|
|||||||||||||||||
قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ ومَسَائِلُ مُحَرَرة
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلمُ عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد في الخلوات ، ويعلمُ تلاطم الماء بالرياح العاصفات، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدهُ ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبيًا عن أمته صلى الله وملائكته والصالحون من خلقه عليه كما وحد الله وعرّف به ودعا إليه ، اللهم وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسانٍ إلى يوم الدين .. أما بعد .. - الله جل وعلا يخلق ما يشاءُ ويختار، لكنه جل وعلا لا يختارُ الله جلّ وعلا لدينه إلا من يُحبهم ويبتغيهم ويرتضيهم فقد مضى قوله صلى الله عليه وسلمـ: " إن الله يُعطي الدنيا لمن يُحب ومن لا يُحب، ولا يُعطي الدين إلا لمن يُحب" والله جل وعلا هنا يقول : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} هذه بُيوتات طاهرة، وأُسر مُباركة بارك الله عز وجل فيها فاصطفاها واجتباها لما عَلِمَ جلَّ وعلا في قلوبها من الخير واعلم أيها المُبارك : أن أعظم الشرف وأجله الإمامة في الدين، فلا يُوجدُ منقبة أجل ولا أعظم من الإمامة في الدين، والأنبياء هم السابقون الأولون في هذا الركب . - { إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} والحملُ يبدأ خفيفا ثم يثقُل قال الله عز وجل في سورة الأعراف : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} ثم لما وضعت إذا بها ترى هذا الوضع أنثى { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى } * والحملُ أحد سببين بهما فُضلت الأمُّ على الوالد فإن النبي صلى الله عليه وسلم : " أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك" فذكر حقًا للوالد وثلاثة حقوق للوالدة ، فيجتمعان في حق واحد أن كلًا من الوالد والوالدة سببٌ في وجود ذلك المولود ، فبقي حقان تفضلُ بهما الأمُّ على الوالد الحقُّ الأول : بسبب أنها تحمل وهذا لا يشترك معه الوالد والحق الثاني: بسبب أنها تُرضع والوالدُ لا يُرضع ، فلما اجتمع حق الرضاعة وحق الحمل فضُلت الأم على الوالد . قال الله عز وجل هنا : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا} وليس الوضع بالأمر الهيِّن ، لذلك عدّ النبي صلى الله عليه وسلم المرأة إذا ماتت حين تضع عدّها من الشهداء لِثقل الأمر عليها . قال ربنا : {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} أي : لكل منهما خصائص قال الله عز وجل : {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } والله عز وجل سمى الشيطان عدوا {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} والمقصود أن هذه المرأة الصالحة بما أورثت من علم علمت تسلط الشيطان على بني آدم وعلمت أنه لا أحد يُجيرُ من الشيطان ويحفظ أعظم من الله ، بل لا أحد غير الله يقومُ بهذا فقالت تتوسل إلى ربها : { وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } قال ربُّ العزة وقد علم صدق دعائها : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} أن ينبغي أن تعلم أنه مُجمل ما دلت عليه الآية في المعنى هو : سلك الله بها ركبَ السُّعداء ، ولا ريب أن من أراد الله له أن ينجو يسلك به ركب السعداء قال ربنا عن أهل السعادة : { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}
|
02 Feb 2015, 05:48 AM | [ 2 ] | ||||||||
عضوة متميزة
|
رد: ][قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ و مَسَائِلُ مُحَرَرة][
قال ربنا جل وعلا : {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} على قراءتين عند أهل القراءات بالتخفيف وبالتشديد بعض العلماء يقرأها : {وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا} وبعض العلماء يقرأها : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} قال إمام المفسرين الطبري-رحمه الله- : " وأولى القراءتين بالصواب من قرأها بالتشديد " المقصود : أن الله جل وعلا جعل حظ كفالة مريم مُسندًا إلى زكريا ، وكان زكريا زوجًا لخالتها ، وكان أبو مريم صالحا فأراد بنو إسرائيل العلماء منهم الأخيار أن يبر كل واحد منهم ابنة ذلك العالم الذي مضى فلما ازدحموا لجأوا إلى القرعة ، فرموا أقلامهم التي يكتبون بها التوراة رموها في البحر فأقلامهم السبعة والعشرين الذين استهموا مضت في البحر ، وبقي قلم زكريا ظاهرا لم يجري في البحر ، فعلموا أن الله عز وجل اختاره ، ربنا جل وعلا يقول : { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} لأنهم رأوا أن هذا شرف ينبغي أن يستبقوا إليه ، فأوكل الله عز وجل إلى زكريا أن يضم مريم إليه قال رب العزة : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} وهذه الفتاة الصالحة نشأة في كفالة نبي صالح هو زكريا - قال الله عز وجل : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} ظاهر الأمر أنها غرفة مرتفعة في البيت {وَجَدَ عِنْدَهَا} أي : عند مريم ، {رِزْقًا}: لم يأمر هو به ولم يأذن ولم يطلع عليه والإنسان يكون على بينة من أمره فسألها : {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} هذا نوعٌ من الكرامة التي خص الله بها مريم عليها السلام . * وما نريد أن نقتبسه من ثنايا هذا القصص القرآني أن يُعلم : -أن توقير أهل الفضل والعلم دين وملةٌ وقربة ولهذا حرص الملأ من بني إسرائيل على أن يبروا إمامًا من أئمتهم هو : عمران عليه السلام ولهذا استبقوا إلى أن يحرصوا على أن يكفلوا ابنته. -الأمر الثاني : أن الإنسان إذا لم يقدر على الخير كله فلا أقل من أن يتعلق ببعضه والعرب تقول : يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق . فهذه المرأة الصالحة أم مريم لما لم يكن بمقدورها أن يكون المولود ذكرًا وليس هذا عائدًا إليها سمتها (مريم) بمعنى : خادمة الرب ، حتى لا يفوتها الخير كله وأبقت على تلك الفتاة تخدم في بيت المقدس . -الأمر الثالث : يحسُن بالمرأة المؤمنة ولا ضير أن يكون هذا في الرجال أن يكون للإنسان في بيته موضعًا يتعبد الله عز وجل فيه فإن كان له كذلك فإن هذا مما يزداد به الإيمان ويرغب الإنسان فيه إلى الطاعة لأنه إذا مر بذلك المكان أو الحيز الذي اتخذه مكانًا يُصلي فيه فإن ذلك يبعثُ روح العبادة فيه وينشط لها وهذا دليل دلَّ علليه العقل ودلَّ عليه النقل فالنبي صلى الله عليه وسلم خيرُ الناس بلا ريب ومع ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أكثر ما يكون في رمضان إذا لقيهُ جبريل" فإن النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى جبريل تذكر الملكوت الأعلى فأحب أن يزداد عمله الصالح فيزداد في الطاعة . وليس هذا منافيا للإخلاص ، هو يريد بعمله وجه الله لكن بعض الناس، بعض المواطن الأماكن، بعض الأقوال، بعض الأمثال إذا ضُربت تجعل في العبد رغبة في الطاعة ، تذكره بالطاعة فينشط لها كما أنه يوجد مواطن وأقوام وأحوال عياذًا بالله تُثبطُ العبد وتجعل عزيمته هينة لينة في طاعة ربه فيتخذ الإنسان الطرائق التي تُعينه على طاعة ربه وتُقربه من مولاه تبارك اسمه وجل ذكره . |
||||||||
02 Feb 2015, 06:51 PM | [ 3 ] | |||||||
<img border=
|
رد: قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ و مَسَائِلُ مُحَرَرة
سلمت يداك لمـآاطرحتِ دمتي مبدعة متـآالقه في سمـآاء هذا ـآالصرح ـآالشامخ تقبلي مروري ـآالمتواضع |
|||||||
02 Feb 2015, 07:58 PM | [ 4 ] | ||||||||
|
رد: قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ و مَسَائِلُ مُحَرَرة
بارك الله فيك حبيبتي
على الموضوع القيّم والمهم كل الشكر والتقدير لشخصك الكريم |
||||||||
04 Feb 2015, 04:15 AM | [ 5 ] | ||||||||
عضوة متميزة
|
رد: قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ و مَسَائِلُ مُحَرَرة
اسأل الله العظيم أن يرزقكم الفردوس الأعلى من الجنان. وأن يثيبكم البارئ خير الثواب على ردكم الطيب دمتم برضى الرحمن |
||||||||
05 Feb 2015, 07:16 PM | [ 6 ] | ||||||||
مؤسس شبكة الشدادين
|
رد: قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ و مَسَائِلُ مُحَرَرة
جوزيتي كل خير يا ملاك وبارك الله فيك وفيما تقدمينه هنا من مشاركات طيبة وحضور مشرف وألف شكر لك |
||||||||
07 Feb 2015, 10:18 PM | [ 7 ] | |||||||
عضو جديد
|
رد: قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ و مَسَائِلُ مُحَرَرة
مشاركة قيمة جزاك الله خيراً وبارك فيك وجعله في ميزان حسناتك ورزقك الجنة بغير حساب |
|||||||
07 Feb 2015, 11:15 PM | [ 8 ] | ||||||||
|
رد: قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ ومَسَائِلُ مُحَرَرة
بارك الله في جهودك يا ملاك جزاك الله خير على الطرح |
||||||||
14 Feb 2015, 01:26 AM | [ 9 ] | ||||||||
عضوة متميزة
|
رد: قِطَافٌ مُثْمِرَةٌ ومَسَائِلُ مُحَرَرة
اسأل الله العظيم أن يرزقكم الفردوس الأعلى من الجنان. وأن يثيبكم البارئ خير الثواب على ردكم الطيب دمتم برضى الرحمن |
||||||||
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|