الموضوع: الحب
عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 03 Jan 2014, 08:57 PM
عضوة متميزة

دنيا أفراحي غير متصل

تاريخ التسجيل : Jan 2013
رقم العضوية : 64337
الإقامة : algeria
الهواية : المطالعة وكتابة الخواطر
المشاركات : 1,044
معدل التقييم : 459
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
الحب



السلام عليكم ورحمة الله ......

قبل الحكم على الموضوع رفضاً أو قبولاً دعونا نحب بعضنا البعض ....ودعونا نجلب المحبة لمجتمعاتنا وأهلينا وعالمنا الذي نعيش فيه .

دعونا نكن صرحاء مع أنفسنا في مدى حاجتنا للمشاعر الجميلة قبل الفضة الغليظة ...


فإذا رأيت أن الموضوع لايناسبك فهذا لك , أو رأيت أن الموضوع لايصلح لأهل العلم فأشكرك على رأيك ....

وبعد ... هذه كلمات صدرت من قلب مكلوم من حبيب لحبيه , لم أكن لأنشرها ..لولا رغبة عدد من الفضلاء ومطالبتهم بنشرها لعلها أن تكون سلوى لكل محب , ربما يظهر بعض سرها لبعض الخواص أو من بعض الإشارات القادمة , و سأكتب على حلقات لعل الله أن ييسر تمامها ....





************************

3/5/1426 إلى 3/5/1430


يا حبيبي ....أنت عمري


وإني لتعروني لذكراك هزة .......كما انتفض العصفور بلله القطر

كأرض جرداء قاحلة أصبحت أنا...

ومثل وردة ذابلة أمسيت ...

فهاأنذا أتذكر أيام الحب الجميلة الرشيقة , أيام الود والصفاء التي حببت لي البقاء في كوكبنا الصغير الأرض .

ليست النفس البشرية إلا مجموعة من المشاعر المركبة , تختلط هذه المركبات بدماء وجسد لتكوِّن كائناً حياً يشمُّ الورد ويسمع الصوت العذب ويرى جمال الطبيعة الساحر .

وأما اللحم والدم والعظم فهي أعضاء تغدوا أشباحاً لا قيمة لها في لحظة سريعة , فنحن نعيش بأرواحنا ومشاعرنا , نعيش بحبنا وسعادتنا , نتجرع أحياناً شقاءً وبؤساً ونحتسي أحياناً نشوة الفرح , نعيش بخوفنا وأمننا , وأما أجسادنا فسوف ترمى تحت التراب في لحظة فقدان تلك القوة المحركة للهيكل العظمي والعصبي وهي قوة الإدراك والحس .

لا يلام الإنسان السوي على الحب , وإنما اللوم على فقدان المشاعر المرهفة والقوية , وليست اللحظات السعيدة إلا مجموع حياتنا القصيرة , وليست الآلام إلا محطات للإحساس بقيمة الصفاء والنقاء .

ليس الحب في عالم الأقوياء عيب بل هو من الصفات التي تدل على جمال القوة واكتمال الشخصية , فعندما يحب الشخص فذلك أمر محمود , وليس ضعفاً يوجب إسقاط الشخص واتهامه .
فيعقوب عليه السلام نبي كريم بلغ به البكاء من الحب لولده أن فقد عينية , وفقده لعينيه من كثرة البكاء وطوله بسبب الحب الذي لا نستطيع أن نسميه مفرطاً لعدم وضوح المقياس الذي نقيس به .

ومع ذلك لم يَسلبِ الله عنه صفة النبوة لأجل الحب الذي أفقده بصره , ولم يعتبر الحب الشديد ضعفاً لا يستحق المرء معه حمل أعباء النبوة .

وإذا تَعجَّب الناس من فقده لبصره بسبب البكاء المتواصل الكثير , فإن العجب الأكبر من هذا النبي الكريم هو عودة البصر إليه بسرعة خاطفة , بسبب إلقاء قميص المحبوب على وجهة .

قد يقال إن حُبّ يعقوب حُبّ من النوع العادي يصدر من كل أب للابن , ولكن هذا القول يصطدم بعقبة كؤود , إذ أن يعقوب عليه السلام لديه أحد عشر ولداً غيره , بإمكانه أن يقسم بينهم المحبة , بإمكانه أن يساويه تماماً ببقية أولاده , فلماذا زاد وطغى حب يوسف بالتحديد في قلبه ؟ , لماذا انفرد هذا الفتى بحب فائق لم يسمع في التاريخ بمثله , وهذا هو السؤال الذي حيّر الناس في الحب بجميع أنواعه , كيف تسري حرارته في القلب ؟ , ومتى يتغلغل إلى الأحشاء والجسم ؟, ومتى يذهب ؟.

فما يُحدِثه الحب الذي مقره في النفس من أمراض عضوية حقيقة نطقت بها الكتب السماوية قبل الأطباء القدامى والمعاصرين , وأثبتها الله في كتابه لتكون عظة وعبرة.

ولذلك بإمكانك وأنت تقرأ قصة يعقوب عليه السلام أن تجيب على السؤال العربي الشهير ( هل يقتلُ الرجلَ الحبُ ؟).

فإذا فقد نبي بصره بسبب الحب والوجد وما سببه الفراق من كَمَد وأسَى , فقد يفقد بشر مسكين لا يملك من القوى العلمية والدينية ما يقوى به على متاعب الحياة أكثر من ذلك , فربما فقد المرء العادي توازنه أو عقله أو غير ذلك .

وإذا تأمل المرء طلب نبي كريم تجاوز الستين من عمره زيارة قبر الأم التي يحبها , فيقف على قبرها , ويتذكر صدرها الحبيب , يتذكر حنانها وشفقتها وقبلاتها , ثم يجهش أمام أصحابه باكياً , ولم يزل يبكي حتى يبكي من حوله لبكائه وشفقته .

لم يكن هذا ضعفاً في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , ولكنه صفة كمال , لأنه قدوة للأجيال ومضرب الأمثال .

عندما تتحدث المشاعر والخواطر يصعب أن يكبتها الإنسان , والعاقل هو الذي يستطيع توجيه ذلك وليس كبته , الكبت ليس حلاً في كل الأحوال بل هو عجز أحياناً , وإنما العقل هو حسن استخدام تلك العاطفة .

يقرأ الناس أن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ذات يوم رقى المنبر , وألقى خطبة على أصحابه , وبينما هو يتحدث على أصحابه , وهو إمام الأمة , وأصحابه فرسان الجيوش , في زمن كانت المعارك قائمة بين المسلمين والكفار , فجأة يدخل أحفاده الصغار في المسجد , ويتعثروا في المشي , وهنا تتوقف الخطبة , ويتوقف الحديث مع أعظم بشر عرفهم التاريخ بعد الأنبياء , وينزل النبي لأبناء ابنته ليأخذ بأيديهم , كان بإمكانه الإشارة لأحد الصحابة أن يحملوا الأطفال ويذهبوا بهم لأمهاتهم , كان بإمكان أولئك العرب الأقحاح أن ينكروا ولوا بلطف في ترك الحديث معهم والنزول للأطفال الصغار, ولكن الرحمة والشفقة معنى أكبر من ذلك , والموقف صادر من نبي يربي أصحابه على حب الصغير والشفقة والرحمة به حتى في أحلك المواقف وأصعبها .
وإذا ولجنا من باب الفقهاء والوعاظ , فإذا فرضنا أن خطيباً حاول أن يتأسى برسول الله عليه السلام , وحاول أن يقطع الخطبة من أجل أبنائه , فسوف تقوم الدنيا عليه ولن يسكت الناس حتى يعزلوه من منصبه , فكيف يحتقر مكانتهم وقدرهم وينصرف عن الحديث معهم , ويتركهم لبضع ثواني ليراقب أطفاله وأبنائه , وماذا لو كان هذا الإمام في مسجدٍ تنقل صلاته عبر الشاشات والإذاعات ..!!.

حسناً ربما كان الحل سهلاً , وهو أن النبي الكريم عندما فعل ذلك لم يكن من باب العناد لأصحابه , ولا من باب المعاملة التي لا يعرفون , فهم يعرفون رحمته وشفقته , يعرفون حبه وصدقه معهم , وأما نحن اليوم فنحتاج لئن نربي الأمة وجمهور الناس على الحب والشفقة , تربيهم على السمو في الأخلاق والمعاملات , وبحاجة أن نُعوِّد الخطيب على الرحمة والشفقة , وليس مجرد التأسي بالفعل مع خلو القلب من تلك الرحمة والشفقة بأهله أولاً ثم أمته وأهل مسجده .

ولقد أخبرنا ربنا بقوله مثلاً : ( حدائق ذات بهجة ) فهذه الألوان المتناسقة , والأغصان المتمايلة , والزهور الناعمة شيء عظيم يبعث شعورا خفيا في الروح , يحس المرء معه بنشوة غريبة , فإذا رأيت من يقول لك إنها ليست باعثة على البهجة والسرور (بالنسبة له) , فاعلم أنه إما كاذب أو جاحد لنعمة الله تعالى أو مكابر معاند , والمكابرة مرض أصاب إبليس فطرده الله من الجنة .

وليست العبرة بنقول من بطون الكتب عن أناس لم يحسوا بالجمال المودع في الكون , لقد ظلموا أنفسهم وغيرهم بدعواهم عدم وجودهم المتعة للروح والنفس والجسد في جنبات الأرض والكون , وهم عندما انعزلوا عن النظر الباعث على البهجة والسرور وقعوا في محظور لم يتفطنوا له .
فإظهار الضعف البشري مطلب أمام قوة الخالق العظيم .
وإظهار البهجة والفرح بهدايا الملك خير من تركها أو وردها .

ورفض هدايا الملك ودعوى عدم روعتها أو حبها كبر وغرور وجريمة تستحق العقاب , والتمتع بالملذات في غير ما حرمه الملك العظيم خير من دعوى عدم إثارتها للمشاعر .


إنه يشابه إبليس في رفضه للسجود في قوله عن آدم أنا خير منه ) فغرور إبليس جعله يرفض الخضوع للمشيئة الإلهية , وهذا الرافض التمتع بجمال الكون كأنه يقول لربه إن أنهارك وأشجارك وطيورك التي خلقت لا تحرك في مشاعري شيئاً , ولن أسمح لنفسي أن تلهو وتحلق وتنتشي في هذا الجمال , لأنه للفارغين فقط وليس للباحثين عن الكمال الذي نحن أهله , كأنهم يقولون إن ضعفنا لن يظهر أمام جميل خلقك ,لقد بلغ طغيان الفلاسفة أن جعلوا قضية الجنة والنار خطاب للعامة فقط وليس لأصحاب العقول أمثالهم , ثم زعم بعدهم أناس أن إحساس الجمال والتمتع به إنما يكون للفارغين والعامة من الناس .

هكذا هي خطوات الشيطان تحاول دائماً تحدي قوة الرب , وهكذا الإنسان الذي أعجبته نفسه يحاول أحياناً أن يكون ملكاً للكون ويلغي ضعفه وعجزه وفقره .

ربما ألبسها بعضهم ستاراً دينياً فزعموا أن النظر في الجمال المودع في الكون لا يليق بعاقل تعلق بحب الله , وهكذا توصلوا لدعواهم بذريعة يقبلها العامة .

وقد تفطن لذلك بعض الأدباء فقال شعراً : ( ... إن المحب لمن يحب مطيع ) , هل يعقل شرعاً أن تُردّ هدايا المحبوب وهو الله تعالى ؟ , و هل حقاً يجب علينا ألا نتنعم بهدايا المحبوب ؟ .

ألم يقل لنا ( خلق لكم ما في الأرض جميعاً ) , وقال لنا قل من حرم زينة الله التي أخرج لعبادة ) فقد سماها زينة لينعم بها عباده ويشكرونه عليها , وقال عن الدواب : ( لتركبوها وزينة ) فقد أضاف عبارة مهمة للعقلاء فليست لمجرد الركوب والاستخدام, بل هناك معنى آخر وهو الزينة والمتعة , وقال عن الطعام : ( كلوا من رزق ربكم واشكروا له ) فالطعام الحسن رزق , والمسكن الحسن رزق , والخضرة والماء والورد رزق , والجمال بشتى صنوفه رزق , وكل هذه أرزاق توجب الشكر لا الكفر والجحود والإعراض ...

الجمال المفضي للحب والأنس والسكون , استدل الله به على التوحيد له , فبالجمال المودع في الكون يمكن أن يصل المرء لحقيقة تفرد الرب وعظمته , ولذلك قال مخاطباً كل عاقل وعاقلة : ( حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله !!), يخاطبك عن تناسق الألوان وجمال المنظر وروعة الصنع التي توجب أن ينقدح في قلب كل من رآها بهجة وسروراً , تأمل قوله : ( صوركم فأحسن صوركم ) إنه يذكرك بجمال الخلق ودقته وروعته , فهل توجهنا إليه واعترفنا له بالإبداع والقدرة العظيمة , أنه يذكر لنا صنوف الفواكه والأشجار التي نشاهدها لنستدل على عظمته وقوته وحسن صنعه , ثم يقول لنا في ختام ذلك ( هل من خالق غير الله ؟! ) .

لقد حاول الفقهاء والصوفية تعريف الحب , وحاولوا أن يقيدوه ويحبسوه بتعريفاتهم الجامعة المانعة , حاولوا أن يضعوا الأغلال عليه وحاولوا أن يكبلوه في الأوراق ليتحكموا فيه ويجعلوه تبعاً لهم , لقد تتبع بعض العلماء مثل ( ابن القيم )كلام الناس في تعريف الحب , فغدا يعدد الأقوال والتعريفات حتى طالت به الصفحات بدون جدوى , حتى اعترف بأنه لا يندرج تحت القواعد والتعريفات.

ولكنّ الحب كسر الأغلال وطار في البلدان , كحلم جميل لا يأبه بتعريف أو حَدِّ , هاهو يحلق ويطير ويتشكل بين القارات , ويتجاوز البحار والقفار , إنه ينام في صدر شابه حسناء ترقبه وتناجيه , ويداعب خيال فتىً غض الشباب طري العود , وتراه يسير مع الفقراء والأغنياء سواسية لا يفرق بينهم , إنه عاشق الوحدة والتفرد والدخول لخلجات القلوب , إنه يُظهر أثره وقوته في عيون شيخ كبير فتسيل دموعه لا إرادياً , ويظهر نفسه في قسمات امرأة عجوز حتى يخشى الناس عليها , إنه يظهر في سلوك الأنبياء , والزهاد , والملوك , والفقراء , وسائر الناس .

إنه عظيم كاسمه تماماً....فهو لا يعرف لغة أو لوناً أو نسباً ,
فهو جليس الشعراء ,
وسمير الأدباء , ورفيق الدرب للبلغاء ,
وملهب المشاعر الفياضة للمخلوقات ,
فليس أجمل من الحب .


وليس لحب الشخص مدى يحتكم إليه إلا في ثبوت نص شرعي يوجب ذلك , وليست الحدود البشرية التي تتعلق بالحساب والمنطق هي المرجع والفصل في تحديد المقدار الذي يجب أن يحب به المرء , فليس من العدل أن يقال أحبك مثل الجبال العالية , فمسائل الحب تتعلق بالنفوس والقلوب وليست من جنس المحسوسات المدركات التي تقاس بضوابط معينة ويجمع عليها العقلاء .

فكم هو مهم هذا الحب الذي يطرق القلوب بدون استئذان , الحب الذي نعيش به وننعم , الحب الذي يبكي من أجله ملايين البشر باختلاف لغاتهم وألسنتهم , الحب الذي بالغ فيه بعض الناس حتى جعلوه مطية للشرك و الكفر كعبّاد الأولياء أو الأنبياء ونحوهم , أو حاول بعضهم جحده ورفضه ليزعموا كمالهم وعدم افتقارهم .

خضر بن سند


توقيع : دنيا أفراحي

رد مع اقتباس