الموضوع: بستان الأحلام.
عرض مشاركة واحدة
  [ 1 ]
قديم 22 Feb 2013, 07:03 PM
عضوة متميزة

دنيا أفراحي غير متصل

تاريخ التسجيل : Jan 2013
رقم العضوية : 64337
الإقامة : algeria
الهواية : المطالعة وكتابة الخواطر
المشاركات : 1,044
معدل التقييم : 459
الملف الشخصي للكاتب
إضافة تقييم
الرد على الموضوع
ارسال الموضوع لصديق
طباعه الموضوع
تبليغ عن الموضوع
بستان الأحلام.











عمي "أحمد" شيخ قروي بسيط نبيل بكرمه... كان يدا حانية تعطف علي و تشد أزري كلما أوشكت أن أضعف ..
تعرفت عليه في بالقرية ، كان منزله لا يبعد كثيرا عن منزلي...،كنت أسلي وحدتي بعد العمل بالجلوس إليه و الحديث معه ،كان يروي لي قصصا عن قهر الاستعمار الفرنسي لهذا الشعب و عن حب الرجال لهذا الوطن وتضحياتهم من أجل حريته...
كنت أرافقه بالمساء وهو يقدم العلف لماشيته ...حيوانات كانت تحبه ويحبها ،يعرفها كما يعرف أبناءه ..كثيرا ما كان يفصح لي أن وحدتي تؤلمه ،ثم ما يلبث أن يطمئنني إلى أن أهل القرية طيبون ..
كان له بيت صغير يتوسط بستانه ..كان وحيدا مثلي رحل أبناؤه إلى المدينة وهجروه ، كنت أقرأ قسوة حزنه في عينيه ... كان كلما تحدث عنهم اغرورقت عيناه ثم ابتسم ودعا لهم بالهداية و التوفيق في حياتهم ...
في الأوقات التي كنت أقضيها معه كنت أحاول تناسي وحدتي و إيناس وحدته، ...و كلما جلست إليه تذكرت قول امرئ القيس:
أجارتا إنا هاهنا غريبان وكل غريب للغريب نسيب
كان يعلمني أحيانا كيف أحلب العنزات ..وأتذكر تلك اللحظة التي سلمني فيها القدح لأحلب إحداها ولما هممت أن أفعل وضعت العنزة حافرها في القدح واندلق الحليب...لحظتها خجلت من نفسي فابتسم من فشلي ضاحكا.
ذات مساء زرته فقدم لي جديا هدية ... ماتت أمه وبقي وحيدا،كان ما يزال ضعيفا وبحاجة لأم. ربيته ألفته وألفني ، أحيانا كنت أصعد به إلى الجبل المحادي للقرية .. فأسير وهو ينط عن يميني وشمالي كم كان وجوده يسعدني وكنت كلما نظرت إليه تذكرت تلميذا يتيم الأب ، مات أبوه وهو في بطن أمه .. كانت تعابيره الشفهية والكتابية لا تخلو من قصص خيالية يرويها عن أبيه ،قصص تعكس مدى الفراغ الأبوي الذي يعيشه ذاك الطفل ،أذكر ذات يوم اصطحبته معي إلى المدينة بينما كنا نجلس في الحافلة طلب مني أن يجلس إلى جانب رجل كان يجلس في المقعد المقابل ،جلس إليه ما لبث أن تحدث معه، ونام على صدره قد كان يبحث عن أبيه في كل رجل يصادفه ،ذاك الجدي كان يبحث عن حنان أيضا ،قد ألفني إلى
ابعد حد لا يصدق.. كنت إدا ما جلست أحضر مذكراتي لا يكف يدور حولي، وإذا ما انشغلت عنه راح يقضم أطراف شعري وحين أضع قبعة عليه يدنو من يدي ويقضم قلمي ..وإذا ما تمددت أتى نحوي وراح يمشي على ظهري ، قد آنس وحدتي ...
كان يبتسم كلما رآني أدخل عليه بستانه صحبة الجدي ..كم كانت جميلة وسعيدة تلك الأوقات...
مضت سنتان ..وفي العام الموالي حل الحزن بالمكان الذي كان يمدني بالراحة والأمان ...،ففي أول يوم وصلت إليه القرية لبداية عام دراسي جديد قصدت بستانه بشوق لرؤيته ورؤية الجدي الذي تركته عنده خلال العطلة الصيفية فوجدت ملامح المكان قد تغيرت؛ المنزل الصغير مقفل مهجور ولا أثر للعم ولا لحيواناته ...جريت في ذعر إلى أحد الفلاحين المجاورين له وسألته عن العم فأخبرني أنه يصارع المرض ...
عدت إلى المدينة في اليوم ذاته ورحت أبحث عن منزله حتى عثرت عليه ،دخلت عليه الدار فاستقبلني بابتسامة تزاوجها دمعة ،بكيت لحظتها وأنا أراه يوشك أن يكون في أيام عمره الأخيرة ،جلست إليه ورحت أذكره بالأيام الجميلة التي كنا نقضيها معا فيبتسم في صفرة المرض، يومها أوصاني أن أحذر من السكن وحدي على أطراف القرية وأن أبحث عن عمل في مكان آخر ،أحسست أنها وصية وداع ...
مات عمي أحمد بعد زيارتي له بيومين، فقدته مثلما فقدت أبي ، مثلما فقدت أحلامي ،حتى ذاك الجدي لم أعرف مصيره ، مات ونهب منزله الصغير الجميل مثلما نهبت وهربت آثار العراق ..وأصبح البستان النضر مرتعا لحمير القرية تأكل زهوره مثلما تأكل اليهود النار الحطب




توقيع : دنيا أفراحي

رد مع اقتباس