدرته الفذة وعبقريته الخطابية.‏

وفي ذلك اليوم الذي توجب فيه على المحكمة إصدار القرار, لم تستطع قاعة المحكمة الضخمة استيعاب جميع الراغبين في سماع الحكم. وبحث الفضوليون بأعينهم عن إلزا غليوك, لكنها لم تكن موجودة, فقد دافع زاوير عن مصالحها.‏

تفوق لوديرس على نفسه وألقى مرافعة رائعة. لقد حلل بدقة إفادات الشهود والخبراء, فعمل مقارنات غير متوقعة واستنتاجات, وصدَّ بمهارة مداخلة زاوير المتجهم. كما قوطعت ملاحظاته الظريفة عدة مرات بتصفيق الجمهور, الذي كانت أغلبيته على ما يبدو, تقف إلى جانب "الورثة القانونيين", أي إلى جانب أوسكار غوتليب. ورغم كل التجرد الظاهري للقضاة, كان واضحاً أنهم يميلون لصالح غوتليب.‏

قال لوديرس في نهاية مرافعته:‏

- أما فيما يخص علاقة المرحوم كارل غوتليب بموكلي, مهما كانت, فأي معنى يمكن أن يكون لعطف أو كراهية مريض نفسي؟ يقول زاوير إن كارل غوتليب كان يدير عملاً ضخماً.‏

هز لوديرس كتفيه:‏

- يعرف التاريخ أمثلة عندما حكم ملوك مجانين دولاً ضخمة, ولم يُخَمِّن الشعب حتى ذلك ...‏

صفق قسم من الجمهور فقرع رئيس المحكمة الجرس.‏

في هذه اللحظة نهض أوسكار غوتليب من كرسيه. كان يملك شكلاً ناعساً إلى حد ما. واقترب دون مبالاة من الطاولة التي يجلس خلفها القضاة, بوجه خال من الحياة وهو يسحب رجليه, ثم قال بفتور:‏

- اسمحوا لي بالكلام.‏

حل صمت عميق.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:02 PM [ 14 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




نطق أوسكار غوتليب وهو يختار الكلمات بصعوبة, كما لو أنه يتذكر شيئاً ما:‏

- خطأ ... ليس صحيحاً ما قاله لوديرس. كان كارل طبيعياً وسليماً. لقد حرمني كارل من التركة عن حق. أنا المذنب تجاهه.‏

سكنت القاعة سكوناً متوتراً. وذهل لوديرس, ثم انقض على أوسكار غوتليب وشده من كمه بهياج.‏

- ما الذي تقوله؟ ثُب إلى رشدك! أنت تتلف كل القضية!‏

وهمس في أذن العجوز لاهثاً:‏

- أنت جننت.‏

سحب أوسكار يده بسرعة وصرخ بهياج غير متوقع:‏

- ما الذي تهمس به هنا؟ لا تضايقني! انصرف! أنا مذنب تجاه كارل … أنا لا أستطيع التحدث فيم يكمن ذنبي … هذه قضية عائلية … لكن ليس هذا مهماً...‏

حتى القضاة صُعقوا.‏

سأل رئيس المحكمة:‏

- ولماذا لم تتكلم عن هذا إلا الآن؟‏

- لأنه الآن ...لأنه ...‏

تروَّى غوتليب, كما لو أنه أضاع الفكرة, ثم تابع:‏

- لأنني لم أعرف أن بعض القرائن قد أصبحت معروفة لأخي المرحوم. لقد علمت بذلك اليوم فقط. ليس أنا من يستحق هذه الوصية, وإنما إلزا غليوك.‏

ضجت المحكمة مثل سد مخروق, وغلب الصراخ المتعالي على رنين جرس الرئيس. شحب لوديرس فاقترب من منضدة الكتابة متمايلاً, وسكب الماء بيد مرتجفة. طنت الكأس على أسنانه, وانسكب الماء على صدره. عجب زاوير لم يبد أقل من عجب الآخرين. أما رودولف غوتليب الأحمر المحتدم غيظاً, فقد انقض على أبيه, وأخذ يهزه من كتفيه وهو يصرخ بشيء ما. لكن أوسكار كان غير مبال بكل شيء. عندئذ هرع رودولف نحو طاولة القضاة هازاً قبضتيه, وصرخ صراخاً غلب على ضجيج القاعة:‏

- هل يعقل أنكم لا ترون أنه جُنَّ؟ الجميع هنا إما مجانين أو مجرمون ... لن أترك الأمر هكذا.‏

أوقفت المحكمة الجلسة, وأمر الرئيس بإخلاء القاعة.‏

(1) "غليوك" تعني السعادة في اللغة الألمانية.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:03 PM [ 15 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




القسم الثاني

1 - ذعر في البورصة‏

عاش العالم التجاري حالة من الذعر.‏

وابتداءً من شهر أيار دخلت البورصة مرحلة أقسى الاضطرابات. فقد سجل خلال شهر أكثر من ألفي منافسة. وارتفع عدد المنافسات إلى خمسة آلاف في شهر حزيران. وفي الوقت الذي هلكت فيه المؤسسات الصغيرة, حاولت الجرائد المالية أن تخفف الانطباع بالكارثة الداهمة. وعملت على تهدئة الرأي العام بقولها إن الأزمة ستنظف حياة البلاد الاقتصادية من "المؤسسات غير المتينة والفائضة التي نمت على أرضية المضاربة بالعملة" فقط. لكن في شهر حزيران أصبحت عدة مؤسسات من أقدم وأكبر المؤسسات ضحية للأزمة. وانعكست هذه الضربة انعكاساً خطيراً على الصناعة وعلى جمهور حملة الأسهم الصغار. عندئذ لم تعد الجرائد تخفي الخطر. اقتربت كارثة حقيقية لا بل مرعبة, لأن ظهور الأزمة ذاته لم يخضع للتعليل المعتاد "لحالة السوق الاقتصادية", كما لو أن مرضاً جديداً مجهولاً لوباء مخيف قد تدحرج عبر المؤسسات المالية, حاصداً المزيد من الضحايا الجدد. وفي بداية شهر تموز كان قد بقي في كل البلد أضخم ثلاثة مصارف فقط, وهي التي صمدت: ميونستربرغ , وشوماخر, وإلزا غليوك. تعرض الاثنان الأولان لخسارة نحو ثلاثين بالمائة من رأسماليهما. أما مصرف إلزا غليوك فلم يكتف بعدم التعرض للخسارة, وإنما ضاعف رأسماله نحو ثلاث مرات. وكان ينبغي أن يجري الصراع الأخير على البقاء بـين هذه الجبابرة المالية الثلاثة. امتلك مصرف إلزا غليوك رأسمالاً يزيد على رأسمالي ميونستربرغ وشوماخر إذا أُخذا على نحو منفصل, لكن إذا توحد هذان المصرفان ضد مصرف إلزا غليوك, فإن الأرجحية يمكن أن تميل لصالح الاثنين ضد الواحد.‏

الحقيقة أنه كان يمكن أن توجد تركيبة أخرى: الدخول في اتفاق مع مصرف إلزا غليوك, أو حتى ضم الرساميل مع تأمين حقوق معروفة لأصحابها. وقد حاول ميونستربرغ والداهية شوماخر كل بمفرده, وهما يخفيان الأمر أحدهما عن الآخر, فأرسلا أزلامهما المخلصين إلى شتيرنر "ليجسا نبضه". لكن هذا "العبقري الشرير", كما كانوا يسمونه في أوساط البورصة, لم يسر باتجاه أي اتفاق. لقد سخر سخرية مهينة, وكان عديم الرحمة ولا يلين تجاه منافسيه. فالسعادة غير الاعتيادية في لعبة البورصة, والتنبؤات التي لا تخطئ بأسعارها, والتأثير غير المفهوم إطلاقاً على المحيطين بشتيرنر جعلوه مخيفاً.‏

تحادث الصيارفة وسماسرة البورصة بعضهم إلى بعض بصوت منخفض, كما لو أنهم خافوا أن يتنصت إليهم عدو خفي. تحدثوا عن الحالات الكثيرة العدد لوفيات غريبة للصيارفة الذين التجؤوا شخصياً إلى شتيرنر. لم يخبروا أحداً ما الذي قاله لهم شتيرنر. ولكن كما لو أن هؤلاء الصيارفة قد فقدوا عقلهم وكل خبرتهم بعد أن ذهبوا إليه, فعقدوا صفقات خرقاء أدت إلى تسريع إفلاسهم فقط, في حين صبت رساميلهم في مستودعات الأقبـية بمصرف إلزا غليوك. عديدون من هؤلاء الأشخاص المفلسين أنهوا حياتهم انتحاراً. ولذلك قرر ميونستربرغ وشوماخر العمل من خلال سلسلة كاملة من الوسطاء, خوفاً من اللقاء الشخصي.‏

عندما لم تؤد المباحثات مع شتيرنر إلى شيء, أصبح واضحاً لشوماخر وميونستربرغ أن الاندماج فقط بين مصرفيهما المتعاديين أحدهما مع الآخر منذ أكثر من نصف قرن, سيوفر إمكان متابعة الصراع المرير مع "العبقري الشرير", إن لم يوفر النصر.‏

بدت لهما إدارة هذا الصراع أكثر سهولة, لأنهما امتلكا أكثرية أسهم أكبر المؤسسات التجارية والصناعية في البلاد: مناجم الفحم الحجري, إنتاج طلاء الأنيلين, مصانع السيارات والراديوهات, الإنارة الكهربائية, السكك الحديدية في المدن, مصانع بناء السفن ... أسهم هذه المنشآت وجدت في أيدي ملايين حملة الأسهم الصغار من المزارعين غير الأثرياء, وموظفي المكاتب, وطباخي السفن, وحتى لدى الأطفال الذين يشغلون المصاعد. جميعهم ربطوا مصائر ادخاراتهم الصغيرة بمصير مصرفي ميونستربرغ وشوماخر. لقد وقف خلف الصيرفيين "رأي عام" واسع.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:04 PM [ 16 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




زاوير مساعد شتيرنر الأكثر إخلاصاً واجتهاداً, دخل إلى غرفة المكتب لتقديم تقريره الدوري صباح الخامس عشر من تموز.‏

شد زاوير بقوة على يد شتيرنر الممدودة.‏

- مرحباً يا زاوير! كيف هي صحة خادرتك؟‏

- أشكرك. اتضح أن خوفي لا مبرر له. لقد أتى الطبـيب بالأمس.‏

- وما الذي وجده لدى السيدة زاوير؟‏

أجاب زاوير بوجه سعيد ومحتار إلى حد ما:‏

- إنها تتهيأ كي تصبح أماً.‏

- هكذا إذا؟ أهنئك! انقل إليها تحيتي. وما الذي يحصل في البورصة؟ هل هناك أخبار؟‏

- يوجد, وهو خبر ضخم. سيشكل ميونستربرغ وشوماخر جبهة موحدة ضدنا. لقد قدما عريضة لإنشاء شركة مساهمة, وكما يقولون في أوساط البورصة فإن الحكومة سوف تساعدهما.‏

- لقد عرفت ذلك.‏

ارتسم التعجب على وجه زاوير, فابتسم شتيرنر ابتسامة خبـيثة وأجاب:‏

- ما الذي بقي لديهما ليفعلاه؟ فالوحوش تتجمع دائماً للدفاع بمواجهة عدو أضخم. أما الحكومة؟ فإنها ذاتها تريد أن تملك طبقة بـين المصرف الحكومي وبـيني. ولهذا إذا تصدع ميونستربرغ السمين وشوماخر النحيف فسيبقى في الدولة عندئذ قوتان ماليتان فقط. قوتان فقط يا زاوير: أنا, أي مصرف زوجتي والمصرف الحكومي. ومن غير المعروف حتى الآن من سينتصر على من.‏

حتى زاوير كان مندهشاً, وهو الذي اعتاد على نجاحات صديقه الباهرة.‏

- ألست تحلق عالياً جداً يا شتيرنر؟‏

- نحن نعيش في عالم من التوازن غير المستقر يا صديقي. وأمامنا طريقان فقط: إما نحو الأعلى, أو نحو الأسفل. عند التوقف فإن العجلة المتدحرجة ينبغي أن تميل وتقع. كيف هي استجابة البورصة لاندماج المصرفين المرتقب.‏

أجاب زاوير:‏

- ارتفعت سندات ميونستربرغ وشوماخر مقدار خمسين نقطة خلال يوم واحد.‏

- زج سماسرتنا ليشتروا بالجملة هذه السندات.‏

- هل تلعب لصالح ميونستربرغ وشوماخر.‏

- أنا ألعب لصالح غليوك. هل يعقل أنك لم تفهم لعبتي بعد؟ افتل يا زاوير افتل. فكلما زاد ارتفاعهم كان أحسن. لقد سئمت من اصطياد الطرائد الصغيرة, وأريد إنهاء كل هذه الجلبة في البورصة بضربة واحدة.‏

بعد أن وقع شتيرنر الأوراق خلى سبـيل زاوير, لكنه عاد وناداه بعد أن تذكر شيئاً ما.‏

- اسمع يا زاوير, استعلم عن عنوانَيْ منزلـَيْ وزير التجارة والصناعة ووزير المالية.‏

- يمكنك إيجاد عنوانيهما هنا في هذا الدليل.‏

- أخ, نعم ... أشكرك. كيف تظن يا زاوير, ألا يمكننا دعوتهما لزيارتي تحت أي حجة كانت؟‏

- لا أعتقد.‏

- ألن يُنعِما بهذا الشرف على لودفيغ شتيرنر؟ سنرى ما الذي سيجري بعد شهرين. أما الآن فسنقنع من دون هذه الزيارة. أعطني من فضلك مخطط المدينة.‏

أعطاه زاوير المخطط.‏

- أشكرك يا زاوير. أنت حر.


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:05 PM [ 17 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




بسط شتيرنر المخطط الكبـير على الطاولة, ووضع بوصلة, وأدار المخطط بحيث يتطابق اتجاه الشمال المرسوم عليه تطابقاً دقيقاً مع إبرة البوصلة, ثم علَّم تعليماً محكماً بنقاط على المخطط الأماكن التي عاش فيها الوزيران ومصرف إلزا غليوك, ووصل هذه النقاط بخطوط, وسجل الزوايا في المفكرة.‏

- وهكذا ... أيها السادة الوزراء, إذا لم يأت الجبل إلى محمد...‏

ودخل إلى غرفته الملاصقة لغرفة المكتب دون أن يُتِم حديثه, وأغلق على نفسه بالمفتاح.‏

بعد عشر دقائق دخلت إلزا إلى غرفة المكتب, وجلست على المقعد الغائر بالقرب من طاولة المكتب. طقطق القفل ثم خرج شتيرنر من غرفته, فنهضت إلزا بسرعة وذهبت لملاقاته وهي تمد يديها, فقبل شتيرنر كلتا اليدين.‏

- هل أردت رؤيتي يا لودفيغ؟‏

تأبط شتيرنر ذراعها وقادها.‏

- نعم يا صديقتي. لقد أنهيت عملي الصباحي, وأريد تناول الإفطار معك في الحديقة الشتوية.‏

سُرَّت إلزا.‏

- قلما تقابلني أنت يا لودفيغ ...‏

- وما العمل يا عزيزتي. تجري عندنا حروب ... هل تعلمين أن ثروتك قد تضاعفت ثلاث مرات. وأنه بعد عدة أيام ستصبح رساميل جميع المصارف الخاصة في البلاد بـين يديك؟‏

ثم جلسا خلف طاولة كبـيرة مفروشة من أجل الإفطار, فملأ شتيرنر الأقداح خمراً.‏

- ستصبحين ملكة البورصة.‏

وشرب جرعة.‏

- نعم, لن تكون هناك أي بورصة. فالبورصة جميعها ستكون هنا. بأي سعادة كان كثيرون من أمراء الدم سيعرضون عليك أيديهم وقلوبهم, لو لم تكوني زوجتي! عليك أن تعترفي أن شتيرنر ليس ذلك الثرثار الفارغ, حتى لو كنت مذنباً قليلاً في وجود ثروتك هذه كلها وفي جبروتك.‏

عارضته إلزا بحرقة:‏

- أنا لم أقل هذا قط.‏

- نعم؟ هذا أفضل.‏

وقرعا كأسيهما.‏

- لودفيغ, كنت سأكون أكثر سعادة لو أنك لم تضاعف ثروتي ثلاث مرات, وإنما الزمن الذي تخصصه لي. لو أنك تعلم كم أعاني في وحدتي ... أنا أعيش فقط في انتظار الحين الذي سأراك فيه.‏

- قليلاً من الصبر أيضاً يا عزيزتي! سألوي أذرع خصومنا الأخيرين. سألقي بهم عند قدميك مثل غنيمة حربـية, وعندئذ …‏

دخل زاوير وانحنى باحترام لإلزا, فأجابته بإيماءة لطيفة من رأسها.‏

- اعذراني من فضلكما لأنني أقلقكما. ينتظرك سيد ما في غرفة الضيوف يا شتيرنر, ويقول إنه جاء بعمل لا يؤجل. وأنا أشك شكاً قوياً بأنه عميل لشوماخر. وهو يرغب أن يتباحث معك شخصياً.‏

خرج شتيرنر فسألت إلزا:‏

- إيه, كيف حال إيما؟‏

- أشكرك ... كل شيء جيد ...‏

- وما الذي قلته لك؟ لقد كنت محقة! سيكون لدى إيما طفل!.. تأمل فقط. هي ذاتها عليها أن تلعب بالدُمى. سأذهب إليها اليوم من كل بد ...‏

- ستكون سعيدة جداً برؤيتك.‏

عاد شتيرنر.‏

- أنت لم تخطئ يا زاوير. فالثعلب العجوز شوماخر جاهز لخيانة حليفه في الدقيقة الأخيرة, في حال ضممته إلي بصفة شريك ... وهو يُخَوِّفني ويعدني بمختلف الفوائد, وبكلمة فإنه يدفع بكل ترسانة حكمته الاستغلالية.‏

- وبماذا أجبته؟‏

- لقد قلت: بلغ السيد شوماخر أنه لا يلزمني شركاء ولا مربـيات. اجلس لتناول الإفطار معنا يا زاوير.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:05 PM [ 18 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




ثرثروا بمرح مثل ناس تربطهم صداقة خالصة واحترام متبادل, إذ لم يبق أثر من العواصف السابقة.‏

2 - الأقوى ينتصر‏

في ذلك اليوم, عندما كان على الحكومة المصادقة على الشركة المساهمة الجديدة التي توحد مصرفي ميونستربرغ وشوماخر, استدعى شتيرنر زاوير إليه في الصباح الباكر وأمره:‏

- بع جميع أسهم ميونستربرغ وشوماخر. اطرحها جميعها حتى السند الأخير.‏

- لكنها ارتفعت خلال ليلة واحدة بمقدار ست وعشرين نقطة. وقد حصلنا على معلومات مؤكدة أن المصادقة على الشركة المساهمة مضمونة, ويتهيأ لي ...‏

- لا تقلق على شيء, ونفذ أمري بدقة. اذهب بنفسك إلى البورصة الآن حالاً, وأخبرني هاتفياً عن كل شيء.‏

هز زاوير كتفيه ورحل.‏

رن الهاتف بعد ساعة.‏

- إنهم يتسابقون لشراء الأسهم. إنها ترتفع إلى الأعلى.‏

- ممتاز يا زاوير. في أي ساعة سيعقد اجتماع الحكومة؟‏

- في الساعة الثانية ظهراً.‏

- هل ستلحق وتبـيع كل الأسهم خلال هذا الوقت؟‏

- تكفيني ساعة لذلك.‏

- هذا أفضل. اهتف لي بعد ساعة.‏

لم تمض من الساعة نصفها حتى أخبره زاوير:‏

- لقد بيعت الأسهم عن آخرها. يحدث في البورصة شيء غير معقول. فالجمهور يملأ كل الساحة قبالة البورصة. وتوقفت حركة السير في الشارع. الترومايات تسير بصعوبة بالغة, أما السيارات فلا تستطيع ...‏

- هذا لا يهمني. ما أحوال أسهمنا؟‏

- واأسفاه إنها تنهار.‏

- رائع. انتظر إلى أن تنخفض أكثر وعندئذ اشتريها بالجملة ...‏

سألته إلزا وقد دخلت إلى الغرفة:‏

- لودفيغ, هل أنت مشغول جداً؟‏

تابع شتيرنر كلامه عبر الهاتف:‏

- احتكر جميع ما سوف يعرضونه. اهتف لي على نحو متكرر.‏

ثم التفت نحو إلزا وقال:‏

- نعم, أنا مشغول جداً يا عزيزتي. تناولي الإفطار وحدك. فاليوم لن أبتعد عن الهاتف طوال النهار, ومن المحتمل طوال الليل.‏

صنعت إلزا إشارة تبرم, فوضع شتيرنر سماعة الهاتف واقترب منها.‏

- ما العمل يا حبـيبتي, اصبري. فأنا أخوض اليوم صراعاً عاماً. وينبغي أن أكسبه. وغداً سوف تكونين ملكة غير متوجة. وستجدين بـين يديك ثروات ...‏

قالت إلزا بعتاب:‏

- لودفيغ!‏

- حسناً, لن أتكلم عن هذا. ما أحوال إيما؟ هل كنت عندها؟‏

- من كان يتوقع ذلك؟ قال الطبـيب إن كليتيها ليستا في وضع حسن. والحمل خطر عليها ...‏

استمع شتيرنر وهو شارد:‏

- نعم, نعم.‏

- لكنها تقول إنها ستموت ولن تتخلى عن الطفل.‏

- نعم, رائع.‏

قرقع الهاتف مجدداً, فارتعش شتيرنر وقبل إلزا على جبـينها بسرعة وقال لها:‏

- كوني عاقلة ولا تسأمي. عندما ينتهي كل هذا فسنذهب أنا وأنت إلى الريفيـيرا. آلو! أنا أصغي.‏

تنهدت إلزا وخرجت.‏

- في الساعة الثانية عشرة؟ أي بعد ساعة؟ هذا أفضل! أخبرني فوراً بقرار الحكومة حالما تعرفه ...


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:06 PM [ 19 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




تمشى شتيرنر القلِق في غرفة المكتب بعد أن وضع سماعة الهاتف.‏

- ستحل الحكومة هذه المسألة في الساعة الثانية عشرة عوضاً عن الثانية. هذا يعني أنه يؤثر! أنا أؤمن الآن بالنجاح إيماناً أكبر مما سبق. وإذا حدث النصر هنا فسيحدث النصر في كل شيء! وسيكون شتيرنر كلي القدرة!‏

ثم أرخى رأسه إلى الوراء مغمضاً عينيه نصف إغماضة, وتسمَّر مدة دقيقة والابتسامة مرسومة على وجهه.‏

- ومع ذلك فالوقت ليس وقت الانتشاء بالسلطة. يجب استجماع كل القوى من أجل الضربة الأخيرة.‏

دخل شتيرنر إلى غرفته وأغلق على نفسه بالمفتاح, ثم خرج تعباً وممتقعاً بعد ساعة, فأصلح خصلة شعر متهدلة على جبـهته, وارتمى على المقعد وأغمض عينيه نصف إغماضة.‏

رن الجرس فوثب شتيرنر كما لو أنه جالس على نابض, وانتزع سماعة الهاتف.‏

- آلو! نعم, نعم, أنا ... أهذا أنت يا زاوير؟‏

لكن المتكلم لم يكن زاوير, وإنما شبـيلمان أحد عملاء شتيرنر.‏

- مفاجأة صاعقة! لقد انتهى الاجتماع لتوه, ورفضت الحكومة المصادقة على ميثاق الشركة المساهمة. وقد صرخ شوماخر الذي كان في الاجتماع بوجه الوزير قائلاً: "خائن", وتلقى ميونستربرغ ضربة فنقل إلى منزله فاقداً للوعي.‏

لم يكمل شتيرنر الإصغاء, فأنزل سماعة الهاتف بـيد تهتز من الاضطراب. وأطلق تلك الصيحة القوية التي ملأت أنحاء غرفة المكتب "النصر!", بحيث استفاق فالك المتمدد قرب المقعد, ونظر إلى صاحبه بعد أن هب واقفاً نظرة ذهول.‏

- إنه النصر يا فالك!‏

ثم رمى شتيرنر المنديل إلى زاوية الغرفة وأمره:‏

- هاته!‏

وصل الكلب إلى حيث المنديل بعدة قفزات, فأمسكه وعاد به إلى صاحبه.‏

- هاك ما هم عليه الآن جميعهم! ها - ها - ها!‏

ضحك شتيرنر بعصبـية, ثم رفع الكلب من قائمتيه الأماميتين وقبل جبـينه.‏

- لكني لن أقبلهم يا فالك, لأنهم أغبى منك ولأنهم يكرهونني. لذلك فإن إرغامهم على حمل الزحار هو أكثر لذة.‏

رن الهاتف مجدداً.‏

- زاوير؟ نعم, لقد عرفت. قال لي شبـيلمان, كيف هي استجابة البورصة؟‏

- انفجار قنبلة كان سيولد أثراً أقل. لقد تحولت البورصة إلى مشفى للمجانين.‏

- وأسهم ميونستربرغ؟‏

- تنهار بسرعة خارقة. أنت عبقري يا شتيرنر!‏

- ليس الآن وقت المديح. عندما يصبح تداول أسهم المصارف المنهارة بسعر ورق التغليف, فإنه سيكون ممكناً شراؤها بالجملة ... وسيمكننا أن نعيد إليها قيمتها. لكننا لن نتعجل هذا. لقد قمنا بعملنا, ويمكنك أن تذهب يا زاوير!‏

- لا أستطيع الخروج. لقد تحول الناس إلى قطيع فقد عقله. حتى ممرضو الإسعاف السريع لا يستطيعون التسلل إلى هنا, كي ينقلوا من أغمي عليه ومن داسه الجمهور.‏

- حسناً, إذا كنت قد فقدت حريتك فأخبرني ما الذي يحصل لديك.‏

وأخبره زاوير أن سماسرة الأوراق المالية قد أجروا اجتماعاً لمدة عشر دقائق, قرروا فيه أنه لا يمكنهم إطلاقاً الاحتفاظ بسندات ميونستربرغ وشوماخر وجميع المصارف المرتبطة بهما. لقد حدث الانهيار. وقد حملت كل دقيقة الخراب لثروات كاملة, فانتقلت السندات كل دقيقة من أيد إلى أيد. ووصل التوتر العصبي أعلى نقطة بعد منتصف الليل. ملأت سيارات حملة السندات الكبار ليس الساحة المقابلة للبورصة فقط, وإنما الساحة المجاورة لها. وقد جلس هؤلاء في سياراتهم الليموزين طوال الليل ممتقعين وتعبـين وعيونهم شاردة. وحملت النشرات الواحدة تلو الأخرى أخباراً عن الانخفاض المستمر في أسعار الصرف. وأرسلت هذه الأسعار عبر الهاتف, لكنها لم تكن تطابق الواقع لحظة إرسال البرقية الهاتفية. حطم جمهور الناس معسكراً في المتنزَّه المجاور, مثلما يحدث وقت الجائحة الطبـيعية, ودفعوا مقابل الجلوس على مقعد المتنزَّه أكثر من أجرة غرفة في أفضل الفنادق.‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Feb 2006, 08:08 PM [ 20 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
الكاتب المميز

مسابقة تعرجات قلم

ليلة حالمة

التواصل

عضو مخلص




لم ينم شتيرنر في الليلة التي سبقت السفر. انشغل بشيء ما في غرفته.‏

أغفت إلزا في غرفتها, ولكنها شعرت من خلال الحلم كما لو أن تيارات ما كهربائية أو عصبـية تمر عبرها, وأن حباً متزايداً نحو لودفيغ يملأ كيانها, فمدت يديها عدة مرات وهي نصف نائمة وهمست بحنان:‏

- لودفيغ! حبـيبي لودفيغ!‏

ومع أول أشعة للشمس طارت معه على طائرتهما الخاصة. طارا إلى مينتون, إلى إحدى الفيلات التابعة لها, التي اشتراها كارل غوتليب قبـيل وفاته بقليل.‏

بدت لها هذه السفرة بصحبة لودفيغ رائعة على نحو أسطوري, بعد طول حياة في عزلة ونصف وحيدة.‏

لقد أرادت في الوقت ذاته أن تنظر إلى لودفيغ, وأن تتمتع بالمنظر الشامل الذي ينبسط في الأسفل, وغنَّت بمرح:‏

أنا طائر حر وأريد أن أطير!‏

وذلك بعد أن تطلعت إلى الرحابة الواسعة أمامها, ثم استدارت نحو شتيرنر وهي تضحك.‏

- "أريد أن أطير" أغنية سخيفة, يجب أن أغني "أنا طائر حر وأنا أطير معك". انظر كم هو مضحك: نحن نرى من هنا الأسقف القرميدية فقط. وتبدو البـيوت مربعات جميلة فوق بساط أخضر. وما هي تلك النملات؟ إنها قطيع! يا للضآلة! ما هي تلك الجبال الثلجية التي تلمع بعيداً؟‏

- جبال الألب.‏

- وصلنا جبال الألب! وسنطير أعلى من النسور.‏

لم تشعر سابقاً بسعادة كهذه.‏

حطت الطائرة بسلام في مطار صغير قرب نيس. وبعد ساعة كانا في فيلتهما.‏

تقع الفيلا غير بعيد عن فينيتميليه بالقرب من الحدود الفاصلة بـين ممتلكات فرنسا وممتلكات إيطاليا.‏

فيلا بيضاء رائعة تقبع قرب شاطئ البحر تقريباً, ذات كسوة رخامية, وقد نعمت أنحاؤها بالخضرة, واكتست أشجار البرتقال بثمار ضخمة. نمت أشجار النخيل في الساحة المقابلة للفيلا, كما تغطت الساحة ببساط ناصع من القرنفل الأحمر.‏

الإزعاج الوحيد في الفيلا كان قربها الشديد من شبكة السكك الحديدية. كانت القطارات تسير دون انقطاع ملعلعة فوق الرأس, لكن إلزا لم تلحظ حتى هذا الإزعاج, فقد نامت جيداً في المساء ولم توقظها الضجة. وفي النهار قاما بنزهات إلى الجبال, أو أبحرا في يختهما, أو طارا على متن طائرة مائية على امتداد الشاطئ حتى نيس وبالعكس. قصر إمارة موناكو الصغيرة الملتصقة بالصخور الصفراء مثل عش السنونو بدا مثل لعبة, وامتد الموج قرب الساحل على شكل خيط أبيض. كان المتنزهون يبدون على الشاطئ بقياس يقل عن الدبوس. كان المشهد أكثر إدهاشاً عندما أقفل الطيار عائداً ووجه المقدمة الرمادية للطائرة المائية نحو عرض البحر. ارتفعت أطراف الأفق عالياً بفضل خداع البصر, الذي حول البحر إلى كأس زرقاء انعكست فوقه كأس السماء السماوية, وبدا كما لو أن الطائرة المائية موجودة في مركز كرة. عامت في الأسفل مراكب شراعية تبدو كالألعاب.‏

وأرادت إلزا أن تضحك من سرورها وسعادتها. ثم عادت إلى الفيلا نشيطة ومنشرحة على نحو لم يسبق لـه مثيل.‏

بدت الفيلا مريحة و "صالحة للسكن" إلى حد غير معتاد عند مقارنتها بمبنى غوتليب المنظم والبارد والشبـيه بصندوق زجاجي نصف فارغ. لم يتح لغوتليب إدخال غرائبه إلى هنا أيضاً. كان جميع الأثاث قديم الطراز إلى حد ما, ولكنه جميل ومريح. وأعجبت إلزا إعجاباً شديداً بالبيانو القديم ولكن الجيد, فعزفت عليه في الأمسيات الدافئة. كان باب الشرفة مفتوحاً, وارتفع القمر فوق السطح الأملس للماء ملقياً شريطاً فضياً على البحر, أما القبَّات (2)) المنتعشة ببرودة المساء فقد تنفست بارتخاء عذب.‏

كانت المقطوعات التي عزفتها جميلة للغاية ومُطرِبة وبهيجة وهادئة مثل هذه الليالي الجنوبـية.‏

بدا أن شتيرنر ارتاح أيضاً, حتى أن ملامح وجهه أصبحت ألين, ولم تعد الابتسامة الساخرة تحني شفتيه. أحياناً فقط كان شتيرنر يصبح حزيناً ومشغول البال عندما كان يصوب نظره على إلزا.‏

مر أسبوعان خلسة, لكن في بداية الأسبوع الثاني شعرت إلزا بتغير ما في داخلها, كما لو أنها أخذت تتيقظ من حلم. كانت تنسحب إلى غرفتها وتجلس وحيدة فترة طويلة, وأخذت الأفكار الطفيلية تقلقها من جديد, والذي أثار دهشتها هو أن معزة لودفيغ لديها كما لو أنها أصبحت أقل. تمعنت في وجهه, فأصبح كما لو أنه يزداد طولاً وسماجة.‏

لاحظ شتيرنر هذا فازداد تقطيـبه, ولم تبهجه برقيات زاوير أيضاً. لقد أخبره عن سلسلة من الإخفاقات, فخلال فترة غياب شتيرنر بُعِثت عدة مصارف, واستطاع بعض الصناعيين الكبار وأصحاب المناجم الحصول على قرض أجنبي, فدفعوا الحوالات وخرجوا على هذا النحو من تحت استعباد شتيرنر المالي. لكن الأكثر أهمية أنه بعد سفر شتيرنر قامت ضده حملة إعلامية كبـيرة في الجرائد. وعُدَّ أن تجميع كل الثروات المالية والصناعية في أيدي مصرف واحد هو مصرف إلزا غليوك يشكل خطراً على الدولة وعلى مصالح السكان. وقد تجنَّدت الجرائد الحكومية ضد شتيرنر مثلها مثل الجرائد الخاصة.‏

أعطى نجاح شتيرنر غير الاعتيادي والذي لا مثيل لـه مادة لأكثر الافتراضات والتفسيرات اختلافاً. زد على ذلك, أن أكثرية الصحف مالت إلى أنه مهما كان السبب الذي أدى إلى هذا النجاح, فإنه يخرج عن الأطر المألوفة. ولذلك ينبغي مصارعة هذا الجبروت بإجراءات غير مألوفة أيضاً ولم ينص عليها القانون. كان من المحتمل أن تصدر الحكومة مرسوماً تشريعياً خاصاً موجهاً ضد شتيرنر. واضطر الوزراء الذين لم يقرُّوا نظام شركة ميونستربرغ وشوماخر المساهمة لتقديم استقالتهم تحت ضغط الرأي العام, على الرغم من أن التحقيق غير المعلن الذي أجري بحقهم لم يستطع إثبات وجود بواعث مغرضة في سلوكهم, وبكلام آخر, رشوتهم من قبل شتيرنر. لم يحتمل ميونستربرغ الصدمة فمات. وحاول شوماخر الانتحار, لكنه بقي حياً فرحل إلى أمريكا.‏

تلك كانت أخبار الأسبوع الأخير. وعرف العالم كله من يكون شتيرنر. كان اسمه على شفاه الجميع, فاعتصم في جناحه مع زوجته هنا في مينتون, إذ أثار كل خروج لهما ذلك الفضول المقترن بالخوف, بحيث أن شتيرنر ذاته كان يتحاشى الظهور في المجتمع.‏


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يا نجل سلطان الغلا دمي الترحيب والتهاني 9 11 Oct 2010 12:07 PM
سلطان سلطان السعد منبع الذوق فواز بسيس بحور القوافي 6 16 Jul 2009 10:16 PM
سلطان سلطان السعد يالفهيمين واعي قصائد وأقوال وشيلات في الشدادين 21 12 Jun 2009 10:22 PM
أبو سلطان أبو سلطان عرّف بنفسك لو سمحت 13 22 Mar 2008 12:40 AM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

08:23 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com