|
||||||||||||||||||
ثّقافة الأستدرَاك !
.
مهما كان وعي البشرية ناضجاً، ومهما كانت تجاربها وخبراتها عالية وعميقة، فإنها لا تستطيع رؤية الحقيقة دفعة واحدة، فقد مَضّت سُنة الله - تعالى - فينا على أن نرى الحقائق على دفعات، وأن تتغير رؤانا ومواقفنا تبعاً لتغير الظروف والمعطيات، لكن المشكلة في هذه المسألة هو اضطراب مواقف كثير من الناس، هذا الاضطراب ناتج من غموض الرؤية والحيرة في تصنيف كثير من الأشياء. أعني بثقافة الاستدراك تلك القابلية العقلية والروحية والعرفية للتغيير والتحوّل والترميم للقصور وإذا تساءلنا عن الدواعي التي تتطلب منا تأسيس هذه الثقافة، فإننا سنجد الآتي: 1- نحن قد نقول القول، ونقف الموقف بسبب غلبة أهوائنا علينا، وهذا ليس نادراً في الناس، فقد يحبّذ الإنسان الشيء؛ لأن له فيه مصلحة شخصية، كما يفعل التاجر حين يمدح سلعته بما ليس فيها كي يحصل لها على سعر أعلى، وقد يحبذ أحدنا القول؛ لأنه يوافق مزاجه كما يفعل المتشائمون حين يصدِّقون الأخبار السيئة، وكما يفعل المتفائلون حين يحتفلون بالأخبار السارَّة، وحين نتحرر من ذلك فإن الشيء الوحيد الذي يجب القيام به هو التغيير والتراجع. 2- بما أن الإنسان قاصر في فهمه لكثير من الأمور، وخاضع لرغباته في كثير من الأحيان، فإننا نستطيع أن نقول: إن كل النظم والتنظيمات التي وضعها الإنسان مصابة بالقصور الذاتي، وتلك النظم تشمل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونظم الفهم والتفسير والإدارة وحل المشكلات 3- زيادة النضج حيث إننا نجد كثيراً من الملحدين والمتطرفين في مواقفهم وكثيراً من المنحرفين... يعودون إلى رشدهم حين تتقدم بهم السن، والأمثلة على هذا أكثر من أن تُحصى، وإن الخبر السارّ في هذا هو أن الإنسان كلما نضج أكثر مضى نحو الاعتدال والهدوء في الطرح والصبر على تحليل الظواهر واستبانة الحق. العجيب في هذا هو أن الناس لا يعرفون كيف يقفون الموقف المنطقي والعادل من ذلك؛ إذ إنك تجد من ينتقد العالم إذا ثبت على أفكاره وآرائه وتوجّهاته، ويعدون ذلك نوعاً من الجمود ونوعاً من العزلة عن تيار الأفكار الجديدة، وإذا طوّر العالِم رؤيته أو فتواه أقاموا عليه الدنيا، واتهموه بالتذبذب والخضوع للمغريات التي قدمتها له هذه الجهة أو تلك! # السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي علينا أن نعمله حتى نرسّخ ثقافة الاستدراك في حياتنا؟ الحقيقة أن علينا عمل العديد من الأمور، منها الآتي: 1- التوبة واستسهال التراجع عن الخطأ، فما دام الوقوع في الخطأ شيئاً مألوفاً جداً، فينبغي أن تكون التوبة أيضاً شيئاً مألوفاً، وقد ورد أن نبينا - صلى الله عليه وسلم- كان يستغفر الله، ويتوب إليه في اليوم أكثر من مئة مرة، وهو المؤيَّد بالوحي المعصوم من الوقوع في الزلل، وبعضهم يمنعه من التوبة ما لديه من تهاون بغضب الله، واسترسال في الغفلة. 2- التخفيف من الحماسة للأفكار والآراء والمواقف الاجتهادية؛ إذ إن خطأها قد يظهر في أي لحظة، ويكون علينا حينئذ التراجع عنها بوضوح وجرأة. 3- التوسّع في ممارسة النقد، والعمل على أن يمتلك كل واحد منا رؤية نقدية للقضايا الكبرى التي تمسّ حياة الأمة، وحياته الشخصية، وليس في النقد أي عدوان على أحد، بل هو عمل تكميلي للأفكار والطروحات والمشروعات البنائية، وهذا راسخ إلى حد يمكن أن نقول معه: إن كل ما يطرحه الناس من أفكار ورؤى وخطط... يظل ناقصاً وفجاً مالم يظفر بنقد قوي ومنهجي، وقد أرسى القرآن الكريم مبدأ عظيماً في حياة هذه الأمة، وهذا المبدأ يقرر أنه لا ينبغي أن يكون في المجتمعات الإسلامية أي شخص فوق المساءلة، وإلاّ تحوّل إلى مظلة يستظل بها الفاسدون، وهذا ما نلمسه في عتاب الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على بعض مواقفه واجتهاداته. 4- إثراء العمل التطوعي والخيري، فقصور النظم والظلامات التي تقع والحقوق التي تهضم بسببها تحتِّم علينا الاستدراك على ذلك من خلال بذل المعروف ومساعدة الضعيف والمساهمة في بناء المرافق االعامة، وبهذا الاعتبار لا يكون العمل الخيري والتطوعي من باب التبرع، وإنما من باب قضاء دين مستَحَق. الأمم المتقدمة تنظر إلى ثقافة الاستدراك على أنها ثقافة النمو والإصلاح والتقدم، أما الأمم المختلفة، فإنها تنظر إلى هذه الثقافة نظرة استخفاف أو استهجان، ومن ثم فإن الاستمرار في الخطأ والجمود على الموروث يكون هو سيد الموقف في حياتهم .
|
23 Jul 2016, 10:16 PM | [ 2 ] | ||||||||
مؤسس شبكة الشدادين
|
رد: ثّقافة الأستدرَاك !
احسنت فيما طرحتي هنا يا سارة الغيد كلام تجارب ومواقف وحكم وما هذه الحياة إلا دروس وعبر طبت وطاب تواجدك العطر وتسلم يمينك |
||||||||
|
|||||||||
24 Jul 2016, 01:03 PM | [ 3 ] | ||||||||
عضو مرشح للإشراف
|
رد: ثّقافة الأستدرَاك !
وعي الاستدارك ناتج مهم ل إليجابية اذ استوعب العقل المسالة بطل العجب ، شكرا كاتبتنا المتميزة سارة ، ك العادة يحتار في الثناء القلم ،، |
||||||||
|
|||||||||
26 Jul 2016, 04:31 PM | [ 4 ] | |||||||
عضوة متميزة
|
رد: ثّقافة الأستدرَاك !
موضوعك جدا جميل اختي سارة فعلا نحن في مجتمعنا لانتقبل التغيير ونتمسك بالموروثات الاجتماعية واي استدراك لاي موروث اجتماعي يعتبر خروج وجرم يعاقب عليه صاحبه .. لكن مع ذلك نجد البعض منها اصبح قابل للتغيير حتى وان كان بطيئا مع تعاقب الاجيال .. بالنسبة للاستدراك فيما يخص الذات من قناعات خاصه بشخصية الفرد هي قابلة للتغيير كل ماتقدم الانسان بالعمر .. فمن وجهة نظري ارى ان قناعات الانسان تتغير كل خمس سنوات ولا نعمم على جميع مبادئه .. اتساع الدائرة الاجتماعيه و الاختلاط بافراده و القراءات المتعددة والاقران وغيرها كلها عوامل محفزة للتغيير والاكتساب .. شكري وتقديري لكِ اختي الفاضلة |
|||||||
|
||||||||