|
|||||||||||||||||
مختارات من كتب ابن القيم..
الْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ إحْدَادِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِمَّا تَحُدُّ عَلَى أَبِيهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَمَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْإِحْدَادِ عَلَى أُمِّهَا وَأَبِيهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ، وَأَوْجَبَهُ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ " فَيُقَالُ: هَذَا مِنْ تَمَامِ مَحَاسِنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَحِكْمَتِهَا وَرِعَايَتِهَا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ؛ فَإِنَّ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ تَعْظِيمِ مُصِيبَةِ الْمَوْتِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُبَالِغُونَ فِيه أَعْظَمَ مُبَالَغَةٍ، وَيُضِيفُونَ إلَى ذَلِكَ شَقَّ الْجُيُوبِ، وَلَطْمَ الْخُدُودِ، وَحَلْقَ الشُّعُورِ، وَالدُّعَاءَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، وَتَمْكُثُ الْمَرْأَةُ سَنَةً فِي أَضْيَقِ بَيْتٍ وَأَوْحَشْهُ لَا تَمَسُّ طِيبًا وَلَا تَدْهُنُ وَلَا تَغْتَسِلُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ تَسَخُّطٌ عَلَى الرَّبِّ تَعَالَى وَأَقْدَارِهِ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِرَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَبْدَلَنَا بِهَا الصَّبْرَ وَالْحَمْدَ وَالِاسْتِرْجَاعَ الَّذِي هُوَ أَنْفَعُ لِلْمُصَابِ فِي عَاجِلَتِهِ وَآجِلَتِهِ؛ وَلَمَّا كَانَتْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ لَا بُدَّ أَنْ تُحْدِثُ لِلْمُصَابِ مِنْ الْجَزَعِ وَالْأَلَمِ وَالْحُزْنِ مَا تَتَقَاضَاهُ الطِّبَاعُ سَمَحَ لَهَا الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ فِي الْيَسِيرِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ تَجِدُ بِهَا نَوْعَ رَاحَةٍ وَتَقْضِي بِهَا وَطَرًا مِنْ الْحُزْنِ، كَمَا رَخَّصَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَمَفْسَدَتُهُ رَاجِحَةٌ، فَمَنَعَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا مَرْجُوحَةٌ مَغْمُورَةٌ بِمَصْلَحَتِهَا، فَإِنَّ فِطَامَ النُّفُوسِ عَنْ مَأْلُوفَاتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ أَشَقِّ الْأُمُورِ عَلَيْهَا، فَأُعْطِيَتْ بَعْضَ الشَّيْءِ لِيَسْهُلَ عَلَيْهَا تَرْكُ الْبَاقِي، فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا أَخَذَتْ بَعْضَ مُرَادِهَا قَنَعَتْ بِهِ، فَإِذَا سُئِلَتْ تَرْكَ الْبَاقِي كَانَتْ إجَابَتُهَا إلَيْهِ أَقْرَبَ مِنْ إجَابَتِهَا لَوْ حُرِّمَتْ بِالْكُلِّيَّةِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ أَسْرَارَ الشَّرِيعَةِ وَتَدَبَّرَ حُكْمَهَا رَأَى ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى صَفَحَاتِ أَوَامِرِهَا وَنَوَاهِيهَا، بَادِيًا لِمَنْ نَظَرُهُ نَافِذٌ؛ فَإِذَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا عَوَّضَهُمْ عَنْهُ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهُ وَأَنْفَعُ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ مَا تَدْعُو حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ لِيُسَهِّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ، كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ الْعَرَايَا، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ النَّظَرَ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ نَظَرَ الْخَاطِبِ وَالْمُعَامِلِ وَالطَّبِيبِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ الْمَالِ بِالْمُغَالَبَاتِ الْبَاطِلَةِ كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَبَاحَ لَهُمْ أَكْلَهُ بِالْمُغَالَبَاتِ النَّافِعَةِ كَالْمُسَابَقَةِ وَالنِّضَالِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ لِبَاسَ الْحَرِيرِ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ الْيَسِيرَ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ كَسْبَ الْمَالِ بِرِبَا النَّسِيئَةِ، وَأَبَاحَ لَهُمْ كَسْبَهُ بِالسَّلَمِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي الصِّيَامِ وَطْءَ نِسَائِهِمْ وَعَوَّضَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ أَبَاحَهُ لَهُمْ لَيْلًا؛ فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ بِالنَّهَارِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الزِّنَا وَعَوَّضَهُمْ بِأَخْذِ ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ وَمِنْ الْإِمَاءِ مَا شَاءُوا؛ فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ غَايَةَ التَّسْهِيلِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ وَعَوَّضَهُمْ عَنْهُ بِالِاسْتِخَارَةِ وَدُعَائِهَا وَيَا بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ نِكَاحَ أَقَارِبِهِمْ وَأَبَاحَ لَهُمْ مِنْهُ بَنَاتَ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَطْءَ الْحَائِضِ وَسَمَحَ لَهُمْ فِي مُبَاشَرَتِهَا وَأَنْ يَصْنَعُوا بِهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْوَطْءَ فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ غَايَةَ السُّهُولَةِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْكَذِبَ وَأَبَاحَ لَهُمْ الْمَعَارِيضَ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ مِنْ عُرْفِهَا إلَى الْكَذِبِ مَعَهَا أَلْبَتَّةَ، وَأَشَارَ إلَى هَذَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ» وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخُيَلَاءَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَأَبَاحَهَا لَهُمْ فِي الْحَرْبِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَقْصُودِ الْجِهَادِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَعَوَّضَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْوُحُوشِ وَالطَّيْرِ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَأَنْوَاعِهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ خَبِيثًا وَلَا ضَارًّا إلَّا أَبَاحَ لَهُمْ طَيِّبًا بِإِزَائِهِ أَنْفَعَ لَهُمْ مِنْهُ، وَلَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ إلَّا وَأَعَانَهُمْ عَلَيْهِ فَوَسِعَتْهُمْ رَحْمَتُهُ وَوَسِعَهُمْ تَكْلِيفُهُ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ أَبَاحَ لِلنِّسَاءِ - لِضَعْفِ عُقُولِهِنَّ وَقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ - الْإِحْدَادَ عَلَى مَوْتَاهُنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَمَّا الْإِحْدَادُ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلْعِدَّةِ وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهَا وَمُكَمِّلَاتِهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تَحْتَاجُ إلَى التَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّلِ وَالتَّعَطُّرِ، لِتَتَحَبَّبَ إلَى زَوْجِهَا، وَتَرِدُ لَهَا نَفْسُهُ، وَيَحْسُنُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعِشْرَةِ، فَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَاعْتَدَّتْ مِنْهُ وَهِيَ لَمْ تَصِلْ إلَى زَوْجٍ آخَرَ، فَاقْتَضَى تَمَامَ حَقِّ الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدَ الْمَنْعِ مِنْ الثَّانِي قَبْلَ بُلُوغِ الْكِتَابِ أَجَلَهُ أَنْ تُمْنَعَ مِمَّا تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ سَدِّ الذَّرِيعَةِ إلَى طَمَعِهَا فِي الرِّجَالِ وَطَمَعِهِمْ فِيهَا بِالزِّينَةِ وَالْخِضَابِ وَالتَّطَيُّبِ، فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ صَارَتْ مُحْتَاجَةً إلَى مَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا، فَأُبِيحَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ مَا يُبَاحُ لِذَاتِ الزَّوْجِ، فَلَا شَيْءَ أَبْلَغَ فِي الْحُسْنِ مِنْ هَذَا الْمَنْعِ وَالْإِبَاحَةِ، وَلَوْ اقْتَرَحَتْ عُقُولُ الْعَالَمِينَ لَمْ تَقْتَرِحْ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ. إعلام الموقعين عن رب العالمين – المجلد الثاني
|
31 Jul 2012, 01:54 PM | [ 2 ] | |||||||
عضوة متميزة
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
الْحِكْمَةُ فِي مُسَاوَاةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ بَعْضٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْحُدُودِ، وَجَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْهُ فِي الدِّيَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْعَقِيقَةِ " فَهَذَا أَيْضًا مِنْ كَمَالِ شَرِيعَتِهِ وَحِكْمَتِهَا وَلُطْفِهَا؛ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَمَصْلَحَةَ الْعُقُوبَاتِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ مُشْتَرِكُونَ فِيهَا، وَحَاجَةُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ إلَيْهَا كَحَاجَةِ الصِّنْفِ الْآخَرِ؛ فَلَا يَلِيقُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، نَعَمْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا فِي أَلْيَقِ الْمَوَاضِعِ بِالتَّفْرِيقِ وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَخَصَّ وُجُوبَهُمَا بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْبُرُوزِ وَمُخَالَطَةِ الرِّجَالِ؛ وَكَذَلِكَ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا فِي عِبَادَةِ الْجِهَادِ الَّتِي لَيْسَ الْإِنَاثُ مِنْ أَهْلِهَا، وَسَوَّتْ بَيْنَهُمَا فِي وُجُوبِ الْحَجِّ لِاحْتِيَاجِ النَّوْعَيْنِ إلَى مَصْلَحَتِهِ، وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّهَارَةِ؛ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ فِيهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ؛ لِحُكْمِهِ أَشَارَ إلَيْهَا الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فِي كِتَابِهِ، وَهِيَ أَنَّ الْمَرْأَةَ ضَعِيفَةُ الْعَقْلِ قَلِيلَةُ الضَّبْطِ لِمَا تَحْفَظُهُ. وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْعُقُولِ وَالْفَهْمِ وَالْحِفْظِ وَالتَّمْيِيزِ؛ فَلَا تَقُومُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الرَّجُلِ، وَفِي مَنْعِ قَبُولِ شَهَادَتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ إضَاعَةٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْحُقُوقِ وَتَعْطِيلٌ لَهَا، فَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الْأُمُورِ وَأَلْصَقْهَا بِالْعُقُولِ، أَنْ ضَمَّ إلَيْهَا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ نَظِيرَهَا لِتُذَكِّرَهَا إذَا نَسِيَتْ، فَتَقُومُ شَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ مَقَامَ شَهَادَةِ الرَّجُلِ، وَيَقَعُ مِنْ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ الْغَالِبِ بِشَهَادَتِهِمَا مَا يَقَعُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَنْقَصُ مِنْ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ أَنْفَعُ مِنْهَا، وَيَسُدُّ مَا لَا تَسُدُّهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ وَالْوِلَايَاتِ وَحِفْظِ الثُّغُورِ وَالْجِهَادِ وَعِمَارَةِ الْأَرْضِ وَعَمَلِ الصَّنَائِعِ الَّتِي لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الْعَالَمِ إلَّا بِهَا وَالذَّبِّ عَنْ الدُّنْيَا وَالدِّينِ لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهُمَا مَعَ ذَلِكَ مُتَسَاوِيَةً وَهِيَ الدِّيَةُ؛ فَإِنَّ دِيَةَ الْحُرِّ جَارِيَةٌ مَجْرَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّارِعِ أَنْ جَعَلَ قِيمَتَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ قِيمَتِهِ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: لَكِنَّكُمْ نَقَضْتُمْ هَذَا فَجَعَلْتُمْ دِيَتَهُمَا سَوَاءٌ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ. قِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِذَلِكَ، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا» . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إنَّ ذَلِكَ [مِنْ] السُّنَّةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالُوا: هِيَ [عَلَى] النِّصْفِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ أَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ، فَجُبِرَتْ مُصِيبَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ بِمُسَاوَاتِهَا لِلرَّجُلِ، وَلِهَذَا اسْتَوَى الْجَنِينُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي الدِّيَةِ لِقِلَّةِ دِيَتِهِ، وَهِيَ الْغُرَّةُ، فَنَزَلَ مَا دُونَ الثُّلُثِ مَنْزِلَةَ الْجَنِينِ. وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَحِكْمَةُ التَّفْضِيلِ فِيهِ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّ الذَّكَرَ أَحْوَجُ إلَى الْمَالِ مِنْ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ، وَالذَّكَرُ أَنْفَعُ لِلْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ الْأُنْثَى. وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ فَرَضَ الْفَرَائِضَ وَفَاوَتَ بَيْنَ مَقَادِيرِهَا {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11] وَإِذَا كَانَ الذَّكَرُ أَنْفَعُ مِنْ الْأُنْثَى وَأَحْوَجُ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّفْضِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يُنْتَقَضُ بِوَلَدِ الْأُمِّ. قِيلَ: بَلْ طَرْدُ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَرِثُونَ بِالرَّحِمِ الْمُجَرَّدِ، فَالْقَرَابَةُ الَّتِي يَرِثُونَ بِهَا قَرَابَةَ أُنْثَى فَقَطْ، وَهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ؛ فَلَا مَعْنَى لِتَفْضِيلِ ذَكَرِهِمْ عَلَى أُنْثَاهُمْ، بِخِلَافِ قَرَابَةِ الْأَبِ. وَأَمَّا الْعَقِيقَةُ فَأَمْرُ التَّفْضِيلِ فِيهَا تَابِعٌ لِشَرَفِ الذَّكَرِ، وَمَا مَيَّزَهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْأُنْثَى، وَلَمَّا كَانَتْ النِّعْمَةُ بِهِ عَلَى الْوَالِدِ أَتَمَّ، وَالسُّرُورُ وَالْفَرْحَةُ بِهِ أَكْمَلَ؛ كَانَ الشُّكْرَانُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ؛ فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَتْ النِّعْمَةُ كَانَ شُكْرُهَا أَكْثَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إعلام الموقعين عن رب العالمين – المجلد الثاني |
|||||||
31 Jul 2012, 02:46 PM | [ 3 ] | |||||||
عضوة متميزة
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
الحكمة في عدم سماع قول الكذاب وأقوى الأسباب في رد الشهادة والفتيا والرواية الكذب لأنه فساد في نفس آلة الشهادة والفتيا والرواية فهو بمثابة شهادة الأعمى على رؤية الهلال وشهادة الأصم الذي لا يسمع على إقرار المقر فإن اللسان الكذوب بمنزلة العضو الذي قد تعطل نفعه بل هو شر منه فشر ما في المرء لسان كذوب ولهذا يجعلالله سبحانه شعار الكاذب عليه يوم القيامة وشعار الكاذب على رسوله سواد وجوههم والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه ويكسوه برقعا من المقت يراه كل صادق فسيما الكاذب في وجهه ينادى عليه لمن له عينان والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة فمن رآه هابه وأحبه والكاذب يرزقه إهانة ومقتا فمن رآه مقته واحتقره وبالله التوفيق. إعلام الموقعين عن رب العالمين - الجزء الأول
|
|||||||
31 Jul 2012, 02:49 PM | [ 4 ] | |||||||
عضوة متميزة
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
من حِـكم الصوم وأما الصوم فناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين فإن النفس إذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم فإذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشيطان وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها محبة له وإيثارا لمرضاته وتقربا إليه فيدع الصائم أحب الأشياء إليه وأعظمها لصوقا بنفسه من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه فهو عبادة ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله فالصائم يدع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه وهذا معنى كون الصوم له تبارك وتعالى وبهذا فسر النبي صلى الله عليه و سلم هذه الإضافة في الحديث فقال:" يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها قال الله إلا الصوم فأنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلى "حتى أن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضى الله وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة وتقمع النفس وتحي القلب وتفرحه وتزهد في الدنيا وشهواتها وترغب فيما عند الله وتذكر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشهم فتعطف قلوبهم عليهم ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا له شكراً مفتاح دار السعادة-الجزء الثاني |
|||||||
31 Jul 2012, 03:13 PM | [ 5 ] | ||||||||
مؤسس شبكة الشدادين
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
حياك الله وبيّاك أختي الفاضلة سهاد القلب وأهلاً بك وبطيب حضورك وطيب مشاركاتك ورحم الله شيخنا الفضيل ابن القيم |
||||||||
31 Jul 2012, 07:39 PM | [ 6 ] | |||||||
عضوة متميزة
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
جزاك الله خير الجزاء وجعله في ميزان حسناتك |
|||||||
31 Jul 2012, 07:54 PM | [ 7 ] | ||||||||
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
جميل مآقمتي بـ تقديمه لنآ من ـآبدـآع كنت وـلآزلتي مبدعه كمآ عهدنآكـ وـآلفنآكـ بروعه ذوقكـ وـآنتقآئكـ لموـآضيع مميزهـ كمثل هذـآ ـآلطرح ـآلرـآئع بآقت من ـآلورد لروحكـ ـآلطآهرهـ |
||||||||
01 Aug 2012, 02:30 PM | [ 8 ] | |||||||||||||||||||||||||||
عضوة متميزة
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
حياك الرحمن وجزاك الله خيراا لحضورك الطيب بارك الله فيك تحياتي وتقديري |
|||||||||||||||||||||||||||
01 Aug 2012, 02:31 PM | [ 9 ] | |||||||||||||||||||||||||||
عضوة متميزة
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
تحياتي |
|||||||||||||||||||||||||||
01 Aug 2012, 02:33 PM | [ 10 ] | |||||||||||||||||||||||||||
عضوة متميزة
|
رد: مختارات من كتب ابن القيم..
حياك الرحمن عزيزتي اشكرك جزيلاا لحضورك المميز تحياتي |
|||||||||||||||||||||||||||