|
||||||||||||||||||
بستان الأحلام.
عمي "أحمد" شيخ قروي بسيط نبيل بكرمه... كان يدا حانية تعطف علي و تشد أزري كلما أوشكت أن أضعف .. تعرفت عليه في بالقرية ، كان منزله لا يبعد كثيرا عن منزلي...،كنت أسلي وحدتي بعد العمل بالجلوس إليه و الحديث معه ،كان يروي لي قصصا عن قهر الاستعمار الفرنسي لهذا الشعب و عن حب الرجال لهذا الوطن وتضحياتهم من أجل حريته... كنت أرافقه بالمساء وهو يقدم العلف لماشيته ...حيوانات كانت تحبه ويحبها ،يعرفها كما يعرف أبناءه ..كثيرا ما كان يفصح لي أن وحدتي تؤلمه ،ثم ما يلبث أن يطمئنني إلى أن أهل القرية طيبون .. كان له بيت صغير يتوسط بستانه ..كان وحيدا مثلي رحل أبناؤه إلى المدينة وهجروه ، كنت أقرأ قسوة حزنه في عينيه ... كان كلما تحدث عنهم اغرورقت عيناه ثم ابتسم ودعا لهم بالهداية و التوفيق في حياتهم ... في الأوقات التي كنت أقضيها معه كنت أحاول تناسي وحدتي و إيناس وحدته، ...و كلما جلست إليه تذكرت قول امرئ القيس: أجارتا إنا هاهنا غريبان وكل غريب للغريب نسيب كان يعلمني أحيانا كيف أحلب العنزات ..وأتذكر تلك اللحظة التي سلمني فيها القدح لأحلب إحداها ولما هممت أن أفعل وضعت العنزة حافرها في القدح واندلق الحليب...لحظتها خجلت من نفسي فابتسم من فشلي ضاحكا. ذات مساء زرته فقدم لي جديا هدية ... ماتت أمه وبقي وحيدا،كان ما يزال ضعيفا وبحاجة لأم. ربيته ألفته وألفني ، أحيانا كنت أصعد به إلى الجبل المحادي للقرية .. فأسير وهو ينط عن يميني وشمالي كم كان وجوده يسعدني وكنت كلما نظرت إليه تذكرت تلميذا يتيم الأب ، مات أبوه وهو في بطن أمه .. كانت تعابيره الشفهية والكتابية لا تخلو من قصص خيالية يرويها عن أبيه ،قصص تعكس مدى الفراغ الأبوي الذي يعيشه ذاك الطفل ،أذكر ذات يوم اصطحبته معي إلى المدينة بينما كنا نجلس في الحافلة طلب مني أن يجلس إلى جانب رجل كان يجلس في المقعد المقابل ،جلس إليه ما لبث أن تحدث معه، ونام على صدره قد كان يبحث عن أبيه في كل رجل يصادفه ،ذاك الجدي كان يبحث عن حنان أيضا ،قد ألفني إلى ابعد حد لا يصدق.. كنت إدا ما جلست أحضر مذكراتي لا يكف يدور حولي، وإذا ما انشغلت عنه راح يقضم أطراف شعري وحين أضع قبعة عليه يدنو من يدي ويقضم قلمي ..وإذا ما تمددت أتى نحوي وراح يمشي على ظهري ، قد آنس وحدتي ... كان يبتسم كلما رآني أدخل عليه بستانه صحبة الجدي ..كم كانت جميلة وسعيدة تلك الأوقات... مضت سنتان ..وفي العام الموالي حل الحزن بالمكان الذي كان يمدني بالراحة والأمان ...،ففي أول يوم وصلت إليه القرية لبداية عام دراسي جديد قصدت بستانه بشوق لرؤيته ورؤية الجدي الذي تركته عنده خلال العطلة الصيفية فوجدت ملامح المكان قد تغيرت؛ المنزل الصغير مقفل مهجور ولا أثر للعم ولا لحيواناته ...جريت في ذعر إلى أحد الفلاحين المجاورين له وسألته عن العم فأخبرني أنه يصارع المرض ... عدت إلى المدينة في اليوم ذاته ورحت أبحث عن منزله حتى عثرت عليه ،دخلت عليه الدار فاستقبلني بابتسامة تزاوجها دمعة ،بكيت لحظتها وأنا أراه يوشك أن يكون في أيام عمره الأخيرة ،جلست إليه ورحت أذكره بالأيام الجميلة التي كنا نقضيها معا فيبتسم في صفرة المرض، يومها أوصاني أن أحذر من السكن وحدي على أطراف القرية وأن أبحث عن عمل في مكان آخر ،أحسست أنها وصية وداع ... مات عمي أحمد بعد زيارتي له بيومين، فقدته مثلما فقدت أبي ، مثلما فقدت أحلامي ،حتى ذاك الجدي لم أعرف مصيره ، مات ونهب منزله الصغير الجميل مثلما نهبت وهربت آثار العراق ..وأصبح البستان النضر مرتعا لحمير القرية تأكل زهوره مثلما تأكل اليهود النار الحطب
|
22 Feb 2013, 08:08 PM | [ 2 ] | ||||||||
ممنوع من المشاركة
|
رد: بستان الأحلام.
سأختصر وأختزل عمُكِ أحمد مجموعة انسان لم يمت ( حتى وان عبس وتولى ) ولكنه في المصحة يتلقى العلاج من طبيبه الخاص أثر كمد الكيد .. وهو الآن يتجهز لفرض القهرعلى الواقع متى ماانجلت الغمة واحسب ان هذا قريب المنال عندما يهزل الحال .. ويحين الرحال .. أنتِ ترين ان عمُكِ أحمد قد مات وانا اقول (يحيى) ولومات .. وستسمو العقول الحالمة عندما تجد أمرها صالح .. لست أدري ولكنني متاكد أن عرص ذاك الجدي كان مزاحاً مرسلا.. فأكل الطُعمُ ( ساعي البريد ). على حكمة طقها والحقها .. سقط حرف الحاء من كلمة الضحك بسبب غزارة دموع العين المعجبة ! فزحلط صباع يدي.. إذا هل لنا ان نقول يحيى العدل ؟ ام ماذا نقول ؟؟؟ على الله اجد مصطلح ثاقب ! وواسطتي كبيرة وقوية .. وإلا وش علي؟ على قول الشاعر : متزمت ولبرالي |
||||||||
22 Feb 2013, 09:55 PM | [ 3 ] | |||||||
عضوة متميزة
|
رد: بستان الأحلام.
دنيا الف شكر على ايراد هذة القصة الشيقة والممتعه استمتعت كثيرا بقرائتها تحياتي لك |
|||||||
|
||||||||
23 Feb 2013, 03:20 AM | [ 4 ] | ||||||||
|
رد: بستان الأحلام.
رووعهـ يب رووعهـ يسلموووووو |
||||||||
|
|||||||||
23 Feb 2013, 10:28 AM | [ 5 ] | ||||||||
|
مبدعة في الوصف حبيبتي
الله يعطيكِ العافية شكري وتقديري |
||||||||
|
|||||||||
23 Feb 2013, 12:24 PM | [ 6 ] | ||||||||
عضوة متميزة
|
رد: بستان الأحلام.
سيدي الكريم حمدان. قراءتك واعية لروابط الصلة بين العالم النفسي والإجتماي. فأحمد رمز لقهر الظروف ، واستكانته من باب استعادة الأنفاس للمواجهة. أخي حمدان: موت عمي أحمد تزامن مع موت الوالد الذي فقدت في غيابه عز الفتاةزن ومعه وفي عتمة النفس غاب الخروف وشرد شرود نفسي من تلذذ الحياة في غياب الرعاية النفسية من والد يكفيني فخرا أني حفظت على يديه القرآن. لكن ومع الأيام انقشعت ظلامة النفس وأدرك العقل أن استمراري هو حياة لأبي لأني فرع من أصله الكريم. دوما تبهرني ووحدك من تمكنت من النفاذ لمسامات نفسي التي وإن بدت واهنة لكنها قوية بما حباها الله من نعمة الإدراك في معين العقيدة الغراء. ومن هنا فحمدان المتعاني ما كان في قاموسي الفكري ليبراليا ولا اشتراكيا، بل مؤمن بسيط يستمد قوته من معتقده الأصيل. واحترامه من جلال العقيدة. شكري للوعي الكبير. |
||||||||
23 Feb 2013, 12:28 PM | [ 7 ] | ||||||||
عضوة متميزة
|
رد: بستان الأحلام.
الغزال الشارد متعك الله بنعمة الصحة والرضا. ولا هنت. مودتي. |
||||||||
23 Feb 2013, 12:29 PM | [ 8 ] | ||||||||
عضوة متميزة
|
رد: بستان الأحلام.
أميرة أبوها الروعة قطرة من دلال جمالك يا رونق الجمال. دمت بمودة وهناء. |
||||||||
23 Feb 2013, 12:30 PM | [ 9 ] | ||||||||
عضوة متميزة
|
رد: بستان الأحلام.
بنت النشامي. الله يحفظك ويعافيك ويسعد قلبك. كل التقدير لمعاليك. |
||||||||
23 Feb 2013, 12:58 PM | [ 10 ] | ||||||||
مؤسس شبكة الشدادين
|
رد: بستان الأحلام.
حياك الله يا ابنة أحرار الجزائر وأهلاً بك وبطيب اطلالتك وتميز قلمك كالعادة تأتين كسحابة تهطل بكل خير وعطاء ننتظر جديدك دائماً ونتابع بكل اهتمام دام نبض قلمك وروعة حرفك وشكراً لك |
||||||||
|
|||||||||