..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


آخر 10 مشاركات اسباب بحة الصوت    <->    Momyz ما الفرق بين الهيروين والكوكايين والأفيون وما مخاطرهم الصحية؟    <->    الكبد مع الخضروات    <->    المرأة الفقيره والرجل المريض    <->    زهرة رحب بالصعوبات إن جاءتك    <->    مفروم دجاج وخضار وجبن موزاريلا    <->    زهرة صينية شرايح بطاطس بالمفروم    <->    وردة تكساس فرايز    <->    وردة محشي بطاطس    <->    وردة شوربة اش رشته الايرانية    <->   
مختارات   خلقت النار لإذابة القلوب القاسية   
مواضيع ننصح بقراءتها مجموعة الوان للاعضاء وقله من البال ماغيب ولامره2024
العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 20 Feb 2012, 03:32 AM [ 31 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Jun 2011
رقم العضوية : 40992
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 496
الردود : 7353
مجموع المشاركات : 7,849
معدل التقييم : 225الغزال الشارد has a spectacular aura aboutالغزال الشارد has a spectacular aura aboutالغزال الشارد has a spectacular aura about

الغزال الشارد غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
المشرفة المميزة

المشرفة المتميزة

القسم المميز

العضو المميز

الحضور المميز


رد: ملحمة ( ممو زين ) من روائع الأدب


تـــتــــمـــة الـــ ج ـــــزء ((23))

اللقاء الأخير




ساءت الحال بزين في تلك الليلة
أكثر من ذي قبل بكثير ،
فقد كان لتلك الغشية الطويلة التي انتابتها ،
وتلك الدفقة الكبيرة من الدماء التي
اندفعت من صدرها أثر كبير في إبادة بقية
ما تحتفظ به في جسمها من طاقة واحتمال .
ولكنها على الرغم من ذلك تحاملت
على نفسها عندما سمعت من الأمير
الإذن بإطلاق سراح ممو
والأمر لمن حوله بالذهاب إليه
وبالإسراع بإخراجه .
فقامت ، فتزينت ، وأصلحت من شأنها ،
ثم امتطت جواد وخرجت مع ذلك الجمع ،
يؤمون في تلك الليلة سجن ممو ...
وكان فيهم اختها ستي ،
وبعض من الاهل والأقربين ،
وبعض خدم القصر وفتياته ،
وقد حمل الجميع في أيديهم
شموعا لتنير لهم الطريق .
وانتهو إلى باب السجن المغلق ..
وبادر الحارس الخاص ففتح لهم الباب ..
وهناك تأخرت عنهم زين لكي
لا يفاجأ ممو برؤيتها ،
بينما أخذ الباقون يدخلون ،
الواحد تلو الآخر في وجوم ورهبة ..
إلى أن وصلوا إلى الدرج
الذي يهبط إلى مقر ممو ، فنزلوا فيه .
والشموع بأيديهم تبدد من حولهم الظلام ،
وقد ساد الصمت والرهبة ،
فلا يسمع إلا وقع الأقدام
المتلاحقة على ذلك الدرج .
ثم انتهوا إلى مكان ممو ،
وقد بدا كالكهف الأصم ساكنا
خاشعا تموج الوحشة في
سائر جهاته وأطرافه .
وراحت أعينهم تجول في المكان ..
وإذ بممو ملقى فوق بساط رث
مهلهل ظهر أنه قد اتخذه مصلاة له ،
لا يترائى فيه أي أثر لإحساس أو روح ،
وقد رق كل شيء منه حتى العظم ،
وانطوت منه الملامح والهيئة
التي كانوا يعرفونها ،
وعاد كتلة من عظام رقيقة بارزة ،
في غشاء من الجلد المتغضن !
والتفوا يسألون حارسه الخاص
عن شأنه فأجاب بأنه رآه على
هذه الحالة منذ الصباح الباكر
عندما أتاه بطعام الإفطار
ولم يستطع أن يعرف لذلك سببا سوى
أن بعض من في جواره من المسجونين
حدثوه بأنهم شعروا قبل
ذلك بأحوال غريبة من حوله ،
ولمحوا ضياء كبيرا يسطع
من زنزانته قبيل الفجر ..!
ولم يفدهم أي شيء من المحايلة
وأنواع المنبهات والعلاج في بعثه
من تلك الرقدة التي لم يكونوا
ليعرفوا أهي إغماءة قد انتابته أم
هي الرقدة الأخيرة والموت .
وحينئذ جاءت زين فتقدمت نحوه ،
جاءت لتقف أمامه وتحدثه ..
ولكنها لم تتمالك ذلك إذ رأته ،
وسرعان ما ارتمت عليه ،
وراحت تهتف باسمه في جزع شديد ،
ويبلل وجهه بدموعها الغزيرة .
هناك .. دب الشعور إلى ممو ،
وتفتحت عيناه ، وأخذتا تطوفان
بالحاضرين في حركة باردة بطيئة ..
تدل دلالة واضحة على أن الوقت قد فات ..
وانكمش جسمه ،
وراح يحاول الجلوس ..
ثم استدار نحو القبلة دون أن يكلم أحدا ،
وهوى ساجدا ..!
بينما أخذ الجميع ينظرون إليه واجمين ،
في حزن وألم .
وبعد فينة رفع رأسه ..
واستدار بوجهه نحو زين ينظر
إليها في ذهول وصمت ..
وفجأة ..
دب شيء من الأمل في نفوس
الحاضرين فقد أخذ يتكلم ..!
قال لزين بصوت خافت متقطع ،
وعيناه تزيغان في وجهها :
’’ لقد كنتِ لي نعم الدليل ‘‘
فأجابت : ’’ لقد كنتَ لي نعم الخليل ..‘‘
فقال : ’’ أنتِ نعم السبيل إلى ربّي ..‘‘
فأجابت : ’’ أنتَ نعم السراج لروحي ..‘‘
فقال : ’’ أنتِ نور فؤادي ..‘‘
فأجابت : ’’ أنتَ إنسان عيني ...‘‘
فقال : ’’ أنتِ سلطان روحي ..‘‘
فأجابت : ’’ أنت قبلة نفسي ..‘‘
وهنا انتبه أولئك الذين يسمعون

منهما هذه المناجاة إلى أن ممو
لم يعد يملك وعيه ،
وأنه أخذ يغيب عن نفسه ،
فدنت منه ستي وقاطعتهما قائلة :
’’ لقد جئناك يا ممو لننقذك من
هذا الذي أنت فيه ،
لا لكي تتكادى في ذهولك وجنونك ّ
إن الأمير الذي كان قد غضب
عليك داخلته اليوم رحمة من أجلك ،
وقد أرسلنا لإخراجك وتحقيق مرادنا .
إن زينا التي جننت بها قد سعت إليك
وها هي ذي واقفة أمامك كما تشتهي وتريد .
إن الأمنية التي طالما تأملتها
وغبرت شبابك في الحنين
إليها قد أقبلت إليك ،
إن الناس كلهم اليوم في فرح
من أجلك ينتظرون خروجك
إليهم ليستقبلوك ويهنئوك .
فقم .. قم يا ممو لا يغلبنك
هذا الهوى فتجن فيه ،
لا يصرعنك ، من غير داع ،
أمواج هذا الشوق فتغرق في عبابه .
لا تذهب بقية عمرك في هذا الجنون بددا .
لا تبع روحك اليوم رخيصة وقد تدانت إليها سعادتها .
أعد إليك رشدك الذي طال معه خصامك ،
وانفض عن رأسك هذا الجنون
الذي طال بك تشبثه .
قم لنذهب معا إلى الأمير ..
فستراه اليوم ذا كرم و أفضال ،
لقد هيأ من أجلك أسباب المسرة والأفراح ،
وجمع لك الأحبة والأصحاب ،
ولقد مذَ لك في قصره بساط السعادة
في انتظار قدومك ليهنئك بزين ،
وليقيم لأفراحكما الليالي والأعراس ..‘‘
ففتح عينيه قليلا وكأنما
عاد إليه شيء من صوابه ،
وراح يميل رأسه يمنة ويسرى قائلا :
’’ لا .. أنا لا أذهب إلى أي أمير ،
أنا لا أقف بباب اي حاكم أو وزير ،
أنا لا أكون غلاما لأي عبد أو أسير .
من هو هذا الأمير الذي لا يملك حياته ،
ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه الفناء ،
أو أن يضمن لعرشه البقاء ؟!
أنا لا تغرني الشعبذة الكاذبة ،
ولا يبهرني بريق الخيال الفاني .
لقد انطلقنا إلى باب مولى السادة والعبيد ،
واستقبلتنا رحاب سلطان الحكام والأمراء ،
إنه السلطان الذي لا يفرق
عدله بين غني وفقير وأمير وحقير .
إنه مولى القلوب الكسيرة وولي النفوس الحزينة .
لقد عقد هو بيننا بيمين لطفه ،
وأقام أفراحنا في رحاب قدسه .
فمعاذ الله أن نهبط اليوم إلى أكواخ الفناء ،
أو نولي وجهنا شطر العبيد والأمراء ،
معاذ الله أن نقيم عرسنا إلا في
تلك الرحاب التي تنتظرنا ،
وحاشا أن يجمعنا إلا مولى
قلوبنا وخالق أرواحنا .
ها هو ذا ...
لقد زين من أجلنا جنان روضاته ،
وجمع لنا في جنباتها قدومنا ،
ويستعدون للقائنا .
إن هنالك الميعاد الأكبر لنا في
ظل رحمته رحيق حبنا ،
وسيسعدنا إذ ذاك مجتمعين برؤية وجهه ..
سينسيينا ما ذاقناه من أوصاب
هذه الدنيا وآلامها ،
وسيمسح عن وجهينا قتام
الدموع والزفرات ،
وسيجبر كسرنا ، ويمحو بؤسنا .
واشوقاه واشوقاه
يا مولاي إلى اليوم الموعود ...‘‘
وهنا سكت وأغمض عينيه .
وكما يسرع فيطير من قفصه
ذلك الطائر الأهوج الصغير الذي
لا يفتأ مضطربا يترامى بجناحيه في جنباته ،
إذ تمتد نحو بابه المغلق فتفتحه
- أسرعت تلك الروح مغادرة ذلك القفص
العظمي الذي طالما ظلت معذبة فيه
وانطلقت تعلو إلى عليائها ..
وكأن لم يكن شيء .
فإنقلبت تلك الزنزانة إلى مأتم
يتعالى فيه النحاب والعويل
وارتمت زين على أرض ذلك
المكان وقد خار كل قواها .
وذهب الخبر في الساعة نفسها
ينتشر في الجزيرة عن طريق
بعض الحراس الذين أسرعوا
ليخبروا الأمير ،
قالوا فلم تبق دار إلا وانتشر
فيها الحزن والكرب .
وسهرت الجزيرة تلك الليلة
بعين دامعة قريحة .
وأسرع تاج الدين فخرج من داره
ثائرا كالمجنون يتخبط مستعجلا
قاصدا السجن الذي يضم خليله .
وفي الطريق لمحت عيناه
’’ بكرا ‘‘
واقفا بين جمع من الناس
على مقربة من القصر .
فارتمى إليه كالسهم ،
ولببه من خناقه بجمع يده ،
وأخذ يصعق فيه والحنق مكتظ في وجهه ،
وعيناه ترسلان إليه
نظرات كالجمر ، قائلا :
’’ أيها الإبليس المزور في لباس إنسان ،
أيها الثعبان الذي لم ينفث حلقه
إلا نار الفتنة والدمار .
وقفت أصلب باب مغلق بين
هذين المسكينين البريئين ،
عشت أبلغ كيّ فوق جراحهما الداميين ،
حرمت قلبيهما من نصيب هنائهما
في الدنيا وحرمتني من
إنسان عيني الذي ألفه البصر وفؤادي !
أيها الكلب العقور ،
ما وقوفك اليوم على ظهر
الأرض بعد أن غيبت
خليلي في باطنها ؟! ‘‘
ثم رفعه بكلتا يديه ،
فلوح به من فوق رأسه ،
ثم طوح به في الأرض ،
فارتطم بها دماغه .
فكانت القاضية ..
وتركه ملقى هناك .
وأخذ يتابع طريقه إلى أن
وصل السجن حيث راح مندفعا
في ثورة جامحة يخترق
زحام الناس واجتماعهم ،
دون أن ينظر في وجه أحد ،
إلى أن انتهى إلى جثمان صديقه الذي
كان مسجى في مكانه كما هو ،
فألقى عنه الغطاء وارتمى عليه كطفل
صغير إذ يهوي في أحضان أمه ..
أمه التي لم يعد فيها لأي إحساس أو حياة .
فبكى ما وسع عينيه البكاء !
وانتحب ما استطاع حلقه النحيب ..
ثم عاد وقد ازدادت ثورة أعصابه ،
وتألقت عيناه في احمرار مرعب ...
وأخذ يرمي كل شيء من حوله
بنظرات ثائرة ويتخيل كل
من يراه تلقاءه سببا في هلاك ممو وموته .
والتفت إلى الحراس الذين
كانول واقفين من حوله يصعق فيهم ،
قائلا ،
وقد وقف في بابا الزنزانة
والشرر يتطاير من عينيه ...
’’ أقتلتموه أيها الأوغاد ...؟
قتلتموه ، أليس كذلك .
ولكن .. ولكني سوف أنتقم ..
سأنتقم منكم أيها الأنذال ..
سأهدم اليوم هذا السجن ..
سأقوض أركانه ،
وأجعله قبرا لذلك الأمير الذي بناه .
أين أنت أيها الأمير ..؟
بل أين أنت أيها الجبان الذي
خدعتني وقتلت خليلي .
تعال لأنتقم منك ،
لا بل سآتي أليك في قصرك
لأجندلك منه صريعا ! ‘‘
وما لبثت هذه الكلمات النارية
من الهذيان أن أحالت أمره
إلى ما يشبه الجنون ،
وراحت يده تمتدان إلى محاولة
إهلاك كل من يراه أمام عينيه
ممن يتخيل إليه أنه قاتل صديقه ممو ،
لولا أن الأمير بلغه ذلك فأمر
بتقييده وحبسه في مكام
ما إلى اليوم التالي .
وهكذا مرت تلك الليلة على
أهل الجزيرة في جزع شديد وحزن أليم .
بينما ظل تاج الدين ساهرا في السجن
إلى جوار صديقه الراحل
يقطع الحزن والبكاء فؤاده .
أما زين فقد استطحبتها ستي
إلى دارها وقد خار كل قواها وتحملها ،
حيث سهرت مع جمع من الأهل
من حولها يواسونها
ويرأفون بقلبها إلى الصباح .





يـــــتـــــبـــــ ع


توقيع : الغزال الشارد


هكذا هي العلاقة بين شخصين سواء كانا صديقين أم حبيبين
كلما أشتعلت نيران طريقهم ذابت شموع تماسكهم
حتى تتلاشى فيفترقوا ..

الأعلى رد مع اقتباس
قديم 20 Feb 2012, 03:33 AM [ 32 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Jun 2011
رقم العضوية : 40992
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 496
الردود : 7353
مجموع المشاركات : 7,849
معدل التقييم : 225الغزال الشارد has a spectacular aura aboutالغزال الشارد has a spectacular aura aboutالغزال الشارد has a spectacular aura about

الغزال الشارد غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
المشرفة المميزة

المشرفة المتميزة

القسم المميز

العضو المميز

الحضور المميز


رد: ملحمة ( ممو زين ) من روائع الأدب


تـــتــــمـــة الـــ ج ـــــزء ((24))


النِّهاية


أشرقت شمس اليوم التالي على جزيرة بوطان ،
وقد عمها قتام من الحزن والكرب ،
ودب سائر نواحيها وأسواقها الوجوم
والكمد وكأنما تقلصت أشعتها فلم تعد تستطيع
أن تبعث في جهاتها الرونق والبهاء الكاملين .
حتى ذلك القصر المتألق الذي كان يصافح
بهاؤه الشمس أول ما تبرز ،
لقد سطعت عليه في ذلك اليوم وهو كامد ،
يذري دموعا غزيرة علّها تطفئ نار
ندمه وحسرته ولكن دون جدوى .
وبعد قليل كانت قد امتلأت الطريق
التي بين المقبرة ودار ممو بمعظم أهل الجزيرة
من نساء ورجال وولدان لتوديعهم
قيدهم البائس وتشييع جنازته .
وكان موكبا غاية في الامتداد والضخامة ،
تماما كذلك الموكب العظيم الذي امتد
في أسواق الجزيرة يوم عرس تاج الدين ،
ولكنه اليوم موكب أغبر قاتم لا تجد فيه بسمه أو فرحة عين .
إنما هو الدموع والبكاء الذي لا ينقطع ،
والعويل والصراخ الذي يتعالى من
سائر أطراف الأسواق ونوافذ البيوت .
وانتهى الموكب إلى المقبرة ،
وكانت في رابية كبيرة من الروابي التي تحيط بالبلدة .
فانبسطت فوقها الجموع من الناس ،
وغطاهم سوادهم الكثيف .
وازداد هنالك شعورهم بمعنى الموت والفناء
وأخذت تلوح لأعينهم الحقيقة الراهبة الجاثمة
من وراء خداع هذا الدهر وأوهامه ،
وامتزج ذلك الشعور منهم بالحزن الذي
كان قد استولى على افئدتهم للنهاية
التي لاقاها ممو بعد كل عذاه وحرمانه ،
فقامت فوق تلك الرابية مناحة رهيبة عمت
الرجال والنساء وانجرف في تيارها الكبار والصغار .
وظهرت زين بين تلك الحشود بقامتها
الفارعة ووجهها البادي لأول مرة وانطلقت
مندفعة في ثورة كالجنون نحو الحفرة التي وري فيها
ممو وأخذو يهيلون فيها التراب .
ولكن بعض ذويها عرقل عليها عجلتها
وسيرتهل خشية أن تلقي بنفسها هناك أو
يحدث لها أي أمر فوصلت إليها وقد
طمها التراب وسوي من فوق القبر ،
فانهارت عندئذ قواها وارتمت فوق
ذلك الجدث تسكب دموعها فوق ترابه
وتحدث من فيه قائلة :
’’ أيها المالك لجسمي وروحي ..
أيها الراحل ...!
يا من تركت بستانك ومضيت ..
هاهو ذا بستانك ، وقد أينع وأثمر ،
باقيا من غير راع وصاحب .
فقل لي من ذا يجينيه اليوم
من بعدك ويجوب فيه ..؟
وما بقاء ثمره ونضرته بعد أن غادرته
ونفضت يديك منه ؟
صحيح أن منظره بديع ، وظله وارف وجميل ،
وثماره شهية يانعة ،
ولكنها اليوم والله حرام لغير وجهك .
لن أدع غير ريح الردى تجوب في خلاله ،
ولن أترك سوى يد الهلاك
والتلف تعصف بثماره ،
سأهز جذع هذه النخلة فليتساقط
جناها على الأرض ،
وسأبدد ثمار هذه الأغصان والكروم
فلتذر في مهب الرياح ،
سأقوض جذوع هذه الأشجار
النضرة وأفتت أوراق هذه الورود العطرة .
هاتان العينان اللتان أعجبك
سحرهما وجمالهما ،
سأطفئ اليوم منهما هذا السحر والجمال .
هذا القوام الذي أسكرك حسنه واعتداله
سأحطم اليوم فيه هذا الحسن والاعتدال
وسأريق الخمر التي كانت تعربد وتسكر .
هذه الوجنات والشفاه ،
هذه الأصداغ والشعور ،
سأمحق من كل ذلك الفتنة التي سلبتك ،
سأذرو على جميعه التراب والرماد ،
وسأمرغه بالضنى والسواد !
فلقد كان جميعه نذرا لعينيك ووقفا لبصرك .
أما وقد أغمضت عينيك ،
فلن ؟أدع أي عين أخرى ترمقه وتتمتع به .
ولكن ...
ولكن لا ...!
إن هذا تدخل فيما ليس من ملكي وشأني ...
إنني أخشى أن تعتب علي في تصرفي بملكي
الذي ائتمنتني عليه وأنك تحب
استلام أمانتك كما عرفتها وملكتها ...
أولى بي إذاً أن أطوي هذا البساط كما هو ،
وأن أسلمك الأمانة كما تركتها
وأن أقوض إليك جسمي بكل زينته ورونقه ...‘‘
ثم انكبت على القبر تعانقه وتتمرغ بترابه ،
فأسرع إليها القوم الذين من
حولها لينهضوا بها ويواسوا حزنها ...
ولكن أيديهم لم تقع إلا على جثة
باردة جف منها آخر قطرة من الحياة ...!
هنالك عادت أصوات العويل والنحيب
مرتفعة من جديد ، وطار الجزع والكرب
بفؤاد الحاضرين كلهم ،
وألقى الأمير نفسه على جثمانها
وقد عدم وعيه ورشده ،
يسترحم الأقدار أن تتراجع ولكن
الأقدار لا ترحم ولا تجيب ولا تعود ...!
ثم إنهم جهزوها وشيعوها كما أوصت وأرادت ،
وعادوا ففتحوا قبر ممو . وجاء الأمير
يحمل أخته وعيناه تذرفان ،
فنزل إلى القبر ومدها إلى جواره قائلا :
’’ خذ حبيبتك يا ممو التي حجبتُها عنك حيا ،
ولتسامحني في قسوتي عليك في الدنيا ،
وفي جنايتي الكبرى على قلبك ،
فلقد عاقبتني الأقدار بأكثر مما تريد ...
لقد عاقبتني بأبلغ كيّ من الندم
في قلبي لن يندمل ما بقيت حيا ..‘‘
وهكذا حكم الدهر ألا يجتمع ذانك الحبيبان
إلا في ظلمات تلك الحفرة ..
وأن يتوارى أخيرا ذانك
الكوكبان في برج واحد .
أما بكر فالغريب أنه دفن هو الآخر
قريبا منهما بل عند قدميهما مباشرة !
قالوا والسبب في ذلك ،
وفي أن يلازمهما حتى فيما بعد الممات أيضا ،
هو أن زينا حينما سمعت بنبأ قتل تاج الدين
له اغتمّت لذلك وتألمت ألما شديدا .
وقالت إنه لم يكن سيتحق شيئا من العقاب ،
ولكن الأقدار هي التي سخرته لهما
ليصفو حبهما هذا الصفاء الروحي ،
ولتسمو نفس كل منهما إلى
ما فوق مظاهر المادة وبرجها .
ثم أوصت بأن يدفن قريبا منهما
قائلة :
إنه سيكون حاجبا مخلصا لنا في دارنا الآخرى ...!
وهذان القبران معروفان في
جزيرة بوطان إلى اليوم ،
يستطيع كل من أراد أن يشاهدهما ...
والعجيب أن قبر ممو وزين يظل محاطا
بسور من ظلال الأشجار والورود ،
أما قبر بكر فلا تكاد تبارحه
الأشواك التي تعلوه في غزارة .




يـــــتـــــبـــــ ع



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 20 Feb 2012, 03:35 AM [ 33 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Jun 2011
رقم العضوية : 40992
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 496
الردود : 7353
مجموع المشاركات : 7,849
معدل التقييم : 225الغزال الشارد has a spectacular aura aboutالغزال الشارد has a spectacular aura aboutالغزال الشارد has a spectacular aura about

الغزال الشارد غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 5
المشرفة المميزة

المشرفة المتميزة

القسم المميز

العضو المميز

الحضور المميز


رد: ملحمة ( ممو زين ) من روائع الأدب


الـــ ج ـــــزء الأخـــيـــر ((25))

خاتمة واعتبارْ




يا رب :
أسألك بيحموم عشق المعذبين ،
وبكمال صدق العاشقين ...
أسألك بحلاوة الجمال ونشوته ،
وبعظمة الجلال ودهشته ...
أسألك بداء الهجر وعذابه ،
وبشهد الوصال ولذة شرابه ...
أسألك بلذة حي العاشقين ،
وبمرارة عداوة الرقباء والكائدين ...
أسألك بماء عيون البلابل والأطيار ،
وبالندى المتساقط على الورود والأزهار ...
أسألك بما خلّفته ممو من وجد وزفرات ،
وبما أسالته زين من دموع وحسرات ...
أسألك بكل ذلك يا مولاي
أن تزيح عن عينيّ غشاوة هذه
الظلال الفانية حتى لا أرى فوق صفحة
الدنيا إلا قوة سلطانك ،
ولكي لا أبصر في زجاجة مرآتها إلا رونق جمالك ،
ولكي أسكر بالخمر نفسها ،
لا بلون الكأس التي تترقرق فيها ...
يا رب :
لقد آمنت بقوتك وجبروتك ،
وأيقنت بنورك وبهائك .
آمنت أن هذا الكون كله جسم وأنت روحه ،
وأن هذا الوجود حقيقة أنت سرها ...
أنت حسن زينة الأحبة والعشاق ،
وإلى جمالك ميل قلوبهم وهوى أفئدتهم وأبصارهم ...
أنت خلقت في الشهد حلاوته وطعمه ،
وأنت الذي أوجدت في الدمع حرقته ولذعه ...
القلوب ...
أنت الذي ألهبتها بتأثير من عظمة جلالك ...
أشجار السرو الشاهقة ،
أنت الذي خلقت في قامتها هذه البساقة والاعتدال ...
الورود الناعمة الحمراء ،
أنت الذي أبدعت أكمامها
من بين الأشواك القاسية الدامية ...
البلابل والأطيار ،
أنت الذي ابتليت قلوبها الصغيرة
بحسن تلك الورود وجمالها ...
تلون الأزهار وخضرة الأغصان ،
أنت الذي بثثت فيما بينها روح الفتنة والجمال ...
صوت الهزار والعنادل ،
أنت الذي أكسبته معنى الطرب والانسجام ...
كَحَلُ الأهداب الناعسة ،
وسواد العيون المتألقة الباسمة ،
وتهدل الشعور والتواؤها من
حول الوجوه وفوق الأكتاف ،
كل ذلك أقل من أن يغتي هذا السحر
الذي يأخذ بالألباب لو لم تكن
قد أمددته بفيض من كنه حسنك .
عكست ،
يا مولاي ،
آيات عظمتك وسلطانك ومظاهر
حسنك وجمالك على صفحة الكون الفانية ،
وأذهلته القوالب والأشكال عن م
لاحظة السر الرهيب دون أن ينتبه
إلى حقيقة الشمس التي تسطع فيها ،
وعاش مشغوفا مفتونا بذلك الببغاء
وحديثه الآلي دون أن يلتفت إلى المصدر
الأسمى الذي يخلق هذا الكلام في شفتيه .
ومنهم من فتح عينيه ليستعيض عن الحلم
الكاذب بالحقيقة الرائعة الجاثمة بين يديه ،
وانشغل عن الصدى ليستمتع بالصوت
الذي سيري من حوله ،
واستدبر المرآة ليرى حقيقة الشمس التي تسطع أمامه ،
ثم خرّ ساجدا لإله الجمال في الكون ،
وخالق النشوة في الخمر ،
ومبدع الرائحة في العطر !


أيها الساقي :
إنني أبغى الوصول إلى سدة ذاك الجمال ..
إنني أريد كأسا من شراب ذلك القدس .
فتعال فانشلني من بن هذا القتام إلى هناك .
تعال ويحك حدثني ..
حدثني فإن غبش هذا السكر لا يزال
متدجيا أمام عيني ، ولقد كاد أن يخنقني .
حدثني ماذا ترى في هذا الكون ؟
قل لي ، أهو خيال يسري ،
أم هو حلم نحن الذين نسري فيه ...؟
ثم أنبأني إلى متى تظل عيناي معتصبتين بخمرك
وكيف لي بأن ينتفض عقلي من غشاوة
هذا الذهول بكؤوسك ؟
فلقد سأمت والله واحترقت ،
وما أحوجني إلى أن أتنفس عن هذا الحلم
الضارب أطنابه علي لأبصر بعينيّ
التي طال شوقي إلى رؤيتها والنتهاء إليها .
إنني أشعر أيها الساقي ،
من وراء هذه الأوهام والخيالات
التي من حولي بأسرار كثيرة ولكني
لا أكاد أهتدي إليها ،
وإنه ليتألق أمام عيني بين
الفينة والأخرى بريق لامع ،
يسطع من خلف هذا الضباب
ولكن لا أستطيع اختراققه للوصول إليه ،
وإنه لينتهي إلى سمعي من بين لغط
هذا الكون وضجيجه صوت من السماء
ما أروعه وأسماه ! ولكني لا أكاد من هذا الضجيج أتبينه ...
يا إلهي :
مزق أمام عيني هذه الحجب المسدلة حتى أراك ...
يا إلهي :
إقشع من حولي بصيرتي خمار هذه الدنيا
وسكرتها حتى أهتدي إلى عظمتك التي
تسير وتنفخ فيها الوجود والحياة ...
يا إلهي :
أزح من أمامي صور الجمال الخالد ..
جمال ذاتك التي أشرقت بها الدنيا وما فيها ...
يا إلهي :
لا تحرم قلبي إذ يختفي وجيبه
وتسكن دقاته من نصيب وافر من
العشق والتعلق بهذا الجمال الباقي والسر العظيم ...





النــهـــايــهـــ

كنت معكم



مع هذه القصه التي أتمنى


أن تكون قد نالت على اسستحسان


ذائقكتكم


الغزال الشارد


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

11:09 AM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com