07 Feb 2017, 07:58 PM
|
|
أرب إيدل ... منكر؛ يحرم المشاركة فيه، او الدلالة عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الحق جل وعلا :{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة: 2].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير القرآن العظيم: ( يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُعَاوَنَةِ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَهُوَ الْبَرُّ، وَتَرْكِ الْمُنْكِرَاتِ وَهُوَ التَّقْوَى، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التناصر على الباطل ) أهـ.
وان مما يتعين على كل مسلم معرفته والعلم به ، حكم ما يسمى اليوم ببرنامج ( أرب إيدل ) ، لابتلاء الأمة اليوم به ، الا من رحم الله ، وقليل ما هم ، والله المستعان .
وقبل ان أقف على أهم ما يتعلق بحكم هذا البرنامج من الناحية ، أحب أن أقف أولا معك أخي القارئ الكريم على معنى هذا البرنامج.
سمي البرنامج أولا ، بمصطلح انجليزي ، وذاع مسماه بهذا ، مع انه حسب علمي لا يتعلق الا بالجمهور العربي ، ولا يستهدف أحدا سواهم ، لكنه سمي بهذا المصطلح وبقي عليه .
هذا الإسم كما هو معلوم في قواميس اللغة الإنجليزية ، وأعني هنا الشطر الثاني من الإسم وهو ( إيدل – Idol ).
ورد معنى هذه الكلمة في القاموس كما يلي : (المحبوب ، وهم؛ إله زائف ، صورة شبح؛ طيف المعبود؛ فكرة خاطئة؛ معبود؛ وثن ) ، انظر : قاموس المعاني .
روج للبرنامج بأن معناه: ( محبوب العرب ) ، لكن الذي يرمي اليه مسموه - والله أعلم – انهم يقصدون بذلك : معبود العرب ، او وثن العرب ، ولا أدل على ما نقول ؛ تسمية هذا البرنامج بالمصطلح الإنجليزي ، ولو كان المقصود بمسماه ( محبوب العرب) ؛ كما تشير الترجمة ، لما بقي بهذا المصطلح المحتمل للمعنى الآخر ولسمي بالعربية ( محبوب العرب ).
ومهما كان مقصود هذا الإسم ، فالأمر لا يهم اذ لا مشاحة في الاصطلاح ، غير اني أحببت التنبيه على هذا الأمر ، لبيان خبث أهل الباطل ، ومكرهم الشديد بأمة الإسلام .
ثانيا : من خلال المعلومات التي سمعناها ، ووردتنا عن هذا البرنامج التي لا مجال فيها للشك .
فان هذا البرنامج ؛ يحرم على المسلم ؛ حضوره ، او المشاركة فيه ( بالتصويت ) ، او الدلالة عليه ، للوجوه العشرة التالية :
الوجه الأول : انه من مجالس الباطل والظلم ؛ التي حرم الله جل وعلا على أهل الإسلام البقاء فيها.
قال الله :{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
قال ابن سعدي رحمه الله : ( "فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر، الذي لا يقدر على إزالته ) أهـ.
الوجه الثاني : ان المشاركة فيه ؛ بالحضور او التصويت او الدلالة، تعاون على الإثم والعدوان الذي أجمعت الأمة على تحريمه ، لقوله تعالى :{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة: 2].
بل ان التعاون عليه صفة من صفات النفاق العملية التي يجب على كل مسلم ان يحذر منها كل الحذر ، ودليل قولنا هذا ، قول الحق سبحانه في وصف المنافقين ؛ أنهم يتعاونون على المنكر ، ويتواصون به، فقال جل وعلا :
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].
الوجه الثالث : ان فيه فتنة أهل الإيمان بالله ، لما يتضمن من الفجور والفسوق ، والخبث الذي لا ينكره عاقل !.
فمن حضره ، او شارك فيه ، او دل عليه فقد فتن المؤمنين والمؤمنات ،المترتب على فعله هذا ؛ النار وغضب الملك الجبار جل وعز ، قال الله:
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }
[البروج: 10] .
الوجه الرابع : ان فيه دعوة للفحش والفاحشة ، والإستهانة بشرع الله ودينه ، وهذا بين في أمور :
الأول : استحلال ما حرم الله من الغناء الماجن الذي لا يقول بجوازه عالم من أهل الإسلام ، حتى ولا الذين ذهبوا الى جواز الغناء ، فانهم لو رأوا هذا البرنامج وما عليه حال الغناء ، لأطبقوا القول على تحريمه دون منازع .
الثاني : ما فيه من التبرج والسفور ، والاختلاط، والنظر الحرام ، وهذا بين لكل ذي بصر او بصيرة .
الثالث: ان فيه تشجيع للمسلمين على الإنسلاخ من قيمهم ومبادئهم ، التي أوجب الإسلام المحافظة عليها ولزومها والعض عليه بالنواجذ ، وهذا ظاهر في تشجيع شباب المسلمين؛ ذكورا وإناثا على الغناء الماجن ، ورميهم في أحضان الرذيلة والفسوق .
وقد حذر الله عباده من محبة انتشار الفاحشة في المسلمين ورتب عليها العذاب الأليم ، فكيف اذا تجاوز الأمر عمل القلب بالمحبة الى فعل الجوارح بالسعي الدؤوب على الترويج للفاحشة والدعوة اليها؟!.
قال الله : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النور: 19].
الوجه الخامس : ان فيه إضاعة للمال ، وإهدار له ، وهذا محرم على المسلم ، يترتب عليه الهلاك والخسران في الدار الآخرة .
فقد حرم الله إضاعة المال ، وأكله بغير حق فقال سبحانه : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].
وفي الحديث الصحيح : ( إن الله تعالى حرم عليكم : عقوق الأمهات و وأد البنات و منعا و هات و كره لكم : قيل و قال و كثرة السؤال ، و إضاعة المال ) صحيح ، انظر : الجامع الصغير وزيادته (ص: 263).
وعند الترمذي وغيره ، من حديث أبي بردة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه ) صحيح ، انظر : صحيح وضعيف الترمذي للألباني رحمه الله .
الوجه السادس : ان غالب ما يصاب المفتونون به ، حب أهله وتعلق القلوب بهم ، وهذا من الخطورة بمكان ، لأن الحب والبغض عبادة يحرم صرفها لغير ما شرع الله .
في الحديث الصحيح ، عن ابن عباس ، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله و المعاداة في الله و الحب في الله و البغض في الله عز و جل ) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم
: 2539 في صحيح الجامع.
ومحب القوم يحشر معهم يوم القيامة ، في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قيل له: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: ( المرء مع من أحب ) متفق عليه.
الوجه السابع : ان كسبه خبيث ، يستحق صاحبه النار ، نسأل الله المعافاة من غضبه وناره ، في الحديث : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4519 في صحيح الجامع .
الوجه الثامن : ان الدال عليه خائب خاسر ، وتشمل الدلالة هنا كل وسيلة أدت معنى الدلالة ؛ من قول او فعل او إشارة .
فمن دل على الحرام كان له من الوزر مثل اوزار من عمل به، او دل عليه ، الى قيام الساعة ، قال الله :{ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25].
وفي الحديث : (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6305 في صحيح الجامع.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الدال على الخير كفاعله ) ( صحيح ) انظر
: صحيح الجامع .
ووجه الدلالة : ان الحديث بمفهوم المخالفة ؛ ان الدال أيضا على الشر كفاعله ، والى هذا المعنى أشار اهل العلم رحمهم الله .
الوجه التاسع : ان في حضوره او المشاركة فيه ، إعانة أهل الفجور والباطل على باطلهم وفسقهم ، وذلك بإعانتهم على نجاح برنامجهم الخبيث ، ودفع الأموال لهم ، والتي ربما كانت سببا في زيادة معاناة المسلمين ، وقوة شوكة عدوهم ، اذ لا يعلم أحد الى أين تذهب إيرادات هذا البرنامج ولصالح من تصب في الأخير .
وهذا كله محرم على المسلم ، اذ الواجب عليه تجاه هؤلاء نهيهم عما هم عليهم والأخذ بأيدهم ومنعهم ، وعدم دعمهم او تشجيعهم.
وفي الحديث الصحيح : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان» . رَوَاهُ مُسلم.
وفي الصحيحين ؛ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» .
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: «تَمنعهُ من الظُّلم فَذَاك نصرك إِيَّاه» .
مُتَّفق عَلَيْهِ.
الوجه العاشر : ان المشاركة في هذا البرنامج ،تورث جمهوره، العداوة والبغضاء ، نظرا لتوجه كل طرف الى نصرة من يحب ، وهذا حاصل ظاهر في أحوال متابعيه .
وقد نهى الإسلام عن كل ما أفضى الى العداوة والبغضاء بين المسلمين ، وهل حرمت الخمر والميسر الا لهذه العلة ؟ ، قال ربنا سبحانه : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة: 91].
وقال صلى الله عليه وسلم : «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» . وَفِي رِوَايَة: «وَلَا تنافسوا» مُتَّفق عَلَيْهِ.
نسأل الله العفو والعافية ، والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين .
الإثنين : 18-ربيع الآخر – 1438هـ
رضوان بن أحمد العواضي
|