عرض مشاركة واحدة
قديم 22 Aug 2010, 05:38 AM [ 23 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل


رد: سلسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم


4- النقاش والجدال :
وكانت ثلاث قضايا استغربها المشركون جدًّا، وكانت هي الأساس في الخلاف الذي حصل بينهم وبين المسلمين في أمر الدين، وهي : التوحيد، والرسالة. والبعث بعد الموت. فكانوا يناقشون في هذه القضايا، ويجادلون حولها.
فأما البعث بعد الموت فلم يكن عندهم في ذلك إلا التعجب والاستغراب، والاستبعاد العقلي فقط، فكانوا يقولون : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ{16} أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ{17} سورة الصافات، وكانوا يقولون : { ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ{3} سورة ق، وكانوا يقولون : { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ{7} أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ{8} سورة سبأ، وقال قائلهم :
أموت ثم بعث ثم حشر=حديث خرافة يا أم عمرو
وقد رد الله عليهم بأنواع من الردود، حاصلها أنهم يشاهدون في الدنيا أن الظالم يموت دون أن يلقى جزاء ظلمه، والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من ظالمه، والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصلاحه، والمسيء يموت قبل أن يعاقب على سيئاته، فإن لم يكن بعد الموت يوم يبعث فيه الناس، فيؤخذ من الظالم للمظلوم، ويجزى المحسن الصالح، ويعاقب المسيء الفاجر، لاستوى الفريقان، ولا يكون بينهما فرق، بل يصير الظالم والمسيء أسعد من المظلوم والمحسن التقي. زهذا غير معقول إطلاقاً، وليس من العدل في شيء، ولا يتصور من الله سبحانه أن يبني نظام خلقه على مثل هذا الظلم والفساد. قال تعالى : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{35} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{36} سورة القلم، وقال : { أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{21} سورة الجاثية.
وأما الاستبعاد العقلي، فقال رداً عليهم في ذلك : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء ..{27} سورة النازعات، وقال : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{33} سورة الأحقاف، وقال : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ{62} سورة الواقعة، وقال : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ{104} سورة الأنبياء، وذكرهم ما هو معتاد لديهم، وهو أن العادة : { أَهْوَنُ عَلَيْهِ {27} سورة الروم، وقال : { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ{15} سورة ق.
وأما رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فكانت لهم حولها شبهات مع معرفتهم واعترافهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته وغاية صلاحه وتقواه، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أعظم وأجل من أن يعطى لبشر، فالبشر لا يكون رسولاً، حسب عقيدتهم، فلما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبوته ورسالته، ودعا إلى الإيمان به تحير المشركون، وتعجبوا، وقالوا : { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ {7} سورة الفرقان، قال تعالى : { بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ{2} سورة ق. وقالوا : { مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ {91} سورة الأنعام.
وقد أبطل الله عقيدتهم هذه، وقال رداً عليهم : { قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ {91} سورة الأنعام، وقص عليهم قصص الأنبياء والرسل، وما جرى بينهم وبين قومهم من الحوار، وأن قومهم قالوا إنكاراً لرسالتهم : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } و { {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه } سورة إبراهيم :10,11. فالأنبياء كلهم كانوا بشراً. وأما أن يكون الرسول ملكاً فإن ذلك لا يفي بغرض الرسالة ومصلحتها، إذ البشر لا يستطيع أن يتأسى بالملائكة، ثم تبقى الشبهة كما هي، قال تعالى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ{9} سورة الأنعام.
وحيث إن المشركين كانوا يعترفون أن إبراهيم وإسماعيل وموسى عليهم السلام كانوا رسلاً وكانوا بشراً، فإنهم لم يجدوا مجالاً للإصرار على شبهتهم هذه. ولكنهم أبدوا شبهة أخرى، قالوا : ألم يجد الله لحمل رسالته إلا هذا اليتيم المسكين ؟ ما كان الله ليترك العظماء الكبار من أشراف قريش وثقيف، ويرسل هذا، { لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ{31} سورة الزخرف، أي من مكة والطائف، قال الله تعالى رداً عليهم : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ {32} سورة الزخرف. يعني أن الوحي والقرآن والنبوة والرسالة رحمة من الله، والله يعلم كيف يقسم رحمته، وأين يضعها، فمن يعطيها، ومن يحرمها، قال تعالى : { ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ {124} سورة الأنعام.
انتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى قالوا : إن من يكون رسولاً لملك من ملوك الدنيا يوفر له الملك أسباب الحشمة والجاه من الخدم والحشم والضيعة والمال والأبهة والجلال، وغير ذلك، وهو يمشي في موكب من الحرس والمرافقين أصحاب العز والشرف، فما بال محمد يدفع في الأسواق للقمة عيش يدعى إنه رسول الله ؟ : { لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً{7} أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً{8} سورة الفرقان.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل إلى جميع أنواع البشر : صغارهم وكبارهم، وضعافهم وأقويائهم، وأذنابهم وأشرافهم، وعبيدهم وأحرارهم، فلو حصل له ما تقدم من الأبهة والجلال ومواكبة الخدم والحشم والكبار، لم يكن يستفيد به ضعفاء الناس وصغارهم، وهم جمهور البشر، وإذن لفتت مصلحة الرسالة، ولم تعد لها فائدة تذكر. ولذلك أجيب المشركون على طلبهم هذا بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول، يعني يكفي لدحض شبهتكم هذه أنه رسول، والذي طلبتوه له من الحشمة والجاه والموكب والمال، ينافي تبليغ الرسالة في عامة الناس، بينما هم مقصودون بالرسالة.
فلما ردّ على شبهتهم هذه تقدموا خطوة أخرى، وأخذوا يطالبون بالآيات عناداً وتعجيزاً، فدار بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم نقاش وحوار.


الأعلى رد مع اقتباس