..:.. مرحباً بك في شبكة الشدادين الرسمية ، ضيفنا الكريم يسعدنا دعوتك للانضمام والمشاركة معنا .. اضغط هنا لتسجيل عضوية جديدة ..:..


العودة   شبكة الشدادين > المنتديات الإسلامية > المنتدى الاسلامي
 
أدوات الموضوع
إضافة رد
قديم 10 Nov 2005, 01:19 PM [ 11 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




وكذلك قد كتبت كتب على اليهودية ولم يقترن أحدها بنتيجة حسنة . فالقراء لا يكتفون بقراءة اثر الكاتب بل يريدون حالاً وبكل شوق أن يعرفوا من هو ذلك المؤلف؟ وما هي صفته ؟ وفي أي دور الفنون تخرج ؟ وما هو مسلكه وما هي أخلاقه؟ أي أني إذا علمت حقيقة حال رجل يبشر بالدين الذي يلتزمه ويرجحه وعلمت درجة علمه وتتبعاته ودار الفنون التي تخرج فيها ، وانه يقدم على النقد التحليلي لأسفار التوراة والإنجيل المحرفة ، ووجدته واقفاً على اللغات الأصلية التي كتبت بها هذه الكتب المقدسة ، فأنا أول من يقدم له الاحترام ، فان لم يكن واقفاً على العبرانية لسان التوراة ومطلعاً على البابلية والسريانية واليونانية ، فبأي جسارة يتدخل في مثل هذه المسئلة العويصة المشكلة ؟ فان قام لتقريب بعض الكتب الفرنسية المضرة التي فقدت جدتها (مودا) بقصد تطييب خاطر المسلمين فبالطبع هم أيضاً يدافعون عن كتابهم ودينهم ، ويقومون بالدعايات ضد الإسلام والقرآن ، وحينئذ تظهر الحال المؤسفة .
ان ملاحظات المنتقدين الغربيين إلى الآن في تآليفهم بشأن التوراة والإنجيل تنحصر في البحث عن التناقض وعدم الارتباط وعن وجود عدة مؤلفين للكتاب الفلاني ، والخلاصة أنها تبحث عن الآيات المضرة وعن أن (يهوه) معبود اليهود كان كذا وكذا ، وان كيفية ولادة المسيح الخارقة للعادة وصعوده ليست إلا حكاية خرافية ، وما تلك إلا أشياء عديمة الفائدة ، فإذا لم نر واحداً من المائة من بين مطلعي تلك الآثار المذكورة يسلك مسلك الإيمان والتوبة وإصلاح النفس فان القسم الأعظم من هؤلاء يرفضون أفكار المنتقدين ومطالعاتهم بكل نفرة ولا يزالون ثابتين في اعتمادهم على الكتب المقدسة التي في أيديهم .
وأما القسم الآخر فهم أناس مغفلون مساكين مجردون من كل دين ومذهب كمقامر أضاع ثروته في بيوت القمار ،لان أولئك المنتقدين لم يقصدوا تمحيص الحقيقة وإظهارها للعيان وخدمة البشر بها .
لذلك أقول أن ترجمة التآليف المذكورة وإهداءها للمسلمين مضر جداً ، إن بعض المفكرين مثل فولتير وكارلايل ورينان يظهرون في كتبهم التي كتبوها ضد الدينين اليهودية والعيسوية ، كأنهم ينتصرون للإسلامية ، ولكنهم في الحقيقة يقصدون تخريب الإسلامية ، وإبطالها كما يفعلون بالأديان الأخرى ، وكيف ينتصر للإسلام والقرآن هؤلاء المنتقدون وهم ينكرون كل المعجزات الواقعة من قبل لأنبياء الله بأذنه ؟(*) إن مقاصد المنتقدين الغربيين الذين يدعون أن عباد النار أو البوذيين قد أثروا في الدين المسيحي ، عبارة عن بيان أن منبع الأديان المذكورة ومنشأها ليس هو الوحي بل أنها قد تأسست من خرافات وأساطير البابليين والهنود والفرس القدماء(*) وبالطبع فان هؤلاء يحكمون على الإسلام والقرآن الكريم بعين هذه القواعد الانتقادية أيضاً . فلذلك أوصى المسلمين المؤمنين من صميم قلبي بان يبتعدوا عن ترجمة مثل هذه المؤلفات .
ومع أني قد اجتنبت في كتابي هذا كل الانتقادات العديمة الفائدة الجارحة لشعور المسيحيين والموسويين الدينية ، وارجح بقاءهم متدينين بالموسوية والعيسوية على اللا دينية ، فأني أطالع وادقق كتب الإنجيل والتوراة بأصول محاكمة جديدة لم اسبق بها لحد الآن ، تاركاً معاول التخريب التي دأب عليها المنتقدون من قبلي :
إن أملي الوحيد هو الكشف عن حقيقة الموضوع والغرض الذي يجب أن ترمي إليه هذه الكتب (العهد الجديد) أي اني اشعر بان لابد في هذه الكتب من حقيقة . وأدرك أن الحقيقة المذكورة سعادة وخير لكافة البشر . وأني قد شرعت في مطالعة الكتب المقدسة باللسان الأصلي التي كتبت بالدقة والإمعان لإظهار هذه الحقيقة بكل وضوح .


- 15 -
( ) مترجمة عن كلمة ( ) راصون العبرانية .
ليثق قرائي المحترمون ، بان الاختلاف المستحكم بين العيسوية والإسلامية سينحل ويفصل فيه حالاً عند انكشاف المعنى الحقيقي الذي تحتويه هذه الكلمات بعونه تعالى ، فمن الضروري أن يتتبعوا المباحث في شأن الكلمات المذكورة بالصبر والدقة .
يوجد في اللغتين العبرانيـة والبابليــة القديمــة(1) فعــل ثلاثــي مجــرد ( رصــه) ( رضا) بمعنى (رضى) العربية . وهذا الفعل مستعمل كثيراً في كتب التوراة وسنحقق هذه الكلمات الأجنبية المهمة في النسخة المسماة (شبتو اغتبتا) وهي الكتب العبرانية المقدسة التي ترجمها سبعون عالماً يهودياً من اللسان الأصلي إلى اليونانية في مدة قرنين أو ثلاثة(2) قبل الميلاد في إسكندرية مصر .
ومن المعلوم لدى علماء اللغات أن الأسماء والصفات والأفعال على قسمين ، أي أن كل اســم أو صـفة إما مذكر و المؤنث على الإطلاق . مثلاً محمد مذكر ومحمدة مؤنث ، وبالعبرانية ( ) محمد مذكر ( ) مؤنث . وفي الأثورية ( ) محمد مذكر و ( ) محمدة مؤنث وأما اللغات الغربية القديمة فلا تتبع هذه القاعدة وهي تطلق على الكلمة التي لا تذكير ولا تأنيث فيها (غير جنسي)(3) وفي اليونانية يستعملون التعبيرات ( ) بمقابلة محمد ، للمؤنث ( ) أيندوكسي ، ولعديم الجنس ( ) أيندوكسون فاليونانيون يطلقون لفظ (أنيدوكسون) على ما يصفه العبرانيون بالصفة ( ) محمد . لذلك جاء التعبير في (اشعيا 11:64) ( ) محمديتو و ( ) أيندوكساهيمون بمعنى أشياؤنا الحميدة النفيسة (أندوكسا وهو جمع أيندوكسون( محمديهم محمــديها) نفائســهم نفائســه (مرائي ارميــا 1: 7و11) وقد ترجمــت فــي النســخة السبــعيـنية ( ) بمشتهيات ( كرم حمد) كرم الحمد الحديقة اللذيذة ، مبتغي اللذة والشـــوق (اشعيــا 2:27 و12:32) مـن اجـل الحقـول المقبـــولة ( أو بحمــدوت) ( دوكســاسي) النفائــس (دانيــال : 1 : 38 و 43) ( حمدة النسوان) شهوة النساء (دانيال 11: 37 و38 و43) .
( هحمدوت ثياب فاخرة) جيمل ، فاخر ، مرغوب (تكوين 15:27) .
فالمعاني التي تحتوي عليها الكلمات (حمد ، حميد ، محمد) في اللغة العبرانية القديمة على الوجه الآتي :
1- فعل : النظر بعين الطمع والشهوة ، الغبطة ، الاشتياق ، الاشتهاء صبرورة الشيء مرغوباً ولذيذاً ، الرغبة والإرادة ، المدح والثناء ، الحمد .
2- صفة : مشتهى ، شهي ، معشوق ، مقبول ، فاخر ، نفيس ، ذو قيمة ، حميد ، جليل، ممدوح ، حبيب ، لطيف ، لذيذ ، مكيف (أو مطرب) راض ، مسرور، مليح، جميل ، شهير ذو اسم (نامدار) ، صديق .
3- اسم : احمد ، محمد ، عشق ، غال ، علاء ، محمدة ، نفاسة ، لذة ، ملاحة ، حسن، جمال ، كيف ، غلاء ، انبساط ، شهرة ، صداقة .
ولكي لا اتعب القراء المحترمين أتيت على نماذج الألفاظ الأجنبية أعلاه على وجه الاختصار ، وإن صحائف كتب التوراة مملوءة بالألفاظ المذكورة ، وكل المعاني والتأويلات التي أعطيتها صحيحة حقيقية وأنا مستعد كل وقت لإثباتها واحدة واحدة .
يقــف المطالـع مندهشـاً عنـدما يحصـي بحسـن نيـة ما اشـتملـت عليــه هاتـــان الكلمتان ( شلم حمد) من المعاني الكثيرة بهذا المقدار . ويجد أن ألفاظ (حميد واحمد ومحمد) تحتوي اسماً وصفة ، على معاني التفضيل : احب ، وألذ ، وأقوم ، وأعلى، وأغلى ، وأطيب ، واجمل ، وارغب ، واقبل ، واشرف ، واحشم واشهر شيء وشخص وجنس بعد الخالق تعالى .
( عاد يرصي) حتى يرضى (إلى أن يرضى) ايودوكيص (أيوب 6:14).
( اورصيتم) إذا ترضيهم (أيام ثاني 7:10) .
( رصي) كن راضياً (ارض) ايودوكيصون .
( ايودوكياص) رضا ، رضوان ، عناية (مزامير 12:5).
( رصون ثيليما) مرضاه رغبه (دانيال 4:8) .
‎أن البروتستانت ترجموا (أيودوكيا) راصون طوب (رضا طوب) لا نظن أن أحداً يجترئ على إنكار القرابة والاقتران المعنوي بين الكلمتين (رضا ، رضوان) المذكورتين أعلاه الواردتين في كتب التوراة والاسمين (حمد ، محمد) لأننا أوضحنا أن كلمة حمد العبرانية تشتمل على معان مثل (رضا ، رغبة ، شهوة ، عشق ، طلب ، إرادة ، شوق) .
على أن في العبرانية كلمة أخرى ( حفص) وفي العربية حفص بمعنى (ميل، اشتهاء ، رغبة ، طلب ، اشتياق) وبما أن كلمة راحون التي ترجمت بها الأفعال والأسماء (حمد ومحمد) تستعمل اغلبياً في ترجمة وتفسير حفص ثبت أن مدلول (حمد ومحمد) أوسع واشمل .
وهنا اكرر قولي أن (أيودكيا) لا يكون عبارة عن (حسن الرضا) الخيالي المبهم وعديم المعنى بل أنها بمعنى Bienveillance, Consentement bon plaisir الفرنسية بمعنى (الرضا السرور وإرادة الخير)(1) مثلاً : أيودكيا في اليونانية ( إنشاء الله بتوفيق ، بعناية الباري) وكل ما يرغب فيه الإنسان من مال وروح ونفس وكل ما كان لديه محبوباً ولذيذاً ومشهوراً ومحترماً فهو موجود في معنى الكلمتين احمد ومحمد .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:22 PM [ 12 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




الباب الرابع
الإيضاح القطعي للمعنى الحقيقي للإنجيل
- 16 -
(وظيفة خاصة
تنحصر في إصلاح الأمة الموسوية وإرشادها ونفخ
الروح الجديدة وإعطاء اللدنات لدين موسى)
يجب أن تقرأ وتطالع الكتب السماوية مهما كانت مضطربة ومحرفة بكل عناية واحترام لان كلام الله وآياته الجليلة لا تزال باقية بين هذه الكتابات المحرفة والمشوبة بالخرافيات ، في إمكانكم أن تطيلوا اللسان على المحرفين ولكن ليس لنا أن تستهزئ بالكتاب الذي لا ذنب له البتة ولهذا السبب أراني مضطراً إلى تكرار التنبيه على أن لا يشجع أحد على ترجمة التآليف المشهورة بالفرنسية والإنجليزية ضد الإنجيل والتوراة. وان يجتنب المسلمون هذه النشرات الملوثة بالهذيان ، لان كل ما نشر من المصنفات ضد الإنجيل والتوراة لحد الآن لم يفد غير إيراث الضرر والخلل للدين والإيمان ، ونحن عندما نطالع الكتب الحاملة اسم الإنجيل والتوراة الشريفين فطالعهما بكل احترام كسائر المسلمين المستقيمين طالبي الحقيقة ، مفكرين بان في هذه الكتب حقيقة لا تزال مكتومة مستورة فلنجتهد بقراءتها آملين أن نكشف عن تلك الحقيقة على كل حال .
ان المهمة الخاصة التي أرسل الله بها عيسى عليه السلام هي عبارة عن إصلاح بني إسرائيل ، وشرح الشريعة الموسوية وبث الروح الجديدة فيها .
وان المواعظ الأربعة المسماة بالأناجيل تقول تكراراً أن المسيح مرسل ومأمور بإرشاد اليهود خاصة ، وبإيداع شريعتهم الحياة والروح الجديدة ، وبناء على ذلك نضطر إلى الاعتقاد بان كل ما وجدناه فيها من البيانات المخالفة لذلك فهو محرف قد الحق بالكتاب أخيراً ، لأنه لا يتصور أن نبياً عظيماً كالمسيح عليه السلام يتكلم بكلام يكذب بعضه بعضاً فان من يقول لم أرسل إلا لبني إسرائيل فقط . لا يقول أنا نور العالم أو يقول اذهبوا وتلمذوا العالم اجمع . فالعبارات الأولى التي في الطابق التحتاني هي الحرية بالاعتماد عليها ، وأما المخالفة فهي الحاقيه يجب طيها .

- 17 -
(التكامل الديني نظير التكامل القومي(*) تماماً)
ما وصلت إليه أمة من الأمم إلى المدنية والتكامل التام عقيب انتباهها طفرة ، بل لابد للوصول إلى المدنية التامة من اجتياز ثلاثة انقلابات . لنتصور أمة بدوية أو تحت نير غيرها ، كيف يمكن أن تصل إلى المدنية أمة مبتلاه بالجهل والفقر والمظالم ؟ ينبغي أولاً إيقاظ هذه الأمة وسوقها إلى التربية القومية تدريجاً من حيث لا تشعر ، وعندما يثنيه شعورها القومي وتظهر فيها فكرة وحدة الوطن تبتدى باجتياز المرحلة الثانية فينفتح أمامها باب الحكم الذاتي فتسعى من طريق الاستقلال الإداري إلى إعداد الأسباب الموصلة إلى الاستقلال التام ، وبعد أن يحضر ويتهيأ لها كل شيء تنهض لكسر نير الأجنبي ولإعلان الاستقلال المطلق ، وحينئذ تدخل باب المدنية التامة لتنال السعادة والمدنية ، مثال ذلك أمة البلغار ، كانت أولاً في دور الأسر ثم انتقلت إلى الحكم الذاتي الإداري وأخيراً نالت الحرية والاستقلال التام .
وإذا أمعنا النظر في كل دين من الأديان نراه يصادف ثلاثة أدوار من الانقلابات أيضاً لكي يتكامل ، ولا يمكن أن يتكامل أي دين في أول نشأته ، والأديان المؤسسة من لدن يوذاو كوفوشيوس محكوم عليها بالانقلاب جديد أخير . أن ديني بوذا وكونفوشيوس نشأ من دين براهمن الهند القديم ، ولم يصلا حتى الآن إلى آخر خطوة من التكامل ، والعيسوية دين منقلب عن الموسوية ، أي أن الدين نسفه انتقل إلى الدور الثاني بواسطة الانقلاب . وكذلك الزردشتية والبوذية دينان قد انقلبا من الأديان القديمة التي كانت في حالة الطفولة والصبا ، فكل هذه الأديان وفي ضمنها العيسوية مجبورة أولا بدلها من انقلاب ثالث قطعي ، وان صحائف القرآن تثبت أن الإسلام ليس بدين جديد ، بل هو دين متمم ومكمل للعيسوية والموسوية على الأخص ، وحائز على صفة الحياة إلى يوم القيامة ومن أهم ما يستلفت نظري في استقراء مباحثي الدينية فكرة المحافظة والارتجاع ، كما هو الحال في الحكومات، أي كما أن هناك قوة تمانع كل انقلاب ، وان المرتجعين في كل انقلاب ديني يخاصمون القائمين بالانقلاب ويشهرون الحرب عليهم كذلك جاء المسيح عليه السلام ولم تقبله اليهود المرتجعة ، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقبله المسيحيون المرتجعون ، ولكن من القوانين الطبيعية أن يكون المرتجعون دائماً مغلوبين(1) .
ليس بين علماء اليهود من يستطيع أن يدعي بان كتاب العهد القديم كتاب كاف لتشكيل دين جامع لكل الأمم . أن هذا الادعاء مما يستحقر عزة انفس الأقوام والأمم الأخرى ، نحن نقدس التوراة لأنه كتاب من الله يحتوي على بيانات والهامات خاصة لهداية وإرشاد قوم خاص. وكذلك نطالع كتب الدين للصينيين والهنود والفارسيين بكل احترام ، ويمكننا أن نشاهد في جميعها بعض الحقائق والأوامر والنواهي الإلهية ، لان الله لم يترك أمة بغير إمام أو حيكم أو نبي ، وقد أرسل من قبل الله إلى كل أمة مرشدون ومعلمون وأنبياء(*) .
ولهذا فلو اجتمع اليهود والبوذيون والكونفشيوسيون والمجوس بمحل واحد ، فانهم لا يستطيعون تبادل الأفكار عن وحدة الدين ، ولا يمكن أن يوجد الاتحاد بين هذه الأديان قطعاً، ولا يمكن أن يكون كتاب أحدهم كتاباً عاماً للجميع أي أن يكون الكتاب هو الكتاب الوحيد للأديان الأربعة ، ولابد من كتاب آخر لأجل إيصالهم إلى تربية أخلاقية ودينية هو اكثر تدقيقاً واكثر اتساعاً ، فأي دين غير دين الإسلام له مثل ذلك الكتاب بشكل كتاب منزل من الله ؟ يجب الإنصاف .
ان المسيح عليه السلام لم يترك ولا سطراً واحداً بهيئة كتاب ، وإذا ادعوا ذلك فليخرجوه بأي لسان كتب ؟ وماذا كتب ؟ والى من فوض ما كتب ؟ حتى ولو وضعنا كتب العهد الجديد في صف الكتب المقدسة ، لا يمكن أن يكون مجموع الكتب المذكورة كتاب الله الكافي لتشكيل دين عام ، هذه الكتب تشتمل على عقائد وتعاليم تدمي قلب اليهودي وتؤذي احساساته الدينية ، لم تكن الكتب الإنجيلية في وقت ما مظهر التوجه والرغبة تجاه الأديان الموجودة في آسية . فالفرس بقوا دائماً متبعين لكتاب زردشت المسمى (زنده اويسته) ونظروا إلى العيسوية بنظر النفرة . وأهل الصين والهند لا يرون العهد الجديد كافياً كالعهد القديم ، إنما ظهرت الكتب المذكورة (كتب العهد الجديد) مناسبة للأقوام الغربية المتشبعة أفكارهم بفلسفة اليونان القديمة ، ولم تكن إلا أسفاراً وجدت باللغة اليونانية وصبغت بالفلسفة النئويلطونية .
فها نحن أولاء نرى انه لا يمكن ولا يتصور دين عام جامع للبشر غير الإسلام ، ولا كتاب باسم الله غير القرآن الكريم ، أن الكتب الإنجيلية - مع الأسف - قد استعاضت عن أن تسوق البشر إلى الرقي ، إلى الانقلاب الديني ، إلى التكامل في دين موسى ، بان سارت بهم القهقري فرجعوا إلى الوراء ، فبعد أن مات الإسكندر والقياصرة الرومانيون واليونانيون القدماء الكفار (الوثنيون) إذا بإله اللاتين واليونان الكاثوليك والأرثوذكس الجديد قد تجسد في هيئة طفل يهودي واكل وشرب وتاجر وبعد أن تعلم صنعة التجارة صلب وقتل من قبل اليهود ، ثم صار يؤكل ويشرب كل يوم في جميع الكنائس والمعابد التي تبلغ نصف مليون (؟) فكيف تفتقر الموسوية وسائر الأديان الشرقية - التي تشعر بحاجتها إلى التكامل والارتقاء الديني - إلى مثل العيسوية المضطرب دينها إلى هذه الدرجة ؟
تصرف جماعات المبشرين منذ أربعمائة سنة في خزائن من النقود تحت مؤازرة كل حكومات أوربا (وأمريكا) ولكنهم لم يستطيعوا أن يزحزحوا أفكار الأقوام الشرقية عن مكاتبها الدينية . زد على ذلك أن الاحساسات الدينية في أوربا وأمريكا آخذة في التفسخ وفساد الأخلاق يتكاثر ، وبينما الموحدون من جهة واللادينيون من جهة أخرى يهجمون على المسيحية نرى المبشرين منهمكين في نشر الكتب المقدسة ومواظبين على الوعظ بها(*).
- 18 -
نص المواعظ (الأناجيل) الأربعة
الصريحة (في أتباع المسيح عليه السلام للتوراة وأنبيائها ، وعدم نقض شيء منها)
(ولا من روايات وتفاسير العبرانيين لها)
روى متى أن حضرة المسيح عليه السلام قد بين بصورة أكيدة وصريحة أن المحافظة على شريعة موسى عليه السلام وطاعتها والعمل بموجبها فرض قطعي ، قال : (لا تظنوا أني جئت لانقض الشريعة أو الأنبياء ، ما جئت لانقض بل لأكمل ، فأني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض ، لا يـزول حـرف واحـد أو نقطـة واحدة من الناموس حتى يكمل الكل) متى 5: 17-18 .
ليس لدي وثيقة تستطيع أن تبين ما إذا كانت هذه الآية صدرت من فم المسيح عليه السلام حرفياً أم لا ، ولكن هناك إفراط في ترجمة الآية المذكورة إلى اللغة التركية ، وما ذلك إلا لان البروتستانت - بسبب عدم وقوفهم على العلوم الدينية - يتصدون لمثل هذه التفاسير - فكل حرف في شريعة موسى وكل نقطة موضوعة فوق أحد حروف كتاب الشريعة أو تحته اكبر قيمة من السموات فمثلاً كان موسى عليه السلام قد خصص يوم السبت(1) يوماً مباركاً ، يوم عطلة وراحة للموسويين ، ثم ابطل هذا ونسخ من قِبل كنيسة المسيح وأقيم مكانه يوم الأحد من غير أن تزول السموات أو تنمحي كرة الأرض وأين إلغاء إحدى الوصايا العشر من زوال نقطة من فوق أحد الحروف ؟ وهاك نص الوصية الرابعة منها :
( ) اذكر يوم السبت (خروج 8:20)
فكيف يمكن التوفيق بين إفادات المسيح القطعية وبين إلغاء يوم السبت الذي هو المادة الرابعة من أحكام الشريعة ؟
كل كتب العهد القديم تسمي هذا يوم اليهود العزيز ، وتخبر انه سيدوم يوماً مقدساً إلى آخر الزمان ، والمسيح عليه السلام بالذات التزم يوم السبت وقدسه ، ولكن الكنيسة جعلت يوم الأحد عوضاً عن السبت ، فماذا تقول للكنيسة التي خالفت المسيح؟(*)
ولم تكتف الكنيسة بإلغاء يوم السبت بل أبطلت الختان أيضاً(**) مع علمها بان المسيح قال بصراحة أنه لم يأت لإبطال حرف واحد من شريعة موسى ، وهو بالطبع ليس له خبر عن (التثليث) وعن (الأسرار السبعة) التي لوعت اليهودية .
لم يكتف المسيح ببيان محافظته على شريعة موسى عليهما السلام فقط بل قال : حتى القوانين والأوامر الموضوعة من قبل العلماء والفقهاء من اليهود واجبة الطاعة ومنه قوله في (متى 4:8) (فقال له يسوع انظر أن لا تقول لأحد بل اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم) .
في هذه الدرجة كانت محبته لشريعة موسى وارتباطه بها وتعصبه لها عليه السلام حتى أن متى اخـبر عن المسـيح بأنه كان يسمي اليهود (أبناء) ويسمي الأقوام الأخرى (كلابا) متى 15 : 21-28 .
وبينما كان المسيح يتجول يوماً مع تلاميذه الأثنى عشر في صور وصيدا من أراضي فينيقية القديمة(1) إذ بامرأة كنعانية تركض وراءه قائلة : (ارحمني يا سيدي(2) ابن داود بنتي تتعذب كثيراً من الجن) أما المسيح فلم يجبها بكلمة ، والمرأة مداومة على الصياح والعويل ، وفي هذه الأثناء وبناء على مراجعة التلاميذ قال المسيح (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) أخيراً اقتربت تلك المسكينة وقبلت قدميه وقالت سيدي أغثني(*) فأجابها قائلاً : (ليس هنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) ولكن المرأة أجابت قائلة (نعم يا سيدي ، لان الكلاب أيضاً تأكل من الفتات الساقطة من سفرة أصحابها) وعلى هذا قال لها المسيح (يا أمراه عظيم إيمانك ، ليكن لك كما تريدين) فشفيت ابنتها من تلك الساعة .
لا اعلم هل قال المسيح عليه السلام ذلك أم لم يقله ، ولكني اعلم جيداً أن اكثر من تضرر من جراء تأثير ذلك الكلام هو أمته عالم النصرانية ، ومن جراء ذلك التحقير والتعبير بالكلاب، نرى النصارى يجتهدون بكل ما استطاعوا في محو كل من لم يكن من دينهم : والصحيح أن هذا الكلام لا يليق بدكتور أو مسلم أو مدرس فضلاً عن أن لا يليق بنبي أو مسيح .
ومع كل ما هنالك فالآن ظهر جلياً أن عيسى المسيح عليه السلام قد أرسل إلى قوم بني إسرائيل فقط(*) ولاشك في أن المسيح الذي لم يخلص مجنونة كنعانية إلا بعد الجهد الطويل ، لا يمكنه أن يسعى لتخليص العالم ، فان الصاحب الذي لا يريد أن يعطي جزءاً من فتات سفرته لكلابه ، لا يفكر أبداً بالذهاب إلى القتل والصلب في سبيل كلب ويفدي الكلاب بنفسه .
ان كون المسيح لم يرسل إلى غير الأمم الموسوية حقيقة تثبتها الطبقات القديمة من المواعظ الأربعة ، فلا هو وعظ الأمم وارشدهم ، ولا تلاميذه حتى انه نهى تلاميذه الذين أرسلهم ليبشروا باقتراب ملكوت الله أو ملكوت السموات هكذا (هؤلاء الأثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم(1) لا تمضوا ، والى مدينة السامريين لا تدخلوا ، بل بالحزي اذهبوا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ، وفيما انتم ذاهبون عظوا (اكرزوا) قائلين انه قد اقترب ملكوت السموات) (متى 10 : 5-7) فمن هنا تبين جليا أن الآيات الأخرى المضادة لهذه الآيات أما محرفة أو زائفة .
فاذا كان المسيح ينهي تلاميذه من الذهاب حتى إلى جارتهم أمة السامريين الممتزج دمهم بدم اليهود ، والذين يصدقون أسفار توراة موسى ، فكيف وبأي جسارة يسوغ لمتى وجود هذه الآيات والنصوص أن يقول في إنجيله عن لسان المسيح (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) متى 19:28 .
- 19 -
إصلاح قوم بني إسرائيل
انا لا اقدر ان اكتب عن الموسويين غير الاحترام وما تقتضيه الرقة والمجاملة رغم انتسابي بالجنس إلى أمة الأثوريين الكلدانيين الذين أساءوا جداً إلى اليهود ، وكيفية إصلاح بني إسرائيل المتعلق ببحثنا مرتبط بالأناجيل الأربعة . أي ان الأناجيل الأربعة تعلمنا كيف كانت أخلاق اليهود الذين كانوا في زمن المسيح عليه السلام ، وكم كانت أحوالهم الروحية قد فسدت وتلوثت بالسيئات ، فنظراً إلى الأناجيل الأربعة كان اليهود في زمن المسيح يريدون أن يتمسكوا بأوامر الكتاب الذي في أيديهم في جميع المعاملات الشرعية بصورة حرفية ، ليس بحكمة الشريعة وروحها ، بل بمادتها وحروفها وبما ان يوم السبت يوم مقدس حسب الحكم الرابع من الوصايا العشر ، كانوا يأمرون بتعطيل كافة الأشغال والأعمال البدنية . ولم يكن اليهودي مأذوناً بإجراء أي عمل عدا العبادة والاستراحة ، وليس هذا قاصراً على اليهودي وحده بل هو مجبور على إراحة عبده وخادمه وجاريته وحماره وكل حيواناته الداجنة في يوم السبت (كل من يعمـل فيـه عمـلاً يقتـل) لا تشـعلوا ناراً في جميـع مساكنكم يوم السبت ) خروج 35 : 2 - 3 .
وكان جزاء كل من يعمل بما نهى الله عنه الموت والإعدام ، لاشك أن شريعة موسى الشديدة كانت معتبرة ونافعة لقوم بني إسرائيل البدو (؟) الذين نجوا حديثاً من نير استعباد المصريين ، وان رعاية القانون تحصل أما من الخوف أو من خلق الحياء من العار ، أما الأمة المتمدينة فكما أنها تقيم العدالة بروح حكم القانون ، فكذلك تلطف وتعدل بعض مواد القانون نظراً لمقتضيات الحال والزمان : وأما تطبيق الشريعة وإجراء أحكامها حرفياً فليس بضروري إلا في الأقوام الوحشية أو التي في حال البداوة فقط ، ولابد من تربية ملية تسوق أخلاق العامة إلى الصلاح والمدنية والرقي والسعادة الحقيقية كما يجب التأديب والعقاب على كل فعل وحركة مخالفة لآداب معاشرة القوم وأخلاقهم السائدة ، على أن تكون مرتبطة بالعدالة وبقوانين معقولة ومشروعة ونافعة (ولما كان بنو إسرائيل في البرية وجدوا رجلاً يحتطب حطباً يوم السبت فقدمه الذين وجدوه يحتطب حطباً إلى موسى وهارون وكل الجماعة فوضعوه في المحرس لأنه لم يعلن ماذا يفعل به . فقال الرب (يهوه) لموسى قتلا يقتل الرجل ، يرجمه بحجارة كل الجماعة خارج المحلة ، فأخرجه كل الجماعة خارج المحلة ورجموه بحجارة فمات كما أمر يهوه موسى) عدد 15: 32 - 36 .
نعم يمكنني أن أتصور رجم فاعل الذنب البسيط عديم الأهيمة من قبل أمة عدد أفرادها لا يبلغ المليونين أو الثلاثة بهذه الصورة المدهشة في الصحراء ، ولكن لا أتصور إمكان إجرائه في (بارك هايد) لندن ، أو في (شانزه ليزه) باريس . فالشريعة المذكورة استمرت على الحكم بكل دهشتها مدة تزيد على الثلاثة آلاف سنة ، وأصيب بنو إسرائيل بالانحطاط والأسر ، وعلماء اليهود وفقهاؤهم وضعوا كتباً كثيرة تحتوي على قوانين مغلقة وتعاليم عديمة الفائدة ، تركت الملة في حالة الحيرة والاضمحلال ، وبينما كانت هذه الأمة البيئية تستحق من قبل لينيونات(1) القيصر الجديد مادة ، ومن قبل زمرة العلماء المرائين عديمي الأخلاق معنا ، ظهر حضرة المسيح عليه السلا م ودعا الملة المذكورة إلى الإصلاح .
أول من خاصم النبي الكريم هم العلماء والخواص - دون العوام - أولئك العلماء الذين اعتادوا على امتصاص دماء الأمة . مثال ذلك انهم لما قبضوا على زانية جاؤا بها إلى المسيح وسألوه (وجدنا هذه المرأة في فعل الزنا ، ومعلوم أن موسى أمرنا برجم أمثالها ، فالآن ماذا تقول أنت ؟ ) فأجابهم قائلاً لهم (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر) (يوحنا 7:8) .
وبما أنهم لم يكونوا سالمين من الذنب تسللوا من عنده واحداً بعد واحد ، فقال المسيح للخاطئة المسكينة الباقية وحدها (اذهبي ولا تخطيء أيضاً) يوحنا 11:8 وهذه خطة نبي مأمور بعمل الإصلاح .
(موسى أمركم في شريعته قائلاً لا تزن(*) وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة بنظر الشهوة يكون قد زنى بها في قلبه . موسى قال لا نقتل وأما أنا فأقول لكم أن كل من يبغض ويعادي أحداً يكون قد قتله ) (متى 5 : 21-26) .
فالمسيح عليه السلام فسر روح الشريعة وشرح حكمها بإفاداته المجددة ، فان منبع فعل الزنا هو الشهوة وان منشأ القتل هو البغض ، وكذلك فان نهي الشريعة عن أن يعمل عمل في يوم السبت لم يكن لمنع الاشتغال بالأمور الحسنة وفعل الخير في اليوم المذكور . وان الشريعة التي نجزم الأمر بغسل الأيدي والأواني وعلى الأخص بالطهارة لا تأمر بترك القلب والفم ملوثين بالرجس من الأفكار والأقوال ، وان الإنسان يمكنه أن يتطهر بحفنة من الماء ، ولكنه لا يمكنه أن يطهر قلبه بكل مياه البحر المحيط الكبير .
قام مسبح فقير تارك للدنيا يعظ بقلب مشتعل بحب الإنسانية ، ملتهب بالعشق الإلهي ، يوصي شديداً بالتزام أسس الدين كالصدق والرحمة والعفو والحب الإلهي تجاه العلماء ذوي الطمع اللاتهاتي في حطام الدنيا ، اكثر الناس التزاماً لرسوم الذبائح ولا عشار ، مرتكبي أنواع الرياء والتزوير لأجل الحصول على مديح العامة ، ظهر يسوع ناصري لا يعير أهمية لمثل مسائل نقل الميت وتغيير القبور ، يعلم بان كرامة الإنسان ليست بالجسد الذي هو عبارة العظم واللحم ، بل هي قائمة بالروح الساكنة في ذلك الجسد ، تجاه الكهنة الجادين في تعظيم الأموات وتزيين القبور ، الماهرين في فنون خداع الأحياء وتسليبهم .
الفريسيون أولئك الذين إذا وقع خروفهم في البئر يركضون بأربع أرجل لأجل إخراجه يوم السبت ، يؤاخذون المسيح عليه السلام ، ويتهمونه بعدم التزام يوم السبت لأنه يبرئ فيه المرضى والمجانين .
الحاخامون أولئك البطالون ، ذوو الجبب الطويلة ، عابسو الوجوه أثناء الصوم ، آكلوا أموال الأرامل واليتامى ومحرقوا أكبادهم ، يفترون على تلاميذ المسيح بعدم الصوم ، أولئك المنافقون الذين يجولون البر والبحر ليتلقفوا مهتدياً تائباً بقصد أن يسلبوه حتى ثيابه ، أصروا على البغضاء للمسيح المتواضع الحليم الذي يدعو الاهلين المساكين أشباه الغنم الضالة إلى التوبة وإصلاح النفس ، وهكذا رموا المسيح عليه السلام بالكفر واللؤم ، حينما كان يلقي فكرة التجديد أو الولادة من جديد ، ويعلم طريق الحقيقة ويبشر به ، وبعدما حارب ابن مريم عليهما السلام أولئك الرجعيين المرائين في الدين خادمي الأجسام ، أنذرهم بان أهالي سدوم وطمورا سيكونون احسن حالاً منهم يوم الجزاء ، ثم انه أخيراً غاب ولن يروه بعد ، من غير أن يصلح القوم المذكورون .
فإذا كانت المواعظ الأربعة تبين هذه الحقائق بكل تفصيل وتمثيل ، فكيف وبأي صلاحية يمكن الادعاء بان المسيح نبي عام ؟ والتلاميذ الذين لبثوا ثلاث سنين بصفة مرداء المسيح ، الذين بقوا إلى آخر دقيقة أجهل مما كانوا قبلاً ، بأي علم وبأي قوة يتمكنون من إقناع الأمم بقولهم : كان رجل يسمى يسوع قتل على الصليب وكان هو الله ؟ (استغفر الله ثم استغفر الله)(*) .
- 20 -
(كان الإنجيل عبارة عن التبشير بملكوت الله)
إذا سألتم راهباً مسيحياً ما هو الملكوت ؟ يجبيكم فوراً هو الكنيسة ، وان لم يكن قد تشكل في زمن المسيح مثل هذه الكنيسة ومثل هذه الملة والجماعة ، فالمسيح وتلاميذه كانوا يدخلون (السيناغوغا) المسمى (كنشت كنيس) كسائر اليهود ويصلون ويتعبدون ، ولم يخطر على باله


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:22 PM [ 13 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




أحداث مذهب جديد أو جماعة جديدة وبناء على ذلك لم يتشكل ملكوت الله في زمن عيسى عليه السلام .
علم المسيح تلاميذه صلاة بشكل الفاتحة وهي - بالرغم من وقوع تحريف أو تحريفين فيها - صلاة بليغة مهمة جداً من جهتين ، أما أولاً فلأنها تبين عقيدة التوحيد بكل احترام وبكمال العزة ، وأما ثانياً فلأنها تحتوي على عبارة (ليأت ملكوتك) خطاباً لله تعالى ، لان كل صلاة حقيقية تحتوي على مادتين : الأولى أداء فرض التحية والكلمات الناطقة بالتعظيم والعبودية للخالق والسجود له ، والأخرى عبارة عن طلبنا الإسعاف ورجالنا قضاء الحاجة من الله تعالى . فالكنيسة المتخشمة الصارخة بضع مرات في كل يوم (ليأت ملكوتك) منذ اكثر من ألف وتسعمائة سنة لم تكن غير الجماعة العيسوية ، يا للتضاد ، يا للعناد والعصيان ! لقد مضى تسعة عشر عصراً ، أإلى الآن ننتظر قائلين (ليأت ملكوتك) .
فان كان ملكوتك الله هو الكنيسة ، فما بال الكنيسة تكرر بفهما ولسانها كل يوم هذا الدعاء وتطلب من الله أن يبعث لهم ملكوته ؟ الحق أقول يجب عليهم الإنصاف والحياد . فما دام الله لم يستجب لهم ، ولا أسعف لهم هذا الطلب حتى الآن ، أما ان لهم أن يكفوا عن هذه المراجعة المستمرة في هذا الشأن ؟ القطط العديمة التجربة ، عندما ترى بائع الكبود ، ترقص بين يديه وحواليه وتصيح وتطلب بلسانها لقمة من ذلك الإنسان . أما القطط الأخرى ذوات التجربة فأنها تجلس أمام الباب وتنظر عن بعد ولا تتحرك من مكانها ، لأنها قد علمت بالتجربة أن بائع الكبود لا يعطي قطعة من الكبد ما لم يأخذ قطعة من النقوذ ، وانتم منذ تسعة عشر عصراً تنادون (ليأت ملكوتك) ومع أنكم تعلمون أنه لم يأت ولن يأتي ، لا تزالون تكررون (ليأت ليأت) ! هل من الممكن عدم التعجب والحيرة ؟ إذا كان ملكوت الله هو الكنيسة كما تزعمون ، فقد جاءت الكنيسة واستولت على الدنيا ، فأي ملكوت أذن تطلبون ؟ أم أفلا تخافون - إذا ما جاء ملكوت الله - أن يلحق المقامات الروحانية مع البطاركة والبابا بالعدم والزوال؟ أم ماذا يكون حال الملوك والعساكر العيسوية القديرة حينئذ؟ أفلا ترون إذا ما جاء ملكوت الله ، انه لا يختم ويقضي على كنائس المذاهب المختلفة التي يتجاوز عددها الخمسمائة ؟
المسيح عليه السلام لخص صلاة اليهود الزبورية وكل صلواتهم الطويلة بهذا الدعاء (أبانا الذي ... الخ)(1) كما لخص شريعة موسى بوصيتين ، فالوصيتان اللتان هما عبارة عن (حب الله وحب الجار) تبينان لب الشريعة الموسوية وروحها . ومما هو حرى بالدقة أن المسيح عليه السلام لم يتعد حدود الشريعة المذكورة أبداً ، وقد اتصف الله تكراراً في كتب التوراة بلفظ (الله ، الآب) على أن كلمة (أب) هذه لا من حيث أن الله ابنا وحيداً كما تزعم الكنيسة ، بل لأنه موجد كافة الموجودات ومكون كل الكائنات(*) على أن معنى (أب) اللغوي الحقيقي هو إعطاء الثمر كما تقدم بيانه ، وان مادة (أب) المؤلفة من ألف مفتوحة وباء هي في جميع اللغات السامية بمعنى (الوالد) و (المثمر) وبالألف المكسورة بمعنى (الثمر) وفي العربية (اباب) بمعنى طراوة وخضرة ، وبهذا القصد والمعنى كانوا يخاطبون خالق الكائنات موجدها بكلمة (أب) وبالطبع لم يكن بأس في هذا التعبير ، ولكن لما أساءت الكنيسة استعماله في كتب العهد الجديد التي أوجدتها ، صار لا يجوز لأبناء ملكوت الله أن يخاطبوا الله اليوم بهذا الاسم .
وان ملكوت السماوات لما رأى مخالفة الكنيسة واعتداءها على تعاليم المسيح في تعبيرها (باسم الآب والابن والروح القدس) أظهر خطأ الكنيسة بالآية القرآنية الجليلة { بسم الله الرحمن الرحيم } .
فالمسيح عليه السلام يؤيد الأمر الأول لشريعة التوراة التي لخصها(1) في صلاته هذه (ليتقدس اسمك) يا إلهنا الذي في السماء ليتقدس اسمك لان لك الملكوت والقدرة والعزة إلى الأبد آمين (متى 6 :9-13) .
وأما الوصية الثانية من شريعة موسى فهي (حب الجار) .
سأل فريسي عارف بالشريعة من المسيح عليه السلام طلباً للشر(*) أي يريد أن يأخذ كلاماً من فم المسيح عليه السلام حتى يأخذه عليه حجة بقصد إيقاعه في فخ (أي وصية هي العظمى في الشريعة ؟) فقال له عيسى عليه السلام ، هي التي لله (لتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل روحك ومن كل فكرك ، هذه الوصية الأولى والعظمى الثانية مثلها (لتحـب جـارك كنفـسك ، بهاتين الوصيتـين تتعلـق الشـريعة كلها والأنبياء) (متى 22 : 34-40) .
فبعد أن رأينا هذا التفسير من المسيح لشريعة موسى وتصديقه تعاليم جميع أنبياء بني إسرائيل بصراحة على الوجه المبين أعلاه ، أقوال للأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت والنصارى المنسوبين إلى المذاهب المختلفة الأخرى التي يربوا عددها على الخمسمائة مذهباً : راجعوا أيها القوم ضميركم واحساساتكم التي هي محبة للحقائق ، وإذا اقتضى الأمر راجعوا روح قدسكم بكل دقة ، وتفكروا خدمة للحقيقة في هذه الآيات المذكورة .
لمن أعطيت الشريعة ؟ طبعاً لليهود ، إلى أي ملة كانت تنتسب الأنبياء والى من أرسلوا؟ طبعاً إلى اليهود ، لان المسيحيين متفقون على الاعتقاد بان الله لم يرسل نبياً من غير اليهود . حسن جداً : من أي ملة كان السائل ؟ بالطبع كان يهودياً ، ماذا كان المسيح ؟ طبعاً هو كان يهودياً أيضاً ، من كان يمكن أن قد كان جارهما ؟ بالطبع لا يكون جار اليهودي إلا يهودياً أيضاً، والجار الذي لا يكون يهودياً يجب أن يكون أما أسيره أو ظالمه ، وعلى كلتا الحالتين فهو مكلف بان لا يحبه كنفسه .
أذن فانظروا المسيح عليه السلام وان كان يبحث عن الصديق والعدو في موعظته المشهورة (متى 5 إلى نهاية الباب السابع) فانه كان دائماً يخص اليهود بكلامه هذا وقد بين أن اليهودي ليس مكلفاً يحب جاره اليهودي فحسب ، بل يقول يجب أن يحب عدوه اليهودي أيضاً، وليس هناك من إشارة قطعاً حول كون (الأمم) أصدقاءهم أم أعداء .
فهاءنذا أقول لهؤلاء المسيحيين الذين يبلغ عددهم الملايين وهم ليسوا من الإسرائيليين : انظروا . ان مسيحكم لم يعرفكم قطعاً . ولم ينقل عنه انه قال عنكم حرفاً واحداً بل انه سمى غير الإسرائيليين كلاباً . فمن انتم ؟ ثم من هم أبناء الملكوت؟ أتعلمون ماذا انتم حسب شريعة موسى ؟ أن الذين لم يختتنوا إنما يعدون ملوثين (نجساً) حتى أن المسيح نفسه ختن في اليوم الثامن من ولادته ، وهو إلى يوم غيبوبته كان على مسلك اليهودية تماماً ، أذن فارجعوا إلى الإنصاف ولا تعودا تبحثون عن الإنجيل وعن عيسى والصليب .
أليست هذه هي أناجيلكم الأربعة ، كونوا واثقين إنها بسبب تصوير المسيح يهودياً تاماً وملياً (ناسيوناليست) شديد التعصب لقوميته بدرجة مفرطة ، صارت قسوس البلغار يحملون الصلبان ويتلون آيات التمجيد والثناء للذين ارتكبوا أشنع الفظائع في أعدائهم في الحرب . أذن فهم ولا شك معذورون في هذه الشناعات ، هذه هي آثار الملية المفرطة ، فأنى للمسيح أن يؤسس كنيسة أو ملكوتاً وان اليهودي إذا لم يختن في لحم غرلته كان يحكم عليه بالإعدام؟ (تكوين 14:7 وخروج 24:4) فكيف كان للمسيح أن يأخذ النصارى القلف أي الذين لم يختتنوا إلى ملكوت الله ؟! وأمر الله في التوراة صريح بأنه واجب على اليهودي ختان ذريته حتى انه قد أوجب عليه أن يختن عبده والأجنبي الذي اشتراه بفضته أيضاً ، ولا يباح لأي ذكر غير مختون أن يسكن في بيت يهودي وليس ذلك من شعائر اليهودية فحسب ، بل مما أطلق الله عليه اسم العهد والميثاق .
وإذا أمعنا النظر في عدم تجويز الشريعة دخول الاغلف (أي الذي لم يختن) معابد الموسويين ، فهل نرى من الممكن أن يدخل المسيح معابد الكنائس التي ألغت رسم الختان وأقامت مكانه المعمودية أو يجالسهم أو يساكنهم ؟!
يقول المسيح (احب ألهك اكثر من نفسك ، واحب جارك كنفسك) ولكنه لا يقول: احب أن جنسك كنفسك . حسن جداً ، ماذا كان المحذور لو قال احب ابن دينك كنفسك ؟ لم يتمكن من أن يقول هذا أيضاً ، لان ابن دبن اليهودي يجب أن يكون يهودياً أيضاً .
اتضح جلياً وبصورة مقعنة أن عيسى المسيح لم يكن ليفدي أحداً بحياته بل لم يكن يسمح بتقديم قلامة من أظفاره هدية للعالم فضلاً عن انه لم يتعهد للروس والإنجليز والاميركيين بالنجاة لانه لم يعرفهم ، ولا بإراقة قطرة من دمه في سبيل جعل الروم واليونان الأجانب ، والسوريين الساكنين في سورية - مسيحيين بواسطة المعمودية ، لإعطائهم الحياة الأبدية ، بل لم يكن ليعطي رطلاً من النجارة التي أمام منضدة (محل تجارته) لأجل ذلك .
لا ريب في ان القسم الثاني من محتويات الدعاء المذكور المبهمة عبارة عن تأسيس اخوة صحيحة وتوطيد المعاملة الفدائية بين الإسرائيليين ، وتأمين مقتضيات الخلاص من شر أعدائهم وغوايتهم وهو : (خبزنا كفافنا اعطنا اليوم ، واغفر لنا خطاينا كما نغفر نحن أيضاً للمخطئين ألينا ، ونجنا من الشرير الذي يذهب بنا إلى الإغواء(1)) متى 6،10-13 .
هل كان من حد الأمم غير الإسرائيليين أن يجترءوا على مثل هذه المطالب من حضرة (يهوه) الرب الذي يحسبونه أباهم(*) (فلو سألنا اليوم الإسرائيليين : من هم الأشرار وذووا الغولية الشيطانية الذين يغوونهم ؟ هل من شبهة في الجواب الذي يعطونه ؟ آه هم المسيحيون ، آه انهم المبشرون) .
بقي اكبر ما يتعلق ببحثنا من الصلاة الإنجيلية وهو المادة التي في شان ملكوت الله (ليأت ملكوتك لتكن إرادتك كما في السموات أيضاً على الأرض) .
هنا يعد المسيح بان سيأتي ملكوت سماوي ، وبأن ستعطى الإرادة والكلام الخاص بالملكوت المذكور .
عجباً ، ماذا يمكن أن يكون القصد من ملكوت الله هذا ؟ هل هو عبارة عن ان شرطتنا تتألف من الملائكة ، وعساكرنا من الكرويين ، وهيئة وزرائنا من السرافيين ؟! المسيحيون يعتقدون أن المسيح سيأتي ويحكم قبل يوم الجزاء على وجه الأرض ألف سنة ، أما نحن المسلمين فنتمنى ان لو جاء المسيح وأسس سلطتنه العظيمة على هذا النمط - وعلى الأخص بمناسبة إصلاحاتنا الداخلية هذه - ساعة اقدم ، (لان مجيء المسيح يخلصنا من مكايد أهل الكيد ودسائس الاغيار) .
نعم نحن نتمنى ذلك لان مجيء المسيح الوحيدين هم المسلمون ! أما اليهود فقد رفضوه ، وأما المسيحيون فقد نسبوا المسيح التاريخي الحقيقي وأقاموا محله يسوعاً خيالياً متألهاً .
إن المعنى المراد من كلمة (الملكوت) إنما هو على الوجه الذي ذكره المسيح تكراراً (بكلام الملكوت) أو (كلام الله) عبارة عن إرادة ورضاء صاحب الملكوت جل جلاله وفي الصلاة المذكورة أعلاه قد استعمل لفظ ثيليما اليونانية ورضا العبرانية ، ولا حث عن (أيودوكيا) بعد ، لماذا لا يبحث عن أيودوكيا (حمد) ؟ بالطبع أن للبشرية شيئين دائمين هم (الإسلام) وهو يقيم ديناً حقيقياً وملكوت الله على الأرض ، و (القرآن) وهو اقدس كتاب في العالم يحتوي على إرادة الله ورضائه في تحقيق وتسهيل إدارة ملكوت الله وبعد أن اكمل محمد صلى الله عليه وسلم الملكوت والكتاب القديم المحتوي على رضاء الله بصورة رسمية أرتحل إلى دار النعيم . وان دين الإسلام والقرآن الكريم سيبقى دائماً وثابتاً إلى يوم القيامة . وسيأتي في الفصل العاشر أن كل تفسير أو تأويل يباين هذا التفسير فهو باطل ولا معنى له ، فستراه مفصلاً تفصيلاً .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:24 PM [ 14 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




الباب الخامس
حضرة المسيح لم يحرز التوفيق(*)
تحقق أن المسيح عليه السلام لم يقصر في وظيفته التي أمر بإيفائها ، ولكن الملا من علماء القوم وأشرافهم لم يقدروا عيسى عليه السلام حق قدره إذ كان يجوب قرى ارض كنعان بالفقر والفاقة ماشياً على قدميه ، يشفي المرضى ويدعو الخطاة إلى الصلاح . ولا شيء اصعب من تفهيم الكلام وبيان الحقيقة وتثبيت قواعد الإصلاح في قوم لم يكونوا على شيء من الثقافة ولا التربية الأولية ليكون لهم نصيب من الأفكار العامة على الأقل ، وإذا ما اظهر علماء الملة وكبارها المخالفة لفكرة التجديد ، فمن الطبيعي أن يقلدهم جهالها ضعفاء الفكر والشعور ، وان الذين أحرزوا المقامات العالية والمنافع الشخصية وهم الفريسيون المراءون المتعصبون الذين كانوا يحذرون استنارة العامة قد اسروا الحسد واظهروا العداوة والبغضاء لذلك الشاب مرشد الملة إلى الانتباه والى مخافة الله .
لنقايس بين فقر المسيح عبد الله المجدد وزهده وبين الثروة والشرف والجاه الذي كان لرؤساء الكنيس الروحانيين الذين يدعون أن المعاني المخالفة لتفسير العلماء المتقدمين تضر بالأمة(**) فبقدر ذلك الفرق العظيم بينهما كان عمق جهل الأمة العاجزة عن إدراك ذلك .
لابد لمن يريد أن يؤسس ديناً أو دولة من اتخاذ كل الوسائل المشروعة لذلك وتطبيقها على اكمل صورة لإدراك الظفر والفوز بمطلوبه ، وأما المسيح عليه السلام فقد توسل بفكره معنوية فقط هي عبارة عن إنجيل وبشارة بأمر عظيم ، على أن الفكرة والعقيدة بغير سلاح ولا قوة لا تؤثر في قوم قلوبهم كالحجارة أو اشد قسوة .
قوم كانوا منقادين إلى رؤسائهم الروحانيين والجسمانيين المتغلبين فقط ، بل لا تؤثر ولا تنفذ العقيدة في ورقة وردة ! وبينما كان المسيح عليه السلام يجتهد في إصلاح انفس القوم وتهذيب أخلاقهم من جهة ، كان من الجهة الآخر يحارب المتغلبين . فمن الطبيعي في المسيح الذي يستقيم على هذه الطريقة إلا ينال كل مقاصده إذ لابد من القوة لتقوية الفكرة ، وإن المجدد الذي لا يملك القوة لا يكون التوفيق رفيقه مهما يظهر على يديه من الخوارق والمعجزات .
ولو كان المسيح عليه السلام مأموراً بتأسيس شريعة أو دين ناسخ لدين موسى ، لتوسل بكل التدابير والوسائل الموصلة إلى تلك الغاية . أي لكان شرع بوضع أساس الدين بعد إكمال التشكيلات الجديدة على منهج يعين على المسلك وخط الحركة ، لأنه لابد لمن يريد إحداث انقلاب ديني من شدة التحفظ والاحتياط في البداءة ومن السير التدريجي ، وما لم يمكن الحصول على عدد من علماء الدين المتقدم وعلى قسم من رؤساء الملة واكتساب النفوذ والقوة بدرجة كافية ، فان محاولة التجديد تبقى عقيمة ، ولا يتسنى لأي مجدد أو نبي أن يحصل على الانقلاب فجأة ، فان هناك قوة مدهشة ارتجاعية تهلكه في الحال ، وان الأمة لا تقبل قانون التكامل(*) والترقي عن تفهم تستوحش من المشروعات الفجائية وتخشى عواقبها فتعصي أمر مرشدها . وكذلك كل الأعمال الطبيعية والصناعية والفكرية لا تتكامل إلا بالتدرج , وان الله هو الذي وضع قانون التكامل هذا ويدبر الكائنات بموجبه ، وان الحكمة التي تمنع المجدد من إعلان الانقلاب فجأة عقب تلقي الوحي إنما هي حذره من عدم الحصول على المقصد المطلوب ، لا حذر الموت .
وبناء على ما تقدم لو كان المسيح عليه السلام مأموراً بتأسيس دين لسار فيه على منهج واضح وخطة منتظمة ، وكان الزمان والحال مساعدين وموافقين لمثل هذه الحركة إذ كان اليهود قد سئموا اختلاف الفرق الثلاثة ، وكانوا في انتظار ظهور المسيح ، ولكن المسيح عليه السلام لم يعمل هذا ، فلم يتخذ صديقاً حميماً من المجلس الملي (سنهدرين) ولا أحداً من كبار القوم فكيف أمكنه أن يحصل على انقلاب ديني بواسطة أثنى عشر رجلاً من الصيادين والعشارين ؟ ماذا كان يتمكن أن يصنع بشرذمة من الناس الأميين الجاهلين ما لم يحصل على مظاهرة من الخواص ؟ ولا يوجد في شيء من الأناجيل الأربعة نباء صريح عما إذا كان للمسيح منهج معين أم لا . بل كلها تبحث عن قرب ملكوت الله , ولا نبين بالصراحة ما هذا الملكوت ، وهل يريد به تأسيس دين جديد أو دولة دنيوية مادية ؟ ولكنها تؤميء لي أن غايتها ونتيجتها أن الملكوت المنتظر يوحد الدين والدولة معاً ، ويوجد بين الملل كتلة عظيمة تنقلب بها الأمم فتكون ملة واحدة ، ومن ذلك قوله (ما جئت من نفسي لكن هو أرسلني لماذا لا تفهمون) (كلام) ي ؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي (يوحنا 8 : 42و43) وأخص من هذا أنه في الباب السابع عشر من إنجيل يوحنا يوصي المسيح عليه السلام في دعائه الأخير المهم بما يحيل الذين يناجون الله دائماً والمؤمنين بكلامه إلى إلا ألطاف الإلهية .
ولكن مع الأسف لم تعلم حيئنذ ما هذه (البشارة) (الأمل) (الكلام) الذي يريده ، يقول يوحنا 29:16 أن المسيح إلى آخر ليلة كان يكلم تلاميذه بالأمثال . ووعد أن ( ) المرسل من طرف الله والذي سيأتي بعده سيفسرون ويبين كلامه وإنجيله الحقيقي ونحن لا نريد أن نبحث هنا عن تفسير لفظ (فار اقليط) اليوناني بل نقتصر على أن نفهم من الآيات الإنجيلية آلاتية (يوحنا 26:14 و7:16) و (لوقا 49:24) ما يأتي مما استنتج من تلك الآيات :
1- أن المسيح لم يعط الحواريين إنجيلاً مرقوماً في كتاب .
2- أن العقيدة والكلام الإنجيلي الذي علم به شفهياً لم يفهمه الحواريين ، بل بقي من قبيل المعميات والألغاز .
3- لم يتسن للمسيح أن يفهم إنجيله وكلامه لتلاميذه في ثلاث أو أربع سنين لذلك اخبر وبشر بمجيء واحد آخر .
4- لا يحتمل أن يكون الذي وعد المسيح بمجيئه بعده قد جاء في زمن الحواريين . لأنه لو كان قد جاء في زمنهم لكان ملكوت الله قد أتى ، ولما دامت الاستغاثة والدعاء إلى هذا اليوم (ليأت ملكوتك) ولما أمكن إطلاق ( كنيسة) عوضاً عن الاسم المبجل (ملكوت الله) ثم أن الأمر الذي ينقض هذه الفكرة ، قول المسيح للحواريين ها أنا معكم دائم الأوقات إلى انقضاء العالم) (متى 20:28) .
ارتحل كل الحواريين إلى دار البقاء في العصر الأول من الميلاد فكيف كان يقدر أن يبقى على الأرض (إلى انقضاء الدنيا) ؟! ولكن كيف يمكن التأليف بين وعده هذا(*) وبين وعده بأنه سيأتي الباراقيطوس؟ يستبان من تينكم الروايتين أن اثنين من الرهبان الكرام أحدهما كتب في كتاب متى ، والثاني في موعظة يوحنا من غير أن يعلم أحدهما بما كتب الآخر ، أما الراهب متى الذي لا يعترف بالباراقليطوس فيعتقد أن المسيح سيبقى دائماً مع الرسل إلى الأبد ، وأما الراهب يوحنا القائل بالباراقليطوس فلا يرى لزوماً لبقاء المسيح على الأرض ، على انهما يحملان عين الفكرة والاعتقاد في مخيلتهما ، كأن المسيح سواء أكان بذاته أو بواسطة الروح القدس سيوجد مع الباباوات والبطارقة متحداً بهم على الدوام أن خليفة يوحنا(1) الذي لم يؤد الصلاة الربانية يحتمل أن يكون معذوراً في الخيال الذي تلقاه ولكن ماذا نقول عن خليفة متى ، البابا العظيم الذي نسي دعاء (أبانا) من حيث يجب أن يكون قد صلى به آلاف المرات كما هو مسطور في الباب السادس ؟!
لا شبهة في أن المسيح عليه السلام أدى وظيفته على اكمل وجه ، بدعوة بني إسرائيل إلى تهذيب الأخلاق والتوبة والصراط المستقيم على منهج نجهل صفته ومع ذلك وبخ الفريسيين بشدة العلماء على الوجه الذي استحقوه (متى الباب 23) (مرقس 12: 38-40) (لوقا 20: 45-47) .
ولكن لا قوم إسرائيل اصطلحوا ، ولا تلاميذه استطاعوا أن يفهموا (أسرار الملكوت) على الوجه الحقيقي ، وأنا لنصادف بين جميع مؤسسي الأديان نبياً واحداً لم تقدره حق قدره أمته الكنود المنكرة للجميل التي أرسل لاصلاحها ومن الجهة الأخرى فالنصارى الذين غلوا فيه واصعدوه إلى درجة الألوهية ، لم يعرفوه حق المعرفة ، ولكن الإسلام والقرآن الذي اخبر المسيح بظهوره قبل ستة عصور ونيف هو الذي قدره قدره وعرف حقيقته وقدس شأنه الحقيقي هذه المعاملات التي لقيها المسيح عليه السلام من الأديان الثلاثة .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:24 PM [ 15 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




الباب السادس
غــايـــة الإنجــــــيـل
موضوع الإنجيل شيء وغايته شيء آخر ، وليس الموضوع إلا وسيلة يعمد إلى استعمالها لأجل الوصول إلى الغاية ، وبقدر أهمية الغاية يجب أن تكون الموضوعات واضحة ومرتبطة بالصدد ، وعلى تقدير العكس تبقى الغاية مبهمة غير مفهومة ، مثلاً يقدم لي أحد الأصدقاء بعض تآليفه ، فأقراه من أوله إلى آخره بكل شوق ، أراه يبحث عن أشياء كثيرة ، فإذن تلك (الأشياء الكثيرة) هي مواضيع الكتاب . وعندما أقرا المواضيع أفكر في شيء آخر ، أقول في نفسي حسن جداً ، فهمت علمت ، ولكن هناك شيء واحد لم افهمه ولم اعلمه ، وهو ماذا يريد أن يقول المؤلف الذي يبحث عن كل هذه المواضيع ؟ ومعنى ذلك أني أفتش عن الغاية ، فاهم شيء لأجل فهم الكتاب تماماً هو إدراك المواضيع وبعد ذلك تظهر الغاية نفسها ، ليس من السهل تعيين كتاب ليكون مثالاً جيداً ، يتوارد على خاطري كثير من المؤلفات التي طالعتها قبلاً في لغات مختلفة ، واتذكر منها أحد النماذج وهو كتاب الشيخ سعدي الشيرازي المسمى (كاستان) هذا الكتاب النفيس يبحث عن كثير من المواضيع المختلفة ، ولكن إذا سأل سائل ماذا كانت غاية المؤلف المعظم ؟ فلا ريب أن يأتي من خمسة مطالعين خمسة أجوبة ، ومن الصعب جداً كشف غاية سعدي ، ذلك لان مواضيع الكتاب المذكور ليست على نسق واحد فيصعب تعيين الغاية منها ، وكذلك تعيين غاية الإنجيل فإنه من قبيل هذه المشكلات .
أن في الأناجيل الأربعة تيارين مختلفين ، الأول من قبيل الرجوع إلى الأصل ، وفيه يصور سيرة عيسى الحقيقي التاريخي ابن الإنسان وأعماله ، ويعرف تعاليمه الأصلية الصحيحة وسعيه وإقدامه في وظيفته التي كان مكلفاً أن يؤديها .
أن الأناجيل الثلاثة لمتى ومرقس ولوقا في الطبيعة الأصلية منها التي هي عبارة عن الطابق (أو الدور) التحتاني قد صورت عيسى وتعاليمه على الوجه المذكور ، وهناك يذكر المؤلف - في أول طبع كتابه ونشره - حضرة المسيح بلقب (المعلم) و (الأستاذ) وبعضاً (بالسيد) و (الاغا) (مرقس 9 : 17 : 38 و14:12 : 19 : 32 الخ ومتى 17 : 15 : 18 21 ولوقا 39:9 الخ) .
على ان أحد الأغنياء إذ كان يسأل عيسى عليه السلام مخاطباً إياه (أيها المعلم الصالح(1)) ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟ أجابه لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله)(*) (مرقس 10 : 17 - 18) (لوقا 18:18) (متى 16:19) ان ذلك المعلم المطلق كان معلم شريعة ، يعلم الشريعة للاهلين ويفهمهم القواعد الدينية متنقلاً من قرية إلى أخرى ، يدخل سيناغوغ كل قرية وقصبة يفتح كتب العهد القديم ويقرأها ، ويفهم الاهلين معناها ، وينير أفكارهم ، يعمل الخير في كل مكان ، يفعل كل ذلك مجاناً لوجه الله وهو راض ومقتنع بالعنوان البسيط المجرد (المعلم) لا يقرهم على أن يقولوا له (كريم) أو (صالح) إذ لا كريم ولا صالح إلا الله ، فها نحن أولاء نصادف في أول طبع الكتاب ونشره عيسى المعلم عيسى الأستاذ (الخوجه).
ولكن في الطبعة الثانية والثالثة وما بعدهما على التوالي نجد أن المعلم قد صار رباً وإلهاً والخوجه عيسى قد صار نازلاً من السماء إلى الأرض ، راكباً على السحاب ، محاط بالملائكة قاضي يوم المحشر ، وحاكمه ، جامعاً كل بني جنسه إلى محكمة العالم الكبرى وكل ذلك صار وتم في ظرف سنة واحدة(1) .
فالمأمور بالتبشير بكلام ملكوت الله هو عيسى الأول عليه السلام ، كأن ملك الملكوت وصاحبه ، ليس لله ، وكأن الكلام ليس لله والملكوت ، بل كل ذلك لعيسى الثاني ، ومن العبث أن يبحث عن الإنجيل الرابع حتى الآن ، فليس هناك بحث عن ولادة المسيح وطفولته ، بل انه يومئ إلى أن (كلمة الله) و (ابن الله) تجسد وصار أنسانا .
فهلموا بنا نبحث الآن لنجد الغاية المقصودة بالذات من تلك الكتب المحرفة إلى هذه الدرجة ولنبرهن عليها ، وإن كان من الصعوبة بمكان فإنما مثل الأناجيل الأربعة وغايتها كمثل الماس يلمع بين الرمال ، والحقيقة كاللآليء مشعشعة مرصعة بكل حسنها وجمالها بين تلك السطور والصحائف ، فلا آيات المرذولين الموضوعة ولا مداد المحرفين يستطيعان إخفاء تلك الأشعة الساطعة الحقيقية وتلويثها ، وكما ان معاول المنقبين تمكنت من فتح ثغرة في هرم مصر الكبير فكشفت عن موميات الفراعنة المطمورة في رحمه ، ونقضت حفرت أسس نينوا وبابل وتسنى لها إخراج مكتبات آثوريا القديمة إلى الميدان ، فكذلك قلم هذا الكاتب الصغير أيضاً سيتمكن من كشف الغاية الحقيقية للإنجيل الشريف ووضعها أمام أنظار خيرة كل العالم بعون الله تعالى .


- 21 -
(غاية الإنجيل الشريف عبارة عن ملكوت الله)
إن مقصودي من هذا العنوان (الإنجيل الشريف) ليس عبارة عن كتاب أو جملة كتب مرقومة ، بل هو عبارة عن الآيات والوحي الذي نزل من عند الله تعالى على حضرة المسيح عليه السلام ، الذي بلغه النبي المشار إليه شفاها إلى تلاميذه وأصحابه في شأن (ملكوت الله وكلام الملكوت) ومن المحقق انه لم تكتب آية واحدة من الآيات والإلهامات الربانية النازلة على المسيح عليه السلام في بحر السنة أو السنتين سواء أكان فيما يخص ملكوت الله وكلامه أو فيما خاطب به بني إسرائيل ، وإنما بلغها المسيح بصورة المشافهة وتنوقلت عنه كذلك بالشفاه .
فالمسيح عليه السلام بلغ الإنجيل لتلاميذه وسامعيه ، والحواريون بلغوه مضمون ذلك الإنجيل ومعانيه إلى أخلافهم ، ولكننا لا نراهم قد كتبوا شيئاً من ذلك ، على أنه لم يكن من ضرورة للكتابة ، لان الملكوت قد اقترب ، وكان من المحتمل أن يتأسس الملكوت والتلاميذ في قيد الحياة ، وحينئذ تظهر أسرار الملكوت بكل نورها ماثلة ساطعة ، فالان اصبح من البديهي أن اكثر من ثمانين في المئة من أقوال المسيح عليه السلام المروي إلقاؤها وسماعها من فمه المبارك في الأناجيل الثلاثة عائدً إلى ملكوت الله ، مثال ذلك ، إننا إذا طالعنا باختصار كتاب مرقس المتقدم تاريخاً على غيره ، نرى أن المقصود والغاية من جميع التعاليم والكلمات المعزوة إلى المسيح عليه السلام في أبوابه الستة عشر التي يشتمل عليها الكتاب المذكورهو (ملكوت الله) ولنذكر من الخمسة والأربعين آية التي يشتمل عليها الباب الأول من مرقس ما يعود إلى المسيح نفسه على الوجه الآتي :
الآية 15 - يعظ بإنجيل الملكوت قائلاً قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (بالبشارة) .
الآية 25- قوله للروح النجس (اسكت واخرج منه) .
الآية 38 - قوله للتلاميذ (لنذهب إلى القرى المجاورة لأعظ هناك أيضاً لأني لهذا خرجت) .
الآية 42 - قوله للأجذم (أريد فاطهر) .
الآية 44 - قوله له أيضاً ( أحذر أن تقول لأحد شيئاً لكن اذهب أر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم) .
فالروح في هذه الآيات الخمس العائدة للمسيح الصادرة من فمه من الخمسة وأربعين آية والمقصود بها عبارة عن (ملكوت الله) وعن تعليم وجوب الطهارة القلبية والبدنية . أي ان الإيمان والتوبة من الشروط التي لابد منها للذين يرجون أن يكونوا أهلاً لدخول الملكوت .
ومما يلفت النظر أن المسيح عليه السلام يقول للأجذم الذي أبرأه (اذهب أر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم) وان قانون الجذام مفصل في أول الباب الربع عشر من السفر الثالث من التوراة المسمى (سفر اللاويين) من الآية الأولى إلى 32 فاجدر بالمسيح الذي في مخيلة الكنيسة أن يأمر الأجذم الذي طهره بدلاً من العمل بشريعة موسى الثقيلة ذات النفقات والإخلال بالكرامة أن يذهب إلى بطرس ويعقوب ، بل إلى وكيل خرجه (يهوذا الاسخريوطي(1)) ولكن عيسى المسيح عليه السلام أمر بتنفيذ جميع مواد قانون الجذام المذكور على التفصيل في البابين الثالث عشر والرابع عشر الطويلين من سفر اللاويين ولم ير حاجة إلى إضافة سطر واحد إلى كتب العهد القديم ، وهو يقرر بوضوح وصراحة ان شريعة موسى باقية وواجبة التنفيذ حرفياً إلى حين تأسيس ملكوت الله .
وإذا فرضنا أن المسيح شبهه الجذام بالذنب والخطيئة فلماذا يرسل الخاطئ - الذي طهره من خطيئة بإذن الله - إلى الكاهن ؟ ولماذا يقول (ليكون شهادة لهم) فالمسيح عليه السلام يريد بذلك أن الشريعة التي أنت عليها كلها جسمانية مادية ، وأن شريعة الملكوت التي هي عبارة عن القرآن المجيد ستلتزم وتعني بتعليم الأخلاق الحسنة - الطهارة القلبية ، إخلاص القلب والواجدان والإيمان الخالص - اكثر مما تعني بتعليم الأحكام البدنية . فان مطالعة كل كتاب مرقس من هذه الوجهة تؤدي إلى الخروج عن الصدد ، ولكن لنحلل الباب المذكور ليكون دليلاً مرشداً للقارئ المحترم فان ثلاث عشرة آية من الباب الثاني من الكتاب المذكور الذي هو عبارة عن ثماني عشرة آية عائدة إلى المسيح عليه السلام .
الآية 5 - قوله للمقعد (ابني قد غُفرت لك خطاياك) .
الآية 9 - 11 (لماذا تفكرون هكذا في داخلكم ؟ أيما أيسر : أن يقال للمقعد غفرت لك خطاياك ، أم أن يقال احمل فراشك وسر ؟ ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمقعد : لك أقول قم واحمل فراشك واذهب)(1) .
وكانت نظرية اليهود (من يقدر على أن يغفر الخطايا إلا الله وحده) وهي نظرية صحيحة جداً . ولكن إذا ورد عن الخاطئ نظرية (من يقدر على إبراء المقعد إلا الله وحده) فمن يقدر على رفع الفالج وإزالته من الجسد - وقد عجز علم الطب عن شفائه - يقدر أيضاً على ان يداوي المريض بداء الخطيئة وأن يغفر الذنب ويمحوه من روح المقعد في الحال ، ويمكن فعل كليهما بإذن الله وقدرته فقط . فالحقيقة التي كان يريد المسيح عليه السلام تعليمهم وتفهيمهم هي أن المأمور بالتبشير باقتراب ظهور ملكوت الله كما انه يملك صلاحية وقدرة على شفاء المرضى وأصحاب العاهات فانه بالطبع مأذون بان يغفر ذنوب الخطاة أيضاً . ولكن على أن القدرة على عمل كليهما قد وهبت من الله تعالى . وفي اليونانية ( ) بمعنى قدرة، حرية ، صلاحية ، وكذلك مثلها في السريانية (مارا ماريا) بمعنى (ابن آدم أي إنسان كان ابن الإنسان) ولكن المترجمين يتلاعبون ويراوغون في الترجمة ، فان كانت هذه الكلمة تعود إلى المسيح جعلوا معناها ابن الإنسان وإن كانت إلى غيره جعلوا معناها إنسان ، ابن آدم ، بشر. وكذلك كلمة (مار ) فان كان المقصود بها المسيح جعلوا معناها (الرب الإله) وان كان غيره جعلوا معناها (سيد) فيا أسفا على المترجمين بتلك التعبيرات المختلفة !
وإذ كان يمر من الطريق رأى الجاني فقال له .
الآية 14 - (تعال ورائي) بمعنى اتبعني .
الآية 17 - (ليس الأصحاء محتاجين إلى طبيب بل ذوو الملل ، لم آت لادعوا أبراراً بل خطاة ( إلى التوبة) .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:26 PM [ 16 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




تصدى الفريسيون والكهنة لتخطئة المسيح إذ رأوه يأكل مع الجباة والخطاة ، وكان الجواب الذي سمعوه منه (انه قد جاء لأجل تهيئة الخطاة المحتاجين للتوبة وإعدادهم إلى ملكوت الله ، لا لأجل الذين يعرفون أنفسهم انهم أبرار) .
لم تكن الكهنة عالمة بعظيم ذنبها ومسئوليتها عند الله بسبب تركها الجباة والخاطئين على ما هم عليه . أولئك الكهنة الشرايون للخمورالآكلون للأرز على موائد الخطاة من الأغنياء كانوا قد تركوا الفقراء قائلين انهم خطاة ، أما ذنب الجابي الذي جعله ممقوتاً في نظر الكاهن فهو اضطراره إلى جمع النقود وإيصالها إلى حكومة رومية . وأما الملكوت الذي قد بشر به وانه سيتأسس فانه يجعل الخطاة دائماً مجرمين ومسئولين في نظر الشريعة وان كلاً منهم يناله العقاب القانوني الذي يستحقه سواء كان غنياً أو فقيراً ، سوقة كان أو ملكاً .
ولكي يبين أنموذجاً لكيفية العدل والإنصاف في مؤسسة الملكوت الذي يبشر به قال عليه السلام لشاب يمتدح بالبر والتقوى (اذهب بعّ كل مالك وأعطه الفقراء وتعال اتبعني) (مرقس 21:10) فأمر كهذا لا يرتضيه كاهن يهودي ولا راهب مسيحي ، لأنهم يرون الأنسب أن لا يوزع الغني صدقاته بيده بل يبذلها للفقراء على أيدي الرؤساء الروحانيين .
ثم تأتى إلى الآيات 19-22 هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم ؟ مادام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا ، ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الأيام ، ليس أحد بخيط رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق ، وإلا فذلك الملء الجديد يأخذ من العتيق فيصير الخرق أردأ ، وليس أحد يضع خمراً جديدة في زقاق عتيقة وإلا فتشق الخمر الجديدة الزقاق ، والخمر تنصب والزقاق تتلف ، بل يقتضي أن توضع خمر جديدة في زقاق جديد .
كيف يمكن أن تشرح وتفسر هذه الآيات المشكلة التي حيرت كل مفسري المسيحيين وأغلقت أبواب فهمها عنهم وأعمت استعدادهم الفكري ؟ الكنيسة تعتقد أن المقصود بالعريس هو المسيح ، ومهما كانت العقدة ومهما كان المعنى فليس لنا وقت للاشتغال بتفاسير الكنيسة.
يبين المسيح عليه السلام في هذه الآيات المغلقة عين الحقيقة في ثلاثة أمثال ، كما أن الصيام ممنوع في أيام العيد ، كذلك يكون في أيام سرور العرس أضحوكة .
وإذ كان المسيح عليه السلام هو المرسل المبشر بملكوت الله ، فبالطبع يجب أن تنقضي أيام البشارة بالمسرة والفرح لا بالصيام ، وكان يجب على رؤساء الشريعة أن يتقبلوه عليه السلام بالرضا والسرور وحسن القبول بكونه سفيراً ممتازاً ومبشراً باقتراب ملكوت الله المخبر عنه سابقاً من قبل أنبياء الله ، ولكنهم كانوا يتهمون تلاميذه بعدم الصيام ، وكانت شريعة موسى قد أمرت بصوم ثلاثة أيام في السنة وكثرت بعد ذلك أيام الصيام ، وهنا لا ينسخ المسيح الصيام، بل يبين ما يؤيده ويؤكده ، يريد أن يقول لعلماء اليهود (صوموا وصلوا واكثروا صلواتكم وصيامكم بقد ما تشاؤن ، ونفذوا أحكام الشريعة الحرفية الضيقة بقدر ما تشتهون ، ولكن صلواتكم وصيامكم لا تنفعكم ولا تغني عنكم شيئاً ما دمتم لا تؤمنون بي وبالذي أرسلني ، إنما انتم ثوب بال وزقاق قديمة ، قلوبكم قد ران عليها الصدأ والظلمة ، وأدمغتكم قد تبلدت بأبخرة الخمور ، أنا أقول لكم انه قد اقترب ملكوت الله الذي مات آباؤكم وأجدادكم في أمله وانتظاره ، فآمنوا وافرحوا ، وطهروا قلوبكم بالتوبة ، واعدوا أدمغتكم القديمة لفكرة لتجدد ولإصلاح ، ولعلكم لا تكونون في قيد الحياة عند ما يتأسس ملكوت الله ، فعلى كل حال تجدون النجاة وتنالون الحياة الأبدية لأنكم آمنتم برسالتي وبشارتي ، ولا يتم الأمر بذلك ، هو ليس بتوبتكم فقط ، بل أنا أقول لكم : لا يبطل حرف ولا حركة من الشريعة حتى تزول الأرض والسماء لان صاحب الشريعة هو الله تعالى ، ولن تغير يد إنسان اصغر حكم من الشريعة المذكورة إلا بإذنه .
بيد أن الله سيؤسس ملكوتاً واسعاً أبدياً ، وهذا الملك الإلهي لا يتأسس لليهود خاصة ، بل هو لجميع البشر عامة ، بناء عليه ستنسخ بعض الأحكام المتعلقة بطائفة بني إسرائيل ، فافهموا هذه النقطة واستعدوا لها ، لا تخافوا مني ، لا تكونوا حمقى وأغبياء ، لست بمعتد على شريعتكم ، ولا جئت لتأسيس دين أو ملكوت ، إنما أنا بشر ، وبعد إكمال التبليغ على ما أمرت به أغيب عنكم واذهب راجعاً إلى الله ربي .
إن الأمثال التي في الآيات المذكورة تحتوي على معان بعيدة الغور لم يتمكن من الغوص عليها وإدراكها حتى اكبر الأعزة من معلمي الكنيسة ، وهنا يضرب المسيح عليه السلام الأمثال بأحب الأشياء وأشهاها إلى علماء الدهر ، بالكسوة والخمر ، بالخمر الجديدة ، وقطع الجوخ الجديدة ، بالزقاق القديمة والملابس الخلقة ، جديد ، عتيق، متين وبال . الجديد سيحيا والبالي محكوم عليه بالفناء والزوال وبكتابة هذه التشبيهات يريد المسيح عليه السلام أن يقول جئتكم ببشارة جديدة ، ولكن مع الأسف لا أتمكن ان أسعفكم بما تشتهون ، كروشكم وبطونكم قد انتفخت بالشراب والمسكر ، ومعدكم أفسدتها البطنة ، أجسادكم كجلد الخنزير كزقاق الشراب ، وروائحكم الكريهة كبراميل الخمر الملقاة في فناء الحانات تنفر العالم ، أما شراب الملكوت فشراب جديد ، ليس من عصارة العنب ، ولكنه علم الشريعة الاحمدية الغراء ، الذي يسكر أبناء الملكوت بالعشق الإلهي ، لأن طالبي الحقيقة الظامئين للنهل منها ليس الشراب بالذي يرضيهم ويسكرهم ، بل ماء الحياة المتفجر من آيات القرآن الجليلة ، وأما الذين لهم أبدان تشابه كوؤس الشراب فلا يتسنى لهم أن يظهروا بالفكر السالم وحسن العبودية الضروريين لعبادة الله والسجود له .
فيأيها العلماء والفريسيون الدنيويون ، السكارى المراؤن ، ويا محي الجلوس في صدور محافل الضيافات والأعراس ، أنتم أيها المراؤن مرتدو الجبب الواسعة والملابس السابغة ، لا تنفعكم كسوتكم العلمية ، لان الله يريد منك كسوة الصدق والصلاح ، ثياب الأخلاق الحميدة ، عمائم نور الإيمان ، أردية الأدب والحشمة . لأنه يأمر بكسوة الحياء والعفة ، بقلانس الجهاد والشرف ، بحزام العمل والوعظ ، بحذاء العدل والشفقة، بكيس القناعة والاقتصاد ، بجبب الحلال والكد ، بمنديل الطهارة والنظافة ، والتختم بخاتم الأمانة والثقة ، وهاأنتم هؤلاء تلبسون مثل هذه الكسوة المقدسة ، تسترون أجسامكم ورؤوسكم بشفوف الرياء ، فالصوم مهما يكن من عمل الخير والصلاح ، وشبيها بالخز والديباج ، فانه لا يمكن أن يرقع كسوتكم البالية المحرقة ، بل يتم تمزيقها فيجعلكم عراة مكشوفي العورة مشهرين ، يجب عليكم أن تتداركوا لكم ملابس جديدة وإلا بقيتم على شر حالكم إلى أن تصلوا إلى جهنم وتصلوا جحيمها .
الآيات 25-28 فحواها (أن يوم السبت إنما جعل لأجل الإنسان ، لا الإنسان لأجل يوم السبت ، إذن فابن الإنسان هو رب السبت أيضاً) .
هذا القياس مخالف للمنطق تماماً ، فلو قال (مادام يوم السبت قد جعل لأجل الإنسان إذن فصاحب يوم السبت هو الإنسان) لكان الكلام منطقياً . أنى يكون لابن الإنسان شيء لم يملكه أبوه ؟ ولكن يأتي يوم فيه يكون ابن الإنسان (أبا ابن الإنسان) كأبيه أيضاً ، وحينئذ تنتقل مالكية يوم السبت إلى ابن الإنسان الثاني وهلم جرا .
يفهم من سوء تأويل مثل هذه العبارات السريانية أن هذه الكتب الأربعة قد استقت معلوماتها من المنابع الآرامية ( بارنشا) انسان ، ابن آدم الذي جمعه بنو آدم يطلق على كل إنسان.
واليوم يستعمل الأثوريون هذه العبارة وليس لها علاقة خاصة بالمسيح قطعاً فإذا قرأتم أي كتاب من هذه الثلاثة المعنونة باسم الإنجيل ترون أن الآيات المروي صدورها من فم المسيح المبارك تخبر بان المسيح عليه السلام لم يسع لتأسيس كنيسة أو دين ، وكان يكتفي بتفسير كل أقسام الشريعة ويشرح ما تشتمل عليه من المعاني الحقيقية . وإنما غاية أمله الوحيد إعداد كل شيء لمجيء ملكوت الله الذي أرسل هو بصورة خاصة لأجل التبليغ والبشارة به ، وان سعيه واجتهاده كان لأجل أن تقبله اليهود وتعتنقه .
- 22 -
(كلام الملكوت) بمعنى إرادة الله
( )
( )
(لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض أيضاً (متى 10:6)
كان قوم بني إسرائيل (ملكوت) الرب (يهوه) وكانت التوراة (كلامه) وكما أن اليهودية دين سماوي ، فالتوراة هي الكتاب المقدس لذلك الدين . دين بلا كتاب كدولة بلا قانون ، لاشك أنها محكوم عليها بالسقوط والاضمحلال ، وكلما كانت أسس الدين موافقة للعقل والعدل ، يكون بقاء ذلك الدين ودوامه وطيداً محفوظاً ، وان ديناً يستحيل تطبيق فرائضه وتعميم أحكامه على كل نوع البشر ، لا يكون إلا وقتياً وموضعياً .
بما ان اليهودية دين لشعب خاص فلا يتسنى للأقوام الأخرى أن تستفيض وتستفيد منه ، لان ما تستفيد الأقوام الأخرى ليس (الكتب الخمسة ) بل ما تشتمل عليه من الفرائض والأحكام ، وكانت بعض الأقوام الأخرى راقية إلى درجة ما ، ولكن دينهم أيضاً كان محدوداً وابتدائياً لذلك أمر الله عيسى عليه السلام أن يبلغ ويبشر بملكوت الله الذي سيتأسس في آخر الزمان ، ويجمع كل بني آدم إلى الدين العام والمسيح عليه السلام لم يكن ذا علاقة بتأسيس ملكوت الله ، ولكنه بالطبع كان ذا صلاحية ببيان بعض المعلومات عن أوصافه وخصائصه .
وبعد أن أعطينا هذا المقدار من المعلومات الابتدائية عن (ملكوت الله) نبحث الآن عن معنى (كلام الملكوت) بعبارة مختصرة .
ستجري إرادة الله ومشيئته على الأرض في الملكوت الآتي كما هي جارية ونافذة في السموات ، بين المسيح عليه السلام في هذا الدعاء الذي علمه لتلاميذه موضوعين مهمين هما (ملكوت الله ومشيئته) ولاشك في أن (ملكوت الله) شيء ، و(مشيئته الله) شيء آخر ، (كلام الملكوت) بمعنى قانون الدولة وفي موضعه و (كلام الدين) هو كتاب الدين ، أي انه كتاب مبين يكون مداراً لإدارة الأمور الدينية ، وكما أن ملكوت الله سيكون خلفاً للموسوية ، فان كلام الملكوت أيضاً سيخلف التوراة . فالمسيح الذي التزم حفظ الشريعة الموسوية من غير أن يمس حرفاً أو نقطة منها إلى أن يتأسس ملكوت الله ، لابد انه قصد أن يبين في قوله انه يقول : سيأتي يوم تنسخ فيه الشريعة المذكورة ، ويفهم منه انه سيأتي كتاب جديد باسم كلام الله (الكلام القديم) .
والكلام المذكور سيجري وينفذ كما في السماء كذلك على الأرض ، ولا يخفى أن الملكوت سيتشكل من بني آدم لأنه يرجو أن تجري إرادة الله المرشدة والمدبرة له على الأرض، ومع حرصي على أن لا أتعب قرائي ، أراني مضطراً على كل حال لتدقيق لفظ الإرادة والمشيئة .
كلمة (ثيليما إرادة) لا يذكرونها والمطلوبة في الصلاة التي يسمونها (الدعاء الرباني) إنهم يستعملون كلمة (إرادة) بمعنى (أمر فرمان ، مرسوم) ولكن المسيح لم يبحث عن كلمة فرمان وأمثالها ، بل هو يتكلم عن إرضاء الله ومشيئته ، والآن انظروا هل من مناسبة بين (أيودوكيا) حسن الرضا) الذي فسروا به أنشودة الملائكة وبشارتهم وبين هذه (الإرادة ثيليما) أم لا ؟
فإذا كان كل من عيسى عليه السلام وجمهور الملائكة قد أرادوا بها معنى (رضا) فلماذا ترجموها في محل (أيودوكيا ) وفي محل آخر ( ثيليما) وعلى كل حال فتسبيح الملائكة والدعاء الرباني كلاهما في شأن الإسلام والملكوت ، وكذلك يجب أن يتفقا أيضاً حول كلمتي (احمد والكلام) ولما بحثنا في كلمة (أيودوكيا) كنا أوضحنا أن كلمتي ( حمد و راضون) تفيدان معنى (احمد ومحمد) وكذلك معنى (رضا وإرادة) وها نحن أولاء تمكنا من كشف الحقيقة التي نتطلبها من بقايا الإلهامات الإنجيلية .
ليتفكر قرائي الكرام جيداً أني موافيهم بالتأويلات العديدة للكلمات (حمد ، احمد ، محمد) المكتوبة بالعبرانية ، ليس بمعنى الألفاظ بالعربية فقط ، بل بلفظها وبعين حروفها ، لذلك أرجو أن يمعنوا النظر لئلا يحصل سوء فهم .
لا علاقة لكلمة (راضون إرادة) التي في الصلاة المسيحية بأحمد ومحمد لأنها تبحث عن اسم معنوي عن رضا وإرادة ، لا عن ذات أو شخص .
لم يتسن لتلاميذ المسيح أن يفهموا منه ما هو ملكوت الله ، وما هي إرادة الله(*) فالحقيقة الباهرة التي لم يتمكن الحواريون من فهمها - على ما تقول الكتب الإنجيلية - كيف يفهمها الذين أتوا بعدهم ؟ إذاً فلسبب جهلهم حينئذ لم يفهموا ما هو الملكوت ولا ما هي إرادة الله .
لندع البابا جانباً والبطاركة الذين يدعون القدرة على كشف حقيقة عجز عن إدراكها الحواريون وعلى إظهار كل حقيقة . ولكن ليت شعري كيف يؤول البروتستانت هذا في مواعظهم وقيلهم وقالهم في أيام الأحد ؟ وهل هم يوضحون المراد من هذا الملكوت وما هي هذه الإرادة ؟
الملة العيسوية مؤلفة من خمسمائة مذهب ونيف وكل منها يدعي أن الجماعة التي ينتسب إليها هي ملكوت الله ، وان إرادة الله نافذة في تلك الجماعة وحدها ، وان الأربعمائة والتسعة والتسعين الباقية كلها في الضلالة ، حتى انه ليؤكد بالأقسام والإيمان المغلظة أن مدعاه صحيح.

- 23 -
(صفات ملكوت الله وخواصه)
تدرج هاهنا صفات ملكوت الله الخاصة أخذاً من التشبيهات والأمثال التي ضربها المسيح عليه السلام .
أ - من صفات ملكوت الله الجميلة انه عبارة عن التأليف بين كل أنواع البشر من غير تفريق بين جنس وعرق وأمة ووطن ، وتوحيدهم بإخاء معنوي وروابط قوية دينية(*) وتشكيل ملة بين الملل منهم ، وسوقهم إلى توحيد الاحساسات الدينية والمنافع المشتركة الحقيقية بقصد الاتحاد المادي .
يشبه الدنيا بالمزرعة ، وكلام الملكوت يزرع في قلوب الناس كما تزرع الحنطة في المزرعة ، والله صاحب المزرعة يرسل ملائكته يوم القيامة المشبه بيوم الحصاد لجمع أبناء الملكوت وبنقلهم إلى السموات (متى 3 : 15-24 مرقس 4،1-20 لوقا 8،1-15) .
ب- ملكوت الله ينشأ آنا فآنا ، وينمو سنة فسنة ، ويكبر عصراً فعصر ويتقوى على الدوام وبدون انقطاع (مرقس 4، 26-29) .
وإذا ما قتل قسم من أبناء الملكوت شهداء من قبل الأشرار الظلمة أعداء الدين كما مثلهم بحبات الحنطة الساقطة على طرف الطريق فالتقطها الطير ، أو انمحى على مرور الأيام بعض تعيسي الحظ منهم ، فلم يستطيعوا العيش بين الكفار ذوي القلوب القاسية كالحجارة ، أو إذا اختنقوا بين الغادرين شاربي الدماء ، كما في مثل الشوك، فإن أبناء ملكوت الله الذين في الأرض الجيدة والأماكن الخصبة والممالك الموافقة تنمو و تتكاثر بصورة محيرة للعقول ، فيأتي واحدهم بثلاثين أو بستين ضعفاً أو بمائة ضعف من الثمر بحسب سيرة الناس والأرض ، ومن العجيب أن معدل تكاثر أقسام ملكوت الله التي تنمو وتتكاثر ليلاً ونهاراً في القوة والمتانة ، وفي الفضيلة والمكانة ، يكون الواحد ثلاثة وثمانين وثلثاً .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:27 PM [ 17 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




ج- أفراد أبناء الملكوت من جنس واحد ، وعلى نسق واحد ، يشابه أحدهم الآخر في كل وقت وفي كل مكان وفي كل الأحوال ، فالإيمان والغاية والعادات والتقاليد واحدة والخلاصة أن جمعيهم حنطة وكلهم كالسمك المحبوب الذي في الشبكة وان الذين يحصلون عل الدرجة الكاملة في شان إعطاء الثمر بإيمانهم وفضيلتهم وأعمالهم يشكلون الأكثرية في كل زمان ومكان . هم حبات الحنطة التي تعطي من الحاصل مائة ضعف(*) وأما الآخرون أيضاً فلا يخلون من إعطاء الثمر على تلك النسبة للواحد ستون ضعفاً أو ثلاثون ضعفاً على الأقل ، كلهم أحياء وأقوياء ومثمرون ، وهناك بين أبناء الملكوت أولاد إبليس عدو الله ليسوا بالحنطة ، بل هم الزوان (متى 13 :24-30) .
أولاد الشيطان ليسوا من أبناء الملكوت بل أولئك هم الحشرات النتنه النجسة على سواء في شبكة السمك (متى 13،47-50و23و10) .
د- نهى الله عن قتل الكفار والمشركين المشبهين بالزوان وجيوف الحشرات وعن استئصالهم من ملكوته بتة ، وهؤلاء سيعيشون على الأرض مع المؤمنين إلى موسم الحصاد يوم القيامة ، والله يهبهم الشمس والهواء والمطر كما يهبها لأبناء الملكوت ، لكنهم لا يؤمنون أبداً ، ولا يكونون حنطة ولا سمكاً ، بل يبقون مكروهين أنجاساً إلى يوم القيامة (متى 27:13 - 30و123 و45:5 الخ).
تجب الدقة في صفة ملكوت الله هذه وهي (لما أرادت الملائكة قطع الزوان من بين الحنطة وقلمه وإلقائه لم يأذن الله بذلك) .
لنتحرّ أي دين ومذهب يأمر بذلك ؟ يجب علينا أن نحبذه وان نبجله ونقدسه أليس كذلك ؟
هـ- ينمو الملكوت ويتكاثر جداً بين بعض الأقوام في مدة قليلة بحيث لا يبقى هناك كافر ولا مشرك ، كالخردل والخمير ، يؤثر كلام الملكوت في قلوب الناس ويؤدي بهم إلى الإيمان (متى 13 ، 3-33 ومرقس 4،31-32) .
و- أبناء ملكوت الله هم ملح الأرض ، وبقدر ما تحتاج الطعام إلى الملح فكذلك كل العالم وجميع أقوام كرة الأرض يفتقرون إلى أبناء ملكوت الله (متى 5 ، 13 مرقس 50:9 لوقا 14،34-35) .
والممالك الخالية من أبناء ملكوت الله ممقوته مذمومة لا ملح في آداب معاشرتهم ولا طعم لأخلاقهم الملية ، وهي في حاجة إلى أبناء ملكوت الله ، ليصلحوا حالها ، يهذبوا أطوارها الرذيلة ، لان في أفوامهم الأقوال الحميدة ، والكلام الطيب ذا الملح.
ز- كل حركات أبناء الملكوت وأطوارهم كالنور ساطعة متألقة ، وكل من يراهم يفهم عاجلاً من كلامهم وأطوارهم وأخلاقهم من هم والى أي دين ينتسبون وبأي كتاب هم يهتدون .
ليجتمع خمسمائة رجل من الأديان والمذاهب المختلفة في مكان واحد ، ولا يبحثوا عن دين أو مذهب أو أخلاق ، بل يقصروا بحثهم على الفن والتجارة والمسائل الدنيوية المعاشية فانك لا تلبث نصف ساعة إلا وترى ابن الملكوت علناً بينهم بصنعة محسوسة .
ذلك لأنهم نور العالم (متى 5،14) لان أبناء الملكوت كبلدة جميلة على جبل وكسراج منير يضيء بيتاً ، يعلن ولا يختفي ، يعرف ولا يبقى مجهولاً ، يظل مكشوفاً لا يستر ! لان النور الإلهي نور الإيمان الذي فيهم يلقي بالأشعة إلى الأطراف فينير كل شخص ويفيده . (5،14-16) .
ح- أبناء ملكوت الله لا يكنزون لهم كنوزاً في الأرض حيث يفسدها السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون ، بل يكنزون لهم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ ، وحيث لا ينقب السارقون ويسرقون ، يعلمون انهم لا يدومون على الأرض فلا يبتغون من الدنيا غير الطيبات المشروعة ، وكل رجائهم في الآخرة وعلى ربهم يتوكلون ، مال الدنيا لا يهمهم، واحب شيء لديهم هو الدين وكتاب الله ، وهم مستعدون كل وقت للجهاد بأموالهم وأنفسهم ، وكل غال ونفيس لديهم في سبيل الله ، فالذين يأكلون اليوم الربا ويملكون البنوك والثروة والشركات الكبيرة هم الاقوام الذين لا ينتسبون إلى ملكوت الله ، ولكن عند اقتراب يوم الضرورة يرثون جواهر الكفار وخزائن المشركين التي تجمعت بالكذب (الغش) والربا المحرم لدفع حاجتهم فقط وليتمتعوا بكل ما هو حلال مشروع من طيبات الدنيا ، فانهم لا يفكرون في جمع الثروة والمال لذاته ، لان مال الدنيا في الدنيا يبقى . إن ملكوت الله هو مثال ملكوت السموات ، لا يفكرون في جمع الخزائن ليكونوا أغنياء في الدنيا لأنهم عما قليل يتركون الدنيا ولذاتها وخزائنها (متى 6 : 19-21) .
الأغنياء غير الشاكرين الذين يتوكلون على مال الدنيا هم خارج ملكوت الله (متى 19 : 22-24) .
ط- أبناء الملكوت لا يعطون القدس للكلاب ، ولا يطرحون دررها أمام الخنازير . (متى 6:7) .
بدون أماكنهم المقدسة في وجوه الكفار والمشركين ولا يترجمون آيات الكلام القديم الجليلة إلى مئات من اللغات متهالكين في بيعها وإهدائها إلى كل من يصادفونه(*)
( )
( )
( )
(لا تعطوا المقدس للكلاب ، ولا تطرحوا لآلئكم قدام الخنازير) متى 6:7 .
ما هو الشيء المقدس وما هي اللآلىء ، التي يملكها أبناء الملكوت ؟ آية متى هذه هي الوحيدة عديمة المثل في كل التوراة والإنجيل ، ولو ادعى مدع أن مقصود المسيح عليه السلام من هذا الكلام ومخاطبه هي الكنيسة ، لكان إذن يحق لنا أن نوجه إليهم سؤالاً قائلين :
ما هي الأشياء المقدسة توهميون(1) للكنيسة ومن هم الذين يشبهم بالكلاب والخنازير ؟ قدس أو مقدس وبالسرياناية ( قودشا) ؟ يجب أن يكون شيئاً مقدساً ما هو مصون لدى أبناء الملكوت ؟ الرحم مقدس للوالدة الولود !. فانظروا أي عنوان ذي شأن يوجه إلى بنات ملكوت الله ونسائه ! فرحم بنت الملكوت التي ستكون أما مقدس طاهر مبارك(2) بنت الملكوت هي الشيء المقدس للملكوت لان رحمها طاهر وبتول بمثابة الأرض الخصبة التي فيها يزكو الزرع .
فانظروا إلى حكم المسيح عليه السلام التي في أعلاه هذه الأسرار العجيبة الباعثة للحيرة
بنت الملكوت لا تقدر أن تفتح حضن محبتها أو تتكرم برحمها على الكلاب ، وعلى الزوان والحشرات المنتنة ، لا تتمكن من الاقتران بهم أو الائتلاف معهم ، ما اكره من سر ! تأمل: أي بنت من أي دين أو مذهب لا يمكنك الاقتران بها ؟ حسبك أن تكون ذا حسن أو ذا دراهم ، فيمكنك أن تأخذ بنت البرنس الكاثوليكي ، أو بنت المليونير اليهودي ، أو كريمة رئيس أساقفة البروتستانت ، وأما بنت الملكوت فلا شك بأنها لو خطبها الغزال للزواج لردت طلبه ولو كانت متسولة .
المراد من اللالىء حسب فكري العاجز عبارة عن كتاب الله والأماكن المقدسة والذين يخربونها ويلوثونها عبر عنهم باسم (الخنزير) الممقوت ، فالخنزير معروف بالنجاسة وعدم الوفاء لكن الكلب صادق ووفي وذكي ومعين ، غير أن له عيباً واحداً وهو الميل الشهواني للإناث ، فلهذا يقول المسيح عليه السلام (لا تعطوا أشياءكم المقدسة للكلاب) يريد من أبناء ملكوت الله وبناته أن يتركوا الكلاب خارج بيوتهم ، وان يبتعدوا عن الزوان والحشرات التي تظهر فيها الكلاب .
صفات ملكوت الله الجميلة كثيرة جداً . ولكنا نكتفي الآن بهذا المقدار منها ليكون أنموذجاً.
- 24 -
كلام الملكوت هو كتاب الله وقانونه الأساسي
كلام الملكوت هو القانون الأساسي للدولة الإلهية أي الشريعة ، ونظراً لاعتبار أن ملكوت الله دين فالكلام أيضاً كتاب ذلك الدين ودستور عمله ، وكل حركة خارجة عن أوامر الكتاب ونواهيه تحدث ضرراً بالملكوت ، وكل حركة على وفق أوامر الكتاب هي في مصلحة الملكوت ووسيلة لرقيه ، والمسيح عليه السلام كان يعظ بكلام ملكوت الله ويبشر باقتراب تأسيسه .
بحثنا مختصراً عن بعض المعلومات التي أنبأ بها روح الله عليه السلام مما يعود إلى ملكوت الله ، ولننظر الآن ما خبر هذا السفير السماوي الجليل عن كلام الملكوت ؟
أ - لا شك في إن صاحب ملكوت الله هو الله تعالى .
انظروا إلى روح الله عليه السلام الذي أتى بنبوة ملكوت الله المقرر تأسيسه على الأرض كيف يعرف الله ؟ (أجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي اسمع بإسرائيل الرب ألهاً رب واحد) (مرقس 29:12) .
لا شبهة في إن المسيح عليه السلام ذكر الآية بنصها الحرفي وهي الآية الرابعة من الباب السادس من كتاب التثنية خامس أسفار التوراة ، ولنذكر الآية التوراتية باللغة الأصلية العبرانية على الوجه أدناه .
( )
(اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد)
هكذا ترجم البروتستانت الآية المذكورة ولكني لا اقدر أن افهم المقصود والحكمة في ترجمتهم ( أحد) في مرقس واحد ، وهنا وحيد(*) وإنما يجب قراءة هذه الكتب القديمة باللغة الأصلية ، فبالترجمة تذهب معاني الآيات وتفقد فصاحتها وبلاغتها الأصليين . وهي :
(اسمع يا إسرائيل ألهنا يهوه ، يهوه واحد) لان يهوه ليس بمعنى رب قطعاً والفرنسيون فسروا هذا الاسم المقدس بلفظ (Eternel أزلي) وبما أن الأمم أي الأقوام الآخر يسمون أصنامهم ومعبودهم ألها ، كان الموسيويون يضيفون إلى اسم الله الذي يعبدونه (يهوه) وهكذا كانوا يخاطبونه ، وبما انهم لا يتجاسرون على التلفظ بهذا الاسم الجليل الذي يعتقدون بعظم قدسيته ، كانوا يقرأونه باسم ( ادوني) أي رب إذن فالمسيح عليه السلام يذكر يهوه لأجل التفريق بين (إله) وبين (الله)(**) ولا أظن أن كلمه (يهوه) إلا عين ما يقصده الطوقيون من (هو) أو (ياهو) وإذا ما أمعنا النظر نجد أن عيسى عليه السلام الذي يؤيد كلمة التوحيد مكرراً ، لا يعبر عن (الله الملكوت) وإنما يعبر عن (يهوه) اله إسرائيل فقط ، فالوصايا العشر التي لخصها المسيح وحصرها في أمرين فقط أي بوجوب حب الله وحب الجوار ليس لها علاقة ولا شمول لغير الملل اليهودية . لان (يهوه) كان (الله إسرائيل) فقط لذلك كان كل يهودي مكلفاً بحب الله (يهوه) اكثر من روحه والمسيح عليه السلام كان يصدق ويحفظ جميع أحكام الشريعة نقطة فنقطة بصفته يهودياً تاماً ، وعلاوة على ذلك بين لهم ملكوت الله أيضاً .
عندما ترك المسيح عليه السلام مملكة اليهود وتوجه إلى البقعة الشمالية المسماة (الجليل) أجل الوعظ والتبشير بكلام الملكوت اضطر إلى أن يجتاز ارض السامرية فجاء إلى البلدة المسماة (سوخار) تعباً عطشان وجلس عند بئر يعقوب وجاءت في تلك الساعة امرأة سامرية لتستقي ماء فقال لها المسيح عليه السلام (اعطني ماء لأشرب) قالت المرأة السامرية: كيف تطلب مني ماء وأنت يهودي وأنا امراه سامريه ؟ لان اليهود لا يعاملون السامريين ) وعلى هذه الصورة جرى بين المسيح عليه السلام وبين المرأة مكالمة دينية مهمة جداً . روبت في الفصل الرابع من كتاب (يوحنا) فالمرأة التي أدركت انه نبي خاطبت تلك الحضرة قائلة (آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وانتم تقولون : في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه) .
كلام المرأة هذا صحيح جداً أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق و يعقوب عليهم السلام لم يسجدوا في أورشليم بل كانوا يسجدون في ديار (شكيم) تكوين 33 : 18 - 20 و28 : 22 وعندما رجع يعقوب من فدان (بدان) آرام جاء إلى (سالم)(1) بلدة (شكيم) ونصب خيمته أمام البلدة .. وبنى هناك مذبحاً ودعاه (أيل الوه إسرائيل) .
وأما بلدة أورشليم فقد فتحها داود ثم بنى ولده سليمان عليهما السلام فيها هيكله (المسجد الأقصى) ومن ثم بوشر بالسجود هناك .
وأما المسيح عليه السلام فقال لها (يا امرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب .. الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا(*) لان الأب أيضاً يطلب له مثل هؤلاء الساجدين) (يوحنا 4 : 21-24) .
إذن فهو لا يقول (اسمع يا إسرائيل يهوه إلهنا يهوه واحد) فهنا ليس المقصود (إلهنا) الذي لا يقوله إلا اليهود ، بل هو (آب واله جميع الأمم) وبناء على أن الله منزه عن المكان والزمان فان يكون محل السجود له لا جبل شكيم ولا معبد أورشليم . وبما أن الله مبرأ عن المثال والشبيه فسيسجد له الساجدون بالروح والحقيقة . فالرب يهوه تصوره التوراة في شكل إنسان فبالطبع كانوا قد تلقوه كأنه له مكان ومحل إقامة في أورشليم ، ويأتي على شكل إنسان ماشياً على قدميه وقت العصر عند آدم وحواء في جنة عدن ، وارى ظهره موسى ، وظهر في زمن دانيال بشكل شيخ هرم جداً ذي لحية بيضاء . أما الله ذو الملكوت فمنزه عن هذه الأمثال والأشباه والأشكال ، هو روح ليس بجسم ولا هيولي بل وجود مطلق وواجب الوجود . أحد ليس مركباً من أجزاء ولا عناصر ولا منقسماً إلى كثير . وبما انه خالق لا يكون مخلوقاً . وانه وان كان أبا أي موجداً لا مولوداً ولا موجداً(*) وكما انه لا شيء من الموجودات التي خلقها يسمى (الله) فكذلك المولود (الابن الوحيد) المعزو إليه لا يدعى (الله) . وأما الكنيسة فبتجويزها الإصلاح إطلاق (والد) محل (آب) تكون قد أقرت واعترفت بالكثرة في الألوهية . ويما أنها مضطرة إلى ا لتسليم بان ذلك كفر فهي تتشبث بإثبات الباطل باعتقاد وادعاء وجود وبقدر ما كان السوفسطائية(1) الذين يتصدون ويقومون للبرهنة على (أن الجهل عقل) يشهرون أنفسهم السخرية عند حكمائنا فكذلك (المتكلم) أي المنتسب إلى علم الكلام الذي يسميه المسيحيون (علم اللاهوت) الذي يدعي أن الله والد يعرض هيكله بالجهل على ساحة المضحكات في مجلس العارفين . ومهما كان الفرق بين التكوين والتوليد وبين المخلوق والولد فكذلك الفرق بين الخالق والوالد . إن التكوين فعل قديم وعمل أول . والتوليد فعل جديد وعمل ثان ، فالتكوين بمعنى فعل الواحد ، أما التوليد فعبارة عن اشتراك عمل فاعلين اثنين . وبناء على ذلك فالله تعالى أولاً يوجد من العدم ويكوّن وبخلق ، ثم الموجدات الكائنة تتوالد فيما بينها أي أنها تثمر وتتناتج .
والأسباب التي ساقت العيسوية إلى فيافي الضلالة وأوقعتهم في قمر هذه الظلمات هي سوء تأويل لتعبيرين أو ثلاثة لكلمتين أو ثلاث كلمات سامية نقلت إلى اللغة اليونانية : كلمة أطلقت وهي محصول فكر حكيم عبراني (بهويست)(1) وعلى اثر نقلها إلى موضع التدقيق في فلسفة الافلاطونيين تلك الفلسفة الداهية حدثت بها أشكال وأفكار وعقائد جديدة .
في اللغات السامية مادة ( يلد) بفتح فاء الفعل وعينه وهي (ولد) العربية بفتح فاء الفعل وكسرالعين بمعنى (التوليد والولادة أو الخلق والإيجاد) والفعل المذكور ورد استعماله مجازاً في الكتب العبرانية بمعنى الخلق والإيجاد . ولكن كيف تحول إلى اليونانية ؟
( كنو) بالكاف الفارسية وتشديد النون ، ويشتق من ( ) بمعنى (أنا احصل خلقاً ، أنا أولد) .

المعنى أي الترجمة القراءة باليونانية
جنس ، اصل ، تولد ، ذرية genus كنوس
تكوين ، الولد genesis كنسيس
مكون ، والد ، أب genitor كنطور
ولد ، وليد ، مولود genitus كنبطوس

ومن المعلوم انه لما وضع الفيلسوف ارسطو مقولاته وضع بمقابل ذلك مفسر الفيلسوف فورفور الكليات الخمس وكانت عبارة عن : الجنس والنوع والفصل والعرض العام والخاصة ، ولابد لكل الموجودات القابلة التصور والتي صنفها ارسطو في المقولات العشر ، على كل حال أن تكون واحدة من هذه الكليات الخمس(1) التي صنفها فورفور. مثلاً إذا سالت (من هذا الرجل ؟) فالأجوبة التي تعطي نحو (هذا الرجل رسام ماهر ، أو جاء من ازمير ، أو هو يصلي) كلها مغايرة للمنطق . لان السؤال عائد إلى الرجل ، وبما أن الرجل عائد إلى مقولة (الجوهر ) فالفكر يصعد حالاً إلى الجوهر. والجوهر إما وجود مطلق أو مقيد (ذو روح ، حيوان ، إنسان ، حسن) فيما أن هذا المسمى حسن هو أحد الأفراد المنسوبة إلى جنس الحيوان والى نوع الإنسان فلو كان التعريف بصورة (هو ابن عمي حسن أفندي) فيكون الجواب موافقاً المنطق ، أما الجواب الأول فكان عن الكيفية ، والثاني عن المكان والثالث عن العمل .
وليس المقصود بكتابة هذه الأسطر التشدق بالبحث عن كمالات أو نقائص كانيفوريا ارسطو طاليس ، ولكني أريد تشهير التأثير السيء الذي أحدثته الفلسفة اليونانية على الكنيسة.
أسال من قسيس عيسوي (من المسيح ؟ ) يجبني قائلاً (ابن الله الوحيد) (يوحنا 3 : 16 : 18 و 1 : 18) .
فانظروا الآن (موذكينيس) بمعنى (مساوي الجنس ، مساوي العرق ، من عين العرق، من عين الجنس والنسل) .
إن الذي دس في فكر الكنيسة فكرة (الأبوة والبنوة) الإلهية السقيمة هو الخصي الكوسج المصري خادم الرهبان المسمى (اوريفين)(1) وهذا عندما شرح هذه الآيات المذكورة عرفه قائلاً:
( حقيقة انه من عين جنس الآب (الله) .
أي باعتبار أن مريم أمه فهو من عين جنس الإنسان (أو مساو لجنس الإنسان) وباعتبار أن الله أبوه ، فهو من عين جنسه (مساو لجنس الله) (حاشا) وهذه عبارة (هرموسيون) أي (واحدي الجوهر أو من عين الجوهر) هي التي أصر عليها تثليثيو نيقية وأثبتوها في دفتر اعتقادات العيسوية .
وإذا كانت هذه الفلسفة اليونانية هي التي أفسدت كلام المسيح عليه السلام في شأن التوحيد الخالص المحض ، فأننا إذا صححنا الغلط الواقع على أصول الفلسفة المذكورة ، فان شرف نجاحنا يعود إلى حضرة وأستاذنا المقدس ارسطو .
في رأس المقولات العشر (كاتيفوريا) أو أولها الجوهر (اوسيا) ولنفرض أن عيسى هو آخر ما تحتويه المقولات من الصفوف فعنوان (اوسيا) يحوي تحته كل الموجودات الروحانية والجسمانية التي ترد على العقل والفكر والخيال ، لان كل موصوف إليه من التسع الأخرى (الكلنيفوريا) لها صنوف خاصة أيضاً(*) .
الجوهر (اوسيا ) أما قائم بذاته وإما قائم بغيره ، أي انه إما وجود مطلق ، وإما وجود مقيد ، فالوجود المطلق القائم بذاته هو الله تعالى وهو منزه عن الزمان والمكان ، لان حياته لسيت مقيدة بالزمان ، وعرشه ليس مقيداً أو محدوداً بالمكان . إذن فالمقولات الأخرى ليس لها تعلق قطعاً بالله تعالى لا صنفاً ولا جنساً لأنها محدودة ومتحيزة ، وأما الله تعالى فليس متناهياً ولا محدوداً ولا متحيزاً ، والوجود القائم بغيره إما روحاني أو جسماني ، والوجود الجسماني إما ذو حياة أو جماد ، وذو الحياة روح أو نبات ، وذو الروح إما ناطق .
أولاً - فان كان ناطقاً فهو من جنس الحيوان ونوع البشر ، وهذا يشير إلى موضوعنا عيسى المسيح .
فالفرد من نوع البشر لا يمكن في أصول الفلسفة أن يكون متجانساً مع الوجود المطلق ؟ ثم لا يكون الإنسان الذي هو من الجوهر المحدود مساوياً لغير المحدود ، ثم أن لك في الفلسفة المذكورة أن تفكر : هل لله جنس وهو الوجود المطلق ؟ هل يريدون تشبيهه بالأجناس الأخرى؟ كلا انه لا نسبة بين الله تعالى والمقولات العشر غير النسبة التي بين الخلق والمخلوق وهي التباين في الذات والصفات ، فلا المحدود يكون مجانساً لغير المحدود ولا الجوهر المطلق يكون متحداً بجوهر مطلق آخر ، فذات الله تعالى لا يكون مساوياً لموجود آخر فيطلق عليه اسمه ، لان المساواة من خواص الحدود والقياس وأما غير المحدود فلا يمكن أن يكون له مساو ، بناء عليه فان عبارة (مونو غينيس) واعتبار المسيح مساوياً لله تعالى مستحيل واعتداء على العقل والفلسفة(*) .
كان نيقوديموس رجلاً من الفريسيين وأحد أعضاء مجلس صانهيدرين ، أتى ليلة لزيارة عيسى عليه السلام ، وكان عيسى عليه السلام يتكلم في شأن ملكوت الله ولا شك أن المحاورة كانت باللسان العبراني أو الآرامي ، ونص المحاورة باللغة الأصلية مفقود .
وإنجيل يوحنا كتاب كتب باللغة اليونانية وأصيب بالتحريفات العديدة في العصر الثاني أو الثالث فلا يجوز التعويل عليه ، على انه لا يوجد فيه عبارة صريحة مما اسنده مؤلفه إلى فم المسيح تدل دلالة قطعية على أن المسيح هو الله ، فان المسيح عليه السلام كان يريد في هذه المحاورة العميقة - التي تركت نيقودبموس متعجباً مبهوتاً - أن يقول (لأجل الدخول في اليهودية تكفي الولادة من الماء ، أي من (المني) ولكن لأجل دخول الملكوت لابد من ولادة جديدة من الماء والروح والتولد الجديد هو التكون الجديد والخلق الجديد ، وهذا يجب أن يولد من فوق أي من الله تعالى(*) ولما لم يفهم الشيخ الفريسي هذا كرر روح الله كلامه قائلاً ما حصله : أنا لا أقول لك بالدخول في رحم أمك والتولد ثانية ولا فائدة في ذلك ، لا ابحث عن التولد الطبيعي ، فان كنت لا تفهم هذا وأنت من (سن سينود) لليهود فماذا يكون حال الآخرين ؟ أتيت للإعلان والتبشير بان ملكوت الله سيأتي ويتأسس وأنا روح الله ، خلق الله روحي وارسلني بنبوة خاصة ، وبما أني إنسان وأنا في عين هذا الوقت (مونوغيتيس) أي أني المخلوق الوحيد الآن لملكوت الله (لأنه لم يتأسس بعد) فأنا أول أبناء الملكوت وولده الوحيد ، ولكن سيأتي إنسان آخر (ابن آدم ، بارناشا) مثلي ويؤسس الملكوت ، وذلك الإنسان لا يزال في السموات ، روحه عند الله ، لأنه لم يصعد أحد إلى السماء الآن ابن الإنسان النازل من السماء وهو (الآن) في السماء (يوحنا 13:3) .
أقول ألم يتضح أن عيسى هذا ابن آدم الذي اغرق الفريسي الهرم في الحيرة شيء ، وابن آدم الذي لا يزال في السماء وسينزل أخيراً شيء آخر ؟
فهذا كلام قاله المسيح عليه السلام حينئذ بفمه في ارض فلسطين بلغة أمه ، وبعد مائتين أو ثلاثمائة سنة ظهرت في الوجود ترجم يونانية عن الكلام الذي فقد متنه ، والفلاسفة يتفلسفون فيه ويخرجون من العدم معاني أخرى يصورونه بها وها هو ذا سيدنا عيسى عليه السلام يبين ويعلن في جميع مواعظه ومحاوراته بكمال الإخلاص والصدق ان كلام ملكوت الله هو كلام التوحيد ، ومن البديهي أن عيسى الذي لم يرض أن يخاطب بعنوان (الكريم ، الصالح) لا يقبل أن يكون مساوياً لله أو متحد الجوهر (أي الذات) مع الله(*) .
ب- يبين كلام ملكوت الله علناً ان أبناء الملكوت لا يجدون أي كلفة أو صعوبة في التوبة والاستغفار والصلاة والسجود لأجل التقرب إلى الله ، وقد بلغنا سيدنا عيسى عليه السلام أن لا حاجة إلى توسط أي شخص ثالث بين الله وعبده وان ذلك ممنوع البتة . لا حاجة إلى الشفعاء والكهنة والقسيسين والمعلمين عنده . وان الشفيع المطلق لأبناء الملكوت هو التوحيد لا التثليث .
أولئك يتمكنون من ملاقاة ربهم رأساً وبلا واسطة في الزمان والمكان اللذين يريدونهما ، بالقلب وبواسطة الدعاء ، يلاقون ربهم معنوياً ويوالونه . لا ضرورة تضطرهم أن يذهبوا إلى أورشليم ، فيقدموا للكاهن ثيراناً وخرافاً وشراباً وزيتاً ونقوداً. لا حاجة تدعوهم في استغفار ربهم إلى التوسل إليه بعبادة تماثيل المكرمين و الأصنام أو إلى الاستغاثة أمام القبور والتضرع أمام الهياكل بالذلة والمسكنة ، أو إلى إيقاد الشموع ، وتقديم الهدايا والنذور للموتى ، لم يبق من حاجة إلى تقديم الهدايا والحملان والحمام إلى الكاهن كما تتطهر نساء الملكوت اللائى تنجسن بدم الحيض أو النفاس ، إذا وقع أبناء الملكوت أو بناته في خطيئة فلا يحتاجون إلى الذهاب إلى القسيس أو الراهب أو المعلم أو إلى أي مخلوق ليعترفوا له ، لان صاحب الملكوت يغمر عبيده باللطف والإحسان بسبب أعمالهم الصالحة وسعيهم ومزاياهم الذاتية ، لا لأجل خاطر هذا وذاك كلام الله وشريعته المقدسة يجعل كل واحد من عباده محترماً مكرماً ويعين حقوقه ووظائفه . يمنع الاعتداء والبغي ، شريعة الله تسوقهم إلى الله رأساً وتريهم طريق الهداية ، كتاب الله قد بين الفرائض والمحرمات بصراحة فيما يخص إرشاد العباد.
يقول (اذهب يا عبد الله اذهب واعرض كل رغباتك وحاجاتك وخسراتك ومشكلاتك ووجهها إلى من أنت عبده ، ارجع عن فلان وفلان واقبل على خالقك وحده بخلوص النية والإيمان واطلب منه كل ما تتمناه . ان إلهك يطلب منك إيماناً وعملاً صالحاً فقط ، ولا يطلب منك شيئاً آخر . إن الذين يحبون فخفخة المراسيم الدينية ومظاهرها الخلابة هم عباد الظواهر كما كان يفهم القدماء وليس الله عز وجل ليس لله فم يأكل ، ولا معدة تهضم لحوم الحملان ، أو مشويات الطير ، أو مقليات أفخاذ الثيران ، أو الخمور البيضاء والسوداء ، أو الخبز المدهون والمعسول لا تنخدع ، فان الكهنة أو المجوس هم الذين يأكلونها ويشربونها باسمه . ليس لملك الملكوت أن يأكلها ولا يصل إليه منها شيء(*) ان مالك الملكوت منزه ليس له كالبشر حاسة شامة تستلذ الروائح العطرية والأزهار الربيعية ، أو تستكره الروائح الكريهة حتى تتقرب أنت إليه بها .
هيا اذهب إليه بمجرد نفسك وقلبك وإيمانك وتوحيدك ، فانه لا يريد منك مثل هذه الأشياء التي تهديها باسمه إلى من يستغفر لك . ان إلهك ليس في المعبد الفلاني أو المكان الفلاني أو العيد الفلاني أو اليوم الفلاني . فانه قريب في كل مكان وكل زمان ، فاذكره وادعه بلسانك أو بقلبك فهو يسمعك ويقبل عريضتك لانه روح وانت تخاطبه بروحك ونفسك وفكرك . اسجد له بالدقة والاحترام من غير جلبة ولا لغط(*) متذكراً انك في حضرة ربك ، فان ربك لا يحب التظاهر بالدف وآلات الطرب والأبهة والأجواق أثناء العبادة والصلاة . وان ينفر من الأيقونات ومن صور الملائكة الحسان ومن تغني النساء وعزفهن على البيانو والارغون ، وكل الذين يقيمون هذه المواسم هم عباد الظواهر وإنما يفعلونها للإغواء ولتحريك شعور الطرب والعواطف النفسانية ، وانتم أيها المؤمنون ، عبيد الله المحبوبون ، كبروا الله واشدوا بعظمة الله وكبريائه وعزته وجلاله بالأدب والهدوء والاحترام ، ولكن بالروح والقلب ، لا باللهو واللعب ، (وأما أنت فمتى صليت (دعوت) فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء ، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علناً) (متى 6:6) وهنا لا يقصد المسيح عليه السلام أن ستلغى صلاة الجماعة ولكنه يقصد ان ابن الملكوت المتشبع بروح الدعاء وعشقه يدعو ربه في خلوته وحيداً منفرداً في الخفاء .
ان مسألة الشفاعة تشغل موقعاً مهماً جداً في جميع الأديان ، فان مؤسسي الأديان يشفعون عند الله للأمم التي تنتسب إليهم . وهذا أمر طبيعي نرى فيه التوراة تكراراً ان الله رفع غضبه عن بني إسرائيل بسبب شفاعة موسى عليه السلام . (عدد 1:11 - 3و12: 14 الخ) وكتب يوحنا ان المسيح أيضاً في أيامه الأخيرة ناجي الله وشفع في تلاميذه (يوحنا 17) .
وقد كانت هذه المسئلة أول الأسباب التي انتهت بي إلى عصيان الكنيسة : تأمرني الكنيسة أي المسيحية أن أومن بالأمور الآتية في الشفاعة :
1- ان الله لا يخلص أحداً من جهنم (من الهلاك الأبدي) بدون شفيع .
2- ان نوع البشر مفتقر بصورة قطعية ومطلقة إلى شفيع .
3- يجب أن يكون الشفيع المطلق ألهاً تاماً وإنساناً تاماً .
يقولون ان هذا الشفيع الإله التام والإنسان التام هو المسيح ، إذ لا يمكن إبقاء مهمة الشفاعة بوجود الإله التام وحده ، لان التقرب من الشفيع الإله التام مستحيل كما أن التقرب من الله الذي لا يخلص أحداً من جهنم بغير شفيع خارج الإمكان ، والشفيع الذي هو إنسان تام فقط إنما يتقرب منه بنو جنسه فقط ، ولكنه لا يتقرب من الله بحسب إنسانيته ، وهذا هو الشفيع المطلق الذي في مخيلة الكنيسة .
4- الرسول بولص يصور مهمة هذا الشفيع الحمل(1) المتشكل نصفه من التراب(2) ونصفه الآخر من الوجود المطلق على الوجه الآتي :
(الذي مات وعلى الأخص قام أيضاً والذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا هو المسيح) (إلى الرومانيين 34:8)
(وأما هذا (عيسى) فانه باق إلى الأبد له كهنوت لا يحول ، ومن اجل ذلك هو قادر أيضاً على أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله ، إذ هو حي في كل حين لأجل الشفاعة فيهم) (إلى العبرانيين 7 : 24-25)
لأنه يوجد (إله) واحد ، ويوجد وسيط واحد بين الله والناس : الإنسان عيسى المسيح (رسالته الأولى إلى تيموثاوس 5:2)
5- الوظيفة المحملة على عاتق الشفيع المذكور هي عبارة عن أن يكون جالساً على يمين عرش الجبروت منذ تسعة عشراً عصراً يعرض بيديه ورجليه المثقوبات بالمسامير ، وجنبه المجروح بالحربة لا إلى نفسه ، بل إلى الله الآخر - كلما أجريت مراسم (قربان القديس) من قبل الرهبان الكرام في الآف من الكنائس والأديرة وكأنما يدا رجل كان يسمى يسوع ورجلاه وجنبه لم تتفسخ منذ زهاء عشرين قرناً أو كأنما جسد بشري عبارة عن لحم ودم وعظم تماماً يزين عرش اللاهوت بعرض هيكله لأجل خاطر الكاثوليك والأرثوذكس والنصارى المتجددين قليلاً ، المدعوين بروتستانت .
6- كانت الكنيسة تأمرني بوسيلة شفعاء آخرين لا يحصون عدداً ، وكانت تفرض علي ابتغاء الوسيلة إلى ميكائيل وجبرائيل الملائكة الآخرين والحواريين والأعزة والمعترفين(1) والكنيسة على أن رئيستهم مريم ، ولو ترون كتاب الزبور كيف حولوه باسم مريم ، وان مريم لم تبق من النساء بل انقلبت (وينوسه) أي إلاهة وقد محيت أسماء الله (يهوه) وقدير من كتب المزامير(1) التي يخاطب بها الله تعالى واثبت بمكانها اسم مريم . واذكر هنا إحدى آيات الزبور التي في حفظي لأجل المثال:
(Laudat pueriDeo احمدوا الله يا أولاد) فالكاثوليك لأجل إظهار عبوديتهم لمريم طورا من الزبور هذا وأضافوا إليه بعض الآيات تعمداً بقصد تحويلها إلى عبادة مريم :
( Laudat pueri Matia احمدوا مريم يا أولاد) وهذه الكنيسة كلما صلى فيها مرة واحدة بالصلاة الربانية (أبانا) يصلي فيها بالصلاة المريمية عشرين مرة .
7- وكانت الكنيسة تأمرني ان اعتقد أن الرهبان المأمورين بإجراء الأسرار السبعة هم أيضاً شفعاء مطلقون ، وان لا خلاص ولا نجاة أبداً بدون الراهب ، ويحتمون بان شفاعة الكهنة والرهبان شرط قطعي متعين طبيعة جلوسهم على يمين المسيح .
وكانت الكنيسة نقول لي (ما لم يعمدك قسيسك ، وما لم يضع لقمة من قربان القديس في فمك ، وما لم يدلكك عندما تموت بدهن الزيتون ، فان شئت كن كريماً ومقرباً للفقراء كإبراهيم ، وصبوراً ثابتاً كأيوب ، وحليماً سليماً كموسى ، وعالماً حكيماً كسليمان ، وزاهداً كريماً كالمسيح ، ومستقيماً متيناً كمحمد ، كل ذلك عبث وهباء) أي مهام يكن إيمانك سالماً وأعمالك مقبولة عند الله ، وإيمانك وصلاحك مسلماً بهما عند الناس ، فكل مزاياك وفضائلك لابد من بقائها بدون ثمرة ما لم تدخل إصبع القسيس في الوسط .
وكانت مسئلة الشفاعة هذه هي التي حيرتني ، وأورثتني الريب في صحة المسيحية ، وساقتني إلى البحث الدقيق وفحص أسس الأديان بحرية ، وأني على ثقة من أن كتيبي هذا الذي لم يسبق له مثيل لحد الآن سيبرهن على صحة دعواي بان غايتي إظهار حقيقة للعيان كانت نتيجة مطالعاتي الجديدة وتتبعاتي الخاصة ، عارياً عن الغرض والغضب .
والآن الخص نتيجة التدقيقات العميقة التي أجريتها في موضوع مسألة الشفاعة على الوجه الآتي :
1- استدللت بالعدل الإلهي على ان الله لا يتخذ لديه شفيعاً مطلقاً بصورة قطعية ، وعلى فرض كون الشفيع المطلق هو الله ، فيما ان نوع البشر شيء زهيد وقليل الأهمية بين الكائنات ، كنت أرى من الأوفق للعقل أن يكون تعالى قادراً على تخليصه بغير شفاعة أحد على الوجه الذي يشاؤه فقط ، وإذا كان الشفيع المطلق بشراً أيضاً فحينئذاً يكون تخليص جميع البشرية التي قد نفر منها هو لأجل محاباة مخلوق واحد(*) وكما يقتضي العدل أن يعاقب المستحقين للعقاب يقتضي أن لا يحتاج غير المستحقين له إلى الشفاعة لأجل خلاصهم من العقاب .
2- ماذا تكون نظرية الشفيع المطلق غير إسناد الضعف والجهل والظلم وسوء النية إلى الله تعالى ؟ وهل يغفر الله القادر المطلق العليم الرحيم إلى مثل هذا الشفيع ؟
ثم إلى من سيكون الخاطئ المعفو عنه والعتيق المخلي سبيله اكثر امتناناً ، والى من يكون مديناً بالشكر ؟ إلى الله أم إلى المخلص ؟ بالطبع أن يحمل اكبر منة واكثر محبة نحو الشفيع المطلق ، وبأي واسطة كانت فسيكون المجرم مديناً بالشكر إلى الأبد إلى الشفيع مخلصه من سكين الجلاد ، من حيث يذكر القاضي بإهلاكه دائماً بصفات القهر وحب الانتقام .
3- حضرات أنبياء الله عليهم السلام يتمكنون من أن يشفعوا في أممهم المنتسبة إليهم ولكن بالشفاعة المقيدة ، وشفاعتهم مقبولة عند الله على الأغلب ، ولكن ليس ذلك بمعنى أن الله تعالى يكون مجبوراً على قبول شفاعتهم فهؤلاء بصفتهم وسطاء مأمورون بإعلان إرادة الله بين أممهم وتبليغهم أوامره ونواهيه كانوا يتضرعون إلى الله أن يهون محنتهم ويقضي حوائجهم ، ويعفو عن تقصيرهم ثم ان المؤمنين يدعون بعضهم لبعض ويستغفرون الله واجب الوجود ويدعون لهم وفي ذلك ثواب وبركة(*) .
4- الشفاعة على نوعين : إحداهما اختيارية تقع بباعث المحبة ، والأخرى توسط بطلب الخير يؤدي حسب الوظيفة ، وبناء عليه يجب علينا أن نتمنى دائماً هداية الله وتوفيقه وندعو بها في صلواتنا ودعواتنا لإخواننا في الدين وللضالين والمضلين ، وأما النتيجة فموقوفة على إرادة الله وحكمته(**) واننا نقرأ الصلوات والتسليمات على الأنبياء في صلواتنا ودعواتنا ، ولكن المدعو المخاطب بذلك هو الله تعالى وحده بلا واسطة .
وإذا كان أولاد الملكوت قد نالوا التربية الدينية ، وعرفوا إلههم وخالقهم على الوجه الصحيح ، وكان إيمانهم بالله كاملاً فهم الآن يتمكنون من التوجه إلى خالقهم حنفاء مخلصين له الدين ويقدمون له العرائض في كل زمان ومكان . والمؤمنون الذين تعلموا من أنبيائهم الرشد والهدى يسبحون بحمد ربهم ويعظمونه بقلوبهم وعقولهم في صلواتهم .
5- تعاليم كلام ملكوت الله في هذا الشأن :
لا تراجع أحداً لأجل الدخول في الملكوت والبقاء فيه ، بل حسبك أن تراجع عقلك ووجدانك ، الدنيا والآخرة ، السعادة الحقيقية والكاذبة هما أمامك ، الحياة الأبدية والسعادة الحقيقية هي في ملكوت الله ، ودخولك فيه وكتابة اسمك في لوحة المحفظ خير لك على كل حال ، وفي خارجه الهلاك والموت المعنوي الذي لا ريب فيه ، ففي حالة اقتناعك بان الملكوت مملكة إلهيه وأن كلامه هو الحق ، الملكوت سيسعدك ويربحك فلماذا لا تدخله ؟ أليس لان هناك موانع ؟ نعم الموانع كبيرة جداً ، تعترضك تضحيات ثقيلة ؟ أليس لك دين ومذهب قديمان تحبهما حبك لعينك اليمنى؟ كيف الانفكاك عنه ؟ هذا صعب وثقيل جداً ، أليس لك عاطفة نحو العائلة والطهرية والملية التي هي مفيدة لك بقدر يدك اليمنى ؟ ما اصعب ترك هؤلاء والإعراض عنهم ! أأنت من أبناء الملكوت ؟
إلا أن مثل هذه التجارب والجواذب الفاتنة للقلوب غير القابلة الامتناع تسوقك إلى العثرة والى الضلالة والهلاك ؟ أنت إذا كنت تريد علاجاً لإنقاذك . فالعلاج بيدك ، أتدرى ما هو ؟ انظر ماذا يأمر كلام الملكوت الذي بينه المسيح عليه السلام (فان كانت عينك اليمنى تعثرك فأقامها والقها عنك ، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم ، وإذا كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم) (متى 5 : 29-30) .
(وإن أعثرتك رجلك فاقطعها لان خير لك أن تدخل الحياة اعرج من أن يكون لك رجلان وتلقى في جنهم تلك النار التي لا تطفأ (مرقس 9 : 45-48) .
أولاد ملكوت الله ذوو صلاحية على أن يجروا بالذات كل العمليات الوجدانية من غير أن يراجعوا طبيباً أو حكيماً من الروحانيين ، ومن غير أن يبوحوا لهم بمرضهم ويعترفوا لهم بخطيئتهم ، لا يوجد بين أبناء الملكوت رهبانية ولا كهنوت ولا عرافة ولا كهانة ولا شعوذة سحرية ولا خط على الرمل لمعرفة الفأل .
وأما في خصوص الدعاء والصلاة ، فولد الملكوت يقيم صلاته على الوجه الذي عينه وقرره (الكلام) في أي محل يريده وفي أي مكان يوجد فيه ، يدعو ويناجي ربه في الوقت الذي يريده ، حتى انه في خلوته يدخل غرفته ويغلق الباب ويعبد خالقه ويدعوه في الخفاء ، لا يضطر إلى الحضور في المراسم الدينية التي تمتد ساعات من الزمن بالملابس المزركشة بين المشتغلين بتلحين الأناشيد ، وتكرار عبارات الترنيم العجيب ، أجل جلب الأرواح من السماء وتحويل الخبز والشراب إلى لحم ودم ، وكما أن الولد يتسنى له اخذ كل ما يريده من والده ضمن دائرة الأدب والقانون فكذلك أبناء الملكوت يأخذون من خالقهم كل عون وبركة ونعمة مشروعة ، أي أب يعطي ابنه أو ابنته حجراً أو حية عندما يطلب بيضة أو سمكة؟ كذلك الله تعالى لا يعطي شيئاً ردياً لعبيده قطعاً ، حتى أن ربهم الله الذي في السماء يعطي النعمة والرزق والقوة لعبيده المحتاجين من غير أن يطلبوها ، ويبذل انعامه ويفيضه على جميعهم ، والعبد التائب النادم على الخطيئة والذنب الذي اقترفه لا حاجة له الذهاب إلى مخدع الكاهن وتقبيل قدميه وطلب العفو والغفران منه ، بل يعرض ندامته وتوبته على الله في مخدعه أو غرفته فتغفر له خطاياه وتمحى وتنسى بأجمعها يجري ويؤدي وظائفه الدينية كالصدقة والصوم والصلاة لله خفية ليرضى الله وحده ولا تعلم اليد اليسرى بما أعطته اليد اليمنى من الصدقة .
لا يعطي صدقة ولا يقيم صلاة ولا صوم بفكر رئاء الناس وبأمل كسب مديحهم وثنائهم ، بل يوفي ذلك لله وحده إراحة لضميره ، وتسكين وجدانه فقط .
لا يكلف كلام الملكوت بتكاليف عسرة أو بما يخالف العقل والطبيعة ، أي انه لا يأمر بشيء وراء العقل أو فوق الطاقة ، وإنما شريعة الله عبارة عن تقريب الناس من الله وجعلهم خلوقين سعداء على الأرض ، وكما توجب عليهم النظافة وآداب المعاشرة توجب عليهم أن يطهروا قلوبهم ويخلصوا إيمانهم ، فماذا يكون أقدس وأبسط وأسهل وأوفق للطبع والفطرة من ذلك ؟
انظر الباب الخامس والسادس والسابع من (متى) حول الإيضاحات المختصرة في شأن الصوم والصدقة والصلاة المذكورة أعلاه .
- ج -
(كلام ملكوت الله يأمر باخوة معنوية وباتحاد مادي)
السعي والاجتهاد للقومية المعصبية الجنسية خاصة عقيدة سياسية مخلة بالسعادة البشرية ومخلة بالأمن العام من حيث عموم الإنسانية ، وإذا كانت فكرة ترقي الأمة وتفوقها وتقدمها هي أخص آمالها ، فلترتقب حرباً دامية عاجلاً أو آجلاً ، لان تفوق إحدى الأمم ينتج تدنى الآخرين، وهل ثمة من أمل غير انتهاب أراضى الأمم المجاورة وثروتها وهدر شرفها وكل ما تملكه ؟ وهل إيقاع أمة كبيرة مجاورة ، وهدم ديارها وقتل أهليها ، والإحراق والإتلاف ، وارتكاب أنواع الفظائع من مكارم الأخلاق في شيء ؟ أم هل يجوز ؟ وهل قول الفرد (أضحي روحي في سبيل الأمة المتكلمة بلسان أمي) كلام يأتلف مع العدل والحق ؟ وإذا لم يكن الدستور القائل (إما أن اقتل أو اقُتل في سبيل الوطن) جنوناً فماذا هو ؟ هل يقول مثل هذا الكلام الجنوني الوحشي حكيم عاقل مهذب وقور محب للإنسانية ؟ يود الإنسان بطبيعته وخلقته لو يمتلك كل ما هو غال ونفيس ، ولكنه يضطر لصرف النظر رغائبه وعن كثير من حقوقه لكي تتسنى له الحياة وبقاء النوع وتشكيل العائلة ، لا يمكن ان تنال اللذة في الحياة الامشوية بألم الجهاد والتضحية ، إذن ماذا يستحيل أو يتعذر على الأمم فيما لو حسن سلوكها واحب بعضها بعضاً حسب قانون الملل؟
فاليوم أقوام أوربا كلها تتأهب لمحاربة بعضها بعضاً ولإراقة الدماء وكلها تريك من الاحساسات الملية عجباً . هذه الاستحضارات المدهشة الباهظة الثمن هي ضد من ؟ لا شك في أن الواحدة ضد الأخرى . هؤلاء كلهم مسيحيون ، كلهم منقادون للرهبان ، كلهم معتقدون بما كتب في الأناجيل ، كلهم يقرأون موعظة المسيح تلك الموعظة المشهورة (متى 5 إلى نهاية 7).
كلهم يمضغون لحم المسيح ويشربون دمه ، والحاصل كلهم يدعون في صلواتهم (ليأت ملكوتك لتكن إرادتك) كل أقوام أوروبا قد اجري لهم التعميد . فالبلقانيون والروس والسلاف والجرمان واللاتين والانكلوساكسون - كلهم قد تطهروا وتنظفوا وغفر لهم من الذنب المغروس (الموروث) إذن قلام أولاد هذه الكنيسة يحملون شعور حب القومية ويوجهون مدافعهم ومدرعاتهم


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:29 PM [ 18 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




وطيارتهم إلى صدور بني دينهم ؟ لماذا لا يرجعون إلى الصليب والإنجيل ، إلى الروح القدس - وعلى الأخص - إلى الله الآب ، عوضاً عن هذه الآلات الجهنمية ؟(*)
هيا قم الآن واجتهد في إيجاد الإخاء المعنوي والاتحاد المادي بين المسيحيين؟ هيهات هيهات ! الإخاء العيسوي ؟ الاتحاد العيسوي من المحالات ، لماذا ؟ أليس للكنيسة كتاب ؟ أليس لها ملوك ورؤساء روحانيون ؟ أليس لها قسيسون يغفرون ذنوبهم ويمحون جناياتهم بكلمة واحدة؟ هل ينقصهم الوعاظ والدعاة ؟ أو أرباب الفنون والصنائع والاختراعات ؟ أم عجزت معدهم عن الهضم بسبب التخمة من أكل الدنيا ؟ هيا ليتحدوا ، ليتحدوا باسم الصليب والإنجيل ! هل من الممكن ذلك ؟ هل يكون الكاثوليك والأرثوذكس في كنيسة واحدة ؟ والأرمن والنسطوريون أمام محراب واحد؟ أو الباتيست والانجيليكان على منبر واحد ؟
ان حضرة السيد هرمز أخي حضرة السيد مارشمون سليل يطرق النسطوريين المحترم المنسوب إلى فلك البيت الذي كان مظهر توجه الخلفاء وسلاطين المسلمين منذ أول ظهور الإسلامية ، قد راجع مسيحي الروم وغيرهم في إثناء السنتين أو الثلاث التي قضاها في القسطنطينية راجياً أن ينال لقمة من لحم (الرب يسوع) ولكنهم استنكفوا عن إهدائها له لاعتقادهم أن ذلك حرام عليهم ، هل تعلمون لماذا ؟ ذلك لان النسطوريون يأبون أن يقولوا (ان المسيح اله تام) و (إن مريم والدة الله) .
اقصد في هذه البيانات أن أقول : ان المسيحية ليست ديناً واحداً ، بل هي أديان شتى مبعثرة ، أما كلام ملكوت الله وقرآنه فهل هو أيضاً كذلك ؟ ان من له نصيب من الإنصاف يقول بالطبع حاشا وكلا ، اني عندما كنت أترجم أحياناً لباب المشيخة الإسلامية بعض الرسائل والجرائد الإنجليزية الواردة حتى من جنوبي أفريقية الباحثة في شئون جماعة المسلمين كانت تتولاني الدهشة من صدق المسلمين الساكنين هناك وفي جاوة الصين وروسية وفاس ، واحار لإخلاصهم للقرآن والدين المبين المحمدي ، أما من يدقق في حالة المسيحين الذين في أوروبا ووضعيتهم الانفرادية المتفككة الباردة يقول ويجزم متحققاً بان هؤلاء ليسوا أبناء دين واحد البتة.
يأمر كلام ملكوت السموات بإخاء معنوي والذين يؤمنون بكلام الملكوت هم أولاد الدين المعنويين بالرغم من انتسابهم إلى العروق والأقوام المختلفة ، فهم إخوان بعضهم لبعض ، فالمسلمون في الدنيا كلها يصدق عليهم انهم ولدوا جديداً من أم واحدة - هي الملة المحمدية - كالاخوة المولودين ولادة طبيعية من رحم والدة واحدة ، فامتزجت دؤماهم وموادهم الجسمانية ذلك بأنهم حيوا بروح الإيمان وتغذوا بكلام الله وسقوا من ماء الحياة واكتسوا وتزينوا بأثواب الفرائض المقدسة ، وتقووا بالأذان المحمدي ، واستناروا بالأخلاق السامية ، وتربوا وشبوا على الأطوار الحسنة ، فهؤلاء لا تكون اخوتهم مصطعنة زائفة بل هي صحيحة وحقيقة(*) .
المسلمون المرتبطون بعضهم ببعض بالروابط الدينية يمثلون الأمة المحمدية في كل حال من الأحوال روحاً ومعنى وجسماً ومادة أينما كانوا ، والى أي عرق وأي لون وأي لغة انتسبوا ألا ترى إلى هذا الأذان المحمدي ، إلى هذه الصيحة الدينية الحية الخالدة ، إلى الصدى المدهش صدى ملكوت الله ، صدى الشريعة الغراء لملكوت الله ؟ ألا ترى الحقائق الباهرة المشهود بها في التكبيرات والتحيات ؟! ثقوا بأنه ليس صوت الحان تهتز في الأفلاك ، إن هو إلا قوس سحاب القيض الرباني انعم الله به إعلاماً للعالم بدوام غيث رحمته وتوفيقه الصمداني لأجل ارواء أبناء ملكوته ، يعلن للعالم حقائقه ذات الأنواع العديدة والألوان البديعة كقوس قزح يعطيهم القدسية بجمله وعباراته . وان الشمس (وهي أمة الله) المأمورة بإدامة مواسم كرة الأرض الأربعة ، تواظب على أداء وظيفتها وشماستها(1) الحقيقية وهي تحمد الله وتثنى عليه في قربها وفي بعدها ، وذلك منذ ثلاثة عشر قرناً ، وكذلك اقتضت رحمته أن لا يدع القمر والنجوم محرومة من قراءة كلمة الشهادة فقضى أن يكون هؤلاء أيضاً يؤدون التحيات في نداء صلاة العشاء .
الاتحاد والإخاء الإسلامي محض حقيقة لا ريب فيها ، بحيث إن الذين يكتمونها عن تخوف إنما يبرهنون بهذا التكتم على قلة إيمانهم أو عدم اعتمادهم على رب الملكوت ، وأما المدى والخناجر المشحوذة التي تغمد في جسم هذه الملة الكبيرة القهارة في أثناء نومها فلا تتمكن من قتلها ، إذ هي لا تموت وان تموت لأنها خلقت للحياة الأبدية ، بل هي توقظها من نومها ، إذ لا محالة سوف يأتي ولابد من أن يأتي يوم يثب فيه الأسد الضرغام ويفترس تلك الحشرات وثعابين الحيات التي أقلقت راحته فيمزقها شر ممزق ويبيدها .
إن أمة حية وقوية كهذه الأمة ستعيش إلى ما شاء الله على الوجه الذي يبينه كلام الله(*) وان الحراب التي مزقت أحشاء شبان المسلمين في الرومالي قد هيجت نخوة شبان الهند ، والبنات المسلمات اللاتي هتكت إعراضهن وافتضت بكارتهن بعدوان الوحشيين ، واللائى ودعن الحياة طاهرات الذيل وذهبن ضحايا العفاف قد أقيمت مآتمهن في بيوتات كابل من قبل عقائل نساء الأفغان وعذاراهن بالولولة ودموع العيون وان أسارى الجنود العثمانية الذين قضى عليهم بالقتل العام ، والشيب والولدان العثمانيين الذين قطعتهم وفرت جلودهم سيوف مسيحي البلقان - قد أغضب مصابهم العالم الإسلامي وأورثه الأسى والأشجان ، وان إهانة المساجد والمقابر الإسلامية قد كانت اعتداء على عظمة الله وجبروته ، ليست تلك الفجائع بالتي تنسى ، ولا يحسبن الذين يتجرءون ويخضون على ارتكاب مثل هذه الفجائع انهم عاملون على محو الإسلامية ، كلا بل إنما يسعون من حيث لا يشعرون إلى انتباهها ونهضتها ، وبناء عليه يكونون قد مهدوا السبل لتقويتها واستعدادها . فهم لا يذبحون المسلمين ويقتلونهم في ناحية من كرة الأرض ، إلا جاءت النواحي الأخرى بمائة ضعف بدلاً منهم ، يحتمل أن يمحى عنصر الإسلام من إحدى البقاع ولكن سيظهر في أحد الأيام أمر واقع ليس له دافع ولا هو بالحسبان ، فيه يهتدي أحد الأقوام كاليابان أو الإنجليز فيقوم مكانه . ويحل محله بأقوى وامنع ممن يمحون بتقصيرهم في الجهاد .
أنه لا يجوز إبقاء العالم في ولولة (يسوع بن باندبرا) الذي ظهر في زمن كاهن اليهود الأعظم (اسكندر يانيوس(1) الذي حكم قبل التاريخ الميلادي بعصر أو (يسوع بن ستادا)(2) الآخر بعد المسيح بعصر أو (يسوع) الآخر الذي وعظ منه بولص والذي رجمه اليهود ثم صلبوه وقتلوه بسبب أعماله السحرية ، وفي الباب السابع معلومات متممة لهذا الموضوع .



















الباب السابع
ملكوت الله يكمل اليهودية
ليس لأحد أن يذهب إلى أننا غمطنا شيئاً من حق سيدنا عيسى عليه السلام أو لم نقدره حق قدره بقولنا انه لم يؤسس ديناً وملكوتاً ، فانه ليس من حدنا أن نحدد سمو درجات أنبياء الله أو نفرق بين رتبهم ، بل نؤمن أن كلا منهم رسول الله وحبيبه ، وعليه فأننا نحبهم ونعظمهم ونحترمهم جمعياً ، إلا أنه نظراً إلى أهمية الرسالة التي بلغوها والخدمة التي أدوها ، قد عرف بعضهم اكثر من بعض ، مثال ذلك أن النبي حبقوق الذي ليس له غير كتاب واحد هو عبارة عن باب واحد(*) بالطبع لم يكن معروفاً ولم يكتب شهرة بقدر النبي داود صاحب الزبور ، ولهذا لم يبق اليوم اثر في التاريخ لألوف الأنبياء ، ومع ذلك إذا تأملنا جيداً رأينا أن روح الله لم تكن وظيفته قليلة في خصوص ملكوت الله ، فان مئات الألوف من الناس آمنوا بملكوت الله وكلامه الذي بشر به ، وارتحلوا إلى دار البقاء مؤمنين موحدين منتظرين للملكوت مخلصين له وعند ظهور الملكوت وتأسيسه وإعلانه دخل في حظيرته مئات الألوف من الموحدين المسيحيين ، وكان بين المسلمين في زمن الخلفاء الراشدين ما يعد بالملايين من الموحدين الذين اسلموا لبشارة المسيح عليه السلام ، على أن كل العيسويين الموحدين الذين كانوا في قارتي آسيا وأفريقيا قد اعتنقوا الإسلامية ، ولكن الأقلية منهم أصحاب التثليث لم يؤمنوا بالدين إلى يومنا هذا .
ولذلك لا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا أن عيسى ومحمد عليهما السلام أسسا الإسلام متحدين ولكن هيهات لنا أن نتمكن من تفهيم ذلك للنصارى وإقناعهم بهذه الحقيقة .
- 25 -
ملكوت الله ليس اليهودية
( )
(يتبارك في نسلك جميع أمم الأرض تكوين 18:22)
أخبر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بأن سيتبارك بنسله كل أمم الدنيا (نسل بصيغة المفرد) وذلك قبل موسى والتوراة بأربعة أو خمسة عصور ، نسل إبراهيم حسب اللغة العائدة له كما في العربية بمعنى (الزرع) و (البذر) وبولص الرسول يبحث عن وعد الله هذا قائلاً : (لا يقول انسال) أي بصيغة الجمع ولكنه يقول (نسل) مفرد ، وذلك هو المسيح (الى الغلاطيين 18:3)(*)
( )
( )
لقد عهد الله إلى إبراهيم بصورة ميثاق أن النسل (الزرع) النازل من صلبه يكون (رحمة للعالمين) ولست باحثاً هنا عن (هذا النسل) الذي هو رحمة للعالمين) ولكن لا شبهة في انه سيتيسر لجميع أمم الأرض التبرك بدخول ملكوت الله والاهتداء وإدارة الأمور بكتاب ملكوت الله ، وعلى كل حال فان الله قد وعد بأن يرسل من سلالة إبراهيم الطاهرة ذاتا قدسية يكون رحمة وبركة لكل الأمم التي على وجه الأرض .
ان نبوة إبراهيم عليه السلام انتقلت إلى إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ، فكانت من إسماعيل العرب ، ومن إسحاق بمناسبة أن لولده يعقوب أثنى عشر ولداً - أسباط إسرائيل ، فكتب العهد القديم أي كتب بني إسرائيل المقدسة ليست بذات علاقة بوضعية أمم العرب الدينية الذين ظهروا من إسماعيل عليه السلام ، فالتوراة والزبور وسائر كتب الأنبياء كلها نزلت إلى بني إسرائيل .
ان من الحقائق المعترف بها في تاريخ الأديان أن اليهودية دين وبهذا الاعتبار تكون التوراة كتبا الله . وكلاهما متفردان وعديمي المثيل ، فليس من ملة نالت انعم الله كالملة اليهودية باعتبارها منفردة ، كما أنه لم يثبت في الأدوار القديمة كهذا الدين المقدس ، ولا كتاب يحتوي على حقائق إلهية كالتوراة ، والصينيون واليونانيون كان لهم كتب في الحكمة والأخلاق وكان لهم حكماء ومرشدون ملهمون ، ولكن كل ذلك كان دقيقاً ومحكوماً عليه بالاضمحلال ، سقراط وأفلاطون(1) واريسطوطاليس وبقية حكماء اليونان الملهمين لم يوفقوا إلى تأسيس دين ، فاليونان انقادوا إلى آلهة الأساطير ، والصينيون أيضا كان لهم المرشدون الدينيون (فوهي) و (لاعوتس) و (كونفوشيوس) و (الكتب الست) المسماة (كينغ Kings) ولكنهم لا يساوون اليهودية وأنبياءها ، اليهودية حائزة على صفة الدين ، والأنبياء كانوا يبلغون ما يأمر به الله بصورة الوحي والإلهام ، والحال أن كتب الملل الأخرى ومرشديهم بقيت عبارة عن الحكميات والحكماء ليس غير(*) .
اليهودية دين مليء خاص ، وكل الأنبياء (فيها) أرسلوا إلى هذا الشعب نفسه وعملوا على تأييد ذلك الدين ، نحن مضطرون إلى احترام شعب أحبه الله وأنعم عليه بهذا القدر ، وعلى تعظيم شريعة موسى التي أنتجت وأنجبت هذا المقدار من الأنبياء الصالحين .
كل أنبياء بني إسرائيل كانوا قد أخبروا بان سيظهر (ملكوت الله) و (الدين العام) ومهما كانوا يدعون ، طول مدة بقاء شريعة موسى ، أن (يهوه : الله) اله إسرائيل فحسب ، فانهم كانوا يشعرون بأنه سيأتي يوم فيه يتعرف الله إلى جميع الأمم ، وانه سيجمعهم ويجعلهم ملة واحدة .
وها هم أولاء لا يزالون ينتظرون أن يأتي شخص من نسل إبراهيم ليشكل ذلك الملكوت واليهود لما لم يجدوا الصفات التي ينتظرونها في المسيح عليه السلام ، لم يقتنعوا بأنه هو المسيح الحقيقي المبشر به ولذلك رفضوه ، لاعتقادهم أن شريعته التي ستكون ملكوت الله هي شريعة موسى مع قليل من التحوير ، وأن مركزه أورشليم (القدس) وأن يومه المقدس يوم السبت ، ولعدم وجود إحدى صفات ملكوت الله وخصائصه التي مر ذكرها في الفقرة (26) على ما ذكره وعدده المسيح عليه السلام وصل دين موسى إلى الانقلاب الثالث ونسخ في جملته وهيئته العامة ، فعيسى بن مريم عليهما السلام آخر أنبياء اليهود لم يقبلوه والنبي يوحنا المعمدان(1) المبعوث في ذلك الوقت قتلوه من قبل أن يقبلوه ، وفي تلك الحال كانت اليهودية في انتظار المسيح الذي سيأتي ، منذ خمسة إعصار قبل الميلاد ، وليس من مقتضى تاريخ الدين المذكور ، أن يكون الانتظار لمدة طويلة بهذا المقدار ، لأننا نعلم من أسفار التوراة انه كان في كل عصر مئات من الأنبياء ، وعلى الأخص في زمن الياس واليشع ، ولما لم تتمكن اليهودية من أداء فرائضها الدينية أضاعت دينها باعتباره ديناً ، ولم يكن الهيكل(2) الذي هو فرض للعبادة موجوداً، وكانت سلالة هارون الكهنوتية قد فقدت ، وكانت السكينة(3) أوريم توميم(4) وألواح الوصايا العشرة وغيرها كلها قد رفعت من الوسط وزالت ،وأي دين زال تنفيذ أحكامه وفرائضه بأجمعها ، فان ذلك يعد نسخاً وإلغاء له .
- 26 -
السلام عليكم يا أخواني اليهود
انتم يا شعب الله المحترم بما أنكم أولاد إبراهيم عليه السلام وبانتساب ذلك النبي العلي الشان إلى أمة الكلدان(1) تكونون إخواني ، ولكني أود أن أخاطبكم بعنوان إخواني المعنويين انتم من القديم موحدون قد اعترفتم وأقررتم بوحدانية الله ولم تزالوا قائمين بها وثابتين عليها وقد مضى عليكم خمسة آلاف سنة . النور والنجاة إنما وهبا للدنيا من نسل جدكم الأعظم حضرة إبراهيم عليه السلام ذلك النسل النجيب لصالح وارث النبوة ، وسواء أكان النسل من صلب إسحاق أم من صلب إسماعيل ، حسبكم فخراً أن تكونوا من نسل إبراهيم ، ان أجدادكم خالفوا الحق بعدم إيمانهم لعيسى عليه السلام . ولكن لا شبهة في أنه لم يكن آخر نبي عام ولا آخر مسيح ، على أن كل أنبيائكم وملوككم ورؤساء كهنتكم كانوا مسحاه ، لأنهم كانوا يمسحون جمعياً بالزيت ، ولكن النبي العام لم يمسح بالزيت على مراسم الكهنوت بل تعين وتقوى بقدرة الله وبروحه ، أنا افهم أن عيونكم باقية دائماً في أورشليم ، ولكن ما العمل وقد خرب معبدكم بإذن الله وخربت بلدتكم المقدسة مراراً وصارت قاعاً صفصفاً ؟ ولكن بيتكم المقدس باق يعبد الله فيه الموحدون ويسجدون فيه للوحدة الإلهية ، ويذكرون اسم الله وأسماء الأنبياء الذين تعرفونهم ، فهذا البيت هو الآن مفتوح لكم وهو لم يزل بيتكم.
لا أرى بينكم وبين المسلمين فرقاً أساسياً ، كلكم تؤمنون باله إبراهيم . كل أنبيائكم وكتبكم مصدقة ومقبولة لدى المسلمين ، ولا أظن أنكم تصرون على الخلاف في مادة أو مادتين .
ان كان المسيحيون لا ينفكون يقدســون (قربان القديــس) ايوخاريســـطيا( ) فانتم أيضاً لا تنفكون تقدسون يوم السبت ، والحال أن قربان القديس في نظركم ليس له أصل ولا فائدة وانه من وضع الرهبانية ، وكذلك لا أساس ليوم سبتكم لأنكم صرتم ملة ذات تجارب وتربية دينية منذ خمسة آلاف سنة ، ويجب أن تعلموا أن الله منزه عن الجسم والزمان والمكان وانه تعالى لا ينفعل ولا يعرض له عكس العمل ، ولا توجد قوة ولا عمل يجعله تعالى متأثراً أو منفعلاً ، وعلى ذلك لا يعقل ولا يصدق العقول بان الله قدس يوم السبت لأنه عمل ستة أيام واستراح في اليوم السابع(*) ؟ لله أن يقدس أو يخصص أي يوم شاء لأجل الاستراحة العامة لا راحة عباده(**) ولكن السبب الذي به ذلك تعللون لا يمكن أن يكون صحيحاً ، فان الله لا يمسه تعب ولا لغوب كما انه لا تأخذه سنة ولا نوم ، فهو إذاً لا يحتاج إلى الاستراحة ، لأنه لا يكابد العمل بكفيه ، أو يحمل على كتفيه ، (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وتعلمون أن الأنبياء من قبل موسى كإبراهيم وسائر الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا على خبر من قداسة يوم السبت .
البابليون قبلكم كانوا يلتزمون يوم السبت في الشهر مرتين ، ومن المحتمل أن أجدادكم اقتبسوا يوم الأسبوع هذا منهم في زمن سبي البابليين لهم ، ولنفرض أن الله خصص اليوم المذكور للعبادة والراحة لكم كل أسبوع فما هي أهميته ؟ سواء كانت الاستراحة يوم الجمعة أو يوم السبت فكلاهما سيان ، وكما أن مليونا من القسيسين ولو اتحدوا لا يقدرون على تحويل درهم واحد من الماء إلى دم ، فكذلك الشمس أيضاً لا تعطي كرة الأرض ضياءها وحرارتها في أربع وعشرين ساعة قدسية ولا روحانية ليوم من الأيام .
أذكر أن عمر الخيام في المشهور يقول في إحدى رباعياته : الجمعة والسبت كلاهما واحد ويجب أن يكون الإنسان عابد الحقيقة لا عابد الأيام .
وانه عند افتتاح ملكوت الله أي إعلان الرسالة المحمدية كان بنوا إسرائيل قد منحوا بعض الامتيازات كالقبلة والصوم والسبت ، أي أنها كانت ستجري على ما في اليهودية . ولكنها نسخت لفرط ما أعطيت من الماهية الروحانية ، بمعنى أن ملكوت الله لا يعير أهمية لمثل هذه الظواهر بقدر ما للأمور الحقيقية الوطنية ، الصوم فرض وسواء أكان ثلاثة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً كما عند اليهود أو كان في رمضان يكفي أن لا يكون أبناء الملكوت محرومين من بركة الصيام ، كذلك يجب تخصيص يوم للعبادة والراحة ، وأي يوم كان فليكن من غير إجبار ، والحكمة في أن المسيحية حولت يوم السبت إلى يوم الأحد على زعمهم حياة المسيح وقيامه من القبر يوم الأحد، والإسلامية ألغت كلا اليومين لان السبب الذي علل به في الملتين كان باطلاً وفاسداً ، وبذلك عملت ما هو المعقول وطبق المصلحة .
ثم أن هناك مسائل أخرى وهي الذبائح والكهنوت التي يحبها اليهود حبهم إنسان عينهم ، ولكن مع انه يستحيل أحياء مثل هذه الأمور من جديد ، فمن البديهي أيضاً أن لا حاجة إليها في الدين العام حتى أن البحث عنها عبث .
والذي أراه حسب فكري العاجز ، أنه إن كانت أمة تعيسة الحظ على وجه الأرض اليوم فهي أمتكم يا أحفاد إسرائيل ، أما تدرون أن أسوا أفراد الناس حظاً في الدنيا هم الأيتام والأرامل.
آه يا ليتني كنت اقدر على الدخول إلى قلوب هؤلاء لا شاهد ما فيها من اليأس والآلام ! ما اعمق حزن ذلك اليتيم الباكي لإدراكه انه فقد أباه فقداً أبدياً ، وتلك الأرملة البائسة التي تحولت حلاوة فمها علقماً بفقدها زوجها الذي تحبه اكثر من نفسها ، وتنظر بعينها اللتين تفيضان من الدمع إلى أطفالها مفكرة في أمرهم ، أولئك الأطفال الذين يأتوا فقراء ما لهم من ولي ولا ظهير .
فاليهود اليوم هم في مثل هذه الحالة ، لا يملكون وطناً ولا ولياً ، اليهود غرباء وممقوتون في كل مكان ، وقد أصيبوا بمظالم قلت أو كثرت ، لا يجدون أمة يستندون إليها ولا وطناً يدركون السعادة فيه ، فهم مشردون في أربعة أقطار الأرض ، هلكى كالماشية السائمة أشتاتاً أشتاتاً ، ان فيكم أيها القوم كثيراً من الرجال الأغنياء والعلماء المفكرين فليتوسلوا بما أوتوا من العلم والثروة لمعالجة حالتكم هذه ، انتم لا تكونون مسيحيين ، ولكم الحق في ذلك لأنكم ستبقون دائماً موحدين .
عدوكم المبين وخصكم اللدود ليس الإسلامية بل النصرانية ، ويمكنكم الاتحاد مع الإسلامية على أهون الشروط وأسهلها فهي تمد لكم يد الود والاتحاد من غير مساس بسبتكم ولا يضومكم ، حتى أنها توافق على تشكيل حكومة محلية ملية لكم ، وها هي ذي الحكمة الشريعة لعمر الخيام :
(در مذهب ما شنبه وادينه بكى أست جبار برست باش نه روز يرست)
وعربها النجفي نظماً فقال :
السبت والجمعة عندي استويا لا تعبــد الأيـــام واعبـد ربــها
تفكروا جيداً وأمعنوا النظر في تفحص المسئلة عريضاً وعميقاً انتم والمسلمون كلاكما تعبدون إلهاً واحداً وهو الله الحق ، فأنتما في هذا الباب وهو الباب الأساسي متحدون تماماً سوى مسألة واحدة وتلك أيضاً تبقى بينكما تتمكنون من الفصل فيها .
انتم تقرون بان حبقوق وحزاقيل من أولاد إبراهيم ، فلماذا لا تقبلون خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وهو أيضاً مثلهما من أولاد إبراهيم ؟ تالله لا أرى لكم عذراً في هذا ، بل ولا مانعاً مبرراً يخل بحقيقة ديانتكم ، كلا أني لا أرى لكم علاجاً للحياة ، ولا تدبيراً ناجحاً للبقاء إلا الالتجاء إلى الإسلامية ، وبعد أن تقبلوا الإسلام تكون فلسطين ملككم ، وهناك العرب يحتضنونكم ، وهم أولاد إبراهيم إخوانكم في الجنس والنسب ، هاأنا ذا أخاطبكم قائلاً : السلام عليكم ، فإذا انتم أجبتم تحيتي بقولكم وعليكم السلام ، فالمسئلة تنتهي.
- 27 -
هل أتى زمن دخول اليهود (ملكوت الله)
لا أفكر في إحداث مسئلة سياسية في هذا الخصوص لأنه لا فرق بين الطرائق والوسائط التي تتخذها السياسة وبين طرق الحيل والخداع التي يسلكها المقامرون .
ما أدهش هذه المدينة الحاضرة ! والعجب العجاب أن الكنائس تبجل هؤلاء السياسيين المقمرين الكذابين الغاضبين وتناولهم (قربان القديس) !
إني عالم بشدة عداوة الكنيسة للإسلام ، ترى كل ما يفعل بالمسلمين جائزاً ولائقاً . لماذا؟ لكي ينتصر الصليب ويهلك الهلال ويمحى ، وهنالك تنشرح صدرو كل المعتمدين بماء المعمودية بضحك وسرور . ولكن ليت شعري ألا يفكرون في أن الهلال ليس بعدو للصليب ولا رقيبه ؟ ليس للهلال من قدسية أو معنوية في الإسلام ، وإنما هو محض علامة للأثوريين أو الكلدانيين أو أي قوم آخرين لا ادري أيهم ، الهلال لم يصلب عليه جني ولا ابن إبليس وإنما الهلال قمر الله الذي جعله يستفيد منه كل سكان الأرض والنباتات على سواء .
لكن لما صار الهلال في إعلام العثمانيين صار يعتبر كأنه عدو لصليب يسوع كلا وحاشا وبينما كان المأمول من وعاظ وبسقبوسي الإنجليز والاميركان أن ينهوا عن مثل هذه العداوة التي لا صحة لها ولا أساس دينياً ويعلنوا هذه الغلط بصوت رفيع ، نراهم يسكتون عليه ويقرونه لأنهم ...!
إن منشأ النزاع بين الإنجيل والقرآن هو التوراة ، فللموسوية حق أو مجال للكلام في هذا الباب .
إذن فلتصدع الموسوية بقولها من غير ما خشية ولا جبن بحيث يقول الصديق والعدو أحسنت أحسنت أحسنت ! وأما إذا هي أظهرت العداوة الديينة للملتين المسيحية والإسلام كليتهما معاً - كما في السابق - فبالطبع لا يكون الخاسر غيرها .
قلت اني لا أفكر في إحداث مسئلة سياسية لأنه إذا ظهر تشبث جدي بإيجاد اتحاد ديني بين اليهود والمسلمين فلا شك ولا شبهة في أن ديبلومات أوروبا ومجالس وزاراتها تقيم القيامة في الحال ولهذا سنواظب على مطالعتنا في المسئلة المذكورة من غير إعطائها مسحة الساسة .
أريد ان أسأل هذا السؤال من الموسويين : ألا يوجد من أساس أو سبيل إلى الائتلاف أو الاتفاق بين اليهودية والإسلامية ؟ ألقي هذا السؤال وأكرره ليكون لإعطاء الجواب بتأن وإمعان النظر فرصة واسعة ، ليجب متفكروا اليهود على سؤالي هذا ، لكن بعد أن يراجعوا وجدانهم ويستحضروا صفاء قلوبهم .
لو كان عيسى بن مريم قد جاء بقدرة محمد عليهما السلام ، وبقوته التنفيذية المعلومة ، وطرد الرومانيين ووسع الفتوحات الإسرائيلية في القارات الثلاث من كرة الأرض كما فعل محمد صلى الله عليه وسلم وأضاف القرآن المجيد في آخر أسفار التوراة ، فهل كانوا يصرون على رفضه ؟ لا أظن ذلك . كذلك لو كان محمد من سلالة داود عليهما السلام لم يكن من شبهة في أن اليهود كان يقدسون حضرة فخر الكائنات ويسمونه سلطان الأنبياء ، ولجعلوا القرآن تاج راس التوراة ، لا اقدر أن أتصور أن اليهود يتمكنون من أن يجدوا عيباً حقيقياً في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا فرضنا انهم ذكروا ما يزعمون انه قصور كبير وتمكنوا في هذا اليوم من إسناده إلى حضرة نبي آخر الزمان ، فحينئذ أدعوهم إلى التدقيق في ترجمة الأنبياء المبعوثين من أمتهم على حسب ما هو مكتوب في كتب العهد القديم لديهم ، أي إني أقول ان ليس لديهم من تاريخهم ما يبرر لهم الاعتراض على محمد صلى الله عليه وسلم.
فإذا قايسنا حياة الأنبياء المرسلين إليهم وسيرتهم بحياة محمد صلوات الله عليهم وسيرته فلابد أن يذعن اليهود ويسلموا من نتيجة هذه المقايسة بان الحق لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وإلا فأنكم سوف تضطروني إلى كتابة كتاب آخر باسم (التوراة والسبت) بعد أن كتبت كتابي هذا الذي سميته (الإنجيل والصليب) .
والخلاصة لو كان محمد صلى الله عليه وسلم منسوباً إلى سلالة داود أو هارون ولم يكن من صلب إسماعيل لجعلتموه قرة لا عينكم على كل حال ، نعم لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم يهودياً إسرائيلياً ، هكذا أراد الله ، ولكنه هو الزرع ( ) النسل المقدس الموعود به في الميثاق إلى إبراهيم ، ولا يمكنكم أن تقولوا شيئاً بحق على شخص النبي صلى الله عليه وسلم وعلى تعاليمه أو على قرآنه لان كل ما تقولونه في هذا الباب سأقول لكم تجاهه:


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:29 PM [ 19 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




(أنت أيضاً هكذا) بموجب القانون المنطقي .
وأرجو من فضلكم الأذن لي بان أذكركم بأنكم ما نسيتم ولن تنسوا أبداً في تاريخكم الملي والديني كم من مرة مالت أمتكم إلى عبادة الأصنام والتماثيل الباطلة بالرغم من كثرة كتبكم السماوية والأنبياء حتى ارتبطت بشريعة الله بعد سبي بابل ولكن بعد ماذا ؟ بعد أن محي الكثير من مقدساتكم الدينية . على أنكم اليوم أيضاً في حالة هي ادهي وأمر من تلك الحالة السالفة .
فلو فرضنا ان شريعة موسى مع هيكل سليمان (للعبد ، المسجد الأقصى) وغيرهما أعيدت لكم ، فمن الذي يتعهد بأنكم لا تصدون بوجوهكم ، وترجمون كالسابق غير راضين بها؟ أقول ما مضى مضى والماضي لا يعاد ، ولكن الواجب عليكم الآن الرجوع إلى طاعة الله .
وهناك سياسة يهودية وجمعية دينية باسم (الصيهونيين) ولا يتصور موسوي هو خارج عن هذه الجمعية .
(صهيون ) هي كعبة اليهود وبمثابة (لغة اليونانيين) .
انتم ستسمعون وتجتهدون لتشكيل حكومة صغيرة في فلسطين في القدس الشريف تسهيلاً لمجيء ( ) مسيح .
والدولة العثمانية بالطبع لا تساعد على ذلك ، أما إن كنتم تنتظرون انقراضها للحصول على هذه البغية فذلك شيء معناه محوكم في ذلك الوقت لو تتفكرون(*) .
الآن بعض أوروبا القديم من كاثوليك و أرثوذكس باق كما كان إلى درجة كنسكم من على وجه الأرض لأنكم أنتم ، أنتم الذين تمهدون السبيل لمجيء مسيح عوضاً عن مسيحهم ! يحتمل أنكم تفكرون بان الله يبيدهم في آن واحد ، وان (مشيّح) سيثبت كرسي داود في القدس وعليه يحكم ! ويفتح الفتوحات ، أنا لا أستطيع أن أتعرض لفكرتكم هذه لأني لا أريد الاعتداء على عقيدتكم ، فهاأنتم أولاء تنتظرون في تلك الحال معجزات كبيرة ، وخوارق فوق العادة ! فانتم وشانكم ! ولكن قدروا وفكروا بان (العصا قد زالت وانه عند زوال العصا يأتي (شيلوح ) .
لا أفكر في المباحثة مع الموسويين في هذا الباب ، لان الزمان والصدد لا يتفقان وموضوعنا ، ولكن خلاصة ما أريد أن أقول هو :
ربما كان من الممكن تصور موضوع للاتفاق والائتلاف بين اليهود والمسلمين وعلى تقدير ذلك أسارع لعرض بيانات العاجز الآتية ، بسائق حب الخير لا غير ، ومن اللازم الضروري حسب فكري تأسيس هيئة مؤلفة من علماء المسلمين واليهود ، لتتذكر تلك الهيئة المختلطة هذه المواد :
- أ -
ان يتذكروا ويتداولوا البحث عن المساعدات المذهبية التي يمكن إعطاؤها لليهود :
أولاً - عن كيفية إبقاء كتب التوراة عيناً ، ويقتضي إبقاء القسم الأعظم من هذه الكتب ، لأنها تاريخ الملة اليهودية وأدبهم وأمثال ذلك من آثارهم الخاصة ، وأما الأقسام الأخرى من الكتب المذكورة ، فلو أمعن النظر فيها بحسن النية لا يتصور ان تكون مخلة بنقطة من أصول الإسلامية ، ولكن كما يقتضي إعطاء الغذاء والتربية للأولاد لإيصالهم من الطفولة إلى سن البلوغ فكذلك إذا أمعن النظر في حياة بني إسرائيل الدينية في ظرف ثلاثة الآف سنة فستكتسب كتب التوراة براءة في كثير من جهاتها المستوجبة للاعتراض ، وها هي النصرانية لم تمس كتب العهد القديم حتى أنها تقرأها اليوم في الكنائس .
ثانياً - ربما يريد اليهود التزام يوم السبت ، فلا بأس بالاذن والسماح لهم بذلك لأنه لا فرق بينه وبين نوروز العجم الملتزم إلى هذا اليوم .
ثالثاً - أن تترك لهم الأماكن المقدسة بالعبرانية كالقدس وحبرون .
( ب - ما تتعهد اليهود )
1- إلحاق القرآن الكريم بكتب العهد القديم بصفته كلام ملكوت الله المتمم والمكمل للتوراة .
2- إلقاء الأذان المحمدي في الأوقات الخمس .
3- الارتباط القطعي بخليفة المسلمين .
وعلى مثل هذه الأسس أظن ان الجمع بين الدينين ليس خارجاً عن الإمكان ، وإلا فيما ان اليهودية لا تملك صفة تمثل الملل الأخرى ولا هي تتمثل فيها ، فمن المشكوك فيه جداً ان تحافظ على كيانها وسط هذا التيار المدهش في التنازع بين الإسلامية والمسيحية ، أن آفة اليهودية هو انفرادها ، وان الشقاق العظيم الكائن بين العيسويين جعل الموسويين يأخذون لهم نفساً وخلصهم مما كانوا فيه من الاضطهاد بصورة مؤقتة ، ولكن أليس لأخذ هذا النفس من نهاية ؟ إلا انه لابد له من نهاية .
فهذا العالم المسيحي المتلاطم الأمواج لابد أن يحالوا إغراق قارب الموسوية الصغير ، إن ملل الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت ودولهم تستنكف بدرجة ما من إيذاء اليهود وإيصال الجور إليهم لخوف بعضها من بعض لوجود الرقابة التي فيما بينهم أو لأسباب أخرى ، ولكن هل من شبهة في أن كل واحدة من هذه الدول عندما تطمئن وتعتمد على قوتها ستقضي في أول فرصة وتختم على أنفاس اليهود ؟ إن كلاً من هؤلاء الدول لا يتأخر ولا يتوقف يوماً من الجري على خطة إبادة بعضهم لبعض على حين انهم أبناء دين واحد ، فماذا يكون حال اليهود إذا ما ظهرت مثلاً حكومة روسية ذات قوة لا يبقى معها خوف ولا مبالاة من الرأي العام لأوروبا وأمريكا ؟ ان مجلس مذهب الكاثوليك ذاك الشهير باسم مجلس التدقيقات(1) هو اليوم أيضاً ، موجود ، وإذا تقوى البابا مرة ثانية ، فإلي أي (سلانيك) لمسلمي العثمانيين يذهب اليهود ؟ من يضمن لنا ان دعاة مذهب البروتستان الذين يزعجون راحة الموسويين ليلاً ونهاراً كلما تقووا أن لا ينفذ صبرهم فيتوسلوا التدابير الزجرية القاسية إلى إبادة اليهود ؟ ألا إن هذا هو مستقبل اليتيم الضعيف المنزوي المنفرد ، والملة التي لا وطن لها ولا نصير ، وبناء على ذلك ليتفكر الصهيونيون(2) في مستقبل أمتهم وسلامتها ، آخذين مطالعاتي المعروضة أعلاه نصب أعينهم ودقة أنظارهم ، ولاشك ان أخذهم موقعاً ممتازاً في الإسلام أولى وارجح ألف ضعف من اضمحلالهم في النصرانية(*) .


الأعلى رد مع اقتباس
قديم 10 Nov 2005, 01:30 PM [ 20 ]
عضو متميز

تاريخ التسجيل : Feb 2005
رقم العضوية : 28
الإقامة : saudi arabia
الهواية : ركوب الدرجات
مواضيع : 291
الردود : 5726
مجموع المشاركات : 6,017
معدل التقييم : 83كديميس will become famous soon enough

كديميس غير متصل




الباب الثامن
(ملكوت الله ليس النصرانية)
هل تستطيع الكنيسة تعيين ما هو (ملكوت الله) ؟ هل تتمكن أن تعين أي دين هو من الأديان المؤسسة على وجه الأرض على هذه الصفة (بانيه وشارعه هو الله ، وشريعته كلام الله) هيا فلتبين لما الكنائس متحدة كلها ديناً هو كذلك (بانيه الله وكتابه كلام الله) كالذي بشر به وأوضحه مجملاً حضرة المسيح عليه السلام على ما تفهمه من مضمون أناجيلكم المقدسة ، ارونا إذاً ما تشاؤن من هذه الأديان الموجودة ، اطرحوا في الميدان أيا ما تختارون من أديانكم ومذاهبكم ومدارس الأفكار التي لكم على حين أنها تنيف على الخمسمائة - من المسيحية التي انتم بها معجبون ، هل هذا الدين الذي هو موضوع بحثنا وتحرينا دين الكاثوليك ؟ فها أناذا انتظر من جميع الكنائس ما عدا الكاثوليك جواباً إيجابياً يقول نعم انه هو ، هل من قائل يقول هو مذهب الأرثوذكس ، ما عدا الأرثوذكس أنفسهم كالفاتيكان وشركات بايبل الإنجليزية والأمريكان ؟ أم انتم إذاً مالكون ما ينيف على الخمسمائة ملكوت الله ؟
ليت شعري أي جواب لكم نقبل ، وتعريف أي ملة نعتبر ؟ أنا أعلم أن قسما منكم سيجيبني قائلاً أن ملكوت الله عبارة عن المعمدين باسم الآب والابن والروح القدس . والحال ان جوابكم هذا ليس له مغزى غير تجويز الظلم والاعتساف إذ كلما قويت كنيسة الكاثوليك تعلن في الحال أن كل المعمدين يعتبرون كاثوليكيين ، وتعمد إلى القوة وتجعلهم كاثوليكاً بالإكراه ، وكذلك الأرثوذكس في البلقان أيضاً تقتفي هذا المنهج نفسه ، أليس الذين في بلاد اليونان والصرب والبلغار متشبعين بهذه الأفكار عينها ؟ فكنيسة الصرب لا تريد أن تعترف بالبلغار ، ولا كنيسة اليونان تعترف بالصرب .
والقسم الآخر منكم يقول نعم ، المعمدون ، ولكنه يدعي انه لا يعني عماد الأطفال والصبيان ، وإنما يخص به المعمدين برضائهم ورغبتهم بعد سن البلوغ وحسب عقيدة هؤلاء أن كل الواصلين إلى سن البلوغ ليسوا مسيحين ما لم يعتمدوا برضائهم مرة ثانية فبقدر ما يجب ويفرض الاعتماد على عابد الصنم وعابد النار أو اللاديني الراغب في دخول مذهب الباتيست ، يجب ويفترض على البسقبوس والبطريرك ان يعتمدا مرة ثانية .
فبينما انتم مختلفون بينكم في مئات من مثل هذه الدعاوي الأساسية يجب عليكم ان تفكروا في أنفسكم كيف تدعون الصلاحية في تعريف أو تعيين أو اراءة ملكوت الله من بين هذه المذاهب .
أيها المسيحيون انظروا إلى عقيدتكم وتصوراتكم ، لابد ان يكون ملكوت الله أحد هذه الفرضيات الثلاث : ملكوت الله على تعريف المسيح عليه السلام ، ملكوت الله على تعريف بولص ، ملكوت الله على ما لا يتناهى من تعريفات الكنائس ، وليس وراء هذه الثلاث ما يمكن تصوره ، فأي هذه التعريفات يجب أن ندقق فيه ؟ أتعريف المسيح أم تعريف بولص أم تعاريفكم؟ ليعذب القولنج أحشاءكم ما شاء أن يعذب ، فنحن مضطرون إلى قبول وترجيح تعريف المسيح عليه السلام وتفسيره خاصة ، ولكن ليكن وعداً عليناً أنا ثمر تفاسير بولص والكنائس أيضاً من نظر التدقيق والإمعان .
ان المعلومات التامة التي أعطاها المسيح عليه السلام تدل دلالة قطعية على انه لا يمكن أن تكون الكنائس والنصرانية هي المراد من كلمة (ملكوت الله) .
- 28 -
(بما أن العيسوية ليس بانيها وشارعها
هو الله وحده فمن المحقق أن لا نكون ملكوت الله)
اني أدعوكم إلى مطالعة موعظة المسيح عليه السلام البليغة على الجبل الممتدة من الباب الخامس إلى نهاية الباب السابع من أنجيل متى ، والى مطالعة الباب الثالث منه أيضاً مع إمعان النظر فيها . ثم بعد ذلك ليمعن النظر في مباحثاتنا السابقة في صفات ملكوت الله وخصائصه(1).
المخاطب في الدعاء وفي الصلاة دائماً هو الله الواحد الفرد الأحد ، وأبناء الملكوت كعيسى عليه السلام هم عبيده ، وبناء عليه نبرهن على أن المسيحية ليست ملكوت الله على الوجه الآتي :
1- العيسوية التي تعترف بتأسيسها من قبل ثلاثة بانين مستقلين يجب أن تكون غير ملكوت الله الأحد الذي بشر به المسيح عليه السلام(*) .
المخاطب في الصلاة وفي الدعاء الله هو الواحد ، الصدقة تعطى لوجه الله الواحد ، الصوم يلتزم ابتغاء مرضاة الله الواحد ، صاحب الحقل ، زارع الحنطة ومربيها ، مرسل الحاصدين ، جامعها في مخزنه ، حارق الزوان ، كل هذا هو الله الواحد ، الفاعل هو فرد واحد رامي الشبكة في البحر ، ومفرق السمك من الحشرات المضرة والنجسة ، ومعيد الرديء منها إلى البحر ، فاعل واحد ، في هذه الأمثال كان عيسى عليه السلام دائماً يعرف الله ويعرف بوحدانيته ، ومن حسن الحظ أن الإنجيل يطلق على الله لفظ الآب ، وإلا فأني عالم بما يقوله المسيحيون السوفسطائيون يقولون (نحن أيضاً نريد بعنوان التثليث أن نقول أن الله واحد) حسن جداً ، كم (أب) لديكم ؟ بالطبع ستقولون آب واحد ، هل الآب هو الابن؟ بالطبع تجيبون أن الأب ليس هو الابن . هل الآب هو ورح القدس ؟ كذلك ستجيبوني بالنفي وتقولون لا ، وهو الجواب الذي اعرفه .
والآن أتصور أن الحكمة في أن المسيح عليه السلام سمى الله بعنوان (الآب) هي تخجيل وتبكيت المثلثين الناشئين أخيراً ، عباد تعدد الآلهة ، وما دام البشر قد سموا خالقهم بأسماء عديدة فلنكن متمايلين إلى قبول عنوان الآب الذي أضافته أناجيلكم ، إذاً فكل من الإلهين الآخرين ليس بالأب ، وإذ كانت الحالة كذلك فلماذا لا تقدرون أن تفهموا أنكم تكونون قد اعترفتم بأنهما ليسا الله مثله ؟ فالآلهان (الأم(1) والابن) الآخران اللذان لم يقدرا على أن يبلغا درجة الله درجة الأبوية إلى الآن (ومن المحقق انهما لن ينالاها فيما بعد أيضاً) بينما يجب أن يكون الله قادراً على كل شيء لأنه القادر المطلق ، إذا فمن الضروري للإلهين غير الواصلين إلى مقام الله الذي هو الأبوية أن يكونا متصفين بالعجز والجهل حسب اعتقاد النصارى .
ألا أنني لأستحي من إخواني المسلمين عند استعمال مثل هذه التعبيرات غير المعقولة التي لم تألفها إسماعهم بل لا يستطيعون سماعها ، لان محل استعمال مثل هذه التعبيرات ليس الفلسفة والعلوم الدينية بل الأساطير وحدها .
جاء في كتاب العقائد الدينية المرتب على طريقة السؤال والجواب : يجيب كل مسيحي عن الأسئلة الثلاثة أدناه هكذا :
السؤال - من خلقك ؟ الجواب - خلقني الله الآب .
س- من خلصك ؟ ج - خلصني الله الابن .
س- من أحياك ؟ ج- أحياني الله روح القدس .
أما الموحد فيجيب على كل سؤال من الأسئلة المذكورة أعلاه قائلاً (هو الله) يقول أن الذي خلقني وخلصني وأحياني هو الله تعالى .
ان الذي يعمل اجل الأعمال في تثليث المسيحيين هو الروح القدس لأنه هو الذي يهب الحياة للأجساد المخلوقة والمخلصة معاً ، فالآب قد خلق الجسد فقط ، وأما الابن فقد خلص الجسد ! من أي شيء خلصه يا ترى !؟ أمن الخطيئة أمن من جهنم ؟ فالأمر هنا صعب ! من أي شيء خلص الجثة الهامدة ؟ وممن ؟ أمن الوحش أم من التفسخ ؟ أسئلة لا جواب لها! والحال يبقي الروح القدس دائماً في الصف الثالث من الخطاب ، ولنفرض أن أحد السامعين على رأس ذلك الجبل قول الواعظ المسيح عليه السلام سأله قائلاً (يا معلم من هو خالق ملكوت الله الذي أنت تبشر به ومن هو منجيه ومن هو محييه ؟) فكيف كان يجيب ذلك المعلم ؟ كما أن المعلم كان موحداً فالجمع أيضاً كانوا موحدين ، فلا شبهة في أن المعلم كان يجيب من أورد مثل هذا السؤال بما يأتي :
الغالب انك أصبت بمس من الجنون ، أيسال يهودي عاقل مثل هذا السؤال كالأحمق الجهول ؟ هل من اله غير الله إلهنا ؟ هل سمعت مني كلاماً يوهم مثل هذا المعنى ؟ هل من شك في أن خالق ملكوت الله الآتي هو الله وحده ، وان الذي يحفظه من كل هلكة ، ويصونه من كل ضلالة هو الله الأحد ؟ وان الذي يحييه ويربيه ويديمه أيضاً هو الله تعالى؟ إن الله واحد ليس له ند ولا شبيه ولا شريك ، واشهد أن لا إله الا الله(*).
وهل كان من الممكن أن يقدم المسيح عليه السلام على إعطاء جواب بخلاف هذا ؟ أم هل كان يمكن فرضاً أن يقول (لي مئات من الملكوت : ملكوت الأرثوذكس وملكوت الكاثوليك ، ولي جيش نجاة(1) ولي .. ولي ... ولي ....) الخ .
- 29 -
(ملكوت الله على تفسير بولص)
الفرق بين عيسى الواعظ على الجبل عليه السلام ، وبين عيسى بطل موعظة الرسول بولص - عظيم كالجبال ، فبولص لم يكن قد رأى المسيح ، ولا علم شيئاً من ترجمة حاله ، ولا كلمة من تعاليمه ، وان جهله بوجود الأناجيل الأربعة حقيقة لا تنكر بقول بولص في رسالته الأولى إلى تيموثاوس (13:6) (المسيح يسوع(**) الذي شهد بإقرار حسن لدى بيلاطس النبطي (بونطيوس بيلاطوس) ولكن يفهم من الآية 20 من الباب المذكور وهي (باتيموثاوس احفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم).
ان رسالة (مخلفات العلم) المذكورة من تأليفات العصر الثاني للميلاد ، إذ كان في العصر الثاني (ماركيون) عدو الرهبانية قد كتب كتاباً باسم ( ) أي اختلافات العلم لإثبات أن التعليمات المعزوة إلى عيسى مغايرة ومخالفة لتعليمات الله في التوراة وبما أن الكتاب المذكور المدعو (اختلاف العلم) زلزل موقع الرهبان ، فيفهم بصورة قطعية أن الآية المذكورة أضيفت وعزيت إلى بولص على وجه التحريف(*) .
وعلى كل حال فان بولص يبجل ويعظم رجلاً اسمه عيسى أميت ومات وحيي فقط ، وان خمس عشرة رسالة من كتب العهد الجديد تحمل اسم المشار إليه (بولص) فلا محل للحيرة إذا قلت أن المؤسس الحقيقي للمسيحية (الحاضرة) هو هذا الذات (بولص) فان شخص شاؤل الشاب الطرسوسي من سبط بنيامين ومن مذهب الفريسيين وتلميذ أحد علماء الدهر عضو مجلس صنهدرين المدعو جملثيل(1) الحائز لحياة نقية حسب شريعة موسى الذي كان في البداءة يجتهد في رفع اسم عيسى وأتباعه من على وجه الأرض والذي رأى أخيراً عدوه الناصري في السماء لامعاً داخل الأنوار وقت الظهر أمام دمشق اهتدى وسماه باسم بولص ، هو الذي وضع أساس (هذه) العيسوية ، والقسم الأعظم من (أعمال الرسل) يبحث عن سياحات بولص الطويلة وعن مجاهداتــه ومشــقاته (أعمــال 8 : 30 و 22 و 1-22 و26: 9 -23 إلى الفيليبيين 5:3-7).
ان عشق المسيح الذي أشغل كل قلبه وعقله وخياله ، لم يدع راحة لهذا الرجل الممتاز ليلاً ولا نهاراً ، في البحار والسجون والكنيس المعابد ، في حضور الحكام والولاة ، في سوط جمعيات الفلاسفة ، في أثنية وفي آريوياغاوص ، وفي روما بحضور القيصر ، من حين اهتدائه إلى أن فصل سيف الجلاد رأسه الأشيب من جسده ، لم يفتر طرفة عين عن نشر اسم مسيحه وعن التلذذ والتعزي باسمه !!!
وبما ان علاقتنا بتعليم بولص دون شخصيته ، فعلينا ان نتتبع ونطالع (سفر الأعمال) والخمس عشرة رسالة الأخرى لبولص لأجل تعيين بولص في هذه الساحة ، وكما ان الأناجيل الأربعة تصور المسيح في صور متخالفة ، فكذلك للرسائل وأعمال الرسل أيضاً تصور بولص بصورة متنوعة ومتضادة .
فإثباتاً لصداقته وتمسكه بحبل الشريعة الموسوية ينذر بولص ويحلق رأسه على ذلك الوجه (أعمال 18:18 و 21 : 24 : 26) .
إن قانون النذر مكتوب في الباب السادس من الكتاب الرابع من التوراة المسمى (سفر العدد) فاذا تأملنا في بولص المكلف في أيام نذره بعدم أكل الزبيب وعدم قص شعره بالمقراض أو حلقه بالموس ، وبالتباعد عن الجنازة فضلاً عن الشراب والمسكرات ، المجبور على أن يربي خصل شعر رأسه إلى ان يأتي وتحت إبطه سلة ملموءة من الفطير رقاقاً وأقراصاً ملتونة بزيت، وبثلاث خراف حولية صحيحة على أن يكون أحدها للمحرقة والآخر للخطيئة والثالث للسلامة ، وبيرميل من الخمر يقدمها للكاهن فيحلق شعره على نار المحرقة ، وبعد أن يطيع كل أوامر الكاهن ذي الصلاحية بإجراء المراسم الأخرى - نفهم انه لا يمكن ان يكون بولص أرثوذكسياً ولا كاثوليكياً ولكن كان يهودياً موسوياً فقط !!!
ولما كان بولص يتجول في معبد آثينة ورأى هذه العبارة ( الله غير المعلوم) المكتوبة على أحد المذابح ، كان موحداً يعظ بكل طلاقة وبلاغة وشجاعة عن (الله غير المعلوم) الذي يعرفه حكماء اليونان في آريوياغوص ولكننا نجده في الأماكن الأخرى لا يعرف الشريعة ولا يخاف من أن بعد المسيح مساوياً لله نجد أن مؤلف الرسائل المرسلة إلى الرومانيين والغلاطيين والعبرانيين ينسخ شريعة موسى .
ربما نكون قد ارتكبنا ظلماً في انتقاد بولص ، لأننا إذا نظرنا بدقة إلى عبدالله المرتحل إلى دار البقاء منذ تسعة عشر قرناً ، والى تلك الأيدي التي اختلفت على رسائله التي خلفها يجب علينا على كل حال أن نفتش عن مسئولية التعاليم المخالفة للحقيقة والمعزوة إليه في مواضع أخرى ، فبناء على هذا نحن مضطرون رغم الاحترام الفائق الذي في أنفسنا لشخص بولص إلى نقد تعاليم بولص وجرحها فيما يخص ملكوت الله.
- 30 -
(مذهب بولص : لا شريعة ولا خطيئة في ملكوت الله)
قبل أثني عشر عاماً كنت في إنجلترا وكان لدي كتاب مخطوط يبحث عن تعاليم بولص فأنا الخص منه هنا المسائل المتعلقة بموضوعنا فقط .
بولص لا يعرف ملكوت الله ، ولكنه يبحث عن ملكوت الله المسيح فقط ، أليس هذا أمرا طبيعياً ؟ والملكوت في نظر بولص هو الكنيسة ، ولكن أي كنيسة ؟ أنا أيضاً لا اقدر أن اعرفها.
يمكن تلخيص تعليم بولص على هذا الوجه الآتي :
(ما دامت الشريعة قائمة فالخطيئة ترتكب ، ولكن المسيح أبطل الشريعة فبطل أرتكاب الخطيئة)
القضية الكبرى صحيحة ، فان الشريعة عبارة عن الأوامر والنواهي التي تبين للناس حكم الآمر المطلق ومشيئته ، وان الذي يعين الوظيفة والحقوق هو القانون والقانون نفسه هو الذي يعين المسئولية والجزاء أيضاً ، وكما ان الطاعة للشريعة تعد صلاحاً ، فمخالفة الشريعة تحسب خطيئة ، فبولص يسوق نتائج اقيسته كلها في هذا المركز (من أول الباب الثاني إلى نهاية الباب الحادي عشر من رسالته إلى الرومانيين وكذا للغلاطيين) .
(وما دام الأمر باقياً فالوظيفة بالطبع ثابتة ، وحينما يرتفع الأمر تلغى الوظيفة) وبناء عليه فالمسئولية أي الصلاح والخطيئة موقوفان على وجود الشريعة وباعتبار النتيجة ، كما أن الصلاح أي طاعة الشريعة يوجب النجاة ، فالخطيئة أي تعدي للشريعة ينتج الهلاك ، إذن فالشريعة هي التي تعرف الخطيئة وتميزها وتفرقها ، لأنه أن لم تكن الشريعة ، فبأي واسطة أمكن من معرفة الحلال من الحرام ، والخير من الشر ، والفضيلة من الرذيلة ؟ والخلاصة كيف اعرف الخطيئة والسيئة والمعصية ؟
بولص يقرر هذا فيقول (بالشريعة تعرف الخطيئة) (إلى أهل رومية 20:3) .
وكذلك يروي عن حضرة بولص قوله (فماذا نقول الآن هل الشريعة خطيئة ؟ حاشا ، بل لم أعرف الخطيئة إلا بالشريعة ، فأنني لم أعرف الشهوة لو لم تقل الشريعة لا تشته ، ولكن الخطيئة وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة ، لان بدون الشريعة الخطيئة ميتة أما أنا فكنت بدون الشريعة ، عائشاً قبلاً ، ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطيئة فمت أنا فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت ، لان الخطيئة وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتـني بها وقتلتـني ، إذن الشــريعة مقدسة والوصية مقدسة وعادلة وصالحة (روميـة 7 : 7-12) .
أدرج الآيات التي مرت آنفاً من الكتاب المقدس المطبوع في مطبعة بوياجيان آغوب في القسطنطينية ، بنفقة شركة بايبل الإنجليز والاميركان على المعتاد ، وبناء عليه فالشركة المذكورة هي المسئولة عن الترجمة بقولها (بالترجمة عن اللغات العبرانية والكلدانية واليونانية)(*) .
فعلى وجهة محاكمة بولص الشريعة قاتلة ومميتة ، لأنه نفسه يعترف قائلاً (أما أنا لما كنت قبلاً بغير شريعة كنت حياً ، ولكن لما جاء الأمر حييت الخطيئة ومت أنا ، وذلك الأمر الذي صار سبباً للحياة صار سبباً لي للموت) وها هو منشأ ضلالة المسيحية - حسب فكري القاصر- متمركز في تعاليم بولص هذه على ما اعتقد فهل كانت شريعة الله هي السبب لأحياء الخطيئة وموت الإنسان ؟ إن عيسى الأناجيل لم يخطر بباله مثل هذه الخيالات ، وأما بولص فمن جهة يعترف بأن الشريعة مقدسة وعادلة وصالحة ، ومن الجهة الأخرى يدعي ان الشريعة أحيت الخطيئة وهي القاتلة للإنسان (لأنه بأعمال الشريعة كل ذي جسد لا يتبرر أمامه) (رومية 20:3) (فانه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها إذ الشريعة لم تكمل شيئاً) (إلى العبرانيين 19:7) (المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا) (إلى الغلاطيين 13:3) .
فالآن يفهم ان قصد بولص من تفسيره المقدمة الكبرى من القياس على هذا الوجه هو عبارة عن تمهيد طريق لإثبات المقدمة الصغرى ، والحال أن ظنيات بولص ومحاكمته ومعيار تفكره ليس بأكثر من مغالطة ، أما الحقيقة فهي على الوجه الذي اعترف به بولص نفسه أولاً - إن الإنسان باعتباره موجوداً ناطقاً خلوقاً تابع لثلاث شرائع ، الشريعة غير المكتوبة وهي الضمير والوجدان الذي يسوق للإنسان إلى جب الخير والاستقامة (والثانية) هي القانون البشري الحيواني الطبيعي الذي يسوق الإنسان إلى الأهواء النفسية والمنفعة الشخصية (والثالثة) شريعة الله وهي رضاؤه وإرادته التي بينها على ألسنة الأنبياء بالوحي والإلهام ، إذن فهادي الوجدان ومديره هو الشريعة سواء أكانت الشريعة مكتوبة أم غير مكتوبة ، ويتمكن الإنسان من أن يميز الخير من الشر على قدر ما يدرك وجدانه حتى ان الولد الصغير يخاف من أمه إذا سرق شيئاً من السكر ، أي ان عقله يصل إلى إدراك ما ارتكبه من الذنب بواسطة وجدانه الصغير ، وعليه فقد غلط بولص في قوله ان الشريعة أحيت الخطيئة وأماتت الإنسان ، الخير والشر كلاهما من الله ، ولو لم يكن هذان لا تعرف الإنسانية قدر العافية ولا مزية الرقي ، الخير والشر هما الواسطتان اللتان تميز ان الإنسان من نوع الحيوان ، وترفعان عالم الأخلاق إلى العلاء .
الشريعة ليست مولدة الخطيئة ومسببتها ، ولكن معيارها المعين لها ، علة الخطيئة الفاعلة هي إرادة الإنسان الجزئية .
ولكن قوله (لا يتبرر أحد في نظر الله بواسطة أعمال الشريعة) وقوله (لم تكمل الشريعة شيئاً) كلاهما خلاف الحقيقة على خط مستقيم ، بل الأمر بالضد أو النقيض فالشريعة تكمل كل شيء ، فان من يلتزم ما أمرت به الشريعة ويسلك حسب أوامرها فهو الإنسان الكامل الذي يعد باراً وصالحاً عند الله ، وان شريعة الله تجري على ناموس التكامل ، كل أنبياء بني إسرائيل وأبرارهم نجوا وخلصوا لأنهم سلكوا وفق شريعة الله .
وفي هذا الخصوص لما فهم بولص أنه سيجعل نفسه عرضة للتهمة بالإضلال ، قال ان إبراهيم وكل الصالحين تبرؤا بالإيمان ، أي انه يقول لا يخلص أحد بواسطة أعمال الشريعة لكنهم وجدوا الخلاص بالإيمان فقط ، والحال أن مثل هذا الاستدلال لا يثبت شيئاً فهذا بمعني (أساس التسؤل) petitie perneipli من ذا الذي يهتم بالشريعة وليس له إيمان ؟ وإذا لم يكن الإنسان مؤمناً فهو لا يطيع شريعة الله ، ولكن هل يكفي الإيمان وحده ؟ كلا إن الشيطان أيضاً مؤمن بالله ، حتى انه ليرتجف خوفاً منه ، ولكن كيف يبرهن على وجود الإيمان إذا لم يكن العمل ؟
قارنوا بين تعاليم بولص هذه وبين تعبيرات المدح التي أوردها الزبور في هذا الباب ، فان داود عليه السلام يترضى عن حال ذلك الذي :
(يجد مسرته في شريعة الرب ويطالع في شريعته ليلاً ونهاراً) (مزامير 2:1).
(اسلكني في طريق وصاياك لأني وجدت مسرة فيها) (مزامير 35:119) .
(وأتلذذ بوصاياك التي أحببت) (مزامير أيضاً 47) .
(تذكرت أحكامك من القديم يا رب فتعزيت) (أيضاً 52) .
(ذكرت في الليل اسمك يا رب وحفظت شريعتك) (أيضاً 55)
(في منتصف الليل أقوم لأحمدك لأجل أحكامك العادلة) (أيضاً 62) .
(لو لم تكن شريعتك مسرتي لهلكت حينئذ في مشقتي) (أيضاً 92) .
(سبع مرات في النهار أحمدك لأجل أحكامك العادلة) (أيضاً 164) .
فإذا لم يكن افتراء بولص وبهتانه تقولاً وطعناً على شريعة الله التي هي مدار افتخار كل الأنبياء ، وسند الصالحين ، ومسلية المضطربين ، ودليل رجاء الخاطئين ، وأنشودة السيناغوغ إذن فما هي ؟ كيف تميت الإنسان شريعة موسى وهي التي بعث بها 124000 مائة وأربعة وعشرون ألفاً من النبيين ؟ لكل سبط من بني إسرائيل أثنى عشر ألفا ؟ (كلمة 7 : 1-8)(*) هي لا تميته بل هي التي تحييه ، تلك حقيقة يجب أن يخجل لها بولص ، أليس هؤلاء الأنبياء لم يبيضوا بدم الحمل قطعياً ؟
هل كان أولئك الرجال المقدسون الذين أنجبتهم شريعة موسى ، دون عزة الكنيسة طالبي الجدال ؟ فلنعدد عشرة من مقدسي المسيحية : آثاناثيوس ،قسطوريوس ، آبو طيكوس ، قورللوس الاسكندري ، لوتر ،جان ويكليف ، كلوين ، ايفناتيوس لبولا ، وهلي ، جنرال بوث ! فضلاً عن أني لا أتصدى للطعن بقلمي على أشخاص هؤلاء الذوات ، لا اقدر أن اكتب في حق هؤلاء الناس الراحلين شيئاً عن إبداعهم إلى رحمة الله ، ولكن بطولة هؤلاء وشهرتهم لم تنشأ إلا من شدة عداوة بعضهم لبعض ، وإدخال الشقاق والنفاق على أبناء دينهم .


الأعلى رد مع اقتباس
إضافة رد
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" القناص " و" السفاح " و" المايسترو ".. من الأفضل في أسيا .؟ الولهان عالم الرياضة 5 28 Nov 2007 10:20 PM
حكم الاكتتاب في شركة ملاذ للتأمين وإعادة التأمين الشيخ " العصيمي"+ والشيخ" الشبـيـلي" العالمي الشدادي11 الإقتصاد والأسهم السعودية والوظائف 4 14 Feb 2007 01:13 PM
نجاة افغاني من موت محقق """"""" سبحان الله العالمي الشدادي11 القسم العام 5 03 Jun 2006 03:11 AM
""أبتعاااادااات"" .. و .. ""غااااياااات لوقائع صائب"" صويب الوله مرافئ البوح 22 25 Feb 2006 01:16 AM
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

11:04 PM
Powered by vBulletin® developed by Tar3q.com