عرض مشاركة واحدة
قديم 30 Apr 2006, 01:02 AM [ 47 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




6-

"يا إلهي!! أي اختراع رائع هذا الذي يسمونه البريد!!" كانت شمس لا تفتأ تكرر مذ جاءتها أول رسالة من الأخضر تطمئنها على وصوله بالسلامة إلى باريس. وكلما أبدت إعجابها بذلك الاختراع الرائع كان عزيز يزداد ضحكاً. "البريد موجود منذ القدم وليس هو اختراعاً جديداً.. أيام الخلفاء الأمويين، العباسيين، كان هناك بريد وموظفو بريد!!" "صحيح، لكنهم كانوا ينقلون مراسلات الدولة بين الولايات والعاصمة، الأطراف والمركز... وليس كهذا البريد الذي ينقل رسائل الناس كلهم إلى الناس كلهم وبسرعة لا تقل عن سرعة الحمام الزاجل" "هه!! أمسكتك!! الحمام الزاجل!! بعظمة لسانك قلت هذا!! بسرعة الحمام الزاجل، وماذا كان يفعل الحمام الزاجل؟". على هذا النحو كان الزوجان يتناقشان. عزيز يصر على أنه ليس هناك من جديد بل كله قديم يتطور شيئاً فشيئاً وشمس مفتونة باختراعات جديدة تفرزها الحضارة كل يوم: بدءاً من البريد وحتى الطيارة، السيارة، الهاتف، الحاكي، الإذاعة، الكهرباء، والقائمة تطول وتطول.‏

"من يصدق؟ هذه الرسالة خطتها يد الأخضر قبل خمسة عشر يوماً؟ خلال نصف شهر فقط قطعت تلك المسافات الطويلة.. عبرت بلدان أوربا كلها لتصل إلينا هنا في دمشق!!".‏

شمس مفتونة بما يتفتق عنه العقل البشري، عن ابتكارات كان يحلم بها الإنسان... بساط الريح، المرآة السحرية، افتح يا سمسم، كلها أحلام كانت تراود الإنسان مذ عرف الأحلام، ثم هاهي ذي كلها تتحقق.. بهذا الشكل أو ذاك تتحقق. شمس تسمع الأخبار، الأحاديث، الأغاني من مذياع لا يزيد حجمه عن سحارة بندورة... حسبها أن تدير قرصاً صغيراً ليأتيها صوت المذياع الذي يتكلم من لندن "هنا، هيئة الإذاعة البريطانية ثم ينقل أخبار العالم" تشامبرلين طار إلى باريس ليلتقي بنظيره الفرنسي.. هتلر يستعرض قواته العسكرية الهائلة.." وإذا أرادت أن تشف أذنيها بصوت سيد درويش أو عبده الحمولي وضعت أسطوانة على الحاكي ثم أدارت إبرة.. "إبرة تخرج صوتاً رخيماً وموسيقا عذبة، كيف؟ يا إلهي!! فقط لو أعرف كيف؟" ولم يكن باستطاعة عزيز أن يشرح لها كيف.. نازك، صديقتها حاولت، لكن وقفت في النهاية عاجزة إزاء استفساراتها الكثيرة فاكتفت بأن زجرتها ضاحكة "تريدين العنب أم قتل الناطور؟" هي تريد العنب، صحيح لكن الإنسان خلق وكله فضول وحب استطلاع... حين ركّبوا لها الهاتف في المنزل، بلغ فضولها أشده. وطوال أيام ظلت ولا شاغل لها إلا أن تدير مقبضه، ترفع السماعة ليأتي صوت السنترال "نعم.. من تريدين!؟ أي رقم تطلبين؟" وتطلب أم فريد، جارتها أم قعود، زوجها في المحل.. متعجبة، مندهشة، تتحدث وكأنها لا تصدق أنها تتحدث، لا تصدق أنها تسمع. وحين باحت بعجبها ودهشتها تلك، تنطع عزيز للشرح "افرضي عندنا قط، رأسه في البيت وذيله في المحل، إن دعست أنا على ذنبه ماذا يحصل؟" "يموء، يصرخ"، ردت شمس "عليك نور"، تابع عزيز شبه هاتف "يطلق صوتاً، وهكذا الهاتف: قط يدعسون على ذنبه هناك فتسمعين صوته هنا" "لو أسمع صوت الأخضر فقط!! لو يحدثني من فرنسا!!" راحت شمس تتمنى "لا، أنت طماعة، شمس" رد عزيز مداعباً "حسبك أن رسائله تأتيك بانتظام فتعلمين كل شاردة وواردة". شمس تعلم أنها طماعة، أحلامها كبيرة.. دائماً، لا تفتأ تنتقل من حلم إلى حلم، وكأنها تجسد البشرية التي ما فتئت مذ وجدت تحلم، تطلق لعنانها الخيال، فتتخيل الأفضل، تحلم بالأحسن ليعمل العقل بعد ذلك على تحقيق الأفضل والأحسن...


توقيع : كديميس

"لاتبحثوا عني بين كلماتي فهي لاتشبهني"
الأعلى رد مع اقتباس