عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 21 Jan 2024, 03:53 PM
عضو ذهبي

مُتزن غير متصل

تاريخ التسجيل : Apr 2023
رقم العضوية : 78147
الإقامة : saudi arabia
الهواية :
المشاركات : 766
معدل التقييم : 25
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
الُِمعٍلُِقٌات الُِسبَعٍ




تعريف المعلقات ،


كان فيما اُثر من أشعار العرب ، ونقل إلينا من تراثهم الأدبي الحافل بضع قصائد من مطوّلات الشعر العربي ، وكانت من أدقّه معنى ، وأبعده خيالاً ، وأبرعه وزناً ، وأصدقه تصويراً للحياة ، التي كان يعيشها العرب في عصرهم قبل الإسلام ، و لهذا كلّه ولغيره عدّها النقّاد والرواة قديماً قمّة الشعر العربي وقد سمّيت بالمطوّلات ، وأمّا تسميتها المشهورة فهي المعلّقات ، نتناول نبذةً عنها وعن أصحابها وبعض الأوجه الفنّية فيها ،


فـ المعلّقات لغةً من العِلْق : وهو المال الذي يكرم عليك ، تضنّ به ، تقول : هذا عِلْقُ مضنَّة ، وما عليه علقةٌ إذا لم يكن عليه ثياب فيها خير ، والعِلْقُ هو النفيس من كلّ شيء ، وفي حديث حذيفة : « فما بال هؤلاء الّذين يسرقون أعلاقنا » أي نفائس أموالنا ، و العَلَق هو كلّ ما عُلِّق ،


وأمّا المعنى الاصطلاحٍ فـ المعلّقات ، قصائد جاهليّة بلغ عددها السبع أو العشر ، على قول ، برزت فيها خصائص الشعر الجاهلٍ بوضوح ، حتّى عدّت أفضل ما بلغنا عن الجاهليّين من آثار أدبية 4 ،

والناظر إلى المعنيين اللغوي والاصطلاحٍ يجد العلاقة واضحة بينهما ، فهي قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة ، بلغت الذّروة في اللغة ، وفي الخيال والفكر ، وفي الموسيقى وفي نضج التجربة ، وأصالة التعبير ، ولم يصل الشعر العربي إلى ما وصل إليه في عصر المعلّقات من غزل امرئ القيس ،
وحماس المهلهل ، وَ فخر ابن كلثوم ، إلاّ بعد أن مرّ بـ أدوار وٌ مراحل إعداد وتكوين طويلة ،

وفي سبب تسميتها بـ المعلّقات هناك أقوال منها ،
لأنّهم أستحسنوها وكتبوها بـ ماء الذهب وَ علّقوها على الكعبة ، وهذا ما ذهب إليه ابن عبد ربّه في العقد الفريد ، وَ ابن رشيق وابن خلدون وغيرهم ، يقول صاحب العقد الفريد : « وقد بلغ من كلف العرب به ، ( أي الشعر ) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيّرتها من الشعر القديم ، فـ كتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة ، وَ علّقتها بين أستار الكعبة ، فـ منه يقال : مذهّبة امرئ القيس ، ومذهّبة زهير ، والمذهّبات سبع ، وقد يقال : المعلّقات ، قال بعض المحدّثين قصيدة له وٌ يشبّهها ببعض هذه القصائد التي ذكرت ،


برزةٌ تذكَرُ في الحســنِ من الشعر المعلّقْ !
كلّ حرف نـادر منـ ـها له وجـهٌ معشّ ،


أو لأنّ المراد منها المسمّطات وَ المقلّدات ، فإنّ من جاء بعدهم من الشعراء قلّدهم في طريقتهم ، وهو رأي الدكتور شوقٍ ضيف وَ بعض آخر ، أو أن الملك إذا ما أستحسنها أمر بتعليقها في خزانته ،


هل علّقت على الكعبة ؟


سؤال طالما دار حوله الجدل والبحث ، فـ بعض يثبت التعليق لهذه القصائد على ستار الكعبة ، وٌ يدافع عنه ، بل وَ يسخّف أقوال معارضيه ، وبعض آخر ينكر الإثبات ، وٌ يفنّد أدلّته ، فيما توقف آخرون فـ لم تقنعهم أدلّة الإثبات وَلا أدلّة النفي ، ولم يعطوا رأياً في ذلك ،


المثبتون لـ لتعليق وأدلّتهم :

لقد وقف المثبتون موقفاً قويّاً ودافعوا بشكل أو بـ آخر عن موقفهم في صحّة التعليق ، فـ كتبُ التاريخ حفلت بنصوص عديدة تؤيّد صحّة التعليق ، فـ في العقد الفريد ذهب ابن عبد ربّه ومثله ابن رشيق والسيوطيوياقوت الحموي وابن الكلبي وابن خلدون ، وغيرهم إلى أنّ المعلّقات سمّيت بذلك ، لأنّها كتبت في القباطي بـ ماء الذهب وَ علّقت على أستار الكعبة ، وذكر ابن الكلبي ، أنّ أوّل ما علّق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركان الكعبة أيّام الموسم حتّى نظر إليه ثمّ اُحدر ، فـ علّقت الشعراء ذلك بعده ،


وأمّا الاُدباء المحدّثون فـ كان لهم دور في إثبات التعليق ، وٌ على سبيل المثال نذكر منهم جرجي زيدان حيث يقول ،
وإنّما استأنف إنكار ذلك بعض المستشرقين من الإفرنج ، وَ وافقهم بعض كتّابنا رغبة في الجديد من كلّ شيء ، وأيّ غرابة في تعليقها وتعظيمها بعدما علمنا من تأثير الشعر في نفوس العرب ؟! وَ أمّا الحجّة التي أراد النحّاس أن يضعّف بها القول فـ غير وجيهة ، لأنّه قال : إنّ حمّاداً لمّا رأى زهد الناس في الشعر جمع هذه السبع وحضّهم عليها وقال لهم : هذه هي المشهورات ، وَ بعد ذلك أيّد كلامه وٌ مذهبه في صحّة التعليق بما ذكره ابن الأنباري إذ يقول : وهو ، أي حمّاد ، الذي جمع السبع الطوال ، هكذا ذكره أبو جعفر النحاس ، ولم يثبت ما ذكره الناس من أنّها كانت معلّقة على الكعبة ،


وقد استفاد جرجي زيدان من عبارة ابن الأنباري ، « ما ذكره الناس » ، فـ هو أي ابن الأنباري يتعجّب من مخالفة النحاس لما ذكره الناس ، وٌ هم الأكثرية من أنّها علقت في الكعبة ،


النافون لـ التعليق ،

ولعلّ أوّلهم والذي يعدُّ المؤسّس لهذا المذهب ، كما ذكرنا ، هو أبو جعفر النحّاس ، حيث ذكر أنّ حمّاداً الراوية هو الذي جمع السبع الطوال ، ولم يثبت من أنّها كانت معلّقة على الكعبة ، نقل ذلك عنه ابن الأنباري ، فـ كانت هذه الفكرة أساساً لـ نفي التعليق ،


كارل بروكلمان حيث ذكر أنّها من جمع حمّاد ، وقد سمّاها بـ السموط والمعلّقات للدلالة على نفاسة ما اختاره ، ورفض القول : إنّها سمّيت بـ المعلّقات لتعليقها على الكعبة ، لأن هذا التعليل إنّما نشأ من التفسير الظاهر لـ التسمية وَ ليس سبباً لها ، وهو ما يذهب إليه نولدكه ،


وعلى هذا سار الدكتور شوقي ضيف مضيفاً إليه أنّه لا يوجد لدينا دليل مادّي على أنّ الجاهليين اتّخذوا الكتابة وسيلة لحفظ أشعارهم ، فـ العربية كانت لغة مسموعة لا مكتوبة ، ألا ترى شاعرهم حيث يقول ،

فلأهدينّ مع الرياح قصيدة منّي مغـلغلة إلى القعقاعِ !
ترد المياه فـما تزال غريبةً في القوم بين تمثّل وسماعِ ؟


ودليله الآخر على نفي التعليق هو أنّ القرآن الكريم ، على قداسته ، لم يجمع في مصحف واحد إلاّ بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وٌ سلم ) ، طبعاً هذا على مذهبه) ، وكذلك الحديث الشريف ، لم يدوّن إلاّ بعد مرور فترة طويلة من الزمان ، ( لـ أسباب لا تخفى على من سبر كتب التأريخ وأهمّها نهي الخليفة الثاني عن تدوينه ) ، ومن باب أولى ألاّ تكتب القصائد السبع ولا تعلّق ،


وممّن ردّ الفكرة : فكرة التعليق ، الشيخ مصطفى صادق الرافعي ، وذهب إلى أنّها من الأخبار الموضوعة التي خفي أصلها حتّى وثق بها المتأخّرون ،


ومنهم الدكتور جواد علي ، فقد رفض فكرة التعليق لـ اُمور منها ،


1 ـ أنّه حينما أمر النبي بتحطيم الأصنام والأوثان التي في الكعبة وطمس الصور ، لم يذكر وجود معلقة أو جزء معلّقة أو بيت شعر فيها ،

2 ـ عدم وجود خبر يشير إلى تعليقها على الكعبة حينما أعادوا بناءَها من جديد ،

3 ـ لم يشر أحد من أهل الأخبار الّذين ذكروا الحريق الذي أصاب مكّة ، والّذي أدّى إلى إعادة بنائها لم يشيروا إلى احتراق المعلّقات في هذا الحريق ،

4 ـ عدم وجود من ذكر المعلّقات من حملة الشعر من الصحابة والتابعين ولا غيرهم ،


ولهذا كلّه لم يستبعد الدكتور جواد علي أن تكون المعلّقات من صنع حمّاد ، هذا عمدة ما ذكره المانعون للتعليق ،
بعد استعراضنا لأدلة الفريقين ، اتّضح أنّ عمدة دليل النافين هو ما ذكره ابن النحاس حيث ادعى أن حماداً هو الذي جمع السبع الطوال ،


وجواب ذلك أن جمع حماد لها ليس دليلا على عدم وجودها سابقاً ، وإلاّ انسحب الكلام على الدواوين التي جمعها أبو عمرو بن العلاء والمفضّل وغيرهما ، ولا أحد يقول في دواوينهم ما قيل في المعلقات . ثم إنّ حماداً لم يكن السبّاق إلى جمعها فقد عاش في العصر العباسي ، والتاريخ ينقل لنا عن عبد الملك أنَّه عُني بجمع هذه القصائد (المعلقات) وطرح شعراء أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة ،


وأيضاً قول الفرزدق يدلنا على وجود صحف مكتوبة في الجاهلية ،

أوصى عشية حين فارق رهطه !
عند الشهادة في الصحيفة دعفلُ ،

أنّ ابن ضبّة كـان خيرٌ والداً !
وأتمّ في حسب الكرام وأفضلُ ،


كما عدّد الفرزدق في هذه القصيدة أسماء شعراء الجاهلية ، وَ يفهم من بعض الأبيات أنّه كانت بين يديه مجموعات شعرية لشعراء جاهليين أو نسخ من دواوينهم بدليل قوله ،

وَ الجعفري وكان بشرٌ قبله !
لي من قصائده الكتاب المجملُ ،

وبعد أبيات يقول ،

دفعوا إليَّ كتابهنّ وصيّةً فورثتهنّ كأنّهنّ الجندلُ !


كما روي أن النابغة وغيره من الشعراء كانوا يكتبون قصائدهم ويرسلونها إلى بلاد المناذرة معتذرين عاتبين ، وقد دفن النعمان تلك الأشعار في قصره الأبيض ، حتّى كان من أمر المختار بن أبي عبيد و إخراجه لها بعد أن قيل له : إنّ تحت القصر كنزاً ،


كما أن هناك شواهد أخرى تؤيّد أن التعليق على الكعبة وغيرها ـ كالخزائن والسقوف والجدران لأجل محدود أو غير محدود ، كان أمراً مألوفاً عند العرب ، فالتاريخ ينقل لنا أنّ كتاباً كتبه أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة في حلف خزاعة لعبد المطّلب ، وعلّق هذا الكتاب على الكعبة . كما أنّ ابن هشام يذكر أنّ قريشاً كتبت صحيفة عندما اجتمعت على بني هاشم وبني المطّلب وعلّقوها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم ،


ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواه البغدادي في خزائنه من قول معاوية ، قصيدة عمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حِلزه من مفاخر العرب كانتا معلّقتين بالكعبة دهراً ،

هذا من جملة النقل ، كما أنّه ليس هناك مانع عقلي أو فنّي من أن العرب قد علّقوا أشعاراً هي أنفس ما لديهم ، وأسمى ما وصلت إليه لغتهم ، وهي لغة الفصاحة والبلاغة والشعر والأدب ، ولم تصل العربية في زمان إلى مستوى كما وصلت إليه في عصرهم ، وَ من جهة أخرى كان لـ الشاعر المقام السامي عند العرب الجاهليين فهو الناطق الرسمي باسم القبيلة وهو لسانها والمقدّم فيها ، وبهم وبشعرهم تفتخر القبائل ، ووجود شاعر مفلّق في قبيلة يعدُّ مدعاة لعزّها وتميّزها بين القبائل ، ولا تعجب من حمّاد حينما يضمّ قصيدة الحارث بن حلزّة إلى مجموعته ، إذ إنّ حمّاداً كان مولى لقبيلة بكر بن وائل ، وقصيدة الحارث تشيد بمجد بكر سادة حمّاد ، وذلك لأنّ حمّاداً يعرف قيمة القصيدة وما يلازمها لرفعة من قيلت فيه بين القبائل ،


فإذا كان لـ اشعر تلك القيمة العالية ، وإذا كان للشاعر تلك المنزلة السامية في نفوس العرب ، فما المانع من أن تعلّق قصائد هي عصارة ما قيل في تلك الفترة الذهبية لـ الشعر ؟
ثمّ إنّه ذكرنا فيما تقدّم أنّ عدداً لا يستهان به من المؤرّخين والمحقّقين قد اتفقوا على التعليق ،


فـ قبول فكرة التعليق قد يكون مقبولا ، وأنّ المعلّقات لنفاستها قد علّقت على الكعبة بعدما قرئت على لجنة التحكيم السنوية ، التي تتّخذ من عكاظ محلاً لها ، فهناك يأتي الشعراء بما جادت به قريحتهم خلال سنة ، ويقرأونها أمام الملإ ولجنة التحكيم التي عدُّوا منها النابغة الذبياني ليعطوا رأيهم في القصيدة ، فإذا لاقت قبولهم واستحسانهم طارت في الآفاق ، وَ تناقلتها الألسن ، وعلّقت على جدران الكعبة أقدس مكان عند العرب ، وإن لم يستجيدوها خمل ذكرها ، وخفي بريقها ، حتّى ينساها الناس وكأنّها لم تكن شيئاً مذكوراً ،،


توقيع : مُتزن
أترك لي رسالة : إنطباع ، نقد ، و أسال بما شِئت
ستبقى مجهولاً ❕
https://app.ask.fm/arrogance_95

إجعل رسالتك بناءة ،،

رد مع اقتباس