23 Nov 2005, 11:13 PM
|
[ 10 ]
|
عضوة متميزة
تاريخ التسجيل : Jan 2005 |
رقم العضوية : 3 |
الإقامة : kuwait |
مواضيع : 772 |
الردود : 15959 |
مجموع المشاركات : 16,731 |
معدل التقييم : 25 |
|
مقتل أبي زيد الهلالي
كان في أحد الأيام جالسا في بيته تذكر أرض نجد وعزها وما لاقى فيها من الهنا والراحة أيام الصبا، ثم تذكر الأهوال التي لاقاها في الطريق، حتى وصلوا الى بلاد الغرب، وتذكر زيدان والخفاجي عامر والقاضي بدير بن فايد وعقل ونصر وبدر بن غانم وأولاده وأولاد حسن الذين قتلهم العلام، فصار يبكي ثم تشوق الى رؤية دياب وقال: هذا رفيق عمري وحامل الشدات معي، وان كان قتل حسن فقد خلص عمره ومات بيومه، ثم خطر بباله أن يرسل يستعطف بخاطر دياب ويطلب منه أن يرجع الى بلاده، فكتب له جوابا بهذا المعنى
وختمه بختمه وأرسله مع النجاب، فأخذه وسار به يطوي الفيافي والقفار حتى وصل الى بلاد الحبش، فسأل عن دياب فأهداه عليه وأعطاه الكتاب لأخذه منه وفضه وقرأه وعرف رموزه ومعناه ورد عليه ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه الى النجاب، فأخذه وسار به وجد بقطع الروابي والقفار حتى وصل الى بلاد الغرب، فدخل على الأمير أبو زيد، وأعطاه الكتاب فقرأه، وبعد ذلك استدعى بعشرة أمراء من أولاد عمه وأولاد عم الأمير حسن وأرسلهم ليصالحوا الأمير دياب، ومازالوا يطوون الفيافي والقفار الى أن وصلوا لعند الأمير دياب ودخلوا عليه فلاقاهم وسلموا على بعضهم البعضوسألهم عن أبي زيد، فقالوا: أرسلنا لنرجع الصلح بينكم وتعودوا كما كنتم في القديم، فعند ذلك سار دياب الى الملك جوهر وودعه وركب بقومه ورجاله والشعرة الأمراء الى أن دخلوا بلاد الغرب، فخرج أبو زيد واستقبلهم وتصالحوا ورجعوا الى الأوطان، وعمل أبو زيد وليمة فاخرة وذبح الذبائح، فأطعم الغادي والرايح، وصار أبو زيد ودياب في محبة زايدة، ولكن أبو زيد ما أرجع لدياب ملكه وبقي هو الحاكم، فما هان على دياب وصار يقول: عسى أن يرجع لي ملكي والبلاد التي أخذوها مني وأبو زيد عاطي قفا، فاغتاظ دياب ونوى الشر لأبي زيد وقال في نفسه أنا صنعت دبوسا وسكينا، فالسكين قتلت بها حسن والدبوس لأبي زيد، فخلصنا من واحد وبقي علينا الآخر، وصار من ذلك الوقت يحمل الدبوس وكان بسبع فراشات من تحت العباية حت لا يلحظ عليه أبو زيد، الى أن خرجوا ذات يوم للصيد والقنص وكان مع أبي زيد جماعة من قومه، فوصلوا الى البر وتفرقت الفرسان ويلعب كأنه في الميدان، فصار يعمل ثله أبو زيد مقدار نصف ساعة، وبع ذلك خلى دياب ابا زيد سائرا أمامه، فصاح به: خذها من دياب، فالتفت أبو زيد مرعوبا فوجد في يد دياب سنبلة قمح، فضحك دياب وعمل الأمر ثلاث مرات ورابع مرة صاح دياب خدها من يد دياب، فلما التفت أبو زيد وظن أنها ضحكة مثل العادة، عند ذلك لكز دياب الشهبا طلعت كالريح حتى قربت من أبي زيد، فسحب الدبوس وضربه على رأسه، فطلع بزر مخه على الدبوس، فوقع أبو زيد على الأرض غميان، فوقف دياب وأخذته الشفقة فصار ينظر اليه ويبكي ويلعن الحمق ففتح أبو زيد عينيه وجد دياب واقفا، فقال له: ما كان ظني فيك يا دياب أن تغدر بي، ثم تنفس الصعداء وأشار يقول:
قال أبو زيد الحزين الهايم=دمع عيني على خدي سجايم
أيا دياب الخيل يا ولد غانم=أيا صاحب الأفضال بين العوالم
ما كان ظني يا دياب تخزنني=وتدعي صحبتك فوق الردايم
آلمتني يا دياب بضربتك=أيا حيف كنا يا أمير لزايم
ضيعت معروفي كسرت بخاطري=كم مرة خلصتك بضرب الصوارم
كم مرة أرادوا قتلك وشنقك=أكون أنا لهم حقا مخاصم
أوصيك وصايا يا دياب احفظها=كرامة الى ربك اله العوالم
أول وصية في أولاد أبو علي=حسن سلطاننا من زمان قديم
ثاني وصية في أولادي جميعهم=رزق وريا وكل المحارم
وثالث وصية يا دياب بعليا=صبرا وشهلا راخيات الكمايم
فاحمي حريمي يا دياب من العدا=اذا جاء طارق بليل الظلايم
والجازية يا دياب أم محمد=دعها على قبري تقيم العلايم
يا ما تقضي بيننا عز وهنا=عجلت في قتلي أيا ولد غانم
اذكر أيام الحروب التي مضت=لما أصيح يا دياب ابن غانم
تجيني على الشهبا كما الريح جريها=ندعي دم الأبطال عالأرض عايم
ولما تصيح يا هلالي سلامة=ألبيك في عزم متين القوايم
ياما شربنا الكاس والسعد داير=وحسادنا في قلبهم منا سمايم
مقال الحزين ابن رزق سلامة=لقد سلمت روحي لرب العوالم
فلما فرغ أبو زيد من كلامه دمعت عينـا ديـاب وضمّه الى صدره وأنشد يقول:
يقول الفتى الزغبي دياب الماجد=ودمع العين على الخدود بحار
بغيتم علينا يا هلالي سلامة=فعايلك عندي لها أسفار
لما أتينا الغرب نحو خليفة=تركنا لنجد والفؤاد بنار
فقمتم ضربتوا الشورى يا أبو مخيمر=أنت والجازية وأبو علي المكار
قلتم دياب الخيل يرعى جمالنا=في سهلها وحرشها وقفار
أخذت أنا البوش سرت بسرعة=وقبلت على نفسي وسوم العار
جاني أبو خريبة وراح من صارمي=ومكحول مني ذاق كل بوار
لما عجزتم عن حروب خليفة=قمتم ضربتم على الزغابي شوار
عملتم عليهم قرعة يا سلامي=وأنا غايب عنهم بعيد الدار
راحوا جميعا واخزنا عليهم=وراحوا الأمار بالتراب دمار
زيدان أخويا كان شيخ شبابكم=ونصر وعقل الاثنين كالأقمار
ولا عاد فيكم يا هلال مقاوم=ولا عاد فيكم فارس جبار
أتتكم سعدة مثل شمس منيرة=بنت الزناتي تشبه الأقمار
قالت لكم أبويا يهلك جموعكم=لأن أبويا فارس مغوار
فلا بقتله الا دياب بن غانم=لأنه صميدع فارس جبار
أتاني أبوي غانم الشيخ ع العصا=وخبروني عما بالأمارا صار
قال لي قم خذ ثار أخوك=أجارك الهي من عذاب النار
وقلت له يابوي رد وارتجع=أنا ما عدت ألعب مع أولاد صغار
الزم حسن وأبو زيد يرسل مكاتبة=أجيهم على الخضرا كشعلة نار
قصيتوا شعور بناتكم يا سلامة=وخطل بيدي يا سلامة جهار
تقولوا تعال الينا يا ولد غانم=ترانا بضيقة والهموم كثار
أتيت اليكم أنا من فوق خضرة=لها جرى يسبق هوى التيار
فتحت لسوق الحرب مع ولد حمير=ثلاثين يوما ليلها ونهار
راحت الخضرا طريحة على الوطا=وعقلي وحق ربي عليها طار
من بعدها قد جيت نحو خليفة=أصليت أنا الشر مثل النار
جاني وجيته فوق شهبا أصيلة=بيضة حمامي مثل ضوء نهار
أذقته حربا كالصبر طعمه=فراح يكتب لي كتابا مستجار
يقول لي دياب الخيل بالله جيرني=وخذ الى رزقي أيا مغوار
فلما سمعت قوله ماردت صالحه=زيدان فتح لي جروح كبار
طعنت الزناتي طعنة في عينه=فراح أبو سعدة وصار دمار
أخذنا الى تونس وكل بلادها=وطاعت الينا صغارها وكبار
قسمتوا بلاد الغرب قسمة مثلثة=وكل واحد بقسمته قد صار
هذا برأيك أنت يا بو مخيمر=أما حسن بذي الأمور حمار
تعدى بقتل أولاد عمي جميعهم=مع اخوتي وقرايبي الأخيار
قاضي العرب حكم بحبسي مخالفة=في حبس مظلم يقصف الأعمار
سبع سنين كاملة في حبوسكم=أقاسي عذاب الذل والاكدار
وأنت مغمض عينك راضيا=كأن مالك بذي الأمور خبار
حتى سمح ربي باطلاق عبده=سبحان ربي كاشف الأسرار
جيت الى قصري وجدته مكنسا=أخذتم الى مالي وكل جوار
فنويت أني سوف أفني جموعكم=وأفني عبيدكم مع الأحرار
وأقتل حسن وكل من يطاوعه=وأملك بلاد الغرب بالبتار
وقد عانني ربي ونلت بغيتي=وأجريت فعلي بالذي قد صار
فأوصيك يا أبو زيد مني وصية=سلم على زيدان عز الجار
وسلم على أولاد أختي وأبوهم=عقل ونصر وعمهم نصار
وسلم على خالي بدير بن فايد=وسلم على الأمارا وأخيار
أودعتك الله يا هلالي سلامة=غدا نلتقي في آخر الأعمار
ثم ركب دياب جواده وترك أبا زيد وسار، فاجتمع بقومه فرأوه مرتبكا وسألوه عن حاله، فقال لهم: قتلتلأبا زيد وما بقي الا أن نسرح ونملك بلاد الغرب، وأصير السلطان عليه، فما بقي أحد يخاصمني، ثم أن دياب سار الى تونس ودخل الى سراية الأحكام ونادى باسمه وأخبر أنه قتل ابا زيد وأنه هو الحاكم على كل البلاد، فصار من يعانده يقتله ومن يطيعه ينعم عليه.
يرجع الكلام الى جماعة أبي زيد، لما وصلوا اليه وجدوه مطروحا على الأرض فصاحوا وناحوا وحملوه تارة يغشى عليه وتارة يصحى، حتى أوصلوه الى الحريم، فصاحت النساء وخرجن بلا براقع ومزقن ثيابهن وأقمن البكاء والمناحات، واجتمع العربان من كل ناحية ومكان، وأما الجازية فانها أرخت شعورها ونتفت خدودها.
فلما فرغت الجازية من ندبها أغمي عليها، ثم تقدمت بعدها عليا وهي تنتف شعرها وتمزق ثيابها، وقد زادت في بكاها وانتحابها وقبلته بين عينيه، وقالت له: سلامتك يا أبا الأبطال ويا زينة الرجال، وجعلت ترثيه بأبيات مؤثرة.
فلما فرغت عليا، بكت النسوان وصاروا في ضجة وأبو زيد غميان، ولما أفاق من غشوته تأسف على نفسه وكيف باق فيه دياب، وصار يودع أهله وعشيرته ومما قاله:
يقول أبو زيد الهلالي سلامة=ولي همة شاعت في كل بلاد
ولا وقعة الا وكنت بوسطها=ولا معركة الا ولي تنقاد
ولا كل رجل يكشف مهمة=ولا كل من طلب المعالي ساد
|
|
|
|