عرض مشاركة واحدة
قديم 22 Aug 2010, 05:39 AM [ 24 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Aug 2006
رقم العضوية : 1697
الإقامة : saudi arabia
الهواية : السفر والقراءة والانترنت
مواضيع : 125
الردود : 5979
مجموع المشاركات : 6,104
معدل التقييم : 25سطام الشدادي is on a distinguished road

سطام الشدادي غير متصل


رد: سلسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم


قضية التوحيد :
فكانت رأس القضايا وأصل الخلاف، وكان المشركون يقرون بتوحيد الله سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، فكانوا يعترفون بأن الله تعالى هو الخالق الذي خلق السموات والأرض وما بينهما، وهو خالق كل شيء، وهو المالك الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، ولكوت كل شيء، وهو الرزاق الذي يرزق الناس والدواب والأنعام، ويرزق كل حي، وهو المدبر الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ويدبر أمر كل صغير وكبير حتى الذرة والنملة، وهو رب السموات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، ورب كل شيء، سخر الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والجن والإنس والملائكة، كل له خاضعون، يجير من يشاء على من يشاء ولا يجار عليه أبداً، يحي ويميت، ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.
وهم بعد هذا الإقرار الصريح لتوحيد الله سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله كانوا يقولون : إن الله تعالى أعطى بعض عباده المقربين - كالأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين - شيئًا من التصرف في بعض أمور الكون، فهم يتصرفون فيه بإذنه مثل : هبة الأولاد، ودفع الكربات، وقضاء الحوائج، وشفاء المرضى، وأمثال ذلك. وأن الله إنما أعطاهم ذلك لقربهم من الله، ولجاههم عند الله. فهم لأجل أن الله منحهم هذا التصرف وهذا الخيار يقضون بعض حاجات العباد عن طريق الغيب، ويقربون إلى الله من يرضون به، ويشفعون له عنده.
والمشركون على أساس زعمهم هذا جعلوا الأنبياء والأولياء والصالحين وسيلة فيما بينهم وبين الله، واخترعوا أعمالاً يتقربون بها إليهم، ويدعونهم لقضاء حوائجهم، ويستغيثون بهم في شدائدهم، ويستعيذون بهم في مخاوفهم.
أما الأعمال التي اخترعوها للتقرب إليهم فهي أنهم خصصوا لهؤلاء الأنبياء أو الأولياء والصالحين أماكن، وبنوا لهم فيها البيوت، ووضعوا فيها تماثيلهم التي نحتوها طبق صورهم الحقيقية أو الخيالية، وربما وجدوا قبور بعض الأولياء والصالحين حسب زعمهم، فبنوا عليها البيوت دون أن ينحتوا لهم التماثيل، ثم كانوا يقصدون هذه التماثيل وتلك القبور، فكانوا يمسحونها ويتبركون بها ويطوفون حولها ويقومون لها بالإجلال والتعظيم، ويقدمون إليها النذور والقرابين ليتقربوا بها إليهم، ويبتغوا بها من فضلهم، وكانوا ينذرون لهم مما كان يرزقهم الله من الحرث والزرع والطعام والشراب والدواب والأنعام والذهب والفضة والأمتعة والأموال.
فأما الحرث والزرع والطعام والشراب والذهب والفضة والأمتعة والأموال فكانوا يقدمونها إلى أماكن وقبور هؤلاء الصالحين، أو إلى تماثيلهم، بواسطة سدنة وحجاب. كانوا يجاورون تلك القبور والبيوت، ولم يكن يقدم إليها شيء إلا بواسطتهم في معظم الأحوال.
وأما الدواب والأنعام فكان لهم فيها طرق. فربما كانوا يسيبونها باسم هؤلاء الأولياء والصالحين، من أصحاب القبور والتماثيل، تقرباً إليهم وإرضاءً لهم، فكانوا يقدسون هذه الدواب، ولا يتعرضون لها بسوء أبدا، ترتع ما شاءت، وتتجول أين شاءت. وربما كانوا يذبحونها على أنصاب هؤلاء الأولياء أي على قبورهم وأماكنهم المخصصة لهم وربما كانوا يذبحونها في أي مكان آخر، ولكن كانوا يذكرون أسماءهم بدل اسم الله - سبحانه وتعالى -.
وكان من جملة أعمالهم أنهم كانوا يحتفلون بهؤلاء الأولياء والصالحين مرة أو مرتين في السنة، فكانوا يقصدون قبورهم وأماكنهم من كل جانب، فيجتمعون عندها في أيام خاصة ويقيمون لها أعياداً، يفعلون فيها كل ما تقدم من التبرك والمسح والطواف وتقديم النذور والقرابين وغير ذلك، وكان كالموسم يحضره الداني والقاصي والشريف والوضيع حتى يقدم كل أحد نذره وينال بغيته.
فكان هذا هو شركهم بالله، وعبادتهم لغير الله، واتخاذ آلهة من دون الله، وجعلهم شركاء لله، وكان هؤلاء الأولياء والصالحون وأمثالهم هم آلهة المشركين.
فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى توحيد الله، وخلع كل ما اتخذوه إلهاً من دون الله، شق ذلك على المشركين، وأعظموه وأنكروه، وقالوا : إنها مؤامرة أريد بها غير ما يقال، وقالوا : { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ{5} وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ{6} مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ{7} سورة ص.
ثم لما تقدمت الدعوة وقرر المشركون الدفاع عن شركهم، والدخول في النقاش والجدال ومناظرة المسلمين ليكفوا بذلك الدعوة إلى الله، ويبطلوا أثرها في المسلمين، أقيمت عليهم الحجة من عدة جوانب، فقيل لهم : من أين علمتم أن الله تعالى أعطى عباده المقربين التصرف في الكون، وأنهم يقدرون على ما تزعمون من قضاء الحوائج وكشف الكربات ؟ هل اطلعتم على الغيب ؟
أو وجدتم ذلك في كتاب ورثتموه من الأنبياء أو أهل العلم ؟
قال تعالى : { أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ{41} سورة الطور، { أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ{47} سورة القلم. وقال تعالى : { اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{4} سورة الأحقاف، وقال تعالى : { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ{148} سور الأنعام.
وكان من الطبيعي أن يعترف المشركون بأنهم لم يطلعوا على الغيب، ولا وجدوا ذلك في كتاب من كتب الأنبياء، ولا أخذوه من أهل العلم، فقالوا : { بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا {21} سورة لقمان، و : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ{22} سورة الزخرف.
وبهذا الجواب تبين عجزهم وجهلهم معا، فقيل لهم : إت الله يعلم وأنتم لا تعلمون، فاسمعوا منه - سبحانه وتعالى - ما يقوله ويخبر به عن حقيقة شركائكم هؤلاء، يقول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ {194} سورة الأعراف، أي إنهم لا يقدرون على شيء مما يختص بالله سبحانه وتعالى، كما أنكم لا تقدرون عليه، فأنتم وهم سواء في العجز وعدم القدرة، ولذلك تحداهم بقوله : { فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{194} سورة الأعراف.
وقال الله تعالى : { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ{13} سورة فاطر، أي بقدر ما يكون من القشرة الرقيقة فوق النواة : { إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{14} سورة فاطر، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{20} أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{21} سورة النحل، وقال تعالى : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{191} وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ{192} سورة الأعراف، وقال تعالى : { وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً{3} سورة الفرقان.
ثم رتب على عجز هؤلاء الآلهة، وعدم قدرتهم على ما كانوا يزعمون، أن دعاءهم والرجاء منهم لغو وباطل لا فائدة فيه إطلاقاً، وذكر لذلك بعض الأمثلة الرائعة، وذلك مثلاً، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ{14} سورة الرعد.


الأعلى رد مع اقتباس