.



قال الله عز وجل ( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون )

للماء بلا شك علاقة قد تكون مُقدسة مع الإنسان وباقي المخلوقات فلا حياة بلا ماء
ولو تمعن الإنسان منا في الماء لأصبح رمزا دينيا ودلالة لمفاهيم روحانية فقد جعل
الله ثلاث أرباع حجم الأرض بحار و محيطات وتقريبا بنفس النسبة هي كمية الماء
في جسم الإنسان منا .

سبحانك ربي ما أعظمك .. تأمل هطول المطر .. ستجد ماء تبخر في الصيف ..
وسحب تكونت في الخريف .. ومطر هطل في الشتاء .. أحيا الله به الأرض في
الربيع .. ووصل الماء إلى أماكن صعب أن يصل إليها بدون المطر وبّل
أحيانا مستحيل !

ولا تكتمل الفلسفة الروحية دون أن تتبع مفاهيم الماء .. فهي ليست مادة
للحياة فقط بل أراها هي الطاقة والقوة الكُبرى في حياتنا .. بل نحن أخذنا
بعضا من صفاتها في البشر : كما في الماء الهدوء كما تجري ماء الأنهار
وفينا الركود كما هي ماء البرك وفينا القسوة كما هي الفيضانات وفينا اللين
كما هي الجداول وفينا العصبية والتهور كما تثور البحار أحيانا وفينا التّسرع
كنزول الماء من منحدر أو شلال !

من البشر من اتخذ بلاد متجمدة لهم سكنا كما هم أهل الأسكيمو ومنا من
يعيش في بلاد حارة وآخرين في بلاد باردة ومن البشر من سكن الخيام
ومنهم من سكن القصور والعامة سكنوا البيوت وقد تكون واسعة أو
محدودة المساحة وكل هؤلاء تكيف مع الأجواء ومع المكان كما هي الماء
تتكيف مع الوعاء الذي توضع فيه ومع الأجواء التي تُفرض عليها .

وإذا تتبعنا الماء بصورة فلسفية أخر يفقد كانت أول مادة عاكسة عرفها
الإنسان فعكست للإنسان شكله ومن هنا تشكلت فلسفة النظر إلى ما في
أعماق النفس البشرية فدخلت الماء الأدب والشعر من أوسع الأبواب
سواء في التحولات الشكلية أو اللفظية فقرأنا في الأدب عن البحر
والنهر قرأنا عن السحاب وعن الندي وعن الأمطار والآبار !

وتذكرت هنا قول درويش :

طلبت الماء من عدوي ولم يسمعني
فنطقت باسمك وارتويت

وفي مقولة لشاعر آخر قال :
الماء أنا وأنا عطش

ما وجدت اقرب للإنسان في جماليته وتحولاته من الماء
وكأن سيرة الماء هي نفسها سيرة الإنسان .