..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


آخر 10 مشاركات وفاة اللواء سلطان بن عايض بن حسين    <->    حصرياً لقاء الكبار مع سعادة اللواء / سلطان بن عايض الشدادي    <->    القليل عن اللواء / سلطان عايض الشدادي أبو ثامر    <->    Reyadh رابطة جمهور العالمي (18)    <->    نشاط كريستيانو رونالدو CR7    <->    وردة محشي بطاطس    <->    وردة شوربة اش رشته الايرانية    <->    وردة تكساس فرايز    <->    وردة شوربة الشوفان    <->    كيك امريكانا    <->   
مختارات   اللَّهُمَّ قِني شَرَّ أصْدقائي، أمَا أعْدَائي فأنا كَفيلٌ بِهم ‏   
مواضيع ننصح بقراءتها وفاة اللواء سلطان بن عايض بن حسين
العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الأدبية > منتدى القصص والحكايات
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 03 Apr 2007, 11:53 AM [ 31 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
مواضيع : 1901
الردود : 9766
مجموع المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25بسمة is on a distinguished road

بسمة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص





تداعي الفصول:رواية للكاتبة مريم آل سعد..(الحلقة الثالثة عشرة)

الثالث و الأربعون
يحيي العظام و هي رميم

حاول احمد ان يخفي انفعالاته هو الاخر ولكنه لم يستطع سوى النهوض لا يلوي على شيء يرتدي ملابسه على عجل لرؤية ابنه بعد سنوات من غيبوبته الطويلة.
كانت وضحة خائفة لا تصدق القدر ولا تثق به، هل ستفتح باب الغرفة وتجده فعلا واعيا ومستيقظا جالسا وحتى راقدا على سريره ولكنه ينظر اليها ويدرك من حوله ويعرفهم ويعرف نفسه..؟؟
انهم لا يكذبون حينما هاتفوها من المستشفى، انه حي.. مستيقظ، سأراه بعد قليل واضمه الى صدري وابكي وجعي كله عليه. ولكن هل تكون صحوة مفاجئة..؟؟ هل هي حركة افاقة قبل الدخول في الصمت الأكبر..؟
انتفضت وضحة تريد ان ترى ابنها قبل فوات الأوان وان تحميه وترد عنه كيد المنون. عندما استدار احمد الى باب الخروج كانت وضحة تتبعه ولم تستطع منع نفسها من الهرولة.
وعندما يخامرها الشعور بأنهما ذاهبان الى رؤية ابنهما ومحادثته وانهما قد استعاداه، وعاد اليهما من جديد فان الحيوية تتدفق اليها وتكاد تتشاجر مع احمد وهي تجادله:
لا تذهب من هذا الطريق فهو اطول، لم استدرت هنا كان بامكانك المتابعة واختصار الطريق.؟
وعندما وصلا لم تنتظره لتسير معه ولم تتذكر انه جاء معها، كانت تهرول ما وسعها حمل جسدها على الهرولة وهدف واحد يتربص بها، هل عاد بالفعل وهل سأراه من جديد..؟
عندما دخلا الغرفة كان وجيب قلبيهما يكاد يسمع هديره، واعصابهما النافرة والمتحفزة تكاد تتمزق من الترقب وعدم الثقة بضربات القدر وتاريخه معهما.
ها هو وجه ابنهما الواهن يبتسم لهما وقد اضاء الفرح وجهه النحيل وعينيه الغائرتين. كان ممددا على سرير المرض الذي ارتفع جانبه الأمامي بحيث سمح له بالاتكاء والجلوس قليلا.
عانقه والده وحمدالله على سلامته، بينما ارتمت وضحة على جسده النحيل وضمته اليها تكاد تخلع ضلوعه وذهبت في نوبة بكاء لم يستطع احد سحبها بين احضانه، أو حملها على التوقف. بعد حين كأنها عادت الى الواقع وفرغت شحنتها العصبية استطاعت ان تسمع صوت احمد وتأنيبه: سوف تكسرين عظامه. اتركيه يتنفس قليلا. يحتاج الى مساحة من الوقت ليتعاطى مع واقعه الجديد. اتركيه ولا تضيقي صدره بالدموع. هل تبكين في الملمات والمسرات ايضا..؟؟
ولا يدرون كيف يبدأون.
هل يتحسسونه ان كان بخير وقد استعاد كامل وعيه وعافيته..؟؟ هل يسألونه اين ذهب وكيف كان يشعر.؟؟ هل كان يتألم.. ؟ يتضايق..؟؟ يكتئب..؟؟
هل يريد شيئا معينا يحتاجه..؟؟
ما هي الخطوة التالية.. هل يأخذونه من المستشفى..؟؟
هل.. هل..؟؟
كان تعبا وحائرا ومشتتا، ويريد ان يعرف اشياء واحداثا يستعيدها ببطء ويستفهم عنها.
قالت وضحة:
انه عمر يا خالد، سوف تستعيده خطوة خطوة وسنكون معك. المهم انك عدت بعد أن فقدنا الأمل.
وبانقباض تمتمت.. وما كان لنا أن نفقد الأمل برحمة الله ولا ييأس من رحمة الله الا القوم الكافرون.
فرح خالد برؤية اخوته بالذات وأخذ يتأملهم بدهشة وقد كبروا واصبحت البنتان في سن المراهقة بينما اصبح محمد في الرابعة عشرة ونما نواف وبلغ السادسة من العمر مليء بالحركة والتساؤلات والحنان الذي يمنحه لشقيقه بالالتصاق به ومحاولة اخباره بكل ما يعرف..!!
كانت وضحة تفكر بقلق بمستقبل خالد الدراسي وتعويضه ما فات، وفي قلبها هاجس يذكرها بأنه لا بد فقد جزءا كبيرا من ذاكرته والعودة الى التعليم لن تكون بالسهولة التي تتوقعها، واذا كان وهو بخير وفي السن الطبيعي للدراسة يتهرب منها ويركلها بقدميه، هل تتوقع ان يقبل عليها ويصبر ويقدم التضحيات لاكتساب ما فقده بسبب المرض فقط وليس بسبب ضياع الأعوام..؟؟
وكانت سارة تهدئها وتقول لها:
لا تستعجلي الأحداث، لن تتحقق بمجرد انك استحثيتيها او سعيت الى فرضها او اجبرت الآخرين على تطبيقها. انها بمشيئة الله. فقط اهدأي، ودعينا نفرح ونشبع من الفرح اولا.
احتاج خالد لقضاء فترة في المستشفى لاستعادة قواه والأطمئنان على صحته وعودته الكاملة للوعي والحياة.
وعندما عاد الى المنزل، ذبح له والداه الخراف ووزعاها على المحتاجين والفقراء، واقاموا وليمة كبيرة لأفراد العائلة ابتهاجا بعودته للعالم.
وكان خالد يشعر بأنه قادم من عصر آخر. فالتطورات من حوله مدهشة وسريعة وذاكرته تعود ببطء واخوته الصغار انتهزوها فرصة ليكونوا كبارا عليه فلديهم معلومات ومعارف واحداث لا يعلمها، وكانوا يتسابقون لشرح العابهم وأشيائهم ومصطلحاتهم اليه، حتى الصورة الحقيقية للحادث لم تكن واضحة لديه ولم يعرف ابدا انه كان في السيارة الأخرى جده الذي قضى نحبه وخالته التي تضررت قدماها ولازمت كرسي العلاج لفترة طويلة. وعندما اخبره اخوته طلبوا منه عدم اخبار امهم بأنهم اخبروه فما زالت توصي الجميع بعدم الاشارة للحادث خوفا ان تصيب خالد انتكاسة اوتأنيب الضمير.
بالفعل تألم خالد كثيرا لجده فقد كان يحبه، وحزن لخالته وهو يراها تتحرك بعكازة لم يتمن بأن يكون المتسبب فيها.
هذا البيت لا يعرف الطمأنينة ولا يتوسده السكون. لم يسعد بعد بعودة الابن الضال ولم تلتئم الجراح بعد لتشكو وضحة من صداع عنيف فجأة داهمها وهي نائمة بمنتصف الليل لدرجة أن أفقدها الوعي، وفي هلع وخوف نقلها احمد بمساعدة الخادمات الى السيارة، لم يشأ ايقاظ الأولاد وافزاعهم وهم يغطون في نومهم وكذلك لم يتصل بشقيقتها قبل أن يتبين كنه الموضوع.
ولكن احمد انهار في المستشفى عندما علم بخطورة حالتها من اهتمام طاقم المستشفى وهلعهم وتراكضهم لنقلها في الحال الى غرفة الانعاش.
فاتصل ببيت شقيقها وايقظ عبدالرحمن وسارة واخبرهم بحالتها ولا يدري ماذا يفعل.؟؟؟
على وجه السرعة حضر عبدالرحمن وسارة وهما يأملان خيرا ويحاولان معرفة المرض الذي يمكن ان يصيبها.
ولكن لم يترك لهما المجال ليتنبأوا بحالة معينة قد تكون اصابة وضحة عليها فقد خرج اليهم الطبيب ليخبرهم بما كان نهاية للأمر كله.!!

الرابع والأربعون
رحيل وضحة

لم تصدق ما قاله الطبيب.. .!!
وضحة.. الله يرحمها، تعطيكم عمرها.
انهارت سارة وأخذت تتمتم.. فليرحمنا الله جميعا.. ولكن لم تعطينا عمرها وهي لم تستلمه بالكامل بعد..؟؟ وهي لم تفرح حتى الآن بابنها الغالي ولم تؤد دورها الذي تتمناه تجاه اطفالها الآخرين..؟؟ لم تزل تحفر في هذه الحياة وتتحمل لطمات الأقدار بشجاعة ودون شكوى.. ما زالت الحياة تدين لها بأفراح لم تعشها وآمال لم ترها. ولم رحلت فجأة..؟؟ كيف سمحتم لها بالاستسلام بسهولة وهي المقاتلة المؤمنة التي حاربت في احلك الظروف وقاومت اعتى الرياح..؟؟
أبهذه السرعة والسهولة رحلت عن هذا العالم القذر الذي لم يكحل عينيها الا بالدموع، ولم يملأ قلبها الا بالأحزان والمخاوف، ولم يشيع في دنياها الا الانتظار والترقب..!!
كانت سبب الوفاة السكتة القلبية المفاجئة..!!
كانت ايام العزاء صعبة.. فقد كان الجميع يبكون.. الزوج الذي ازداد مرضا وانطواء، والأبناء الذين وقع عليهم الخبر كالصاعقة، وخصوصا خالد واشقاءه الذين غيبتهم الصدمة واكسبت وجوههم سحنة من الخوف والألم.
كانت لوعة سارة كبيرة وقد فقدت السند الأخير، الحصن الآمن الذي تعرف بأنه يستوعب احزانها ويتحمل افكارها ونقمتها وحنقها، الصدر الذي يدافع عنها ويقف الى جوارها ويصلح امورها مع العائلة. اللسان الذي يتكلم بالنيابة عنها عندما تفقد اللغة المناسبة للتفاهم مع اخوتها، القلب الوحيد الذي تعلم انه يفكر فيها ويتألم من اجلها ويقلق عليها.. انها اسرتها وبفقدها عادت وحدتها اشد وحشة وايلاما..!!
من تواسي ومن تجفف دموعه اولا..!! انهم اسرتها الأخرى التي احالتها الصدمة الى انهيار وعدم فهم لما يحدث..!!
فقد كان زوجها يعتمد عليها في ادارة المنزل وتربية الأولاد وقد تفرغ لوحدته وهوايته في تربية الحمام والطيور والاشراف على المزرعة.!!
وخالد الذي اخذته الصدمه والاحساس بأنه السبب وانه قد قتل امه وارهقها بما يكفي ليتوقف قلبها وتفارق الحياة..!! وكان حزنه شفافا وعميقا ووحدته واضحة وقد فقد الانسانة الذي عاشت تحمل همه كل السنوات الماضية.
اما محمد وفاطمة وريم ونواف فقد كان احساسهم باليتم والخوف واضحا وقد تعلقوا بخالتهم التي لم تفارقهم منذ ايام العزاء.
انتقلت سارة لديهم وحولت غرفة الألعاب الموجودة في الدور السفلي الى غرفة لها. كان انتقالها تدريجيا وعفويا ووليد الواقع. في البداية كان لاستقبال المعزين والسهر على نواف الذي اصابته الحمى من الخوف وفقد امه المفاجئ.
ثم لتدبير الأمور في المنزل وبعد ذلك لرعاية البنات والاشراف على الولدين الكبار. فأبوهم هده الحزن واخذ يشعر بالمرض والتوعك، ويغيب في عالمه ولا بد من احد يشرف على المكان ويتولى مسئولية المراهقين اليتامى وهم يعانون من متاعب العمر والمرحلة والدراسة والرغبة بالدفء العائلي والأمان.
اصبح وجودها في منزلهم طبيعيا، وهي التي تشعر بأن ليس لديها بيت خاص بها ولا اسرة معينة تحتاجها.
كان وجودها لديهم يمدها بتشبع عاطفي ويسمح لأمومتها بالحركة. كانت عندما تصحب البنتين لشراء اغراضهما او توصلهما الى مدرستهما قبل ذهابها للعمل، كانتا تمنحانها شعورا مميزا لم تشعر به من قبل. بل كانت تتجدد مع حكاياتهما واحاديثهما وعندما تشاركهما عرضا سينمائيا و تستمع لتعليقاتهما الحلوة والذكية اوعندما تجلس معهما في احدى الكافيهات لشرب القهوة واكل الآيس كريم وتسمع احاديثهما ونكاتهما المرحة. كانت تشعر بأن معنى جديدا لحياتها بدأ ينبض ويأخذ معنى.
وكانت تشعر بروح وضحة تتقمصها عندما تتكلم مع خالد فقد كانت تحرص على مواساته والتخفيف عنه. وتزرع في قلبه التقوى وارضاء الوالدين وتحقيق حلم امه وعدم خذلها وهي في قبرها، وتعامله كرجل يتحمل المسئولية الى جوار والده. وتركز بهمة عالية على محمد وتشجعه على الدراسة ولا تبعده عن الرياضة التي يهتم بها، وتجعل امر تدريبه مع النادي ومبارياته احداثا مهمة لا يستهان بها. وعندما تضم نواف وهي تقص عليه حكاية ما قبل النوم تشعر بروعة الطفولة وصفائها بعينيه الوديعتين واسئلته البريئة الذكية. كانت المسئولية شاقة ولكنها دافئة وضرورية وتملأ روحها بالعطاء والفرح. كانت تقلب اغراض شقيقتها وتتأمل ملابس جديدة لم تلبسها لأنها كانت تحفظها للحظات الفرح التي لم تأت قط اوجاءت ولكن بعد رحيلها..!! وزعتها سارة على اسر محتاجة كانت سارة تعلم بأن وضحة ستسعد اذا استطاعت ملابسها اضافة الفرحة على غيرها، ولعلهن يجدن فيها عزاء لم تجده صاحبتها.. !
افاقت سارة يوما على صوت فاطمة باكية وشقيقها محمد يوبخها لسماع الأغاني الغربية في قناة الأغاني الفضائية، كان يصرخ بها واعظا: الا تعلمين ان مشاهدة هذه الأغاني حرام..!! ووجود القنوات الفضائية اصلا في البيت حرام. سأقطع هذه القنوات من الأساس..!!
استوقفته سارة بحدة: اسمع يا محمد ان قطعت هذه القنوات قطعت وجودي في بيتكم معها. انني اشاهدها واستمتع بها ولعلمك انها المتعة الوحيدة في حياتنا.
هاج محمد اكثر لسماع رأي سارة المتحيز ضده: انت الكبيرة تقولين هذا..!! انها حرام وكفر بين. اقسم انني لن اظل في البيت مع وجودها لحظة واحدة.
- حيلك حيلك يا محمد.. كيف لشاب في عمرك أن يكون حادا وقاطعا بهذه الصورة أم انها مرحلة العمر وفورة المرحلة.. ؟ انك تذكرني بحدة وتصلب خالد قبل الحادثة وجنون وضحة معه. اعقل وانضج واترك عنك هذه التهديدات الصبيانية التي قتلت امك. هل تريد أن تنقلنا لتلك الأيام وتنقل التوتر للمنزل.
وكأنها اصابته في وتر حساس، ففد ارتجف محمد واهتز واكفهر وجهه.
وتابعت سارة: واحذر من استخدام كلمات حرام وكفر متى طرأ على بالك وفي أي موضوع لانك لست مفوضا بقولها بل عليك مسئولية التلفظ بهذه الكلمات. من انت حتى تقول حرام وحلال وكفر الخ.. ؟
عادت الحدة الى صوت محمد وصرخ منفعلا وهو يلوح بيديه الاثنتين:
هذا كلام الدعاة و..
- بنفسك قلت، هؤلاء بشر وناس ومتى اصبحوا دعاة..؟؟ هل لمجرد ان قرؤوا كم كتاب وقصروا الثوب وأطالوا اللحية..!! يا اخي لن اتفاجأ اذا غيرت هيأتك واصبحت انت الآخر منهم تحرم وتحلل على كيفك وحسب ما ترى، واسألك بصراحة هل تمثل ربك..؟؟ هل تقوى على القول انك تتكلم باسمه..؟؟ لقد توعد الله ورسوله من يتكلم باسمهما بعذاب شديد، فهل تضع في ذمتك وتلعب هذا الدور.. .؟؟ وعلى فكرة انصحك بألا تحلف باسم الله في كل شاردة وواردة وانتبه لنفسك وحاسبها افضل لك لو كنت تعلم..!!
- ولكن..
- قال النبي (صلى الله عليه وسلم) استفتي قلبك..!! وقال: لا رهبنة في الاسلام وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه اذا اكره القلب عمي وقال لا تضغطوا على أبنائكم فقد جاءوا لزمان غير زمانكم. الموسيقى غذاء للروح ومعنى للحياة وفلسفة عميقة فهمها الغرب وشوهها التخلف عندنا. المطلوب فقط ارشاد أبنائنا الى الجيد والسيىء منها ليتكون ذوقهم السليم ولا تتشوه فطرتهم النقية.. ان الكفر يا اخي هو الاشراك بالله والعياذ منه لا دخل للموسيقى او غيرها من اشكال الفنون فيها وادوات التسلية التي تغذي العقل وتفيد الانسانية. الذي يدفع الناس للكفر كما تقول التخلف والتشدد وتغيير فطرة الله وتشويهها والتعتيم على فكر الناس وارهابهم بالدين وهو رسالة المحبة والسلام بتحويله الى اداة ترويع وقمع للأفكار والابداع.
- ولكن..
- لا استحملك يا محمد ولا اطيق الدخول معك في سفسفطة جدلية بلا فائدة. انت مخطئ، فدع اخواتك يتذوقن الموسيقى ولو بالامكان فليتعلمنها ولو كانت فيهن واحدة موهوبة يجب ان تنظر اليها كهبة الهية تنطق بجمال القدرة الالهية وقدرتها على الالهام والابداع وتشجعها.
صرخ محمد مهتاجا: هذا الناقص تطلع مغنية او ملحنة، اقتلها و..
استدارت سارة وتركته يصرخ مهتاجا وهي تتعوذ من الشيطان وتتأسى على عقلية الشاب المغرقة في التخلف والرجعية والأفكار المعوجة.
اخذت تتذكر عندما جاءها نواف ذات عصر، وهو يسألها بخوف ورعب: هل صحيح ان الغنم عندما يصرخون ويمأمئون في حظيرتهم يعني ذلك ان الله يعذب الكفار..؟؟
فزعت سارة من التفسير الذي يتفوه به طفل في السابعة من عمره، وقالت له برعب: من الذي اخبرك ذلك..؟؟
- مدرسة الشرعية..!!
- وكيف تعرف ذلك وهذا من علم الغيب..!! انتبهت سارة الى انها تحدث طفلا في السابعة من عمره.. حاولت ان تشرح له بأن لا علاقة بين الحيوانات وبين ما يحدث في العالم الآخر في حدود معلوماتنا البشرية، وحتى ولو كانت هناك اية علاقة وهي بالتأكيد مخيفة مثلما افتت بها المدرسة فانها لا تقال على الأقل للصغار..!!
حاولت تهدئته وافهامه بأن لا دخل لغثاء الغنم وصراخهم في تعذيب الله لخلقه، فهذا بين الله وعبيده، المهم هو علاقتك بربك كن دائما واضحا معه، لا تفعل شيئا يغضبه ليس فقط خوفا من عقابه بل خجلا منه. هل تحب العدل والحق والخير وهل تصدق بأنهما الصواب، اذن الله هو ذلك. فأنت عندما تفعل الشر فأنت تخون الله وهذا ليس جيدا. الله يحب الذي يحبه لانه سيفعل الصح، ومعنى ذلك انه انسان جيد اما الشخص السيئ فهو الذي يرتكب الشر وهو مكروه ومذنب ويستحق العقاب اليس كذلك..؟؟
واحتارت ماذا تقول اكثر لهذا الصغير وقد اقحمته المعلمة في مسائل خطيرة الهدف منها ربط كلمة كفر بالعذاب، وبعد ذلك عندما يصفون أي تصرف لا يعجبهم بالكفر يتخيل هؤلاء الصغار النار التي تنتظرهم. ومن يحدد قائمة الكفر..؟ بالطبع هم من قصدهم خالد بكلامه الذين يخلطون المفاهيم التي تدعو الى التسامح والمحبة واغناء الروح وعبادة الله من رؤية مختلفة يتجلى ملكوته فيها كالموسيقى بربطها بالكفر والفسق والفجور، وهناك بعد شاسع بينهما يعتمد على تنشئة الفرد على احساسه بهذه الموسيقى وتفسيره لها..!!
ان هؤلاء بتفكيرهم المنجرف نحو الفكرة الواحدة المسيطرة يسمحون للشيطان باغوائهم والسيطرة عليهم وجرفهم الى التطرف. وما هو التطرف الا التحيز الأعمى لفكرة سائدة وتبجيلها وقهر الأفكارالأخرى واعادة الاسلام الى العصور الوسطى، وتحنيطه في رؤى جامدة مضحكة تسمى التطور والنهضة والنمو رجسا من الشيطان. ونسوا ان الاسلام هو ما احدث الثورة في عهده عندما كانت الكنيسة تقود اوروبا الى عصور الظلام وتمارس ما يزاوله المتطرفون في الوقت الحاضر.
كان الاسلام ينمو ويبني ويتوسع ويزدهر ويفتح آفاقا واسعة في الطب والهندسة والكيمياء والفلك وجميع العلوم الانسانية، بينما كانت الكنيسة تحاكم مستنيريها بتهمة الهرطقة وتحرقهم.. هل معنى ذلك ان الكنيسة المنحطة كانت محقة في ربط اوروبا بالماضي ومحاربة التجديد والعلم والحضارة وكان الاسلام الثائر المتحضر وقتها الفائر بالتجديد والاختراعات مثال على الانحلال والتفسخ.؟؟ انهم يؤدون نفس الدور وفي النهاية سيجرون المجتمع كله الى تخريب المفاهيم وتشويهها بحيث لا يعلم النشأ ما يأخذونه من الثقافة الأجنبية وما يتركونه لانهم بلا ارشاد سوى تحريم الكل وذلك كما جروا المنطقة كلها بتطرفهم العدواني الى مكان قابل للاشتعال في اية لحظة..!! ويا للأسف ان من سيحمل المعول ويساعد من يحاولون اضعاف الاسلام وخنق هذه الدعوة الفريدة ما هم الا هؤلاء الذين يتحدثون باسم الاسلام ظلما وجورا، للأسف هم من سيشوهونه ويمسخون تعاليمه، ويقلبون مفاهيمه العظيمة ويردونه غريبا كما جاء كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم).

الخامس والأربعون
خالد يبحث عن نفسه

كان خالد يعاني بعد وفاة والدته باضطراب تحديد هويته ووضعه بالحياة، متأثرا بالمشاكل التي حدثت سابقا ومرضه الطويل الذي اكل عمره وموت والدته وشعوره بالذنب الذي لا يعرف كيف يحدده وضياعه وعدم ادراكه من أين يبدأ.؟؟
كانت الأيام الأولى هي احتفال بولادته من جديد، وبعد اشهر استعاد كل من بالمنزل حياته الطبيعية وتابعها وظل وحده يعاني من الفراغ والوحدة والخوف من المستقبل. كانت طبيعته المكابرة تمنعه من سؤال الآخرين المساعدة، وكان تحفظه يضع السدود بينه وبينهم فلا يدركون بأن من امامهم يعاني من الضيق والحيرة والقلق. كان يحس بالغربة نوعا ما وسط عائلته ويشعر بأن هناك فجوة بينه وبين اخوته تخلق نوعا من الحواجز التي لا تدعه يتصرف معهم بحرية، ولا يملك الثقة ليتنافس معهم كأنه يحس بالذنب لانه سبب تعاسة امهم وغيابها، ولانه ادخل العائلة في متاهة لا زالوا يتذكرونها ويخشون تكرارها كما في حالة خالته حيث كلما تواجهت مع محمد رددت.. هل تريد أن تكون كخالد.؟؟ ليس كمثل طيب يحتذى ولكن كبادرة للمشاكل والمشاكسة. كان يؤلمه ألا يكون المثال الصالح لأخوته وألا يكون نموذجا يستطيع فيه ان ينصحهم ويعلمهم.
كان خالد يبحث عن ذاته وعن حقيقته، كان يريد بناء نفسه وتحديد هويته واثبات وجوده. ان ضياع سنوات من عمره بدون أن يعيشها وبدون أن تساهم في بناء شخصيته واكسابه الخبرات والتجارب والمعلومات التي يحتاجها ليس سهلا، واحساسه بضروره صنع شيء ايجابي يجعل والديه يفخران به يقلقه، وهو يدرك بأنه عاجز عن تحديد طريقه ولا يعرف كيف يبدا ومن أين وكيف..؟؟
كان يشعر بأنه قد تغير وكبر ونضج، يشعر بأن ازمته لم تمر عبثا بل خلفت وراءها اثرا من الهدوء لا يزال يعيشه ويؤثر به ويملأ روحه بشفافية صافية ورضى تام ، وان كان القلق من المستقبل المتواري وراء غمامة كثيفة من الضباب والحيرة يقلقه ويوتره ويزيد من وحدته واحباطه.
بالتأكيد شيء قد تغير فيه فبعد أزمة كهذه لا بد أن شيئا قد انكسر وآخر قد ازداد قوة، لا بد ان امرا قد مات وآخر قد ولد. تجربة كهذه لا يخرج منها الانسان بلا تغيير وقد يكون زلزالا يعيد تكوينه من جديد. رب ضارة نافعة وربما موت ينتهي بولادة وألم يفرخ فرجا. كان يشعر بالألم لأنه كان جزءا من الملهاة المميتة، عندما يبلغ الجهل مداه وتتحول الأمور الى الاستهتار والى عدم المبالاة بقيم وحيوات أخرى تظل تعاني وتنزف أكثر مما يتصور.

لقد كان عبث أصدقائه - أعدائه الذين تسببوا بالحادث قاتلا عندما استمرؤوا اللعبة ضاربين على وتر استهتاره وطيشه ولم يفكروا بعواقب ذلك على حياته برمتها، وعلى حياة الآخرين المحيطين به حيث توفي جده واصيبت خالته وتضررت وتبدلت حياة ثلاثة اشخاص بشكل جذري، ألا تساوي حياتهم شيئا..؟؟ وألم يدركوا بأنهم سيحاسبون لتلك الرعونة وان فلتوا من الحادث والتحقيق بعد ان تسببوا به، الن تدركهم عدالة السماء وقد استبدلوها بحقهم في الانتقام والاساءة، ومتى كانت الكراهية وعدم الاحساس بالآخر ومتاعبه وآلامه وحقه بالحياة الطبيعية حقا مشروعا يتبناه الناس ويشرعونه ويقيمونه بثقة واقتدار..؟؟ ألم يدركوا ان تهوره واندفاعه ما هما سوى ساعات طيش قد تنتهي بعد فورتها ولا تستحق الادانة طول العمر ولا أن تأخذ معها ربيع عمر كامل.. أم أن الانسان لا يحس الا عندما تعصر النكبات قلبه حينها يفهم ما يعانيه غيره..؟؟
كان الوضع الجديد كبيرا على سارة مع أعبائها الوظيفية المتزايدة هي الأخرى بالعمل حيث يعتمد عليها مدير الادارة في كثير من الشئون وكانت سعيدة بعملها وتريد أن تكون عند حسن الظن. لذلك كان تركيزها على من يشكو من الأبناء ومن يطلب ولم تشعر بخالد الا بعد أن احست فعلا بأنه يعاني، وان حياته مصدر بؤس لشاب في الثانية والعشرين من عمره.
كان والدهم احمد قلعة حصينة زادها رحيل وضحة الأبدي متانة ومنعة. لا يمكن أن يتجرأ احد من الأبناء بالأقتراب من غرفته الا اذا ناداه الأب. وكانت سارة تعتمد على اسلوب المراسلة معه في ما يخص شؤون الأبناء بحيث يضعون له ما يحدث في المنزل من مطالب وتغيرات ويقوم بوضع المال المناسب لذلك وتكليف السائق بما يطرأ من تصليحات وصيانة تكون قد طرأت على المنزل ويكون بحاجة لها.
وبذلك لم تتغير علاقته بخالد ولم تجمعهما مأساة المرأة التي احبتهما ولم يحاولا أن يعوضاها برحيلها ما تمنت حدوثه بحياتها من تلاحمهما بعلاقة تحميهما كلاهما من البؤس الذي يعيشانه.
كلمت سارة شقيقها عبدالرحمن المشغول بزوجتين واطفال هنا وهناك ووظيفته الحكومية ومكتب العقارت الذي يديره، رجته من اجل اخته الراحلة ان ينتشل خالد مما فيه ويخرج به الى نور الحياة والمسئولية والتفاعل. قالت له:
كلفه بأي وظيفة لديك في المكتب، دعه يتحمس لها ويحتك بالناس ومن ثم سيعرف ماذا يريد ويبدأ بتكوين نفسه.
لم يكن عبدالرحمن متحمسا لانه لا يملك الوقت والطاقة لكي يواسي ويصبر ويعلم ويعطي، انه سريع، متحرك، اليوم هنا، وغدا هناك، مبدأه ان لم تقتنص الفرصة ضاعت منك. ولكنه استقبل خالد على مضض على أمل ان يقنص هو الآخر فرصته لان من حوله يركضون ولن يتوقفوا لسؤاله ان يحتاج شيئا أو ليقدموا له التشجيع أو الترحيب.
اقبل خالد على العمل مترددا وهو يشعر بالضغط من العاملين بالمكتب الذين احسوا بالمنافسة، وبدأ استعدادهم الطبيعي لحماية انفسهم وسبر غور هذا الشاب الجديد وتركه يستكشف اسرار المهنة لوحده.

السادس والأربعون
التغييير ليس سهلاً..!!

استراحت سارة اخيرا بوظيفتها. كان العمل مع مجموعة متفهمة جادة متحمسة تشكل افضل بيئة عمل محفزة يمكن أن تحظى بها لدرجة ان المتطفلين وشللية الاشاعات وجماعات النميمة التي كانوا يضعونها تحت المجهر بدأت بالتلاشي من محيطها لانها لم تسمح لهم بالتأثير والتواجد ببيئة لا تدع مجالا للاحساس بهم.
كان مديرها شخصية خلاقة لا يحب المركزية بالعمل ويفضل منح الاستقلالية الابداعية لموظفيه المسئولين بحيث يديرون العمل بطريقتهم، ويطورونه بالأسلوب الذي يخدمه بدون التعقيدات الروتينية مما ساعد على تطوير الأقسام وتبلور الشخصيات وتغيير الكثير من النظم الجامدة والانتقال الى مراحل متقدمة من التنظيم والتطوير. وكانت سارة المستشارة للأمور الفنية تساعد في وضع الرؤية والاشراف عليها مما جعل الادارة تتحرك بصورة متساوية في جميع الأجنحة وتحقق نجاحا وتنظيما ملموسا عن بقية ادارات الوزارة الأخرى التي لم يجر تطويرها بنفس الدرجة من السلاسة والانتاج.
وكان من بين الموظفين الذين ارتاحت لهم سارة وسرعان ما توطدت صداقة مهنية بينهما المهندس ابراهيم. كانا يتناقشان بالساعات احيانا عن العمل والحياة والمؤسسة والموظفين. كان نقاشهما يرفدهما بالنهاية بأفكار حسنة وينبهما الى امور لم يركزا عليها من قبل لصالح العمل وتطويره. كان يجمع بينهما حسهما النقدي الرفيع وعدم الرضا عما وصلوا اليه من تحسينات في الأداء والمتابعة، وكانا ملهمين للموظفين الشباب من المهندسين المتخرجين حديثا في المؤسسة الذين يجتمعون بهم ويعبرون عن متاعبهم وخصوصا وأن الأقتراحات والمطالب التي يتبنياها لا تجد دائما الصدى لدى مديرهم لسبب واحد يعلمانه جيدا انه مجرد ترس متحمس وحيد في عجلة الوزارة العتيدة التي تضم ادارات كثيرة لها مديرون يتمسكون بكراسيهم أكثر من احترامهم لتفكيرهم ومبادئهم، ويشرف عليها مسئولون كثر يرأسهم بالطبع الوزير سلطان، وهذه العقليات التي تدير الوزارة هي نفسها التي اصدمت سارة بها من قبل والتي تسببت برحيلها الى امريكا وتكملة دراستها العليا، وهذه العناصر تحارب التطوير من منظور تقليدي من جهة وحماية لمصالحها من جهة أخرى، ولان بعضهم لا يحمل الكفاءة ليقود عملية التغيير وربما لا يفهمها ولا يريد التورط فيها.
ولكن هذه الزمالة بينها وبين المهندس ابراهيم لم تعجب الموظفين التقليديين الآخرين الذين لم يحقق لهم العمل الاشباع الوظيفي المطلوب، فباتوا يعانون الفراغ ويتسكعون في اروقة الوزارة كمتصيدي اخبار ومتابعي حكايات ونوادر، ويشعرون بالغيرة ايضا من غيرهم الذين يعرفون طريقهم ويحددون اهدافهم ويسعون اليها. فليس سهلا أن يكونوا عاجزين وظيفيا ويرون غيرهم يعمل وينتج ويبدع وخصوصا عندما يتساير ذلك مع نظرتهم الاجتماعية القاصرة وسطحية افكارهم حينها يصبح من السهل عليهم محاكمة الغير ومضايقته. لقد احست سارة بالعيون الفضولية كأنها تهمس: انكما تتحدثان بالساعات يوميا.. انه غير طبيعي بين رجل وامرأة.. !
وقد زاد توتر سارة من هذه النظرات وما تحسه من انعكاسات النفوس وتكاد توقف كل واحد منهم وتقول له:
لولا احس أن ابراهيم يحترمني ويتكلم معي كصديقة واخت لما تكلمت معه منذ البداية، ولأنتابني نفس الشعور الذي احسه عندما اتكلم مع أي منكم لمدة دقائق لا غير لانكم تنظرون لمحدثتكم كأنثى بينما يشعرني كزميلة فقط. ادينوني بما انا عليه وليس بفكرتكم عني. لا تسقطوا علي افكاركم السيئة وتحاكموني بها.
كانت مفارقات وسوء فهم لا بد أن تواجهها الموظفة المرأة التي تريد ان تكون على طبيعتها. كثيرات هن النساء اللاتي يعملن في مجالات مختلطة وكثيرات اللاتي يواجهن هذه الاشكالية، عدم فهم بعض الذكور مغزى عمل المرأة. البعض منهم يعتقد بأنها بخروجها للعمل قد اعلنت تحررها وانفتاحها اللامقنن ويتخطون بذلك حدودهم ويتصرفون بلا مبالاة دون أن يضعوا بأعتبارهم ان تلك السيدة يمكن أن تكون من عائلتهم أو معارفهم. البعض منهم يحكم بالظاهر الذي يقول بأن لا صداقة عمل يمكن أن تنشأ بين الموظفين والموظفات وكيف..؟؟ وهم يرون بعضهم أكثر من اخوتهم وأقاربهم..؟؟ يوميا من الصباح حتى الظهيرة يرون بعضهم على مدار السنين ألا ينشأ بينهم شيء من العشرة..؟؟ اليسوا يواجهون تحديات عملهم ومشاكله ومتاعبه ويرون بعضهم وهم مرضى وهم مرهقون وبينما أهاليهم يمرون بأزمات صحية..؟؟ الا يشاركون بعضهم مناسباتهم السعيدة ويفرحون بزواج احدهم أو عندما يرزق ايهم بطفل او عند نجاح أبنائهم وتخرجهم أو التعيسة عندما يمرون بحالة وفاة أو مرض احد اقاربهم.. ؟ انهم عائلة كبيرة وأن تشاجروا احيانا وغضبوا من بعضهم احايين أخرى، وان عاشوا التوتر والقلق في علاقاتهم وهذا يحصل في أحسن العائلات.
بالطبع ليس بكل الموظفين والموظفات يمكن أن تنشأ بينهم علاقة اخوية صادقة مبنية على الأحترام والرقي اذ لا بد من توافر شروط لبناء هذه العلاقة يكون الطرفان فيها على قدر من الوعي والنضج وتقدير الشخص الآخر.
لم تستطع سارة بناء هذه العلاقة مع أحد طيلة عملها لعدم وجود التكافؤ الفكري الذي يحمي هذه العلاقة باطارها الأخوي ويحفظها ويشعرها بالأمان والثقة بتفكير الطرف الآخر واحترامه. لذلك عندما عملت مع المهندس ابراهيم ولمست رقيه شعرت بأنها وسط محيط بناء يرفد أية علاقة بالراحة، ولا يسيء الظن بها ويتفهم طبيعتها ويمنحها الثقة ويساعدها على التركيز على تطوير العمل، ومراعاة الصالح العام كجزء من تقدير الذات واحترامها. كان يسكنهما الهم العام ومسئولية توصيل افكارهما والتعاون لاقناع مديرهما بالاتجاه الصحيح الذي يجب أن تقوده المؤسسة، وعدم الاستسلام لبلادة الجو العام وضغوط المديرين الآخرين وسلبياتهم، وتشجيعه على التصميم لتنفيذ مطالب الادارة وخصوصا وانها تواجه تحديات فرض نظم جديدة ومفاهيم يحاربها الآخرون.
كان ابراهيم متزوجا لسيدة لطيفة وابا لأطفال جميلين وكان يرتاح لسارة ويحترمها ويعزها كأخته تماما وخصوصا وان وجودهما بالعمل كان محفزا لهما للمنافسة والتفوق والتعلم، وكان يستمد منها المثابرة على تصحيح الأوضاع وعدم الاستسلام لمبالاة من حولهم.

وللأحداث بقية





توقيع : بسمة
اللهم ارحم أبي و أمي وجدتي و أختي واغفر لهم واجعل قبرهم روضة من رياض الجنة لا حفرة من حفر النار
اللهم اجزهم عن الإحسان إحسانا وعن الإساءة عفواً وغفراناً
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2007, 11:55 AM [ 32 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
مواضيع : 1901
الردود : 9766
مجموع المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25بسمة is on a distinguished road

بسمة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص





تداعي الفصول:رواية للكاتبة مريم آل سعد:الحلقة (الرابعة عشرة)

مر على رحيل وضحة اكثر من عام و تأقلمت سارة بالتدريج مع حياتها الجديدة ببيت اختها الراحلة وبرعاية الأيتام الخمسة. لم تعان معهم فقدت غدت صديقة لهم أكثر من كونها خالة وأما. وساعدها كونهم كبارا في سن الشباب والمراهقة ما عدا نواف الذي اكمل عامه الثامن.
وتقرب خالد أكثر من اشقائه وأخذ دور الأب المفقود بينهم وكان يتمتع بخاصية العطف والحنان وخصوصا لأخيه نواف كما كان أكثر تفهما لشقيقاته اللاتي كن يحرصن على محادثته ويحاولن أن يتقربن منه سعيا وراء رضا والدتهم التي لم يمهلها الموت لتفرح بشفائه وتهنأ بوجوده. وكن يحرصن على تزويده بالأخبار والمعلومات التي يعرفنها وأيضا تعليمه استعمال الالكترونيات الحديثة التي فاز عليهن بتعليمها اياه نواف الذي يقضي معظم وقته أمام الكمبيوتر.
بدأت سارة تحلم بوضحة كثيرا مما اقلق بالها وأخذت تفكر لابد انها قلقة على خالد، هذا الولد ليس له حظ في الدنيا، والده مغيب في عالم عجيب من الوحدة وملازمة بستانه وطيوره ولا يمكن الوصول اليه وهزه وارجاعه الى عالم الواقع، واخواله لاهون بحياتهم ولا يهتمون الا بأنفسهم ويكفيهم مشاغل عائلاتهم.
كانت قد دفعته لمرافقة شقيقه محمد ذي السابعة عشرة الى مباريات كرة القدم فالرياضة تعتبره علاجا طبيعيا ضروريا له بعد رقاده الطويل ومن جهة أخرى لعله يحتك اثناء تواجده بالنادي الرياضي بأصدقاء يتعلم منهم ويحذو حذوهم بتحديد مستقبله بعد أن ثبت بأنه لم يستفد من مكتب عبدالرحمن وأصابه الملل من عمل ليس اهتمامه وخصوصا السياقة لعدة ساعات ليتفرج الزبون على ارض أو على بيت للبيع أو الايجار. ارادته ايضا أن يعيش حياته ويستمتع مع شباب بعمره بعد أن خسر خمس سنوات بالغيبوبة ولم يحظ بمراهقة طبيعية ولم تكن له حياة لشاب بسنه.
ومع تكرار الأحلام عزمت على السعي لتوظيفه وإعداده لذلك بالضغط عليه لدخول معهد لتعلم الكمبيوتر لعلها توقظ اهتمامه بالحياة. وفي نفس الوقت اخذت تبحث عن هواياته وما يحب. كان يعشق السيارت فاقترحت عليه تعلم ميكانيكا السيارات وبمساعدة والده ليكون له كراجه الخاص وليحاول ان يزاولها كهواية واسلوب لكسب الرزق، وكلما اعطى اهتمامه وطاقته لعمله كلما رفده بالتفوق والنجاح والربح. اخبرته اذا كان جادا فإنهم سيرسلونه بمساعدة اخواله الى لندن للحصول على دبلوم في الميكانيكا ليعزز عمله وهوايته بالدراسة، اخبرته بأنهم سيدعمون أي قرار يتخذه، فقط ليحدد اولوياته ويبدأ ولا يندم من فشل أية خطوة لانه سيتعلم منها بالنهاية ولن تحدث سدى.
بخروجه مع شقيقه واحتكاكه بالعالم الخارجي وبتضامن عائلته الصغيرة معه بدأ يثق بنفسه بالتدريج وبدأ يطرح مشروع التعلم وكانت المفاجأه تعلقه ببرمجيات الكمبيوتر. تعلم بسرعة وبدأ باكتشاف اشياء بنفسه وأخذ يدخل بالنظام ويذهل اخوته باكتشافاته وبينما كانوا يتفوقون عليه في البداية وكان عاجزا امام هذا الصندوق الصغير، اصبح الآن يستطيع الولوج الى عوالم ويتلاعب بأخرى ويصنع غيرها.

السابع والأربعون
صدفة خارج الزمن

كانت الوزارة ضخمة وكبيرة ومتعددة الادارات تتفرع منها الأقسام المختلفة ويديرها مسئولون كثيرون وان كانت الخيوط تتجمع في النهاية بيد الوزير سلطان. ولم يكن مسئولوها كلهم على قدر المسئولية والكفاءة وكان اسوأهم بنظر سارة وابراهيم وبقية المهندسين الطموحين القدامى والحديثين هو ذلك المسئول الذي جمد ادارته في قالب ساكن منذ تولى مهمته وعطل عمل العقول الواعدة التي تحولت مع الزمن الى بقايا موظفين بدلا من أن يكونوا طليعة المبدعين. المسئول الذي لا يشجع الطموح الواعد والذي يتجاهل التطوير والتغيير والذي لا يشعر بالثقة بنفسه لذلك يوارى بالصمت من يجتهد ويبحث ويحاول أن يكون ذاته، والذي لم تنجب ادارته الهامة عناصر خلاقة على مدى تاريخها الطويل بل ظلت محلها سر تعيد تطبيق ماعفا عليه الزمن وتجاوزته الأحداث.
وقد تم تكليف سارة بحضور مؤتمر بالمانيا لبحث تعاقد الوزارة على شراء صفقة مواد مخبرية وآلات تطرحها بعض الشركات المختصة. ورغم انها الوحيدة الحاصلة على الدكتوراة في تخصصها الا ان اختيارها للمؤتمر جاء من رفض الآخرين له حيث كان هناك مؤتمر آخر اكثر متعة ترشح له المنافسون الذين ابتعدوا عن مؤتمرها لانه عمليا ونظريا بحتا وكما قال بعضهم (وجع رأس).. !!
وسافرت سارة الى المانيا وبدأت بحضور جلسات المؤتمر وبحث العروض المعروضة ومقارنة خطط الوزارة بها على أمل تقديم الاقتراحات بهذا الشأن واكتشاف المستجد في هذا النوع من الصناعات.
وعند عودتها من احدى الجلسات وقد مرت بطريقها باحدى البقالات القريبة لشراء بعض الفاكهة والبسكويت وكانت تحمل كيس مشترواتها وتنتظر وصول المصعد تأهبا للصعود الى غرفتها عندما كانت مفاجأة غريبة بانتظارها، سلطان، سعادة الوزير بشحمه ولحمه بالاسانسير معها برفقة سيدة يبدوعليها الاعياء.
علاها الاضطراب والتوتر واخذت تحاول ان تداري وجودها فقد كانت المفاجأة غير متوقعة وايقظت فيها احاسيس قد طمرتها واكملت تجاوزها. مع ان الاثنين كانا في شغل شاغل عنها حيث بدت السيدة تعبة وتكاد لا تقوى على الوقوف وبالفعل انهارت ولم تتمالك نفسها من التقيؤ، وما كان من سارة الا ان افرغت حوائجها بسرعة في الأرض واعطتها الكيس لكي تواصل تقيؤها بعد ان علا الاضطراب السيدة واعتراها الخجل. كانت ترتجف ويتصبب منها العرق ولاتكاد تقف على رجليها وقد اسندها سلطان عليه وقد اتسخت بذلته وما ان وصل الأسانسير الى الطابق العاشر حتى ساعدها سلطان بالخروج بينما ضغطت سارة على الزر ليستمر ايقاف المصعد حتى خروجهما بسلام وهي تقول بدون وعي.. سأستدعي عمال التنظيف واطلب الاسعاف للسيدة.
نزولا الى الطابق الثالث اسرعت الى غرفتها لتطلب الاستقبال بالهاتف وابلغتهم بحالة السيدة المريضة واعطتهم اسم سلطان لارسال المساعدة اللازمة الى جناحهم.
يا للصدفة الغريبة.. كم هو العالم صغير حقا ومثلما يقولون مسير الحي يتلاقى.. !
سلطان مرة واحدة.. الذي لم تقابله الا للمحات طيلة السنوات الماضية، والذي بينهما ثار لم يصف لأنها لا تعتقد انه قد نسى نبشها لأوراق المؤسسة ولا هي نست الموقف الصعب الذي مرت به بعد تلك الحادثة. سلطان هذا تكون معه في المصعد وتكلمه وان كان لا يعرفها ولم يسمح الوضع بأن يشعر حتى بوجودها، ولكن يا لها من صدفة لا يتوقعها العقل..!!.
في اليوم الثاني وعند دخولها الى الفندق لمحته يتحدث الى رجلين في البهو الكبير. دخلت خلسة وهي تتحاشى المرور في منطقته كي لا يراها مع انها تدرك بأنه لا يعرفها ولكنها لا تريد ان تراه مرة اخرى. انه يفجر بداخلها احزانا قديمة نائمة، ويوقظ اشجانا حان الوقت لتخمد وتضمحل وتغيب عن الوجود.
ولكنها لم تكد تبلغ المصعد بخطواتها البطيئة بفعل العكازة التي حاولت ان تسرع بها امعانا منها بالهرب وطلبا للاختفاء حتى سمعت صوته خلفها.
يا سيدة.. لو سمحت..!
توقفت وقد توقف قلبها وغاض الدم عن وجهها وتهدج صوتها وهي تلتفت بهدوء وخوف متسائلة كأنها لا تعرف من السائل، الذي قال :
- اريد ان اشكرك على موقفك بالأمس معنا.. ونحن نأسف لأي ازعاج.
قالت سارة بلهجتها السريعة العفوية المتدفقة..
ابدا.. .ابدا.. كيف حال السيدة.. ؟؟ عساها بخير وقد تعافت من الوعكة التي المت بها.. ؟؟
- ان شاء الله احسن.. وكان يجب ألا تغادر فراشها. اكرر شكري مرة اخرى ولكن كيف عرفت اسمي.؟؟
- ماذا.. ؟؟ لا اعتقد.. انني كذلك.
- بلى.. فقد اتصلوا بي مرة اخرى معتقدين بأن اتصالك من عندنا ليطمئنوا على وصول المسعفين ورددوا ما اخبرتهم به وقد ذهلت لمعرفتك اسمي الأول حيث انهم يعرفون الأسم الأخير.
تلعثمت سارة واحست انها بمصيدة محيرة فهي لا تريد ان تكشف هويتها وفي نفس الوقت لا تريد ان تكذب.
انت من قطر.. ؟؟ بادرها بالسؤال
وكالطفل الذي يتم استجوابه بمكر ليعترف.. قالت باستسلام جاهلة السؤال التالي.. نعم
هل انت مع العائلة واعذري فضولي ولكنني احاول الشكر بطريقة عملية وخصوصا وان اغراضك لابد وان اتلفت من وقوعها في المصعد.
كأنه افرج عنها.. لا داعي للشكر واشعر بأن ما فعلته سيكون بلا معنى اذا تحول الى معروف. وصدقني لو كنت مكاني لفعلت نفس الشيء وبدون تفكير و..ارجوك انك تخجلني واستميحك عذرا بالانصراف.
عندما استدارت.. تنفست الصعداء وأحست بأنها نجت من موقف شائك واستعدت لاعتلاء مصعدها بانتصار ليستوقفها شخص اجنبي قادم حياها برأسه وهو يتابع طريقه، لم تعره انتباها فيكفيها تملصها من الموقف المخيف.
كان قلبها يتسارع بشدة وهي تحث المصعد على القدوم وتتمنى لو ان رجليها سليمتان لصعدت السلم بخفة الحمامة.
مرة اخرى جاءها نفس الصوت وعندما التفتت كان معه ثلاثة رجال من بينهم الأجنبي الذي حياها. وفي غمرة اضطرابها وحيرتها، بادرها سلطان..
اذا انت من المؤسسة.. !! لذلك تعرفت علي.. !! لم لم تخبريني بذلك.. ؟؟ هذا السيد كان معك في المؤتمر وقد تعرف عليك.
واشار الى الشخص الأجنبي الذي حياها وقال لها بحماس :
انا اتفق معك في النقاط التي ذكرتها في كلمتك، وقد سجلت ذلك في التعقيبات المقدمة، ولنا تجربة في هذا الموضوع اذا احبت مؤسستكم معرفة المزيد منها فإنني هنا أقدم احد عروض شركتي في هذا المجال.
لم تكن سارة ترغب بالتحدث وكانت تشتم في سرها هذا المتطفل الذي جاء في الوقت الخطأ. لذلك التفتت الى سلطان ليبادر بالرد فهو صاحب المؤسسة والوقفة برمتها.
قال سلطان بكل اريحية.. . هذا ممتاز لأنني اود معرفة كلمة المؤسسة والنقاط التي اثيرت وموضوع الجدل وكذلك الاستماع الى عرض شركتكم.. هل تسمحين يا سيدة..
- سارة اسمي سارة
- هل تسمحين بمشاركتنا جلسة العمل بصفتك مندوبة المؤسسة الى المؤتمر لأنني اريد ترابطا بما يعرضه السادة وبين انطباعاتك وخلاصة احتياجات المؤسسة التي من الواضح انك تمثلينها وتعبرين عنها واعتبري هذا معروفا آخر تقدمينه.
تمتمت سارة.. بل انها وظيفتي.. فأنا في رحلة عمل وجزء من المهمة تكملتها ولدي كل الأوراق التي تحتاجون في هذه الحقيبة فأنا مثل السيد
قال لها اسمه بكل اعتزاز : جيري تومسون
واكملت سارة.. قد جئت من المؤتمر لتوي.
قال سلطان.. بهذه المناسبة اعرفك على السيدين الآخرين وهما ريتشارد دانيل وادوارد ماكميل وهما يمثلان شركة بانغهوب وربما من المفيد ان نستمع الى وجهة نظرهما في العرض المقدم.
لم تجد سارة بدا من الرجوع ومصاحبة المجموعة الصاخبة من رجال الأعمال الصناعيين لتكملة لقاء العمل الذي بدا واضحا انه مسجل للانعقاد حالا.
كانت جلسة العمل في غرفة الاجتماعات بالفندق ناجحة. فقد استطاعت سارة ان تلفت انتباه الصناعيين بأفكارها واسلوب شرح احتياجات المؤسسة بدون الوقوع في فخ الحيل المغرية التي يحاول مندوبو الشركات سكبها في عروضهم لبيع الهواء وما هو ليس ضروريا وخلط الاحتياجات بالكماليات من اجل تسويق سلعهم.
اما سلطان فقد بهرها بذكائه وحضوره ونباهته.. كان كبيرا بعقله وبصمته وبمشاركته وبمداخلاته المعبرة. وفي النهاية طلب منهم سلطان وقتا لدراسة العروض ومن ثم ابلاغهم في اقرب موعد الرد على ذلك. وعندما انصرفوا ناقشها بضع دقائق بتصوراته وطلب منها دراسة العروض على ضوئها واخباره بردها في اقرب وقت.
قالت له.. غدا الجلسة الختامية وستنتهي في الثالثة.. على ذلك سأبلغك الرد ربما في السادسة، وتابعت:
سأقوم بدراسة الموضوع الليلة وسأتابعه بالغد اذا احتاج المزيد من الوقت.. ولكن بالتأكيد.. السادسة سيكون تاما.
- اجعليها السابعة هنا في نفس المكان.. وارجو الآ يكون ذلك افسد مخططاتك لأمور كنت تودين قضاءها الليلة.
ابتسمت سارة وقالت كأنها تعترف.. بل بالعكس سيشغل ذلك امسيتي بالتأكيد وسيعزز عملي وارجو في النهاية ان اكون عند حسن ظنك وثقتك.
- تبدين لي من خلال طرحك جيدة ومستوعبة عملك.. ولكن لم لم اسمع بك.. من اي دائرة انت وأي قسم.. انتظري.. آه عرفت، لا يكون انت اذن سارة الشهيرة. ؟؟
- سارة الشهيرة.. .؟؟ ياله من اسم.. نعم. انها انا.. واذا كنت ستغير رأيك فتأكد انني سأحترمه بكل الأحوال.. !!
- آه.. لذلك لم تريدي الكشف عن هويتك.. !! اسمعي لم يتغير شيء.. موعدنا غدا.. السابعة.
تركته يغادر القاعة في البداية.. فقد تحركت بطيئة كسيدة عجوز او كشخص مهموم يحمل اثقال الدنيا، فبالاضافة الى ثقل رجليها فقد كانت هناك سحابة الذكريات البائسة التي بدأت تزخ مطرها قطرة قطرة وذكرى ذكرى.. !!

الثامن والأربعون
اختلاف الدروب.. !

انها تحمل احاسيس ومشاعر وردود افعال متناقضة وصاخبة ومدوية وعنيفة يكاد رأسها ان ينفجر من القدرة على استيعابها وهضمها وتوليفها في باقة مفهمومة ومنسجمة.
كما يعرف الانسان شخصا لأول مرة.. انه مزيج من عدة احاسيس.. مشاعرها القديمة ومعرفتها الجديدة به.
انها تريد مزج كل الانطباعات والصور في شعور مريح واحد ولكن ذلك كثير على مشاعرها لا تستطيع تحمل عدة مشاعر دفعة واحدة..
كانت تعبة فقررت نسيان كل احداث اليوم المثيرة ما عدا المهمة المطلوب منها تنفيذها بدقة ونجاح.
بعقليتها التنظيمية السلسلة وقدرتها التحليلية الفائقة استطاعت ترتيب النقاط المتشابهة والأخرى المعارضة واوجه الاختلاف والنقاط التي تحتاج الى مزيد من التوضيح والأخرى التي تحتاج الى اثبات مخبري لتتناسب مع القدرة الانتاجية لمختبرات المؤسسة.
وفي الجلسة الختامية في المؤتمر ركزت على جمع المعلومات التي تتعلق بهذا الإطار وطلبت الأبحاث المقدمة بهذا الشأن من سكرتارية المؤتمر واخذت تطالعها بتركيز في مواقع معينة وعلى عجل في اخرى مسجلة الملاحظات والهوامش اثناء الأستراحة. متحاشية ان تقع عليها عين احد الحاضرين لئلا يشغلها حديث عابر عن مهمتها الجديدة التي تحاول انجاحها بشكل مشرف.
حتى بعد رجوعها الفندق استغرقها العمل حتى السادسة حيث ابتدأت تستعد للأجتماع وكان هناك يتحدث في تلفونه النقال وبكل تهذيب وقف عند قدومها ولم يجلس الا بعد ان جلست بارتباك وهي تحاول ابعاد العكاز والجلوس برشاقة ولكن وقوفه وانتظاره لجلوسها اوقعها بالارتباك اكثر واوقعت العكاز وحاولت النهوض لالتقاطه خجلا عندما سارع هو الى رفعه من الأرض واسناده الى جوارها.
كانت عيناه تسألان بحرج: لماذا العصا.؟؟ ماذا حدث لها..؟؟
اجابت وهي تداري ارتباكها : لقد تعرضت لحادث منذ عدة سنوات وها أنا اتعافى منه بالتدريج.. حادث سيارة تزامن.. كادت تقول مع احداث المؤسسة والصراع الذي كسر حياتها المهنية آنذاك لكنها سكتت وبدأت تضع الأوراق على الطاولة وتبدأ التعليق عليها.
كان يستمع الى ورقتها وملاحظاتها والنقاط التي جمعتها من التقارير والعروض والدراسات.
عندما انهت حديثها كان قد سجل بعض الملاحظات وكاداري محنك اصدر حكمه بايجاز وتركيز.. نختار الشركة الثانية ونعاين المواد والكميات المسجلة وتأثيراتها وذلك يحتاج الى وجود طرف منا معهم. بصراحة لا اثق كثيرا بمحكمين من الخارج فهم لا يعرفون طبيعة احتياجاتنا ومعاملنا ولابد من احد من الداخل ليكون اقدر على الحكم والاختيار.
وتابع بعد توقف قصير.. وما دمت هنا وملمة بالموضوع وهو تخصصك فلا اظن من هو اقدر على تنفيذ المهمة غيرك.. لذا اطلب منك متابعتها بعد انتهاء المؤتمر والسفر الى موقع معامل الشركة في مدينة دورت اموند.. اعتقد انها بالقطار تبعد الساعتين تقريبا من بون. وحسب التعاقد معهم سيرتبون لاستقبالك.
بادرته بتعليق باسم.. لأول مرة اعلم بأنك تزاول العمل وحدك بدون مساعدين.. !!
اجابها .. انها زيارة خاصة ولكن لا مفر من العمل والتعاقدات.. !!
كأنها وجدت مدخلا يوصلها للسيدة الغامضة التي رأتها معه في المصعد فقالت متسائلة.. زيارة خاصة..؟؟
اجابها.. نعم.. الأولاد في احدى المدارس الصيفية الداخلية هنا والمدام ترغب في التصييف ولكن كما ترين متاعب الحمل ازعجتها جدا.. !!
قالت باستفسار.. مع انها ام لأطفال كبار كما تفضلت بالقول منذ قليل فمن الغريب انها ما زالت تكابد هذه المتاعب مع الحمل.. !!
- انها تعاني من متاعب صحية تجعل امر حملها شاقا في كل مرة.
- كم لديك من الأبناء.. ؟؟
- سبعة حتى الآن.
- وطبعا الثامن بالطريق.. يكفيها والحمد لله على ما أعطاكم ما دامت تتعب هكذا وقد تعرض حياتها للخطر.
_ الذي اعرفه انكن النساء تشجعن بعضكن على الانجاب كوسيلة لربط الرجل بكن.
هزت سارة رأسها غير موافقة وقالت :
هذا غريب أن يرتبط اثنان فقط لتربية الأولاد مع أنني أقدر ذلك كثيرا لانه يعني مدى احساسهما بالمسئولية نحو هؤلاء الأبناء ان وجدوا بحيث يضعون اولوياتهم بالبداية ولكن ان ينجبوهم بهدف كسب احدهما للآخر فهذا غير مقبول.
- ماذا تقصدين.. ؟؟
- يجب أن يفكر كل طرف بإحياء العلاقة الزوجية لأجلها وليس بالتداري وراء حصن الأولاد.
- انك معروفة بأنك صدامية بآرائك مع الناس. دائما يجب ذلك ولا يجب ذلك ودائما هناك صورة مثالية مطلقة للشيء المناسب واصدار الأحكام القاطعة و..
كان يتكلم اما هي فقد بهتت، توترت اعصابها، حتى بعد مضي كل هذه السنوات وبعد كل المناورات والحروب والجراح ما زالت القلوب محملة بأعاصير الغضب والتهكم.!!
تغيرت نبراتها وتهدج صوتها وامتلأت عيناها بغيمة حزينة على وشك ان تهمي امطارها، وقالت بصوت كسير فاجئه التقييم القاسي :
- كل يصدر احكامه ويفرض قانونه وليس هناك من صيغة ترى الناس الوجه الحقيقي للوقائع كل يراها من وجهة نظره وليس بالضرورة ان تكون صائبة.
بدون مراعاة لوجودها كضيفة على مائدته، وبتداعيات مخزونة لسنوات طويلة، قال لها بتوتر :
ألا ترين انك تتمادين كثيرا بأحكامك لدرجة اعتقادك انك الوحيدة على صواب والآخرين على خطأ..
قاطعته..
من البداية وانت تعمم الجميع يقول.. الجميع يشهد.. ، اود ان اسأل من هؤلاء الجميع..؟؟
بانفعال وغضب قال سلطان :
- انت من بدأ العدوانية والتمرد واشاعة الفوضى، وعدم احترام العمل وسريته، وعدم احترام رؤسائك.
لم تستطع سارة سمع المزيد من اتهاماته التي تشبه ازيز الرصاص المنطلق بتواصل، وقالت بضيق :
- اعتقد انك فخور جدا بطاقم عملك ومسرور منهم لانهم مثال الولاء والاخلاص لك. وانت يرضيك من يعطيك الأراء التي ترغب والانطباع الذي تحب والذي يدافع عنك حتى بأسلوب الدب الذي قتل صاحبه. واعتقد ان هذا اسلوبك في العمل الذي لا تحيد عنه ولا تتقبل سواه..!! ومشكلتك انك تسمع لما يقوله حولك دون أن تتبين مصادرك وحقيقتها مهما كانوا مقربين منك فأنت لا تعلم بمصالحهم ونواياهم ودوافعهم الحقيقية. ! وكان الاختلاف معك انني افهم الأمور بشكل مختلف بحيث ان عدوا عاقلا افضل عندي من صديق جاهل لا ينبهني لوجود الباطل بل يغرقني فيه..!!
ولم تقل له انها لم تكن يوما عدوته، ولم ترغب لحظة بايذائه ولم تفقد ايمانها به في أي وقت والا لما كانت هنا تعمل معه وتبذل قصارى جهدها لانجاح المهمة وتحقيق المصلحة العليا للمؤسسة وعندما تنتقده فلأنها تحميه وتحرره من شبكة الفساد حوله.. !!!
احست انها تكاد تتقيأ الطعام الذي امامها. وضعت الفوطة في الطبق تريد اخفاء محتوياته التي تكاد لم تمس :
وقالت وهي تحاول النهوض:
- استأذن بالانصراف.. فكما تعرف كان يوما حافلا وعلي اجراء بعض المكالمات للوطن قبل ان ينام الأولاد.
قال باستغراب.. هل لديك اطفال.. ؟؟
- ابناء المرحومة اختي.. انني بمثابة امهم الآن.
عاد بسرعة الى الموضوع الذي تركه:
اذن سأرد عليك بخصوص الدراسة التي قدمتيها واذا كان هناك اتفاق سيعقد مع الشركة المعنية.
بتهكم تساءلت سارة :
- هل ما زلت في المهمة..؟؟ والن يؤثر تقييميك السابق على صلاحيتي.. ؟؟ اعتقد انني ما زلت الحقودة العدوانية وماذا ايضا.. الصدامية، لا تنسى انني ما زلت احمل الارث السابق من التصنيف و..
قاطعها بنفاد صبر وبصوت مرهق تعب:
- ها انت تعودين لطباعك.
قالت بمرارة:
على الأقل انا سعيدة بأنه اصبح الآن هذا انطباعك انت وليس الآخرين اوالجميع.
- انهم عصبتي الامينون المخلصون
- اعتقد ان هناك اسماً آخر لهم.. المنافقون
امتعض وجهه وعندما همت بالنهوض نهض وناولها عكازها.
شكرته على العشاء وانصرفت بخطى محطمة تعبة مهمومة كانت روحها مكبلة بما سمعت، مثقلة بما تردد من اتهامات باطلة وقاسية ما كانت تتوقع سماعها..!!

التاسع والأربعون
رفض الفكر الآخر..!
هاتفت الأولاد بعد عودتها مذهولة من دعوة العشاء الملغومة بالأراء المدسوسة. كانوا يكلمونها بحماسة وكان عقلها في مكان آخر يردد كل كلمة اتهام قيلت وكل انطباع سيىء نقله لها بحماس من يود صفعها به..!! لم يكلف نفسه عناء ان يفكر بحالها، بالثمن الباهظ الذي دفعته ثمنا لموقفها، بالعداوة الصريحة والحرب الحقود المعلنة ضدها، بالحرب النفسية والضغوط الحقيرة التي مورست بقسوة وقلة احساس من بطانة السوء التي يعتقد ان محورها العطاء والدفاع عنه وعن مصالحه والتي تسابقت لتؤدي المهمة باخلاص منقطع النظير كأن عقاب احد الناس وايذاءه يرضي نوازع الشر الكامنة فيهم!! بتخلي من حولها عنها وحصارها في بؤرة ضيقة من الأوجاع والقهر. باستغلال ظروفها ضدها وعقابها لانها تجرأت على انتقاد الذات المسيطرة مع ان النقد بداية معرفة الخلل الذي باكتشافه تتم عملية الاصلاح والتغيير التي كانت تعتقد بأنها الهدف الذي يسعى له كجزء من واجبه نحو مؤسسته، ولم تدرك بأنه لا يريد من يسمي الأشياء بأسمائها، ولا من يسلط الضوء على الأمور التي يحرص اصحابها ان تحتفظ بمكانها السري المظلم، ويتعاملون معها كأوضاع يتم التغاضي عنها ولا تمنع مع ذلك تمسحهم وادعائهم بالشرف والاخلاص والنزاهة.. !!
بالطبع كرهوها لأنها عرتهم وكشفت اللثام عن حياتهم السرية، وازاحت الحجاب عنها، وكسرت الغطاء الذي يموه خباياهم عن من حولهم ويسمى الفساد بأسماء محببة اخرى تغلفه بمراعاة مصالح الأتباع والمحسوبين.
ها هي تعود وحيدة ومقهورة من جديد، وقد فتح جرحها، واخذت الاتهامات والتهكمات تنهال عليها مذكرة اياها ان هم لا ينسون من يتجرأ على هز عش الدبابير..!!
كانت اصوات فاطمة وريم تصهل بفرح في اذنها وهم يعددون رغباتهم وطلباتهم والأغراض التي يريدون منها شراءها لهم، وهم يحرصون على تكرارها ليتأكدوا من فهمها التام لها، وهي تكاد تتقيأ الترفع والحقد الذي فاح بهما صوته.
سجلت بعقل غائب وصوت ضائع مشتت الانتباه ما يرغبون وانهت المكالمة لتسقط في بحر دموعها. فقد ارادت التحرر من مقابلة العالم الخارجي الذي يفرض عليها ارتداء القناع واخفاء مشاعرها الحقيقية، واداء دورها كنزيلة فندق او موظفة او ممثلة المؤسسة في المؤتمر او خالة هؤلاء الصبايا البريئات التي انستها ازمتها الخاصة من الاطمئنان اكثر وباسهاب عن اخوتهم الأولاد.!
كان نومها متوترا وقلقا وكان الصباح كئيبا ويبدو بأن الدموع نهر متدفق لا يجف في النفوس المجروحة ولكنها قررت الخروج والتسوق والتهيأ للسفر وهي ليست واثقة تماما من استمرار رغبته في التحاقها بالمشروع المقدم من الشركة الالمانية في دورت اموند، ولن تهاتفه ابدا لتستعلم عنه، وستنتظر اليوم وغدا اذا لم يأتي خبرا بخصوصه ستغادر للوطن غير اسفة على عدم اتصاله ويكفي انها مطعونة حتى الصميم من انطباعه القاسي عنها.
عادت من التسوق في الظهيرة مكسورة الخاطر وهي تحمل اكياس مشترواتها الكثيرة، بنفس مملوءة بالمرارة والاعياء، تجر خطواتها ليس بسبب الاعاقة فقط ولكن لان روحها خامدة وفكرها مغيب بالأفكار المتلاطمة. سارع احد الحجاب بأخذ الأغراض وتوصيلها لغرفتها وقد افاقت لصوت داخلها يذكرها بأنه يسكن نفس الفندق وقد تصادفه في البهو ولكنها لم تكن متحمسة لرؤيته والتعرض للمزيد من اتهاماته الممزوجة بالتهكم..!!
ما ان وصلت غرفتها حتى وجدت وميض الهاتف ينبئها بوجود رسالة لها. نبض قلبها وهو يهتف باسمه مستميتا بأن تكون الرسالة منه، وضغطت على الزر ليأتي صوت مندوب الشركة ينبئها بالاتفاق مع مستر سلطان على تمثيلها للمؤسسة لرعاية المشروع وسيكون في انتظارها بمحطة القطار بالغد لاستقبالها اذا كان الموعد يناسبها ويمكنها تغييره وابلاغه بالموعد الجديد، وقد رتب مقر اقامتها في فندق مناسب، ويطلب منها الاتصال على هاتف العلاقات العامة بالشركة لأخبارهم بموعد وصولها المحطة لتدبير من يستقبلها هناك.
ها هو قد اجرى تدابيره ولم يغير رأيه بخصوص المهمة. واحست بخيبة الأمل لأنه لم يكلمها ولكن هذا افضل فبعد الذي سمعته منه بالأمس لا تريد سماع المزيد.
لم تكن جولتها مساء في المدينة مبهجة، وقد احست كأنها متشردة تسير لوحدها في الشوارع المزدحمة بالناس وبالأصوات والتعابير والقصص والحكايات المرتسمة بالوجوه، تسير بلا هدف تحمل عبئا كبيرا من الأفكار الصاخبة في رأسها والهموم الثكلى في قلبها المشروخ. حتى عندما جلست في الكافيه والجرسون يحاول ان يجاملها كأجنبية طمعا في البقشيش الذي ينثره سياح منطقتها الخليجية المبالغين في الكرم وكونهم محبي الاستعراض في هذه الفترة المزدحمة من الصيف ارهقها لأنها لم تكن سائحة وليست سعيدة ومبتهجة لجلوسها في قهوته ولا حتى متمتعة بشراب الكابتشينو والتشيس كيك اللذين طلبتهما واحست بطعمهما المر في تذوقها الغارق بالكآبة والانسحاق. كانت تشكره بابتسامة مفتعلة تنبأ بأن قلبها يبكي ووجدانها مصدوم وكرامتها مطعونة.
سألت في الفندق عن اقرب محطة قطار ومواعيد السفر الى دورتاموند، واختارت قطار الصباح كأنها لا تطيق المكوث مزيدا من الوقت في نفس الفندق الذي يسكنه سلطان والاعتراف بأمل مرفوض داخلها بأن تراه او تلمحه ولو من بعيد.!!
في الصباح غادرت الفندق وهي حانقة عليه انه لم يفكر بالاتصال بها على الأقل ليطمئن على سير المشروع ولكن ماذا يهمه.. ؟؟ تعود ان يأمر ويطاع وشكرا له على حرصه على تبليغ مندوب الشركة في دورتاموند ليتخذ التدابير.. !!
عندما كانت تبحث عن قطارها وهي تتبع الساعي وهو يجر الحقيبة في عربته النقالة كانت عيناها وانفها محمرين من البكاء . فقد ودعت بون بالدموع المنسابة من عينيها كما الأمطار الصيفية التي فاجأت المدينة في الصباح وملأت سماءها بالغيوم والسيل الجارف.
لم احبته بالأساس.. ؟؟ ولم لا يوجد في شرع هذا الحب مادة تبيح للمبتلى به الفكاك منه متى رغب؟؟ حتى ولو تم حرمانه من الوقوع في الحب طول حياته الباقية.. !! لم لا يمنح الانسان حق الاختيار.. فمن حقه رفض من لا يناسبه ولم يفرض عليه هذا الحب بقوة سحرية لا فكاك ولا مهرب منها.. !! تدرك انه سيكون شاقا عليها التفكير بانتزاعه جديا من قلبها وحياتها، وانها ستفاجأ بفراغ كبير سيحطمها اكثر مما هي فيه من بؤس وسيشوش حياتها ولكنها لم تعد تطيق الألاعيب والأحاجي، تريد حياة واضحة مريحة. لا تريد الارتباط ولو وهميا بهذا الانسان الذي لم تجلس معه على طاولة لربع ساعة حتى قهرها للنخاع.. !!. لا تريد ان تخدع نفسها بأحلام غبية وواقع شرس. لا تستطيع ان تجمع بين المتناقضات ولا ان تهرب من كلماته التي حملت حقدا وكراهية لا يمكن ان تتطابق مع ما تعيشه في داخلها من سكينة وعاطفة.
ثم ما قصتها معه.. ماذا تعرف عنه اصلا وهل تنقاد الى ابهار صورته العامة.. ؟؟ وما ادراها ان ما تراه امامها ليس الا انعكاسا لما اسقطته عليه من رؤى وتخيلات.. ؟؟
يا الله.. ايكون ما يسحرها مجرد شعور نما بداخلها لشخصية صنعتها من امنياتها وتصوراتها وخيالها، أيكون مجرد تمثال نحتته ومنحته كل توقعاتها ونفخت فيه من روحها ثم صدقت وجوده.. ؟؟ لو يعلم المحبون بوجود هذه الاشكالية العقلية التي تحول الأوهام الى حقائق يعيشونها دون أن يدركوا زيفها لتحطمت قصص كثيرة وتهاوت عواطف نسجت خيوطها من تفسيرات خاطئة.
لماذا تهرع الفراشة لتحترق باللهب، ماذا يجذبها فيه.. ؟؟ أهو الوهج أو الجهل والانقياد للمصير. ؟ ولم عليها معاناة هذا الواقع المتماوج الذي لا يملك قانونا ليسير ولا حدودا لينتهي.. ؟؟ انها سياسة كراهية الآخر وسحقه اذا تجرأ وخالف وتميز وتفرد، انها الرغبة في تفكيكه وتحطيمه وكسره وابادته كأن الأرض لا تتسع الا لرأي واحد مسيطر واتباع يسجدون ويقومون بحمده، بذلك يعم الخراب وتذبل النفوس وتخرس الأصوات وتتشوه الرؤى وتندثر اجيال واعدة بالعطاء كانت هنا ولم يبق سوى ذكراها.. !!
هي وغيرها كانوا مشاريع نماء تضج حماسة واندفاعا وتدفقا واجههم الطوفان والتعتيم والتشكيك والكراهية فانسحقوا وترنحوا وهاهي تفقد وهجها وتمتلئ اوراقها ببقع الشعور بخيبة الأمل وهي ترى الحقيقة التي تهرب منها ولا تود مواجهتها أمامها لانها ان صدقتها فهي نهاية الحلم، فكيف تعيش بلا حلم.. ؟؟ كان اسهل عليها القاء اللوم على من حوله لأنه الرمز فان هوى فماذا يبقى للتوجه اليه.. ؟؟ انه ليس شخصا انه فكرة وطموح وتطلع.
لم تفكر بالاتصال بعملها وهي هناك لتخبرهم بالتطورات وبمهمة تكليفها. كانت تكره لحظة ابلاغ مديرها بأنها تلقت التكليف من سلطان شخصيا.. !! لا بد انه سيصاب بجلطة قلبية حيث انه معروف تصنيفها من المغضوب عليهم من قبل المسئولين الكبار في الوزارة، لو اتصلت به سيبلغ المسئولين الأعلى وسيبدأ تدخلهم عن نوع الخطة والبرنامج وسيقلبونه لها رأسا على عقب ليثبتوا وجودهم لمجرد ان لهم رأي وقرار .. !! ومن جهة اخرى لا تريد التحدث مع احد من المؤسسة ويكفيها اذى وتجريحا.!!
عادت الى الوطن وقدمت تقريرها بصمت وبدون اتاحة فرصة للكلام والشرح وحتى بدون ان تقابل مديرها. اكتفت بارساله مع الحاجب. وبعد يومين اتصل المدير يطلب منها بعض الشروحات لبعض التعليقات والشروحات التي تضمنها التقرير. ومن حماس المدير تأكد لها انها مطلوبة من جهات اخرى درست الموضوع وطلبت المزيد من المعلومات.
استغرقها الوقت آخر الدوام لتعيد ما طلبوا منها دون ان تحاول في الأيام القادمة معرفة التطورات والمستجدات الطارئة في الموضوع.
مضت الأيام مزدحمة بالعمل ولكنها كانت كجرعات قوية من الدواء لتنسيها واقعها ولتبعد عنها شبحا قاسيا يطاردها ويدمي قلبها ويجعل غصتها تحول حتى الطعام الى مجرد الياف تسد من الجوع وتمضغ باسم الواجب.
لقد تفجرت آلام الماضي وعادت بها الذكريات الى الجو العاصف الذي لا يرحم امامه والذي يكتسح في سبيل المنافسة غيره ولا يحس بالآخرين وبعثرة حياتهم كأنهم مجرد دمى بلا روح ولا احساس.
اخبرت ابراهيم بأمر المشروع وذكرت لقاءها المفاجئ بالوزير وزوجته بالمصعد الكهربائي. شعر ابراهيم بالقلق وهو لا يستطيع تبين موقف الوزير، هل هو جاد بتكليفها بالموضوع والجميع يدرك حساسية وضعها بالنسبة للادارة العليا واختلاف وجهات النظر أو هكذا تم تصنيفها وبين ان يكون هذا مخططا لاحتوائها وهذا ما ضايقه بالفعل لانه ينظر اليها كرمز للنزاهة والاخلاص ولا يود أن تجر الى الفريق الآخر.
لاحظت سارة ضيقه ولم تعرف كيف تفسره، هل هي غيره مهنية لانها شاركت في مؤتمر مهم وانجزت دراسة تم الاهتمام بتفاصيلها من قبل الادارة العليا وقابلت الوزير مما قد يزكيها لمنصب افضل.. ؟؟
ولكن ذلك لم يغير العلاقة الأخوية بينها وبين ابراهيم حيث مرت الأيام دون تغيير يذكر وبدأوا بنسيان هذه التطورات الجديدة وتابعوا نقاشهم وعملهم كالسابق. مضت الحياة طبيعية في الشهور الثلاثة القادمة. ولم تحاول ان تشارك الموظفين ثرثرتهم لتعرف ما يجري بالمؤسسة. عندما تنهي عملها كانت تشغل نفسها بأمور الشباب كما تسميهم، خالد ومحمد وفاطمة وريم ونواف.

وللأحداث بقية
رواية




الأعلى رد مع اقتباس
قديم 03 Apr 2007, 11:56 AM [ 33 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
مواضيع : 1901
الردود : 9766
مجموع المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25بسمة is on a distinguished road

بسمة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص





تداعي الفصول:رواية للكاتبة مريم آل سعدالحلقة الأخيرة)

الخمسون
انهيار الحلم

أحداث تدور ومواقف تحدث في الحياة ولكنها تمر سراعا وتكون وليدة لحظتها ثم فجأة وفي لحظة ما وفي زمن معلوم تتحد كلها وتنفجر وتبدأ بطرح نفسها وفرض وجودها على التفكير.
تتذكر سارة ثرثرة إحدى الموظفات واصفة الوزير سلطان بالتناقض، كيف يكون في الوزارة شخصا يتعامل بطبيعية مع المرأة الموظفة ثم يفرض على ابنته ذات السبع سنوات الحجاب، ويرفض عمل ابنته الأخرى في قطاع مختلط، ولاتنكر سارة رؤية زوجته بألمانيا بالنقاب ولكن هذه حرية شخصية وقناعات لا يمكن وصف صاحبها بالتناقض بل بالتعايش مع وجهات النظر الأخرى دون التخلي عن مفاهيمه الخاصة، والتناقض هو أن يتبنى اطروحات وقيماً ويتشدق بها ثم يناقضها في حياته، وهو لم يدع بأنه مع تحرر المرأة ولم يطلق الشعارات الدالة على ذلك لكنه في نفس الوقت يحترم العاملات وذوي التوجهات المختلفة.
ولكن بماذا تبرر له ذلك التمادي في المظاهر والإنفاق من ميزانية الوزارة على ديكورات مكتبه كل ستة أشهر كما أخبرها ابراهيم وحينما رددت متسائلة : كل ستة أشهر..؟؟
رد عليها ابراهيم : ليس كل أشهر بالضبط في وقت معلوم بل بهذا المقدار من احساسك بالزمن، منذ توظفت منذ خمس سنين لا أتذكر بالضبط كم غير مكتبه..؟؟ ولماذا..؟؟ وياريتك ترين الفخامة والبذخ.
وتسكت سارة على مضض ولا تريد أن تقارن ذلك بم تلاحظه أثناء تقييمهم لعمل المعامل من ملاحظة المبالغ المهدورة التي لا تتناسب مع حجم المطلوب وكذلك ناتج المردود وكل تنبيهاتهم على هذه النقطة لا تجد آذانا صاغية عندما يرفعون تقاريرهم لرؤسائهم، وقد قالت معلقة ذات مرة :
انهم يتجاهلوننا وربما من الأفضل أن نرفع بذلك مذكرة للوزير تأخذها أنت بيدك وتكلمه شخصيا..؟؟
نظر لها ابراهيم متهكما : ولم التعب..؟ اتعتقدين انه لا يعلم.؟ اتريدين اجابته..؟ هذا ليس عملكم حتى تعترضون على شيء، هناك محاسبون واختصاصيون ومسئولون ماليون لهذه الأمور وهذا عملهم وما دخلكم أنتم..؟ وظيفتكم تنفيذية لا تخرج عن البحث والتحليل في المعامل لا غير. هذا لا يخصكم ولا تتدخلوا فيه.
وتسكت سارة على مضض غير مقتنعة بالاجابة وغير راضية برد الفعل.
وماذا أيضا تقول عن موقفه عندما اشتكى أحد المهندسين الشباب من أن سعادة الوزير عطل مشروعهم لتكوين فريق من الموظفين الراغبين بلعب كرة القدم والتعاون مع أحد الأندية للعب هناك. وعندما سألته سارة انه أمر خاص بهم يؤدونه بعد ساعات العمل وما دخله ليعطله عليهم.
قال لها : لانهم استشاروه من باب اللياقة والمجاملة وفوجئوا برفضه ويحرجون الآن من التجمع واللعب مما يمثل تحديا لأوامره.
قالت سارة : انه تسلط بلا مبرر ولا يوجد عذر له، ولماذا..؟؟
عندما تكون مبهورا بشخص ما فمن السهولة امتصاص تصرفاته الغريبة ولكنها ستظل عالقة تحتاج الى تفسير والى المزيد من الاستيعاب والاقتناع.
بعد رؤيتها للوزير ومحادثته اكتشفت سارة بأنها التقت لا شعوريا بحلمها المنعكس على شخصيته، كأنه تقابل الفكرة وترى التطلعات لاحداث الفروق وتطوير الواقع واستحداث التغييرات التنموية. كأنها لا ترى شخصه بل ترى ذلك الأحساس الذي يحمل تصوراتها وأمانيها فلم يكن سلطان شخصا مجردا بالنسبة اليها فمنذ كانت طالبة في المرحلة الثانوية كان يرمز للطموح والحلم والعالم الذي تتفجر به الرؤى وتحقيق الذات، وكان ذلك مطلوبا ليحدث التوافق والتناسق بنمو شخصيتها ويسمح لها بالتبلور ولا يعجل بإحباطها.
وعندما بدأت بتكوين احلامها وتطلعاتها كان الوزير برؤيته وطموحه مثالها وخلطت بين المفهومين ومزجت بينهما بحيث استحالا بذهنها شيئا واحدا، واكتشفت انها حيلة عقلية للهروب من الواقع والتشبث بالأحلام، هناك اختلافات وفروق واذا كانت لا تريد جرح تهيؤاتها بأن تحقيق ذاتها يشكو من أزمة عامة يعانيها من حولها والسبب تردي الأوضاع وانهيارها وعدم قبول الآخر واصطياده فور تبلور وعيه لمحاصرته وامتصاصه واخماده.
لقد عرفت بأن هذه التطلعات والرؤى ليست الا في خيالها وهي وهم مزيف ومختلفة عن الواقع، حيث تندحر التطلعات ويفشل الانجاز ولم تصنع الآمال فما زالت المؤسسة ترتع بمسئوليها من الاداريين القدامى الذين يتوارثون مخططاتهم المحنطة، وما زالت القوانين والبنود تحجر على تطور الأفكار وتقدم العقول، وما زالت العقلية المتحكمة للمسئولين سائدة بحيث لا يتقبلون التطوير ولا يملكون ادواته ويهمشون الآراء الجديدة والأفكار المبدعة، الواقع لم يتغير وان كانت الأحلام تزهو بالوهم ورغبة التغيير.
لم يكن سلطان شخصا كان تطلعا لتحقيق الانجازات وبلورة التطوير ولكنها اكتشفت انها مجرد شعارات وأوهام ارادت الاختباء خلفها لكي لا تواجه حقيقة السكون وصفير الهجير وتداعي التوقعات. اذن لقد كان سلطان صورة رمزية للطموح الذي يود الانسان بلوغه والذي لا يريد الاعتراف باخفاقه بتحقيقه، انها تكابر ولا تريد ان تواجه واقعاً انها كأبناء جيلها لم يحققوا شيئا ولو يسيرا مما ظنوا انهم سيحققونه، ولم يغيروا العالم ولم يبدلوا اقدارهم ولم يكونوا افضل ممن قبلهم. وكان من الصعب مواجهة حقيقة ان قدرها ألا تكون كما ارادت وكما تصورت وحلمت.
انه بالنسبة اليها الرمز الذي يحمل التطلعات والأحلام والتي اكتشفت انها لم تحققها ولم تنجزها، وحقيقة كهذه من الصعب مواجهتها عندما يعترف الانسان بفشله وقد ظل يتعلق بخيوط الوهم سابقا وخصوصا من يضع توقعات لابداعات يريد تشكيلها ومهام يتمنى أن يبهرالآخرين بها.
اكتشفت بأن العلاقة جدلية بين هاجس الطموح والسلطة والأمل الذي يمثله الوزير وبين المتطلعين الى هذا الوهج كأنه الخلاص الذي يفتح لهم ابواب التكوين والتنمية، انها علاقة تعتمد على الخوف وعدم الثقة من كلا الجانبين فاذا استحوذ أحد الطرفين على السيطرة ساد وقمع، وهنا اصبحت ضرورة القوانين والمؤسسات التي تحفظ المعادلة وتضبط الأمور وتوقف كل طرف عند حدة. وعندما تكون هناك الحدود يكون هناك العدل والتوازن، وهل تتحقق الحياة بدون أن يكون الحلم والطموح في كفة، والعقل والضوابط في كفة أخرى.؟؟ انها الاشكالية الخالدة بين المثقف والسلطة، بين الضمير والتملك، بين الحلم والواقع وشتان بينهما..!
عندما بدأت تعي الحياة العامة كانت هناك اصوات متميزة لشباب واعد تحاول أن تقول شيئا وكانت - هذه الأصوات - معتزة بنفسها ممتلئة ثقة واعتزازا، كانت تحفر في دواخلها، وتنحت بأعصابها وكيانها لتصنع الابداع لمجتمعها. . كانوا عصافير واعدة تتحدى المطر والريح بالأمل لمستقبل لم يأت قط، وظلوا بأماكنهم وقد وهنوا وتشتتوا وعركتهم الحياة وطحنتهم مشاكل الأسرة وكسب العيش وفقدوا توثبهم الا حلمهم الصغير النائم المختبئ داخلهم يذكرهم دائما بصحوة مكبوت لم تكتب لها الحياة.
بعضهم غيًب نفسه بعالمه الخاص يدفن ذاته ويطمرها خلاله بحيث لا يعرفها ولا تعرفه، لا يواجهها ولا تواجهه، لا يسألها ولا تسأله، وبعضهم استبدل الكسب السريع وتسلق السلم الاجتماعي بحقيقة كونه مشلولا ابداعيا وقد جرد من روحه الخلاقة فعوضها بولوج البهرجة المادية. وبعضهم قتله الصمت و الاهمال وتعسف الموظفين ولوائحهم وشكوكهم وانكفأ على ذاته لا يدري هل هومبدع أم متطفل، وهل يقاوم أم يتدثر بلحافه ويبني خندقه في عالم مثالي من صنعه وحده.
عناصر كانت تغرد واختنقت لان لا أحد يهتم بموسيقاها، ولا يفهم غناءها، ولا يشعر بقيمة وجودها وتأثيره. ما أصعب الأفول لاشراق غرته الحماسة، وتملكته العزة، واستوطنه الكبرياء ولم يرضع التجاهل ولم يهيا للذبول.
لقد بدأت تشعر مثلهم وبدأ ذلك الاحساس يجتاحها، وقد كانت تقاومه بروح الحياة وخلق الخيال والحلم لتطيل صمودها وتستمد طاقتها.. انها مثلهم أمل يحتضر ويشعر بأنه بدأ يتحول الى سراب والى بقايا، وبدأ ذلك الطموح العنيد يدرك بأنه يتفتت ويعلن بأسى.. كنت هنا ولم اعتقد يوما بأنني سأطوى وسيختفي الوهج والتوقد ويخمد الضجيج. ما أصعب أن يفقد الانسان فجأة كل ما يراهن عليه.. يفقد الحلم، فكيف يعيش اذا..؟؟ لقد رأت كل ذلك عندما قابلته وواجهت نفسها من خلاله.. لا تستطيع الادعاء كالسابق والاحتماء بالخيال لانه لم يعد خيالا بل حقيقة ردتها للواقع، عندما تواجه الحلم تخسره بلا ريب لانه حلم لا يستطيع مهما كان مجابهة الواقع، ولانه خيال من صنعنا ومن يستطيع مضاهاة الخيال..؟؟ انه أعذب ما في الكون، وأنقى ما بالسماء، واروع ما على الأرض، فمن ينافس..؟؟
لا تدري هل اكتشافها بالوقوع في مصيدة الافتتان بصورته العامة المبهرة التي غلفت الأشياء بألوان خادعة حجبت عنها الرؤية الصحيحة هوالسبب أم هروبها من مواجهة واقع انها عاجزة عن تقديم ما ترضى عنه وما كانت تعتقد انها ستقوم بتحقيقه هو السبب الفعلي..؟؟ عندما صدم حماسها واندفاعها السابقين بمصالح المنتفعين وجماعات الفساد انكسرت وتجمدت وعندما عادت مرة أخرى بماذا استطاعت أن تشارك وتقدم..؟ ان العملية جماعية ولا يمكن التحرر وكسر القوالب المهيمنة للعقليات المسيطرة التي تحمي مصالحها الا بوجود فهم وسعي وارادة من المهيمنين على الأمور، وقوانين ولوائح تساند من يريد الاصلاح والتغيير ولكن العيش في غابة لا تملك الحدود ولا تضع الضوابط، وفي نفس الوقت يوجد مسؤولون لا يمكن مناقشتهم والتحاور معهم وآخرون يفرزون بأسلوب ادارتهم المتسلطة جماعات نفعية تعتاش على الكسب غير المشروع ويصبح الموظف النزيه غريبا وطفيليا وكأنه يطلب الاحسان عندما يريد تطوير القوانين الموجودة وكسر التحفظات القائمة لجعل العجلة تدور والمسائل تتحرك وليعمل الجميع بالنور وضمن خطط مدروسة تستشرف المستقبل بثقة ولا تتخبط بالظلام.
لا يكفي أن تكون هناك مجموعة عمل متحمسة اذا كانت معطلة ولا تستطيع تدبير شيء لانه غير مسموح لها سوى بأداء ذلك العمل المتوارث ممن سبقهم ليكرروه برتابة ترزح بالكثير من النواقص، ولانها تجرد من قدرتها كقدرات على التفكير والتطوير والتأثير على العمل وتغييره ومن هنا جاء النمو والدفع والتعلم.
كلما كان الانسان مهموما بقضايا مجتمعه وكلما كان متحمسا ويصدم بالفشل فليس أمامه سوى الهروب داخل فكرة مثالية ليخفي احباطه وألمه، وليظل يملك الأمل بالتغيير ووجود الغد الجميل وحدوث الصحوة واعادة التقييم والحلم بأن الأمور لن تظل على حالها ولا بد ان تكون هناك اصلاحات واجتثاث للعقليات المعطلة للتطوير.
حينها تحررت من وهم الوقوع في خيلاء الافتتان بالصورة العامة التي يجسدها الوزير وان اصابها ذلك بمثل الصدمة والدوار، فليس سهلا الانعتاق من احساس شكل عصبا رئيسيا في تقبلها للواقع لتعترف بأن انسحاق حلمها ما هو الا أزمة جيل كامل، تحمل هي اعراض هذا المرض حينما يتخذ الطموح صورة شخص تسقط عليه حبك لتحتفظ بينبوعك وتدفقك وذوبانك بالحياة.
هل هي اشكالية الانسان وهي البحث المضطرد عن السعادة والتي لن يجدها ابدا وسيظل يدور في حلقات مفرغة.. وكلما اعتقد انه وصل سيجد نفسه داخل متاهة أخرى، وكلما وضع هدفا وجد دروبا غيرها، وكلما سار كلما قادته المقادير لجوانب لم يدركها ويمضي العمر ولا يصل ابدا لهدفه، ويرحل من الدنيا غريبا كما جاء، جاهلا كما ولد، مكسورا كما هو حاله عندما يقابل ربه.

الحادي والخمسون
انقلاب الموازين

كانت سارة تشارك المهندس ابراهيم جلسة العمل الصباحية وهم يفحصون تقارير المعامل ونوعية المواد المطلوبة من كل منها، ويقارنون بين النتائج ويسجلون الاختلافات بين النسب التي جرت تجربتها في المرحلة التجريبية التي تم تطبيقها في احد المعامل، عندما دخل مسئول كبير في الوزارة عليهما المكتب. وزيارة مسئول كهذا لا تأتي من فراغ وخصوصا وان عمل سارة وابراهيم كمهندسين استشاريين لا يؤهلهما للتخاطب المباشر مع مسئولي الوزارة الكبار.
كانت زيارة هذا المسئول لاخبار سارة بترشيحها للانضمام للجنتين من لجان الوزارة المهمة، المناقصات وتوريد المواد.
- نحن نحتاج الى جهودك يا دكتورة. سوف نستفيد من معلوماتك وسوف تكون لملاحظاتك الأهمية المرجوة يا دكتورة.
تطلع ابراهيم الى سارة والتقت نظراتهما وهما يفكران بنفس الأمر، هل تذكرت الوزارة فقط الآن ان هناك دكتورة في تخصص علمي عال في المؤسسة ليطلبوا خدماتها ويستعينوا بخبرتها..؟؟ أم ان ذلك كله يتعلق برضا الوزير عليها وإثنائه على عملها مما غير الموازين وحول سارة من المشاغبة الى الدكتورة سارة المبجلة. ! وأين تم اختيارها..؟ في لجنتين تسيطرعليهما جماعات الانتفاع من المال العام، وترأسها العناصر التي وقفت سارة في وجهها بالماضي ونجحوا في توقيفها وابعادها.؟
استأذن ابراهيم تاركا المكتب ولم تجد سارة بدا من شكر المسئول على ثقته الكبيرة وعلى اختيارها لهذه اللجان المهمة، وقلبها منقبض، اللهم اجعله خيرا.!
لا تستطيع الاعتذار فهذا تشريف لها ومطمح عال لدراستها مع أنها في نفس الوقت لا تثق بالتوقيت وتجد نفسها تجر بالتدريج الى مكان لا ترتاح له وبأن الأرض التي تقف عليها تتحول الى رمال متحركة. لقد كانت في تلك الفترة تريد الاختلاء بنفسها لتفكر بحياتها ككل وتعيد تقييمها فقد اكتشفت ان سيفها مكسور، وحصانها مجهد وخائر القوى وقد استحالت فارسة تحارب طواحين الهواء، وكانت طول عمرها واثقة من تصرفاتها حتى في احلك الظروف وكانت تعلم اين هي.. أما الآن فهي ضائعة وتريد تحديد هويتها والعمل بالمساحة التي ترضيها ولو كانت صغيرة ومتواضعة. لذلك اخذت اجازة لأسبوعين ترتب فيها اولوياتها بحيث تكون في المنزلة التي تتوافق مع قناعاتها.
كانت سارة في قسم الملابس في احد المتاجر الكبرى تختار فساتين لفاطمة وريم وبينما هي تعرض عليهما اشكالاً تعجبها بينما البنتان يهزان رأسهما بالرفض بحثا عن موديلات اخرى حتى شكت سارة بأنهن يرفضن لانه من اختيار غيرهن ويردن اثبات شخصيتهن، لذلك عليها السكوت واذا عرضن عليها شيئا معينا يمكن ان تبدي ملاحظاتها ان وجدت. وهي في انهماكها ظهرت لها من بين احدى الزوايا احدى رفيقات العمل التي تعمل في احد الأقسام في المؤسسة وبعد السلام، سبقتها سلوى قائلة :
لقد رأيت اسمك على لائحة اللجان المقررة لعملية التقييمات الأخيرة.
تساءلت سارة بغير فهم :
لا بد انك غلطانة، انني في اجازة . فمن غير المعقول ان اتواجد في لجنة او لجان كما تقولين.
قالت سلوى بخبث ومكر : معنى ذلك انك لا تعلمين بقرارات اللجنة الأخيرة..؟
بنفاد صبر قالت سارة بوضوح وتركيز :
ارجوك يا سلوى بلا تلميحات وألغاز. انني صادقة عندما اخبرك بأنني لا ادري بالفعل عن ماذا تتكلمين..؟؟ فلو سمحتي وضحي.
قالت سلوى : اذا لا بد انني غلطانة. انسي الموضوع..!!
بتصميم وحدة قالت سارة : وهل انسى القنبلة التي فجرتها الآن، لن اتركك حتى تقولي بالضبط ماذا دار في ذهنك.؟
قالت سلوى بلؤم : حتى انني حتى استغربت ان تكوني من الأعضاء كيف توافقي على التجاوزات الموجودة وكيف انقلب موقفك مئة وثمانين درجة.
- الى الآن احتاج الى مزيد من التوضيح، من البداية من فضلك..!!
تململت سلوى من وقفتها وخصوصا وانها كانت تريد ان تأخذ من سارة المعلومات وتحرجها وتتعالى عليها، او كأنها تهنىء نفسها على كسب رهان مفاده بأن من يدعون حماية الصالح العام ويتصدون للفساد سرعان ما يسقطون وينضمون الى الجوقة اياها. لذلك قالت بدون حماس وبسرعة :
طبعا انت تعرفين اهتمام المؤسسة بالتعاقد مع الشركات الألمانية على تطبيق مشاريع هامة تتبناها المؤسسة وتشكلت على اثر ذلك لجان متفرعة انت على الأقل في ثلاث منها انعقدت جميعها على الأقل مرة او اكثر. ومن القرارات التي تم اتخاذها فيها توجد هناك مناقصات مطروحة وعمولات وصفقات وامور اخرى لا استطيع التكلم عنها لأنها سرية ولكنك عضوة في بعض هذه اللجان ومن حقك الاطلاع على تقاريرها ولكن من رئيسي وليس مني هذا اذا لم تطلعي فعلا عليها..! واعذريني علي المغادرة حالا واختفت قبل ان تفيق سارة من صدمة وغرابة ما سمعته.
وكانت البنتان قد جربتا عدة فساتين ولكن ظلتا غير مقتنعات بينما سارة لم تجد النفسية المواتية لمواصلة التبضع ووعدتهن بزيارة محل آخر ولكن وقتا آخر فهي تتحرق لتعرف ماذا يحدث بالضبط بالمؤسسة.
كانت النيران تنهشها فهل معقول ان ما تقوله سلوى صحيح، وهل الترشيح لعبة.
وكل الموضوع هو اشراكها في هذه المصيدة الموبوءة واغراقها بحيث لا تدري بما يجري حولها...!!
لم تنم سارة ليلتها وكيف تنام ورأسها مزروع بالقهر والكوابيس والغضب. وفي الفجر كانت اول المبكرين للعمل تنتظر بفارغ صبر حضور المسئول عن تسيير هذه اللجان الذي حضر كعادته متأخرا لا يدري بحجم اللوعة والاحباط المسكونة بهما ضيفته، وبادرته بوجه منهار وعينين تعبتين :
لو سمحت اريد بالحال نسخاً من تقارير اللجان المورد اسمي بها.
بخبث وفضول قال لها : في الاجتماع التالي يسلم كل عضو محضر للاجتماع السابق للمصادقة عليه.
قالت بنفاد صبر : لعلمك لم احضر ايا من هذه الاجتماعات ولم اعلم بها الا بالأمس فمن حقي ان اعرف بما يتخذ باسمي.
قال لها والحسد ينضح من صوته :
هذا تكريم لك ويجب ان تفرحي لاختيارك فيها.
قاطعته سارة بقرف :
لا تخف سيأتي الدورعليك فأمثالك مطلوبين لتوقيع مثل هذه القرارات ولكنني احتاج الى رؤية ما اتخذ او على الأقل قراءته فحسب ان كان الحصول على نسخة يشكل مسئولية عليك.
بكل برود وهدوء اعصاب سحب ملفات في خزانة مكتبه وفتحها بأناة كأنه يريدها ان تحترق اكثر في توترها وانتظارها، وبيد لزجة طاولها بعض الأوراق التي اختطفتها بقوة من يده وتصفحتها واحست ان وجهها يسقط من رأسها.
اعادت له اوراقه وهو لا يحس بمعاناتها وحجم النار المتقدة في صدرها والآلام التي تصهرها، وتناولت ورقة وقلما وكتبت استقالتها من تلك اللجان مع توضيح بأنها لم تحضرها ولم تعلم بانعقادها اصلا، وتعلن عن عدم رضاها بما ورد في قراراتها. وفي استمارة اخرى قطعت اجازتها وكتبت مباشرة العمل ابتداء من اليوم وهي تكاد تسقط اعياء وتعبا وهما وقد عقدت النية على البحث بسرعة عن عمل بديل في مكان آخر وطلب نقلها من المؤسسة بأسرع ما يمكن..!!
لم تعد سارة المتفائلة المبتسمة، كان وجهها مظلما معلنا عزاء طويل الأمد.
انها الصدمة.. اللطمة وبانهيار الحلم تماما وتهشمه وبانجلاء الخيال ماذا يبقى..؟؟
لا شيء..كأنه دخان وتسرب
كأنه وهم وانقشع
كأنه ضوء وانطفأ
كأنه انبهار ملأ الكون بنوره واختفى فجأه ولم يبق سوى الوحشة والصقيع والفناء.
أين كل ذلك الامتلاء والسمو والوهج..أين العظمة والرفعة والحضور والشغف
لا شيء سوى الهجير وصفير رياح مولولة بالخراب والدمار ونواح البوم
كان الفراغ صاخبا ومؤلما وحادا ومفجعا ومأساويا وأكبر من تبينه واستحماله وفهمه.
كان قاسيا بوقعه وبحقيقته وبوضوحه
وتمنت أنه لم ينكشف ولم تره على حقيقته وانه ظل ملتفعا بوهمه وسحره وزيفه.
ما قسى مواجهة الواقع بدون استعداد وتهيؤ وانتظار وتوقع.. ما ابشع الحقيقة وما أشد وجع الموقف.
وها قد عادت من جديد الى الصفر المجرد حتى من الحلم، وقد فقدت حتى الخيال الكاذب وتجردت حتى من التهيؤات.
عندما مرت بها الأزمات على الرغم من بشاعتها الا انها تماسكت ونبتت لها اجنحة جديدة بدلا من الممزقة، وتولد داخلها تصميم متماسك بدل المهشم والمنهار وانبثقت خلالها نفسية متوازنة بدل المشروخة والمحطمة، وكان لديها مخزون يعطيها المقدرة لتحارب وتناضل وتستحمل وكانت تستشف قوتها وشجاعتها وصبرها وشموخها من هذا الحلم. من تلك المنطقة الخضراء اليانعة التي تهبها الصمود وتنفخ فيها التحدي والآن عندما انهار الحلم وتهاوى وخرج من ايقونته ولم يعد مثالها الساحر وعالمها الجميل الذي يترجم نقاء العالم رغم فوضى الواقع اهتزت وأحست كأنها تتعلم المشي من جديد.
على الانسان أن يتعود أن يواجه عالما اقوى منه يفرض عليه العزلة والصمت واندحار الحلم. عليه أن يعرف أن البنيان العملاق المتماسك قد يهوى بلحظة ويصبح غبارا ونسيا منسيا، وأن التوقعات الكبيرة المجلجلة بضجيجها وصخبها وأضوائها قد تهمد بلحظة ما ولا يبقى لها أثر. وأن الطموحات الخلابة المشروعة المزهوة قد يصيبها الاختناق بدون القدرة على احتضانها ولملمتها واسعافها. عليه أن يعرف بأنه لن يتمتع بما بناه، وان ما سعى اليه طول حياته لن يكون بالضرورة شاهدا لمحاولاته وعمله، وان رياح التبدل والتغيير لن تكون بعيدة عنه وان ضمانات الدنيا وهمية، وان نفثاتها غدارة ونجومها وسحرها وقتان يملآن العالم اليوم ويتحولان الى سراب غدا. وان لا ضمانات للقدر لانه متقلب وعاصف ومليء بالأحاجي والأسرار التي يعجز الانسان القاصر عن فك طلاسمها ودوائرها الموغلة بالعجب والغيب. عندما تطل عليه يلزمه أن يعرف كيف يتعلم أن يواجه مصيره ويقنع بالظل والعزلة والصمت الدامي. عليه ألا يفزع من الوحشة وانحسار الحياة التي سعى اليها ومنحها رحيق شبابه وخلاصة جهده وشريان اعصابه. عليه أن يصادق السكون ويقابل فراغه الروحي الذي همدت الحياة الفائرة داخله فجأة وتهاوت بدون اسئذان وتمهيد، وعليه تعلم الانسحاب بتقبل ورضا واستسلام.
لقد تغيرت ونضجت وكبرت واستطاعت التمييز بين التوهم بقدرتها على صنع خطواتها المبهرة وبين الأعتراف بأن الحصاد الفعلي قد لا يكون بمستوى التوقعات، والخاسر الذي لا يريد الاعتراف ويظل يماطل ويتصنع ويعيش الاكذوبة.
انتقلت سارة الى الجامعة لتعمل استاذه هناك بكلية الهندسة لانه لا توجد بالبلاد مؤسسة صناعية أخرى تستطيع أن تتفاعل معها وتستفيد من جهدها. عمل اقدمت عليه كصفحة بيضاء مفرغة من كل شيء.. لقد تركتها الصدمة كانسانة فقدت ماضيها وحاضرها ولم تعد تهتم بمستقبلها. مات الشغف والشجن والتفاعل والحماس. كانت مجروحة وتنز بألمها ولا تلقي بالا لما يلف حياتها من تداعي وتخبط وغموض. لا تحس بمن حولها ومن يكونون ولا يفرحها حدث ولا يحركها شجن. انه صعب العيش في عالم يملك موازين اخرى لتصريف الأمور ويحول المعركة من النماء والتعمير والبناء الى ملاحقة الفساد ورفضه أوالاعتراض عليه.
لا تستطيع مسايرة هذه الأوضاع حتى بالاحتجاج فكأنها نفخ في غربة مقطوعة أوالصراخ بواد سحيق، انه ليس عالمها ولامكانها ولا يعني انه اذا كان حلمها منذ طفولتها أن تعمل بهذا التخصص وهذا المكان بأن يكون وصمة تدمغها وتطاردها وتحاصرها ولا تجد مفرا منها..؟؟
عزاؤها الأكبر انها على الاقل ربحت نفسها ولا يهم ان تخسر العالم كله لانه ان كان بهذا الانحطاط والغش والتزوير فهو صعب عليها ومجهول ومر لا تستطيع مواكبته.
لذلك فمهما قد تكون قد خسرت فذلك اصبح غير مهم لانها كسبت نفسها.
من الصعب أن يربط الانسان نفسه بحلمه وطموحه المؤود طول الوقت ولا يواجهه ولا يعترف بأن الذي في خياله مجرد صوره بينما واقعه شيئا مختلفا.. على الأقل واجهت حلمها وتحررت منه وتستطيع الآن متابعة حياتها بدون وضع التوقعات أوتشييد التصورات.

الثاني و الخمسون
الحلم لا يموت

يا لسخرية القدر.. لقد عادت الى مكانها الأول.. ألم تكن مرشحة عند تخرجها لتكون معيدة وتتابع دراستها العليا من ذلك المنطلق لتكون دكتورة بالجامعة..؟ وألم تتمرد على قدرها واختارت حلمها والعمل بالمؤسسة الصناعية وفرضته وتمسكت به وحققته وعاشته وبماذا خرجت به..؟؟ بالمزيد من الجراح والتمزق والفجيعة. على الأقل سيكون هناك فرق بالنسبة لطلبتها وطالباتها أنها ستعلمهم كل ما اختزنته من علم وتجربة ومعلومات وبالطبع ستكون مختلفة كثيرا لو لم تعش هذه التجربة بالمؤسسة بما فيها من حماس وتحديات ومرارة ولو لم تحاول شق طريقها وخوض قدرها. بالطبع هي ليست نادمة على الحياة التي عاشتها لأنها نحتت داخلها مشاعر واحاسيس جعلتها ترضى بواقعها وتتقبل قدرها وتفهم شيئا من فلسفة الحياة وعجائبها وعلى الأقل عاشت وتعلمت وتألمت ولم تنأى على السطح وتعيش على الهامش .
من الأوهام التي تسيطر على الانسان ويسمح لها بالاستيلاء عليه وامتلاكه هو التشبث بحلم أو طموح أو أمنية ومحاولة تحقيقها المرة تلو الأخرى دون جدوى واستمراره بالمحاولة رغم اخفاقه فيها، ودون الادراك ان في داخله مواطن عطاء أخرى ربما لو جربها قد يجد شغفه فيها وقد يستعيد بهجته وحماسه وتجدده من خلالها.
والغريب دفع ثمن هذا التشبث طول العمر وعدم التفكير بالتحرر منه واطلاق النفس والتعاطي مع أمور أخرى تساعده على حل معادلة وجوده وفهمه لدوره الحياة. ان الحياة رحبة وواسعة ومتعددة الجوانب وان أغلق فيها باب تفتحت ابواب مشرقة أخرى تملك منح الاجابات وتتيح تقبل النفس لعطائها.
بعد التحاقها بالجامعة وعملها هناك احست سارة بأنها وجدت مكانها الطبيعي حيث المعامل والمختبرات، والعمل لخلق ابداع جديد وتحدي حقائق موجودة، ومضارعة عقول علمية في الجامعات أخرى. احست بأن ولعها الحقيقي ونبضها المتدفق بدأ يعود ويتجدد ويشكل حلمها وطموحها البناء بشكل خلاق هذه المرة. احست بأنها تترك الضجيج والقيل والقال، وعالم الغاب الى آخر لا يعترف بالصراع بين البشر لانه يعمل لصالحهم وليس ضدهم، وأدواته عطاء ومحبة وليس طعناً وتجريحاً وضغوطاً قاتلة تقضي على قلوبهم وفي نفس الوقت تفقدهم صفاءهم وبراءتهم وشفافيتهم.
كانت تبحث عن السلام داخلها ووجدته بالعمل بشيء تحبه ويرضي قناعاتها ويمدها بالرضا والاطمئنان.
من خلال طلبتها احست بأن روحها تتجدد وتنمو وتتفرع وهي تساهم بخلق وعي نفوس شابة اخرى. كان حماسهم يهبها التدفق المطلوب وكانت ترى حلمها ينمو مرة أخرى بالتطلع لغد أفضل، و من خلالهم آمنت بأن الأحلام غير أنانية وقد تعيش في صدور البعض مرحلة ما حتى تجد فرصتها يوما ما في قلوب آخرين، وستشعر بالزهو والفرح اذا استطاع أحد طلبتها تحقيق ما عجزت عن تجسيده وتقديم ما لم تستطع انجازه.
على الأقل كانوا يهبونها الأمل والقوة لتستيقظ صباحا وتهرع الى محاضراتها وابحاثها بلهفة لانها تجد من يناقشها وينتظر ما توصلت اليه وما تود اثباته.
وكانت تستمع بجوانب الحياة الأخرى حيث التأمل والتفكير بخلق الله وعالمه المتعدد ومخلوقاته العجيبة، والاسترخاء والبعد عن الضغوط والتوترات النفسية التي يجب أن تكون الهدف الأساسي للانسان، فما فائدة المال والجاه والمنصب اذا كان الانسان مطحونا تعبا، وألا يكون في هذه الحالة العامل الذي يأخذ قيلولته العذبة في حقلة اكثر راحة بال..؟؟ ووجدت الرضا والقناعة بما لديها وايجاد الوقت لشكر الله وحمده على منحه وعطاياه، والمصالحة مع النفس والانسجام مع الذات.
قد تكون السعادة وقتية ونسبية وسرها ان يكون الانسان راضيا عن نفسه، وقد يكون ثمن هذا الرضى غاليا وصعبا على آدميته وتكوينه الانساني ولكن ذلك بالبداية لانه سيدرك انه عندما يكون متوافقا مع نفسه فقد ملك قدره وتحكم بمصيره.
الخاتمة



الأعلى رد مع اقتباس
قديم 21 Aug 2007, 09:42 AM [ 34 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Feb 2007
رقم العضوية : 2277
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 102
الردود : 4490
مجموع المشاركات : 4,592
معدل التقييم : 39السارية is on a distinguished road

السارية غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 4
عضو مخلص

العضو المميز

الحضور المميز

فعالية لقطة ومقاديرها




كل الشكر عزيزتي ..,,

أستمتعت فيها كثير ..,,

الله يعطيك العافية ...,,

دمت بكل خير وعافية ..,,


توقيع : السارية









كل حزُن يزيد , ويتكاثر حين "نَحكيه" ؟!
الحزُن الذي نرويه لـ
( الله )
فقط هو الذي يتقلّص ويختفي : )
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 21 Aug 2007, 10:15 AM [ 35 ]
مؤسس شبكة الشدادين


تاريخ التسجيل : Jan 2005
رقم العضوية : 1
الإقامة : saudi arabia
الهواية : رياضة + كمبيوتر وبس
مواضيع : 2071
الردود : 91524
مجموع المشاركات : 93,595
معدل التقييم : 4981السلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond reputeالسلطان has a reputation beyond repute

السلطان غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 8
فعالية ضوء عدسة

فعالية طلباتك أوامر

شكر وتقدير

فعالية مجموعات المنتدى

يوميات الأعضاء

التميز في دورة الفوتوشوب

شكر وتقدير

أجمل خط 1434 هـ




الله يعطيك ألف عافية يا بسمة ويسلمك

ما قصرتي والله في نقل هذه الرواية

كاملة بجميع فصولها

تسلم يديك


توقيع : السلطان
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 31 Aug 2007, 08:05 PM [ 36 ]
عضوة متميزة


تاريخ التسجيل : Nov 2006
رقم العضوية : 1994
الإقامة : qatar
الهواية : كتابة الخواطر
مواضيع : 1901
الردود : 9766
مجموع المشاركات : 11,667
معدل التقييم : 25بسمة is on a distinguished road

بسمة غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 3
العضو المميز

الحضور المميز

عضو مخلص




شكرآعلى الحضور ..

الله يعطيكم العافيه ..

تحياتي لكم


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 17 Nov 2007, 10:53 AM [ 37 ]
المراقبة العامة

تاريخ التسجيل : Jul 2007
رقم العضوية : 3282
الإقامة : saudi arabia
مواضيع : 182
الردود : 6019
مجموع المشاركات : 6,201
معدل التقييم : 25سيدة الأشجان is on a distinguished road

سيدة الأشجان غير متصل




مثل ماقال السلطان..
مثل هالقصص الطويلة تحتاج إلى طباعتها

و أكيد لايخفى على مدمني الروايات والقصص
الطقوس الخاصة لقرأتها
.
.
سلمت يداك أختي الغالية على نقل القصة


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 17 Nov 2007, 05:18 PM [ 38 ]


تاريخ التسجيل : Oct 2007
رقم العضوية : 4022
الإقامة : saudi arabia
الهواية : كل شيء
مواضيع : 744
الردود : 18733
مجموع المشاركات : 19,477
معدل التقييم : 325بندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the roughبندر النايف is a jewel in the rough

بندر النايف غير متصل


مـجـمـوع الأوسـمـة : 12
المشاركة في الاحتفالية السنوية

الكاتب المميز

التواصل

يوميات رمضانية

المشاركة في احتفال المنتدى

عضو مخلص

وسام أفضل تقديم للسفرة

فعالية أين الكرة؟

التواصل

العضو المميز




يعطيك العافي يا بسمه

توقيع : بندر النايف
.
رحـــمكِ الله يا أمي وجعل الجنة مثواكِ
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 22 Nov 2007, 07:32 PM [ 39 ]


تاريخ التسجيل : Mar 2006
رقم العضوية : 1120
مواضيع : 44
الردود : 2825
مجموع المشاركات : 2,869
معدل التقييم : 25البدر is on a distinguished road

البدر غير متصل




مشكوره اختي بسمه على القصه

وفي انتظار الجديد ان شاء الله

تحياتي


توقيع : البدر
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ان محمد رسول الله .. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا باالله ..
كلمات بسيطة وضعتها في توقيعي لاقراها وليقرأها غيري
سنجدها يوم القيامة وقد رجحت كفتنا بإذن الله
الأعلى رد مع اقتباس
قديم 22 Nov 2007, 07:45 PM [ 40 ]


تاريخ التسجيل : Apr 2007
رقم العضوية : 2574
الهواية : جمع الطوابع وعلب الببسي
مواضيع : 74
الردود : 1839
مجموع المشاركات : 1,913
معدل التقييم : 25نواف الشدادي is on a distinguished road

نواف الشدادي غير متصل




روايه جميله تسلمين على طرحها أخت بسمه

تحياتي ودمتي بخير

أخوك

نواف الشدادي

الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشتاء ملح الفصول حجازية الهوى مرافئ البوح 10 07 Apr 2010 10:40 AM
أرتقي بطموحك حتى تكون مثل شجرة الفصول الأربعة البسمة الخجولة القسم العام 6 26 Mar 2010 08:57 PM
"الآخرون" للكاتبة السعودية الشابة "صبا الحرز"،رواية فضائحية جديدة . كديميس كتّاب المنتدى في القصص والرواية الأدبية 5 16 Mar 2007 08:16 PM
~:: حلو الكلام ::~*~* للكاتبة مشاعل العيسى رغداء القسم العام 16 04 Oct 2006 10:05 PM
من أي الفصول أنت؟ بحر مرافئ البوح 7 02 Feb 2006 09:41 PM
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

12:09 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com