..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الإسلامية > المنتدى الاسلامي
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
  [ 1 ]
قديم 15 Feb 2007, 03:26 PM
عضو متميز

البرنس غير متصل

تاريخ التسجيل : Sep 2005
رقم العضوية : 503
الإقامة : saudi arabia
الهواية :
المشاركات : 8,545
معدل التقييم : 25
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
مقتطفات من صحيح البخاري



‏حدثنا ‏ ‏الحميدي عبد الله بن الزبير ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏يحيى بن سعيد الأنصاري ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏محمد بن إبراهيم التيمي ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏علقمة بن وقاص الليثي ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏على المنبر ‏
‏قال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏إنما الأعمال ‏ ‏بالنيات ‏ ‏وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا ‏ ‏يصيبها ‏ ‏أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه


‏قوله : ( إنما الأعمال بالنيات ) ‏
‏كذا أورد هنا , وهو من مقابلة الجمع بالجمع , أي كل عمل بنيته . وقال الخوبي كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو الاتقاء لوعيده . ووقع في معظم الروايات بإفراد النية , ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها . بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها ; ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد للواحد الذي لا شريك له . ووقعت في صحيح ابن حبان بلفظ " الأعمال بالنيات " بحذف " إنما " وجمع الأعمال والنيات , وهي ما وقع في كتاب الشهاب للقضاعي ووصله في مسنده كذلك , وأنكره أبو موسى المديني كما نقله النووي وأقره , وهو متعقب برواية ابن حبان , بل وقع في رواية مالك عن يحيى عند البخاري في كتاب الإيمان بلفظ " الأعمال بالنية " , وكذا في العتق من رواية الثوري , وفي الهجرة من رواية حماد بن زيد , ووقع عنده في النكاح بلفظ " العمل بالنية " بإفراد كل منهما . والنية بكسر النون وتشديد التحتانية على المشهور , وفي بعض اللغات بتخفيفها . قال الكرماني قوله " إنما الأعمال بالنيات " هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين , واختلف في وجه إفادته فقيل لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق , وهو مستلزم للقصر لأن معناه كل عمل بنية فلا عمل إلا بنية , وقيل لأن إنما للحصر , وهل إفادتها له بالمنطوق أو بالمفهوم , أو تفيد الحصر بالوضع أو العرف , أو تفيده بالحقيقة أو بالمجاز ؟ ومقتضى كلام الإمام وأتباعه أنها تفيده بالمنطوق وضعا حقيقيا , بل نقله شيخنا شيخ الإسلام عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي , وعلى العكس من ذلك أهل العربية , واحتج بعضهم بأنها لو كانت للحصر لما حسن إنما قام زيد في جواب هل قام عمرو , أجيب بأنه يصح أنه يقع في مثل هذا الجواب ما قام إلا زيد وهي للحصر اتفاقا , وقيل : لو كانت للحصر لاستوى إنما قام زيد مع ما قام إلا زيد , ولا تردد في أن الثاني أقوى من الأول , وأجيب بأنه لا يلزم من هذه القوة نفي الحصر فقد يكون أحد اللفظين أقوى من الآخر مع اشتراكهما في أصل الوضع كسوف والسين , وقد وقع استعمال إنما موضع استعمال النفي والاستثناء كقوله تعالى ( إنما تجزون ما كنتم تعملون ) وكقوله : ( وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ) وقوله : ( إنما على رسولنا البلاغ المبين ) وقوله : ( ما على الرسول إلا البلاغ ) ومن شواهده قول الأعشى : ‏ ‏ولست بالأكثر منهم حصى ‏ ‏وإنما العزة للكاثر ‏ ‏يعني ما ثبتت العزة إلا لمن كان أكثر حصى . واختلفوا : هل هي بسيطة أو مركبة , فرجحوا الأول , وقد يرجح الثاني , ويجاب عما أورد عليه من قولهم إن " إن " للإثبات و " ما " للنفي فيستلزم اجتماع المتضادين على صدد واحد بأن يقال مثلا : أصلهما كان للإثبات والنفي , لكنهما بعد التركيب لم يبقيا على أصلهما بل أفادا شيئا آخر , أشار إلى ذلك الكرماني قال : وأما قول من قال إفادة هذا السياق للحصر من جهة أن فيه تأكيدا بعد تأكيد وهو المستفاد من إنما ومن الجمع , فتعقب بأنه من باب إيهام العكس ; لأن قائله لما رأى أن الحصر فيه تأكيد على تأكيد ظن أن كل ما وقع كذلك يفيد الحصر . وقال ابن دقيق العيد : استدل على إفادة إنما للحصر بأن ابن عباس استدل على أن الربا لا يكون إلا في النسيئة بحديث " إنما الربا في النسيئة " , وعارضه جماعة من الصحابة في الحكم ولم يخالفوه في فهمه فكان كالاتفاق منهم على أنها تفيد الحصر . وتعقب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة بذلك تنزلا . وأما من قال : يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله " لا ربا إلا في النسيئة " لورود ذلك في بعض طرق الحديث المذكور , فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر , بل يقويه ويشعر بأن مفاد الصيغتين عندهم واحد , وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه . وأوضح من هذا حديث " إنما الماء من الماء " فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه , وإنما عارضهم في الحكم من أدلة أخرى كحديث " إذا التقى الختانان " وقال ابن عطية : إنما لفظ لا يفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع , ويصلح مع ذلك للحصر إن دخل في قصة ساعدت عليه , فجعل وروده للحصر مجازا يحتاج إلى قرينة , وكلام غيره على العكس من ذلك وأن أصل ورودها للحصر , لكن قد يكون في شيء مخصوص كقوله تعالى ( إنما الله إله واحد ) فإنه سيق باعتبار منكري الوحدانية , وإلا فلله سبحانه صفات أخرى كالعلم والقدرة , وكقوله تعالى ( إنما أنت منذر ) فإنه سيق باعتبار منكري الرسالة , وإلا فله صلى الله عليه وسلم صفات أخرى كالبشارة , إلى غير ذلك من الأمثلة . وهي - فيما يقال - السبب في قول من منع إفادتها للحصر مطلقا . ‏
‏( تكميل ) : ‏
‏الأعمال تقتضي عاملين , والتقدير : الأعمال الصادرة من المكلفين , وعلى هذا هل تخرج أعمال الكفار ؟ الظاهر الإخراج ; لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبا بها معاقبا على تركها ولا يرد العتق والصدقة لأنهما بدليل آخر . ‏
‏قوله : ( بالنيات ) الباء للمصاحبة , ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في إيجاده , وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله . قال النووي : النية القصد , وهي عزيمة القلب . وتعقبه الكرماني بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد . واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط ؟ والمرجح أن إيجادها ذكرا في أول العمل ركن , واستصحابها حكما بمعنى أن لا يأتي بمناف شرعا شرط . ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور , فقيل تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر . قال الطيبي : كلام الشارع محمول على بيان الشرع ; لأن المخاطبين بذلك هم أهل اللسان , فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قبل الشارع , فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي . وقال البيضاوي : النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا , والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه . والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر , فإنه تفصيل لما أجمل , والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية , إذ التقدير : لا عمل إلا بالنية , فليس المراد نفي ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية , بل المراد نفي أحكامها كالصحة والكمال , لكن الحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ; ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع , فلما منع الدليل نفي الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة . وقال شيخنا شيخ الإسلام : الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية , لقوله في الحديث " فمن كانت هجرته " إلى آخره . وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقا من اسم فاعل أو فعل . ثم لفظ العمل يتناول فعل الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال . قال ابن دقيق العيد : وأخرج بعضهم الأقوال وهو بعيد , ولا تردد عندي في أن الحديث يتناولها . وأما التروك فهي وإن كانت فعل كف لكن لا يطلق عليها لفظ العمل . وقد تعقب على من يسمي القول عملا لكونه عمل اللسان , بأن من حلف لا يعمل عملا فقال قولا لا يحنث . وأجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف , والقول لا يسمى عملا في العرف ولهذا يعطف عليه . والتحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل مجازا , وكذا الفعل , لقوله تعالى ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) بعد قوله : ( زخرف القول ) . وأما عمل القلب كالنية فلا يتناولها الحديث لئلا يلزم التسلسل , والمعرفة : وفي تناولها نظر , قال بعضهم : هو محال لأن النية قصد المنوي , وإنما يقصد المرء ما يعرف فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة . وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني بما حاصله : إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم , وإن كان المراد النظر في الدليل فلا ; لأن كل ذي عقل يشعر مثلا بأن له من يدبره , فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه لم تكن النية حينئذ محالا . وقال ابن دقيق العيد : الذين اشترطوا النية قدروا صحة الأعمال , والذين لم يشترطوها قدروا كمال الأعمال , ورجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال فالحمل عليها أولى . وفي هذا الكلام إيهام أن بعض العلماء لا يرى باشتراط النية , وليس الخلاف بينهم في ذلك إلا في الوسائل , وأما المقاصد فلا اختلاف بينهم في اشتراط النية لها , ومن ثم خالف الحنفية في اشتراطها للوضوء , وخالف الأوزاعي في اشتراطها في التيمم أيضا . نعم بين العلماء اختلاف في اقتران النية بأول العمل كما هو معروف في مبسوطات الفقه . ‏
‏( تكميل ) : ‏
‏الظاهر أن الألف واللام في النيات معاقبة للضمير , والتقدير الأعمال بنياتها , وعلى هذا فيدل على اعتبار نية العمل من كونه مثلا صلاة أو غيرها , ومن كونها فرضا أو نفلا , ظهرا مثلا أو عصرا , مقصورة أو غير مقصورة وهل يحتاج في مثل هذا إلى تعيين العدد ؟ فيه بحث . والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لا تنفك عن العدد المعين , كالمسافر مثلا ليس له أن يقصر إلا بنية القصر , لكن لا يحتاج إلى نية ركعتين لأن ذلك هو مقتضى القصر والله


رد مع اقتباس
قديم 15 Feb 2007, 03:27 PM [ 2 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Sep 2005
رقم العضوية : 503
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 220
الردود : 8325
مجموع المشاركات : 8,545
معدل التقييم : 25البرنس is on a distinguished road

البرنس غير متصل




‏قوله : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) ‏
‏قال القرطبي : فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال , فجنح إلى أنها مؤكدة , وقال غيره : بل تفيد غير ما أفادته الأولى ; لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها , فيترتب الحكم على ذلك , والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه وقال ابن دقيق العيد : الجملة الثانية تقتضي أن من نوى شيئا يحصل له - يعني إذا عمله بشرائطه - أو حال دون عمله له ما يعذر شرعا بعدم عمله وكل ما لم ينوه لم يحصل له . ومراده بقوله " ما لم ينوه " أي لا خصوصا ولا عموما , أما إذا لم ينو شيئا مخصوصا لكن كانت هناك نية عامة تشمله فهذا مما اختلفت فيه أنظار العلماء . ويتخرج عليه من المسائل ما لا يحصى . وقد يحصل غير المنوي لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها ; لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل , وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة فإنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح ; لأن غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيم فلا بد فيه من القصد إليه , بخلاف تحية المسجد والله أعلم . وقال النووي : أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوي كمن عليه صلاة فائتة لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط حتى يعينها ظهرا مثلا أو عصرا , ولا يخفى أن محله ما إذا لم تنحصر الفائتة . وقال ابن السمعاني في أماليه : أفادت أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربة , كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة . وقال غيره : أفادت أن النيابة لا تدخل في النية , فإن ذلك هو الأصل , فلا يرد مثل نية الولي عن الصبي ونظائره فإنها على خلاف الأصل . وقال ابن عبد السلام : الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال , والثانية لبيان ما يترتب عليها . وأفاد أن النية إنما تشترط في العبادة التي لا تتميز بنفسها , وأما ما يتميز بنفسه فإنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالأذكار والأدعية والتلاوة لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة . ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع , أما ما حدث فيه عرف كالتسبيح للتعجب فلا , ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان أكثر ثوابا , ومن ثم قال الغزالي : حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصل الثواب ; لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة , بل هو خير من السكوت مطلقا , أي المجرد عن التفكر . قال : وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب انتهى . ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم " في بضع أحدكم صدقة " ثم قال في الجواب عن قولهم " أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر ؟ " : " أرأيت لو وضعها في حرام " . وأورد على إطلاق الغزالي أنه يلزم منه أن المرء يثاب على فعل مباح لأنه خير من فعل الحرام , وليس ذلك مراده . وخص من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة فإنه لا يحتاج إلى نية تخصه كتحية المسجد كما تقدم , وكمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر إلا بعد مدة العدة فإن عدتها تنقضي ; لأن المقصود حصول براءة الرحم وقد وجدت , ومن ثم لم يحتج المتروك إلى نية . ونازع الكرماني في إطلاق الشيخ محيي الدين كون المتروك لا يحتاج إلى نية بأن الترك فعل وهو كف النفس , وبأن التروك إذا أريد بها تحصيل الثواب بامتثال أمر الشارع فلا بد فيها من قصد الترك , وتعقب بأن قوله " الترك فعل " مختلف فيه , ومن حق المستدل على المانع أن يأتي بأمر متفق عليه . وأما استدلاله الثاني فلا يطابق المورد ; لأن المبحوث فيه هل تلزم النية في التروك بحيث يقع العقاب بتركها ؟ والذي أورده هل يحصل الثواب بدونها ؟ والتفاوت بين المقامين ظاهر . والتحقيق أن الترك المجرد لا ثواب فيه , وإنما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس , فمن لم تخطر المعصية بباله أصلا ليس كمن خطرت فكف نفسه عنها خوفا من الله تعالى , فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه , لا الترك المجرد . والله أعلم . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏قال الكرماني : إذا قلنا إن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد القصر ففي قوله " وإنما لكل امرئ ما نوى " نوعان من الحصر : قصر المسند على المسند إليه إذ المراد إنما لكل امرئ ما نواه , والتقديم المذكور . ‏

‏قوله : ( فمن كانت هجرته إلى دنيا ) ‏
‏كذا وقع في جميع الأصول التي اتصلت لنا عن البخاري بحذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله إلخ " قال الخطابي : وقع هذا الحديث في روايتنا وجميع نسخ أصحابنا مخروما قد ذهب شطره , ولست أدري كيف وقع هذا الإغفال , ومن جهة من عرض من رواته ؟ فقد ذكره البخاري من غير طريق الحميدي مستوفى , وقد رواه لنا الأثبات من طريق الحميدي تاما , ونقل ابن التين كلام الخطابي مختصرا وفهم من قوله مخروما أنه قد يريد أن في السند انقطاعا فقال من قبل نفسه لأن البخاري لم يلق الحميدي , وهو مما يتعجب من إطلاقه مع قول البخاري " حدثنا الحميدي " وتكرار ذلك منه في هذا الكتاب , وجزم كل من ترجمه بأن الحميدي من شيوخه في الفقه والحديث , وقال ابن العربي في مشيخته : لا عذر للبخاري في إسقاطه لأن الحميدي شيخه فيه قد رواه في مسنده على التمام . قال : وذكر قوم أنه لعله استملاه من حفظ الحميدي فحدثه هكذا فحدث عنه كما سمع أو حدثه به تاما فسقط من حفظ البخاري . قال : وهو أمر مستبعد جدا عند من اطلع على أحوال القوم . وقال الداودي الشارح : الإسقاط فيه من البخاري فوجوده في رواية شيخه وشيخ شيخه يدل على ذلك انتهى . وقد رويناه من طريق بشر بن موسى وأبي إسماعيل الترمذي وغير واحد عن الحميدي تاما , وهو في مصنف قاسم بن أصبغ ومستخرجي أبي نعيم وصحيح أبي عوانة من طريق الحميدي , فإن كان الإسقاط من غير البخاري فقد يقال : لم اختار الابتداء بهذا السياق الناقص ؟ والجواب قد تقدمت الإشارة إليه , وأنه اختار الحميدي لكونه أجل مشايخه المكيين إلى آخر ما تقدم في ذلك من المناسبة , وإن كان الإسقاط منه فالجواب ما قاله أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ في أجوبة له على البخاري : إن أحسن ما يجاب به هنا أن يقال : لعل البخاري قصد أن يجعل لكتابه صدرا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من الناس من استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من التأليف , فكأنه ابتدأ كتابه بنية رد علمها إلى الله , فإن علم منه أنه أراد الدنيا أو عرض إلى شيء من معانيها فسيجزيه بنيته . ونكب عن أحد وجهي التقسيم مجانبة للتزكية التي لا يناسب ذكرها في ذلك المقام . انتهى ملخصا . وحاصله أن الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة , والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصل القربة أو لا , فلما كان المصنف كالمخبر عن حال نفسه في تصنيفه هذا بعبارة هذا الحديث حذف الجملة المشعرة بالقربة المحضة فرارا من التزكية , وبقيت الجملة المترددة المحتملة تفويضا للأمر إلى ربه المطلع على سريرته المجازي له بمقتضى نيته . ولما كانت عادة المصنفين أن يضمنوا الخطب اصطلاحهم في مذاهبهم واختياراتهم , وكان من رأي المصنف جواز اختصار الحديث والرواية بالمعنى والتدقيق في الاستنباط وإيثار الأغمض على الأجلى وترجيح الإسناد الوارد بالصيغ المصرحة بالسماع على غيره , استعمل جميع ذلك في هذا الموضع بعبارة هذا الحديث متنا وإسنادا . وقد وقع في رواية حماد بن زيد في باب الهجرة تأخر قوله " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله " عن قوله " فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها " , فيحتمل أن تكون رواية الحميدي وقعت عند البخاري كذلك فتكون الجملة المحذوفة هي الأخيرة كما جرت به عادة من يقتصر على بعض الحديث . وعلى تقدير أن لا يكون ذلك فهو مصير من البخاري إلى جواز الاختصار في الحديث ولو من أثنائه . وهذا هو الراجح , والله أعلم . وقال الكرماني في غير هذا الموضع : إن كان الحديث عند البخاري تاما لم خرمه في صدر الكتاب , مع أن الخرم مختلف في جوازه ؟ قلت : لا جزم بالخرم ; لأن المقامات مختلفة , فلعله - في مقام بيان أن الإيمان بالنية واعتقاد القلب - سمع الحديث تاما , وفي مقام أن الشروع في الأعمال إنما يصح بالنية سمع ذلك القدر الذي روي . ثم الخرم يحتمل أن يكون من بعض شيوخ البخاري لا منه , ثم إن كان منه فخرمه ثم لأن المقصود يتم بذلك المقدار . فإن قلت : فكان المناسب أن يذكر عند الخرم الشق الذي يتعلق بمقصوده , وهو أن النية ينبغي أن تكون لله ورسوله . قلت : لعله نظر إلى ما هو الغالب الكثير بين الناس . انتهى . وهو كلام من لم يطلع على شيء من أقوال من قدمت ذكره من الأئمة على هذا الحديث , ولا سيما كلام ابن العربي . وقال في موضع آخر : إن إيراد الحديث تاما تارة وغير تام تارة إنما هو اختلاف الرواة , فكل منهم قد روى ما سمعه فلا خرم من أحد , ولكن البخاري يذكرها في المواضع التي يناسب كلا منها بحسب الباب الذي يضعه ترجمة له , انتهى وكأنه لم يطلع على حديث أخرجه البخاري بسند واحد من ابتدائه إلى انتهائه فساقه في موضع تاما وفي موضع مقتصرا على بعضه , وهو كثير جدا في الجامع الصحيح , فلا يرتاب من يكون الحديث صناعته أن ذلك من تصرفه ; لأنه عرف بالاستقراء من صنيعه أنه لا يذكر الحديث الواحد في موضع على وجهين , بل إن كان له أكثر من سند على شرطه ذكره في الموضع الثاني بالسند الثاني وهكذا ما بعده , وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارة بالجزم إن كان صحيحا وتارة بغيره إن كان فيه شيء , وما ليس له إلا سند واحد يتصرف في متنه بالاقتصار على بعضه بحسب ما يتفق , ولا يوجد فيه حديث واحد مذكور بتمامه سندا ومتنا في موضعين أو أكثر إلا نادرا , فقد عني بعض من لقيته بتتبع ذلك فحصل منه نحو عشرين موضعا . ‏
‏قوله : ( هجرته ) الهجرة : الترك , والهجرة إلى الشيء : الانتقال إليه عن غيره . وفي الشرع : ترك ما نهى الله عنه . وقد وقعت في الإسلام على وجهين : الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة , الثاني الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين . وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة , إلى أن فتحت مكة فانقطع من الاختصاص , وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا . فإن قيل : الأصل تغاير الشرط والجزاء فلا يقال مثلا : من أطاع أطاع وإنما يقال مثلا : من أطاع نجا , وقد وقعا في هذا الحديث متحدين , فالجواب أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر , وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق , ومن أمثلته قوله تعالى ( ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس , كقولهم : أنت أنا . أي : الصديق الخالص , وقولهم : هم هم . أي : الذين لا يقدر قدرهم , وقول الشاعر ‏ ‏أنا أبو النجم وشعري شعري ‏ ‏, أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب . وقال ابن مالك : قد يقصد بالخبر الفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا كقول الشاعر : ‏ ‏خليلي خليلي دون ريب وربما ‏ ‏ألان امرؤ قولا فظن خليلا ‏ ‏وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط كقولك : من قصدني فقد قصدني . أي : فقد قصد من عرف بإنجاح قاصده , وقال غيره : إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم وإما في التحقير . ‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 15 Feb 2007, 03:29 PM [ 3 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Sep 2005
رقم العضوية : 503
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 220
الردود : 8325
مجموع المشاركات : 8,545
معدل التقييم : 25البرنس is on a distinguished road

البرنس غير متصل




‏قوله : ( إلى دنيا ) ‏
‏بضم الدال , وحكى ابن قتيبة كسرها , وهي فعلى من الدنو أي : القرب , سميت بذلك لسبقها للأخرى . وقيل : سميت دنيا لدنوها إلى الزوال . واختلف في حقيقتها فقيل ما على الأرض من الهواء والجو , وقيل كل المخلوقات من الجواهر والأعراض , والأولى أولى . لكن يزاد فيه مما قبل قيام الساعة , ويطلق على كل جزء منها مجازا . ثم إن لفظها مقصور غير منون , وحكي تنوينها , وعزاه ابن دحية إلى رواية أبي الهيثم الكشميهني وضعفها , وحكي عن ابن مغاور أن أبا الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرا من رواية أبي الهيثم حيث ينفرد ; لأنه لم يكن من أهل العلم . قلت : وهذا ليس على إطلاقه , فإن في رواية أبي الهيثم مواضع كثيرة أصوب من رواية غيره , كما سيأتي مبينا في مواضعه . وقال التيمي في شرحه : قوله " دنيا " هو تأنيث الأدنى ليس بمصروف , لاجتماع الوصفية ولزوم حرف التأنيث . وتعقب بأن لزوم التأنيث للألف المقصورة كاف في عدم الصرف , وأما الوصفية فقال ابن مالك : استعمال دنيا منكرا فيه إشكال ; لأنها فعل التفضيل , فكان من حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى , قال : إلا أنها خلعت عنها الوصفية أو أجريت مجرى ما لم يكن وصفا قط , ومثله قول الشاعر : ‏ ‏وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ‏ ‏يوما سراة كرام الناس فادعينا ‏ ‏وقال الكرماني : قوله " إلى " يتعلق بالهجرة إن كان لفظ كانت تامة , أو هو خبر لكانت إن كانت ناقصة . ثم أورد ما محصله : أن لفظ كان إن كان للأمر الماضي فلا يعلم ما الحكم بعد صدور هذا القول في ذلك . وأجاب بأنه يجوز أن يراد بلفظ كان الوجود من غير تقييد بزمان , أو يقاس المستقبل على الماضي , أو من جهة أن حكم المكلفين سواء . ‏

‏قوله : ( يصيبها ) ‏
‏أي يحصلها ; لأن تحصيلها كإصابة الغرض بالسهم بجامع حصول المقصود . ‏

‏قوله : ( أو امرأة ) ‏
‏قيل التنصيص عليها من الخاص بعد العام للاهتمام به . وتعقبه النووي بأن لفظ دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها . وتعقب بكونها في سياق الشرط فتعم , ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير ; لأن الافتتان بها أشد . وقد تقدم النقل عمن حكى أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس ولم نقف على تسميته . ونقل ابن دحية أن اسمها قيلة بقاف مفتوحة ثم تحتانية ساكنة , وحكى ابن بطال عن ابن سراج أن السبب في تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية , ويراعون الكفاءة في النسب , فلما جاء الإسلام سوى بين المسلمين في مناكحتهم فهاجر كثير من الناس إلى المدينة ليتزوج بها من كان لا يصل إليها قبل ذلك انتهى . ويحتاج إلى نقل ثابت أن هذا المهاجر كان مولى وكانت المرأة عربية , وليس ما نفاه عن العرب على إطلاقه بل قد زوج خلق كثير منهم جماعة من مواليهم وحلفائهم قبل الإسلام , وإطلاقه أن الإسلام أبطل الكفاءة في مقام المنع . ‏

‏قوله : ( فهجرته إلى ما هاجر إليه ) ‏
‏يحتمل أن يكون ذكره بالضمير ليتناول ما ذكر من المرأة وغيرها , وإنما أبرز الضمير في الجملة التي قبلها وهي المحذوفة لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما , بخلاف الدنيا والمرأة فإن السياق يشعر بالحث على الإعراض عنهما . وقال الكرماني : يحتمل أن يكون قوله " إلى ما هاجر إليه " متعلقا بالهجرة , فيكون الخبر محذوفا والتقدير قبيحة أو غير صحيحة مثلا , ويحتمل أن يكون خبر فهجرته والجملة خبر المبتدأ الذي هو " من كانت " انتهى . وهذا الثاني هو الراجح ; لأن الأول يقتضي أن تلك الهجرة مذمومة مطلقا , وليس كذلك , إلا إن حمل على تقدير شيء يقتضي التردد أو القصور عن الهجرة الخالصة كمن نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة , بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة , وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة , فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة لكن دون ثواب من أخلص , وكذا من طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله ; لأنه من الأمر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالإعفاف . ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلام أبي طلحة فيما رواه النسائي عن أنس قال : تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام , أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت : إني قد أسلمت , فإن أسلمت تزوجتك . فأسلم فتزوجته . وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهه وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية , أو بطوافه العبادة وملازمة الغريم . واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب أنه إن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر , أو الديني أجر بقدره , وإن تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر . وأما إذا نوى العبادة وخالطها بشيء مما يغاير الإخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء , فإن كان ابتداؤه لله خالصا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب أو غيره . والله أعلم . واستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الإقدام على العمل قبل معرفة الحكم ; لأن فيه أن العمل يكون منتفيا إذا خلا عن النية , ولا يصح نية فعل الشيء إلا بعد معرفة الحكم , وعلى أن الغافل لا تكليف عليه ; لأن القصد يستلزم العلم بالمقصود والغافل غير قاصد , وعلى أن من صام تطوعا بنية قبل الزوال أن لا يحسب له إلا من وقت النية وهو مقتضى الحديث , لكن تمسك من قال بانعطافها بدليل آخر , ونظيره حديث " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها " أي : أدرك فضيلة الجماعة أو الوقت , وذلك بالانعطاف الذي اقتضاه فضل الله تعالى , وعلى أن الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئا لا يمكن غفلتهم عنه ولم يذكره غيره أن ذلك لا يقدح في صدقه , خلافا لمن أعل بذلك ; لأن علقمة ذكر أن عمر خطب به على المنبر ثم لم يصح من جهة أحد عنه غير علقمة . واستدل بمفهومه على أن ما ليس بعمل لا تشترط النية فيه , ومن أمثلة ذلك جمع التقديم فإن الراجح من حيث النظر أنه لا يشترط له نية , بخلاف ما رجحه كثير من الشافعية وخالفهم شيخنا شيخ الإسلام وقال : الجمع ليس بعمل , وإنما العمل الصلاة . ويقوي ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمع في غزوة تبوك ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه , ولو كان شرطا لأعلمهم به , واستدل به على أن العمل إذا كان مضافا إلى سبب ويجمع متعدده جنس أن نية الجنس تكفي , كمن أعتق عن كفارة ولم يعين كونها عن ظهار أو غيره ; لأن معنى الحديث أن الأعمال بنياتها , والعمل هنا القيام بالذي يخرج عن الكفارة اللازمة وهو غير محوج إلى تعيين سبب , وعلى هذا لو كانت عليه كفارة - وشك في سببها - أجزأه إخراجها بغير تعيين . وفيه زيادة النص على السبب ; لأن الحديث سيق في قصة المهاجر لتزويج المرأة , فذكر الدنيا في القصة زيادة في التحذير والتنفير . وقال شيخنا شيخ الإسلام : فيه إطلاق العام وإن كان سببه خاصا , فيستنبط منه الإشارة إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وسيأتي ذكر كثير من فوائد هذا الحديث في كتاب الإيمان حيث قال المصنف في الترجمة فدخل فيه العبادات والأحكام إن شاء الله تعالى , وبالله التوفيق .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 15 Feb 2007, 03:31 PM [ 4 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Sep 2005
رقم العضوية : 503
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 220
الردود : 8325
مجموع المشاركات : 8,545
معدل التقييم : 25البرنس is on a distinguished road

البرنس غير متصل




‏أنها قالت ‏
‏أول ما بدئ به رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل ‏ ‏فلق ‏ ‏الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو ‏ ‏بغار حراء ‏ ‏فيتحنث ‏ ‏فيه ‏ ‏وهو التعبد ‏ ‏الليالي ذوات العدد ‏ ‏قبل أن ‏ ‏ينزع ‏ ‏إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى ‏ ‏خديجة ‏ ‏فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في ‏ ‏غار حراء ‏ ‏فجاءه ‏ ‏الملك ‏ ‏فقال ‏ ‏اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏حتى بلغ مني الجهد ثم ‏ ‏أرسلني ‏ ‏فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم ‏ ‏أرسلني ‏ ‏فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني ‏ ‏فغطني ‏ ‏الثالثة ثم ‏ ‏أرسلني ‏ ‏فقال ‏
‏اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من ‏ ‏علق ‏ ‏اقرأ وربك الأكرم ‏
‏فرجع بها رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يرجف فؤاده فدخل على ‏ ‏خديجة بنت خويلد ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏فقال ‏ ‏زملوني ‏ ‏زملوني ‏ ‏فزملوه حتى ذهب عنه ‏ ‏الروع ‏ ‏فقال ‏ ‏لخديجة ‏ ‏وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي فقالت ‏ ‏خديجة ‏ ‏كلا والله ‏ ‏ما يخزيك ‏ ‏الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل ‏ ‏الكل ‏ ‏وتكسب ‏ ‏المعدوم ‏ ‏وتقري ‏ ‏الضيف وتعين على ‏ ‏نوائب ‏ ‏الحق فانطلقت به ‏ ‏خديجة ‏ ‏حتى أتت به ‏ ‏ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ‏ ‏ابن عم ‏ ‏خديجة ‏ ‏وكان امرأ قد ‏ ‏تنصر ‏ ‏في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له ‏ ‏خديجة ‏ ‏يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ‏ ‏ورقة ‏ ‏يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خبر ما رأى فقال له ‏ ‏ورقة ‏ ‏هذا ‏ ‏الناموس ‏ ‏الذي نزل الله على ‏ ‏موسى ‏ ‏يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أومخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا ‏ ‏مؤزرا ‏ ‏ثم لم ‏ ‏ينشب ‏ ‏ورقة ‏ ‏أن توفي وفتر الوحي ‏
‏قال ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏وأخبرني ‏ ‏أبو سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏أن ‏ ‏جابر بن عبد الله الأنصاري ‏ ‏قال ‏ ‏وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا ‏ ‏الملك ‏ ‏الذي جاءني ‏ ‏بحراء ‏ ‏جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت ‏ ‏زملوني ‏ ‏زملوني فأنزل الله تعالى ‏
‏يا أيها ‏ ‏المدثر ‏ ‏قم فأنذر ‏ ‏إلى قوله ‏ ‏والرجز ‏ ‏فاهجر ‏
‏فحمي ‏ ‏الوحي وتتابع ‏ ‏تابعه ‏ ‏عبد الله بن يوسف ‏ ‏وأبو صالح ‏ ‏وتابعه ‏ ‏هلال بن رداد ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏وقال ‏ ‏يونس ‏ ‏ومعمر ‏ ‏بوادره

‏قوله : ( من الوحي ) ‏
‏يحتمل أن تكون " من " تبعيضية , أي : من أقسام الوحي , ويحتمل أن تكون بيانية ورجحه القزاز . والرؤيا الصالحة وقع في رواية معمر ويونس عند المصنف في التفسير " الصادقة " وهي التي ليس فيها ضغث , وبدئ بذلك ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة , ثم مهد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر . ‏

‏قوله : ( في النوم ) ‏
‏لزيادة الإيضاح , أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز إطلاقها مجازا . ‏

‏قوله : ( مثل فلق الصبح ) ‏
‏بنصب مثل على الحال , أي : مشبهة ضياء الصبح , أو على أنه صفة لمحذوف , أي : جاءت مجيئا مثل فلق الصبح . والمراد بفلق الصبح ضياؤه . وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه . ‏

‏قوله : ( حبب ) ‏
‏لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان كل من عند الله , أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر , أو يكون ذلك من وحي الإلهام . والخلاء بالمد الخلوة , والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له . وحراء بالمد وكسر أوله كذا في الرواية وهو صحيح , وفي رواية الأصيلي بالفتح والقصر وقد حكي أيضا , وحكي فيه غير ذلك جوازا لا رواية . هو جبل معروف بمكة . والغار نقب في الجبل وجمعه غيران . ‏

‏قوله : ( فيتحنث ) ‏
‏هي بمعنى يتحنف , أي : يتبع الحنفية وهي دين إبراهيم , والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم . وقد وقع في رواية ابن هشام في السيرة " يتحنف " بالفاء أو التحنث إلقاء الحنث وهو الإثم , كما قيل يتأثم ويتحرج ونحوهما . ‏

‏قوله : ( وهو التعبد ) ‏
‏هذا مدرج في الخبر , وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطيبي ولم يذكر دليله , نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراج . ‏

‏قوله : ( الليالي ذوات العدد ) ‏
‏يتعلق بقوله يتحنث , وإبهام العدد لاختلافه , كذا قيل . وهو بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله , وإلا فأصل الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر , وذلك الشهر كان رمضان رواه ابن إسحاق . والليالي منصوبة على الظرف , وذوات منصوبة أيضا وعلامة النصب فيه كسر التاء . وينزع بكسر الزاي أي : يرجع وزنا ومعنى , ورواه المؤلف بلفظه في التفسير . ‏

‏قوله : ( لمثلها ) ‏
‏أي : الليالي . والتزود استصحاب الزاد . ويتزود معطوف على يتحنث . وخديجة هي أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى , تأتي أخبارها في مناقبها . ‏

‏قوله : ( حتى جاءه الحق ) ‏
‏أي : الأمر الحق , وفي التفسير : حتى فجئه الحق - بكسر الجيم - أي بغته . وإن ثبت من مرسل عبيد بن عمير أنه أوحي إليه بذلك في المنام أولا قبل اليقظة , أمكن أن يكون مجيء الملك في اليقظة عقب ما تقدم في المنام . وسمي حقا لأنه وحي من الله تعالى . وقد وقع في رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول شأنه يرى في المنام , وكان أول ما رأى جبريل بأجياد , صرخ جبريل " يا محمد " فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا , فرفع بصره فإذا هو على أفق السماء فقال " يا محمد , جبريل " فهرب فدخل في الناس فلم ير شيئا , ثم خرج عنهم فناداه فهرب . ثم استعلن له جبريل من قبل حراء , ‏
‏فذكر قصة إقرائه ( اقرأ باسم ربك ) ‏
‏ورأى حينئذ جبريل له جناحان من ياقوت يختطفان البصر , وهذا من رواية ابن لهيعة عن أبي الأسود , وابن لهيعة ضعيف . وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا " لم أره - يعني جبريل - على صورته التي خلق عليها إلا مرتين " , وبين أحمد في حديث ابن مسعود أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها , والثانية عند المعراج . وللترمذي من طريق مسروق عن عائشة " لم ير محمد جبريل في صورته إلا مرتين : مرة عند سدرة المنتهى , ومرة في أجياد " وهذا يقوي رواية ابن لهيعة , وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين , وإنما لم يضمها إليهما لاحتمال أن لا يكون رآه فيها على تمام صورته , والعلم عند الله تعالى . ووقع في السيرة التي جمعها سليمان التيمي فرواها محمد بن عبد الأعلى عن ولده معتمر بن سليمان عن أبيه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في حراء وأقرأه ( اقرأ باسم ربك ) ثم انصرف , فبقي مترددا , فأتاه من أمامه في صورته فرأى أمرا عظيما . ‏

‏قوله : ( فجاءه ) ‏
‏هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيدية ; لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى تعقب به , بل هو نفسه , ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه , بل التفسير عين المفسر به من جهة الإجمال , وغيره من جهة التفصيل . ‏

‏قوله : ( ما أنا بقارئ ) ‏
‏ثلاثا . " ما " نافية , إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء , وإن حكي عن الأخفش جوازه فهو شاذ , والباء زائدة لتأكيد النفي , أي : ما أحسن القراءة . فلما قال ذلك ثلاثا قيل له ( اقرأ باسم ربك ) أي : لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك , لكن بحول ربك وإعانته , فهو يعلمك , كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر , وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية , ذكره السهيلي . وقال غيره : إن هذا التركيب - وهو قوله ما أنا بقارئ - يفيد الاختصاص . ورده الطيبي بأنه إنما يفيد التقوية والتأكيد , والتقدير : لست بقارئ ألبتة . فإن قيل : لم كرر ذلك ثلاثا ؟ أجاب أبو شامة بأن يحمل قوله أولا " ما أنا بقارئ " على الامتناع , وثانيا على الإخبار بالنفي المحض , وثالثا على الاستفهام . ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال : كيف أقرأ وفي رواية عبيد بن عمير عن ابن إسحاق : ماذا أقرأ ؟ وفي مرسل الزهري في دلائل البيهقي : كيف أقرأ ؟ كل ذلك يؤيد أنها استفهامية . والله أعلم . ‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 15 Feb 2007, 03:31 PM [ 5 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Sep 2005
رقم العضوية : 503
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 220
الردود : 8325
مجموع المشاركات : 8,545
معدل التقييم : 25البرنس is on a distinguished road

البرنس غير متصل




‏قوله : ( فغطني ) ‏
‏بغين معجمة وطاء مهملة , وفي رواية الطبري بتاء مثناة من فوق كأنه أراد ضمني وعصرني , والغط حبس النفس , ومنه غطه في الماء , أو أراد غمني ومنه الخنق . ولأبي داود الطيالسي في مسنده بسند حسن : فأخذ بحلقي . ‏

‏قوله : ( حتى بلغ مني الجهد ) ‏
‏روي بالفتح والنصب , أي : بلغ الغط مني غاية وسعي . وروي بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه . وقوله " أرسلني " أي : أطلقني , ولم يذكر الجهد هنا في المرة الثالثة , وهو ثابت عند المؤلف في التفسير . ‏

‏قوله : ( فرجع بها ) ‏
‏أي بالآيات أو بالقصة . ‏

‏قوله : ( فزملوه ) ‏
‏أي : لفوه . والروع بالفتح الفزع . ‏

‏قوله : ( لقد خشيت على نفسي ) ‏
‏دل هذا مع قوله " يرجف فؤاده " على انفعال حصل له من مجيء الملك , ومن ثم قال " زملوني " . والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا : أولها : الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة , جاء مصرحا به في عدة طرق , وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له أن يبطل , لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضروري له أن الذي جاءه ملك وأنه من عند الله تعالى . ثانيها : الهاجس , وهو باطل أيضا ; لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة . ثالثها : الموت من شدة الرعب . رابعها : المرض , وقد جزم به ابن أبي جمرة . خامسها : دوام المرض . سادسها : العجز عن حمل أعباء النبوة . سابعها : العجز عن النظر إلى الملك من الرعب . ثامنها : عدم الصبر على أذى قومه . تاسعها : أن يقتلوه . عاشرها : مفارقة الوطن . حادي عشرها : تكذيبهم إياه . ثاني عشرها : تعييرهم إياه . وأولى هذه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث واللذان بعده , وما عداها فهو معترض . والله الموفق . ‏

‏قوله : ( فقالت خديجة كلا ) ‏
‏معناها النفي والإبعاد , ويحزنك بفتح أوله والحاء المهملة والزاي المضمومة والنون من الحزن . ولغير أبي ذر بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة ثم الياء الساكنة من الخزي . ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبدا بأمر استقرائي وصفته بأصول مكارم الأخلاق ; لأن الإحسان إما إلى الأقارب أو إلى الأجانب , وإما بالبدن أو بالمال , وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل , وذلك كله مجموع فيما وصفته به . والكل بفتح الكاف : هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى ( وهو كل على مولاه ) ‏
‏وقولها " وتكسب المعدوم " ‏
‏في رواية الكشميهني وتكسب بضم أوله , وعليها قال الخطابي : الصواب المعدم بلا واو أي : الفقير ; لأن المعدوم لا يكسب . قلت : ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له , والكسب هو الاستفادة . فكأنها قالت : إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه . وقال قاسم بن ثابت في الدلائل : قوله يكسب معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه يصيبه هو ويكسبه . قال أعرابي يمدح إنسانا : كان أكسبهم لمعدوم , وأعطاهم لمحروم وأنشد في وصف ذئب ‏ ‏كسوب كذا المعدوم من كسب واحد ‏ ‏أي : مما يكسبه وحده . انتهى . ولغير الكشميهني " وتكسب " بفتح أوله , قال عياض : وهذه الرواية أصح . قلت : قد وجهنا الأولى , وهذه الراجحة , ومعناها تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك , فحذف أحد المفعولين , ويقال : كسبت الرجل مالا وأكسبته بمعنى . وقيل : معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه ما لا يصيب غيرك . وكانت العرب تتمادح بكسب المال , لا سيما قريش . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة محظوظا في التجارة . وإنما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات . ‏
‏وقولها " وتعين على نوائب الحق " ‏
‏هي كلمة جامعة لأفراد ما تقدم ولما لم يتقدم وفي رواية المصنف في التفسير من طريق يونس عن الزهري من الزيادة " وتصدق الحديث " وهي من أشرف الخصال . وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة " وتؤدي الأمانة " . وفي هذه القصة من الفوائد استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه , وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه . ‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 15 Feb 2007, 03:32 PM [ 6 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Sep 2005
رقم العضوية : 503
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 220
الردود : 8325
مجموع المشاركات : 8,545
معدل التقييم : 25البرنس is on a distinguished road

البرنس غير متصل




‏قوله : ( فانطلقت به ) ‏
‏أي مضت معه , فالباء للمصاحبة . وورقة بفتح الراء . ‏
‏وقوله " ابن عم خديجة " ‏
‏هو بنصب ابن ويكتب بالألف , وهو بدل من ورقة أو صفة أو بيان , ولا يجوز جره فإنه يصير صفة لعبد العزى , وليس كذلك , ولا كتبه بغير ألف ; لأنه لم يقع بين علمين . ‏

‏قوله : ( تنصر ) ‏
‏أي : صار نصرانيا , وكان قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين , فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر , وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل , ولهذا أخبر بشأن النبي صلى الله عليه وسلم والبشارة به , إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل وأما زيد بن عمرو فسيأتي خبره في المناقب إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله : ( فكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ) ‏
‏, وفي رواية يونس ومعمر : ويكتب من الإنجيل بالعربية . ولمسلم : فكان يكتب الكتاب العربي . والجميع صحيح ; لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي , لتمكنه من الكتابين واللسانين . ووقع لبعض الشراح هنا خبط فلا يعرج عليه . وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الذي خصت به هذه الأمة , فلهذا جاء في صفتها " أناجيلها صدورها " . قولها " يا ابن عم " هذا النداء على حقيقته , ووقع في مسلم " يا عم " وهو وهم ; لأنه وإن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد , فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين , فتعين الحمل على الحقيقة . وإنما جوزنا ذلك فيما مضى في العبراني والعربي ; لأنه من كلام الراوي في وصف ورقة واختلفت المخارج فأمكن التعداد , وهذا الحكم يطرد في جميع ما أشبهه . وقالت في حق النبي صلى الله عليه وسلم : اسمع من ابن أخيك . لأن والده عبد الله بن عبد المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الذي يجتمعان فيه سواء , فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته . أو قالته على سبيل التوقير لسنه . وفيه إرشاد إلى أن صاحب الحاجة يقدم بين يديه من يعرف بقدره ممن يكون أقرب منه إلى المسئول , وذلك مستفاد من قول خديجة لورقة " اسمع من ابن أخيك " أرادت بذلك أن يتأهب لسماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أبلغ في التعليم . ‏

‏قوله : ( ماذا ترى ؟ ) ‏
‏فيه حذف يدل عليه سياق الكلام , وقد صرح به في دلائل النبوة لأبي نعيم بسند حسن إلى عبد الله بن شداد في هذه القصة قال : فأتت به ورقة ابن عمها فأخبرته بالذي رأى . ‏

‏قوله : ( هذا الناموس الذي نزل الله على موسى ) . ‏
‏وللكشميهني " أنزل الله " , وفي التفسير " أنزل " على البناء للمفعول وأشار بقوله " هذا " إلى الملك الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في خبره , ونزله منزلة القريب لقرب ذكره . والناموس : صاحب السر كما جزم به المؤلف في أحاديث الأنبياء . وزعم ابن ظفر أن الناموس صاحب سر الخير , والجاسوس صاحب سر الشر . والأول الصحيح الذي عليه الجمهور . وقد سوى بينهما رؤية بن العجاج أحد فصحاء العرب . والمراد بالناموس هنا جبريل عليه السلام . وقوله " على موسى " ولم يقل على عيسى مع كونه نصرانيا ; لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام , بخلاف عيسى . وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم . أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه , بخلاف عيسى . كذلك وقعت النقمة على يد النبي صلى الله عليه وسلم بفرعون هذه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر . أو قاله تحقيقا للرسالة ; لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب , بخلاف عيسى فإن كثيرا من اليهود ينكرون نبوته , وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل على أنه قد ورد عند الزبير بن بكار من طريق عبد الله بن معاذ عن الزهري في هذه القصة أن ورقة قال : ناموس عيسى . والأصح ما تقدم , وعبد الله بن معاذ ضعيف . نعم في دلائل النبوة لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة أن خديجة أولا أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال : لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم . فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى وتارة ناموس موسى , فعند إخبار خديجة له بالقصة قال لها ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية , وعند إخبار النبي صلى الله عليه وسلم له قال له ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها , وكل صحيح . والله سبحانه وتعالى أعلم . ‏

‏قوله : ( يا ليتني فيها جذع ) ‏
‏كذا في رواية الأصيلي , وعند الباقين " يا ليتني فيها جذعا " بالنصب على أنه خبر كان المقدرة قاله الخطابي , وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى ( انتهوا خيرا لكم ) . وقال ابن بري : التقدير : يا ليتني جعلت فيها جذعا . وقيل : النصب على الحال إذا جعلت فيها خبر ليت , والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار , قاله السهيلي وضمير " فيها " يعود على أيام الدعوة . والجذع - بفتح الجيم والذال المعجمة - هو الصغير من البهائم , كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره , وبهذا يتبين سر وصفه بكونه كان كبيرا أعمى . ‏

‏قوله : ( إذ يخرجك ) ‏
‏قال ابن مالك فيه استعمال " إذ " في المستقبل كإذا , وهو صحيح , وغفل عنه أكثر النحاة , وهو كقوله تعالى ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) هكذا ذكره ابن مالك وأقره عليه غير واحد . وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن النحاة لم يغفلوه بل منعوا وروده , وأولوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل هذا : استعمل الصيغة الدالة على المضي لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته , ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير " حين يخرجك قومك " وعند التحقيق ما ادعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز , وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز , ومجازهم أولى , لما ينبني عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المضي تحقيقا لوقوعه أو استحضارا للصورة الآتية في هذه دون تلك مع وجوده في أفصح الكلام , وكأنه أراد بمنع الورود ورودا محمولا على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال , وفيه دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل خير ; لأن ورقة تمنى أن يعود شابا , وهو مستحيل عادة . ويظهر لي أن التمني ليس مقصودا على بابه , بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به , والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به . ‏

‏قوله : ( أومخرجي هم ) ‏
‏بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج , فهم مبتدأ مؤخر ومخرجي خبر مقدم قاله ابن مالك واستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوه ; لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج , لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها . وقد استدل ابن الدغنة بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يخرج . ‏

‏قوله : ( إلا عودي ) ‏
‏وفي رواية يونس في التفسير " إلا أوذي " فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفهم ; ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك , وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم فتنشأ العداوة من ثم , وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه المقام . ‏

‏قوله : ( إن يدركني يومك ) ‏
‏إن شرطية والذي بعدها مجزوم . زاد في رواية يونس في التفسير " حيا " ولابن إسحاق " إن أدركت ذلك اليوم " يعني يوم الإخراج . ‏

‏قوله : ( مؤزرا ) ‏
‏بهمزة أي : قويا مأخوذ من الأزر وهو القوة وأنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزر من الأزر . وقال أبو شامة : يحتمل أن يكون من الإزار , أشار بذلك إلى تشميره في نصرته , قال الأخطل : " قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم " البيت . ‏

‏قوله : ( ثم لم ينشب ) ‏
‏بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث . وأصل النشوب التعلق , أي : لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات . وهذا بخلاف ما في السيرة لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب , وذلك يقتضي أنه تأخر إلى زمن الدعوة , وإلى أن دخل بعض الناس في الإسلام . فإن تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح , وإن لحظنا الجمع أمكن أن يقال : الواو في قوله : وفتر الوحي . ليست للترتيب , فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع . وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان , وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع , وليحصل له التشوف إلى العود , فقد روى المؤلف في التعبير من طريق معمر ما يدل على ذلك . ‏
‏( فائدة ) : ‏
‏وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين , وبه جزم ابن إسحاق , وحكى البيهقي أن مدة الرؤيا كانت ستة أشهر , وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد إكماله أربعين سنة , وابتداء وحي اليقظة وقع في رمضان . وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين وهي ما بين نزول " اقرأ " و " يا أيها المدثر " عدم مجيء جبريل إليه , بل تأخر نزول القرآن فقط . ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد , ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي : أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء , ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل , فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة . وأخرجه ابن أبي خيثمة من وحي آخر مختصرا عن داود بلفظ : بعث لأربعين , ووكل به إسرافيل ثلاث سنين , ثم وكل به جبريل فعلى هذا فيحسن - بهذا المرسل إن ثبت - الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة , فقد قيل ثلاث عشرة , وقيل عشر , ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة , والله أعلم . وقد حكى ابن التين هذه القصة , لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل , وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال : لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل , انتهى . ولا يخفى ما فيه , فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم والله أعلم . وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة , فإنه قال : جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفترة سنتان ونصف , وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر , فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة , ومن قال ثلاث عشرة أضافهما . وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت , وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياما , وسيأتي مزيد لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى . ‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 15 Feb 2007, 03:33 PM [ 7 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Sep 2005
رقم العضوية : 503
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 220
الردود : 8325
مجموع المشاركات : 8,545
معدل التقييم : 25البرنس is on a distinguished road

البرنس غير متصل




‏قوله : ( قال ابن شهاب : أخبرني أبو سلمة ) ‏
‏إنما أتى بحرف العطف ليعلم أنه معطوف على ما سبق , كأنه قال : أخبرني عروة بكذا , وأخبرني أبو سلمة بكذا , وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف , وأخطأ من زعم أن هذا معلق وإن كانت صورته صورة التعليق , ولو لم يكن في ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة فإنها دالة على تقدم شيء عطفته , وقد تقدم قوله : عن ابن شهاب عن عروة فساق الحديث إلى آخره ثم قال : قال ابن شهاب - أي : بالسند المذكور - وأخبرني أبو سلمة بخبر آخر وهو كذا , ودل قوله عن فترة الوحي وقوله الملك الذي جاءني بحراء على تأخر نزول سورة المدثر عن اقرأ , ولما خلت رواية يحيى بن أبي كثير الآتية في التفسير عن أبي سلمة عن جابر عن هاتين الجملتين أشكل الأمر , فجزم من جزم بأن ( يا أيها المدثر ) أول ما نزل , ورواية الزهري هذه الصحيحة ترفع هذا الإشكال , وسياق بسط القول في ذلك في تفسير سورة اقرأ . ‏

‏قوله : ( فرعبت منه ) ‏
‏بضم الراء وكسر العين , وللأصيلي بفتح الراء وضم العين أي : فزعت , دل على بقية بقيت معه من الفزع الأول ثم زالت بالتدريج . ‏

‏قوله : ( فقلت زملوني زملوني ) ‏
‏وفي رواية الأصيلي وكريمة زملوني مرة واحدة , وفي رواية يونس في التفسير فقلت دثروني فنزلت ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) أي : حذر من العذاب من لم يؤمن بك ( وربك فكبر ) أي عظم ( وثيابك فطهر ) أي : من النجاسة , وقيل الثياب النفس , وتطهيرها اجتناب النقائص , والرجز هنا الأوثان كما سيأتي من تفسير الراوي عند المؤلف في التفسير , والرجز في اللغة : العذاب , وسمى الأوثان هنا رجزا ; لأنها سببه . ‏

‏قوله : ( فحمي الوحي ) ‏
‏أي جاء كثيرا , وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور , إذ لم ينته إلى انقطاع كلي فيوصف بالضد وهو البرد . ‏

‏قوله : ( وتتابع ) ‏
‏تأكيد معنوي , ويحتمل أن يراد بحمي : قوي , وتتابع : تكاثر , وقد وقع في رواية الكشميهني وأبي الوقت " وتواتر " , والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضا من غير تخلل . ‏
‏( تنبيه ) ‏
‏خرج المصنف بالإسناد في التاريخ حديث الباب عن عائشة , ثم عن جابر بالإسناد المذكور هنا فزاد فيه بعد قوله " تتابع " : قال عروة - يعني بالسند المذكور إليه - وماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " رأيت لخديجة بيتا من قصب , لا صخب فيه ولا نصب " قال البخاري : يعني قصب اللؤلؤ . قلت : وسيأتي مزيد لهذا في مناقب خديجة إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله : ( تابعه ) ‏
‏الضمير يعود على يحيى بن بكير , ومتابعة عبد الله بن يوسف عن الليث هذه عند المؤلف في قصة موسى . وفيه من اللطائف قوله عن الزهري : سمعت عروة . ‏

‏قوله : ( وأبو صالح ) ‏
‏هو عبد الله بن صالح كاتب الليث , وقد أكثر البخاري عنه من المعلقات , وعلق عن الليث جملة كثيرة من أفراد أبي صالح عنه . ورواية عبد الله بن صالح عن الليث لهذا الحديث أخرجها يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه مقرونا بيحيى بن بكير , ووهم من زعم - كالدمياطي - أنه أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني , فإنه لم يذكر من أسنده عن عبد الغفار وقد وجد في مسنده عن كاتب الليث . ‏

‏قوله : ( وتابعه هلال بن رداد ) ‏
‏بدالين مهملتين الأولى مثقلة , وحديثه في الزهريات للذهلي . ‏

‏قوله : ( وقال يونس ) ‏
‏يعني ابن يزيد الأيلي , ومعمر هو ابن راشد . ‏
‏( بوادره ) ‏
‏يعني أن يونس ومعمرا رويا هذا الحديث عن الزهري فوافقا عقيلا عليه , إلا أنهما قالا بدل قوله يرجف فؤاده ترجف بوادره , والبوادر جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان , فالروايتان مستويتان في أصل المعنى ; لأن كلا منهما دال على الفزع , وقد بينا ما في رواية يونس ومعمر من المخالفة لرواية عقيل غير هذا في أثناء السياق , والله الموفق . وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في تفسير سورة ( اقرأ باسم ربك ) إن شاء الله تعالى . ‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 15 Feb 2007, 07:03 PM [ 8 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Sep 2005
رقم العضوية : 503
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 220
الردود : 8325
مجموع المشاركات : 8,545
معدل التقييم : 25البرنس is on a distinguished road

البرنس غير متصل




‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏أبو الزناد ‏ ‏أن ‏ ‏عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ‏ ‏مولى ‏ ‏ربيعة بن الحارث ‏ ‏حدثه أنه سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أنه سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع ‏ ‏اليهود ‏ ‏غدا ‏ ‏والنصارى ‏ ‏بعد غد


‏قوله : ( نحن الآخرون السابقون ) ‏
‏في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم " نحن الآخرون ونحن السابقون " أي الآخرون زمانا الأولون منزلة , والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يحشر وأول من يحاسب وأول من يقضى بينهم وأول من يدخل الجنة . وفي حديث حذيفة عند مسلم " نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق " . وقيل : المراد بالسبق هنا إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل , وهو يوم الجمعة , ويوم الجمعة وإن كان مسبوقا بسبت قبله أو أحد لكن لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية إلا ويكون يوم الجمعة سابقا . وقيل المراد بالسبق أي إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا سمعنا وعصينا , والأول أقوى , ‏

‏قوله : ( بيد ) ‏
‏بموحدة ثم تحتانية ساكنة مثل غير وزنا ومعنى , وبه جزم الخليل والكسائي ورجحه ابن سيده , وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى " بيد " من أجل , وكذا ذكره ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي . وقد استبعده عياض ولا بعد فيه , بل معناه أنا سبقنا بالفضل هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان , بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم , ويشهد له ما وقع في فوائد ابن المقري من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ " نحن الآخرون في الدنيا ونحن السابقون أول من يدخل الجنة لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا " وفي موطأ سعيد بن عفير عن مالك عن أبي الزناد بلفظ " ذلك بأنهم أوتوا الكتاب " وقال الداودي : هي بمعنى على أو مع , قال القرطبي : إن كانت بمعنى غير فنصب على الاستثناء , وإن كانت بمعنى مع فنصب على الظرف . وقال الطيبي : هي للاستثناء , وهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم , والمعنى نحن السابقون للفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا , ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من معنى النسخ , لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخرا في الوجود , وبهذا التقرير يظهر موقع قوله " نحن الآخرون " مع كونه أمرا واضحا . ‏

‏قوله : ( أوتوا الكتاب ) ‏
‏اللام للجنس , والمراد التوراة والإنجيل , والضمير في " أوتيناه " للقرآن . وقال القرطبي : المراد بالكتاب التوراة , وفيه نظر لقوله " وأوتيناه من بعدهم " فأعاد الضمير على الكتاب , فلو كان المراد التوراة لما صح الإخبار , لأنا إنما أوتينا القرآن . وسقط من الأصل قوله " وأوتيناه من بعدهم " وهي ثابتة في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه , أخرجه الطبراني في مسند الشاميين عنه , وكذا لمسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد , وسيأتي تاما عند المصنف بعد أبواب من وجه آخر عن أبي هريرة . ‏

‏قوله : ( ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم ) ‏
‏كذا للأكثر , وللحموي " الذي فرض الله عليهم " والمراد باليوم يوم الجمعة , والمراد باليوم بفرضه فرض تعظيمه , وأشير إليه بهذا لكونه ذكر في أول الكلام كما عند مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة , ومن حديث حذيفة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا " الحديث . قال ابن بطال : ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه , لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن , وإنما يدل - والله أعلم - أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم , فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة , ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا . وقال النووي : يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطئوا . انتهى . ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى ( إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ) قال : أرادوا الجمعة فأخطئوا وأخذوا السبت مكانه . ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك , وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا , ولفظه " إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا : يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا , فجعل عليهم " وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى ( ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ) وغير ذلك , وكيف لا وهم القائلون ( سمعنا وعصينا ) . ‏

‏قوله : ( فهدانا الله له ) ‏
‏يحتمل أن يراد بأن نص لنا عليه , وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد , ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيربن قال " جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة , فقالت الأنصار : إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام , وللنصارى كذلك , فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره . فجعلوه يوم العروبة , واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ , وأنزل الله تعالى بعد ذلك ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) الآية , وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال " كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة " الحديث . فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد , ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها , ثم فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني , ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره , وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق . وقيل في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه , والإنسان إنما خلق للعبادة فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه , ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه . ‏

‏قوله : ( اليهود غدا والنصارى بعد غد ) ‏
‏في رواية أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عند ابن خزيمة " فهو لنا , ولليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد " والمعنى أنه لنا بهداية الله تعالى ولهم باعتبار اختيارهم وخطئهم في اجتهادهم . قال القرطبي : غدا هنا منصوب على الظرف , وهو متعلق بمحذوف وتقديره اليهود يعظمون غدا , وكذا قوله " بعد غد " ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة . انتهى . وقال ابن مالك : الأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني كقولك غدا للتأهب وبعد غد للرحيل فيقدر هنا مضافان يكون ظرفا الزمان خبرين عنهما , أي تعييد اليهود غدا وتعييد النصارى بعد غد ا ه . وسبقه إلى نحو ذلك عياض , وهو أوجه من كلام القرطبي . وفي الحديث دليل على فرضية الجمعة كما قال النووي , لقوله " فرض عليهم فهدانا الله له " فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهدينا , وقد وقع في رواية سفيان عن أبي الزناد عند مسلم بلفظ " كتب علينا " . وفيه أن الهداية والإضلال من الله تعالى كما هو قول أهل السنة , وأن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة , وأن استنباط معنى من الأصل يعود عليه بالإبطال باطل , وأن القياس مع وجود النص فاسد , وأن الاجتهاد في زمن نزول الوحي جائز , وأن الجمعة أول الأسبوع شرعا , ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة وكانوا يسمون الأسبوع سبتا كما سيأتي في الاستسقاء في حديث أنس , وذلك أنهم كانوا مجاورين لليهود فتبعوهم في ذلك , وفيه بيان واضح لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة زادها الله تعالى . ‏


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Feb 2007, 12:51 AM [ 9 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Nov 2005
رقم العضوية : 664
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 510
الردود : 4324
مجموع المشاركات : 4,834
معدل التقييم : 25أبو نايف is on a distinguished road

أبو نايف غير متصل




جزاك الله خير اخوي البرنس

الأعلى رد مع اقتباس
قديم 18 Feb 2007, 05:19 AM [ 10 ]
عضوة متميزة

تاريخ التسجيل : Mar 2005
رقم العضوية : 115
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 398
الردود : 5374
مجموع المشاركات : 5,772
معدل التقييم : 25نــــــدى is on a distinguished road

نــــــدى غير متصل




أثابك الله

شاكره لك


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أحاديث مختارة من صحيح البخاري المرمشي منتدى خير البشر وخاتم الرسل 5 05 Feb 2010 12:26 AM
فتح الباري بشرح صحيح البخاري $(برنس الشدادين)$ المنتدى الاسلامي 5 21 Aug 2009 04:12 PM
كتاب صحيح البخاري الالكتروني alshalawy المنتدى الاسلامي 9 23 Sep 2007 03:44 AM
أحاديث هامه من صحيح البخاري أميرة بني هاشم المنتدى الاسلامي 10 16 Oct 2006 07:09 PM
فتح الباري شرح صحيح البخاري الشامخ إكسير النقاء 7 21 Dec 2005 11:43 PM
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

12:55 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com